ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشعر والخواطر (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   تسويف التوبة ونظرة إلى قصيدة الأعشى في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=211264)

ابوالوليد المسلم 05-09-2019 01:08 AM

تسويف التوبة ونظرة إلى قصيدة الأعشى في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
 
تسويف التوبة ونظرة إلى قصيدة الأعشى في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
خالد أبو السعود محمد البدري






من المعروف أن الأعشى الأكبر واسمه ميمون بن قيس من شعراء المعلقات الكبار عند العرب في الجاهلية، وذلك عند من عد المعلقات عشرًا لعلوِّ شأنها بين العرب، ربما لأنها علقت بالأذهان مثل العقود النفيسة، أما الرأي القائل بأنها كتبت بماء الذهب وعلِّقت في أستار الكعبة فقد لا يكون له ما يؤيده من المعلقات نفسها أو أخبار العرب، أو السيرة النبوية عند فتح مكة وتحطيم الأصنام حول الكعبة.

والأعشى هو ضعيف البصر، ولقِّب بأبي بصير تفاؤلًا، وقد عمِي في آخر عمره.

ولُقب الأعشى بصناجة العرب؛ لأن لشعره إيقاعًا يميزه، وقد قال القدماء: أشعر العرب أربعة: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير بن أبى سلمى إذا رغب، والأعشى إذا طرب، لذلك كان العرب يعرفون وقع شعر الأعشى وعلو معلقته:
ودِّع هريرةَ إنَّ الركب مرتحلُ *** وهل تطيق وداعًا أيها الرَّجلُ

ولَما ظهرت دعوة الإسلام وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، يذكر الرواة أن الأعشى خرج قاصدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمدحه على ما جرى من عادته مع أشراف العرب، ولقد شكك فريق من النقاد في نسبة هذه القصيدة إلى الأعشى، ولكن فريقًا آخر من النقاد يصحِّح نسبتها إليه، وهو ما نميل إليه، ولذلك عندما سمع أبو سفيان بن حرب أن الأعشى قد مدح الرسول الكريم وأراد أن يقدم عليه وينشده كعادته في مدح السادة، قال للعرب: هذا الأعشى جاء إلى محمد فلو جاءه وأسلم، والله ليضرمنَّ عليكم نار العرب بشعره، فاجمعوا له مائة ناقة, وقد جمع الكفار النوق اتقاءً لشعر الأعشى، ويتحدث الدكتور شوقي ضيف عن الأعشى فيقول: "ويُقال: إنَّه لما سمع بالرَّسول صلى الله عليه وسلم وانتصاراته وانتشارِ دعوته، رغب في الوفود عليه ومديحه، وعلمَتْ قريشٌ بذلك فتعرَّضت له تَمْنعُه، وكان مما قاله له أبو سفيان بنُ حرب: إنَّه يَنْهاك عن خِلالٍ ويُحرِّمها عليك، وكلها بك رافِق، ولك مُوافق، قال: وما هنَّ؟ فقال أبو سفيان: الزِّنا والقمار والرِّبا والخمر، فعدَل عن وِجهتِه، وأهدَتْه قريشٌ مائةً من الإبل، فأخذها وانطلق إلى بلده معرِضًا عن الرسول ودعوته، فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره، فقتله سنة7 هجرية 629 للميلاد"، فهو شاعر جاهلي أدرك الإسلام ولم يسلم، وإن كان مدح رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام.

ويقال أنه قال لأبي سفيان: لقد تركني الزنا وما تركته؛ أي: كبر سني وضعُفت عن الشهوات المحرمة، ولكنه قال عن الخمر: أما هذه فلا، ففي النفس منها شيء، وقد كان مشهورًا بالشراب، فأعود عامي هذا أتروَّى منها، ثم أعود في العام القادم فأُسلم, فأخذ النوق وعاد وكانت النهاية طرَحه بعيره، فمات في طريق عودته دون أن ينشد الرسول الكريم قصيدته، فمات مشركًا من أجل شرب الخمر، وبقيت قصيدته في مدح الرسول وهي قوية جميلة.

ولنا هنا وقفات تأمُّلية:
1- قد علم الأعشى مبادئ الإسلام وذكرها في قصيدته، ولم ينفعه علم بلا عمل، ومن قصيدته يقول عن ناقته:
ألا أيُّهَذا السائِلي: أينَ يَمَّمَتْ *** فَإنَّ لَهَا في أهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا

أي: يُخبر كل سائل عن وجهة ناقته وهي المدينة المنورة وأهلها، ثم يصف سير ناقته ومواصلتها الليل بالنهار شوقًا لهذا الموعد، فيقول:
فَآليتُ لا أرْثي لهَا مِنْ كَلالَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلا مِنْ حَفًى حتى تَزُورَ مُحَمَّدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَتى مَا تُنَافي عندَ بابِ ابنِ هاشِمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تُرِيحي وَتَلْقَي مِنْ فَوَاضِلِهِ يَدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نَبيٌّ يَرَى مَا لا تَرَوْن وَذِكْرُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أغَارَ لَعَمْرِي في البِلادِ وَأنجَدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فهنا مدح الرسول الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأنه لن يريح ناقته حتى تنزل بساحة هذا الرسول الهاشمي الكريم الذي سيكرمه حتمًا، لما علم عنه الجميع من الخلق الحسن وفرط الندى، وكذلك أوضح أن هذا النبي ليس كغيره من البشر (نبي يرى ما لا ترون)، وأن ذكره ملأ أرجاء الدنيا، فشرَّق وغرَّب، (وذكره أغار في البلاد وأنجدَا).

