ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   حقيقة توحيد الله عز وجل: (توحيده في القصد والطلب) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=254123)

ابوالوليد المسلم 02-03-2021 03:04 PM

حقيقة توحيد الله عز وجل: (توحيده في القصد والطلب)
 
حقيقة توحيد الله عز وجل: (توحيده في القصد والطلب)












مالك بن محمد بن أحمد أبو دية




بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين، وهو حسبي وعليه اعتمادي، أما بعد:




فآيتان من كتاب الله عز وجل ذكرهما أبو عبدالله ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "الفوائد" فيهما حقَّا الله رب العالمين المتفرد بهما، وهما القصد والطلب، وهما:



1- قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ [الحجر: 21].







2- وقوله: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42].







3- فأما الآية الأولى فقد قال عنها رحمه الله: «قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ [الحجر: 21]، متضمنٌ لكنزٍ من الكنوز، وهو أن كل شيء لا يُطلب إلا ممن عنده خزائنه ومفاتيح تلك الخزائن بيده، وأنَّ طلبه من غيره طلبٌ من ليس عنده ولا يقدر عليه»؛ اهـ.







فما من شيء من منافع العباد الدينية أو الدنيوية أو الأخروية إلا خزائنه عند الله، وبيده جميع صنوفها، فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء برحمته الواسعة وحكمته البالغة.







قال العلامة السعدي رحمه الله: «أي: جميع الأرزاق وأصناف الأقدار لا يَملكه أحد إلا الله بيده، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بحسب حكمته ورحمته الواسعة»؛ اهـ.







فهذه الآية اجتمع فيها إثبات تفرُّد الله سبحانه وتعالى بحقه في ربوبيته على خلقه؛ لأن من ملك خزائن كل شيء بحيث لا يكون شيء إلا وخزائنه عنده، هو مالك كل شيء على الحقيقة، والمتصرف في كل شيء على الحقيقة، والمدبر لكل شيء على الحقيقة، ومن كانت هذه صفاته، فهو الرب والسيد لهذا العالم بهذا يستحق الحمدَ كلَّه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]؛ أي: الحمد الكامل بجميع وجوهه لخالقِ العالمين ورازقِهم وسيدِهم ومربِّيهم بصنوف نعمه، فمن كان هذا نعته، ومَن كانت هذه صفاته، ومن كان هذا ملكه، كيف يُطلب من غيره؟!








كيف يستعان بغيره وهو المستعان؟! قال الله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].







كيف يُدعى غيره وهو المجيبُ المضطرَ إذا دعاه؟! قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].







كيف يُستنصر غيرُه ولا ناصر لمن لم ينصره؟! قال سبحانه: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [آل عمران: 160].







كيف يُسترزق غيره ولا رازق لمن لم يرزقه؟! كيف يُطلب من غيره وعنده خزائن كل شيء؟! ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].







أخرج الحاكم والطبراني في "الدعاء" وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع"، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: ((اللهم إني أسالك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك)).







4- وأما الآية الثانية فقال فيها ابن القيم رحمه الله: «وقوله: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42]، متضمنٌ لكنزٍ عظيم، وهو أنَّ كل مرادٍ إن لم يُرد لأجله ويتصل به، إلا وهو مضمحلٌ منقطعٌ؛ فإنه ليس إليه المنتهى، وليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت إليه الأمور كلها، فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه، فهو غاية كل مطلوب، وكل محبوب لا يُحب لأجله عناء وعذاب، وكل عمل لا يُراد لأجله فهو ضائع وباطل، وكل قلب لا يصل إليه، فهو شقي محجوب عن سعادته وفلاحه»؛ اهـ.







فأفادت هذه الآية أن من ينتهي إليه الخلائق ويصيرون، يجب أن تنتهي إليه أعمالهم وتصير، وهذا حقه سبحانه في القصد، فيجب أن يُفرد بهذا الحق، فيُخلص له في جميع الأعمال، ولا يُقصد بها أحدٌ سواه؛ لأنه لا إله إلا الله، لا معبود بحق سواه.







فهاتان الآيتان - آية الحِجر وآية النجم - اجتمع فيهما حقيقة توحيده سبحانه وتعالى، وهو إفراده بحقه العظيم في القصد والطلب، فلا يُقصد غيره، ولا يُطلب من سواه؛ قال أبو عبدالله ابن القيم رحمه الله: «فاجتمع ما يراد منه كله في قوله: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ [الحجر: 21]، واجتمع ما يُراد له كله في قوله: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42]، فليس وراءه سبحانه غايةٌ تُطلب، وليس دونه غاية»؛ اهـ.







وهذا المعنى هو نفسه الذي دلت عليه آية الفاتحة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، ﴿ إياك نعبد ﴾: يعني لا نقصد أحدًا غيرك بالعبادة، ﴿ وإياك نستعين ﴾: يعني لا نطلب عونًا من سواك.







وكيف نقصد غيره بعبادة، وكيف نطلب عونًا من سواه؟! وهو رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بيده خزائن السماوات والأرض، وإليه المنتهى؛ في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله قال: ((يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يده))، وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)).



تمت



والحمد لله في الآخرة والأولى








الساعة الآن : 11:05 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 10.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 10.49 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.89%)]