ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   القـــــدر (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=301809)

ابوالوليد المسلم 01-03-2024 06:32 PM

القـــــدر
 
القـــــدر (1)


هاتفني معرفاً نفسه أنه من قناة المعالي.. عرض علي إعداد برنامج عن (القدر) موزعاً على ثلاث عشرة حلقة، قبلت الدعوة.. باشرت إعداد المادة من آيات وأحاديث.
- الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، في حديث جبريل عليه السلام: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» (مسلم).
- وكيف يمكن تحقيق هذا الركن؟
- هذا الركن يتحقق بأمور أربعة:
أولاً: العلم، ثانياً: الكتابة، ثالثاً: المشيئة، رابعاً: الخلق والتكوين، ولكل بند من هذه البنود تفصيل، وحتى لا نتعجل في تفصيل هذه البنود، لو أن المرء التزم بعض القواعد البسيطة لما ضل بإذن الله تعالى.
- ماذا تعني بهذه القواعد البسيطة؟
- أولاً: لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز، كلها صحيحة، وكلها متناسقة، وكلها تحمل معاني صحيحة، وإن بدت في ظاهرها خلاف ذلك؛ فالمرء يتهم فهمه ولا يظن في آيات الكتاب تعارضا.
وكذلك أحاديث النبي[ الصحيحة لا تعارض بينهما، ولا تعارض بين الأحاديث الصحيحة وآيات الكتاب العزيز كلها من عند الحكيم العليم؛ فلو أن المرء التزم بهذه القواعد البسيطة؛ فإنه لا يقع فيما يخالف العقيدة الصحيحة في باب القدر.
- كنت وصاحبي نتحاور بينما كنت أبحث في «المكتبة الشاملة» عن الآيات المتعلقة بالقدر.
- وماذا عن بنود تحقيق الإيمان بالقدر؟
- أولاً: العلم، ذلك أن الله علم كل شيء قبل خلق أي شيء، فهو سبحانه وتعالى (العليم)، وهذه الصفة ملازمة لا تنفصل ولا تطرأ على الله عز وجل، أي: إنه سبحانه وتعالى لا يعلم شيئاً بعد أن كان لا يعلمه - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وذلك أن علمه كامل، يليق بذاته عز وجل، ويذكر الله لنا شيئاً من ذلك في كتابه: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} (الأنعام: 58)، فهو سبحانه يعلم كل أفعال العباد قبل أن يولدوا، ويعلم كل صغيرة وكبيرة، وظاهرة وباطنة {وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون} (القصص: 69).
ثانياً: الكتابة: لقد أمر الله تعالى (القلم) أن يكتب العلم المتعلق بالخلائق في اللوح المحفوظ، فعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله[ يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى الأبد» (صحيح الترمذي)؛ فهذا الذي كتب هو علم الله.
أما المشيئة: فهي أنه لا يقع في الكون شيء دون مشيئة الله، بل لا بد أن يأذن الله للشيء حتى يقع وإن كان هذا الشيء مما لا يحبه الله، فهو سبحانه مالك الكون كله ولا يقع شيء في ملكه دون إذنه، ولو شاء سبحانه لما وقع شيء لا يحبه في ملكه، ولكنه عز وجل سمح لها أن تقع حتى يحاسب الجميع على أعمالهم بالعدل والفضل «فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (صحيح مسلم).
- ثم الرابعة: أن الله خلق كل شيء، والعباد يختارون من الأفعال ما يريدون من خير أو شر، فالله خلق إبليس لحكمة أرادها، وخلق الشياطين، وخلق الملائكة، وكل شيء - عدا الله عز وجل - فهو مخلوق والمرء يختار من مخلوقات الله ما يشاء من خير أو شر، وعلى اختياره يحاسب يوم القيامة.


