ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241342)

ابوالوليد المسلم 26-09-2020 02:21 AM

ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته
 
ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح







عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: عَادَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ".

وفي رواية لمسلم: "ثُمَّ لاَ يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ".



ترجمة راوي الحديث:

هو معقل بن يسار بن عبد الله بن معبِّر المزني رضي الله عنه، يكنى أبا علي، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو يسار.

أسلم قبل الحديبية، وشهد بيعة الرضوان.

قال البغوي رحمه الله: "هو الذي حفر نهر معقل بالبصرة بأمر عمر رضي الله عنه، فنسب إليه، ونزل البصرة، وبنى بها داراً، ومات بها في خلافة معاوية رضي الله عنه".

مات في آخر خلافة معاوية رضي الله عنه، وقيل إنه توفي أيام يزيد بن معاوية. وكان روى حديث الباب في ذم الإمام الذي يغش رعيته، رواه وهو في مرضه الذي توفي فيه رضي الله عنه." [انظر أُسد الغابة (5 / 232) والإصابة (6/ 146)].



تخريج الحديث:

أخرجه مسلم حديث (142)، وأخرجه البخاري في " كتاب الأحكام " " باب من استرعى رعية فلم ينصح " حديث (6731).



شرح ألفاظ الحديث:

(مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللّهُ رَعِيَّةً): أي يستحفظه ويجعله راعياً عليهم، وهذا يشمل الرعاية العامة كرعاية الحاكم والأمير، والخاصة كرعاية الرجل على أهل بيته.

(وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةُ): الغش ضد النصيحة، وعدم القيام بما فيه نجاتهم مع قدرته.

(عاد عبيد الله بن زياد): كان عبيد الله حين حدثه معقل رضي الله عنه أميراً في البصرة، في عهد معاوية رضي الله عنه

(ثُمَّ لاَ يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ): يجهد بفتح الياء والهاء وسكون الجيم أي لا يجتهد ويبذل وسعه من أجلهم.



من فوائد الحديث:

الحديث دليل على تحريم غش الرعية وأنه من كبائر الذنوب لما ترتب عليها من حرمان الجنة، وعموم اللفظ في الحديث الأول يدخل فيه الرعاية العامة، والرعاية الخاصة فيدخل فيه كل مسئول"

قال القرطبي رحمه الله:" قوله صلى الله عليه وسلم " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللّهُ رَعِيَّةً" الحديث هو لفظ عام في كل من كُلِّف حفظ غيره، كما قال صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، وهذا الرجل في أهل بيته والولد والعبد، والرعاية: الحفظ والصيانة، والغش ضد النصيحة، وحاصله راجع إلى الزجر عن أن يُضيَّع ما أُمر بحفظه، وأن يقصِّر في ذلك مع التمكن من فعل ما يتعين عليه" [المفهم (1/ 353 – 354)].



وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:" (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللّهُ رَعِيَّةً) وهذا يشمل الرعاية العامة، والرعاية الخاصة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" وإذا قلنا بهذا صار الإنسان مسؤولاً في أهله في حياته وبعد مماته، وأنه يجب أن يحذر، وأن ينصح لرعيته التي استرعاه الله عليها.

وينبني على ذلك: أن من خلف لأهله ما لا يجوز اقتناؤه من الآلات كالتلفزيون، والدش، وما أشبه ذلك على وجه يعرف أنهم يستعملونه على محرم، فإنه سيلحقه هذا الوعيد، وأنه إذا مات على هذه الحال، فإن الله يحرم عليه الجنة والعياذ بالله " [التعليق على مسلم (1 / 447 -448 )].



الفائدة الثانية: الحديث دليل على عظم المسؤولية على كل من ولي رعية، وعلى الرجل مع أهل بيته، والولاة والأمراء صغاراً وكباراً، وكل من ولي أمراً من أمور المسلمين بأن يحفظ حقهم من المسؤولية بنصحهم وعدم الغش لهم.

قال النووي رحمه الله: " قال القاضي عياض: معناه بيِّن في التحذير من غش المسلمين، لمن قلّده الله تعالى شيئاً من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصّبه لمصلحتهم، في دينهم أو دنياهم، فإذا خان فيما أُؤتمن عليه، فلم ينصح فيما قلده، إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به، وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم، والذب عنها لكل متعد لإدخال داخلة فيها، أو تحريف لمعانيها، أو إهمال حدودهم أ أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حوزتهم، ومجاهدة عدوهم، أو ترك سيرة العدل فيهم، فقد غشهم. قال القاضي: وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على أن ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة عن الجنة" [انظر شرح النووي لمسلم 2 / 345].



الفائدة الثالثة: الحديث فيه الوعيد الشديد لأئمة الجور وأن من صور جور الأئمة الغش للرعية، والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن الوعيد الشديد لمن غش رعيته وبيَّن في الحديث الثاني أنه عليه فوق ذلك نصحهم والاجتهاد في ذلك، وإلا كان عرضه للوعيد، وعليه فالمطلوب من الحكام وولاة الأمور أعظم، والتبعة عليهم أشد ففي الحديثين باب التحذير من غش الرعية، وباب بذل الجهد في النصح لهم.



الفائدة الرابعة: الحديث فيه الوعيد الشديد لمن غش رعيته وهو قوله صلى الله عليه وسلم " إِلاَّ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةُ " ومعلوم أنه لن يحرم من دخول الجنة إلا من كتب عليه الخلود في النار لمروقه من ملة الإسلام، ومذهب أهل السنة والجماعة أن هذا الأمر وإن كان كبيرة من الكبائر إلا أنه ليس مخرجاً من ملة الإسلام بحيث يستوجب حرمان الجنة الأبدي، فكان لابد من توجيه الأحاديث كما قيل في نظائره جمعاً بين الأدلة، فقيل إن الحديث محمول على ظاهره وأنه في المستحل، وقيل: المراد أنه يحرم دخول الجنة مع أول الداخلين وهو دخول الفائزين السابقين. [انظر شرح النووي 2 / 345].



الفائدة الخامسة: الراوية الأخرى فيها بيان حرص الصحابة رضي الله عنهم على تبليغ العلم والأحكام الشرعية حتى وإن كانوا على فراش الموت ومثل هذا الموقف تكرر كثيراً وما ذاك إلا لحرصهم وخوفهم من كتمان العلم، فهذا معقل بن يسار رضي الله عنه يعظ والي البصرة حين زاره عبيد الله بن زياد بهذا الحديث، ولا يلزم من هذا أن معقل رضي الله عنه لم يحدث بهذا الحديث إلا في آخر حياته، ويحتمل أنه حدث به من قبل، إلا أن نصيحته لوالي البصرة كانت في هذه الحال، وقيل: أن معقل إنما أخَّر التحدث بهذا الحديث لما علمه من حال عبيد الله بن زياد من سفك لدماء الناس وشدة بطشه كما ذكر الحسن البصري رحمه الله، فخافه في حياته، فلما كان عند الموت ذكره لئلا يكتم العلم، وقيل: لم يذكره حال حياته لأنه علم أن عبيد الله ممن لا تنفعه الموعظة، وهذا بعيد لأنه ينافي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم سقوطه لعدم القبول. [انظر شرح النووي لمسلم (2 /345) وفتح الباري (13 /127)].




مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)





الساعة الآن : 09:55 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 14.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.06 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.66%)]