ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى العلمي والثقافي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=54)
-   -   الأهداف الأخلاقية للتربية الاقتصادية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=214905)

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 09:29 PM

الأهداف الأخلاقية للتربية الاقتصادية
 
الأهداف الأخلاقية للتربية الاقتصادية
كيندة حامد التركاوي





إن المثل الأخلاقية العليا، والقيم الروحية الرفيعة، من الإيمان والعمل الصالح والخُلق الكريم، هي الثروة التي لا تنفد، والكنوز التي لا تفنى، والباقيات الصالحات على مر الأعوام والأعصار[1].

ولا تقل القاعدة الأخلاقية أهمية عن القاعدة الإيمانية في التربية الاقتصادية، فإذا كان الإيمان روحاً، فالأخلاق جسدها وسلوكها، إن نمط السلوك الإنساني للمسلم محّكم بالقيم الأخلاقية الإسلامية التي تقوم على المسؤولية أمام الله أيا كان مصدر الالتزام ذاتياً أو تعاقدياً مع الغير، مما يُلزم مراعاة القيم الإنسانية المرتبطة بهذا السلوك كالقناعة والصدق والأمانة والوفاء والعدل...[2].

فالشرائع السابقة التي شرعها الله للعباد كلها تحث على الأخلاق الفاضلة، ولكن الشريعة الكاملة جاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتمام مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال.

وإن سر رسالة النبي الكريم لم يكمن في الحفاظ على بقاء المجتمع البشري فقط بل وإصلاحه، وتطويره نحو الأفضل؛ كي يتحقق له النجاح والفلاح في الدارين، جعل إصلاح أخلاقهم في المقدمة من الغايات التي يسعى ليحققها؛ لأن أخلاق المرء هي المرآة الصافية لسيرته، ومظهر جلي من مظاهرها. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من مقاصد بعثته إتمام محاسن الأخلاق التي هي جوهر الإسلام وروحه السارية في جميع نواحيه، ويؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالحَ الأخلاق)[3].

الواجب الخلقي:
أي المحافظة على أخلاق الإنسان نقية مستقيمة على طريق الحق والالتزام بأمر الله تعالى ونهيه. هذه الأخلاق بحاجة إلى نظام اقتصادي إسلامي يُوفر للإنسان فرص العمل والكسب، فيَحول بذلك بينه وبين الانحراف والوقوع في الجريمة التي لا يُحرك إليها شيء مثل العجز عن إشباع الحاجات. ويخدع نفسه من يتصور أن القيم الخُلقية بمعزل عن القيم الاقتصادية أو غيرها من القيم الإسلامية، بل إن القيم الخُلقية دائماً حاكمةٌ آمرةٌ موجهةٌ لكل شعبة من شعب الحياة الإنسانية. والإسلام من أجل أن يُكوّن هذه القيم الأخلاقية لجأ إلى الوحي يستنبئه عن تلك القيم، وفي القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة بحرٌ زاخرٌ من هذه القيم الخُلقية؛ فما من خير أو برٍ أو معروفٍ إلا أمرنا الإسلام به، وما من شرٍ أو إثمٍ أو منكر إلا ونهانا عنه، والإنسان المكلف الراشد بين الامتثال لأمر الله ورسوله، والانتهاء عما نهى الله ورسوله، يجد نفسه مع هذه القيم بل تظل معه حيّة نابضة طوال حياته، فهي من ثوابت الإسلام التي لا تتغير، فالخلق قيمة ثابتة مثل العقيدة والعبادة[4].

الخلُق هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال الإرادية الاختيارية من حسنة وسيئة، وجميلة وقبيحة، وهي قابلةٌ بطبعها لتأثير التربية الحسنة والسيئة فيها، فإذا ما رُبيت هذه الهيئة على إيثار الفضيلة والحقّ، وحبّ المعروف، والرغبة في الخير، ورُوِّضت على حبِّ الجميل، وكراهية القبيح، وأصبح ذلك طبعاً لها تَصدر عنه الأفعال الجميلة بسهولة، ودون تكلّف قيل فيه: خُلق حسن. ونُعتت تلك الأفعال الجميلة الصادرة عنه بدون تكلف بالأخلاق الحسنة، وذلك كخلق الحلم والأناة، والكرم وما إلى ذلك من الفضائل الخُلُقية، والكمالات النفسية. كما أنّها إذا أُهملت فلم تُهذب التهذيب اللائق بها، ولم يُعنَ بتنمية عناصر الخير الكامنة فيها، أو رُبيت تربية سيئة حتى أصبح القبيح محبوباً لها والجميل مكروهاً عندها، وصارت الرذائل من الأقوال والأفعال الذميمة تصدر عنها دون تكلّف قيل فيها: خُلق سيئ، وسميت الأقوال والأفعال الذميمة التي تصدر عنها بالأخلاق السيئة، وذلك كالخيانة والطمع، ومن هنا نوَّه الإسلام بالخلق الحسن ودعا إلى تربيته في المسلمين، وتنميته في نفوسهم، وأثنى على نبيه بحسن خلقه[5].﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

إن الطفل حين يُولد يكون ناقصّ الإنسانية، فهو لا يرثها عن أبويه، وإنما يكتسبها، وهذه نقطة مهمة للغاية عن طريق التربية والمخالطة الأسرية والاجتماعية. يكتسب الطفل الفكر والأخلاق والمشاعر واللغة ومعايير الخطأ والصواب، وإن ولد الإنسان لا يُصبح إنساناً إلاّ إذا ربّاه إنساناً، ومن هنا يأتي شرف المهمة التي تقوم بها الأمهات في البيوت [6].

