ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=202628)

ابوالوليد المسلم 13-06-2019 06:04 PM

الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
(المتوفى: 1360هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة: الثانية، 1424 هـ - 2003 م عدد الأجزاء: 5
[الجزء الأول]
[مقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابهأجمعين.أما بعد: فقد جاءتني رسائل كثيرة من نواح متعددة، تشير بإعادة النظر في الجزء الأول من كتاب الفقه لأنه يشتمل على أغلاط فقهية، وإيجاز في مواطن كثيرة، مع ما له من المزايا الأخرى التي لا توجد في كتب الفقه الأخرى.فتصفحته بإمعان فوجدت هذه الملاحظات لها محل من الاعتبار. ويرجع سبب ذلك إلى أن أصل وضع الكتاب، كان الغرض منه تسهيل مواضيع الفقه الإسلامي على أئمة المساجد العلماء، وهؤلاء عليهم أن يوضحوا ما يقف في سبيلهم من مُجمل أو مبهم، فترتب على ذلك تَسَمُح [هكذا في الأصل، ولعله "تسامح"] في صياغة نصوص أعلى الصحيفة، فنشأ عنه هذا الخطأ؛ ولما كانت شاعراً به أمكنني إزالته، وتوضيح كل مبهم منه.وعلى هذا رأيت إعادة النظر في الكتاب من أوله إلى آخره، ومراجعة كتب الفقه الأخرى فرأيت من الضروري إدخال الإصلاح الآتي:أولاً: أن أجعل لكل مسألة عناوين خاصة بها، كي يسهل على كل واحد أن يرجع المسألة التي يريدها بالنظر في محتويات الكتاب (الفهرست) ، بخلاف الكتاب الأول، فإن مسائله كانت مخلوطة، فلا يسهل على الناس الوقوف على أغراضهم منها.
ثانياً: رأيت من الضروري أن أنص في أعلى الصحيفة على المذهبين المتفقين حتى يتحرر هذان المذهبان على وجه لا يحتمل الخطأ؛
وهذه الطريقة يتبين منها خطأ الطريقة الأولى في كثير من أبواب الكتاب:
كما هو الحال في "كتاب الصلاة، ومباحث القبلة، ومباحث الحيض، ومباحث الجبيرة، وغيرها مما لا أستطيع النص عليه لضيق المقام؛ وما على القارئ إلا أن يرجع إلى الكتاب ليعلم ما فيه من صواب واضح.
ثالثاً: قد رجعت إلى كتب الفقه في كثير من مواضيع الكتاب المذكورة في أسفل
الصحيفة، وهي في الغالب ذكر السنن والفرائض بطريق الإجمال، فلم أجد فيها أخطاء كثيرة، ولكنني أوضحت منها كل مجمل.
رابعاً: رأيت من الضروري أن أبالغ في الإيضاح، حتى يتيسر لكل من نظر في هذا الكتاب أن يظفر بغرضه بسهولة؛ وقد اعتنيت عناية خاصة بمسائل: "كتابي: الحج، والصيام"، ليسهل على الناس فهمها بدون عناء كبير.
خامساً: ذكرت كثيراً من حكمة التشريع في كل موضع أمكنني فيه ذلك، وكنت أود أن أكتب حكمة التشريع لكل مباحث الكتاب، ولكنني خشيت تضخمه، وذهاب الغرض المقصود منه.
سادساً: رأيت أن آتي بأدلة الأئمة الأربعة من كتب السنة الصحيحة، وأذكر وجهة النظر كل منهم.وبالجملة فقد بذلت في هذا الكتاب مجهوداً كبيراً، وحررته تحريراً تاماً، وفصلت مسائله بعناوين خاصة، ورتبتها ترتيباً دقيقاً؛ وما على القارئ إلا أن يرجع إليه، ويأخذ ما يريده منه بسهولة تامة، وهو آمن من الزللإن شاء الله تعالى. والله المسؤول أن ينفع به المسلمين آمين.

