ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الإنشاء (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=76)
-   -   الأديب (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240922)

ابوالوليد المسلم 20-09-2020 05:28 AM

الأديب
 
الأديب


يوسف إسماعيل سليمان




الأديبُ - عندي - هو الذي يَسبِيكَ برشاقة عِباراته، وجمالِ ألفاظِه، وسحْر بَيانِه، وعُذوبَة كلامِه، وجودة معانيه، دونَ إخلالٍ بسلامة مَبانيه.

هو الذي يُصوِّر لك المعنى لا كما تراه؛ بل بأجملَ مما يُمكنك أن تَراه أضعافًا مضاعفة، إن كان عنه راضيًا، أو كان له عاشقًا.

وهو الذي يَقدِرُ أن يُريَكَ إيَّاه كأقْبَحِ ما يُمكن لك أنْ تَتخيَّلَه، إنْ كانَ عليه ساخطًا، أو كانَ له كارهًا مبغضًا.

هو الذي تَقرأُ له فتُحسُّ لا أنَّك تقرأُ، وإنَّما تَشعرُ وتحسُّ كأنَّك تَطربُ وتفرحُ، إن كان يريدُك أن تفرحَ، وتحسُّ كأنك تستمتعُ وتتنعمُ كلَّما جوَّل بك في رياض عباراته، وأزاهير كلماته الملوَّنة، وبساتين معانيه المُجوَّدة، فأنتَ معه في سعادة روحية عميقة.

وهو الذي إن شاء أبكاكَ لا بالدموعِ، وإنما أبكاك بكاءَ من يَنتزِعُ من أحشائِك قطعةً قطعة، فتذرفُ الدمعَ لا لأنَّه مُنبئٌ عما تُحسُّه؛ ولكن لأنَّ الدمعَ قد يخففُ من آلامِ الرُّوح ما تُعالجُه.

هو الذي تَغدُو بين يديه كالمَسحُورِ بين يدي ساحرِه، أو كالمَفتُونِ بين يدي فاتنِه، أو كالمُريدِ بين يدي شيخِه.

الأديبُ هو الذي إنْ شاءَ سكَب في أذنيك ألحانًا بديعةً، وفي فِيكَ شهْدًا حُلوًا لَذيذًا، هو الذي يَجعلُ حواسَّك ترتعش دونما حَرَكة، ويَجْعلُك تَنتشي دون أن يغيب عقلك، وتَسعدُ وتنعمُ دونَ أن يضعَ في يديك فلسًا ولا قطميرًا.

وهو الذي إن رغب أراك النعيمَ شقاءً، والراحةً غبنًا، والمستحسنَ مُستقبحًا، والمَألوفَ مُستوحشًا، والغَنيَّ فقيرًا، والسعادةَ أوهامًا، والنَّهارَ خطرًا، والليلَ أمانًا، والسماءَ قريبةً، والنُّجومَ عجيبةً، والبياضَ أكلحَ وأشنعَ مِن السَّوادِ، والسَّوادَ أجملَ وأحلى من البياضِ، والبِدايةَ خيرًا من النهاية، والنهايةَ شرًّا لا يمكن احتماله.

هو الذي يُطربُك دونَ أن يعزِف أنغامًا، ويُشجيك دون أن يُؤذيَ لك أركانًا، يَمدُّ لك من الآمال ما كنتَ قد قطعتَ حبالَه، ويُرخي عليك سُدولَ الحُزن كأنهن جبال.

تأتيه وأنت تملكُ نفسَك، فلا تلبثُ أن تَهبَه عقلَك وقلبَك وروحَك، يُقلِّبها كيف يشاء من حالٍ إلى حال، فإن رغب أطربَها، وإن رغب أشجَاها، وإن رغب أحزنَها، وإن رغب أسعدَها، وإن رغب سمَا بها في مَدارجِ الأنَفَةِ والرفْعة، وإن رغب أخلدها في مَراتِعِ الدَّنيةِ والأَثَرَة.






الساعة الآن : 01:45 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 5.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 5.23 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]