ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى النحو وأصوله (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=122)
-   -   حرف العطف: الفاء (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=211321)

ابوالوليد المسلم 05-09-2019 07:01 PM

حرف العطف: الفاء
 
حرف العطف: الفاء
أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن





الفاء هي ثاني حروف العطف العشرة، وهي أيضًا ثاني الحروف العاطفة التي تدلُّ على اشتراك ما قبلها وما بعدها في الإعراب والمعنى، وهي تُفيد - مع التشريك في الإعراب والمعنى - معنيين آخرين، هما:
1- الترتيب، ومعناه: أن الاسم الذي يأتي قبل حرف العطف (المعطوف عليه) يَحدُث أولًا، والاسم الذي يأتي بعد حرف العطف يحدث بعده؛ أي: أن يكونَ الاسم المعطوف بالفاء متأخِّرًا عن المعطوف عليه[1].

2- والتعقيب، ومعناه: أن يكون المعطوف واقعًا عقب المعطوف عليه مباشرةً، بلا تراخٍ، ولا مهلة؛ أي: دون مدة طويلة مِن الزمن تفصل بين وقوعهما[2].

ومثال دلالة الفاء على التشريك في الإعراب والمعنى، مع الترتيب والتعقيب قولك: وصَلَت الطائرة، فهبط منها الركاب - جاء عليٌّ فسعيدٌ، فقد عطف حرف الفاء في هذا المثال الأخير كلمة (سعيد) على كلمة (علي)، وقد دلَّ هذا الحرف على:
1- التشريك في الإعراب، فقد أتتْ كلمة (سعيد) مرفوعةً؛ تبعًا لكلمة (علي) المرفوعة قبلها؛ لأنها معطوفة عليها بحرف العطف (الفاء).

2- التشريك في المعنى: فإن حرف العطف (الفاء) قد دلَّ على أن سعيدًا وعليًّا قد اشتركا في المجيء.

3- الترتيب والتعقيب؛ وذلك لأن المعنى أن عليًّا جاء أولًا، وسعيدًا جاء بعده مباشرةً، وبلا مهلة بين مجيئهما.

ومثال دلالة الفاء على هذه المعاني من كتاب الله تعالى: قوله سبحانه:﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى[الأعلى:1 - 5]، وقوله عز وجل: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات: 66]، وذاكم هي بعض الفوائد التي تتعلق بحرف العطف (الفاء):
الفائدة الأولى: قد تفيد الفاء مع المعاني الثلاثة السابقة معنًى رابعًا، وهو التسبُّب؛ أي: أن يكون المعطوف متسببًا عن المعطوف عليه، ويكون هذا في عطف الجمل[3]: كقولنا: سها المصلي فسجد للسهو[4] - رمى الصائد الطائر فقتله - زنى الرجل فرجم، ومن ذلك في كتاب الله قوله تعالى: ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ [القصص: 15] [5]، وقوله سبحانه: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 37] [6].

والفائدة الثانية: الترتيب نوعان:
1- ترتيب ذكري، وهو: وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما، لا بحسب زمانهما؛ نحو: حدثنا المحاضر عن أبي بكر، فعثمان، فعمر رضي الله عنهم.

2- ترتيب معنوي، وهو: أن يكون زمن تحقُّق المعنى في المعطوف متأخِّرًا عن زمن تحقُّقه في المعطوف عليه، كما في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس: 21]، فالإقبار بعد الإماتة، وليس بينهما وقت طويل.


[1] وقد اعتُرض على اقتضاء الفاء للترتيب بقوله تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ [الأعراف: 4]، ووجه الاعتراض: أن الإهلاك هو نفس مجيء البأس، وحينئذ لا تكون الفاء دالة على الترتيب.
ولكنه أُجيب عن هذا الاعتراض بأنَّ المراد: أردنا إهلاكها، فجاءها بأسنا، ولا شك أن إرادة الإهلاك سابقة لمجيء البأس، وانظر: فتح القدير للشوكاني رحمه الله.

[2] ولكن نقول: إن التعقيب في كلِّ شيء يكون بحسب هذا الشيء، فيقال: تزوَّج فلان، فوُلِد له، إذا لم يكن بين التزوج والولادة إلا مدة الحمل، مع لحظة الوطء، وإن كانتْ مدته متطاولة، فالتعقيب هنا بعدم وجود فترة بين التزوج والولادة سوى الحمل، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [الحج: 63]، فهنا صباح الأرض مخضرة ليس فور نزول المطر، ولكن المعنى أنه لم يتأخَّر عن الوقت المعتاد، فاعتبر هذا كله ليس مهلة، وفي هذا معنى التعقيب.
قال ابن هشام رحمه الله في (قطر الندى) صـ 310: وتعقيب كل شيء بحسبه، فإذا قلت: دخلت البصرة فبغداد، وكان بينهما ثلاثة أيام، ودخلت بعد الثالث، فذلك تعقيب في مثل هذا عادة، فإذا دخلت بعد الرابع أو الخامس فليس بتعقيب، ولم يجز الكلام. ا هـ، ولينتبه إلى قول ابن هشام رحمه الله: ولم يجز الكلام، فإنه يدل على أن الفاء لا تُستعمل فيما لا تعقيب فيه.

[3] قال ابن هشام رحمه الله في (القطر) صـ 310: وذلك غالب في عطف الجمل... وقد تخلو الفاء العاطفة للجمل عن هذا المعنى: كقوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى: 2 - 5]، وكقوله تعالى أيضًا: ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ [الذاريات: 26، 27]؛ ا هـ.

[4] فهنا عطفت جملة (سجد) على جملة (سها)، وبالإضافة إلى معنى الترتيب والتعقيب؛ لأن السجود يكون بعد السهو، فإنها أفادت السببية؛ لأن السجود كان بسبب السهو.

[5] فالفاء هنا عاطفة، وتقتضي التعقيب والترتيب، والمعطوف بها في المحصول بعد المعطوف عليه، وما بعدها مسبب عما قبلها؛ فإن القضاء عليه بسبب الوكزة.

[6] ومن مجيء الفاء للسببية استفاد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التعليل للأحكام الفقهية، ومن ذلك: الاستدلال على الترخيص في لعب الجواري بالدُّف، وتغنيهن في العيد؛ لكونه عيدًا بما جاء في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها، أن أبا بكر دخل عليها، وعندها جاريتان في أيام منى، تغنيان وتضربان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُسجَّى بثوبه، فانتهرهما أبو بكر؛ فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه، وقال: ((دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد))، وموضع الشاهد على هذه الرواية: أنه جاء بالفاء، ويقول ابن تيمية: تعقيب الحكم بالوصف بحرف الفاء دليل على أنه علة؛ ا هـ.

ومن ذلك أيضًا: الاستدلال على أن المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر سبب لرؤية الله تعالى يوم القيامة؛ وذلك لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر المؤمنين بأنهم يرون ربهم يوم القيامة، وعقب ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن استطعتم ألا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها، فافعلوا))، ثم قال رحمه الله بعد أن ذكر ذلك: ومعلوم أن تعقيب الحكم للوصف، أو الوصف للحكم بحرف الفاء يدل على أن الوصف علة للحكم؛ ا هـ.









الساعة الآن : 01:30 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.62 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.80%)]