ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   الاعتدال في الأمر كله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=200768)

ابوالوليد المسلم 30-04-2019 04:16 PM

الاعتدال في الأمر كله
 
الاعتدال في الأمر كله
أمير مكي

الحمد لله ربِّ العالمين، علَّم الإنسان وخلَقَه ورزَقَه وهداه إلى سواء السبيل، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ العربي الأمي الذي علَّم الناس أجمعين، فاهتدَوْا به إلى طريق ربِّ العالمين.
وبعدُ:
حول الاعتدال في القول: الاعتدال في المدح والذم:
جاء في القرآن الكريم في التوسُّط والاعتدال في كلِّ شيء قولُه - تعالى -: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة: 143]، ورَد في تفسير الرازي لهذه الآية: "وذلك الوسط هو العدْل والصَّواب، فالمؤمن بعد أنْ عرف الله بالدليل صار مؤمنًا مهتديًا، أمَّا بعد حصول هذه الحالة، فلا بُدَّ من معرفة العدل الذي هو الخط المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في الأعمال الشهوانيَّة، وفي الأعمال الغضبيَّة، وفي كيفيَّة إنفاق المال، فالمؤمن يَطلُب من الله - تعالى - أنْ يهدِيَه إلى الصراط المستقيم الذي هو الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كلِّ الأخلاق وفي كلِّ الأعمال"؛ انتهى.
وكذلك ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبُّ الاعتدال في كلِّ شيء، فعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اكْلَفُوا[1] من العمل ما تُطيقونَ، فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، فإنَّ أحبَّ العملِ إلى اللهِ - تعالى - أدوَمُه وإنْ قَلَّ))، وكان إذا عمل عملاً أثبَتَه[2].
وورد عن الصحابة - رضي الله عنهم - ما يدلُّ على حبِّهم للاعتدال في كلِّ الأمور، حتى الأمور المعنوية منها المتعلِّقة بالعاطفة، ومن ذلك ما ورد عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّه كان يقول: "أحبِبْ حبيبك هونًا ما عسى أنْ يكون بغيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بغيضَك هونًا ما عسى أنْ يكون حبيبك يومًا ما".
وإنَّ من الأمور التي شاعَتْ بيننا الآن كثْرة المدح لأبسط الأشياء يفعَلُها الإنسان، وكذلك كثرة الذم أيضًا، وهذه أمور ينبغي على كلِّ مسلم أنْ يحذر منها قدْر استطاعته، ومن الآثار الواردة في ذلك: عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يُثنِي على رجلٍ ويُطرِيه في المدحة، فقال: ((أهلَكتُم - أو قطعتم - ظهْر الرَّجل))؛ رواه أحمد والبخاري ومسلم.
الإطراء: المبالَغة في المدح.
وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتُم المدَّاحين، فاحثوا في وجوههم التراب))؛ رواه أحمد ومسلم من حديث المقداد.
وروى ابن ماجه بإسنادٍ جيِّد عن معبد الجهني عن معاوية مرفوعًا: ((إيَّاكم والتمادُح، فإنَّه الذبح)).
وقد قال أبو داود في باب (كراهية التمادح): ثنا مسدد ثنا بشر - يعني: ابن المفضل - ثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن مطرف قال: قال لي: إني انطلقت في وفد بني عامرٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أنت سيدنا، فقال: ((السيِّد الله - تبارك وتعالى))، قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فقال: ((قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يسخر بكم الشيطان))؛ إسنادٌ جيِّد رواه أحمد ورواه النسائي في "اليوم والليلة" من طرق. [من كتاب "الآداب الشرعية"؛ لابن مفلح المقدسي الحنبلي].
وكذلك نجدُ المبالغة في الهجاء والذم لأبسط الأمور، فإنَّ هذه أشياء من فعْل الجاهلية، وقد حثَّنا الشارع الكريم على الاعتدال في كلِّ الأمور، فإنَّ خير الأمور أوسطها.
جعَلَنا الله وإيَّاكم ممَّن يعمَلُون فيُحسِنون، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه...آمين.
____________
[1] ((اكلَفوا)) بفتح اللام، والهمزة فيه للوصل، من كلفت بالشيء إذا ولعت به وأحببته.
[2] البخاري: كتاب الرقاق، باب: القصد والمداومة على العمل (6462)


الساعة الآن : 12:25 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.19 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]