ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 25-08-2020 03:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
النقصان من دين الله كالزيادة فيه

والنقصان كالزيادة، فلو قلنا: يا جماعة! نحن الآن في تعب وإعياء هيا نصلي المغرب ركعتين فقط، ونحن مسلمون، ربي ليس في حاجة إلى هذا الركوع والسجود، وصلينا ركعتين، هل يفتينا فقيه تحت السماء في الشرق والغرب بأن صلاتنا صحيحة، فيقول: صحيحة؟ والله لا يوجد من يقول ذلك.إذاً: الزيادة كالنقصان؛ لأنها مركبات أدق من الكيمياويات؛ لأنها وضعت لتنتج النور .. لتولد الكهرباء، ليست قضية هينة، أمن السهولة واليسر أن تولد أنت الكهرباء بدون أجهزتها وأدواتها؟ اضرب بعصاك وولّد!فهذه العبادة لتوليد النور، فإن لم تكن مما شرع الله والله لن تولدها، فإن لم تأتِ بها كما هي في صفتها .. في كميتها، والله لا تولده.العمل الصالح هو ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وراعى فيه فاعله الإخلاص، فإن أشرك بطل، وإن التفت إلى غير الله يريد أن يريه عمله ليثني عليه، أو يشكره، أو يجزيه به خيراً، أو يدفع عنه المذمة بطل العمل، واقرءوا: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ماذا؟ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]. والرسول يقول: ( إياكم والشرك الأصغر. قالوا: يا رسول الله! ما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء )، كأن يتصدق الرجل صدقة لله، ويريد أن يسمع بها الناس ويروها. يدخل في الصلاة يحسنها .. ينمقها .. يزينها حتى يقال: فلان يحسن الصلاة، هذا هو الرياء، وهو يبطل العمل.فلا يقبل الله تعالى إلا ما كان لوجهه خاصة، فإن التفت إلى غير الله فاطلب الأجر من غير الله.

ضرورة التقيد بزمان العبادة ومكانها

أرأيتم لو صلينا العشاء الليلة، وقال خادم الحرمين -أطال الله عمره-: غداً أهوال، صلوا الصبح حتى ما ترجعوا الليلة من بيوتكم. وصلينا الصبح بعد صلاة العشاء، هل يوجد تحت السماء من يقول: صلاتكم صحيحة؟ يا شيخ! ما فعلنا إلا الطاعة؟ أبداً، صلينا لله، الله ليس في حاجة إلى الزمان ولا المكان، صلاتنا ما بها؟الجواب: صلاتكم باطلة، وما معنى باطلة؟ لا أجر فيها، ولا ثواب عليها؛ لأن مولاها ما قبلها، والعلم عندكم؛ لأنها لا تزكي النفس، ولا تولد الطاقة النورانية؛ لاختلالها، وهذا هو سرها.الآن عرفتم ما هو العمل الصالح؟رقص! شطح! أضاحيك! ألاعيب! بدع وضلالات!العمل الصالح: هو ما شرعه الله لعباده لتزكية أنفسهم وتطهير أرواحهم ليقبلهم في جواره؛ لأن الله يحب المتطهرين، وهذه الطهارة لن تتم إلا على تلك العبادات التي شرعها الله وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في الكيفية والعدد، والزمان، والمكان.ومثلنا غير ما مرة: لو عزمنا هذا العام أن نقف بأحد، وجبل أحد جبل عظيم، قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أحد جبل يحبنا ونحبه )، فلما جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نهاية معركة أحد اضطرب، ماذا؟ قال: ( اسكن أحد ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان )، فنادى الجبل: اسكن يا أحد، لم تضطرب؟ ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، وسكن، قلنا: هذا العام الوقفة في أحد. هل يقال: هؤلاء حجوا؟ لأن الوقفة تكون بعرفة. قلنا: هذا العام ننقلها إلى المدينة، فهي حرم، ومكان مقدس. والله ما حجوا أبداً، ولن يحدث هذا الوقوف في نفوسهم أقل من جرام نور.لابد من المكان أو لا؟( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة والمجزرة وقارعة الطريق ومعاطن الإبل )، فلو صلينا حيث نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم تصح الصلاة في المقبرة، والمجزرة، ومعاطن الإبل، وقارعة الطريق. وقارعة الطريق حيث يقرع الناس الأرض بأرجلهم، أي: ممر الناس، فأنت تأتي وسط الطريق: الله أكبر، تصلي، والناس يقفون من هنا وهنا، ينتظرونك، آذيت المؤمنين، كيف يجوز لك هذا، صلاتك باطلة.والذي يصلي في معاطن الإبل، إذا هاج البعير ورفع رأسه وضربه برجله، فتدخل تصلي وأنت خائف ما تدري تتمها أو لا؟ لا يجوز.والشاهد عندنا: إذا راعى الشارع المكان فلابد من ذلك وإلا بطلت العبادة.الزمان، لو أردنا أن نقدم رمضان فنصومه في شعبان لظروف خاصة، وأعلنا: العام المقبل أيها المسلمون! الصيام في شعبان، إما لحر شديد يواجهنا، أو لكذا، وصمنا ثلاثين يوماً باسم الله، بإذن الله نيابة عن رمضان، هل في من يقول: صح صيامكم؟ والله لا يوجد واحد، قط، لِم؟ ماذا فعلنا؟ الزمان غير الزمان.إذاً: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا [البقرة:62]، هل عرفتم العمل الصالح؟ العمل الصالح يكون إذا توفرت فيه تلك الشروط.

عاقبة أهل الإيمان والعمل الصالح من أهل الأديان

قال تعالى: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:62]، فهو الذي يتولى الجزاء، وأجرهم: مثوبتهم مقابل عملهم عند ربهم، مذخور لهم ومخبأ، فيعطيهم منه في الدنيا، ويعطيهم كاملاً في الآخرة. فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، إذاً: انتفى الخوف ماذا يكون بعده؟ الأمن، وإذا انتفى الحزن ماذا يكون بعده؟ السرور.إذاً: آمن ومسرور، هذه هي السعادة. السعادة أمن وسرور .. السعادة أمن وفرح، فرح وخوف ما هي بسعادة .. أمن وحزن ما هي بسعادة، أمن وسرور وفرح: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62].وهذا بيان الله عز وجل لكل البشرية، فمن أراد أن يأمن من عذاب الله، وأن يفرح بلقاء الله في دار السلام فعليه أن يؤمن حق الإيمان ويعمل صالحاً.وما السر في هذا؟ لأن الإيمان يدفع إلى العمل الصالح ويقويه، والعمل الصالح يزكي النفس ويطهرها: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].وعاد السياق إلى اليهود، بعدما أزال ذلك الهم من نفوسهم، وقال: لا تيأسوا، لا تقنطوا، أنتم كغيركم، اسمعوا خبر الله: من آمن من اليهود .. من النصارى .. من المجوس .. من المسلمين وعمل صالحاً فلا خوف ولا حزن، والأجر مذخور لهم عند الله يوم القيامة.
تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة ...)
ثم واجههم فقال: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ [البقرة:63]، اذكروا يا بني إسرائيل، اذكر يا رسولنا لهم، إذ أخذنا ميثاقكم، والميثاق هو العهد المؤكد الموثق، كما توثق الشاة بالحبل، توثقها: تربطها بحبل.إذاً: أخذ ميثاقهم، أين هذا الميثاق؟ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة:63]، اذكروا الوقت الذي جئتم مع نبي الله موسى واجتمعتم، وطلب إليكم أن تحملوا التوراة، وتتحملوها، ليأخذ عليكم عهداً وميثاقاً أن تقرءوها وتفهموها وتعملوا بما فيها.فهؤلاء اجتمعوا وموسى هو الذي جمعهم عليه السلام ليأخذ منهم عهداً على أن يعملوا بالتوراة، أولاً: يقرءونها .. يفهمونها .. يعملون بما فيها، من سورة الأعراف قال تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ [الأعراف:171].إذاً: ذكرهم بهذه الحادثة، ومع الأسف لما قال: هذا هو كتاب الله .. هذا هو التوراة، تعهدوا أن تقرءوا وتفهموا وتعملوا بما فيه، قالوا: لا نستطيع.أنت تعرف ظروفنا وأحوالنا والدنيا وأتعابها، كيف نلتزم، ما نستطيع.يا عباد الله! أعطوا عهداً لربكم، هذا هو كتاب هدايتكم .. كمالكم وإصلاحكم وسعادتكم، التزموا بعهد منكم. قالوا: لا نقدر.يا شيخ! لو عرض هذا على المسلمين اليوم يقولون: نقدر؟!حتى لا تفهموا فهماً بعيداً، الآن يعرض على المسلمين العودة إلى الإسلام، ما استطاعوا، قالوا: ما نقدر، هذه الظروف وكذا والأحوال، كيف نقص اليد، وكيف نعمل و.. كيف نجتمع للصلاة كلنا ونغلق أبوابنا؟!هل هذا واقع أو لا؟!طالبناهم فقط بما بين المغرب والعشاء، إذا مالت الشمس إلى الغروب وقف دولاب العمل، فأغلقت الدكاكين والمتاجر .. المزارع .. المصانع.إلى أين؟ إلى بيت الرب وليس بيت الحاكم.. إلى بيت الله بأطفالنا ونسائنا، ونجتمع من المغرب إلى العشاء كاجتماعنا هذا، ليلة آية وليلة حديثاً، أي: مع الله ورسوله، طول العام، فهل يبقى بيننا جاهل أو جاهلة؟ والله ما كان.أما النتائج فلا تستطيع أن تقدرها، فيختفي الظلم، والشر، والخبث، والفساد، والفقر، والبلاء والإسراف، كلها تنتهي؛ لعلمنا أن العالم العارف بربه لا يفجر .. لا يشهد شهادة الزور .. لا يزني بامرأة مؤمن .. لا يفسد عليه عبده، هذا أمر مسلم به.هل قالوا: نستطيع؟ دلوني، عام كامل ونحن نصرخ، فما استطاع أهل حي من أحياء المدينة أو أهل قرية أن يجتمعوا.عرفتم: أن بني إسرائيل لما قالوا: لا نستطيع يا كليم الله، فأمورنا ودنيانا وأشغالنا ... كيف نلتزم؟ ونخاف إذا التزمنا وخنّا يهلكنا الله ويعذبنا.فماذا فعل الله؟ ما كان من الله تعالى إلا أن نقض الجبل من أسفل ورفعه كالسحابة السوداء على رءوسهم: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ [الأعراف:171]، هل هو جبل الطور أو جبل آخر، هذا كله جائز، والمهم جبل نتقه الله من أسفل، وارتفع كالظلة على رءوسهم، والآن تأخذون أو لا؟ قالوا: نأخذ، وسجدوا سجدتهم، الآن في البِيع كيف يسجدون؟ اليهود لا يسجدون كما نسجد، يسجدون على خدودهم؛ لأن هذه السجدة نجاهم الله بها، لأنهم من الخوف ينظرون الجبل فوق وهم ساجدون، وإلى الآن يسجدون هكذا، فلما ارتفع، والآن تأخذون؟ قالوا: نأخذ، نطبق، ونقرأ، ونعمل بما فيه.

تفسير قوله تعالى: (ثم توليتم من بعد ذلك ...)

هل وفوا؟ قال تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [البقرة:64] أي: رجعتم لما كنتم تقولونه قبل العهد، فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [البقرة:64].قلت لكم: عرفتم هذه الحادثة، ذكرها تعالى في سورة الأعراف: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأعراف:171]، هل تم هذا؟ وبعد ذلك هل اجتمعوا على التوراة فدرسوها .. قرءوها .. عملوا بما فيها كما هو حال المسلمين؟ ولا فرق، فنحن واليهود على حد سواء، فلهذا يقول علي بن أبي طالب : يهتف العلم بالعملإن أجابه وإلا ارتحلاحفظ: يهتف العلم بالعمل: يا عمل؛ فإن أجابه وإلا ارتحل.ومعنى هذا: أن العلم إذا لم تعمل به لن يبقى عندك، ولن يستقر في ذهنك ولا نفسك، إلا إذا طبقته، وعملت به، فالذين علموا في هذه الليلة: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، إذا لم يعملوا به انتهى، ينسونه، لكن إذا حُفظ، وكلما تعرض عليهم بدعة آه، ينظرون الرسول قال: ( من عمل عملاً )، لا ينسى هذا أبداً.إذاً: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ [البقرة:63]، هل يخاطب اليهود الموجودين أو الأولين؟! قدمنا أنهم أمة واحدة، أولهم كآخرهم؛ لأنهم انتماء واحد، ولا في فرق بين يهود اليوم واليهود الذين كانوا أيام الرسول، والذين كانوا أيام سليمان وداود أو موسى وهارون، أبداً لا فرق، وما داموا أمة واحدة .. منهجاً واحداً .. عقيدة واحدة، فخطابهم واحد. وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة:63] وقلنا لكم: خُذُوا القرآن واحفظوه، وادرسوه، واعملوا بما فيه، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:63] عذاب الله وخزيه. وإذا بنا نقول: لا نستطيع.هذا واقعنا نحن يا مسلمون، أسألكم بالله: القرآن بين أيدينا أو لا؟ من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب هل اجتمع أهل قرية فقط، لا أقول: إقليم ومملكة، أهل قرية فقط، اجتمعوا على كتاب الله بنسائهم وأطفالهم يدرسون ويعلمون ويعملون بما فيه؟! دلوني، هل هذا موجود؟ أوما أخذ علينا الميثاق؟ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، وهذه الآية من سورة المائدة آخر ما نزل، ومن المخاطب بهذا؟ اليهود؟ لا، والله، من هم؟ المسلمون. وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ متى؟ لما قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقد أعطى عهداً وميثاقاً أن يعبد الله ولا يعبد معه سواه، ولا يقر أو يعترف بعبادة غير الله، حتى الموت.ثانياً: أن يمشي وراء رسول الله .. أن يطيع رسول الله في السراء والضراء .. في المنشط والمكره، وفي كل الأحوال، ولا يتقدمه، ولا يأتيه عن يمينه، ولا عن شماله، وإنما يمشي وراءه حيث وضع الرسول صلى الله عليه وسلم رجله وضع رجله هو.فهل عرفنا وطبقنا هذا؟!مرة ثانية: هل اجتمع أهل قرية بنية أن يدخلوا في رحمة الله عز وجل: النساء وراء، والأطفال أمامهن، والفحول أمام الجميع، والمربي ليلة آية تكرر تكرر حتى تحفظ، ثم يبين لهم معناها بلغة لسانهم، فهمتم ما قال ربكم؟ قالوا: نعم، قالت خديجة : لا، أنا ما فهمت. اسمعي يا أمة الله، معنى الكلام كذا وكذا وكذا، فهمتم، قال فلان: أنا ما فهمت. اسمع أعيد لك، الله يطلب منا أن نفعل كذا، أو نترك كذا، أو نؤمن بكذا، حتى يفهموا.وأخيراً، فهمتم ما أراد الله منكم؟ ماذا أراد؟قال: (أقيموا الصلاة) فلا يتخلفن رجل ولا امرأة إذا نادى منادِ الله: أن حي على الصلاة. وفي يوم آخر: الله يكره .. الله يسخط .. الله يبغض الذين يمشون بالنميمة بين المسلمين، ويقطعون أوصال المؤمنين والمؤمنات. عرفتم؟ قالوا: نعم. قرأتم الآية؟ قالوا: قرأنا.إذاً: لا يمكن أن يرى الله في قريتنا من ينقل كلمة سوء ليحطم بها فلاناً أو يمزق صلة فلان.أبعد هذا يبقى ربا .. يبقى زنى .. تبقى سرقة .. يبقى دش وأغاني وأباطيل؟! لن يبقى هذا أبداً.أحببت أن نفهم، لا نعيب على اليهود ما هم عليه ونحن غارقون أعظم من غرقهم، غارقون متى نثوب إلى رشدنا ونعود إلى ربنا، دلونا. الواهمون: الخلافة الإسلامية .. الحاكم المسلم! هراء .. باطل، كم مرت من سنين نقول: لو خرج عمر ونحن هكذا والله ما استطاع أن يقودنا، وسيفشل معنا.كيف إذاً؟نراجع أنفسنا: هل نحن مؤمنون؟ هل نحن صادقون في إسلامنا لله الوجوه والقلوب؟من قال: نعم؟ إذاً: بعد اليوم لا نسمع بكلمة سوء في قريتنا .. لا نرى منظراً باطلاً بيننا .. لا يحدث حدث سوء في وجودنا، وإن نظر حراماً في عشرين عاماً .. سرق سارق في ثلاثين سنة .. زنى زانٍ، هذا لا يلتفت إليه؛ لأن الشذوذ يقع، سنة الله.أما هبطنا إلى الحضيض؛ الربا .. الزنا .. الغيبة .. النميمة .. الخيانة .. الكذب.هل أعطيكم صورة أو لا؟يقال: هذا الشيخ المسكين عميل .. ذنب .. كذاب .. منافق .. كافر، كذا، لو تسمعون تسجيلاته تهربون من الدنيا. هذه صورة فقط، وإلا كل علمائنا وكل رجالنا في أي قرية أو بلد إلا ويناله النقد والطعن وكذا وكذا .. لا إله إلا الله.ما علة هذا؟ الجهل. ما قرأنا كتاب الله، ولا جلسنا بين يدي رسول الله وتعلمنا الهدى.هيا نرجع؟ لا نستطيع يا شيخ؛ فالأمور كما تعرف، وكيف نترك أعمالنا، ونغلق الدكان مع المغرب، ما هو ممكن، كيف؟ ما هو ممكن؟إذاً: كيف نرقى .. كيف نطلع .. كيف نكمل .. نكيف نأمن .. كيف نسعد؟الجواب: غير ممكن.والله تعالى أسأل أن يعافينا وإياكم. وصلى الله على نبينا محمد وصلى الله عليه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2020 03:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (57)
الحلقة (64)




تفسير سورة البقرة (28)

لم يكتف اليهود بالإعراض عن كلام الله وردّه، بل ظهرت فيهم صفة أخرى وهي الحيلة، وقد بين القرآن نموذجاً جلياً لهذه الصفة، وهو أنه سبحانه حرم عليهم الصيد يوم السبت، وكان يوماً تكثر فيه الأسماك، فاحتالوا بأن وضعوا الشباك يوم الجمعة لتمتلئ بالسمك يوم السبت، ثم يأخذونها يوم الأحد، فكانت عقوبتهم أن مسخوا قردة، وغدوا عبرة وموعظة لغيرهم.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله على تفسيرها وفهم معانيها؛ سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:63-66].

عظم منزلة الإيمان بالله واليوم الآخر

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!أطرح هذا السؤال: لماذا ندرس هذا الكتاب؛ والكتاب هو كتاب الله، القرآن الكريم؟لا ندرسه لأجل أن نعرف ما حدث في الكون، ولا ما أصاب أقواماً سلفت، ولكن ندرسه للاهتداء؛ لأن نهتدي إلى الطريق الموصل بنا إلى سعادتنا وكمالنا في الدنيا، وفلاحنا وفوزنا في الدار الآخرة بالنجاة من النار، ودخول الجنة؛ دار الأبرار.فها نحن مع الحقيقة التي مرت بنا من قبل وهو بيان إلهي، وهو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ [البقرة:62]، هذه أمم ذات أديان، ونحن على رأسهم. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهم أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس. وَالَّذِينَ هَادُوا وهم اليهود. وَالنَّصَارَى وهم الصليبيون أو المسيحيون ما شئتم قولوا. وَالصَّابِئِينَ وهم ما بين هؤلاء وهؤلاء.الكل وعد الله هو: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62].البشرية يا أبنائي كلهم عبيد الله، ليس بينهم من هو ذو قرابة من الله بنسب ولا بمصاهرة، ولا .. ولا، ما هم إلا عبيده، أبيضهم وأسودهم، فمن سلك سبيل النجاة نجا، ومن أعرض عن سبيل النجاة فغوي هلك، فلا فرق بين الأبيض والأصفر، ولا بين الغني والفقير، ولا بين الأولين والآخرين، هذا حكم الله فلنتأمله، ولنعمل على أن نحقق مبادئ النجاة: الإيمان بالله ولقائه، وهو المعبر عنه باليوم الآخر، وبكل ما يتم ويجري ويحصل في اليوم الآخر.