ابوالوليد المسلم 13-06-2019 06:04 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
[كتاب الطهارة]
صـــــ 5 الى صـــــــــ7

الحلقة (2)

[[مباحث عامة]
][تعريفها]
معنى الطهارة في اللغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار والأوساخ، سواء كانت حسِّية، أو معنوية، ومن ذلك ما ورد في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على مريض قال: "لا بأس، طهور إن شاء الله"، والطهور كفَطور، المطهر من الذنوب فهو صلى الله عليه وسلم يقول: إن المرض مطهر من الذنوب، وهي أقذار معنوي [لعله: معنوية؟؟] ويقابل الطهارة النجاسة، ومعناها في اللغة: كل شيء مستَقذَرٍ، حسياً كان، أو معنوياً فيقال للآثام: نجاسة وإن كانت معنوية، وفعلها: نجس "بفتح الجيم وضمها وبكسرها" ينجس "بفتح الجيم وضمها" نجاسة، فهو نجسٌ. ونجسٌ "بكسر الجيم وفتحها"، ومن المفتوح قوله تعالى: {إنما المشركون نجَسٌ} .أما تعريف الطهارة والنجاسة في اصطلاح الفقهاء، ففيه تفصيل المذاهب (1)
(1) الحنفية قالوا: الطهارة شرعاً النظافة عن حدَثٍ. أو خَبثٍ، فقولهم: النظافة يشمل ما إذا نظفها الشخص، أو نظفت وحدها، بأن سقط عليها ماء فأزالها، وقولهم: عن حَدَث يشمل الحدث الأصغر، وهو ما ينافي الوضوء من ريح ونحوه، والحدَث الأكبر، وهو الجنابة الموجبة للغسل، وقد عرَّفوا الحدَث بأنه وصف شرعي يَحلَّ ببعض الأعضاء. أو بالبدن كله فيزيل الطهارة، ويقال له: نجاسة حُكيمة، بمعنى أن الشارع حَكم بكوْن الحدث نجاسة تمنع من الصلاة، كما تمنع منها النجاسة المحسَّة، أمَّا الخبث فمعناه في الشرع العين المستقذرة التي أمر الشارع بنظافتها.
وبهذا تعلم أن النجاسة تقابل الطهارة، وأنها عبارة عن مجموع أمرين: الحدَث. والخبث، ولكن اللغة تطلقها على كل مستقذر، سواء كان حسياً، كالدم. والبول. والعَذرة. ونحوها، أو كان معنوياً، كالذنوب، أمَّا الفقهاء فقد خصوا الحدث بالأمور المعنوية، وهو الوصف الشرعي الذي حكم الشارع بأنه حلّ في البدن كله عند الجنابة أو في أعضاء الوضوء عند وجود ناقض الوضوء من ريح ونحوه وخصوا الخبث بالأمور العينية المستقذرة شرعاً، كالدم ... الخ.
ولعلَّ قائلاً يقول: إن هذا التعريف يخرج الوضوء على الوضوء بنية القربة إلى الله، فإن الوضوء الثاني لم يزل حدثاً ولم يرفع خبثاً، مع كونه طهارة، والجواب: أن الوضوء على الوضوء بنية القربى وإن لم يُزل حدثاً، ولكنه يزيل الذنوب الصغائر، وهي أقذار معنوية، وقد عرفت أن اللغة تطلق الخبث =
= على الأمور المعنوية، وإن كانوا يخصون الخبث بالأمور الحسية، ولكنهم يقولون: إن إزالة الأمور المعنوية يقال لها: طهارة، فالوضوء على الوضوء طهارة بهذا المعنى، وههنا إيراد معروف، وهو أنه لا معنى لعدّ الريح، أو المباشرة الفاحشة بدون إنزال مثلاً من نواقض الوضوء، ولا معنى لكون المني يوجب الغسل، أما الأّول: فلأن الريح ونحوه ليس بنجاسة مُحسة، وأمّا الثاني: فلأن المني طاهر، وعلى فرض أنه نجس فلم تكن نجاسته أكثر من نجاسة البول. أو الغائط، فالمعقول أن تكون الطهارة منه مقصورة على غسل محله فقط، والجواب: أن قائل هذا الكلام غافل عن معنى العبادة، وغافل عن معنى أمارات العبادة، لأن الغرض من العبادة إنما هو الخضوع بالقلب والجوارح لله عز وجل على الوجه الذي يرسمه هو، فلا يصح لأحد أن يخرج عن الحد الذي يحدّه الله لعبادته، ولا مصلحة للمخلوق في مناقشة أمارات العبادة ورسومها إلا بمقدار ما يمسه من نصب وإعياء، فإن له الحق في طلب تكليفه بما يطيق، أما عدا ذلك من كيفيات ورسوم فإنها يجب أن تناط؟؟ وإعياء، فإن له الحق في طلب تكليفه بما يطيق، أما ما عدا ذلك من كيفيات ورسوم فإنها يجب أن تناط بالمعبود وحده، وهذه مسألة واضحة لا خفاء فيها، حتى فيما جرت به العادة من تعظيم الناس بعضهم بعضاً، فإن الملوك لا يُسألون عن سبب الرسوم التي يقابلون بها الناس، ما دامت غير شاقة، فمتي قال الشارع: لا تصلوا وأنتم محدثون حدثاً أصغر أو أكبر، فإنه يجب علينا أن نمتثل بدون أن نقول له: لماذا الشافعية وإلا فيصح أن نقول له: لماذا نصلي الشافعية إذ لا فرق، فإن كلاًّ منهما عبادة له، جعلها أمارة من أمارات الخضوع إنما الذي يصح أن نقوله: وإذا لم نقدر على الوضوء أو الغسل أو الصلاة، فماذا نفعل الشافعية ولذا شرع لنا التيمم. والصلاة من قعود واضطجاع ونحو ذلك مما نقدر عليه، فالذي من حقنا هو الذي نسأل عنه ونناقش فيه، والذي يختص بالإله وحده نؤديه بدون مناقشة، وهذا بخلاف المعاملات. أو الأحوال الشخصية، فإنها متعلقة بحياتنا، فلنا الحق أن نعرف حكمة كل قضية ونناقش في كل جزئية.