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 01-03-2024 08:06 PM

رد: القـــــدر
 
القـــــدر (2)



- لا بد أن نتذكر دائماً عندما نريد مناقشة أية قضية أنه لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز، ولا بين الأحاديث الصحيحة، ولا بين الآيات والأحاديث الصحيحة.
- وهل هناك من لا يقر بهذه القاعدة، بل هذا الأصل البدهي؟!
قالها صاحبي مستغرباً.
- نعم.. وإن لم يقولوها بلسان المقال، وبعد هذه التذكرة تعال نقرأ بعض الآيات من كتاب الله تعالى، يقول تعالى: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير} (المائدة: 40)، ويقول عز وجل: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وآليه تقلبون} (العنكبوت: 21).
يحتج بعض الناس بهاتين الآيتين ليقولوا: لماذا العمل إذا كان الله يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، والرد بكل بساطة نقول لهم: اقرؤوا جميع الآيات التي تبين من يعذبهم الله، مثلاً: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} (الانفطار: 13)، {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} (الأعراف: 50)، {مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار} (الرعد: 35)، {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً} (الأحزاب: 64)، {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً} (الزمر: 71)، {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً} (الزمر: 73)، {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً} (مريم: 63)، {وألفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين} (الشعراء: 90)، {إن الذين كفروا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين} (الأعراف: 40).
وآيات أخرى كثيرة تبين أن مآل الكافرين النار وأن الله يعذب الكافرين، والمجرمين، والظالمين، وأن مآل المؤمنين الجنة، وأن الله يغفر للمتقين والمخبتين والصادقين والمستغفرين، فإذا جمعنا هذه الآيات بتلك التي تبين أن الله {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} اتضح المعنى.
كان صاحبي منصتاً.. متابعاً يهز رأسه موافقاً:
- أكمل الاستنتاج والبيان.
- أقول: يتضح المعنى بأن العذاب لمن يستحقه من الناس نتيجة كفره وظلمه، والرحمة لمن يستحقها من الناس جزاء طاعته وتقواه، وكل ذلك بمشيئة الله، أي إن العاصي لا يعصي رغماً عن الله، بل أذن الله للمعصية أن تقع، وأذن الله للظلم أن يقع مع أنه حرمه ونهى عنه ولا يحبه، ولكنه سمح بوقوعه في ملكه ممن يريد أن يرتكبه من خلقه، ولو شاء عز وجل لمنعه، ولكن حتى يعطي كل أحد حسب عمله سمح لأهل المعصية أن يرتكبوا معاصيهم، وأما أهل التقوى والصلاح الذين يريدون رضا الله ويحرصون على نيل مغفرته وعفوه؛ فإنه سبحانه يتفضل عليهم بزيادة توفيق وسداد؛ فيزدادوا في طاعة الله عز وجل، وينالوا الجنة لا مقابل أعمالهم، بل تفضلا من الله؛ ذلك أن أعمال العبد تقصر عن أن تدخله الجنة، وكل ذلك مرة أخرى بمشيئة الله, وهذا معنى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} وفق أعمالهم, لا عبثاً ولا بعشوائية، تعالى سبحانه عن ذلك.


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 01-03-2024 09:30 PM

رد: القـــــدر
 
القـــــدر (3)