تطاير الصحف في اليوم الآخر

قد جاءت الآيات والأحاديث مفصلة مبينة لتلك الأحداث الجسام، ومن بينها معاشر المستمعين: تطاير الصحف، فمن آخذ كتابه بيمينه ومن آخذ كتابه بشماله. فالآخذون كتبهم بأيمانهم هذه علامة نجاتهم، والآخذون كتبهم بشمائلهم هذه علامة خسرانهم.وجاء هذا في موضعين من كتاب الله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:19-24]، هذه.

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا
[الانشقاق:10-12] لِم؟ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا [الانشقاق:13-15]. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:25-32]، لِم ما ذنبه؟ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [الحاقة:33-37] أصحاب الخطايا والذنوب.

صفات أهل الإيمان

المطلوب منا أن نحقق إيماننا، والإيمان دعوى يدعيها المنافق فيقول: مؤمن، ويدعيها البلشفي الأحمر ويقول: مؤمن، فلابد من تحقيق الإيمان.كيف أحققه يا شيخ؟ما عندنا إلا العرض الذي عرضناه على أبصار المؤمنين والسامعات من المؤمنات، نعرضه مرة ثانية.لوحة قرآنية، اسمع: إن وجدت نفسك بين هؤلاء الذين تسمع عنهم وتراهم فاحمد الله عز وجل، وإن وجدت نفسك غير موجود أو تظهر وتختفي فآمن من الآن، وادخل في الإسلام.العرض الأول من سورة الأنفال، يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2]، وهذه الصيغة صيغة قصر، أي: المؤمنون بحق وصدق، لا بالادعاء والنطق، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2]، أما أن يذكر الله فيضحك الضاحكون، ويسخر الساخرون، ويلهو اللاهون، فلا إيمان. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ ذكره من ذكره: وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وجلت قلوب السامعين: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] يرتفع منسوب إيمانهم من مائة وستين إلى مائة وثمانين، تعرفون مؤشرات الحرارة أو لا؟ كيف ترتفع إذا جاءت الحرارة، ولابد إذا تليت علينا آيات الله، واعظة مذكرة أو آمرة ناهية، أن يرتفع إيماننا. وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]. ومن باب التوضيح، ومن باب هداية إخواننا وطلب كمالهم وسعادتهم نذكر عيوبنا، ونزيح الستار عن بعضها؛ علَّنا نفيق من هذه السكرة. وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي: لا يتوكلون على غير الله، فنقول: الذي يعمل في بنك ربوي، وتقول له: أي بني! اخرج من هذا البنك حتى يخرج كل إخوانك، ويغلق البنك بابه، ويستريح أهله، ويدخلون في رحمة الله، فتكون أنت السبب. فيقول: أسرتي ومعاشي، كيف أترك؟ فنقول: توكل على الله .. فوّض أمرك إليه .. اطّرح بين يديه: ربي! أنقذني، فإنه يتولى إنقاذك.فإن قال أحد كما قلت، وبقي في تلك الحمأة فهذا ما توكل على الله، بل توكل على الراتب الذي يتسلمه.ونقول للذي فتح استيريو لبيع أشرطة الأغاني وأفلام الخلاعة والدعارة: يا عبد الله! هذا لا يصح من مؤمن يؤمن بالله، فأنت تؤذي المؤمنين والمؤمنات، تعرضهم لفتنة نفوسهم وقلوبهم، فاتق الله، واستبدل هذه الأشرطة ببيع الكزبرة والبصل والفلفل، ولا تبع ما يؤذي المؤمنين والمؤمنات. فإن قال: كيف أعيش؟ فهل توكل على الله أو على الدكان؟ هذا ما توكل على الله.والذين يستوردون مجلات الدعارة والخلاعة، ويبيعون جرائد تحمل الكفر في كثير من صفحاتها، وتقول له: أي أخي! أنت صاحب دكان تبيع أنواع البقلاوة فيكفيك ذلك، ولا تبع هذه المجلات التي تعرف أنها تحمل راية الدعوة إلى الباطل والشر والفساد، يقول: الزبائن، إذا لم أحضر هذه الجريدة أو المجلة لا يشترون، فأنا لا أستطيع. على من توكل هذا؟ على الدكان.وآخر: يا عبد الله! احجب امرأتك، وأبقها في بيتك، لا تجعلها تشتغل مع الفحول والرجال. يقول: هكذا العيش في الحياة، ماذا نصنع؟ نقول: توكل على الله، واترك امرأتك في بيتك، تعدّه لك وتهيؤه، وتسعدك فيه؛ خيراً من أن تكون جوالة بين الرجال من أجل راتب، فإن قال: لا أستطيع، الظروف والحياة هكذا. فهل توكل على الله؟!وسلسلة آخرها: فتح صالون حلاقة يحلق للفحول وجوههم: يا عم! يا خال! هذا لا ينبغي، الرسول يأمر بكذا، وأنت تعاكسه، أنت تحلق وجوه الفحول من أجل الريال والعشرة، نعم إن أراد أن تحسن له شعره حسِّن، أما أن تحلق له وجهه وشاربه وتتركه كالمرأة فهذا إثم لا يتحمل ولا يطاق، فاتق الله، قال: لا نستطيع، عيشي على هذا الدكان.وأخيراً: وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].معاشر الأبناء والإخوان! هل نحن إن شاء الله منهم؟إلى عرض آخر من سورة التوبة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ دخل الإناث هنا، لِم؟ الأمر خطير وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] وقد علمتم زادني الله وإياكم علماً أن الولاء هنا الحب والنصرة.وعلى كل مؤمن أن يحب المؤمنين: عمشاً .. غمصاً .. عجزة .. فقرة .. متسخين، قل ما شئت، مؤمن ينبغي أن تحبه، مؤمنة تحب كل مؤمن ومؤمنة، والنصرة: إذا قال عبد الله: وا إخوانه! قل: لبيك، ومد يدك وانصره.هذا هو الولاء: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، الصيني، والكَندي، والأوروبي، والإفريقي، والأسيوي، ليس هناك فرق؛ مؤمن صادق أحبه، وإذا استنصرك وطلب نصرتك فمد يدك وانصره، وبدون حب لا إيمان حق، مؤمن يكره عبيد الله وأولياءه كيف يكون مؤمناً؟مؤمن يبغض ويكره أولياء الله المؤمنين المتقين، والله ما هو بمؤمن، لِم؟ ما عرف الإيمان، وما استقر الإيمان في نفسه، وما فهم ما هو الإيمان. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، ابدأ ببيتك يا عبد الله، إن شاهدت امرأتك ترتكب منكراً انهها، تترك معروفاً واجباً مرها لتفعله، ومن امرأتك إلى ابنك، وابنتك، وأبيك، وأخيك إذا كانوا معك، ثم اخرج من البيت إلى جيرانك، الذين تلاقيهم ويلاقونك في كل ساعات النهار، ثم إلى أهل العمل معك، إن كنت في دائرة أو مزرعة، ويبقى أخيراً السوق فقط والشوارع، فإذا رأيت منكراً، وعرفت أنه مما أنكره الله ورسوله؛ لأنه يجر من البلاء والخسران على المؤمنين، قل: يا عبد الله! هذا لا ينبغي، افعل كذا، فإنه خير لك. بأدب واحترام، وإذا مررت بمنكر يغشاه أخوك فقل: أي أخي! هذا لا يجوز، فهذا أنكره الشارع، قال الله كذا، وقال الرسول كذا.هذه خطوة من خطوات الإيمان: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ . وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].أعيد الآيات وانظر: هل نحن بينهم؟ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71]، إن شاء الله .. رأيتمونا بينهم؟ الحمد لله. والذي ما رؤي إن شاء الله يرى.



يتبع

ابوالوليد المسلم 25-08-2020 03:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
جزاء أهل الإيمان يوم القيامة

أما الجزاء عند الله: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [البقرة:62]، لا في الدنيا ولا عند الموت، ولا في القبر، ولا في البرزخ، ولا في ساحة فصل القضاء بين يدي الله تعالى: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، لا اليوم ولا غداً، فأولياء الله لا يصيبهم الحزن أبداً، فإن مات الولد يدفنه وهو يحمد الله، فإن جاع ربط عصابة على بطنه وهو يحمد الله، فلا حزن، ولا خوف أبداً، لا في الدنيا، ولا في الآخرة.أما أهل الخوف والحزن والعياذ بالله هم أعداء الله الذين ما عاشوا في رياض لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخذ الميثاق والوفاء به

قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ [البقرة:63]، قلنا: ونحن أعطينا القرآن أو لا؟ أخذ علينا الميثاق أو لا؟ فهل وفينا لله، واقرءوا قول الله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ [المائدة:7] متى؟ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، قد أعطى عهداً وميثاقاً أن يعبد الله وحده بما شاء وشرع أن يعبد به.فهل وفينا لله وأخذنا ما في القرآن؟الجواب معلوم يا أبنائي، ودعنا من أفراد قليلين واحد في المليون، هذه أمة ذات الألف مليون، هل حقاً أخذنا بكتاب الله، فقرأناه وتعرفنا إلى ما فيه من هدى وأحكام، وأخذنا نطبق ذلك على أنفسنا، ونستشهد بآيات ربنا، ونسبة الناجين منا نسبة قليلة، والله يقول لليهود: وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ [البقرة:63]، لا تنسوا ما فيه من أمر ونهي، رجاء أن تتقوا: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:63].ثم قال لهم: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [البقرة:64] بعد ما أخذ عليهم العهد والميثاق والجبل فوق رءوسهم، يكاد يسقط عليهم، وعاهدوا وأخذوا، فما إن خرجوا من المحنة حتى أعرضوا وتولوا.وقال بعد ذلك: فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [البقرة:64] كان يبيدهم كما يبيد الأمم والشعوب، لكن منة الله ورحمته اقتضت ألا يصيبهم بوباء يفنيهم به، أو يسلط عليهم من يعدمهم.

تفسير قوله تعالى: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ...)

جاءت حادثة أخرى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ [البقرة:65] أي: يوم السبت، فالأيام سبعة: أول يوم السبت، ثم الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة.هذه الأيام كما علمتم أن الله عز وجل خلق في يوم الجمعة آدم، وأنزله إلى الأرض يوم الجمعة - ذكرى عظيمة هذه- وأن يوم القيامة سيكون يوم الجمعة، وقد قرأتم كيف أن الملائكة تكون على أبواب المساجد يكتبون القادمين إلى المسجد الأول فالأول، حتى إذا خرج الإمام طووا الصحف، ودخلوا يستمعون الذكر.فهذا يوم الجمعة عرضه الله تعالى على اليهود فرفضوا، وأفسد قلوبهم علماؤهم وقسسهم ورهبانهم، وعدلوا عن الجمعة إلى السبت.فلما أخذوا السبت مكابرين معاندين فرض الله تعالى عليهم ترك العمل يوم السبت، ومن آخر سورة النحل: إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النحل:124] لو تركوا الجمعة كانوا آمنين، ولكن اختلفوا وقالوا: السبت، بحجة أن الله ابتدأ الخلق يوم السبت، وأن الله استراح يوم السبت، وحاشاه أن يستريح.ومن سورة (ق) يقول تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] أي: نصب أو تعب. فقال الضالون المضللون: هذا اليوم أولى بالاحتفال فيه! وترك العمل؛ لأنه يوم ابتدأ الله فيه الخلق، وختم به الخلق واستراح.فهل الذي يخلق العوالم في ستة أيام يطلب الراحة أو يتعب؟ ولكن هذا هو فساد القلوب والعقول، قالوا للرسول هذا! وردَّ الله هذه الفرية بقوله: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [ق:38-39].ففرض عليهم السبت، ومنعهم من صيد السمك في يوم السبت؛ لأنه يوم المساجد والبيع والعبادة، فاحتالوا على الصيد كما جاء ذلك في سورة الأعراف، فوضعوا شراك الصيد في البحر يوم الجمعة؛ ليجتمع فيها الحوت وتمتلئ يوم السبت، وصباح الأحد يأخذونها، وقالوا: ما صدنا يوم السبت! نحن على وعدنا مع الله، الشراك وضعوها بليلة، وأخذوا الحوت في اليوم الثاني، وهذه هي الحيل التي قال لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم: ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ).والشاهد عندنا في أهل هذه القرية -وكانت مدينة على ساحل البحر- أن أهلها ارتكبوا هذا الجرم. فلنقرأ الآية الكريمة، قال تعالى من سورة الأعراف: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ [الأعراف:163] والقرية في عرف القرآن هي المدينة الكبيرة، مأخوذة من التقري الذي هو التجمع، وليست هي القرية باصطلاح الغربيين. وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163].فسقوا، ماذا فعلوا؟ اصطادوا، ارتكبوا جريمة، ونحن الآن عامة المسلمين: وإن زنى ما فسق! وإن كذب! وإن اغتاب، وإن سرق.ما هو الفسق؟ اصطادوا بالحيلة أيضاً، ما تحدوا الله، احتالوا، قال: فسقوا أم لا؟ وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163] هنا وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:164-166].إذاً: أهل المدينة انقسموا ثلاثة أقسام: قسم أنكروا وتبرءوا، وقالوا: هذه حيلة واعتداء على الشريعة بالحيل، فلقد صدتم، حيث وضعتم الشراك قبل السبت، وأخذتموها يوم الأحد، فتجمع الحوت يوم السبت، فأنتم صائدون، والله حرم العمل في هذا اليوم.وطائفة أخرى سكتوا، إما آيسون كأكثرنا، نقول: ليس هناك من يستجيب، ليس هناك من يقبل، اترك، خل الناس فيما هم فيه!وطائفة ارتكبت الجريمة.قال تعالى: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165] وهو أنه مسخهم قردة، فأصبحوا في الصباح يخرجون من بيوتهم قردة! ثلاثة أيام وهم في أبأس الأحوال، وأسوأ الظروف، وبعد ثلاثة أيام أصابهم الله بوباء؛ فهلكوا في يومهم، ثم دفعوهم إلى البحر، وكنسوا البلاد، وطهروها من رجسهم.وهذا قد ذكره تعالى في قوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65] بعيدين عن الخير أذلاء هالكين! وأنتم تعرفون القردة والعياذ بالله، نعم كان بالأمس يبتسم ويضحك، مرتفع القامة، يأكل ويشرب، وإذا به أصبح قرداً في الشوارع ثلاثة أيام، وابن عباس يقول: هذه سنة الله في من مسخهم، لا يعيشون أكثر من ثلاثة أيام.وبعضهم يقول: اليهود الآن قردة، لا ما هم قردة، القردة ماتوا، وإنما هم إخوان القردة، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوه لبني قريظة لما طوقهم ناداهم: ( يا إخوان القردة والخنازير! ) ما قال: هم قردة هم إخوانهم.
تفسير قوله تعالى: (فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين)
قال تعالى: فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا [البقرة:66] أي: تلك القرية وَمَا خَلْفَهَا [البقرة:66] ما بين يديها من القرى والسكان يشاهدون، تعالوا، الرجل يجد امرأته قردة! يجد أخاه وعمه قرداً، ويشاهدون ثلاثة أيام. نَكَالًا أي: لينكل من الناس من يريد أن يخرج عن أمر الله، ويفسق عن طاعته.النكال: هو الذي يجعله ينكل، ويجفل، ويتأخر، وما يقدم على المعصية؛ لما شاهد من آثارها. لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا أي: ممن يأتون بعدها من الأمم والشعوب.ثالثاً: وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:66]، لم المتقون فقط يجدون الموعظة في هذه؟ لأن قلوبهم حية، ونفوسهم طاهرة، فما إن يشاهدوا حدثاً كهذا إلا يتعظون به، فيبعدون عن ساحة الفسق والخروج عن طاعة الله ورسوله، ولا يرضون أبداً بفسق بينهم ولا فيهم، لما هم عليه من النور والبصيرة.أما الذين لا يتقون فلا يجدون عظة ولا عبرة، ما يتقون عذاب الله، ولا سخطه، ولا غضبه، منغمسون في المعاصي والجرائم، هل يجدون في هذه عظة؟ ما يجدون.المتقي حي، مؤمن، يتقي الله عز وجل، وأدنى حادثة ينتفع بها، والذين قلوبهم ميتة لا يفهمون، ولا يسمعون.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معاشر المستمعين! نقرأ هذه الآيات من الكتاب.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:63-66].

شرح الكلمات

قال المؤلف: [شرح الكلمات: الميثاق: العهد المؤكد باليمين]، عهد يؤكده بالحلف بالله.[الطور: جبل أو هو الجبل الذي ناجى الله تعالى موسى عليه السلام.بقوة: بجد وحزم وعزم]، خذ الكتاب بقوة أي: بجد، وحزم، وعزم، لمعرفة ما فيه، والعمل به.[توليتم: رجعتم عما التزمتم القيام به من العمل بما في التوراة.اعتدوا في السبت: تجاوزوا الحد فيه، حيث حرم عليهم الصيد فيه فصادوا.قردة: القردة جمع قرد، حيوان معروف مسخ الله تعالى المعتدين في السبت على نحوه.خاسئين: مبعدين عن الخير، ذليلين مهانين.نكالاً: عقوبة شديدة، تمنع من رآها أو علم بها من فعل ما كانت سبباً فيه.لما بين يديها وما خلفها: لما بين يدي العقوبة من الناس ولمن يأتي بعدهم] من أمثالنا.[وموعظة للمتقين: يتعظون بها، فلا يقدمون على معاصي الله عز وجل]. هذه هي الكلمات الإلهية.

معنى الآيات

قال: [معنى الآيات الإجمالي: يذكر الحق عز وجل اليهود بما كان لأسلافهم ] الذين مضوا قبلهم أيام داود وسليمان، [ من أحداث لعلهم يعتبرون، فيذكرهم بحادثة امتناعهم من تحمل العمل بالتوراة، وإصرارهم على ذلك حتى رفع الله تعالى فوقهم جبلاً فأصبح كالظلة فوق رءوسهم، حينئذ أذعنوا]، وقد عرفتم كيف سجدوا على خدودهم؛ لأنهم ينظرون متى يسقط الجبل! وهذه السجدة يفضلونها على سجودنا، قالوا: لأن الله أنجى بني إسرائيل بها.قال: [فأصبح كالظلة فوق رءوسهم، حينئذ أذعنوا وأعطوا العهد غير أنهم تراجعوا بعد ذلك، ولم يفوا بما التزموا به؛ فاستوجبوا الخسران لولا رحمة الله بهم] فلولا أن الله أراد أن يبيدهم لأبادهم كعاد وثمود، لكنهم أبناء الأنبياء والمرسلين.قال: [كما يذكرهم بجريمة كانت لبعض أسلافهم، وهي أنه تعالى حرم عليهم الصيد يوم السبت، فاحتالت طائفة منهم على الشرع، واصطادوا، فنكل الله تعالى بهم، فمسخهم قردة، وجعلهم عظة وعبرة للمعتبرين].وهنا نذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد بسنده الجيد عن أبي هريرة رضي الله عنه إذ قال -فداه أبي وأمي، والعالم أجمع-: ( ولا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ) ولو تتبع هذا الموضوع لوجدت ملايين المسلمين منغمسين في الحيل، فيستحلون محارم الله لا بالمواجهة.على سبيل المثال: السفور، لم تقول: السفور يا شيخ؟!لأن العالم الإسلامي وقع وتورط، وها هم يعملون الليل والنهار على إنهاء الحجاب عندنا، ونحن نعلم يقيناً من طريق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أن المرأة إذا سقط حجابها، واختلطت بالرجال عم الخبث، فلا عاصم إلا الله، وإذا كثر الخبث في إقليم نزل البلاء، ولا سعادة بعد ذلك.الخصوم عرفوا هذا، ونحن أغبياء ما عرفنا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول اسمعوا: ( اتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) كيف شربوا الخمر؟ كيف ارتكبوا الجرائم؟ كيف اشتروا الدنيا والمال؟ من أجل النساء! فكل من يدعو تحت ستار تحرير المرأة فإنما هو عامل من عوامل الدمار، تحركه أصابع الماسونية اليهودية.

