ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأخت المسلمة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=45)
-   -   الكفاءة القَبَلية في الزواج (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241152)

ابوالوليد المسلم 23-09-2020 03:13 AM

الكفاءة القَبَلية في الزواج
 
الكفاءة القَبَلية في الزواج
مهند الخليل



نشر الأخ ابو فيصل البدراني رسالة موجزة حول قضية تثير جدلاَ واسعاً هي مدى شرعية اشتراط تكافؤ النّسّب في الزواج، منطلقاً من انقسام الناس فيها بين إفراط وتفريط بحسب قوله، ويلحق بها كذلك الطبقية والعنصرية والقومية.

ولا يخفي الكاتب انحيازه منذ البدء إلى وجهة نظر يراها وسطاً بين تطرفين، ويستهل بحثه بإيراد الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]، فهي نص جامع مانع على أن ميزان التفاضل في شرع الله تعالى ينحصر في التقوى، وهذا منتهى الحق والعدل، فالتنافس في تقوى الله عز وجل مفتوح أمام المسلمين، وهو ميزان تتجلى روعته عند استحضار الموازين المنحرفة والتي كانت سائدة عند العرب في جاهليتهم للتفاضل بين البشر (في نظرتهم لغيرهم من غير قبائلهم، سواءٌ كانوا من قبائل أخرى أقل منها درجة في النسب، أو في نظرتهم للأعاجم، أو في تعاملهم مع العبيد والموالي)!

وفي مضمار التطبيق يورد المؤلف وقائع ثابتة في السنة النبوية المطهرة، كالتي جرت مع الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، فقد روى الشيخان من حديث المعرور بن سويد: قال: مررنا بأبي ذر بالربذة، وعليه بُردٌ وعلى غلامه مثله، فقلنا يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة، فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية»! قلت: يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه، قال: «يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم ».ويقتبس من السيرة الشريفة واقعتين حصلت كلتاهما في يوم فتح مكة حيث أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤذنه بلالاً الحبشي أن يرتقي سطح الكعبة ليجهر بنداء الحق: الله أكبر الله أكبر!!ومشركو قريش وسائر العرب ما كانوا يتمنون أن يعيشوا إلى اليوم الذي يرون فيه العبد الحبشي في أرفع مكان عندهم!!

وعندما دخل صلى الله عليه وآله وسلم الكعبة في ذلك اليوم أدخل معه الصحابي الفتى يومئذ أسامة ابن زيد بن حارثة أي مولاه وبن مولاه وبلالاً الحبشي وعثمان بن طلحة سادن الكعبة!!

هذا بالرغم من وجود خيار وأكابر الصحابة مثل الخلفاء الراشدين الأربعة وسائر وجهاء المهاجرين والأنصار...

وبعد أن يعرض الكاتب تعريف الكفاءة في النكاح بالمعنى الاصطلاحي - مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة، بحيث لا تُعيّر الزوجة ولا أولياؤها بزواجها منه، ومن الفقهاء من عرفها بأنها: أمر يوجب عدمه عاراً والعار هنا بمعنى حصول الانتقاد للمرأة أو أولياؤها لقبولهم بهذا الزواج مما يوقع ضرراً معنوياً بسمعتهم، لأنهم يتعيرون بأن ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم – يورد خصال الكفاءة لدى الفقهاء ليتبين إجماعهم على الدين والاستقامة فقط واختلافهم في الخصال الأخرى ومن بينها الكفاءة في النسب التي أسقطها مالك ابن أنس رحمه الله مستدلاً بأن المفاضلة تقتصر على التقوى، وأخذ بها أحمد رحمه الله في إحدى الروايتين عنه فالأعجمي ليس كفؤاً للعربية، والعرب يرون في مناكحة الموالي عاراً ونقيصة.والقول الثالث الذي يميل الكاتب إليه من دون تسفيه الأقوال الأخرى التي يعترف بأن لها وجاهة قوية، هو أن الكفاءة في النسب حق للمرأة وأوليائها فإن أسقطوه فلهم ذلك والنكاح صحيح، وهو قول جمهور الفقهاء من الشافعية والحنفية وهو القول المعتمد عند الحنابلة.