ثم يصف عطاء الرسول وكرمه وتشوُّقه إلى هذا العطاء، وهو عطاء من لا يخشى الفقر:
لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبُّ وَنَائِلٌ *** وَلَيْسَ عَطَاءُ اليَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا
أي: إن صدقاته دائمة في كل وقت ليست كغب الحمى يومًا بعد يوم، أي: على فترات.

ثم ذكر من تعاليم الإسلام التي سمع عنها ما أثنى عليه، وأن فيه الخير للبشرية، فقال:
أجدِّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نَبيِّ الإلَهِ حِينَ أوْصَى وَأشْهَدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا أنْتَ لمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التَّقَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلاقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَن قد تزَوَّدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نَدِمْتَ على أنْ لا تَكُونَ كمِثْلِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَأنَّكَ لَمْ تُرْصِدْ لِما كَانَ أرْصَدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فهنا يوضِّح وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالتقوى، ويوضِّح ندم مَن لم يتزود بالتقوى إذا مضى عمره سدًى ووجد غيره، وقد تزوَّد بالتقوى، ولكن بعد فوات الأوان.

ثم يقول:
فَإيَّاكَ وَالمَيْتَاتِ لا تَأكُلَنَّهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلا تأخُذَنْ سَهْمًا حَديدًا لتَفْصِدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وذا النُّصُبِ المَنْصُوبَ لا تَنسُكَنَّهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلا تَعْبُدِ الأوْثَانَ وَالله فَاعْبُدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


هنا يوضح تعاليم الإسلام التي بهرته، ومنها تحريم الميتة، ثم حقيقة التوحيد الكبرى، وتحريم الأنصاب والأوثان ومظاهر الجاهلية.

وينبهر بالصلاة والذكر، فيقول:
وَصَلِّ على حِينِ العَشِيَّاتِ وَالضَّحَى *** وَلا تَحمَدِ الشَّيطانَ وَالله فاحمَدَا

وهو شعر واضح قوي عذب كعادة الأعشى الذي انبهر بتعاليم الإسلام وبرسوله الكريم، فوصف هذا الوصف البارع، ثم يصف عدالة الإسلام وأمره بالإحسان للسائل والبائس الذي استحيى أن يسأل، فيقول:
وَلا السَّائِلَ المحْروُمَ لا تَتْرُكَنَّهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لِعاقِبَةٍ وَلا الأسِيرَ المُقَيَّدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلا تَسْخَرَنْ من بائِسٍ ذي ضَرَارَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلا تَحْسَبَنَّ المَرْءَ يَوْمًا مُخَلَّدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ثم يختم بقوله في ذم الإسلام للزنا، ولكل ما يؤذي كل جارة، فإما زواج حلال وإما فراق كريم، ورحيل عن كل ما يقدح في العفاف، وهذا فهم جيد لمن برع في الغزل والخمريات قبل ذلك:
وَلا تَقْرَبَنَّ جَارَةً إنَّ سِرَّهَا *** عَلَيكَ حَرَامٌ فانكِحَنْ أوْ تأبَّدَا

2- يتضح قوة الشعر العربي وأثره في العرب، وبالذات إن كان الشاعر من فحول الشعراء كالأعشى.

3- لذلك كان موقف أبي سفيان قبل إسلامه طبعًا من هذه القصيدة القوية، وقد وردت سورة كاملة في القرآن الكريم باسم الشعراء، وجاء في آخرها ذكر الشعراء المؤمنين الذين يتقون الله؛ قال تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 224 - 227].

4- هناك مفارقة عجيبة، فأبو سفيان قد هداه الله، وأصبح من كبار الصحابة وحُسن إسلامه، وجاهد حتى اليرموك؛ ليعوِّض ما فاته من مواطن صالحة، وقد قال شاعر النيل حافظ إبراهيم عن موقف إسلام أبي سفيان في فتح مكة:
قد نوَّهُوا باسمِه في جاهِلَّيتِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وزادَه سَيِّدُ الكَونَينِ تنويهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في فَتحِ مَكَّةَ كانت دارُه حَرَمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قد أمَّنَ اللهُ بعدَ البيتِ غاشِيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


5- لذلك ينبغي أن نحذر من تسويف الخير أو التوبة، فهذا الأعشى فاته بالتسويف الخير كله، فمدح الإسلام ورسول الإسلام ولم يسلم، وإنها لأكبر خسارة في الدنيا والآخرة.


6- ينبغي حذر الشباب المسلم من أن يعلم الخير ولا يعمل به، فلا فائدة بعلم دون عمل، فقد اقترن الإيمان وعمل الصالحات مرات كثيرة في القرآن، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ من علم لا ينفع.


المراجع:
1- موسوعة الشعر والأدب، الإصدار الخامس، شركة العريس للكمبيوتر.
2- الأعشى يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أ/ طاهر العتباني، شبكة الألوكة 19 /1 /2012.





الساعة الآن : 11:58 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 18.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.18 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.51%)]