هداية الآيات

قال: [من هداية الآيات: أولاً: وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق]، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يفي بوعد أعطاه لله، وميثاق أخذه عنه الله، فيجب الوفاء بأي عهد تعطيه ليهودي، أو تعطيه لنصراني، وشعارنا: الوفاء بالعهود، من واعد .. من عاهد، سواء وثق العهد بالحلف أو لم يوثقه يجب الوفاء، فإن شاع بيننا خلف الوعد فاعلموا أننا راحلون إلى الهاوية!أيوبخ الله اليهود على نقضهم العهد ونحن لا؟ نقول: لا بأس، أيعقل هذا الكلام؟ نحن أحرى بأن نفي بالعهود؛ لأننا شاهدنا ما أصاب اليهود من خزي، وذل، وعار.وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق، سواء كان بين المؤمنين والمؤمنين، أو بين المؤمنين والكافرين.قال: [ثانيا:ً يجب أخذ أحكام الشرع بحزم، وذكرها وعدم نسيانها أو تناسيها].كيف يتم هذا يا شيخ؟! لا سبيل إلى تحقيق هذا إلا من طريق كتاب: (المسجد وبيت المسلم) .. إلا من طريق أن نعرف أننا مسلمون، وأننا غير اليهود، والنصارى، والمجوس، والمشركين، وأننا أمة ممتازة ذات شأن عظيم؛ فنترك العمل من غروب الشمس فلا دكان، ولا مقهى، ولا مصنع، ولا مزرعة، ونحمل بنينا وبناتنا ونساءنا إلى بيوت الله، ونوسع جامعنا؛ حتى يتسع لأهل الحي كلهم أو لأهل القرية أجمعين. ونجلس بين يدي الله كل ليلة طول العمر، ونحن ندرس كتاب الله، ونتعلم ما فيه، ونطبقه على أنفسنا، والله لا طريق إلا هذا.ثم يا شيخ! أنت تحملنا على ما لا يطاق! ما يطاق؟! ما يطاق الجلوس في المسجد؟! بين المغرب والعشاء ما الذي يتوقف؟! اليهود والنصارى يوقفون العمل، وينقطعون من الساعة السادسة، ونحن لم؟ أي عذر عندنا؟! هم قد يعذرون أما نحن فكيف نعيش على دين نجهله؟ على آداب وأخلاق لا نعرفها؟ على حقائق وشرائع وأحكام ما عرفنا منها شيئاً، لا قليلاً ولا كثيراً؟ كيف يصح؟!وأعود فأقول: جربوا، فاجتمعوا يا أهل القرية، على ليلة آية وأخرى حديثاً، سنة فقط وانظروا بأعينكم، وهاتوا علماء النفس وخبراء الكون، وليشاهدوا كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.إن ثبت عندهم في القرية من يزني بنسائها أو بنات إخوانه، أو يعرضهم للفتنة، أو يؤذي أخاه أو ابنه، أو يؤذي جاره، أو يشح برياله وأخوه جائع، اذبحوني! تنتهي مظاهر الفقر والخبث الذي ساد العالم الإسلامي.يتغير وضعنا بهذه الوسيلة الربانية، وسيلة الإيمان الحق، لنحقق إيماننا، ونترجمه عملاً ناصعاً، صادقاً، بيننا! أن نجتمع في القرية هكذا، النساء وراء، والأطفال دونهن، والفحول أمام الكل، والمربي أمامهم يقرأ معهم آية، ويتغنون بها جميعاً حتى تحفظ، ويقرءون حديثاً؛ فتنتهي المذهبية، والله ما يبقى من يقول: أنا مالكي .. أنا شافعي .. أنا زيدي، نحن مع الله ورسوله، قال الله وقال رسوله.تبقى حزبية ونظامية: نحن ننتمي إلى كذا؟ والله لا تبقى.تبقى وطنية: أنا من وطن كذا؟ لا وجود لها، أمة واحدة. قال الله وقال رسوله.يا علماء! احملوا هذه الرسالة وانشروها، لكنهم عجزوا وما استطاعوا، لو قام علماء المسلمين بحملة كما قمنا بها لكان المسلمون الآن كلهم في بيت الرب. كيف يكون حالهم؟ العالم يتحرك ويهتز: كيف أقبل المسلمون هذا الإقبال على بيوت الرب؟ ماذا يريدون؟!ولنترك الأمر لله.ومما هو هداية في هذه الآية الكريمة قال: [ ثالثاً: لا تتم التقوى لعبد إلا إذا أخذ أحكام الشرع بحزم وعزم]، ما هو إن شاء فعل، وإن شاء ما يفعل!قال: [رابعاً: حرمة الاحتيال لإباحة المحرم، وسوء عاقبة المحتالين المعتدين] والعياذ بالله تعالى رب العالمين. وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2020 03:46 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (58)
الحلقة (65)




تفسير سورة البقرة (29)


اصطفى الله عز وجل من عباده رسلاً، وجعل توقيرهم توقيراً له سبحانه؛ لأن أوامرهم ونواهيهم وحي من الله، وفي قصة قرآنية آخرى يتجلى الجهل وسوء الأدب مع عباد الله المصطفين، كان أبطال هذه القصة بني إسرائيل! حيث قتل أحدهم وجُهل القاتل فأمرهم موسى بأن يذبحوا بقرة، فيضربوا المقتول ببعضها، لتعود إليه روحه -بإذن الله- ويكشف عن مرتكب الجريمة، فما كان من هؤلاء القوم إلا أن أكثروا الأسئلة، وأطالوا المراوغة، حتى فعلوا في نهاية الأمر، وكادوا ألا يفعلوا.

تفسير قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة:67-70] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!

القصص القرآني من آيات النبوة المحمدية

مثل هذا القصص يقصه رجل أمي لم يقرأ ولم يكتب قط، وبعد أن تجاوز سن الأربعين، فهل يعقل أن يكون هذا من غير نبي ورسول يوحي الله إليه؟ لا يعقل أبداً، بل يستحيل!فلهذا القصص القرآني من آيات النبوة المحمدية، ولن يستطيع ذو عقل من العرب والعجم أن يرد هذه الحقيقة.وهذا الحدث الجلل مضى عليه آلاف السنين، فكيف يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفصل هذا التفصيل، وأهل الكتاب -وبخاصة اليهود وهم معنيون- يسمعون هذا بآذانهم، ويشهدون أنه الواقع الذي وقع في أمتهم؟!والله يقول لرسوله: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120] وفي هذا القصص فائدة جلية وعظمى أن الله يثبت بذلك رسوله كيف وقد رفع صوته في الأرض كلها يشهد أن لا إله إلا الله، والعالم كله ضده؟ فلهذا يجد في هذا القصص ما يقوي عزيمته، ويشد ساعديه، ويقويه في دعوته.ثم هذا القصص جاء في عرض أحداث كانت لبني إسرائيل، وهذه الأحداث العظيمة كلها تشهد بانحراف اليهود وضلالهم، وبعدهم عن الحق، وتشهد أيضاً بعنادهم، ومكابرتهم، وحسدهم، وذلك من أول ما قال: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا ... وإلى الموضع الذي نحن فيه وما زال القصص مستمراً.ومن بين ذلك القصص أو تلك الأحداث هذه الحادثة العظيمة؛ إذ يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: اذكر وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ [البقرة:67] أو اذكروا أنتم يا بني إسرائيل المعاصرين للنبي في المدينة! اذكروا وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67].وهذه الآيات تضمنت قصصاً، قيل: هي عبارة عن قصتين. ولا مانع أن تكون قصتين؛ إذ الأحداث لا حد لها، ولكن كونها قصة تقدم ما ينبغي أن يتأخر، وتؤخر منها ما ينبغي أن يتقدم؛ لأن القرآن ليس كتاب قصص، بل هو كتاب هداية، وتعليم، وإصلاح، وتربية للبشرية.وما دامت الأحداث الأولى أشد قساوة على اليهود فقد بدأ بها.

سبب أمر بني إسرائيل بذبح بقرة

قوله تعالى هنا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] لم؟ لأن أبناء أخ وجدوا عمهم ثرياً -ذا ثروة مالية كبيرة- ولا يرثه إلا ولد له، وما زال صغيراً، فقالوا: نقتل هذا الطفل وبعد أيام أو أعوام يموت العم الكبير، وقد أسن وشاخ، ونرث هذا المال، بخلاف إذا تركنا الولد يكبر، فإذا مات والده ورث المال وحرمنا منه!وسبحان الله! هذه الحادثة وقع لها نظير في قريتي التي نشأت فيها وتربيت: كان هناك رجل صعلوك كبير عنده ابن أخ، وهو عمه، فذبحه وألقاه تحت نخلة، وجاء يصرخ في القرية ويبكي: ابن أخي ذبح! واستمر البحث من قبل السلطة الفرنسية في ذلك الوقت، فما هي إلا جولة حتى اعترف بأنه هو الذي ذبح ابن أخيه، مع أن هذا الابن كان من تلاميذنا، بل من أحسنهم، فذبحه لأجل أن يرث المال الذي عنده، وحتى لا يقاسمه النخل الذي كان بينه وبين أخيه.هذا حدث في الإسلام أم لا؟ والله في الإسلام، وكما تسمعون! فلا عجب أن يحدث هذا في بني إسرائيل، وكانوا في تلك الأيام يعيشون على الجهل والضعف العقلي؛ لأني -والله أعلم- بحثت كثيراً فما وجدت من أهل العلم من ذكر هذه الحادثة أين وقعت، وكونها وقعت في التيه؛ في صحراء سيناء لا يعقل، فلا مال ولا توارث. أليس طعامهم المن والسلوى، وتظللهم السحب والغمام؟!وهذا فيما يظهر لي وقع في مصر أيام كان بنو إسرائيل هناك، فهذه الحادثة تمت في مصر قبل خروجهم من الديار المصرية، ومن عثر على هذا من أبنائنا من أهل العلم فليبشرنا، لأني أريد أن أعرف أين وقعت هذه الأحداث؟ أما أنها وقعت في سيناء فلا! فبعد سيناء مات موسى عليه السلام، وتولى أمرهم يوشع بن نون ، ولكن القصة تمت على عهد موسى وهو بطلها.قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] لم؟ لما قتل الجماعة ابن الشيخ الكبير ليرثوه أخذوه ورموه في قرية بعيدة عن قريتهم، وجاءوا يصرخون إلى موسى: ابننا قتل، أو أبونا قتل، أو عمنا، يقولون ما شاءوا، من قتل؟ وأصبحوا يطالبون بالدية من القرية التي وجد فيها الرجل مذبوحاً أو مقتولاً.فأوحى الله تعالى إلى موسى أن يقول لهم: اذبحوا بقرة، واضربوا الميت بجزء منها، سواء بعظمها أو بلسانها أو بأي جزء اضربوه به ينطق بإذن الله! ويقول: قتلني فلان أو فلان. ولا عجب! فعيسى عليه السلام أحيا الله على يده الموتى، وهذه من معجزات الأنبياء.

جواب بني إسرائيل لموسى بعدما أمرهم بذبح البقرة

لكن اسمع كيف ردوا عليه؟ هو يقول لهم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] وكلمة بقرة نكرة تتناول هذا الجنس؛ كبيرة .. صغيرة، صفراء .. سوداء، بقرة فقط. قالوا: أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا [البقرة:67] أتهزأ بنا، وتسخر منا يا موسى؟!وهل هذه الكلمة يقولها مؤمن لرسول؟! يقولها صحابي لمحمد صلى الله عليه وسلم؟!نعم قال الصحابة بدون علم: راعنا يا رسول الله! وهذه الكلمة فيها معنى الرعونة، وهي بالعبرية كلمة سخرية واستهزاء، فاستغلها اليهود والمنافقون فكانوا يقولون: راعنا يا رسول الله! ويضحكون في قلوبهم، فأنزل الله تعالى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [البقرة:104] استبدلوا كلمة راعنا بانظرنا .. أمهلنا حتى نسمع عنك أو نفهم وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:104]. والذي يستهزئ بالرسول كفر، والإمام مالك يرى إعدامه، وغيره من الأئمة يرون توبته ثلاثة أيام، فالإمام مالك يقول: ساب الرسول لا يستتاب، ويجب أن يعدم، وعنده شاهد قوي في العجوز التي كان لها عبد يسب النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها، فما كان منها إلا أن جاءت وقتلته، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فسره ذلك وهنأها.والشاهد عندنا: أن سب الرسول والاستهزاء والسخرية به كفر بواح، فانظر موقف هؤلاء اليهود: قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا [البقرة:67] أتسخر منا وتستهزئ وتقول: اذبحوا بقرة؟! كيف يحيا بالبقرة إذا ضربناه بلحمها؟!ولا لوم ولا عتاب، والله يقول: قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ [البقرة:67] أي: قال موسى لأولئك المستهزئين: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة:67] أتحصن بجناب الله وألوذ بحمى الله أن أصبح جاهلاً كالجاهلين.وهنا عدنا من حيث بدأنا، قبنو إسرائيل عاشوا شبه رقيق .. شبه عبيد، مستذلين مسخرين للفراعنة، فما درسوا، ولا تعلموا، ولا قرءوا دهراً طويلاً، فجاء موسى عليه السلام وأخوه هارون أيضاً لا يستطيعون أن يعلموا أمة موزعة هنا وهناك في القرى. فهذه مظاهر الجهل.وهنا نذكر قصة أبي ذر لما قال لـبلال : يا ابن السوداء! فشكاه بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) قلَّت أو كثرت، أي: ظلام الجهل، فما كان من أبي ذر إلا أن وضع وجهه على الأرض وقال لـبلال : والله لتطأن على عنقي!هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.فكل الذي نشكوه في أنفسنا، وفي غيرنا، وفي العالم مرده إلى ظلمات الجهل، والذين ما تهذبوا وما تربوا في حجور الصالحين لا يسلم حالهم أبداً، ولا تطمئن إليهم النفس. كيف يستقيمون في ألفاظهم .. كلماتهم .. حركاتهم سكناتهم .. أعمالهم؟ من هذبهم؟! فلهذا احمدوا الله على ما نحن عليه! قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة:67]؛ لأن الجاهل هو الذي يسخر .. هو الذي يستهزئ .. هو الذي يقول ما ليس يعلم .. هو الذي يفعل بدون إرادة وعلمفهذا الجاهل يتخبط.فموسى يقول: كيف آمركم بشيء لم يأمرني الله تعالى به؟! ولولا علمي بأنكم إن ضربتم هذا الميت بقطعة من هذه البقرة حيي، وأجابكم، وأفصح عمن قتله ما قلت لكم.

تفسير قوله تعالى: (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ...)

قال تعالى حاكياً عن قوم موسى أنهم قالوا له بعد ذلك: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ [البقرة:68] وهذه عندنا أيضاً قبيحة: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ وأنتم ليس بربكم؟! هذا سوء أدب فاضح أم لا؟! ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أنا ربي وحدي .. خالقي .. رازقي .. مدبري، وأنتم: من ربكم؟ من خلقكم؟ من رزقكم؟ من دبر حياتكم؟!هذه من مظاهر الجهل. والمؤمن يستحي أن يقول مثل هذا الكلام، ورسول الله موسى بين أيديهم، وأنقذهم الله به، وشاهدوا تسع آيات تخر الجبال من هولها، وعند رؤيتها.ولهذا لا تبك يا رسول الله! لا تتمزق يا عمر من اليهود، فهذه حالهم منذ آلاف السنين وإلى اليوم، وإن درسوا في مدارس الدنيا، لكن ما زالت هذه الطباع مغروسة في غرائزهم، فلا تزول ولا تتبدل. قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ [البقرة:68] لم هذا التقعر؟ لم هذا التنطع؟! قال: بقرة، خذوها من الشارع .. أخرجوها من البستان، لفظ مطلق: بقرة! لكن لكونهم شاكين غير مؤمنين بصدق هذه القضية، وأنهم إذا ضربوا به الميت لا يحيا، فهذه عوامل الشك ظاهرة فيهم، أو يتملصون من هذه القضية لأنهم هم الذين ولغوا في الجريمة! وهم الذين قتلوا ونسبوا القتل للقبيلة الفلانية، حتى لا يفضحوا؛ لأنها فضيحة عظيمة؛ كيف يقتلون قريبهم ثم يتهمون قبيلة أخرى بالقتل؟! فمن هنا يتلوون ويتبرمون.قال: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ [البقرة:68] ما هذه البقرة؟! قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ [البقرة:68] مسنة: كبيرة، فرضت أسنانها وقطعتها وَلا بِكْرٌ [البقرة:68] ولكنها عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [البقرة:68] وسط؛ ليست صغيرة ولا كبيرة، عوان بين الكبر والصغر، والفارض هي التي فرضت، فرض الشيء قطعه، ومنه الفرض القطع، قطعت أسنانها لكبر سنها، فلا هي فارض، ولا بكر ما أنجبت ولا ولدت. فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ [البقرة:68] بينتها لكم أم لا؟ قلتم: ما هي؟ قلنا: إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ [البقرة:68] ابحثوا في السوق .. في المزارع .. في محلات الأبقار، والتي تجدونها ليست مسنة ولا صغيرة خذوها واذبحوها.

تفسير قوله تعالى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ...)

ماذا قالوا؟ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا [البقرة:69] أي قيمة للون: صفراء .. بيضاء .. سوداء؟ الحكمة ليست في لون البقرة، الحكمة في أن يصدر أمر الله إلى الميت أن ينطق قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا [البقرة:69] شديدة الصفرة، يقال: أحمر قانٍ .. أخضر مدهام .. أبيض ناصع .. أصفر فاقع. تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [البقرة:69] فإذا نظر إليها المرء تعجبه وتفرحه، وتدخل السرور عليه لجمالها.وأين يجدون هذه؟!تقول الروايات: إن شيخاً كبيراً من بني إسرائيل كان عنده طفل صغير، فخاف إذا مات من يتولاه، وعنده عِجْلَة، فمر بمزرعة ذات أشجار ونباتات فرمى بالعِجْلَة هناك وقال: رب! استودعتك هذه العِجْلَة لولدي! تكبر عندك حتى تصبح بقرة، ويصبح ولدي عاقلاً ويأخذها. وتمضي الأيام ويكبر الطفل، ويصبح يقود البقرة بعد أن كانت عِجْلَة، وكانت صفراء فاقع لونها تسر الناظرين؛ فلهذا رآها القوم أعجبتهم وقالوا: هذه هي. فالولد ببركة دعوة أبيه قال: لن تذبح بقرتي على الخمسين ديناراً والألف دينار، لن أسمح إلا بملء جلدها ذهباً، فصاحوا وقاموا وقعدوا، لكن قد تعينت الآن فأين المهرب؟ فجمعوا حلي نسائهم وأموالهم وما عندهم واشتروا البقرة.قالت العلماء: وهذا فيه بركة دعوة الأب لولده، فلما دعا الأب الله عز وجل، واستغاثه، وسأله، واستودعه هذه البقرة ليعيش عليها ولده استجاب الله، وأصبح من أغنى بني إسرائيل! فجلد البقرة مملوء كاملاً بالذهب .. ميزانية دولة.