- تعال نذكر آيات أخرى لبيان جانب آخر من القدر، يقول عز وجل: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (البقرة: 142)، ويقول سبحانه: {لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (النور: 46)، ويقول: {وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد} (الحج: 16)، {يضل به كثيرا ويهدي به كثيراً} (البقرة: 26)، {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} (الرعد: 27)، وكذلك: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} (فاطر: 8)، {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} (المدثر: 31)، هذه بعض الآيات وهناك غيرها.
- وما الاعتراض في هذه الآيات؟!
- يقول أصحاب الأهواء: الهداية بيد الله، فلو هداني الله إلى الصلاة لصليت؛ لأن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
- رغم أني لا أعرف الإجابة الناجعة عن هذه الشبهة، إلا أني أعلم أنه لا ينبغي لمسلم أن ينسب إلى الله أنه أضله, ولذلك هو لا يأتي بالطاعات ويرتكب المحرمات.
كنت وصاحبي نتابع نقاشنا حول قضايا القدر ، ويعجبني فيه رغبته في تعلم القضايا الشرعية، رغم أنه نال درجة الأستاذية في علم الأحياء.
- صدقت يا (أبا عبد الله) إذا عجز المرء عن فهم بعض الأمور فلا ينبغي أن ينسب إلى الله أي نقص أو عيب، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.
- لنرجع إلى معاني الآيات.
- هذه الآيات تبين أن الله {يضل من يشاء ويهدي من يشاء}، وتعال نقرأ الآيات التي تبين هذه الآيات، يقول عز وجل: {وما يضل به إلا الفاسقين} (البقرة: 26)، ويقول سبحانه: {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} (غافر: 34)، ويقول: {كذلك يضل الله الكافرين}، وبالمقابل يقول عز وجل: {ويهدي إليه من أناب} (الرعد: 27)، {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} (طه: 123)، {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3)، {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} (غافر: 28)، {والله لا يهدي القوم الظالمين} (البقرة: 258)، {والله لا يهدي القوم الكافرين} (البقرة: 264)، {والله لا يهدي القوم الفاسقين} (المنائدة: 108).
فالله عز وجل لا يهدي الفاسقين والمسرفين والكاذبين والظالمين والكافرين والمرتابين، بمعنى أن هؤلاء القوم اختاروا هذه السبل البعيدة عن هدى الله، وأعرضوا عن أوامر الله، فتركهم الله لما اختاروا، وعلى الجانب الآخر يهدي الله عز وجل {من أناب}، و{يهدي من اتبع رضوانه}، أي: اجتهد في عمل ما يرضي الله عز وجل، ويهدي من اتبع الهدى الذي أنزله الله، بمعنى أن هولاء القوم اجتهدوا في طاعة الله ونيل رضوانه فوفقهم الله بزيادة {والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم} (محمد:17).
وبهذا المعنى نفهم {يهدي من يشاء ويضل من يشاء} أن الذين ضلوا وكفروا وفسقوا وسلكوا درب الضلال، لم يفعلوا ذلك رغماً عن الله عز وجل، بل تركهم الله يفعلون هذه الأمور ويرتكبون هذه الكبائر (حتى الكفر) مع أنه عز وجل لا يحبها ولا يرضاها، ولكنه سبحانه أذن بوقوعها، وذلك حتى يجازيهم بالعدل يوم القيامة، والفائزون اجتهدوا في طاعة الله، فأذن الله لهم بطاعته ووفقهم إلى مرضاته وزادهم من فضله، حتى يجازيهم بأفضل ما عملوا يوم القيامة، فالهداية والإضلال ليس عشوائيا وليسا قهراً ورغماً على الله، بل بإذنه سبحانه، وإن كان عز وجل يبغض الكفر والظلم والفسوق، ولكنه سمح بوقوعه في ملكه لمن أراد ذلك.


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 02-03-2024 08:07 PM

رد: القـــــدر
 
القـــــدر (4)




- ما زلنا نؤكد على أصل عظيم وبدهي.. أنه لا تعارض بين آيات الله عز وجل، ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بين الأحاديث الصحيحة وآيات الكتاب العزيز؛ فإنها جميعا بوحي من الله سبحانه وتعالى.
وتعال نقرأ بعض الآيات التي يظن بعض الناس أنها متعارضة، يقول سبحانه وتعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} (القصص: 56)، {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين} (النحل: 37)، ويقول عز من قائل: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} (الشورى: 52).
ففي الآيتين ينفي الله قدرة النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الناس، وفي الآية الأخيرة يثبتها {وإنك لتهدي} كيف نفهم هذه الايات؟!
كانت خاطرة قصيرة لم أكن قد أعددت لها، طلب إليَّ رواد الديوان إلقاءها قبل تناول العشاء.
- الجواب المنطقي الوحيد لهذا السؤال أن معنى (الهداية) مختلف.
كان المتحدث (بوفيصل) وهو شاب حديث تخرج وتزوج، وهو في أوائل الثلاثينيات.
- أحسنت يا (أبا فيصل)، بالفعل معنى (يهدى) مختلف في الموضعين، وكلا المعنيين صحيح في اللغة العربية التي أنزل بها القرآن.. (هدى) تأتي بمعنى (وفّق إلى قبول الحق واتباعه) لا مجرد معرفته، ومن هذا المعنى قولنا في كل صلاة: {اهدنا الصراط المستقيم}، أي: وفقنا لقبوله والثبات عليه، و(هدى) تأتي بمعنى (بيّن)، و(أرشد)، و(أوضح)؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم (يهدي) بمعنى (يبيّن)، و(يرشد)، ويشرح، ولكنه لا يملك أن (يقبل من يبين له الحق)، فهذه لله عز وجل وحده بأسباب من عند العبد؛ فالذي يبذل أسباب الهداية يوفقه الله لنيل الهداية، والذي يعرض عن أسباب الهداية يتركه الله عز وجل لما أراد، وفي معنى الإرشاد أيضاً {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس} (آل عمران: 4)، {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} (المائدة: 44)، (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} (الإسراء: 2)، {هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم} (الجاثية: 11).
فالهداية بمعنى (التوفيق لقبول الحق والعمل به) لا يملكها إلا الله ويعطيها من يستحقها بالإنابة والتقوى والعمل الصالح والدعاء، أما الهداية بمعنى البيان والإرشاد، فهي في كتب الله تعالى، وهي مهمة الأنبياء جميعاً والدعاة من بعدهم، وإن كان المرء يرجو أن من يدعوهم يستجيبون له، إلا أن الله أعلم بمن يستحق الهداية ويريدها ومن لا يريد الهداية ولا يعمل لأجلها؛ فهو سبحانه ختم آية الهداية بقوله عز وجل: {وهو أعلم بالمهتدين} (القصص: 56)، أي الذين يبذلون أسباب الهداية القلبية والعملية هؤلاء ينالونها بمشيئة الله.
اعداد: د. أمير الحداد


