ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأمومة والطفل (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=16)
-   -   الشريك المثالي في العلاقة الزواجية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=247075)

ابوالوليد المسلم 03-12-2020 01:11 AM

الشريك المثالي في العلاقة الزواجية
 
الشريك المثالي في العلاقة الزواجية
نجم الدين قوطيط

حمدًا للهِ كما ينبغي لجلالِ وجهه وعظمة سلطانه، وصلاة وسلامًا على المبعوث رحمةً للعالمين كما يليق بمنزلته ومقامه، وعلى التابعين بإحسان إلى يوم لقائه.
أما بعد:
فكل إنسان - الرجل والمرأة - لديه صورة معيَّنة عن شريك حياته المثالي، ذلك الشريك الذي يحلمُ أن يُمضِي معه حياته، ويُحقِّق معه أحلامه، ويتذوَّق معه السعادة الجميلة.
والحقيقة التي لا مِراءَ فيها، أن الحياة الزواجية لكي تنموَ نموَّها الطبيعي، وتُحقِّق أهدافَهما المنتظرة، يجبُ أن يتحقق في كلا الزوجينِ نسبةٌ لا بأس بها من مواصفاتِ الشريك المثالي الذي ينشدُه ويحلمُ به كلاهما، وإلا فلن يحصدا من هذه العَلاقة إلا المأساة الأليمة والمعاناة العنيفة، فتتحطَّم فيهما معاني الشخصية وتتشوَّه إشراقات الروح.
ونحن عندما نقولُ بالشريك المثالي، فلسنا ندعو إلى شيء مستحيل إطلاقًا، فذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما زال يحثُّ المسلم والمسلمة على الارتباط بالشريك المثالي، الذي يمكن أن يُحقِّق معه أحلامَه وسعادته وأهدافه في الحياة من حيث هو إنسان مسلم وهي إنسانة مسلمة، فيكفي أن نسمع هذا التوجيهَ النبوي الراقي وهو يمدح الشريك المثالي، فيقول: ((خيرُكم خيرُكم لأهله))، ((الدنيا متاعٌ، وخير متاعِها المرأة الصالحة))، ((إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه))، ((أيُّما امرأةٍ ماتت وزوجُها عنها راضٍ دخلتِ الجنة)).
وقبل الخوض في تفاصيل معالِم الشريك المثالي في الحياة الزواجية الإسلامية، أودُّ التنبيه على أربع حقائق مهمَّة جدًّا:
الحقيقة الأولى: يجب على الزوجين أن يحرصا بكل جهدٍ على تحقيق أكبرِ قدرٍ من نموذج الشريك المثالي بعضهما لبعضٍ، فهذا السعي الحريص منهما هو حق كل واحد منهما على الآخر.
الحقيقة الثانية: الحرص على تحقيقِ أرقى صورِ الشريك المثالي لا يعني تحقيق الكمال؛ لأن الكمال مفقود في عالم الدنيا، ومَن طلب الكمال بقي وحيدًا؛ إذ إن الكمال لله - تعالى -.
الحقيقة الثالثة: واجب على الزوجين معًا مساعدة بعضهما بعضًا على الارتقاء إلى مستوى الشريك المثالي الذي يطمحان إليه، فلا يكفي المطالبة بذلك، بل المساهمة في تحقيقه.
الحقيقة الرابعة: متعة وقيمة النموذج المثالي لا تكمُنُ في بلوغ هذا المستوى دفعة واحدة، بل في بذل المجهود كل مرَّة، واستغلال كل فرصة طيلة الحياة للتحقق بصفات الشريك المثالي.
ونحن هنا سنضع بين يدي القارئ - "الشاب والفتاة، أو المتزوجين أصلاً" - مجموعة من التنبيهات العامة، التي نعتقد أنها أهمُّ عناصر تحقيق صورة الشريك المثالي في العَلاقة الزواجية:
الشريك المثالي هو الذي يساعد شريكه على القيام بواجباته الدينية تُجاهَ الخالق -- تبارك وتعالى -- بل يحرِصُ على مساعدتِه على التطوير الدائم لعَلاقته بالله -تعالى- من خلال التفقُّه في دينه، والإكثار من التقرُّب إليه، وتحبيب لقائه، ينبِّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذه الصفة، فيقول: ((رحِم الله رجلاً قام من الليل فصلَّى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهِها الماء، رحم الله امرأةً قامت من الليل وصلَّت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)).
الشريك المثالي هو الذي يحرِصُ على استغلال كل فرصة - ولو كانت عابرة، بل يحرص على ابتكارها - لجلبِ الرضا والسعادة لشريكه، وهذا يكون من خلال حسن المعاملة وجمالية التواصل معه، وإبداء التقدير لشخصيته، والاحترام لأفكاره ومشاعره، ومشاركته في همومه وطموحاته.
ينبِّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أهمية هذه الصفة في الشريك المثالي، فيقول: ((خيرُ نسائكم الودود الوَلُود المواتية المواسية، إذا اتقين الله)).
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيركم لأهله))، فخيرية الزوج المسلم تتمثَّل في مدى برِّه بزوجته ورحمته بها وحرصه على سعادتِها.
الزوج المثالي هو الذي يحرِصُ على إحسان قوامتِه على زوجته، فيفيض صدقًا وإخلاصًا، ويتدفَّقُ تضحيةً وبطولة، ويسيل حبًّا وحنانًا، يحقق لها الدفء والأمان، ويوفر لها الرعاية والسعادة، يتغافل عن زلّاتِها ويغفر أخطاءها، يحتمل مزاجها المتقلِّب وضعفَها العاجز، يُخفِّف عنها متاعبها ولا يكلِّفُها من أمره عُسرًا، يؤكد لها - كلامًا وفعالاً - أنها أميرته الرائعة وحبيبته الساحرة، فهي الحب والحب هي، هي الحياة والحياة هي، يتميَّز بروحه الشفيفة، وقلبه الواسع، ونفسه المعطاء، وطموحه الكبير.
ينبِّهُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أهمية هذه الصفة في الزوج، فيقول: ((رفقًا بالقوارير))، ويقول: ((استوصوا بالنساءِ خيرًا فإنهنَّ عندَكم عَوانٍ))؛ أي: أسيرات، فعاملوهن برفق ومحبة وحنان، ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا وألطفهم بأهله)).
وتحكي السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في بيته يكون في خدمة أهله ويصلح شأنه بنفسه، يخصف نعله، يَخِيط ثوبه، يحلبُ شاته، ويخدُمُ نفسه.
الزوجة المثالية هي التي تحرِصُ على التعبير - كلامًا وفعالاً - لزوجها عن امتنانِها وتقديرها لما يقوم به لأجل راحتها وسعادتها، وما يبذلُه في سبيل توفير هنائها وأمانِها، وما يُقدِّمه لتحسيسه بحبِّه الكبير وإعجاب الرائع بها، تعتبره أهمَّ إضافة في حياتها، وأغلى شيء في حياتها، وأعزَّ شخص من كل قريب أو بعيد، تسرُّه برقَّةِ أنوثتها وسحر جمالها، تتفنَّنُ في إشباع غرائزِه وتثوير عواطفه، لا تفتأ تؤكِّد له - كلامًا وفعالاً - أنه رجلُها العظيم وحبيبها الرائع، تسمع لرأيِه وتحاورُه بهدوءٍ، تتقبَّله بحسناته فتحفِّزُه على تطويرها، وبسيِّئاته فتشجعه بلطفٍ على تجاوزها، لا يُطغِيها حبُّه الكبير لها، بل تستغلُّه لصالح إنجاح عَلاقتِه به، لا تُكلِّفُه من رغباتها ما يعنِّتُه ويُرهِقُه.
ينبِّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أهمية هذه المثالية الجميلة، فيقول: ((ما أفاد عبدٌ بعد الإسلامِ خيرًا له من زوجة مؤمنة، إذا نظر إليها سرَّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفِظته في نفسها وماله))، ويقول أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أُخبِرُكم بنسائِكم في الجنَّةِ؟))، قلنا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: ((ودودٌ ولودٌ، إذا غضِبَتْ أو أُسِيء إليها أو غضِب زوجُها، قالت: هذه يدي في يدِك لا أكتحِلُ بغُمضٍ حتَّى ترضَى)).
تذكري أيتها الزوجة: أنَّ في قلب كلِّ امرأة حاسَّةً مرهفة جدًّا تُهدِيها إلى قلب الرجل، وتساعدها على تحسُّس أوتارِه الدقيقة، فكل امرأة - من حيث هي أنثى - تُدرِكُ بهذه الحاسَّة التي وضعها الخالق -تعالى- فيها بأن الرجل - من حيث هو ذكر - فيه معنى الطفولة، فيحتاج لأن تُعامِلَه بتلقائية الطفولة، لتكون بهذا الاعتبارِ أمَّه الروحانية.
وفيه معنى الشاعرية، فيحتاج لأن تُعامِلَه بعذوبة الحب؛ لتكون بهذا الاعتبار حبيبتَه الساحرة.
وفيه معنى الأبوة، فيحتاج لأن تُعامِلَه بطاعة الابنة البارَّة؛ لتكون بهذا الاعتبار طفلتَه المدلَّلة.
وفيه معنى الرجولة، فيحتاج لأن تُعامِلَه بخضوع الضعيفة المطيعة؛ لتكون بهذا الاعتبار أسيرتَه الآسرة!.
إن أيَّة امرأةٍ تُدرِك بهذه الحاسَّة فيها أنها حين تكونُ كذلك مع الرجل، فإنها تملكُ عليه أقطار نفسه، وتأخذ عليه أرجاء فؤاده، وتستبِدُّ بمجامعِ رُوحِه، فإذا هي وهو كلاهما يشعرُ بأن طاقات روحه تتفتَّح وتنطلق إلى أقصى الحدود الممكنة في جلب السعادة والحب لكليهما.
تذكَّر أيها الزوج: أن في قلب كلِّ رجلٍ نفسَ الحاسَّة الرقيقة التي تساعده على الاهتداء إلى قلب المرأة، وتسهل عليه تحسُّس معاني الأنوثة الجميلة فيها، فكل رجل - من حيث هو ذكر - يُدرِك بهذه الحاسَّة التي وضعها الخالق الحكيم فيه، بأن المرأة - من حيث هي أنثى - تحتاجُ للشعور بأنها طفلتُه المدلَّلة، فيعاملها بهذا الاعتبار بعطفِ حَنُونٍ.
وأنها حبيبتُه الرائعة، فيعاملها بهذا الاعتبار بمودَّة متوهِّجة.
وأنها زوجتُه المتألِّقة، فيعاملها بهذا الاعتبار بتقدير كبير.
وأنها أنثاه الفاتنة، فيعاملها بهذا الاعتبار برقَّة جميلة.
إن أي رجل يُدرِك بهذه الحاسة فيه، أنه حينما يكون كذلك مع المرأة، فإنه يسحرُ كِيانَها، ويملك عليها روحها، ويستبدُّ بأنوثتها، فلا تلبثُ أن تذوبَ في عالمه الفسيح الواسع بما يزخر به من معانٍ متألِّقة، وأحلام مشرقة، وأشواق حالمة، وروائع رفيفة، فإذا هو وهي كلاهما يشعرانِ بأن شتى نزعاتِهما وأشواقهما تعملُ عملَها الطبيعي، وتسير في مساراتها الصحيحة في تناغم هادئ وانسجام جميل وتماهٍ شفيف!.
إذًا كلُّ زوجةٍ تستطيع أن تُحقِّق الشريكة المثالية لزوجها، وكل زوج يستطيع أن يُحقِّق الشريك المثالي لزوجته، كلاهما يستطيع أن يخلقَ - بإذن الله - سعادتَه الزواجية، فقط يجب توفُّر النية الخالصة، والإرادة القوية، والتعلُّم المستمر، ونَبْذ تصورات الناس وتقاليدهم، فإن مَن سلَك سبيلَهم وانتظر نتيجةً مختلفة عن معاناتهم الأليمة، فهو واهمٌ.
تذكر هذه القاعدة:
"إذا أردتَ نتيجةً مختلفة عن نتائج الآخرين، فاسلُكْ سبيلاً غير سبيلهم".





الساعة الآن : 06:25 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.68 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.68%)]