يتبع

ابوالوليد المسلم 25-08-2020 03:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا ...)

قال تعالى حاكياً عنهم: قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا [البقرة:70] ألوانها مختلفة، وكلما نقول: هذه تظهر واحدة أخرى يقولون: ها هي هذه، ويبدو والله أعلم أنهم متهربون من القضية؛ خشية أن ينطق الميت ويقول: قتلني فلان من بني فلان؛ فلهذا يتخفون من القضية ويتهربون. وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة:70] هذه الكلمة من أين جاءت؟ من الله، وما هم أهل لها. قالت العلماء: لولا أنهم قالوا: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ لما وصلوا إليها، ولما وجدوها ولا عرفوها، وفي هذا بركة الاستثناء، وقد حرمه رجالنا ونساؤنا، فلو كان كل واحد منا إذا حلف يقول: إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله؛ لم يحنث، ولم يتلطخ قلبه بظلمة المعصية، ولكن مع الأسف قلَّ من يقول: إن شاء الله.وعندنا حادثة بعينها ذكرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن سليمان عليه السلام لما كان يغزو ويفتح ويوسع الامبراطورية الإسلامية التي يحلم بها الآن اليهود متى يعيدونها؛ قال في ليلة من الليالي: ( لأطأن الليلة مائة جارية تلد كل واحدة ولداً يصبح رجلاً يقاتل في سبيل الله )، فأراد أن يكوِّن جيشاً أو فيلقاً من جماع ليلة! ونسي أن يقول: إن شاء الله. فعاقبه الله تعالى تأديباً له، فوالله ما ولدت واحدة، إلا واحدة جاءت بطفل نصفه مشلول، شبيه بالشلل النصفي الذي عرفناه في هذه الأيام؛ فوضعوه على السرير وجاء أبوه: هذا هو ولدك.قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( لو قال: إن شاء الله لولدت كل واحدة ولداً ولقاتل في سبيل الله ). وقال تعالى: وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ [ص:34] الآية.فلما قالوا: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة:70] هداهم الله، فاشتروا البقرة التي كانت عِجْلَة بمتنها ذهباً!

تفسير قوله تعالى: (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ...)

قال تعالى: قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا [البقرة:71] قال لهم: إن ربي جل جلاله يخبركم فيقول: إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ موجودة، تأكل وتشرب، فما حرثوا عليها الأرض، ولا سنوا عليها السواني، وما ذللت بالخدمة والإرهاق، فلا ذلول تثير الأرض بالحرث، ولا تسقي الحرث أي: تسني بالسواني وتخرج الماء، وهذا ينطبق على بقرة الرجل الصالح الذي تركها في المزرعة تأكل سنين. مُسَلَّمَةٌ ما فيها عيب أبداً لا في قرن ولا في رجل، ولا شِيَةَ فِيهَا أي: لا صفة ولا علامة، فما فيها نقطة سوداء أو بيضاء أو كذا، لون واحد، حتى قرونها صفراء، وحوافرها صفر أيضاً، وما فيها علامة أخرى؛ ولهذا تاهوا في طلبها، فساقهم الله إلى بقرة هذا اليتيم. قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71] ذبحوها بمعنى: اشتروها بمسكها ذهباً، وذبحوها طاعة لله ولرسوله.وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ فلولا أن الله ألهمهم بكلمة إن شاء الله لما انتهوا إلى هذا، وهذا يدل على أنهم كانوا يتهربون، فهم خائفون أن يفضح أمرهم؛ لأن الذين طالبوا بقتل القاتل هم القاتلون! وما كادوا يفعلون.

تفسير قوله تعالى: (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون)

نواصل القصة ونعود الآن إلى بداية القصة، قال تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا [البقرة:72] اذكروا إذ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:72] والتدارؤ: التدافع. فهؤلاء يقولون: قتل هؤلاء، وهؤلاء يقولون: ما قتلنا. وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا هذا الشيخ الكبار الذي قتل ليورث، أو الابن الصغير هو الذي قتل حتى يورث عمه. فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ما كانوا قد عرفوا القاتل أم لا؟ عرفوه فهو منهم، وكانوا يغطون، ويسترون، ويتهمون الآخرين، وَاللَّهُ مُخْرِجٌ وقد أخرجه عما قريب.

تفسير قوله تعالى: (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ...)

قال تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا [البقرة:73] اضربوا هذا الميت ببعض هذه البقرة، سواء كان باللسان أو بالرجل، والكلام في هذا لا يفيد شيئاً، المهم خذوا جزءاً منها وبسم الله اضربوا، فإنه ينطق! فضربوه فإذا به يشخب دماً وينطق: قتلني فلان!آمنت بالله. أخذوا جزءاً من البقرة سواء رجلها أو يدها أو قرنها أو لسانها بسم الله! وإذا بالغلام يتدفق دماً كما ذبحوه وهو ينطق: قتلني فلان وفلان، ووضعوني في مكان فلان وفلان. فهذه آيات الله الدالة على وجوده وعلمه وقدرته وحكمته، وتحقيق نصرته لأوليائه.قال تعالى: كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى [البقرة:73] كهذا الإحياء يحيي الله الموتى، أليس هذا الرجل ميتاً؟ ميت، وبعد فترة من الزمن أحياه أم لا؟ أحياه. وهكذا في الموتى يوم القيامة! ويحيي الموتى في كل زمان ومكان متى شاء ذلك.قال: وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:73] وهنا العقل شيء، والعلم شيء آخر، فالعلم أفضل، ولكن العقل إذا كان راجحاً سليماً -حتى ولو كان صاحبه جاهلاً- يستطيع أن يميز بين الحق والباطل .. بين الخير والشر .. بين القبيح والسيئ، لكن إذا فُقِد العقل فقد كل شيء! وإذا فَقد العالم عقله أصبح كالجاهل يخبط ويخلط.فقوله: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:73] فتعرفون موقفكم وما أنتم عليه من هذا التهرب والتفصي من الحق، وهذا البعد من الآداب.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

بسم الله الرحمن الرحيم.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ شرح الكلمات: البقرة ] ما معنى البقرة؟ قال: [ واحدة البقر، والذكر ثور، والأنثى بقرة ] والعوام إذا سبوا شخصاً بالجهالة يقولون: يا ثور! اسكت يا ثور! وللمرأة: اسكتي يا بقرة! يجوز هذا؟ والله لا يجوز، حرام، سوء أدب!وكلمة راعنا -وهي عربية بمعنى: انظرنا- ما رضيها الله لرسوله.قال: [ والذبح: قطع الودجين والمارن ]. الودجان: عرقان يكتنفان العنق، والمارن: هذا الذي يمشي فيه الماء والطعام، يجمعها ويذبحها، المارئ والمريء، فلهذا الذي يذبح شاة ولا يذبحها على هذه الطريقة لا تؤكل إلا بكراهة. وكذلك إذا قلصمها؛ فجعل هذه الحنجرة وتركها مع الرقبة، هذا كذلك تؤكل مع كراهة، فالذبح الحقيقي الشرعي أن يجمع بين الودجين والمارن، ويقطعهما قطعة واحدة.قال: [ والهزؤ: السخرية واللعب ]. أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا [البقرة:67] تلعب وتسخر بنا.قال: [ الجاهل ] من هو الجاهل؟ قال: [ الذي يقول أو يفعل ما لا ينبغي قوله ولا فعله ] اضبطوا هذه: من هو الجاهل؟ هو الذي يقول ويفعل ما لا ينبغي قوله ولا فعله؛ حتى ولو كان يحفظ كتاب الله والتوراة! فالجاهل: الذي يقول ما لا ينبغي أن يقال، أو يفعل ما لا ينبغي أن يفعل. والذي يقول ما ينبغي أن يقال، ويفعل ما ينبغي أن يفعل هذا هو العاقل! فعقله عصمه وحفظه من التخبط والضلال.قال: [ الفارض ] ما هي هذه البقرة؟ قال: [ الفارض: المسنة. والبكر: الصغيرة التي لم تلد بعد. والعوان: النّصفُ، وسط بين المسنة والصغيرة ] العوان هي الوسط أو النصف في عمرها.قال: [ وفاقع: يقال: أصفر فاقع شديد الصفرة، كأحمر قان، وأبيض ناصع ] شديد البياض.قال: [الذلول: المريّضة التي زالت صعوبتها فأصبحت سهلة منقادة ] فذللوها بالعمل، وأصبحت سهلة الانقياد.قال: [تثير الأرض: تقلبها بالمحراث فتثير غبارها، بمعنى: أنها لم تستعمل في الحرث ولا في سقاية الزرع، أي: لم يُسنَ عليها؛ وذلك لصغرها ] أو لاحترام أهلها لها، فأبوا أن يتعبوها.قال: [ مسلّمة: بمعنى سليمة من العيوب كالعور والعرج] وما إلى ذلك.قال: [لا شية فيها: الشية: العلامة، أي: لا يوجد فيها لون غير لونها من سواد أو بياض ] أو حمرة مثلاً. هذه هي المفردات.

معنى الآيات

قال: [ واذكر يا رسولنا لهؤلاء اليهود ] من القائل؟ الله. لماذا لا نقول: واذكر يا محمد؟! انتبهوا، وقد وقع في هذه الغلطة الجلالان: السيوطي والمحلي ، عندما يقول: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ... قل يا محمد! قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] قل يا محمد! وهذه غلطة؛ لم؟ لأن الله تعالى قال: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63] فهل يجوز أن تقول: يا محمد؟ لا يجوز. والله ناداه نداءات متعددة بـ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... ! يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ... ! فكيف تقول أنت: يا محمد؟! كأنك لا تعترف برسالته.قال: [ واذكر يا رسولنا لهؤلاء اليهود عيباً آخر من عيوب أسلافهم الذين يعتزون بهم ]. فهم يريدون ألا يفارقوا ملتهم، ولا ما كان عليه أباؤهم وأجدادهم، انظروا إلى حال أجدادكم. فلو صح لكان العرب يعتزون بـأبي جهل والعاص بن وائل .قال: [ وهو سوء سلوكهم مع أنبيائهم؛ فيكون هذا توبيخاً لهم لعلهم يرجعون عن غيهم، فيؤمنوا بك وبما جئت به من الهدى ودين الحق. اذكر لهم قصة الرجل الذي قتله ابن أخيه استعجالاً لإرثه، ثم ألقاه تعمية في حي غير الحي الذي هو منه، ولما اختلفوا في القاتل قالوا: نذهب إلى موسى يدعو لنا ربه ليبين لنا من هو القاتل. فجاءوه فقال لهم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] من أجل أن يضربوا القتيل بجزء منها؛ فينطق مبيناً من قتله. فلما قال لهم ذلك قالوا: قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا [البقرة:67] فوصفوا نبي الله بالسخرية واللعب، وهذا ذنب قبيح، وما زالوا يسألونه عن البقرة ويتشددون حتى شدد الله تعالى عليهم الأمر الذي كادوا معه لا يذبحون، مع أنهم لو تناولوا بقرة من عرض الشارع وذبحوها لكفتهم ].ولهذا نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشديد، وكم وقع منا في هذه الفتنة، ففي الوضوء يدخل يغتسل ساعتين، وكلما غسل عضواً يقول: ما غسلت الثاني. من الوسوسة. وإذا جاء ووقف يصلي هكذا! وهو يضبط النية كي تقارن: الله أكبر! فنهينا عن التشديد: ( إن هذا الدين يسر، وما شاد الدين أحد إلا غلبه )، ( ويسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ) فهذه تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف شدد الله عليهم لما شددوا.قال: [ ولكن شددوا فشدد الله عليهم، فعثروا على البقرة المطلوبة بعد جهد جهيد، وغالى فيها صاحبها فباعها منهم بملء جلدها ذهباً ].

هداية الآيات

بعد أن شرحنا الآيات ما هدايتها؟ هل نطلب الهداية من هذه الآيات أم لا؟ هل تخلو آية من هداية؟ والله ما كان!قال: [ من هداية الآيات: أولاً: بيان ما كان عليه قوم موسى من بني إسرائيل من العجرفة وسوء الأخلاق؛ ليتجنب مثلها المسلمون ]. عرفتم الفائدة؟ لم شرح لنا حال بني إسرائيل، وأظهر قبائحهم في سلوكهم؟ من أجل ألا نقع فيما وقعوا فيه، ومن أجل ألا نتورط كما تورطوا. والآن النبي ليس موجوداً، ولو كان موجوداً -والله- لسمعتم العجب أكثر من بني إسرائيل.وعندنا دليل قطعي: العالم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ أليس خليفته يبلغ عنه؟! وها هم يسخرون من العلماء ويستهزئون أكثر من سخرية بني إسرائيل! لعلي واهم؟ والله العظيم لَيُسخر من العلماء، ويستهزأ بهم، ويتهكم بهم، ويقال فيهم قبائح السلوك، وما هو واحد ولا عشرة ولا مليون؛ لأننا ما درسنا هذا الكتاب!أتلومنا يا شيخ! ونحن جهلة؟!أسألكم بالله كونوا على علم: أين الذين جلسوا في حجور الصالحين وتربوا عليهم؟ أشيروا إليهم.نحن الآن تلاميذ الفيديو والدش والشريط، وفي المدارس كما تعلمون الأساتذة من أمثالي همهم الراتب، والتلاميذ همهم متى يتخرجون، وهكذا .. فلا وجود لله عز وجل في أعمالنا، كيف يتخرج أبناؤنا؟ وأصعب من هذا البنات، يهون الأمر مع الذكور، أما مع الإناث فالآن مسابقة عظيمة: أية بنت تتخرج لتصبح موظفة! اللهم استر علينا.المهم من هداية هذه الآية الكريمة: [ بيان ما كان عليه قوم موسى من بني إسرائيل من العجرفة وسوء الأخلاق ليتجنب مثلها المسلمون ] قلتم: لا يستطيعون أن يتجنبوها .. ما عرفوها، هل اجتمعوا على هذا الكتاب ودرسوه؟ المقررات في العالم الإسلامي باستثناء المملكة -وليغضب من شاء أن يغضب- المقررات نتف وجزئيات بسيطة في التعليم لا وزن لها، فكيف يتخرج أبناء المسلمين عالمين بالكتاب والسنة؟! والمقررات عندنا إسلامية، ومع هذا والله يغمسون أنوفهم في الباطل، وتجد عجائب في المقررات لا يتفطن لها إلا ذوو الألباب! قال: [ ثانياً: حرمة الاعتراض على الشارع، ووجوب تسليم أمره أو نهيه، ولو لم تعرف فائدة الأمر والنهي وعلتهما ]. أقول: من هداية الآية: يحرم علينا أن نعترض على الشارع - على الله أو على رسوله .. على الكتاب أو السنة- ووجوب تسليم أمر الله وأمر الرسول ونهيه، وإن لم نعرف الفائدة كذلك، فليس شرطاً أن نعرف العلة، وما دام قد أمر الله أمر، ونهى رسول الله نهى، عرفنا العلة أو لم نعرف، إذ لا بد من التسليم؛ لم؟ لأن الشارع حكيم، وهو أستاذ الحكمة ومعلمها، فكيف إذن تظن في أمر أو نهي أنه خارج عن دائرة الفائدة والمصلحة! هذا مستحيل!إذاً: يحرم الاعتراض على الشارع، ويجب التسليم لأمره أو نهيه، ولو لم تعرف فائدة الأمر والنهي وما هي علته، المهم أن يصح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: [ ثالثاً: الندب إلى الأخذ بالمتيسر، وكراهة التشدد في الأمور ]. هل هذا عرفه المسلمون؟ فالذي تيسر من طعامك .. من شرابك فاحمد الله وكل واشرب. والذي تيسر من نعلك أو من ثوبك لم تتشدد وتطلب ما هو أعظم وما هو أعلى، وما هو أشقى؟!وهذا أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالم أجمع يقول له ربه: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8]، فكانت هذه السورة أحب إليه، والله إنه ليقرأ بها في اليوم مرتين أحياناً؛ لم؟ لما فيها من كلمة: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8]، فقالت أم المؤمنين الصديقة عائشة رضي الله عنها: ( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما )، أنت تجد ثيباً تتزوجها بخمسة آلاف ريال فلم تتزوج بمائة ألف ريال يا عبد الله؟! أنا جاءني أحدهم يشتكي ويبكي، قلت: كيف تعطيه مائة ألف؟ أنت اشتريت هذه أمة؟! أنت تستحل فرجها بالمهر الذي هو مائة ألف ريال. يكفي خمسة آلاف .. لم تعطه مائة ألف؟! والعجب أنهم فقراء، ولو كانوا تجاراً .. أغنياء .. أمراء نقول: لا بأس، والله فقير يقول لك: مائة ألف! ماذا نصنع الآن؟ نطلق أم لا نطلق؟فخذ ما تيسر، ليس في المركب فقط، ولا في المسكن، ولا في الملبس، ولا في المأكل، بل في كل شيء، الذي يسره الله اقتنع وخذه.قال: [رابعاً: بيان فائدة الاستثناء بقول: إن شاء الله ] أما عرفتم هذا؟ الله أدب سليمان أم لا؟ وأدب المصطفى أم لا إذ قال له: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] وقد جاءت أسئلة من اليهود جاءوا بها إلى مكة للمكر والخديعة، وسألوا الرسول عنها فقال: أجيبكم غداً. فعاتبه الله بانقطاع الوحي خمسة عشر يوماً، حتى أن امرأة أبي جهل في الشوارع تغني تقول: تركه .. قلاه. ونزلت سورة الضحى، وخففت عن آلام المصطفى وسرَّت عنه، وأقسم الله له أنه ما تركه أبداً: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3]، ونزلت: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24].وبلغنا في بلاد العرب والإسلام أنك إذا قلت: إن شاء الله، يقول: لا تقل: إن شاء الله، لا أصدقك، قل: نفعل كذا، فمنعوهم كلمة: إن شاء الله!قال: [ بيان فائدة الاستثناء بقول: إن شاء الله، إذ لو لم يقل اليهود: إن شاء الله لما اهتدوا أبداً، وما كانوا يهتدون إلى معرفة البقرة المطلوبة.خامساً: ينبغي تحاشي الكلمات التي قد يفهم منها انتقاص الأنبياء مثل قولهم: الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ [البقرة:71] ] إذاً: قبلُ ما كان يأتي بالحق، فهذه دلالة خفية.قال: [ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ [البقرة:71] إذ مفهومه: أنه ما جاءهم بالحق إلا في هذه المرة من عدة مرات سبقت ].معاشر المستمعين! إياي وإياكم والجهل، أزيلوا الجهل بدراسة الكتاب والسنة في بيوت الرب، والله يتولاكم.وصلى الله على نبينا محمد وآله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 28-08-2020 03:42 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (59)
الحلقة (66)


تفسير سورة البقرة (3)


الناس ثلاث أصناف: متقون، وكافرون، ومنافقون، وقد جاء في بيان حال المنافقين من الآيات أكثر مما جاء في الصنفين الأولين؛ لعظم خطر هذا الصنف على المجتمع المسلم، فهو يظهر الإسلام ويبطن الكفر، صيانة لدنياه ويظن أنه بهذا العمل يخدع الله ويخدع المسلمين، ولا يدري أنه يخدع نفسه، لأنه سيحاسب ويجازى على كل صغيرة وكبيرة اقترفها في حياته الدنيا، ثم تكون النار هي مصيره الأبدي.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا مع كتاب ربنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها، وها نحن مع سورة البقرة، السورة الحاوية لألف خبر، وألف أمر، وألف نهي.وهذه السورة كان الأصحاب رضوان الله عليهم إذا حفظها أحدهم ولوه القضاء والحكم.وهذه السورة لا تقرأ على الموتى لطولها.وهي إحدى سورتين تظللان صاحبهما يوم القيامة: سورة البقرة وسورة آل عمران، وتسميان بالزهراوين.