ابوالوليد المسلم 02-03-2024 08:30 PM

رد: القـــــدر
 
كلمات في العقيدة: القـــــدر (5)



«لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز.. ولا تعارض بين أحاديث النبي [ ولا تعارض بين القرآن والأحاديث الصحيحة»
- الله خلق كل شيء... وخلقه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون... هذا هو الأصل ولا نستثني إلا اثبت بالحديث الصحيح استثناؤه... والعبد يختار من الأعمال ما يريد.. ويحاسب على اختياره.
- هل يمكن أن تذكر آيات الكتاب العزيز في بيان عمل الإنسان.
- نعم... لقد نسب الله العمل إلى الإنسان في مواضع كثيرة من كتابه العزيز.. {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة: 8،7).. {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف: 43)، {اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} (فصلت: 40)، {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} (الأعراف: 39)، {ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} (يونس: 52).. {وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون} (الزمر: 24).. ففي هذه الآيات وغيرها... نسب الله عز وجل العمل إلى الإنسان وكذلك الكسب... فهو الذي عمل... وهو الذي اختار وهو الذي سعى... وذلك أن الله خلق فيه القدرة على الطاعة... وعلى المعصية... {وهديناه النجدين} (البلد: 10)... {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً} (الإنسان: 3)، وهذه القدرة التي خلقها في الإنسان... هي التي جعلته أهلاً للتكليف... بمعنى: يأتيه الأمر من الله... من الأمور الشرعية... وهو له القدرة على القبول أو الرد... على التطبيق أو الامتناع... هذا في الأوامر الشرعية... وكذلك في المناهي الشرعية... له القدرة على الطاعة... والمعصية... واقتراف المعصية أو تجنبها... فهو قادر على أداء الصلاة... أو الإعراض عنها... وكذلك قادر على شرب الخمر... أو تجنبها... والمرء يختار من هذه الأفعال ما يريد... فإن هو أقبل على الطاعات يسر الله له الأمر... وإن أقبل على المعصية... تركه وما يريد... فالعبد هو الذي يختار... والرب عز وجل ييسر أو يخلي بينه وبين ما يريد... والملائكة تكتب ما يفعله العبد: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} (الانفطار: 10-12) {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} (الزخرف: 8) {إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} (يونس: 21)... كان صاحبي يستمع باهتمام... تركته ليعلق.
- مع أني أعرف كل هذه الأمور إلا أن ترتيبها وبيانها بهذه الطريقة جعلها أكثر وضوحاً في ذهني... تابع ما تريد.
- والأحاديث الصحيحة... منسجمة مع آيات الكتاب العزيز... في وصف الإنسان بأنه هو الذي يعمل... وهو الذي يكسب... ففي الحديث القدسي: «ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» مسلم... وفي الحديث الآخر «إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشراً» مسلم... قاطعني:
- طالما ذكرت الأحاديث... ما القول في الحديث الصحيح: «إن الله عز وجل خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي...» السلسلة الصحيحة.
- وتتمة الحديث؟!
- لا أعرفها.
- تتمته: «فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر»... هذا الحديث يضاف إلى الآيات والأحاديث السابقة أن الإنسان يعمل الخير أو الشر... ويكسب الحسنات أو السيئات بعمله والملائكة يكتبون ذلك... وللإنسان القدرة على الطاعة وعلى المعصية... وحسابه يوم القيامة على عمله... الذي عمله في الدنيا وسجلته الملائكة... وهذا هو الكتاب الذي يعرض يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً... اقرأ كتابك} (الإسراء: 13) وحيث إن علم الله كامل فإنه علم أن هذا الإنسان سيعمل بعمل أهل النار... وسيدخلها بعمله... وأن ذاك الإنسان سيعمل بعمل أهل الجنة... وسيدخلها بعمله الذي وفقه الله إليه... فالنار عدل من الله... والجنة فضل من الله.
- والحديث الآخر?!
لنؤجل هذا الحديث إلى لقائنا القادم إن شاء الله.