هذا هو الرأي المعقول، على أن بعض المفكرين من علماء المسلمين قال: إن كل قضية من قضايا الشريعة لها حكمة معقولة وسرٌّ واضح، عرفه من عرفه وخفي على من خفي عليه، لا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
وقد أجاب عن الأول بأن الريح مستقذر حساً بدون نزاع، وهو وإن لم يكن مرئياً بحاسة البصر فهو مدرك بحاسة الشم، وهو قبل أن يخرج مرَّ على النجاسة الحسية، على أن الذي يقول: إن الريح لا ينقض وإن البول أو الغائط يوجبان غسل محلهما فقط، يلزمه أن يقول: إن الإنسان لا يلزمه أن يتوضأ في حياته إلا مرة واحدة، فإن النوم ليس بنجاسة، والريح ليس بنجاسة، والبول والغائط نجاسة محلية فقط، ولا يخفي أن هذا الكلام فاسد لا قيمة له، لأن الواقع أن الله قد شرع الوضوء لمنافع كثيرة: منها ما هو محسٌّ مشاهد من تنظيف الأعضاء الظاهرة المعروضة للأقذار خصوصاً الفم والأنف. ومنها ما هو معنوي: وهو الامتثال والخضوع لله عز وجل فيشعر المرء بعظمة خالقه دائماً، فينتهي عن الفحشاء والمنكر، وذلك خير له في الدنيا والآخرة، فإذا كان الوضوء لا ينتقض فقد ضاعت مشروعيته وضاعت فائدته. =
وأجاب عن الثاني بأن قياس البول والغائط على المني قياس فاسد واضح الفساد، لأن المني يخرج من جميع أجزاء البدن باتفاق، ولا يخرج غالباً إلا بعد مجهود خاص، ثم بعد انفصاله يحصل للجسم فتور ظاهر، وبديهي أن الغسل يعبد للبدن نشاطه ويُعوِّض عليه بعض ما فقده، وينظف ما عساه أن يكون قد علق بجسمه من فضلات، ومع هذا كله فإن مشروعية الغسل قهراً عقب الجنابة من محاسن الشريعة الإسلامية، فإن الإنسان لا يستغني عن النساء فيضطر إلى تنظيف بدنه، بخلاف ما إذا لم يكن الغسل ضرورياً، فإنه قد يكسل، فتغمره الأقذار، ويؤذي الناس برائحته، فكيف يقاس هذا بالبول المتكرر المعتاد الذي يخرج من مكان خاص بدون مجهود؟؟، فالقياس فاسد من جميع الوجوه، وعلى كل حال فإن العبادات يجب أن يؤديها الإنسان خالصة لله عز وجل بدون أن ينظر إلى ما يترتب عليها من منافع دنيوية، وإن كانت كلها منافع.
