ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   قصة صاحب الجنتين (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=212451)

ابوالوليد المسلم 19-09-2019 05:20 PM

قصة صاحب الجنتين
 
قصة صاحب الجنتين
ناصر أحمد العاهمي

يقول الله - تعالى -: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَ ا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا) [الكهف: 32-44].
إنه رجل أعطاه الله -سبحانه وتعالى- بستانين جميلين في وسطهما أشجار الكروم وعلى عروشها وتحفها من الجوانب النخل الباسقات، وبين الجنتين الزرع الأخضر، وتتفجر من خلال هاتين الجنتين عيون الماء العذب النمير.
وتثمر الجنتين في زمن واحد، فتتدلى عناقيد الكروم، وعذوق النخيل، وتحني سنابل الحبوب رؤوس الزروع، وتكتمل النعمة أن تلك الثمار وافرة تامة لم تكن شجرة لم تثمر كما يوحي به قوله -تعالى-: (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) قال تعالى- مصوراً لهذا المشهد-: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَ ا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا) [الكهف: 32، 33].
يتجه مالك البستانين إليهما، ويصطحب معه أحد أصحابه المؤمنين العلماء كما يظهر من السياق، فما أن يشرف عليهما فيرى جميل صنعة الله -سبحانه-، فتمتلئ نفسه إعجاباً وغروراً بما يراه من منظر خلاب، وهنا يوجه حديثه لصاحبه قائلاً: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) [الكهف: 34] أنا أكثر منك مالاً كما تراه في هاتين الجنتين، وأعز نفراً بما أملكه من خدم وتابع، وهذه هي أمنية الفاجر قال قَتَادَةُ: (تِلْكَ -وَاللَّهِ- أ ُمْنِيَةُ الْفَاجِر كَثْرَةُ الْمَالِ وَعِزَّةُ النَّفَرِ)[1].
وهاهنا تظهر طبيعة الغنى وكثرة المال، فيؤدي بصاحبه إلى الطغيان في الغالب قال -تعالى-: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)[العلق: 6، 7] قال الحافظ ابن كثير: خْبِرُ -تعالى- عَنِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ ذُو فَرَحٍ وَأَشَرٍ وَبَطَرٍ وَطُغْيَانٍ، إِذَا رَأَى نَفْسَهُ قَدِ اسْتَغْنَى وَكَثُرَ مَالُهُ[2].
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، يَقُولُ: (هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الكَعْبَةِ) قُلْتُ: مَا شَأْنِي أَيُرَى فِيَّ شَيْءٌ، مَا شَأْنِي؟ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْكُتَ، وَتَغَشَّانِي مَا شَاءَ اللَّهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا)[3].
ووجه الدلالة من الحديث هي أن من كان كثير المال أدى به ماله إلى الخسران بسبب طغيانه إلا من أدى حق الله فيه.
واصل الصاحبان سيرهما تجاه الجنتين حتى دخلاها، فنظر الغني إلى تلك الزروع والثمار والأشجار في قوتها واشتدادها، ثم وجه خطابه إلى رفيقه قائلاً: أنا لا أظن أن تفنى هذه الجنة بل ستدوم أبداً، وما أظن أن تقوم الساعة، وعلى فرض أنها ستقوم فإنني سأعطى خيراً منها. قال -تعالى-: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) [الكهف: 35، 36].
إنه منطق الأغنياء حينما يحجب عقولهم الغنى فلا يبصرون الحق، فهذا الغني وأمثاله حينما يبسط الله لهم الرزق يظنون أن ذلك لكرامتهم على الله -سبحانه-، فمقياس المنزلة عند الله -تعالى- لديهم هو كثرة المال وعرض الدنيا ومتاعها، قال - سبحانه - حاكياً عن قارون قوله: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص: 78].
قال الإمام الطبري: قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أوتيتُ هذه الكنوز على فضل علم عندي، علمه الله مني، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم، لعلمه بفضلي عليكم[4].
