ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=4)
-   -   وثن سوق العمل.. يسفه أحلامنا (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=202988)

ابوالوليد المسلم 19-06-2019 12:07 AM

وثن سوق العمل.. يسفه أحلامنا
 
وثن سوق العمل.. يسفه أحلامنا


مصعب الخالد البوعليان




السَّلام عليْكم ورحْمة الله وبركاته.
الحمد لله ذي المنَّة، والصَّلاة والسَّلام على رسول هذه الأمَّة، ومنِ اقتفى أثَرَه وسار على السنَّة.

وبعد:
فما أسعدَك يا سوقَ العمَل، كنت البارحة شيئًا، واليوم أنت أشياء!

سوق العمَل كان جزءًا من صورة الحياة، واليوم - وبقُدرة قادر - أصبح الصّورة كلَّها وإطارها، فما كان بالأمْس سبيلَ الحياة الكريمة، صار بنفسِه الحياة الكريمة، وهذا يضع سؤالاً مهمًّا على الطَّاولة، حول نظرتنا إلى سوق العمَل، وكيف تحوَّل من وسيلة إلى غاية!

وهذا السؤال من الأهمّيَّة بمكان؛ لأنَّه يبحث عمَّا يبرّر تحويل المجتمع إلى مجموعةٍ من المسننات التي تحرِّك آلة سوق العمَل الضَّخمة، ويسلّط الضَّوء على السَّارق الَّذي سلبَنا قِيَمنا المهمَّة، ومفاهيمَنا الصَّحيحة؛ ما أثَّر بشكلٍ مُباشر على إحساسِنا بأنفُسنا، واعتزازِنا بهويَّتنا، ونظرتنا للكثير من النَّشاطات المهمَّة الَّتي نقوم بها.

وللإجابة، خذ التَّعليم مثلاً، وهو القطاع الَّذي سُخّر بكافَّة إمكاناته لتنْمية (سوق العمل)؛ ما جرَّده بلا مراء من مكانتِه السَّامقة، وجعل من محاضنه مجرَّد محطَّات على الطَّريق الطَّويل إلى أرض (سوق العمل) الموعودة، فضلاً عن تسفيهِه تنمية الهويَّة الذَّاتيَّة في التَّعليم، وجعله موادَّ اللّغة والدين فضلات كلام، ومضيعة وقت في نظَر كثير من الطلاَّب والمعلّمين، وللأسف، وهو ما كان خصيصة مشتركة بين التَّعليم العامّ والعالي، ويزيد الأخير على سابقِه باحتِلال اللّغة الأجنبيَّة للتخصُّصات العلميَّة، تعاطيًا مع ما سُمي بـ(لغة العصر) و(لغة سوق العمل) و(لغة الدّراسات العليا)، وهو في الواقع طرْح للهويَّة الثَّقافيَّة تحت أقدام المديرين التنفيذيين ومجالس شركات سوق العمل العموميَّة.

وقُل مثل ذلك في الإعلام، الذي صار سوقًا مرْبِحة لكلّ صادر ووارد، يبثّ منها ما يتوافق ورغباتِ الجمهور ضحكًا أو بكاءً، بلا قِيَم أو ضوابط تحكم المادَّة الإعلاميَّة المعروضة، وللأسف الشديد.

هذا الواقع المؤْسف، الذي تسنده قيم ومفاهيم خاطئة تمامًا، ساهم في تنمية تخلُّفنا بشكْلٍ كبير - ولو ادَّعى البعض عكس ذلك - فنحن لم نتقدَّم في أغلب المجالات الَّتي كان عليْنا أن نقطع فيها شوطًا عظيمًا بالنَّظر لما في أيدينا من إمكانات، وعلى العكس خسرْنا كثيرًا ممَّا كنَّا نفاخر به في الماضي، وذلك كله لـ (عيون سوق العمل) كما يُقال.

ويشاء الله - تعالى - أن ينقلِب السِّحْر على السَّاحر، فـ(سوق العمل) الَّذي نصَّبناه منقذًا لشبابِنا من البطالة، عاد علينا بالمزيد من العاطلين، وما زال يطْلب المزيد من التَّضحيات الَّتي يعرف عقلاء البلاد جيّدًا أنَّها ستقودنا إلى الهاوية؛ لأنَّ متطلّبات الخصْخصة العالميَّة والعوْلمة الثَّقافيَّة اليومَ لا تتوقَّف عند حدٍّ؛ بل هي تستعِرُ كالنَّار، كلَّما طرحتَ في أوارِها ما ظننتَ أنَّه يُشْبِعها عادتْ عليك بالمزيد من ألسن اللَّهب، وليتأكَّد اللاهثون خلف وثَن (سوق العمل) أنَّ التقدُّم الحقيقي لا يوفِّره (سوق العمل)؛ بل يئِدُه في مهْده؛ لأنَّ سوق العمل ابتداءً يعمل كبعْبع يَمتصُّ من كل نشاط مهمٍّ أهميَّتَه، حتَّى يحيله إلى جثَّة بلا روح، وعرق بلا إنتاج.

والسَّلام.


الساعة الآن : 01:00 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 6.98 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]