المالكية قالوا: الطهارة صفة حُكمية توجب لموصوفها استباحة الصلاة بثوبه الذي يحمله، وفي المكان الذي يصلي فيه، ومعنى كونها صفة أنها صفة اعتبارية، أو معنوية قدَّرَها الشارع شرطاً لصحة الصلاة ونحوها، وهذه الصفة إن قامت بالمكان الذي يريد الصلاة فيه أباحت له الصلاة فيه، وإن قامت بالثوب الذي يحمله أباحت له الصلاة به، وعلى كل حال. فهي أمر معنوي تقديري لا أمر مُحس مشاهد، ويقابلها بهذا المعنى أمران: أحدهما النجاسة، وهي صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة بما يحمله من ثوب. أو في المكان الذي قامت به. ثانيهما: الحدث، وهو صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة له، بمعنى أن النجاسة صفة تقديرية، تارة تقوم بالثوب فتمنع الصلاة به، وتارة تقوم بالمكان فتمنع بالمكان فتمنع الصلاة فيه، وتارة تقوم بالشخص، ويقال لها: حدث، فتمنعه من الصلاة، وعلى كل حال، فالحدث هو الوصف الذي قدّره الشارع، وقد يطلق على نواقض الوضوء الآتي بيانها، وقد تطلق النجاسة على الجرم المخصوص، كالدم، والبول، ونحوهما.
الشافعية قالوا: تطلق الطهارة شرعا على معنيين: أحدهما فعل شيء تستباح به الصلاة من وضوء وغسل وتيمم وإزالة نجاسة، أو فعل ما في معناهما، وعلى صورتهما، كالتيمم والأغسال المسنونة والوضوء على الوضوء، ومعنى هذا أن وضع الماء على الوجه وسائر الأعضاء بنية الوضوء يقال له: طهارة، فالطهارة اسم لفعل الفاعل، وقوله: أو ما في معناهما، كالوضوء على الوضوء، والأغسال المسنونة معناه أنها طهارة اسم لفعل الفاعل، ومع ذلك فلم يترتب عليها استباحة الصلاة، لأن الصلاة مستباحة بالوضوء الأول وبدن غسل مسنون، لأن الذي يمنع من الصلاة الجنابة، والاغتسال منها واجب لا مسنون، فلا بدّ من إدخالها في التعريف، حتى لا يخرج عنه ما هو منه. ثانيهما: أنها ارتفاع الحدث، أو إزالة النجاسة أو ما في معناهما، وعلى صورتهما، كالتيمم والأغسال المسنونة الخ، فالطهارة هي الوصف المعنوي المترتب على الفعل، فالحدث يرتفع بالوضوء أو الغسل إن كان أكبر، والارتفاع مبني على فعل الفاعل، وهو المتوضئ أو المغتسل، والنجاسة تزول بغسلها، وهذا هو المقصود من =
= الطهارة، فإذا أطلقت تنصرف إليه، أما إطلاقها على الفعل، فهو مجاز من إطلاق المسبب، وهو الارتفاع، على السبب، وهو الفعل.
الحنابلة قالوا: الطهارة في الشرع هي ارتفاع الحدث وما في معناه، وزوال النَّجَس، أو ارتفاع حكم ذلك، فقولهم: ارتفاع الحدث معناه زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها، لأن الحدث هو عبارة عن صفة حُكمية قائمة بجميع البدن أو ببعض أعضائه، فالطهارة منه معناها ارتفاع هذا الوصف، وقولهم: أو ما في معناه، يريدون به ما في معنى ارتفاع الحدث، كالارتفاع الحاصل بغسل الميت، لأنه ليس عن حدث، وإنما هو أمر تعبدي، فهو لم يرفع حدثاً. مثله الوضوء على الوضوء، والغسل المسنون، فإنهما في معنى الوضوء والغسل الرافعين للحدث، ولكنهما لم يرفعا حدثاً وقولهم: وزوال النجس، أي سواء زال بفعل الفاعل، كغسل الشيء الذي أصابته نجاسة، أو زال بنفسه، كانقلاب الخمر خلاَّ، وقولهم: أو ارتفاع حكم ذلك، معناه ارتفاع حكم الحدث وما في معناه، أو ارتفاع حكم النجس، وذلك يكون بالتراب، كالتيمم عن حدث أو خبث، فإنه يرتفع بالتيمم حكم الحدث الخبث، وهو المنع من صلاة.

