ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى النحو وأصوله (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=122)
-   -   حرف العطف: لكنْ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=211494)

ابوالوليد المسلم 08-09-2019 11:47 AM

حرف العطف: لكنْ
 
حرف العطف: لكنْ [1]








أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن






الحرف التاسع من حروف العطف التي ذكرها ابن آجروم رحمه الله في آجروميته هو الحرف (لكنْ) بسكون النون، والكلام على هذا الحرف يشمل المبحثين التاليين:



المبحث الأول: معنى حرف العطف (لكن).



المبحث الثاني: ذكر الشروط التي اشترطها النحاة حتى تكون (لكن) حرفَ عطف.







المبحث الأول: بيان معنى (لكن) العاطفة



ذكر النحاة أن معنى (لكن) العاطفة الاستدراكُ، فهي تدل على تقرير الكلام السابق عليها (المعطوف عليه) على ما هو عليه من نفي أو نهي، وإثبات ضده ونقيضه لما بعدها[2]، الذي هو المعطوف[3].







تقول على سبيل المثال: لا تضرب زيدًا لكن عمرًا؛ أي: لكن اضرب عمرًا، فـ(لكن) في هذا المثال قد قرَّرت حكم ما قبلها، وهو النهي عن ضرب (زيد)، وأثبتت نقيضه وضده لما بعدها، وهو الأمر بضرب عمرو، وتقول أيضًا: ما قام زيد لكن عمرو، فيدل الحرف (لكن) في هذا المثال على أن القائم هو (عمرو) (المعطوف)، دون (زيد) (المعطوف عليه).







المبحث الثاني: ذكر الشروط التي اشترطها النحاة في (لكن) حتى تكون حرف عطف



نصَّ النحاة على أن (لكن) لا تكون حرف عطف إلا بشروط ثلاثة؛ هي:



الشرط الأول: إفراد معطوفها؛ يعني: أن يكون ما بعدها اسمًا مفردًا، لا جملةً[4]؛ نحو: لا أحب الكسالى لكن المجتهدين - لا تكرم العاصين لكن الطائعين[5].







والشرط الثاني: أن يتقدمها نفي أو نهي[6]، ومن أمثلة العطف بـ(لكن)، مع تقدم النفي: ما نجح الكسلانُ لكن المجدُّ[7] - لا تصحب الخائن لكن الأمينَ[8] - لا تنصر ظالِما لكن مظلومًا.



فإن وقعت (لكن) بعد إثبات، لم تكن عاطفة؛ وإنما تكون حرف ابتداء[9].







والشرط الثالث: ألا تُسبق بالواو؛ قاله الفارسي وأكثر النحويين[10].



والخلاصة: أن (لكن) لا تكون حرف عطف إلا إذا توفَّر فيها هذه الشروط الثلاثة المذكورة آنفًا مجتمعةً، فإن اختلَّ شرطٌ منها؛ بأن وقعت بعد إيجاب، أو تلت واوًا، أو تلتها جملة، فهي حينئذٍ حرف ابتداء، جِيءَ به لمجرد إفادة الاستدراك، لا حرف عطف، ووجب دخولها على الجمل:



ففي قول الشاعر:



إن ابن ورقاء لا تُخشى بوادرُه *** لكن وقائعُه في الحرب تُنتظرُ



هي هنا حرف ابتداء، والسبب وقوع الجملة بعدها.







وفي قول الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40]، ليست (لكن) فيه عاطفةً، بل هي حرف ابتداء؛ وذلك لكونها مسبوقةً بالواو، فانتقض شرط من شروطها.







وكذا في نحو: قام زيد، لكنْ عمرو لم يقم، هي حرف ابتداء، وليست حرف عطف، وقد انتقض هنا شرطان:



الأول: أنها لم تسبق بنفي ولا نهي.



والثاني: أنها دخلت على جملة، لا على اسم مفرد.