الفلاح للمتقين

هذه السورة مفتتحة بقول الله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:1-2]، وقد درسنا هذه الآيات، وخلاصتها من باب تذكير الناسين وتعليم غير العالمين: أن القرآن الكريم لا ريب ولا شك فيه، فإن كان هناك شك أو ريب في نفس أحد فليس السبب هو القرآن، إذ القرآن لوضوحه وبيانه وسلامة ما يحمله من الهدى والنور لا يتطرق إليه الشك ولا الريب بحال.وهذا القرآن يحمل هدى ولكن للمتقين الذين آمنوا بالله ولقائه وكتبه ورسله، فخافوه وأطاعوه بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فهؤلاء لهم في القرآن نور وهداية إذا هم اتقوا ربهم.وقد وصف الله المتقين بصفات نسأل الله أن تكون عندنا ونحن من أهلها، فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [البقرة:3-4]، فيدخل مؤمنو اليهود ومؤمنو النصارى في حضرة المؤمنين المتقين.وهؤلاء المتقون قد قضى الله تعالى وحكم بأنهم هم المفلحون فقال: أُوْلَئِكَ السامون الأعلون عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أي: متمكنين من ذلك الهدى، كأنما اتخذوه سفينة نجاة، وَأُوْلَئِكَ هُمُ لا سواهم، ولا غيرهم، الْمُفْلِحُونَ أي: الفائزون الناجون من النار، الداخلون للجنة؛ دار الأبرار.ولو سئلت: ما المراد من الفلاح والفوز الذي يذكره الله في القرآن؟ فقل له: أما سمعت هذا البيان من سورة آل عمران فالله يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، هذا هو الفوز.وهذا صنف من الناس: مؤمنون متقون، من العرب ومن العجم، من المشركين ومن أهل الكتابين، آمنوا واتقوا واستقاموا، فحكم الله لهم بالفلاح.

الختم على قلوب الكافرين

هنا صنف آخر وهم الكافرون، قال الله تعالى عنهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:6-7]. وهذا الصنف من الناس يشمل الأبيض والأسود، والعربي والعجمي، وهم -والعياذ بالله تعالى- قد كفروا، وكفروا بمعنى جحدوا وغطوا وستروا، أو كفروا عناداً ومكابرة فعرفوا وجحدوا.وهؤلاء المكذبون، الجاحدون، المعاندون، المكابرون منهم من هو متهيئ ومستعد لأن يقبل الهداية متى عرضت عليه، ومنهم أفراد يقلون أو يكثرون موجودون في كل زمان ومكان قد ضربوا بسهم عظيم، وتوغلوا في الجحود والعناد والمكابرة والفسق والفجور، فمضت فيهم سنة الله، فختم على قلوبهم، فما أصبحوا يفقهون أو يعقلون أو يفهمون أبداً، ولو حدثتهم عن الله وعن لقائه .. عن الإخاء .. عن المودة .. عن الرحمة .. فلكثرة فسقهم وفجورهم وضلالهم وشركهم أصبحوا لا يسمعون الخير، ولا يعقلون أو يفهمون، إذ ختم الله على قلوبهم، فلا يدخلها نور، ولا وعي، ولا فهم، ولا إدراك. وَعَلَى سَمْعِهِمْ أي: لا يسمعون نداء الخير أبداً.وجعل الله تعالى على أبصارهم غشاوة أي: ستراً عليها كالبياض الذي يصيب العينين، فصاحبه لا يشاهد شيئاً فهو أعمى.فهؤلاء قضى الله تعالى عليهم وحكم بكفرهم وعدم إيمانهم، وبخلودهم في دار الشقاء: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7] لأنهم كفار في الدرجة الأولى، فمنهم من كفر عناداً ومكابرة، ومنهم من كفر تقليداً، ولكن توغل وضرب بسهم كبير في باب الكفر والضلال، وما أصبح يقبل الهداية، وفي سورة يس يقول تعالى: وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [يس:10-11] أي: المؤمن الحي القابل للهداية، أما من تراكمت عليه ذنوبه وآثامه وجرائمه وموبقاته فإن هذا ما أصبح قابلاً للهداية، فلا تكرب عليه يا رسول الله ولا تحزن، ولم يقل له: لا تدعهم ولا تنذرهم؛ لأن هذا غيب، والرسول لا يعلم الغيب، فما يفرق بين أبي جهل وبين أبي طالب ، فمهمته أن ينذر وأن يبلغ، ولكن لما يشعر بالألم في نفسه والحزن من أجل أنهم أعرضوا وعاندوا وكابروا يخفف الله تعالى عنه بمثل قوله: وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يس:10]، فهون على نفسك.إذاً: القسم الثاني من أقسام البشر الثلاثة هم الكفرة.

تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)

القسم الثالث هو قسم المنافقين، ولا رابع بعدهم. فالناس ثلاثة أصناف: مؤمنون متقون، كافرون فاجرون.والمنافقون هم الذين ينطقون بالشهادتين ويأتون بالأعمال الصالحة ويصومون أمام المسلمين ويجاهدون، وهم مرضى القلوب، فيظهرون الإسلام بالنطق والعمل، ويبطنون الكفر والإلحاد في قلوبهم.قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ [البقرة:8-9] وفي قراءة سبعية (وما يخادعون) إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:9-10].وهؤلاء هم المنافقون، والسياق فيهم إلى كذا آية؛ لأنهم أخطر ما يكونون على المجتمع الإسلامي، فالكافر واضح صريح الكفر، لك أن تدعوه وترغبه، وتنذره وتخوفه، وإن كان قد توغل في الشر والفساد فلن يسمع نداءك، ولا يقبل دعوتك، وإن كان ما توغل في الفساد، وما عنده منافع في كفره يحافظ عليها فإن هذا قد يهتدي، وأما المنافق فهو يخاف أنه إذا أعلن عن كفره فإنه سيقتل أو يتوب، ولكي يحافظ على ماله وعلى شخصيته في المجتمع ماذا يصنع؟ تجده يتزيا بزي المؤمنين، ويأتي ما يأتونه من الأعمال الظاهرة كالصلاة والنفقة والجهاد، وهو مظلم النفس خبيث.

من صفات المنافقين وعلاماتهم

من التعاليم المحمدية؛ وأنتم تعلمون من هو محمد رسول الله، فهو أستاذ الحكمة ومعلمها، أنه أعطانا بطاقة لنا نحن بوصفنا رجال الدولة، وكل مؤمن يجب أن يحمي دولة الإسلام، وأن يحافظ على راية لا إله إلا الله .. محمد رسول الله، وأن يحافظ على الطهر، والصفاء، والأمن، والرخاء في ديار المسلمين.أعطانا بطاقة علنية، ما هي؟ اسمعوا أيها المجاهدون: ( آية المنافق ثلاث )، وبهذه العلامات نعرف بها المنافقين بينكم، والقرآن الكريم ما نزل يسمي المنافقين بأسمائهم؛ لأن النفاق ليس في أيام الصحابة فقط بل هو إلى اليوم، فماذا يسمي؟ إذاً يعطي الخبر العام.قال: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ). وأنتم تعيشون في مجتمع يوجد فيه منافقون، فكيف نعرفهم حتى نتقيهم، وحتى ننذرهم أو نرغبه؟ كشف الرسول صلى الله عليه وسلم الستار عنهم بهذه البطاقة المحمدية.إذا كنت تحدث جارك أو من معك في العمل أو السفر، أو في المسجد وكلما يحدثك يكذبك؛ لأنه يريد أذاك وإرهاقك وتعبك، فهو كلما أخبرك كذبك، إذا جربت عليه المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة فهذا هو: ألق القبض عليه، هذا منافق.ثانياً: ( إذا وعد أخلف )، مثلاً: تجده يعدك قائلاً: نلتقي غداً إن شاء الله في الساعة الثانية عشرة ظهراً عند باب الكومة. فأنت لإيمانك إذا جاء الموعد ذهبت وجلست تنتظره هناك، وهو في بيته مع أولاده غير مبالٍ، يتلذذ ويقول: دعه في الشمس. هذه المرة الأولى. وفي المرة الثانية تتواعدان على أنكما تسافران غداً الساعة الواحدة ليلاً في المكان الفلاني، فذهبت أنت أيها المؤمن وجلست تنتظره وهو نائم مع زوجته وأولاده فرحان ومسرور. وهكذا: جربته المرة الأولى والثانية والثالثة .. فهذا هو المنافق الذي يبطن الكفر في نفسه، فما آمن بالله ولا بلقائه.والثالثة: ( وإذا اؤتمن خان )، إذا أمنته على فلس .. على عَرَض، على كلمة، تجده المرة الأولى يخون، والمرة ثانية يخون، والثالثة يخون، ولو وضعت عنده كل قوتك في جيبه، وقلت له: حتى أعود. ولما ترجع يقول: لعلك واهم، لست أنا الذي أعطيتني، وما وضعت عندي شيئاً أبداً. وهكذا كلما ائتمنته خانك، فإذا جرب في المرة الأولى والثانية والثالثة عرفنا أنه يتعمد الخيانة؛ لأنه يكره المؤمنين ويبغضهم، ويود خسارهم وهلاكهم.عندكم هذه البطاقة أو لا؟ تعرفون بها المواطن الذي يحمل النور في قلبه؛ نور الإيمان بالله ولقائه، أو هي مجرد صورة خالية فقط، والمؤمن الحق هو الذي لا يكذب إذا حدث، ولا يخلف إذا وعد، ولا يخون إذا ائتمن، نعم قد يحدث منه ذلك مرة في دهره، لكن أن يتكرر هذا منه فوالله لا يكون، إلا إذا كان قلبه ميتاً، يعيش في ظلام كامل، ظلام الكفر والشرك والعياذ بالله. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6]، والعلة: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7]. (عذاب عظيم) ما حدد موعده، فيكون في الدنيا، ويكون في الآخرة.وهل المنافقون أيام الصحابة سعداء؟ والله لأشقياء، عذاب الخزي في الدنيا، وأما عذاب الآخرة فلا تسأل، وأيما مجتمع طاهر يوجد فيه منافقون إلا وهم في خزي وعذاب تام وعظيم، أما عذاب الآخرة فلا تسأل.

فقدان الإيمان عند أهل النفاق

قوله: وَمِنَ النَّاسِ من أين اشتق لفظ (الناس)؟الجواب: إما من ناس ينوس إذا تحرك، وإما من نسي ينسى، أو من الأُنس، وهذا كله محتمل، ولا معنى للاشتقاق، ولا حاجة إليه، فالناس هم الآدميون.لكن من هم في الآية؟ قال: مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:8]. والله تعالى يشهد لعلمه بما في قلوبهم وما في نفوسهم بأنهم غير مؤمنين، فقال تعالى: وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] ولا تظن أن هذا خاص بالمنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاللفظ يدل على العموم إلى يوم القيامة وَمِنَ النَّاسِ أي: هم أناس شأنهم كذا وكذا؛ والمنافقون قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انقرضوا وما بقي منافق في المدينة، فكلهم ماتوا وهلكوا، ولكن البشرية هي البشرية، وهداية الله هي هداية الله، وفي كل زمان ومكان يوجد منافقون.يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة:8] أي: بألسنتهم: أشهد أن لا إله إلا الله، وقد كان ابن أبي رئيس المنافقين يدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم في الروضة، ويقول: والله إني لأشهد أنك رسول الله، فأنزل الله في القرآن: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المنافقون:1-2] يجتنون ويتقون ويستترون بها فقط حتى تحفظ أموالهم ودماؤهم لا أقل ولا أكثر، أما الإيمان فما حلّ قلوبهم ولا دخلها.

الإيمان بالله واليوم الآخر هو أصل الإيمان

يقول المنافقون: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:8]، هنا عرف الدارسون والسامعون والسامعات أن الإيمان بالله واليوم الآخر هو أصل الإيمان، وإذا حصل فيه أي ضعف انهار البناء وما بقي إيمان، ومعنى الإيمان بالله: كونه رباً لا رب سواه، وإلهاً معبوداً بحق لا معبود بحق غيره، وموجوداً، عالماً، قديراً، رحيماً، ذا صفات علا، وأسماء حسنى.وإذا وجد الإيمان بالله في قلب العبد هان عليه أن يلاقي ما يلاقي في الحياة، وأصبح أهلاً للكمال، وإذا ضعف هذا الإيمان وخفت نوره هبط، وإذا انطفأ أصبح حجراً ومن شر الخلق.فالإيمان بلقاء الله .. وبيوم القيامة .. وبالبعث والجزاء والدار الآخرة هو الذي يكيف حياة الإنسان، ومتى قوي إيمان العبد بأنه سيلاقي الله وجهاً لوجه، وسيسأله وسيستنطقه وسيحاسبه وسيجزيه بعمله الخير بالخير والشر بالشر، متى رسخت هذه العقيدة في صاحبها فإنه يستطيع أن يصوم الدهر، ويستطيع أن يرابط عشرات السنين، ويستطيع أن يخرج من ماله ويستطيع .. ويستطيع، كل ذلك لقوة هذا النور في قلبه، أما الذي لا يؤمن بحساب ولا جزاء ولا حياة أخرى ولا لقاء، سبحان الله! كيف يصبح ذا كمال وكيف يكون له قلب رقيق؟! وكيف توجد له عاطفة؟! وكيف توجد له رحمة؟ فوالله ما هو إلا شر من الثعابين والحيات.دائماً نقول: الذي لا يوجد في قلبه إيمان بالبعث الآخر والحياة الآخرة والجزاء بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم، إذا لم يوجد هذا في قلب العبد والله لئن تنام إلى جنب أسد أو ذئب أو ثعبان، وقد تسلم وتقوم في الصباح وأنت بعافية، وإذا نمت إلى هذا المخلوق، واحتاج إليك والله ما تسلم، فلو احتاج إلى دمك امتصه، إلى لحمك أكله، إذ ليس هناك ما يمنع ذلك أبداً، فمن لا يؤمن بلقاء الله والدار الآخرة لا يوثق فيه ولا يصدق، ولا يؤتمن ولا ولا؛ لأنه شر الخليقة.وقد كنا نعجب أيام الاشتراكية في بلاد العرب ممن كان يتمدح بها بصوته العالي، وينظر إلى أهل العلم نظرة استهزاء وسخرية -والعياذ بالله-، والحمد لله قضى الله على الاشتراكية والشيوعية وأساسها: إن حرباً ظاهرة في بلاد الروس اللهم أنهِ وجودهم، وهم لا ينادون بالدين .. بالإسلام، بل ينادون بالقيم الإنسانية! ونحن نعجب من شخص لا يؤمن بالله ولا بلقائه كيف تكون له قيم ويحافظ عليها ويدعو إليها، وهذه كلمة باطلة فيها تدجيل وتضليل، فأي قيم هذه! وهو يعرض عن مصدر القيم ومنبعه وهو شرع الله وتعاليم الله وهداية الله في كتابه وحكمة رسوله، وقد جربناهم وعرفناهم أنهم من أخبث الناس وشرهم.نعم. الإيمان أركانه ستة: الإيمان بالله .. بملائكته .. بكتبه .. برسله .. باليوم الآخر .. بالقضاء والقدر، ولكن الركيزة المتينة هي الإيمان بالله واليوم الآخر، وليس بمعقول أن من آمن بالله رباً وإلهاً فإنه يكفر بالكتاب أو يكذبه بأنه أرسل رسولاً، أو يكذبه في قضائه وقدره وتدبيره لخلقه، هذا غير معقول! لكن قد يؤمن بالله ولا يؤمن بالبعث الآخر.ومن هنا: لو تتبعنا القرآن فإننا نقف على هذه الحقيقة، يقول تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، ويقول: ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [الطلاق:2]، وحتى النساء في قضية الحيض يقول تعالى: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228]، فما يجحدن الحيض.وهنا أحب أن تركزوا على أن المحرك القوي الدافع للإنسان والموجه له هو الإيمان بالله وبلقائه، فمن ضعف إيمانه بالله أو بلقائه هبط، وإن انطمس النور وكفر بالله وبيوم القيامة أصبح شر الخليقة، فلا تأمنوه أبداً، وإذا به يفرغ تمام الفراغ من شيء اسمه رحمة أو إنسانية، والتمنطق بالإنسانية والقيم كله هراء وباطل، وانكشفت سوءاتهم وعرفهم البشر بكذبهم.



يتبع

ابوالوليد المسلم 28-08-2020 03:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)

قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:8] ناس شأنهم كذا وكذا، أي: مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، ولِم يقولون: آمنا؟ قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:9].وهل يستطيعون مخادعة الله وهو يعلم إسرارهم ونياتهم وخواطرهم، وهو خالق أعمالهم؟ لكنه الجهل، فكفروا بالله، فيفهمون هذا الفهم يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:9]، لكن الله تعالى رد عليهم فقال: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ [البقرة:9].والخداع هو: أن تظهر الشيء النافع وتخفي الضار من أجل أن تخدع به غيرك، فهذا هو المخادع، تراه يريك زيتوناً ليغرر بك، وإذا هي حصاة حتى تبيت جائعاً.إذاً: هم يرون الله والمؤمنين أنهم مؤمنون يشهدون الصلاة ويخرجون إلى الجهاد مع رسول الله، وما هم بمؤمنين، فإن قيل لهم: لِم تفعلون هذا؟ قالوا: نخادعهم، فسوف تنتهي هذه الدولة وسوف يموت محمد صلى الله عليه وسلم ونعود إلى ما كنا، وما هي إلا أيام فقط. وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:9]، أي: من أين لهم الشعور والإحساس؟! فهم لا يبصرون، ولا يسمعون، ولا يفقهون، ولا يعقلون. كيف -إذاً- يشعرون بأنهم يخادعون الله وهو خادعهم؟! ما يشعرون.

تعريف الإيمان وصفة المؤمن

هنا مسألة علمية نحاول أن نحفظها إن شاء الله: ما هو الإيمان؟أهل العلم يقولون: الإيمان عقد بالجنان، أي: بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان.فمن اعتقد الحق من وجود الله، وعلم الله، وقدرة الله، ورحمة الله، وحكمة الله، واعتقد أن هذا القرآن كتاب الله، وأن من نزل عليه رسول الله، واعتقد أنه مجزي بعمله، ومحاسب به: إما نعيم وإما جحيم، فإن اعتقد هذا فليترجمه بكلمة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.فهذا اعتقد الحق وعربن عليه، ودلل بالشهادة والنطق، فما أبقى الإيمان في قلبه بل صرح بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وآمن بكل ما أمر الله بالإيمان به، ثم دلل على صحة دعواه بأركانه، فصام، وصلى، وجاهد، وصابر، وتجنب ما حرم الله.فإن هو اعتقد الحق وأبى أن ينطق بالشهادتين فهو كافر وإن عرف، وما دام لم يعربن على إيمانه بالنطق بالشهادتين فهو كافر قطعاً، فلا يصح إيمان عبد ما نطق بالشهادتين، وإن قال: أنا عارف، وعرفت، وأنا مؤمن، ولم يقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله فهو كافر.فإن اعتقد الحق ونطق بالشهادتين، وأبى أن يدلل على ذلك بالأعمال الصالحة وترك المحرمات فهو فاسق؛ لأنه اعتقد الحق، ودلل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكنه لم يحرم ما حرم الله، ولم يحل ما أحل الله، ولم ينهض بما أوجب الله، فهذا الفاسق؛ لأن العقيدة سليمة، وأعرب عنها ودلل، لكن سلوكه وأركانه ما استقامت.ويبقى المنافق هو الذي يعتقد الباطل، ولا يعربن عليه، ولا يدلل بل يدلل على الحق فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويدلل بالصلاة والجهاد، فهو منافق؛ لأنه ما يحمل الإيمان في قلبه، وهو -فقط- من الخوف شهد: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وفعل ما فعل المؤمنون من صلاة وجهاد وزكاة، واجتنب ما يجتنب المؤمنون من المحرمات والموبقات، لكنه منافق أبطن الكفر وغطاه وغشاه في صندوق قلبه، وأظهر ما يدل على أنه مؤمن.الخلاصة: المؤمن الحق هو الذي يعتقد الحق ويعربن عليه بالنطق، ويدلل على صحته بالأعمال.فإن اعتقد الحق ولم ينطق بالشهادتين ولم يعربن على أنه يعتقد الحق، فهذا نقول فيه: كافر.فإن اعتقد الباطل وعربن عليه بالشهادتين ودلل بالأعمال الصالحة، فهذا منافق؛ لأنه أبطن الكفر وغشاه وغطاه، وما أظهره لمنافع ومصالح دنيوية حفاظاً على مركزه .. على ماله .. على وجوده في المجتمع الإسلامي.وقد يوجد عندنا من هو ضعيف الإيمان، وعربن على إيمانه بالشهادتين بل يؤذن وفي كل صلاة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ولكن يرتكب المعاصي، ويترك الواجبات، وهذا يسمى الفاسق.

