ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأمومة والطفل (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=16)
-   -   الخلافات الزوجية: المشكلة والحل (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=205006)

ابوالوليد المسلم 15-07-2019 07:44 PM

الخلافات الزوجية: المشكلة والحل
 
الخلافات الزوجية: المشكلة والحل
أ. د. فؤاد محمد موسى








لقد كثُرت الخلافات الزوجية في هذا العصر بشكل غير مسبوق، وكثُر معها التفكُّك الأسري بشكل مخيف، بما يهدِّد التماسُك الأسري وقوة ترابط بُنيان الأسرة بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام، وهذا إنذار خطير للأمة، بما يستوجب تحليل هذه المشكلة، ومعرفة جذورها، والعوامل التي تؤدي إليها وتُغذِّيها بوقود النار، وكيفية وَأْدِ هذه النار في عقرها قبل أن تَلتهم باقي البيان.



لا شك أن هناك مؤسسات وهيئات متخصصة بشكل علمي تقوم على إشعال نار هذه المشكلات عالميًّا، وما يعرض في وسائل الإعلام بشكل عام، والنت بشكل خاص، لأكبرُ دليلٍ على ذلك، ولا ينكر هذا أيُّ عاقل.



وللأسف لا يقابل هذا العمل الشيطاني ما يُماثله من مؤسسات وهيئات وتمويل ليحدَّ من خطورته، أو يعمل على تحصين الأسرة من التعدِّي عليها في عقر دارها.



وفي هذا المقال نعرض لمثال واحد مقتبس من هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم، معلم الأُمَّة الذي أرسله ربُّه هاديًا ومعلمًا للعالمين، والذي علمنا أن يكون الكلام: "ما قلَّ ودلَّ"، وأن العمل التطبيقي العملي في الحياة هو خير مرشد، وأكثر إقناعًا لنا لنعمل ونطبق؛ لأن الكلام في هذا العصر كثُر وندر العمل.



"فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة (إناء) فيها طعام، فَضَرَبَتِ التي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في بَيْتِها يَدَ الخادِم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: ((غارَتْ أُمُّكُم))، ثم حبس الخادم حتى أُتِيَ بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرت"؛ رواه البخاري.


وفي رواية أخرى: "أَنَّ أُمَّ سلمةَ أَتَتْ بطعام في صَحْفة لَها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءتْ عائشةُ مُؤْتزرَة بكساء، ومعها فِهْر، ففلقت به الصحفةَ، فجمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، ويقول: ((كلوا، غارتْ أُمُّكم، مرتين))، ثم أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صَحْفَةَ عائشةَ، فبعث بها إِلى أُمِّ سلمةَ، وأعطى صحفةَ أُمِّ سلمةَ عائشةَ".




في هذا الحديث مشكلة زوجية حدثت في بيت النبوة طرفاها: النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجته عائشة.



وهنا نريد أن نتعلم:

1- كيف نُحدِّد المشكلة بدقة، وما الأخطاء التي قد نقع فيها أثناء تحديد المشكلة؟ وما خطورة هذه الأخطاء؟

2- وكيفية الحل دون تعقيد.



وقبل التحدُّث عن تحديد المشكلة في هذا الحديث، نتوقَّف عند الأخطاء التي قد نقع فيها أثناء تحديد هذه المشكلة، فقد يظنُّ البعض أن المشكلة هي كسر عائشة رضي الله عنها للإناء، وتبعثُر الطعام منه، وقد يفكر البعض الثاني في مس كرامة النبي صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه، وقد يُفكِّر البعض الآخر في إهانة عائشة لأُمِّ سلمة التي أرسلت الطعام.