وقال - سبحانه -: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنّ َ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ)[فصلت: 50] يقول الحافظ ابن كثير: وَلَئِنْ كَانَ ثَمّ مَعَادٌ فليُحسنَنّ إِلَيَّ رَبِّي، كَمَا أَحْسَنَ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الدَّارِ، يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ - عز وجل - مَعَ إِسَاءَتِهِ الْعَمَلَ وَعَدَمِ الْيَقِينِ[5].
وقصر علم هذا المسكين أن الله - سبحانه - قد أهلك كثيراً من الأغنياء ممن هو أشد قوة وأكثر جمعاً، ولم يكن غناهم حائلاً بينهم وبين العقاب قال - سبحانه -: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص: 78].
انتقل الكلام إلى الصاحب المؤمن العالم، وبدأ يعظ صاحبه ويزجره وفاء لصحبتهما، ومن حق الصاحب على صاحبه أن يخلص النصح له، فبين له حكم إنكاره الساعة أنه كفر بالله - تعالى -، وأنه بذلك أصبح كافراً، وهذا يدل على أن صاحب الجنتين كان عالماً وما قاله إنما هو على سبيل الاستهزاء والسخرية، ولم يكن قط جاهلاً. قال -سبحانه- حاكياً قوله: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا).
أيها المسكين أتجحد ربك الذي أنعم عليك بتلك النعم بعد نعمة الخلق من تراب لأصلك وهو آدم -عليه السلام- وخلقك من نطفة وسواك رجلاً في أحسن تقويم! وفي هذا القول تنبيه على أن من كان أصله التراب ثم النطفة الممزوجة المختلطة من مني الرجل والمرأة، وتغذيه زمان الحمل من دم الحيض، وخروجه من مجرى البول مرتين لا ينبغي - والحالة هذه- أن يحمل في قلبه الكبر والأشر والبطر ومن تأمل ذلك بعين البصيرة كان رادعاً له عن مثل هذا الخلق الذميم، ومن ذلك أيضاً يعلم أن من تحتقرهم هم مشاركون لك في الأصل وابتداء الخلقة فعلام الفخر!! ويمضي في حديثه قائلاً: إن كنت قلت ما قلت فأنا لا أقوله بل أعترف لله - سبحانه - بالوحدانية والربوبية فهو - سبحانه - معبودي لا شريك له[6].
ثم بين له السلوك الصحيح تجاه النعمة وهو حمد المنعم - سبحانه وتعالى - قال - جل وعلا -: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا) فهلا إذ أعجبتك جنتك حين دخلتها حمدت الله -تعالى- وقلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
ومضى في حديثه مبيناً مغبة كفره بمن أولاه النعم وأسداها إليه فقال: (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا) فإن كنت أقل منك مالاً ففضل الله واسع فعساه أن يمن على فيينعم علي بجنة خيراً مما أعطاك، ويهلك جنتك بسبب كفرك به وجحد نعمته؛ إما بمطر كثير يقلع أشجارها وزرعوها ويسحت تربتها، فتصبح تراباً أملس لا يثبت عليه قدم فضلاً عن الزرع والشجر، أو يغور ماءها فيذهب تحت طباق الأرض فلا تجد ما تسقيها به فتهلك.
ووقع ما خوفه به هذا المؤمن فأرسل عليها العذاب وأصبحت خاوية على عروشها، وأصبح يقرع سن الندم على إنفاقه في إصلاحها، فتهلك الجنة وينفد المدخر في محاولة الإصلاح، وتتفرق عنه فئته ويذهب نفره ولم يكن له في دفع عذاب الله ولى أو ناصر. قال - سبحانه -: (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا).
فالمال نعمة عظيمة لمن أخذه بحقه، وإلا فهو سبب للطغيان المؤذن بالهلاك، والله أعلم.
__________
[1] تفسير ابن كثير 5/ 157).
[2] المصدر السابق 8/ 437).
[3] صحيح البخاري 8/ 130).
[4] تفسير الطبري 19/ 626).
[5] تفسير ابن كثير 7/ 186).
[6] المصدر السابق 5/ 158)


الساعة الآن : 10:06 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.03 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.71%)]