ابوالوليد المسلم 13-06-2019 06:05 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
[كتاب الطهارة]
صـــــ 8 الى صـــــــــ10

الحلقة (3)

[أقسام الطهارة]

ذكرنا في تعريف الطهارة تفصيل عبارات المذاهب، وهي وإن اختلفت في بعض النواحي، ولكن يمكن أن نأخذ منها معنى للطهارة متفقاً عليه، وهو أن الطهارة شرعاً صفة اعتبارية قدّرها الشارع شرطاً لصحة الصلاة، جواز استعمال الآنية والأطعمة وغير ذلك، فالشارع اشترط لصحة صلاة الشخص أن يكون بدنه موصوفاً بالطهارة، ولصحة الصلاة في المكان أن يكون المكان موصوفاً بالطهارة، ولصحة الصلاة بالثوب أن يكون موصوفاً بالطهارة، واشترط لِحَل أكل هذا الطعام أن يكون الطعام موصوفاً بالطهارة، وهكذا.فحقيقة الطهارة في ذاتها شيء واحد، وإنما تنقسم باعتبار ما تضاف إليه من حدث أو خبث، أو باعتبار ما تكون صفة له، فتنقسم بالاعتبار الأول إلى قسمين: طهارة من الخبث. وطهارة من الحدث، وذلك لأن الشارع أوجب على المصلي أن يكون بدنه وثوبه طاهرين من الخبث، وأوجب عليه أن يكون بدنه طاهراً من الحدث، فجعل الطهارة لازمة من هذين الأمرين، فهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى هذين القسمين، فأما الخبث فهو العين المستقذرة شرعاً، كالدم والبول ونحوهما، مما يأتي بيانه، وقد ذكرنا لك أن الخبث يصيب البدن والثوب والمكان، ثم إن الطهارة من الخبث تنقسم بالاعتبار الثاني، وهو ما جعلت وصفاً له، إلى قسمين: أصلية. وعارضة. فأما الأصلية فهي القائمة بالأشياء الطاهرة بأصل خلقتها، كالماء والتراب والحديد والمعادن وغيرها مما يأتي في مبحث الأعيان الطاهرة، فإن هذه الأشياء موصوفة بالطهارة بأصل خلقتها، وأما الطهارة العارضة فهي النظافة من النجاسةالتي أصابت هذه الأعيان، وسميت عارضة، لأنها تعرض بسبب المطهرات المزيلات لحكم الخبث من ماء وتراب وغيرهما، مما يأتي بيانه في مبحث إزالة النجاسة، وأما الحدث فهو صفة اعتبارية أيضاً، وصف بها الشارع بدن الإنسان كله عند الجنابة، أو بعض أعضاء البدن بسبب ناقض الوضوء من ريح وبول ونحوهما، ويقال للأول: حدث أكبر، والطهارة منه تكون بالغسل، ويتبعه الحيض والنفاس، فإن الشارع اعتبرهما صفة قائمة بجميع البدن تمنع من الصلاة وغيرها مما يمنعه الحدث الأكبر قبل الغسل، ويقال للثاني: حدث أصغر. والطهارة منه تكون بالوضوء. وينوب عن الغسل والوضوء التيمم، عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله. فلنتكلم في كل ما يتعلق بهذا على الترتيب الآتي:[مبحث الأعيان الطاهرة]قد عرفت من تقسم الطهارة أنها تنقسم إلى طهارة من الخَبث. وطهارة من الحدث. وعرفت أن الخَبث عند الفقهاء هو العين النجسة فلنذكر لك أمثلة من الأعيان النجسة. والأعيان الطاهرة التي تقابلها. ثم نذكر لك ما يعفى عنه من النجاسة وكيفية تطهيرها. ولنبدأ بذكر الأعيان الطاهرة. لأن الأصل في الأشياء الطهارة ما لم تثبت نجاستها بدليل.
والأشياء الطاهرة كثيرة:
منها الإنسان سواء كان حياً أو ميتاً.
كما قال تعالى:
{ولقد كرَمنا بني آدم} . أما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} فالمراد به النجاسة المعنوية التي حكم بها الشارع، وليس المراد أن ذات المشرك نجسه كنجاسة الخنزير. ومنها الجماد. وهو كل جسم لم تحله الحياة. ولم ينفصل عن حيّ. وينقسم إلى قسمين: جامد ومائع فمن الجامد جميع أجزاء الأرض ومعادنها. كالذهب والفضة. والنحاس. والحديد. والرصاص ونحوها. ومنه جميع أنواع النبات. ولو كان مخدراً ويقال له: المفسد. وهو ما غيبَ العقل دون الحواس من غير نشوة وطرب. كالحشيشة والأفيون. أو كان مرقداً. وهو ما غيبَ العقل والحواس معاً كالداتورة والبنج. أو كان يضر العقل أو الحواسَ أو غيرها. ومن المائع: المياه. الزيوت. وعسل القصب. وماء الأزهار والطيب والخل. فهذه كلها من الجماد الطاهر. ما لم يطرأ عليها ما ينجسها. ومنها دمع كل شيء حي وعرقه ولعابه ومخاطه. على تفصيل المذاهب (1)
(1) (الشافعية قالوا: بطهارة هذه الأشياء إذا كانت من حيوان طاهر، سواء كان مأكول اللحم أو لا. وقالوا بطهارة سم الحية والعقرب.