إن كل ما سبق من هذه الظنون هو نتائج للمشكلة الأساسية؛ لذلك قد تتوالى الكثير من القيل والقال في أي مشكلة، وتتشعَّب المشكلة، وتتولَّد منها مشكلات بالقيل والقال، وهذا هو مدخل الشيطان في تضخيم أي مشكلة، حتى يصعُب حلُّها بعد ذلك، وتختفي من تحت أعيننا المشكلة الأساسية؛ لذلك يجب ألَّا تخرج المشكلات الزوجية خارج حدود الزوجين؛ حتى لا يكثُر القيل والقال، وتتولَّد مشكلات أخرى، وتشتعل النيران من حولها؛ ولكن أين المشكلة الأساسية في هذا الحديث؟



لقد حدَّدها النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((غارَتْ أُمُّكم))، وكررها مرتين للتأكيد أنها هي المشكلة، ما أحكمَكَ يا رسول الله!



وهنا يسهل الحل نتيجة تحديد المشكلة بدقة، فالغيرة فطرة خلقها الله في النساء، إذًا ليس لأي فرد القدرة على إزالتها، فهذا من الاعوجاج الذي نوَّه إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة.



فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المرأة كالضِّلع، إن أقمْتَها كسرتَها، وإن استمتعتَ بها استمتعْتَ بها وفيها عوجٌ))، وفي رواية أخرى للبخاري كذلك: ((استوصُوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن خُلِقْنَ من ضِلَع، وإنَّ أعوجَ شيء في الضِّلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمُه كسرتَه، وإن تركتَه لم يَزَلْ أعوجَ، فاستوصُوا بالنساء خيرًا)).



وهذه الغيرة هي من سمات أنوثة النساء التي فطرهنَّ الله عليها، ومن هنا كان توجيه كلام النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامة الأمة بقوله: ((غارت أُمُّكُم))، ولم يوجهها إلى عائشة، وكأنه يقول صلى الله عليه وسلم: التمسوا لأُمِّكم العُذْر فيما فعلت، كما يجب أن تلتمسوه لأزواجكم.



ومن بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضع حل المشكلة بداية في تحديدها بهذا القول: ((غارت أُمُّكم))، كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يُظهِر أيَّ انفعالٍ كما يحدُث من أي زوج آخر، ثم تتوالى خطوات الحل، فجمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، ويقول: ((كلوا))، ما هذا التواضع من نبي الأمة وما أحلَمه، ولذلك قال عنه رب العزة: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ولم ينسَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يطيب خاطر أمَّ سلمة، "فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صَحْفَةَ عائشةَ، فبعث بها إِلى أُمِّ سلمةَ، وأعطى صحفةَ أُمِّ سلمةَ عائشة"، ما أعدلَكَ يا نبي الأُمَّة وأرحمَكَ! ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].



هذا مثال نبوي به حكمة عظيمة في دقة تحديد المشكلة الزوجية والقدرة على حلِّها بيُسْر وبساطة ودون انفعال بين الزوجين.




فالله أكبر على هذا الموقف التربوي العظيم من مواقف النبي عليه الصلاة والسلام، موقف قد لا يتصرَّف معه كثيرٌ من الأزواج في هذا الزمان بأقل من السبِّ والشتم، وربما الضرب والوعيد والتهديد، هذا إن لم يصل الحال إلى طلاق الزوجة وإهانتها.



إن المشكلات الزوجية لا تُحلُّ إلَّا بمنهج الله، وبين الزوجين، وفي ستر، ولا تنشر على الفضائيات، والإنترنت، كما هو الحال الآن.



يجب على كل زوجين أن يصارح كلٌّ منهما الآخر بما يحب ويكره من الآخر بكل وضوح، وعدم التحرُّج بعضهما من بعض فيما يطلبه من الآخر، خاصة في العلاقة الخاصة بينهما، ويجب تذكُّر قول الله: ﴿ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 21].




فما أروع هذا التعبير الرباني بكلمة أفضى التي توحي بالسرية التامة بين الزوجين، وفي نفس الوقت الوضوح الكامل في طلب كل طرف من الآخر! وعلى الزوج أن يُبادر بذلك ويُشجِّع زوجته على تعوُّد ذلك بينهما، هذا وبالله التوفيق.









الساعة الآن : 10:16 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 10.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 10.84 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.86%)]