فالأخلاق في جانبها العملي أمر مكتسب يخضع للممارسة والتعود حتى يتطابق مع الجانب النظريّ المجرد. وإذا كانت التربية تتناول قوى الإنسان وملكاته فإنّ عمل الأخلاق هو توجيه هذه الملكات والأعمال نحو الاستقامة، وجعلها عادات سلوكيّة راسخة، لذلك كله فإنّ إعداد النشء إعدادًا خُلُقياً يحتاج إلى أن نحدّد أولاً الأهداف التي نسعى إليها ثم الوسائل الموصلة إلى الأهداف.

ومن أهم الأهداف الأخلاقية للتربية الاقتصادية:
تحقيق التوازن بين القيم الأخلاقيّة النظريّة والقيم المُمّارسة في المجتمع، والأخذ من العادات والتقاليد بما يتمشى مع قيم الإسلام الثابتة؛ التي يتطور الناس ليرتقوا إليها وليمارسوها في صور أفضل من ممارستها في أجواء الجهل والتخلف. وهذا التوازن هو الذي يحقق ما يسمى بالتكيّف مع المتغيرات، ويساعد على إعادة النظر في العادات والتقاليد الاجتماعية لتتطابق كلها مع قيم الحياة التي يتطور الناس حولها، ويغيّرون من أساليبهم وطرقهم لملاءمتها.

ربط التقدم الاقتصادي، والتكيّف الاجتماعي بالأخلاق، فالتقدّم الاقتصادي لا يعتمد على ما تملك الأمة من إمكانات مادية، وقوى بشرية متعلّمة مدّربة فحسب، بل على ما يتحلّى به الأفراد المنتجون من سلوك أخلاقي يحكم علاقات الإنتاج، ويحقق التعاون، ويعمق الإحساس بالمسؤولية، ويصون الحقوق، ثم ما يساعد الأفراد على زيادة التكيّف الاجتماعي والنفسي في المجتمع.

يُعد السلوك الأخلاقي بمثابة الركيزة الأساسية التي يقوم عليها أي نشاط إنساني، فهي القوة التي تنظم الحياة الاجتماعية، فالواجب الأخلاقي يُحتم على الفرد المسلم أن يحيا لدينه أولاً، ثم لمجتمعه.

تحقيق الأخلاق الفاضلة المطلقة، في سلوكنا وحياتنا تحقيقاً فعلياً مستمراً، ثابتاً غير متقلب، بلا نفاق ولا رياء، لا يكون إلا نتيجة للإيمان باليوم الآخر. فالحلم والأناة، والتضحية، والصبر على الشدائد، والسمو بالنفس عن الدناءات، كل ذلك يتحلى به المؤمن لأنه ينتظر جزاءه عند الله، لا عند المجتمع ولا عند الناس. لذلك فإن أخلاق المؤمن ثابتة لا يزعزعها شيء من أعراض الحياة الزائلة. وكذلك انضباط جميع الدوافع والغرائز الجامحة، إنما يتم خوفاً من الله، وطمعاً في جنته، إن الإسلام وضع لكل دافع غريزي، من الترغيب والترهيب، ومن التسامي به، ما يخضعه لشريعة الله فيجعله طاقات مثمرة في حياة الفرد والمجتمع، بدلاً من أن يعاكس الإنسان هذه الدوافع فتنقلب إلى طاقات مبددة عندما يصطدم بالكبت والإحباط، فتوجيه الدوافع في الإسلام خير من ألف مرة من كبتها أو تناسيها، كما في العقائد الأخرى التي تبالغ في الزهد، والتي لا تراعي الفطرة الإسلامية[7].

كما يجب أن يفهم المسلم بأن الالتزام بالأخلاق الفاضلة له أثر مباشر في تحقيق البركة في الأرزاق وتحقيق الأمن النفسي، والرضا الذاتي، بالإضافة إلى الثواب العظيم المدخر له يوم القيامة، كما يجب أن يؤمن إيماناً راسخاً أنه لا يمكن الفصل بين الأخلاق والاقتصاد.


إن الأخلاق الإسلامية تنشأ مع العقيدة وتسري في العبادات وتتفاعل مع المعاملات فهي الثمار الجميلة والمفيدة والمطلوبة والمرغوب فيها من الإنسان على اختلاف مشاربه وملله ونحله، وهي أساساً تبدأ بشد الأفراد في المجتمع برباط متين.

[1] القرضاوي، يوسف، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، 106.

[2] قنطقجي، سامر، فقه المحاسبة، 73.

[3] سبق تخريجه، في ص 17.

[4] محمود، علي عبد الحليم، التربية الاقتصادية الإسلامية، 148.


[5] محمود، علي عبد الحليم، التربية الاقتصادية الإسلامية، 151.

[6] بكار، عبد الكريم، هكذا تكون الأمهات، 15.

[7] النحلاوي، عبد الرحمن، أصول التربية الإسلامية وأساليبها، دمشق، دار الفكر، ط1، 1399هـ/ 1997م،91.

روضة هلال 22-10-2019 05:46 PM

رد: الأهداف الأخلاقية للتربية الاقتصادية
 
بااااااااااااااااااااااااااااارك الله فيك


الساعة الآن : 05:05 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 12.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.22 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (1.10%)]