المالكية قالوا: اللعاب هو ما يسيل من الفم حال اليقظة أو النوم. وهذا طاهر بلا نزاع. أما ما يخرج من المعدة إلى الفم فإنه نجس. ويعرف بتغير لونه أو ريحه. كأن يكون أصفر. ونتناً فإذا لازم عفي عنه وإلا فلا.
=الحنابلة قالوا: بطهارة الدمع والعرق واللعاب والمخاط. سواء كانت من حيوان يؤكل أو من غيره. بشرط أن يكون ذلك الغير مثل الهرَّة أو أقل منها. وأن لا يكون متولداً من النجاسة.
الحنفية قالوا: حكم عرق الحي ولعابه حكم السؤر طهارة ونجاسة. وستعرفه بعد.
*************************************
ومنها بيضه الذي لم يفسد ولبنه إذا كان آدمياً أو مأكول اللحم، أما نفس الحيوان الحيّ، سواء كان إنساناً أو غيره فإنه طاهر بحسب خلقته، إلا بعض أشياء مفصلة في المذاهب (1)ومنها البلغم والصفراء. والنخامة، ومنها مرارة الحيوان المأكول اللحم بعد تذكيته الشرعية والمراد بها الماء الأصفر الذي يكون داخل الجلدة المعروفة، فهذا الماء الطاهر وكذلك جلدة المرارة (2) ، لأنها جزء من الحيوان المذكى تابع له في طهارته. ومنها ميتة الحيوان البحري. ولو طالت حياته في البِّر كالتمساح (3) ،والضفدع، والسلحفاة البحرية، ولو كان على صورة الكلب أو الخنزير أو الآدمي. سواء مات في البر أو في البحر. وسواء مات حتف أنفه أو بفعل فاعل. لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان.
ودمان:
السمك والجراد. والكبد والطحال"
. ومنها ميتة الحيوان البري الذي ليس له دم يسيل. كالذباب والسوس والجراد والنمل والبرغوث (4)ومنها الخمر إذا صارت خلاًّ. على تفصيل في المذاهب (5)



(1) (الشافعية. والحنابلة قالوا: هذه الأشياء هي: الكلب. والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما مع غيره. وزاد الحنابلة على ذلك ما لا يؤكل لحمه إذا كان أكبر من الهرّ في خلقته.
الحنفية قالوا: ليس في الحيوان نجس إلا الخنزير فقط.
المالكية قالوا: لا شيء في الحيوان نجس العين مطلقاً، فالكلب والخنزير وما تولد منهما طاهرة جميعها.
(2) (الشافعية قالوا: بنجاسة ماء المرارة المذكورة، وجلدتها متنجسة به، وتطهر بغسلها؛ كالكرش. فإن ما فيه نجس وهو نفسه متنجس به. ويطهر بغسله.
الحنفية قالوا: إن حكم مرارة كل حيوان حكم بوله. فهي نجسة نجاسة مغلظة في نحو ما لا يؤكل لحمه، ومخففة في مأكول اللحم. والجلدة تابعة للماء الذي فيها)
(3) (الشافعية. والحنابلة: استثنوا من ميتة الحيوان البحري أشياء: منها التمساح والضفدع. والحية. فإنها نجسة. وما عداها من البحر فهو طاهر)
(4) (الشافعية قالوا: بنجاسة الميتة المذكورة ما عدا الجراد.
الحنابلة قيدوا طهارة الميتة المذكورة بعدم تولدها من نجاسة. كدود الجرح)
(5) (المالكية قالوا: إن الخمر تطهر إذا صارت خلاً أو تحجرت. ولو كان كل منها بفعل فاعل، ما لم يقع فيها نجاسة قبل تخللها. ويطهر إناؤها تبعاً لها.==الحنفية قالوا: إن الخمر تطهر ويطهر إناؤها تبعاً لها إذا استحالت عينها. بأن صارت خلاً. حيث يزول عنها وصف الخمرية وهي المرارة والإسكار. ويجوز تخليلها. ولو بطرح شيء فيها. كالملح. والماء. والسمك وكذا بإيقاد النار عندها. وإذا اختلط الخمر بالخل وصار حامضاً طهر وإن غلب الخمر، ولو وقعت في العصير فأرة وأخرجت قبل التفسخ، وترك حتى صار خمراً: ثم تخللت. أو خللها أحد طهرت.