اعداد: د. أمير الحداد


ابوالوليد المسلم 02-03-2024 08:43 PM

رد: القـــــدر
 
القـــــدر (6)


«لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز.. ولا تعارض بين أحاديث النبي [ ولا تعارض بين القرآن والأحاديث الصحيحة»
- الله خلق كل شيء... وخلقه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون... هذا هو الأصل ولا نستثني إلا ماثبت بالحديث الصحيح استثناؤه... والعبد يختار من الأعمال ما يريد.. ويحاسب على اختياره.
- هل يمكن أن تذكر آيات الكتاب العزيز في بيان عمل الإنسان.
- نعم... لقد نسب الله العمل إلى الإنسان في مواضع كثيرة من كتابه العزيز.. {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة: 8،7).. {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف: 43)، {اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} (فصلت: 40)، {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} (الأعراف: 39)، {ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} (يونس: 52).. {وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون} (الزمر: 24).. ففي هذه الآيات وغيرها... نسب الله عز وجل العمل إلى الإنسان وكذلك الكسب... فهو الذي عمل... وهو الذي اختار وهو الذي سعى... وذلك أن الله خلق فيه القدرة على الطاعة... وعلى المعصية... {وهديناه النجدين} (البلد: 10)... {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً} (الإنسان: 3)، وهذه القدرة التي خلقها في الإنسان... هي التي جعلته أهلاً للتكليف... بمعنى: يأتيه الأمر من الله... من الأمور الشرعية... وهو له القدرة على القبول أو الرد... على التطبيق أو الامتناع... هذا في الأوامر الشرعية... وكذلك في المناهي الشرعية... له القدرة على الطاعة... والمعصية... واقتراف المعصية أو تجنبها... فهو قادر على أداء الصلاة... أو الإعراض عنها... وكذلك قادر على شرب الخمر... أو تجنبها... والمرء يختار من هذه الأفعال ما يريد... فإن هو أقبل على الطاعات يسر الله له الأمر... وإن أقبل على المعصية... تركه وما يريد... فالعبد هو الذي يختار... والرب عز وجل ييسر أو يخلي بينه وبين ما يريد... والملائكة تكتب ما يفعله العبد: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} (الانفطار: 10-12) {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} (الزخرف: 8) {إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} (يونس: 21)... كان صاحبي يستمع باهتمام... تركته ليعلق.
- مع أني أعرف كل هذه الأمور إلا أن ترتيبها وبيانها بهذه الطريقة جعلها أكثر وضوحاً في ذهني... تابع ما تريد.
- والأحاديث الصحيحة... منسجمة مع آيات الكتاب العزيز... في وصف الإنسان بأنه هو الذي يعمل... وهو الذي يكسب... ففي الحديث القدسي: «ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» مسلم... وفي الحديث الآخر: «إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشراً» مسلم... قاطعني:
- طالما ذكرت الأحاديث... ما القول في الحديث الصحيح: «إن الله عز وجل خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي...» السلسلة الصحيحة.
- وتتمة الحديث؟!
- لا أعرفها.
- تتمته: «فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر»... هذا الحديث يضاف إلى الآيات والأحاديث السابقة أن الإنسان يعمل الخير أو الشر... ويكسب الحسنات أو السيئات بعمله والملائكة يكتبون ذلك... وللإنسان القدرة على الطاعة وعلى المعصية... وحسابه يوم القيامة على عمله... الذي عمله في الدنيا وسجلته الملائكة... وهذا هو الكتاب الذي يعرض يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً... اقرأ كتابك} (الإسراء: 13) وحيث إن علم الله كامل فإنه علم أن هذا الإنسان سيعمل بعمل أهل النار... وسيدخلها بعمله... وأن ذاك الإنسان سيعمل بعمل أهل الجنة... وسيدخلها بعمله الذي وفقه الله إليه... فالنار عدل من الله... والجنة فضل من الله.
- والحديث الآخر?!
لنؤجل هذا الحديث إلى لقائنا القادم إن شاء الله.