الحكم على الناس بالنفاق لله وحده

قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] من حكم عليهم بعدم الإيمان؟ الله، وأما أنا أو أنت أو الطبيب أو الشيخ فما يستطيع، والقلوب من يعلمها؟ الله فقط، أما نحن فلا نقول: فلان منافق، لا نستطيع، إلا إذا دللت بما أعطينا من برهنة: جربته يوم كذا، يوم كذا، وهو يكذب .. يكذب .. يكذب، وجربته في الوعود فيخالفها ويخلفها و.. و، وجربته أيضاً في الأمانة فخاننا وخان الدولة. إذاً: هذا منافق، ونترك للقاضي يحكم عليه.أما إذا ما استعملنا هذه الآلة التي أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نقول في شخص: منافق؛ لأنه يبطن الكفر وما ندري، هل أنا اطلعت على قلبه، وشققت صدره! وحتى لو شققت فإنك ما تعلم، وهذا لا يعلمه إلا الله، فلهذا عاش المنافقون، ومع هذا ما فضحهم الله، وهم يخادعونه، فستر عليهم حتى يردوا موارد العذاب الأبدي أو يخرج من فتنة النفاق إلى نور الإيمان، ولو شاء لأنزل: يا أيها الذين آمنوا إن ابن أبي وإن فلاناً وفلاناً وفلاناً .. هؤلاء منافقون كافرون، ولأجهز عليهم رسول الله والمؤمنون وذبحوهم واستراحوا، لكن الله الرب، الرءوف، الرحيم علم أن كثيراً منهم سيعودون، وكم وكم من عائد عاد إلى الإيمان، ومن مات على الكفر فقد قضى وحكم أزلاً بأنه من أصحاب الشقاء، والعياذ بالله تعالى.فقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] قلنا: هذا لله أو لا؟!

كيفية خداع المنافقين

قوله: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:9]، كيف يخادعون الله؟ يظهرون لو أنهم مؤمنون به، فيغتسلون ويصلون ويجاهدون مع المؤمنين، وهذا خداع إذ يرون الله شيئاً ما هم بمؤمنين به، فالخداع أن تري الشخص ما يحب وتخفي وتجحد عنه ما يكره من أجل أن تتمكن منه، ولهذا الغش والخداع محرمان بين المسلمين.قوله: وَمَا يَخْدَعُونَ وفي قراءة: وما يخادعون إِلَّا أَنفُسَهُمْ ؛ لأن من ارتكب سيئة فهو الذي يجزى بها. أما الله عز وجل ماذا يفعلون معه؟ هذا إن قلنا: المخادعة على بابها، وإن قلنا: إن هذا من خدع يخدع فقط، فقد فرغنا من هذا التعليل، وهذا اللفظ يطلق ولا يراد به المفاعلة مثل: عاقبت اللص، هو عاقب وأنت تعاقب، عاقبت اللص بمعنى عاقبته، كذلك عالجت المريض، هل هذه مفاعلة هو يعالج وأنت تعالج؟ الجواب: لا. إذاً يخدعون الله، فيخادعون بمعنى يخدعون، والله منزه وبعيد عن خداعهم، ولا يصل إليه شيء. وإن قلنا: المخادعة على بابها فيصح؛ لأن الله عز وجل أيضاً خادعهم، ستر وما فضحهم، ولا سماهم بأسمائهم إلى حين، وفي نظرنا أنهم خدعوا الله، فأظهروا له الإيمان فهو يحسبهم مؤمنين، والله هو خالق إيمانهم وخالق قلوبهم، كيف ما يعرف؟ فما ينفعهم خداعهم لله. إذاً: ما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

تفسير قوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً...)

قال الله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة:10]. ما هذا المرض؟ هل هي هذه الأمراض المادية التي يعالج الإنسان منها كوجود خفقان في القلب أو انسداد؟ الجواب: لا، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي: الشك، والشرك، والنفاق، والكذب، والحسد، والبغض، وما إلى ذلك من الأمراض التي لا تعالج بالأدوية والعقاقير النافعة.ومرض الكفر يذهبه الإيمان، ومرض النفاق يبرزه ويعالجه الصدق، ومرض الحسد يبعده الإيمان بقسمة الله عز وجل، وهكذا. وهذه الأمراض شأنها خطير، وإذا تأصلت في المجتمع فيا ويحه! فلا يسعد ولا يكمل، وكل منا مطالب بتطهير قلبه وتصفيته.وقد كررنا القول: المجتمع الإسلامي من المدينة النبوية إلى اندونيسيا توجد فيه أمراض كثيرة، لكن أمراض القلوب كالحسد والبغض والشح والكبر ما علاجها؟ نعم هناك مستشفيات لعلاج الأمراض المادية التي تعالج بالأدوية، لكن هذه القلوب لا تعالج إلا بالكتاب والحكمة .. بنور الله سبحانه وتعالى.والطريقة الحقيقية هي أن يجتمع أهل القرية في جامعهم بنسائهم وأطفالهم ورجالهم من المغرب إلى العشاء؛ وذلك كل ليلة وطول العام، بل وطول الحياة، فهذا نظام حياتهم، فيتلقون الكتاب والحكمة كل يوم، فهذا الذي يعالج تلك الأمراض، والله ما يبقي شكاً ولا نفاقاً، ولا يبقي ارتياباً، ولا يبقي حسداً، ولا بغضاً، ولا بخلاً، ولا شحاً، ولا .. ولا، إذ العلاج الوحيد: الكتاب والحكمة، قال تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، ولا تسأل عن فوائد ذلك المجتمع وما يتم له.لكن لا بد وأن نقدم قلوبنا للمربي، ولابد أن نجلس بين يديه كما جلس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين والمؤمنات بين يدي رسول الله، فزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة، فإما أن ندخل هذا المستشفى الرباني الإلهي فنعالج قلوبنا طول العام وطول الحياة؛ لأن الطوايا تطغى، والأحداث تتكرر، وأعراض الحياة واضحة، لكن يومياً أهل القرية في جامعهم، وأهل الحي في المدينة في جامعهم، خالفوا الإنس والجن، وأقبلوا في صدق على ربهم، هذا هو العلاج. هل هناك علاج آخر؟ لا وجود له.نعم قد يوجد أفراد مجتمعون حول شيخ يزكيهم ويربيهم، لكن هؤلاء أفراد وليسوا الأمة كاملة، غير أهل قرية بنسائها وأطفالها، وهذا هو كتاب (المسجد وبيت المسلم).وإلى الآن ما بلغنا أن أهل القرية الفلانية قد اجتمعوا بنسائهم وأطفالهم ورجالهم كل ليلة من المغرب إلى العشاء، وواصلوا الاجتماع، والآن مضى عليهم ستة أشهر، وقلت لكم: والله نزور ديارهم لنشاهد أنوارهم، ولكن ما حصل بعد، فهل هناك من مانع؟ والله أبداً، ولا توجد حكومة في بلاد المسلمين تمنع هذا قط، بل والله ليأتين شيخ القرية والمسئولون ويجلسون معهم. فلِم ما نفعل؟ ما نستطيع. لِم ما نستطيع؟ الجواب: لأن الله كتب علينا هذا الهبوط، ولنبق دائماً في شقاوة وتعاسة وآلام.إذاً: القلوب تحتاج إلى علاج أو لا؟ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10] نعم. المرض إذا ما يعالج يزداد، فعندما يظهر المرض في الجسم بادر إلى الطبيب، وبادر إلى الحمية والدواء، فإن أنت تساهلت وما باليت فإن المرض يستشري، والطبيب يقول: فات الوقت وما أصبح قابلاً للعلاج، وهذا هو حال الذين كفروا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] فتأصل المرض فيهم، وتمكن من قلوبهم، وكذلك النفاق فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا.قوله: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:10] العذاب: ألم يزيل عذوبة الحياة، فهناك جوع، عطش، برد، حر، إهانة، ضرب بالسياط، تغليل بالأغلال، وكل هذا يذهب عذوبة الحياة.والأليم هو الموجع، وهذا أيضاً لهم في الدنيا والآخرة.وهل المنافقون سعداء في الدنيا؟ إنهم يبيتون في كرب ويظلون في آخر، وإذا ماتوا يلحقهم وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:10] بسبب ماذا؟ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10] أي: بسبب كذبهم على الله، وعلى رسوله، وعلى المؤمنين، إذ يزعمون أنهم مؤمنون ويتمنطقون ويشهدون، وهم ليسوا بمؤمنين، كذبوا أو لا؟ والكذب هو: خلاف الظاهر، وقول خلاف الحق، ولو أن عنده شيئاً يقول: والله ما عندي. هذا كذب، يقول: فلان سافر وهو في بيته. وهذا كذب.إذاً: يدعون أنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين، فهم كاذبون.وهل يصح من مؤمن كذب؟ والله ما يصح، وهل مؤمن عرف الله ولقاءه يكذب أيضاً؟ نعم ممكن في العام والعامين، وإبراهيم عليه السلام كذب ثلاث مرات في أكثر من مائة وعشرين سنة، وما هو بكذب حقيقة بل تورية، فكون المؤمن كل يوم يكذب فهذا ما هو بالمؤمن، فافهموا هذا، واسألوا الله أن يثبتنا وإياكم.‏
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له: [شرح الكلمات: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:8]: من بعض الناس. مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة:8]: صدقنا بالله رباً وإلهاً لا إله غيره ولا رب سواه. وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:8]: صدقنا بالبعث والجزاء يوم القيامة. يُخَادِعُونَ اللَّهَ [البقرة:9]: بإظهارهم الإيمان وإخفائهم الكفر. وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ [البقرة:9]: إذ عاقبة خداعهم تعود عليهم لا على الله، ولا على رسوله، ولا على المؤمنين. وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:9]: لا يعلمون أن عاقبة خداعهم عائدة عليهم. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة:10]: في قلوبهم شك ونفاق وألم الخوف من افتضاح أمرهم، والضرب على أيديهم.فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا: شكاً ونفاقاً وألماً وخوفاً حسب سنة الله في أن السيئة لا تعقب إلا سيئة] هذه سنة مطردة فما دام وجد المرض يزداد.[ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:10]: موجع شديد الوقع على النفس].

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له: [مناسبة الآية لما قبلها وبيان معناها: لما ذكر تعالى المؤمنين الكاملين في إيمانهم، وذكر مقابلهم وهم الكافرون البالغون في الكفر منتهاه، ذكر المنافقين وهم المؤمنون في الظاهر الكافرون في الباطن، وهم شر من الكافرين البالغين في الكفر أشده، أخبر تعالى أن فريقاً من الناس وهم المنافقون يدعون الإيمان بألسنتهم، ويضمرون الكفر في قلوبهم. يخادعون الله والمؤمنين بهذا النفاق، ولما كانت عاقبة خداعهم عائدة عليهم كانوا بذلك خادعين أنفسهم لا غيرهم، ولكنهم لا يعلمون ذلك ولا يدرون به، كما أخبر تعالى أن في قلوبهم مرضاً، وهو الشك والنفاق والخوف، وأنه زادهم مرضاً عقوبة لهم في الدنيا، وتوعدهم بالعذاب الأليم في الآخرة؛ بسبب كذبهم وكفرهم].

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له: [هداية الآيات: من هداية الآيات: التحذير لنا من الكذب والنفاق والخداع، وأن عاقبة الخداع تعود على صاحبها كما أن السيئة لا يتولد عنها إلا سيئاً مثلها]، والله تعالى أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 28-08-2020 03:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة البقرة - (60) الحلقة (67)


تفسير سورة البقرة (30)



القلوب لحمة رطبة، لكنها إذا قست غدت أقسى من الحجر، فكم من عيون ماء نبعت، وأنهار جرت من بين ثنايا صخور صماء، أما القلوب القاسية -يا ويحها- لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً، جافة قاحلة، وهكذا كانت قلوب بني إسرائيل، قلوباً سوداء مظلمة، محرّفة لكلام الله وآياته، تنكر الضوء إذا داعبتها خيوطه، ولهذا كان الطمع في إيمانها بعيداً.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:74-75] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!قول ربنا جل ذكره: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:74] من المخاطب بهذا؟ إنهم بنو إسرائيل .. إنهم اليهود الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم بل وساكنوه في هذه المدينة.فهذه الآيات تكشف الغطاء، وتزيح الستار عن أمراض تلك الأمة وعللها، وأسقامها، وأوجاعها؛ إذ كما بلغنا وسمعنا، وفهمنا أن ابن أخ قتل عمه ليرثه، ثم أخذوا الجثة ووضعوها في حي قبيلة أخرى، ثم صاحوا: قتل شيخنا .. قتل أبونا، من قتله؟ هو في الحي الفلاني.فأوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيه موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح بقرة، فإذا ذبحوها جاءوا بعظم منها كرجل أو لسان أو أي جزء، وضربوا القتيل به فإنه يحيا بإذن الله، وينطق، ويخبر عن قاتله.وقد أشرنا إلى أنهم كانوا يدفعون إلى هذا دفعاً، فلمَّا أخبرهم أن الله أمرهم أن يذبحوا بقرة قالوا تلك الكلمة البشعة التي هي كفر، وهي كونهم يقولون لرسول الله: أتسخر منا؟ أتستهزئ بنا؟ وقد عرفنا أن الاستهزاء والسخرية محرمان على المؤمنين، فلا يجوز أن يسخر مؤمن بمؤمن، ولا يستهزئ مؤمن بآخر، واقرءوا قول الله تعالى من سورة الحجرات المدنية لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11].ثم لما أمرهم ورد فريتهم وباطلهم، وعزموا على أن يذبحوا البقرة قالوا: ما لونها؟ ما هي؟ أخذوا يشددون على أنفسهم؛ ولعل هذا من أجل التهرب من القضية؛ وخشية أن يفتضح أمرهم بين الناس؛ لأن الذين طالبوا بالقتل هم الذين قتلوا عمهم أو أخاهم، فخافوا أن يفضحوا، فقالوا: ما هي؟ فقال: إنها كذا وكذا، لا فارض ولا بكر؛ عوان أي: نصف بين ذلك، ثم زادوا فقالوا: ادع لنا ربك ليبين لنا ما لونها: صفراء .. سوداء .. بيضاء؟ قال: إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [البقرة:69]، وهكذا حتى ساقهم القدر إلى تلك العِجْلَة التي هي نتيجة دعوة الرجل المؤمن الصالح، ليرزق الله ولده بمال ما كان يحلم به، إذ ساوموه بالألف والألفين، ولم يبعهم إلا بملء مسكها ذهباً، واشتروها.وعرفنا أنهم قالوا: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة:70] فنفعهم الاستثناء، ولو لم يقولوا: إن شاء الله ما كانوا يصلون إلى نتيجة. وذبحوها وجاءوا بقطعة منها وضربوا الميت، فقام تشخب عروقه بالدماء كأنه الآن سقط، وهو يقول: قتلني فلان.

تفسير قوله تعالى: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة ...)

هذه الحادثة حادثة جُلَّى وعظيمة، فهذا ميت مضى عليه كذا يوم، ثم يحيا حياة كاملة، وينطق ويقول: قتلني فلان، ثم يموت مرة أخرى! حقيقة الذين شاهدوا هذه الواقعة لانت قلوبهم .. خجلوا .. رجعوا إلى الصواب .. عادوا إلى الحق، لكن ما هي إلا فترة، فما إن مات أولئك الذين شاهدوا الحادثة وإذ قلوب أبنائهم وأحفادهم تقسو، بدليل قوله تعال: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [البقرة:74]، وهو يخاطب بني إسرائيل الأموات والأحياء؛ لأن الأحياء متشددون، متمسكون بعقيدة أسلافهم ونحلتهم وما هم عليه، فأصبحوا كأنهم مجتمعون والقرآن ينزل على الجميع، ويخاطب الحاضرين، والغائبين، والميتين. ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ في قساوتها كَالْحِجَارَةِ [البقرة:74] والقلب قطعة لحم، وقساوته ليست في تلك اللحمة، قساوته فيما يرتكب صاحبه، فالذي يذبح عمه أو أخاه هل في قلبه رقة أو لين؟ هذا أشد من الحجارة، والذي يشاهد هذه الآيات عياناً ثم يفسق ويفجر، بل ويكفر هل في قلبه لين أو رقة؟! قلبه كالحجر. ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ [البقرة:74] بل أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74] من الحجارة، و(أو) هنا بمعنى بل.ثم بين تعالى أن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار، صخور في الجبال تتفجر منها الأنهار وتتدفق، ومنها ما يخرج منه الماء ينابيع، وأما قلوب هؤلاء فلا رحمة، ولا عطف، ولا رقة، ولا.. ولا.. ولا.. العجب العجاب. ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ [البقرة:74] كم من عيون تفجرت من الصخور الجبلية، ومنها ما ينبع منه الماء الرقيق العذب القليل. وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة:74] وحادثة الجبل الذي ارتفع فوقهم كأنه ظلة، كيف ارتفع؟ ارتفع لأن الله أمره فأطاعه وخضع وذل لأمر الجبار فارتفع، وفوق ذلك لما سأل موسى ربه أن يريه وجهه الكريم فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف:143] فهذا الجبل تجلى له الرحمن عز وجل فصار دكاً، أي: ذاب ذوباناً، وأصبح هباءً.وعندنا جبل أحد لما علاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أبو بكر وعمر وعثمان ماد تحته واضطرب، فقال: ( اسكن أحد؛ ما عليك إلا نبي وصدِّيق وشهيدان ) الصديق هو أبو بكر ، والشهيدان هما عمر وعثمان ، وهل ماتا في ساحة القتال؟ أين مات عمر وعثمان ؟ في المدينة، عمر في المسجد وعثمان قريباً من المسجد، لكنهما شهيدان أو لا؟ فمن الشهادة ما تكون في ساحة القتال، وإن من سأل الله تعالى الشهادة بحق أعطيها ولو مات على فراشه.ثم قال تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:74] هذا توبيخ .. تأديب .. تحريك لقلوبهم .. فكشف النقاب عن صنائعهم المدمرة؛ المخربة، ومؤامراتهم اليهودية المنتنة؛ إذ حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، ولكن الله أذلهم وأخزاهم، فقوله: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:74] معناه حيثما تحركتم للكيد والمكر برسولنا والمؤمنين فنحن على علم بما تحدثونه وما ترتكبونه، إذاً فخافوا الله.وانتهت هذه القصة.

تفسير قوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ...)