[1] بسكون النون، وهذا بخلاف (لكنَّ) بتشديدها، والتي قد مر علينا ذكرها ضمن الحروف الناسخة (إنَّ) وأخواتها، وقد ذكرنا هناك أن الحرف (لكنَّ) - بتشديد النون - يدخل على جملة المبتدأ والخبر، فينصب المبتدأ، ويُسمَّى اسمًا له، ويرفع الخبر، ويُسمَّى خبرًا له؛ نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لكنَّ أفضلَ الجهاد حجٌّ مبرور)).




[2] ومن هنا تعلم لماذا كان حرف العطف (لكن) مفيدًا لمعنى الاستدراك؛ لأن المتكلم قد قرر حكمًا لما قبله، ثم استدرك، فأثبت نقيضه لما بعده، ومن هنا أيضًا تعلم لماذا ذكر النحاة أن حرف العطف (لكن) يشبه حرف العطف (بل)؛ وذلك لأن كلًّا منهما يُقرِّر حكم ما قبله، ويُثبت نقيضه لما بعده.




[3] يعني: أن الحرف (لكن) يدل على إثبات الحكم للمعطوف دون المعطوف عليه، ومن ذلك يُعلم أن حرف العطف (لكن) يفيد التشريك في الإعراب، دون التشريك في المعنى، ونحن كنا قد ذكرنا من قبل في أول الحديث عن عطف النسق أن حروف العطف الثلاثة: (لا، بل، لكن) تقتضي التشريك في الإعراب، دون التشريك في المعنى، وهذا بخلاف حروف العطف السبعة الأخرى، فإنها تقتضي التشريك في الإعراب والمعنى معًا.




[4] فإن كان ما بعدها جملةً، لم تكن حينئذٍ حرف عطف؛ وإنما تكون حرف ابتداء، لمجرد إفادة الاستدراك.

والجملة التالية لها قد تكون جملةً اسميةً، كما في قول الله تعالى: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء: 166]، وقول زهير بن أبي سلمى:

إن ابن ورقاء لا تُخشى بوادرُه *** لكنْ وقائعُه في الحرب تُنتظرُ

وقد تكون كذلك جملة فعلية، كما في قول الله تعالى: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ [الزخرف: 76]، ونحو قولك: أنا لا أكره الناس لكن أحتقر المغتابين.

والمهم أن (لكن) في هذه الأمثلة الأربعة المذكورة حرف ابتداء، لا حرف عطف؛ لأن التالي لها كان جملة، لا اسمًا مفردًا، وللعلم فإن (لكن) لم ترِد عاطفةً في القرآن؛ وإنما وردت فيه ابتدائيةً متلوَّةً بجملة اسمية، أو فعلية، كما مثلنا.




[5] ففي هذين المثالين كانت (لكن) حرف عطف؛ لأنها تلاها اسم مفرد، هو (المجتهدين) في المثال الأول، و(الطائعين) في المثال الثاني؛ ولذلك أتت كلمة (المجتهدين) منصوبةً؛ عطفًا بـ(لكن) على كلمة (الكسالى) المنصوبة قبلها، وأتت كلمة (الطائعين) كذلك منصوبةً؛ عطفًا بـ(لكن) على كلمة (العاصين) المنصوبة قبلها.




[6] فحرف العطف (لكن) عكس حرف العطف (لا)؛ لأن (لا) - كما سبق - إنما يعطف بها بعد الإثبات أو الأمر أو النداء، ويكون معناها إقرارًا لما قبلها على ما هو عليه من الإثبات، وإثبات نقيضه لما بعدها، قال ابن مالك رحمه الله في ألفيته:

وأوْلِ (لكنْ) نفيًا اوْ نهيًا و(لا) *** نداءً اوْ أمْرًا أوِ اثْباتًا تلا




[7] ويقال في إعراب هذا المثال: ما: نافية، نجح: فعل ماضٍ مبني على الفتح؛ لعدم اتصاله بضمير رفع متحرك، ولا واو جماعة، الكسلان: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، لكن: حرف عطف واستدراك، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، المجد: معطوف على (الكسلان) المرفوع قبله، والمعطوف على المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.