ومما اعتمد عليه الكاتب في ترجيحه قول الجمهور، أن التكافؤ بشكل عام من العوامل الأساسية لإنجاح الحياة الزوجية بعد توفيق الله، وكل ما كان التقارب في المستوى الديني والمادي والاجتماعي والفكري والثقافي والعلمي والعمري وفي العادات والتقاليد، كان ذلك أدعى لنجاح العلاقة بين الزوجين، وهذا في الأعم الأغلب، وكما لا يخفى على القارئ الكريم أن الزواج ليس هو علاقة بين فردين: الزوج والزوجة، بل هو علاقة بين أسرتين، بل ربما أكبر من ذلك، والنظر لمستقبل الأيام وما قد يُحدثه هذا الزواج من مشكلات لاحقة بين ذلك الخاطب ووالدته، أو أسرته من مشكلات المسلم في غنى عنها.

وكذلك بالتكافؤ يكون الحصول على ثمرة الزواج المتمثلة بالسكن الوارد في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

ولتحقيق شروط السكن والمودة والرحمة داخل بيت الزوجية، لابد من اعتبار بعض العوامل الأخرى غير الدين فالبيوت المسلمة السعيدة تقوم على أمور أخرى لتدعم التدين فيما يخص شئون الحياة، وإن كان شرطها الأول والأهم هو الدين وهو الإطار الذي يحكمها، ولكن لابد من عدم الغفلة عن الشروط الأخرى، وهذا مذهب الجمهور الذي يقول: (أنه يراعى في زواج المسلمة أربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصنعة، فلا تزوج المسلمة من كافر، ولا الصالحة من فاسق وقيل هذا على سبيل الكراهة لا التحريم وخاصة مع عدم وجود البديل الصالح، ولا الحرة من عبد، ولا المشهورة النسب من الخامل، ولا بنت تاجر أو من له حرفة طيبة ممن له حرفة خبيثة أو مكروهة، فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح)!!

وكاتب هذه السطور لا يوافق المؤلف على رأيه وإن كان يحترمه، فالإسلام أسقط التفاخر الجاهلي الذميم ونسف استعلاء الإنسان بنسبه أو ماله أو غير ذلك من الاعتبارات الجاهلية قديمها وحديثها سواء، فكيف نلتزم باسم الشرع عرفاً يخالف جوهر الميزان الإسلامي للتفاضل؟

إن هناك فرقاً شاسعاً بين حفظ الأنساب وهي من الكليات الأساسية وبين تفضيل قبيلة على أخرى جملة، ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوّج زينب بنت جحش القرشية من مولاه زيد بن حارثة!! وحتى التفضيل العام لا يستلزم تفضيل كل فرد من القبيلة سين على كل فرد في القبيلة صاد، وإلا فهل الفاسق القرشي-وقريش ذروة قبائل العرب-يكون أفضل من التقي غير القرشي؟

صحيح أن القضية تخص المرأة وأولياءها لكننا نتكلم عن المجتمع المسلم الذي يجب تربيته على قيم الدين السامية وعلى رأسها أن التفاضل الحق يكون بتقوى الله فحسب. أما أن نضفي شرعية على الاعتبارات الجاهلية بما فيها الطبقية والعرقية.... بذريعة الحرص على نجاح الزواج فأمر عجيب، مهما حسنت نيات القائلين بذلك. فالفرق كبير بين رفضنا لقولهم وبين الإساءة إليهم لا قدر الله.
http://img04.arabsh.com/uploads/imag...43426dfb05.png



الساعة الآن : 12:57 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 9.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.19 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.01%)]