الشافعية قالوا: لا تطهر الخمر إلا إذا صارت خلاً بنفسها، بشرك أن لا تحلَّ فيها نجاسة قبل تخللها، وإلا فلا تطهر، ولو نزعت النجاسة في الحال، وبشرط أن لا يصاحبها طاهر إلى التخلل، إذا كان مما لا يشق الاحتراز عنه، لأنه يتنجس بها، ثم ينجسها، وأما الطاهر الذي يشق الاحتراز منه، كقليل بذر العنب، فإنه يطهر تبعاً لها، كما يطهر إناؤها تبعاً لها.
الحنابلة قالوا: تطهر الخمر إذا صارت خلاً بنفسها، ولو بنقلها من شمس إلى ظل: أو عكسه أو من غير إناء لآخر بغير قصد التخليل، ويطهر إناؤها تبعاً لها، ما لم يتنجس بغير المتخللة، من خمر أو غيره، فإنه لا يطهر.
وحاصل هذا أن المالكية. والحنفية اتفقوا على طهارة الخمر إذا صارت خلاً، سواء تخللت بنفسها أبو بفعل فاعل، واختلفوا فيما إذا وقعت فيها نجاسة قبل تخللها فالمالكية يقولون: إنها لا تطهر بالتخلل في هذه الحالة، والحنفية يقولون: إذا أخرجت النجاسة قبل تفسخها: ثم تخللت فإنها تطهر. والشافعية والحنابلة: اتفقوا على أنها لا تطهر إلا إذا تخللت بنفسها. أما إذا خللها أحد فإنها لا تطهر، واتفقوا على أنها إذا وقعت بها نجاسة قبل التخلل فإنها لا تطهر بالتخلل.

ابوالوليد المسلم 13-06-2019 06:06 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
[كتاب الطهارة]
صـــــ 11 الى صـــــــــ14

الحلقة (4)


ومنها مأكول اللحم المذكى ذكاة شرعية. ومنها الشعر والصوف والوبر والريش من حي مأكول أو غير مأكول أو ميتتهما. سواء أكانت متصلة أو منفصلة بغير نتف على تفصيل المذاهب (1)
----------------------------------------------------------------
(1) (المالكية قالوا: بطهارة جميع الأشياء المذكورة من أي حيوان. سواء أكان حياً أم ميتاً. مأكولاً أم غير مأكول. ولو كلباً أو خنزيراً. وسواء أكانت متصلة أم منفصلة. بغير نتف كجزّها أو حلقها أو قصها أو إزالتها بنحو النورة؛ لأنها لا تحلها الحياة. أما لو أزيلت بالنتف فأصولها نجسة والباقي طاهر. وقالوا: بنجاسة قصبة الريش من غير المذكى. أما الزغب النابت عليها الشبيه بالشعر. فهو طاهر مطلقاً.
الحنفية وافقوا المالكية: في كل ما تقدم إلا في الخنزير، فإن شعره نجس، سواء كان حياً أو ميتاً، متصلاً أو منفصلاً، وذلك لأنه نجس العين.
الشافعية قالوا بنجاسة الأشياء المذكورة إن كانت من حيٍّ غير مأكول، إلا شعر الآدمي فإنه طاهر، أو كانت من ميتة غير الآدمي، فإن كانت الأشياء المذكورة من حيٍّ مأكول اللحم فهي طاهرة إلاإذا انفصلت بنتف وكانت في أصولها رطوبة أو دم، أو قطعة لحم لا تقصد، أي لا قيمة لها في العرف، فإن أصولها متنجسة وباقيها طاهر، فإن انفصل منها عند النتف قطعة لحم لها قيمة في العرف، فهي نجسة تبعاً.
الحنابلة قالوا بطهارة الأشياء المذكورة إذا كانت من حيوان مأكول اللحم، حياً كان أو ميتاً، أو من حيوان غير مأكول اللحم مما يحكم بطهارته في حال حياته، وهو ما كان قدر الهرة فأقل، ولم يتولد من نجاسة، وأصول تلك الأشياء المغروسة في جلد الميت نجسة، ولم لم تنفصل عنها، وأما أصولها من الحي الطاهر فهي طاهرة، إلا إذا انفصلت بالنتف، فتكون تلك الأصول نجسة، ويكون الباقي طاهراً.