قال تعالى يخاطب رسوله والمؤمنين: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [البقرة:75] الذي نعلمه، ويعلمه المسلمون أن الصحابة وخاصة المهاجرين مثل أبي بكر وعمر ومن إليهم كانوا يطمعون -حقيقة- في أن اليهود سيدخلون في الإسلام، بل كانوا يرجون رجاء أن اليهود سوف يدخلون في الإسلام، لم؟ لأنهم أهل كتاب يؤمنون بالله .. يؤمنون بلقائه .. يؤمنون بالوحي الإلهي .. يؤمنون بالتشريع الإلهي، فهم موحدون قبل كل شيء، وليسوا بمشركين، فما المانع أن يدخلوا في الإسلام جماعات؟!هذا الطمع كان بالفعل، ولو لم يكن كيف يخبر تعالى عن شيء ما كان؟! أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [البقرة:75] أي: يتابعوكم على دينكم الإسلامي. وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75]. ولنعد إلى الوراء، فقد كانوا يسمعون كلام الله ويحرفونه، فلما رفع الجبل فوق رءوسهم وسجدوا تلك السجدة ما التزموا، وما إن رفع الجبل عنهم عادوا وحرفوا ما سمعوا، فهم يحرفون الكلام من بعد ما سمعوه، وهم يعلمون أنهم محرفون.وهذا تسجيل إلهي على اليهود، فإنهم أهل مكر، وأهل تحريف وتضليل، فصفات النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته بين أيديهم، فيحرفون الصفة، ويحرفون صاحبها.ولما يحتج عليهم إخوانهم: أليس هذا هو النبي المنتظر؟ يقولون: لا، ما زال لم يأت، ليس هذا، ذاك أزرق العينين .. طويل القامة .. سبط الشعر، فيحرفون صفات الرسول لأولادهم ونسائهم ويقولون: هذا لم يأت، وما خرج بعد. ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75] أنهم محتالون يحرفون الكلم لأجل الحفاظ على حياتهم المادية الهابطة.وقد قررنا غير ما مرة أن تفكيرهم في إعادة مملكتهم التي كانت على عهد سليمان عليه السلام، وأنهم سادة أهل الأرض، وأنهم وأنهم ..، فهذا الذي جعلهم لا يمتزجون بأية أمة، وبقوا مستقلين إلى الآن استقلالاً بدنياً كاملاً.هكذا يقول تعالى لرسوله والمؤمنين، فيخفف عنهم ما في نفوسهم من تلك الرغبة التي كانت تدفعهم إلى أن يقول اليهود ما يقولون، قال لهم: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [البقرة:75] بمعنى: يتابعوكم إلى أن يؤمنوا بكم، ويؤمنوا لكم أي: يتابعوكم على دينكم الإسلامي. وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:75] وما زال يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75].

تفسير قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ...)

قال تعالى بعد ذلك: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا [البقرة:76] هؤلاء منافقوهم؛ إذ كان من اليهود بالمدينة منافقون أعلنوا عن إسلامهم، ويجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلون معه وهم كافرون؛ فقط من أجل التغطية، والتدليس، والتعمية، وللحفاظ على وجودهم، وعلى أموالهم وديارهم.فكان بينهم منافقون، وتقدم في أول السورة بيان نفاقهم.هؤلاء وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا [البقرة:76]، نحن وإياكم على دين حق .. ملة إبراهيم .. التوحيد، وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ [البقرة:76] وجلسوا في سقائفهم .. في دورهم .. في مجالسهم أنكر بعضهم على بعض: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:76] لأنهم يقولون: والله إن هذا هو النبي، وهذه صفته .. هذه قامته .. هذا لونه .. هذا شعره .. هذا هو .. هذا هو، ويتلون عليهم صفات التوراة، فهذا يقولونه للمؤمنين لما يكونون بينهم وهم أقلية، فإذا خلوا في دورهم ومجالسهم يأخذون في اللوم والعتاب، ويقول بعضهم لبعض: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:76] من العلم والمعرفة، وتؤكدون صفات النبي، وأنه هو النبي المنتظر، لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:76].والمعروف في عقيدة اليهود أنهم يصفون الله عز وجل بصفات النقص، منها أنه يعطي ويندم .. منها أنه ينسى. فهي صفات لا تليق بجناب الله عز وجل، وهي من صفات المحدثين والخلق، فانظر كيف قالوا: لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ [البقرة:76] يوم القيامة، فيغلبوكم؛ لأنهم سيقولون: يا رب! هؤلاء أخبرونا أن الإسلام دين حق، وأن محمداً رسول الله، وهؤلاء أنكروا هذا ..فاليهود فيهم أيضاً سذاجة وبساطة تفكير؛ وهذا ناتج عن الجهل، فما هم بالعلماء كما سيأتي، بل هم أميون، فيتصورون هذا التصور، ويرون أنهم ليس من حقهم أن يخبروا المؤمنين بأن هذا الدين الحق، وأن هذا النبي المنتظر، فتقوم الحجة يوم القيامة عليهم، فيقولون: لا، اجحدوا. ظناً منهم أنهم إذا جحدوا وما تكلموا أن هذا يخفى على الله عز وجل، ويحاجهم المسلمون يوم القيامة ويغلبونهم. فهذه سذاجة، وهي موجودة إلى الآن، وهي نتيجة عن الجهل المركب.واسمع ماذا قالوا، وما أخبر تعالى عنهم، قال تعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا أي: الصادقين المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالُوا آمَنَّا هذا هو الدين الحق .. هذا الذي كنا ننتظره، ونستفتح به على الأمم، وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ أي: في مجالسهم الخاصة قالوا: كيف تفعلون هذا؟ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أي: بما علمكم الله، وأعطاكم من علم التوراة، فتخبروهم بتلك النعوت والصفات، فتزيدون في إيمانهم، وتقوية معتقدهم لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:76]؟ أين يُذهب بعقولكم؟هذا الكلام السري في خلواتهم، ولكن العليم الخبير أنزله قرآناً يقرأ، فيسمعه المسلمون واليهود وغيرهم؛ لأن الله علّام الغيوب.



يتبع

ابوالوليد المسلم 28-08-2020 03:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ...)

قال تعالى: أَوَلا يَعْلَمُونَ [البقرة:77] أيقفون هذا الموقف، ويتكلمون بهذا الكلام، ويعتقدون هذا الاعتقاد الباطل أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [البقرة:77] كيف يخفى على الله هذا؟فهذه الآية تدل حقيقة على أنهم كانوا يجهلون صفات الله الحقة، وينسبون إليه ما هو من صفات المخلوقين من التردد، والعجز، والنسيان، وما إلى ذلك أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [البقرة:77].

تفسير قوله تعالى: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ...)

قال تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] وهذا الذي كشف النقاب عن الحقيقة.وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ الأمي: المنسوب إلى أمه، فما درس، ولا تعلم، ولا قرأ، لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ أي: التوراة إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] إلا قراءة.وهذا الذي يعنيه الله عز وجل ويورده مع اليهود حصل لنا، فتدخل المسجد يوم الجمعة في العالم الإسلامي، تجد أمة تقرأ القرآن، والمصاحف بأيديها تتلو، ولا يعرفون من كلام الله شيئاً، ولا يعرفون إلا القراءة، بل وتجد من حفظة القرآن ملايين؛ يحفظون من البقرة إلى الناس -كما يقولون- عن ظهر قلب، ولا يفقهون منه شيئاً، وما لهم إلا التلاوة، والذي عاش عليه بنو إسرائيل انتقل إلينا، كما استعرضنا مواقف كثيرة، نحن وإياهم سواء، لم؟ لأننا بشر، فلسنا جنساً يخالفهم، ولا هم بجنس يخالفنا، فإن أقبلنا على الله عز وجل، واجتمعنا على أهل العلم، وتعلمنا ارتفعنا وسمونا، وعرفنا، واتقينا الله، فإن أعرضنا، وأعرض الله عنا هبطنا كغيرنا.اسمع هذا النعي الإلهي وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] أي: إلا قراءة.قال:تمنى كتاب الله أول ليلهوآخره لاقى حمام المقادرتلا: بمعنى قرأ.إذاً: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ أي: التوراة إِلَّا أَمَانِيَّ. وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78] فمعلوماتهم، ومعارفهم، وما عندهم لم تتجاوز حد الظن، فلا يقين أبداً، ولا بصيرة.والآن حال المسلمين! أكثر ما عندهم ما هو إلا الظن، فلو كانت يقينيات لأقاموا دعوة الله، ولنصروا دينه، وأقاموا شريعته، ومن معايب الجهل أنه يفقد اليقين، فإذا علم حصل اليقين بعد العلم، فإذا كان جاهلاً كيف يوقن؟! أدنى هزة تفضحه. وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78] أي: ما هم إلا يقولون بالظن، يظنون فقط، واليقينيات لا وجود لها، وعلة ذلك: أنه مرت عليهم فترات طويلة انعدم فيها العلم.وفي سورة الحديد يقول تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد:16] قالت الصحابة: ما هي إلا سنيات واستبطأ الله قلوبنا، فنزلت هذه الآية: أَلَمْ يَأْنِ يحن الوقت لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد:16] في كتاب الله وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].ونحن ما بين الرسول إلى اليوم ألف وأربعمائة سنة، فأيما أهل بلد أو إقليم أو دار نسوا ذكر الله، وتركوا معرفة الله، لا بد وأن يقع لهم ما وقع لغيرهم، فتقسو القلوب وتتحجر، وإذا قست القلوب من يرحم؟ من يرهب الله ويخافه؟ من يطمع فيما عند الله؟!ويأتي بعد ذلك الفسق، وهو الخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

دواء قساوة القلوب

معاشر المستمعين! قساوة القلوب وضع لها الرحمن دواء نافعاً، ومما يقضي على قساوة القلب: ذكر الموت والدار الآخرة، حتى إن بعض السلف كان يأتي إلى المقبرة ويجلس الساعات، ويتفكر في مصير إخوانه ومصيره الذي لا بد وأن يلحق بهم، فيرجع من المقبرة وقلبه رقيق ليّن كالزبدة، واقرءوا قول الله تعالى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص:46] أي: الدار الآخرة، فذكر مجموعة من أوليائه، وصالحي عباده وقال: أخلصناهم بخصوصية هي ذكرى الدار الآخرة.والشاهد من الحديث: ذكر الموت، ومن لم يتعظ بالموت فلا وعظه الله، وكفى بالموت واعظاً، فإذا ذكر الإنسان مصيره ومآله، وما ينتهى إليه شأنه وأمره يرق قلبه.ثانياً: قراءة القرآن بالتدبر والتفكر ومراجعة الآيات، فهذا من شأنه أن يرقق القلب.ثالثاً: الجلوس مع الفقراء والمساكين والنظر في أحوالهم، وهذا من شأنه أن يرقق القلب.أما الغفلة عن الدار الآخرة ونسيان الموت، والبعد عن الفقراء والمساكين، والعيش في الرفاهية وفي جماعات الثراء والغنى، فهذه عوامل تقسي قلب العبد، ومن قسا قلبه لا يرحم نفسه، فضلاً عن غيره.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها ...) من كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال: [ شرح الكلمات:((نَفْساً)): نفس الرجل الذي قتله وارثه استعجالاً للإرث.((فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا)): تدافعتم أمر قتلها كل قبيل يقول: قتلها القبيل الآخر.((مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)): من أمر القاتل ستراً عليه دفعاً للعقوبة والفضيحة.((بِبَعْضِهَا)): ببعض أجزاء البقرة كلسانها أو رجلها مثلاً ].

معنى الآيات

قال: [ معنى الآيات: يقول تعالى لليهود موبخاً لهم اذكروا إذ قتل أحد أسلافكم قريبه ليرثه، فاختصم في شأن القتل، كل جماعة تنفي أن يكون القاتل منها، والحال أن الله تعالى مظهر ما تكتمونه لا محالة؛ إحقاقاً للحق وفضيحة للقاتلين، فأمركم أن تضربوا القتيل ببعض أجزاء البقرة، فيحيا ويخبر عن قاتله، ففعلتم وأحيا الله القتيل، وأخبر بقاتله، فقتل به ] قصاصاً [ فأراكم الله تعالى بهذه القصة آية من آياته الدالة على حلمه وعلمه وقدرته، وكان المفروض أن تعقلوا عن الله آياته فتكملوا في إيمانكم وأخلاقكم وطاعتكم، ولكن بدل هذا قست قلوبكم وتحجرت وأصبحت أشد قساوة من الحجارة؛ فهي لا ترق، ولا تلين، ولا تخشع على عكس الحجارة، إذ منها ما تتفجر منه العيون، ومنها ما يلين فيهبط من خشية الله؛ كما اندك جبل الطور لما تجلى له الرب تعالى، وكما أضطرب أُحد تحت قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ثم توعدكم الرب تعالى بأنه ليس بغافل عما تعملون من الذنوب والآثام، وسيجزيكم به جزاء عادلاً إن لم تتوبوا إليه وتنيبوا].

هداية الآيات

قال: [من هداية الآيات:أولاً: صدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتقريرها أمام اليهود؛ إذ يخبرهم بأمور جرت لأسلافهم لم يكن يعلمها غيرهم، وذلك إقامة للحجة عليهم ]. فما كان العرب يعرفون هذه الحادثة أبداً ولا غيرهم، ولا يعرفها إلا اليهود الموجودة في كتبهم، فيخبر بها النبي؛ إذاً هو رسول الله.قال: [ ثانياً: الكشف عن نفسيات اليهود وأنهم يتوارثون الرعونات والمكر والخداع ]. والله العظيم إلى الآن يتوارثون؛ الكبير يورث الصغير، والصغير يرث عن الكبير الرعونات والخداع والمكر.قال: [ ثالثاً: اليهود من أقسى البشر قلوباً إلى اليوم، إذ كل عام يرمون البشرية بقاصمة الظهر وهم ضاحكون ]. الحروب التي دارت في قروننا هذه ما وجدت حرب إلا وأصابع اليهود هم الذين أشعلوا نارها، لا الحرب الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ولا المنتظرة، والعلة عرفناها؛ لأنهم يرون البشرية نجس، وأنهم هم الشعب المختار، وأن السيادة والحكم لن تكون إلا لهم. قال: [رابعاً: من علامات الشقاء قساوة القلوب، وفي الحديث: ( من لا يَرحم لا يُرحم )].
قراءة في تفسير قوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ...) من كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال: [ شرح الكلمات:((أَفَتَطْمَعُونَ)): الهمزة للإنكار الاستبعادي، والطمع: تعلق النفس بالشيء رغبة فيه.((يُؤْمِنُوا لَكُمْ)): يتابعونكم على دينكم الإسلام.((كَلامَ اللَّهِ)): في كتبه؛ كالتوراة والإنجيل والقرآن.((يُحَرِّفُونَهُ)): التحريف: الميل بالكلام على وجه لا يدل على معناه، كما قالوا في نعت الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراة: أكحل العينين .. ربعة .. جعد الشعر .. حسن الوجه، قالوا في التحريف: طويل .. أزرق العينين .. سبط الشعر ] حرفوا الكلمات.قال: [ ((وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا)): إذا لقي منافقو اليهود المؤمنين قالوا: آمنا بنبيكم ودينكم.((أَتُحَدِّثُونَهُمْ)): الهمزة: للاستفهام الإنكاري ] لا ينبغي هذا [ وتحديثهم إخبار المؤمنين بنعوت النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة.((بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ)): إذا خلا منافقو اليهود برؤسائهم أنكروا عليهم إخبارهم المؤمنين بنعوت النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، وهو مما فتح الله به عليهم ولم يعلمه غيرهم] من الأمم.قال: [((لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ)): يقولون لهم: لا تخبروا المؤمنين بما خصكم الله به من العلم حتى لا يحتجوا عليكم به، فيغلبوكم وتقوم الحجة عليكم فيعذبكم الله.((أُمِّيُّونَ)): الأمي: المنسوب إلى أمه، كأنه ما زال في حجر أمه لم يفارقه، فلذا هو لم يتعلم الكتابة والقراءة] فهو أمي.قال: [ ((أَمَانِيَّ)): الأماني: جمع أمنية، وهي إما ما يتمناه المرء في نفسه من شيء يريد الحصول عليه، وإما القراءة من تمنى الكتاب إذا قرأه ]. أماني إما من الأمنيات أو من القراءة.

معنى الآيات

قال: [ معنى الآيات: ينكر تعالى على المؤمنين طمعهم في إيمان اليهود لهم بنبيهم ودينهم، ويذكر وجه استبعاده بما عرف به اليهود سلفاً وخلفاً من الغش والاحتيال بتحريف الكلام وتبديله، تعمية وتضليلاً حتى لا يُهتدى إلى وجه الحق فيه، ومن كان هذا حاله يبعد جداً تخلصه من النفاق والكذب وكتمان الحق ((وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا)) وهم كاذبون، وإذا خلا بعضهم ببعض أنكروا على أنفسهم ما فاه به بعضهم للمسلمين من صدق نبوة الرسول وصحة دينه، متعللين بأن مثل هذا الاعتراف يؤدي إلى احتجاج المسلمين به عليهم وغلبهم في الحجة.وسبحان الله! كيف فسد ذوق القوم وساء فهمهم حتى ظنوا أن ما يخفونه يمكن إخفاؤه على الله، قال تعالى في التنديد بهذا الموقف الشائن: ((أَوَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)).ومن جهل بعضهم بما في التوراة وعدم العلم بما فيها من الحق والهدى والنور ما دل عليه قوله تعالى: ((وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ)) أي: إلا مجرد قراءة فقط، أما إدراك المعاني الموجبة لمعرفة الحق والإيمان به واتباعه فليس لهم فيها نصيب، وما يقولونه ويتفوهون به لم يعد الخرص والظن الكاذب].