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 03-03-2024 05:44 PM

رد: القـــــدر
 
كلمات في العقيدة

- القـــــدر (7)



لا تعارض بين آيات الله، ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بين آيات الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة.
تابعت حواري مع صاحبي.. سألني:
- لعل أكثر حديث يسبب لي «عدم فهم» في القضاء والقدر، هو: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها»، ولا أعلم إن كان هذا الحديث صحيحا أم لا؟!
- بل الحديث متفق عليه، وتمامه:
عن عبدالله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
وهو حديث يجمع أصول الإيمان بالقدر التي بيناها في بداية حوارنا، نلخصها بأنها: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، ولكن انظر في مفردات الحديث: «فيعمل بعمل أهل النار» أي إن العبد هو الذي اختار أن يعمل هذا العمل المؤدي إلى النار، وعلم الله عز وجل ذلك قبل خلقه، فكتبه، ولكن العبد هو الذي اختار وهو الذي عمل.
قاطعني:
- ولكن الحديث يوحي بأن هذا العبد لم يكن له خيار إلا أن يعمل بعمل أهل النار؛ لأنه سبق أن كُتب عليه ذلك.
- كلا.. الحديث لا يوحي بهذا، بل يبين أمرين منفصلين: ما كتبه الله، وما عمله العبد، والعبد لا يعلم ما كتب له، ولكنه اختار بمحض إرادته ما يريد أن يعمل ووقع هذا العبد في هذه المعصية؛ لأنه لم يتخذ أسباب الهداية.
- كيف ذاك؟!
- هذا العبد الذي كان: «يعمل بعمل أهل الجنة» أصابه الغرور بصلاحه، ولم يكن يدعو الله أن يثبته على الحق كما بيّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حيث في الحديث: «كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، فقيل له: أتخاف علينا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : «نعم.. إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله؛ فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ» (حسنه الألباني).
فالمؤمن يأتي بالطاعات ويجتنب المعاصي، ويدعو الله أن يثبته على الطاعة دائماً ويخلص في دعائه ولا يغتر بعبادته، بل حاله كما وصف الله عباده المؤمنين: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون: 60)، هذا يثبته الله عز وجل على الهدى؛ لأنه اتخذ أسباب الثبات: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم: 27)، ولا ينبغي لعبد أن يقول: إن الله هو الذي أضلني؛ لأن هذا منطق إبليس: {بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} (الحجر: 39)، أما آدم عندما وقع في الذنب فقال: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، وهكذا العبد إذا وفق إلى الخير حمد الله وأثنى عليه، وسأله الثبات والمزيد من هذا الخير، وإذا وقع في الذنب لام نفسه واستغفر وأقر بظلمه لنفسه؛ وبهذا نجمع الآيات والأحاديث التي قد تبدو متعارضة في ظاهرها، وذلك لالتزامنا ويقيننا بأنه لا تعارض بين آيات الله ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلما جاءك هذا الشعور اتهم فهمك وابحث عن المعنى الصحيح.


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 03-03-2024 06:12 PM

رد: القـــــدر
 
كلمات في العقيدة- القـــــدر (8)



لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز ولا بين أحاديث النبي[ ولا بين حديث صحيح وآية من كتاب الله عز وجل.
- لو التزم المرء هذه القاعدة ولم يأخذ آية بمعزل عن بقية آيات الكتاب، ولا حديثا بمعزل عن بقية الآيات والأحاديث التي تبين ذات القضية لتوصل المرء إلى الحق في مسائل القدر.
ومن هذه المسائل أفعال الخلق.
- كيف نستطيع أن نفهم هذه المسألة؟
- لو تتبعنا آيات الكتاب العزيز لوجدنا أن العبد يعمل العمل خيراً كان أم شراً بإرادته، ويكون هو الفاعل ويحاسب على فعله: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى} (الليل: 5 - 8).
قاطعني:
- كيف ييسر الله عز وجل العبد لليسرى؟ وكيف ييسره للعسرى؟
- أما التوفيق لعمل الصالحات فيبدأ من العبد ثم يوفقه الله لعمل آخر ما دام العبد مقبلا بإخلاص على الطاعات كما في الحديث الذي في البخاري: «إذا تقرب العبد مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً».
وفي صحيح مسلم: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإذا تقرب مني شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»، فإن العبد المقبل على الله بصدق وإخلاص ييسر له الله عز وجل الطاعة بعد الطاعة، وأما العبد المعرض عن الله عز وجل فإن الله يتركه في ضلاله وغيه، وذلك أنه هو الذي اختار هذا الدرب وسار فيه، وهذا بالطبع مع فطرة الإنسان على الخضوع لله، وبيان طريق الحق وترغيبه فيه، وبيان طريق الضلالة والترهيب منه، وتأكيد المآل لمن آمن ولمن ضل، وإرسال الرسل وإنزال الكتب التي فصلت كل شيء، وجميع الآيات والأحاديث التي يظن بعضهم من خلالها أن العبد «مجبر» على فعل شيء تحمل على هذا المعنى، ولا تقرأ بمعزل عن هذه الآيات والأحاديث «فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (مسلم).
- وماذا لو أصر العبد على قوله: «لو شاء الله أن أهتدي لاهتديت»؟!
- هذه العبارة لن تنجيه بين يدي الله عز وجل، ويمكن الرد عليه بأمور عدة، منها:
1 - لا تسع في طلب الرزق، فلو شاء الله أن يرزقك فسيأتيك رزقك وأنت نائم على فراشك؛ لحديث النبي[: «ياأيها الناس، إن الغنى ليس عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، وإن الله عز وجل يؤتي عبده ما كتب له من الرزق؛ فأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم» (صحيح الترغيب والترهيب)، وكذلك حديث الخلق: «ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: اكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد».. فالرزق قد كتب فلماذا تسعى وتكدح في طلب رزقك؟! ابق في سريرك وسيأتيك!!
وهذا لا يقوله عاقل، وكذلك في الهداية.
ثم هذه المقولة ليست جديدة، بل قالها المشركون من قبل: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} (الأنعام: 148)، وكذلك في سورة النحل: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} (النحل: 35).


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 03-03-2024 08:14 PM

رد: القـــــدر
 
كلمات في العقيدة القـــــدر (9)



- إذا تصفحنا المصحف لنتدبر الآيات المتعلقة بالقدر بعد القواعد التي ذكرناها فلن نجد صعوبة في الوصول إلى الفهم الصحيح.. وما أجمل مقولة عمر عندما خرج إلى الشام فأخبره أمراء الأجناد أن الوباء قد وقع في الشام.. فقرر الرجوع، فقال له أبو عبيدة: «أفرارا من قدر الله؟!» فقال عمر: «لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله».. ثم بيّن له الفهم الصحيح للقدر: «أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت في الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت في الجدبة رعيتها بقدر الله؟!».. متفق عليه.
أعجب صاحبي بمقولة عمر رضي الله عنه فرددها:
- نفر من قدر الله إلى قدر الله.
- وبهذا نفهم جميع آيات القدر في كتاب الله.. اسمع قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم} (النساء:71)، ثم بعد ذلك بقليل يقول عز وجل: {أينما تكونوا يدركّم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} (النساء:78).. وفي سورة التوبة: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} (51).
وفي الحديث عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» حسنه الألباني.. وكلها أوامر صحيحة.. في الآية يأمر الله المؤمنين أن يأخذوا حذرهم، وفي الحديث يخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم .. أنه «لا يغني حذر من قدر».. والتوفيق بينهما: أن العبد مأمور أن يأخذ بالأسباب المادية لجلب ما ينفعه ودفع ما يضره.. فإن وقع عليه ضرر يؤمن أن الله قدره عليه لحكمة.. ويسعى في دفع الضرر ويستعين بالدعاء أولا وأخيرا فضلاً عن الأسباب المادية مع تعليق القلب دائما بالله.. بأنه لا شيء ينفع ولا يضر إلا بإذن الله.. هكذا هي العقيدة الصحيحة فيما يصيب الإنسان من خير أو من شر.
علق صاحبي:
- هذه قضايا تحتاج إلى مران ذهني وعملي..
- إذا تمسك المرء بالثوابت التي ذكرناها ورجع إليها لا يضل في هذا الباب إن شاء الله.
- وماذا عن حديث التداوي؟
- تعني قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، إلا الهرم -وفي رواية إلا السأم (الموت)- فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر» السلسلة الصحيحة. وفي رواية... «وفي ألبان البقر شفاء من كل داء».. وقد تعالج النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بالتداوي.. فقال: «يا عباد الله تداووا؛ فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء».. صححه الألباني.
قاطعني..
- نعم هذا الحديث الأخير.. ولا أعرف الأحاديث الأخرى التي ذكرت.
- هذا الحديث وغيره يبين العقيدة في القدر.. فالله خلق الداء والدواء وأمر عباده أن يأخذوا الدواء إذا أصابهم الداء.. وفي الحديث عن ابن أبي خزامة عن أبيه.. قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: «هي من قدر الله» حسنه الألباني.
فالإيمان بالقدر.. إيمان بكمال علم الله وكتابته لهذا العلم، ويحفظ الإنسان من اللجوء إلى غير الله في سرائه وضرائه.. وليس القدر للاحتجاج على ارتكاب المعصية.. والعجز والكسل عن الطاعة.. أو عن طلب الرزق!