[8] ويقال في إعراب هذا المثال: لا: حرف نهي، يجزم الفعل المضارع، تصحب: فعل مضارع مجزوم بـ(لا)، وعلامة جزمه السكون، وحُرِّك بالكسر من أجل التقاء الساكنين، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا، تقديره: (أنت)، الخائن: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، لكن: حرف عطف واستدراك، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، الأمين: معطوف على (الخائن) المنصوب قبله، والمعطوف على المنصوب منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.




[9] فإن قلت على سبيل المثال: قام زيد، ثم جئت بـ(لكن) جعلتها حرف ابتداء، وجئت بعدها بالجملة، فقلت: (لكنْ عمرو لم يقم)؛ وذلك لأن الذي تقدَّم عليها كان مثبتًا، لا منفيًّا.

وأجاز الكوفيون (لكن عمرو) على العطف، على الرغم من أنه تقدم عليها إثبات، لا نفي، ولا نهي، وليس بمسموع.




[10] فإن سُبقت بواو، فهي حينئذٍ حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك، والعاطف هو الواو قبلها؛ نحو قول الله عز وجل: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 12]، وقوله تعالى:﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة: 225]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا[آل عمران: 67]، ففي هذه الآيات الثلاثة المباركة المذكورة سُبقت (لكن) فيها جميعًا بحرف العطف (الواو)؛ ولذلك كانت (لكن) حرف ابتداء، لا حرف عطف.

فإن كان ما بعد (لكن) المقترنة بالواو اسمًا مفردًا، لا جملة، قدِّر معه ما تتم به الجملة؛ نحو قوله الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب: 40]، ففي هذه الآية أتى بعد الحرف (لكن) اسم مفرد، هو (رسول)، ولا يمكن اعتباره معطوفًا بـ(لكن) على (أبا) المنصوبة قبلها؛ لأن (لكن) أتت مقترنة بحرف العطف (الواو)[*]، ومن المعلوم أنها إذا أتت مقترنة ًبالواو وجب أن تكون حرف ابتداء، وأن يأتي بعدها جملة، وقد ذكر أهل العلم أن ها هنا قبل كلمة (رسول) (كان) مع اسمها محذوفين [**]، وتقدير الكلام: لكن كان محمدٌ رسولَ الله [***]، فـ(رسول) منصوب؛ لأنه خبر (كان) المحذوفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

[*] كما لا يمكن كذلك اعتباره معطوفًا بالواو على (أبا)؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب؛ حيث إن الواو من حروف العطف التي تقتضي التشريك في المعنى.

[**] والدليل على أن (كان) في هذه الآية محذوفة وجود (كان) قبلها في قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ.

[***] فالواو في هذه الآية حرف عطف، بينما (لكن): حرف استدراك وابتداء، مخفَّفة من الثقيلة، مهملة لا عمل لها.

على أنه من القراء من قرأ هذه الآية (لكنَّ) بتشديد النون، وحينئذٍ تكون عاملة عمل (إنَّ)، وتكون (رسول) منصوبةً على أنها اسم (لكن)، والخبر محذوف، والتقدير: ولكن رسول الله وخاتم النبيين هو؛ أي: محمد صلى الله عليه وسلم.

وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة، وذكره ابن مجاهد (ولكنْ رسولُ الله) برفع رسول على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: ولكن هو رسول الله.

ومثل هذه الآية: قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111]، بنصب (تصديق)، لا على أنها معطوفة على (حديثًا) المنصوبة قبلها، ولكن على تقدير (كان) محذوفة، وأن تصديق خبرٌ لها، وتقدير الكلام: ولكن كان تصديق... و(لكن) حينئذٍ: حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك، وهي حرف مهمل، لا عمل له.

وقال مكي بن أبي طالب: ويجوز الرفع على تقدير: ولكن هو تصديق، ولم يُقرأ به أحد؛ ا هـ.

يعني رحمه الله على أن (تصديق) خبر لمبتدأ محذوف.


وقال الزجاج: وهذا لم تثبت بقراءته رواية صحيحة، وإن كان جائزًا في العربية، لا اختلاف بين النحويين في أنه جيد بالغ؛ ا هـ.













الساعة الآن : 04:48 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 18.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.27 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.51%)]