هداية الآيات

قال: [ من هداية الآيات: أولاً: إن أبعد الناس عن قبول الحق والإذعان له اليهود ] واحلف على هذا ولا تتردد؛ إن أبعد الناس عن قبول الحق والإذعان له في العالم اليهود.قال: [ ثانياً: قبح إنكار الحق بعد معرفته ] ما أقبح حال المرء عندما يعرف الحق وينكره، وهذا طبع اليهود، يعرفون أنه الحق ولا يقبلونه، ويصرحون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام هو دين إبراهيم، ومع هذا ينكرون ويكذبون.قال: [ ثالثاً: قبح الجهل بالله وبصفاته العلا وأسمائه الحسنى ] ومن أين أخذنا هذا؟ لأنهم يقولون: إن أنتم أخبرتموهم بنعوت محمد ولم تؤمنوا، يحتجون عليكم يوم القيامة، ويقولون: يا ألله! أخبرونا بأن النبي محمد نبي الحق، ودينه الدين الحق، ولم يؤمنوا! وهذا من ضعف عقولهم، أو من فساد إيمانهم؛ إذ يجعلون بعض الصفات البشرية للخالق كالعجز والنسيان والتردد والغفلة .. وما إلى ذلك.وهل المسلمون يعرفون صفات الله وأسماءه؟الجواب: ثلاثة أرباع لا يعرفون، لم لا يعرفون؟ لأنهم ما طلبوا .. ما قرعوا باب العلم وحرموه .. ما جلسوا بين يدي المعلمين والمربين. إن قرى بالآلاف .. بالملايين لا تجد فيها عالماً، فمن يعلمهم؟ الآن نحن في المملكة أحسن حالاً من غيرنا، والله يوجد ناس وقرى لا يعرفون أسماء الله.الآن نشتكي ونبكي؛ لأن العلم هذا ما يأتي بالوراثة كالطبائع والغرائز، يأتي بالتعلم، وقد قرر هذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنما العلم بالتعلم )، ( ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، نرد على الرسول نقول: لا، لا العلم ليس بالتعلم! كيف يأتي! ( إنما العلم بالتعلم، وإنما الفقه بالتفقه )، ( ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).قال: [ رابعاً: ما كل من يقرأ الكتاب يفهم معانيه ] وقد قلت لكم: تدخل مساجدنا في الشرق والغرب يوم الجمعة وهذه ظاهرة: تجد الناس بأيديهم المصاحف، يقرءون بأصوات، ولا (5%) يفهمون ما يقرءون، لماذا؟ لأنهم ما تعلموا .. ما سألوا، فلهذا هذا يصدق علينا بالحرف الواحد، ومنا أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78] إذا لاح له معنى في آية ما هو يقيني أبداً، ظناً منه أن مراد الآية كذا أو كذا.والذي يقرأ وهو لا يفهم يعطى أجر القراءة أو ما يعطى؟ يعطى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.إذا كان قرأ، فلوجود القراءة يُعطى الأجر، لكن هل هو عالم لما يقرأ؟ ما هو بعالم، فلهذا يخرج من المسجد ويكذب.وعلى كل حال أنا أقول: الحرف بعشر حسنات سواء كنت عالماً أو غير عالم، فالذي يقرأ الم ألف حرف، لام حرف، ميم حرف .. كل حرف بعشر حسنات، وكونه عالماً بالمعنى، وعاملاً بما دل عليه: وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].قال: [ رابعاً: ما كل من يقرأ الكتاب يفهم معانيه فضلاً عن معرفة حكمه وأسراره، وواقع أكثر المسلمين اليوم شاهد على هذا، فإن حفظة القرآن منهم من لا يعرفون معانيه فضلاً عن غير الحافظين له ].ما هو السبب؟ مشغولون بالدنيا، فتنتنا هي هذه الحياة، ثم ما وجدنا من يوجهنا أو يرشدنا، فعشنا كالبهائم سارحين بالمسارح، وإلا فإن الدنيا لا تتنافى مع طلب العلم أبداً.من المغرب إلى العشاء ليس هناك عمل، غربت الشمس: الفلاح وضع المسحاة من على كتفه، والصانع وضع الحديد من يده، والتاجر أغلق باب تجارته، أين يذهب المؤمنون والمؤمنات؟ إلى بيوت ربهم. فمن المغرب إلى العشاء طول الدهر ما هو عام فقط، طول حياتنا، والله لا يبقى بيننا جاهل ولا جاهلة، ولا فرق بين المدينة والقرية، فالكل على حد سواء، لكن صرفونا وما انتبهنا، أسكرونا وما صحونا، وما عرفنا أن الجهل الذي أصابنا هو الذي قعد بنا، وهو الذي سلط علينا هذه المصائب والويلات والنكبات، وهو الذي حال بيننا وبين تحقيق ولاية الله عز وجل.فلهذا أكرر: إن أراد أهل قرية أو أهل حي في مدينة في العالم الإسلامي أن يحققوا ولاية الله لهم، وأن تزول مظاهر العجز، والضعف، والفقر، والخبث، والشر، والفساد، فالطريق الوحيد أن يرجعوا إلى الله كما رجع رسول الله وأصحابه، ويتعهدوا ملتزمين في صدق ألا يتخلف رجل ولا امرأة كل ليلة ما بين المغرب والعشاء في جامعنا، إلا إذا وجد عذر كمرض أو ما إلى ذلك، وكل ليلة نتعلم العلم ونعمل، فما تمضي سنوات إلا ولا يوجد في القرية ولا المدينة جاهل. ومن غير هذا الطريق يا معاشر المستمعين ما نصل إلى غايتنا من معرفة الله وطاعته.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg




ابوالوليد المسلم 28-08-2020 03:46 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (61)
الحلقة (68)




تفسير سورة البقرة (31)

أنزل الله الكتب لتكون سراجاً منيراً للناس، وأعلاماً هادية لهم، وأملاً مشرقاً حين تدلهم الخطوب، وبدلاً من أن يعتصم بنو إسرائيل بكتابهم إذا بهم يعدون عليه تأويلاً وتحريفاً، زيادة ونقصاً، وهم في كل ذلك يحاولون إلصاقه بالوحي الإلهي، ولكن عبثاً يحاولون، فويل لهم، أما خشوا مكرهم أن يحيق بهم، وسيئتهم أن تهلكهم أم تراهم ركنوا إلى أمانيهم، وجهلوا أن الأماني لا تغني من الحق شيئاً.

تابع تفسير قوله تعالى: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة ومع آياتها المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ * وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:78-81] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال السياق في الحديث عن بني إسرائيل .. عن اليهود الذين عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة، وقد علمنا الله الكثير من أحوالهم الظاهرة والباطنة، وما زال السياق فيهم.قوله جل وعز: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78] هو كما أخبر؛ والله العظيم إن من اليهود لأميين لا يعلمون من الكتاب إلا مجرد القراءة فقط، وأما المعاني .. أما الفقه .. أما المعرفة فلا نصيب لهم في ذلك، وهذا ذم وتقبيح لحالهم، وها نحن أيضاً أصبحنا مثلهم، فالذين يقرءون القرآن بالملايين ولكنهم لا يعرفون منه شيئاً، بل مجرد قراءة فقط.ومن هنا نسلّي أنفسنا ونعزيها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )، ها نحن في تلك الورطة، فأكثر المسلمين من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً لا يعلمون من الكتاب إلا مجرد القراءة فقط، فلا يعرفون عقيدة، ولا أدباً، ولا خلقاً، ولا حلالاً، ولا حراماً، ولا جهاداً، ولا حرباً، ولا سلماً، مع أن القرآن يحوي ذلك كله، فما هو السبب؟ السبب أننا ما جلسنا في مجالس أهل العلم، ولا أصغينا لأهل العلم، ولا رغبنا في أن نتعلم، فاكتفينا بقراءة القرآن، فالكثيرون يحسنون القراءة، ولكن لا معرفة، ولا فهم، ولا بصيرة.فماذا ترجو منهم؟ أترجو أن يكونوا ربانيين وأولياء لله وهم لا يعرفون ما أحل الله ولا ما حرم الله، لا يعرفون ما يحب الله ولا ما يكره؟ هذا من جهة.ومن جهة أخرى -وقد علمتم-: أمَّا حالَ أعداء الدين بيننا وبين فهم كلام الله؟ أما وضعوا تلك القاعدة وهي: أن تفسير القرآن الكريم صوابه خطأ، وخطؤه كفر؟ فحرموا المسلمين من أن يفسروا كلام الله، أو يتدبروه ويستخرجوا الهدى وأنوار الهداية منه، فأصبح القرآن يقرأ على الأموات، فمن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب لا يجتمع على القرآن إلا من أجل ميت يقرأ عليه.لما بعدنا عن الكتاب، وبعدنا عن السنة النبوية اكتفينا بمصنفات صنفها علماؤنا في مذاهبنا المتعددة، وأصبحنا لا نجتمع على سنة رسول الله وأحاديثه، وإذا تقدمنا نجتمع على السنة للبركة، فندرس صحيح البخاري للبركة، لا لمعرفة الآداب، والأحكام، والشرائع أبداً، بل للبركة، فما أصبح في القرية من يقول: قال الله، ولا من يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسادنا الجهل، وانتظمنا عدم المعرفة.ومن أراد أن يدلل، أو يبرهن، أو يجادل فنقول: لو كنا عالمين، ربانيين، أولياء للرحمن هل يسلط علينا الكفرة الفجرة، الفسقة، فيسوسوننا، ويحكموننا، ويسودوننا، ويفعلون ما يفعلون فينا، أيعقل هذا الكلام؟ ممكن يسلط الله أعداءه على أوليائه؟ هذه برهنة، وهذا دليل قطعي.وما زلنا نتهيأ أيضاً لمحنة أخرى؛ إذ انفجرت الثورات، واستقل العالم الإسلامي عن سيادة الكفر وحكمه، وقد عرفتم أن من ورث الحكم هم تلامذتهم، وخريجو كلياتهم وجامعاتهم، فكما قلنا: خرجوا من الباب، ودخلوا من النافذة، وإلى الآن ما بلغنا أن الإقليم الفلاني أصدر حكّامه أمراً بإقامة الصلاة إجبارياً على المدني والعسكري .. على الكبير والصغير، فلا ينبغي أن يوجد بيننا من يتهاون في الصلاة أو يضيعها أو لا يصلي، كيف ترون هذا؟ أصحيح أم باطل، أم لغتي بربرية لا تفهمونها؟نيف وأربعون دولة، ذات رايات، وجيوش، وطائرات، ما استطاعت دولة واحدة أن ترضي الله عز وجل بإقامة الصلاة؛ لأن الإنسان مخلوق للصلاة، والصلاة هي ذكر الله وشكره، فتلتقي مع ربك خمس مرات في مواعيد منتظمة على لباس خاص، في مكان خاص، خمس مرات، فهذه هي العبادة التي من أجلها خلق الإنسان، أما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]؟ فهل أمروا بإقامة الصلاة؟ لا، إذاً ما هو الفرق؟!مع أن الله تعالى يعلمهم ويخبرهم أن إقامة الصلاة من شأنها أن تقلل الفاحشة في الديار، وأن تبعد المنكر عنهم إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فلو أقاموا الصلاة في قرية .. في مدينة تقل الجريمة قلة عجباً، ممكن لا يبقى (5 %) مما كان يرتكب في الأسبوع أو في الشهر.حقيقة ما يعاب على بني إسرائيل أصبح يعاب علينا ونحن أهله، وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78]، إلا مجرد قراءة فقط، أو أمانٍ وظنون، لا يقين -أبداً- عندهم فيما أحل الله، ولا: فيما حرم، ولا فيما أوجب، ولا فيما نهى وترك.وهيا بنا نخرج من هذه الورطة، فنعتبر، كيف نعمل حتى لا يبقى في قريتنا رجل ولا امرأة إلا وهو يعلم ما في كتاب الله من حلال وحرام، وآداب وأخلاق، وشرائع عامة وخاصة؟قالوا: لا نستطيع. قلنا: كيف لا تستطيعون؟

المخرج من فتنة المعاصي

ما الحيلة يا شيخ؟ ما هو الطريق؟ ما السبيل؟أيها السامعون! الذين سئموا هذا الكلام، هذا الكلام لا يترك إلا إذا نفذ مراده، وطبق ما أريد به، وإلا حرام السكوت، ليس هناك وسيلة ولا سبيل يمكننا أن ننتقل به من هذه الورطة إلا أن نعود إلى بيوت الرب تعالى.وكيف العودة يا أبناء الإسلام؟ إنها كاجتماعكم هذا فأهل القرية ذات الثلاثة آلاف نسمة أو الألفين أو الألف أو أقل أو أكثر، يوسعون جامعهم حتى يتسع لكافة أفرادهم نساء ورجالاً، بالخشب والحطب، لا بالحديد، ولا بالإسمنت، ويجتمعون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، نساء وراء الستار، والأطفال أمامهن أو دونهن، والمربي بين يديهم، ليلة آية يقرءونها بصوت واحد، ويتغنون بها فتحفظ عن ظهر قلب، فيشرحها المربي ويبين مراد الله منها، ثم يضع أيديهم على المطلوب إن كان معتقداً اعتقدوه، وإن كان حراماً عرفوه وتخلو عنه، وإن كان أدباً تأدبوا به، وإن كان وإن كان .. والليلة الثانية بعدها: حديث من أحاديث نبيهم الصحيحة السليمة، وهكذا طوال العام! لا. طوال الحياة، وهل هذا يعتبر صعباً؟قلنا لهم: إن أعداءكم من أهل الملل الخاسرة الهابطة .. من أهل النار إذا غابت الشمس ذهبوا إلى الملاهي والمقاهي، والمقاصف، ودور السينما و.. و..، وأنتم لستم مثلهم، أنتم تريدون أن تنزلوا الملكوت الأعلى؟ تريدون أن تخلدوا في دار السلام؟ شأنكم غير شأنهم.إذاً: أنتم إذا غربت الشمس ذهبتم إلى بيوت ربكم، بنسائكم وأطفالكم، وما الذي يحدث لكم سوى أن تستنير قلوبكم، وتشرق بالزكاة نفوسكم، وتطهر أرواحكم، وتعلو آدابكم وأخلاقكم، وينعدم بينكم السوء، فلم يبق في القرية سوء، ولا باطل، ولا منكر، ولا جريمة، ولا قبح أبداً؛ لأنها سنن الله التي لا تتبدل، فالطعام يشبع .. الماء يروي .. النار تحرق .. الحديد يقطع .. العلم ينير القلب والسمع والبصر، فيمشي عبد الله في هداية الله، فلا يسرق .. لا يزني .. لا يكذب .. لا يغتاب، ولا ينمم .. لا يحسد .. لا يبغض.. لا لا، ولن تتخلف سنن الله.فهل نحن فاعلون؟يا شيخ! كيف نفعل؟ لو أن هناك كتاباً نبتدئ به.وجد كتاب: ( المسجد وبيت المسلم) وقد حوى ثلاثمائة وستين آية وحديثاً بمعدل السنة الكاملة.يا شيخ! وهل جربتموه؟درسناه هنا عاماً وثلث العام وحده، لنعلم الناس كيف يفعلون، لكن ولا حركة.. موت. كيف نخرج من هذه الفتن؟ ما نحن إلا نتهيأ لغضبة أخرى من غضب الرب، فإذا بنا في أسوأها وأقبحها. أنعجز عن هذا؟!إذاً وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ [البقرة:78] ومنا، بل كلنا أميون إلا من ندر منا، اليهود كلهم على الأقل خمسة ملايين، ومئات الملايين من هذه الأمة، اليوم ومن أكثر من ستمائة سنة وهم لا يعرفون من الكتاب إلا قراءته، ولا يجتمعون عليه، ولا يقول المؤمن: قال الله أبداً، ولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.وحصل الذي حصل، وتم الذي تم، وإن أردتم أن تفتحوا أعينكم فإخوانكم الآن في شرق أوروبا جمهوريات إسلامية كيف ابتلعتها الشيوعية؟ كيف أصبحوا ملاحدة؟ كيف تم هذا؟ لو كانوا عالمين ربانيين -والله- ما استطاع العدو أن يكفرهم أو يصبغهم بصبغة الباطل والشر.قلنا: يا جماعة! المسلمون يتنصرون، وجمعيات التنصير عاملة عملها، وتستغل بلاد الضعف والحاجة والفقر فتبني المساجد، وتبني المصحات والمستشفيات، وتوزع الدواء، والمسلمون يتنصرون بالآلاف .. بالملايين!ماذا نصنع؟ هيا نجمع المال، وهيا لنعمل مؤسسة الإغاثة، التي تحول بين الصليبيين وبين نشر الصليبية.وقلت وما زلت أقول: ليست قضية فقر أبداً ولا حاجة، القضية أنهم ما عرفوا الله، وما أحبوه، ولا رغبوا فيما عنده، ولا رهبوا ما لديه من عذاب، فأدنى كلمة تلقى في قلبه تجد محلها؛ فالقلب فارغ ليس فيه نور ولا هداية، فقد عاش هو وأمه وأبوه وجده قروناً ما عرفوا الله بأسمائه وصفاته، أميون؛ لا يعرفون الكتاب إلا أماني، فأدنى شبهة تلقى في قلوبهم يذعنون لها ويخضعون.وإن كنتم جادّين أيها المسلمون علّموهم، فإذا عرف وأصبح عالماً لو يمزق ويقطع .. لو يصلب لا يرتد عن دينه، ما هي قضية مال وطعام ولباس.إذاً: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78] وهكذا عقائد المسلمين (95%) ما هي إلا ظنون، ليس هناك عقيدة راسخة تجري مع الدم، وملتحمة مع اللحم لا تتبدل، ولا تتغير أبداً، مهما كانت الأحوال؛ لأنه ليس هناك يقينيات، ومن أين يأتي اليقين؟ بالدراسة .. بالعلم بقال الله وقال رسوله، ما قال زيد أو قال فلان وفلان، سبحان الله العظيم! هذه الآية كأنها نزلت فينا اليوم لا في اليهود.
تفسير قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ...)
قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:79] هذه محنة أخرى. هنا توعد الله عز وجل بالعذاب الأليم .. بالعذاب الشديد، وكلمة ويل في لسان العرب: العذاب الذي لا يطاق، وواد في جهنم يقال له: الويل، وجهنم كلها ويلات.فويل لمن؟ قال: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البقرة:79] لم؟ ما الغرض؟ ما الهدف؟ ما القصد؟ قال: لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:79] وإن شئت حلفت لكم: لقد وضعت كتب، وخرج بها أهلها عن دائرة الحق والإسلام تحت هذا الشعار.وعلى سبيل المثال: كم عدد مذاهب هذه الأمة؟توجد مذاهب لا يوجد فيها أكثر من (75%) حق، و(25%) باطل، ومن وضع هذا الباطل؟ أليس علماؤهم؟ بلى. لماذا؟ ليرأسوا، ويسودوا فقط، ويعيشوا على حساب تلك الأمة الجائعة.لعل الشيخ واهم أو ساهٍ!أتحداهم! لو قالوا: نعم، نحن نريد الحق لحضروا واجتمعنا، وقررنا الحق، وأبطلنا الباطل، لا كل أهل مذهب يحتفظون بمذهبهم، ويعضون عليه بالأسنان، ووضعت لهم المصنفات، ووضع لهم ما ينسب إلى الله، والله منه بريء، لماذا؟ ليسود أولئك العالمون، ويبقى لهم مكانتهم في المجتمع، وتبقى آراؤهم وأقوالهم، وهذا حصل في بني إسرائيل، والله ينعى هذا عليهم ويتوعدهم، والله لقد حصل في أهل الإسلام. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البقرة:79] هذا كلام الله .. هذا كلام رسوله .. هذا هو الإسلام .. ووضعت كتب في التصوف بالذات، لا علاقة لها بالشريعة، إنما أوهام وضلالات، وتنسب إلى الله: هذا هو كلام الله!وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) أعطيكم صورة لهذه، أخفف عنكم قليلاً من الآلام، خطيب يخطب الجمعة في بلاد عربية فسر لهم جحر الضب بالبنطلون، وجحر الضب معروف في الأرض، هل كان المسلمون سراويلهم ضيقة طويلة؟ لا. أبداً، الجيوش في تركيا العثمانية سراويلهم عريضة أو لا؟إذاً: لما دخل اليهود والنصارى هذا البنطلون دخلنا فيه، وصدق أبو القاسم.والإسلام لا يرضى للمؤمن أن تظهر إليتاه بارزتان، بل لا بد من ثوب، إزار ورداء يغطي به عورته، فما تصبح إليتاه ناتئتان ظاهرتان، فالإسلام لا يقبل هذا.فكان المسلمون بجيوشهم لا يدخلون في هذا البنطلون.يا شيخ! لقد دخلت فيه بناتنا.إذاً صدق رسول الله أو لا؟ والله إنه لرسول الله.وهكذا هو الويل لمن؟ ما هو للأبيض أو الأسود، عربي أو عجمي، لا .. لا لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البقرة:79] لم؟ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:79] وإن كانت رئاسة، وإن كانت رواتب، وإن كان ..، لكن هذا الثمن بالنسبة إلى الآخرة قليل، ولا قيمة له.فلو أن علماء المذاهب والطوائف عندنا يعرفون الطريق ويبكون، والله لاجتمعوا في يوم واحد، وما بقيت مذاهب بيننا أبداً، ولسلكنا مسلك الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ما دامت لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:79] فلا اتفاق ولا تلاقي أبداً.قال: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] الذي يأكلونه من الحرام يستحيل إلى نار في بطونهم، وويل لهم -أيضاً- وعذاب من الكذب على الله عز وجل، ونسبة كلامهم إليه، والله منه بريء، ويدعون أفرادهم وأتباعهم إلى اعتقاد باطل، والله العظيم إلى اعتقاد باطل.



يتبع


الساعة الآن : 12:59 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 207.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 207.22 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.24%)]