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 04-03-2024 08:54 PM

رد: القـــــدر
 
كلمات في العقيدة – القـــــدر (10)


يقول الله تعالى: {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (البقرة: 117)، ويقول سبحانه: {ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (مريم: 35)، ويقول عز وجل: {هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (غافر:68).
- إن قضاء الله عز وجل نوعان: قضاء كوني، وقضاء شرعي، كما قلنا في مشيئة الله وإرادة الله عز وجل، فهناك إرادة كونية وإرادة شرعية، أما القضاء الكوني، فهو الذي لا راد له ولا مانع لوقوعه، ولا يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، وإنما يقع في الكون أو على الإنسان اختبارا له، أو تمحيصاً أو تكفيراً لذنوبه:مولده، مماته، المصائب العامة، الكوارث التي يسمونها (طبيعية)، وهي دون شك بقضاء الله لحكمة علمها من علمها وجهلها الغافلون.
قاطعني:
- وهل ذكر الله القضاء الشرعي في كتابه؟!
- نعم.. في قوله عز وجل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} (الإسراء:23)، فالله عز وجل أمر أمراً شرعياً يسع العبد اتباعه أو مخالفته، قضى ألا نعبد إلا إياه، ومن الناس من يشرك بالله، وقضى أن نحسن إلى والدينا، ومن الناس من يعق والديه، وقال عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} (الأحزاب: 36).
وأوامر الله الشرعية ورسوله[ هناك من يتبعها، وهناك من يخالفها؛ فهذا من القضاء الشرعي وكلمة (قضاء) تحمل هذا المعنى وذاك، وكذلك (الإرادة) وهناك (إرادة كونية) واقعة لا محالة، ولا يستطيع أحد مخالفتها، وهناك إرادة شرعية يخالفها العصاة كقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} (النساء: 26)، وقوله سبحانه: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما} (النساء: 27)، وقوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد} (المائدة: 1)، وقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} (المائدة: 6).
فهذه إرادة شرعية، ويريد الله منا أن نتوب ليتوب علينا، ومنا من يتوب ومن الناس من لا يتوب، ويريد الله منا ألا نصيد ونحن محرومون، ويستطيع من شاء أن يعصي هذه الإرادة لأنها «إرادة شرعية» أي: «حكم شرعي» أو «أمر شرعي»، أما الإرادة الكونية والأمر الكوني والقضاء الكوني؛ فلا أحد يستطيع الخروج عليه أو حتى تأخيره {إن الله يفعل ما يريد} (الحج: 14).
علق صاحبي على هذا الإسهاب:
- نعم.. حتى يفهم المرء هذه القضية يجب أن يتتبع جميع الآيات والأحاديث التي تتناول الأمر؛ فيتدبر الآيات التي تذكر (القضاء)، و(الإرادة)، و(الأمر) ويعلم أنه لا تناقض بين آيات الكتاب ولا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة؛ فيخرج بالفهم الصحيح للقضاء، ففي الصحيح: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان» (البخاري)، وفي صحيح مسلم: «لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً وإنما يستخرج من البخيل».
فهذا القدر والقضاء الكوني الذي لا مجال لرده، ولا حتى لتعطيله، هو الذي كتبه الله قبل خلق السموات والأرض بخمسمئة عام.
- وكيف يكون قد كتب وهو «جديد» بالنسبة للملائكة؟
- نعم.. ذلك أن الملائكة لا تعلم الغيب، ولا ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، حتى يظهره الله عز وجل لهم وينزل من تحت العرش إلى السماء فتعرفه الملائكة، ثم ينزل إلى الأرض حيث قدره الله عز وجل.


اعداد: د. أمير الحداد






الساعة الآن : 12:50 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 51.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.53 كيلو بايت... تم توفير 0.51 كيلو بايت...بمعدل (1.00%)]