************************************************** ******************************************
[مبحث الأعيان النجسة وتعريف النجاسة]
قد ذكرنا في تعريف الطهارة تعريف النجاسة مجملاً عند بعض المذاهب، لمناسبة المقابلة بينهما، وغرضنا الآن بيان الأعيان النجسة المقابلة للأعيان الطاهرة، وهذا يناسبه بيان معنى النجاسة لغة واصطلاحاً في المذاهب.فالنجاسة في اللغة: اسم لكل مستقذر، وكذلك النجس "بكسر الجيم وفتحها وسكونها"، والفقهاء، يقسمون النجاسة إلى قسمين: حكمية. وحقيقية، وفي تعريفهما اختلاف في المذاهب (1) ، على أنهم يخصون النجس "بالفتح" بما كان نجساً لذاته، فلا يصح إطلاقه على ما كانت نجاسته عارضة، وأما النجس "بالكسر" فإنه يطلق عندهم على ما كانت نجاسته عارضة أو ذاتية، فالدم يقال له: نجس ونجس "بالفتح والكسر" والثوب المتنجس يقال له: نجس "بالكسر" فقط. أما الأعيان النجسة فكثيرة (2) : منها ميتة الحيوان البِّري غير الآدمي، إذا كان له دمٌ ذاتي يسيل عند جرحه، بخلاف ميتة الحيوان البحري، فإنها طاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه الحلُّ ميتته"، وبخلاف ميتة الآدمي، فإنها طاهرة كما تقدم وبخلاف ميتة الحيوان البرّي الذي ليس له دم ذاتي يسيل عند جرحه، كالجراد، فإنها طاهرة.
----------------------------------------
(1) الحنابلة عرفوا النجاسة الحكمية بأنها الطارئة على محل طاهر قبل طروِّها، فيشمل النجاسة التي لها جرم وغيرها، متى تعلقت بشيء طاهر، وأما النجاسة الحقيقية، فهي عين النجس "بالفتح".
الشافعية: عرّفوا النجاسة الحقيقية بأنها التي لها جرم أو طعم أو لون أو ريح، وهي المراد بالعينية عندهم، والنجاسة الحكمية بأنها التي لا جرم لها ولا طعم ولا لون ولا ريح، كبول جف ولم تدرك له صفة، فإنه نجس نجاسة حكمية.
المالكية قالوا: النجاسة العينية هي ذات النجاسة، والحكمية أثرها المحكوم على المحل به.
الحنفية قالوا: إن النجاسة الحكمية هي الحدث الأصغر والأكبر، وهو وصف شرعي يحل بالأعضاء أو البدن كله يزيل الطهارة. والحقيقية؟؟ هي الخبث، وهو كل عين مستقذرة شرعاً.
(2) الشافعية قالوا: بنجاسة ميتة ما لا نفس له سائلة، إلا ميتة الجراد، ولكن يعفى عنها إذا وقعشيء منها بنفسه في الماء أو المائع فإنه لا ينجسه إلا إذا تغير، أما إذا طرحه إنسان أو حيوان أو تغير ما وقع فيه فإنه ينجس، ولا يعفى عنه.

************************************************** **
ومنها أجزاء الميتة التي تحلها الحياة "وفي بيانها تفصيل المذاهب" (1) ، وكذا الخارج من نحو دم. ومخاط وبيض. ولبن وأنفحة، على تفصيل (2) ، ومنها الكلب. والخنزير (3) ، وما تولد منهما أو من أحدهما، ولو مع غيره.
__________________________________
(1) المالكية قالوا: إن أجزاء الميتة التي تحلها الحياة هي اللحم والجلد والعظم والعصب ونحوها، بخلاف نحو الشعر والصوف والوبر وزغب الريش، فإنها لا تحلها الحياة فليست بنجسة.
الشافعية قالوا: إن جميع أجزاء الميتة من عظم ولحم وجلد وشعر وريش ووبر غير ذلك نجس، لأنها تحلها الحياة عندهم.
الحنفية قالوا إن لحم الميتة وجلدها مما تحله الحياة، فهما نجسان، بخلاف نحو العظم والظفر والمنقار والمخلب والحافر والقرن والظلف والشعر، إلا شعر الخنزير فإنها طاهرة لأنها لا تحلها الحياة، لقوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة: "إنما حرم أكلها" وفي رواية "لحمها" فدل على أن ما عدا اللحم لا يحرم، فدخلت الأجزاء المذكورة ما لم تكن بها دسومة، فإنها تكون متنجسة بسبب هذه الدسومة، والعصب فيه روايتان: المشهور أنه طاهر، وقال بعضهم: الأصح نجاسته.
الحنابلة قالوا إن جميع أجزاء الميتة تحلها الحياة فهي نجاسة إلا الصوف والشعر والوبر والريش، فإنها طاهرة، واستدلوا على طهارتها بعموم قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين} ، لأن ظاهرها يعم حالتي الحياة والموت، وقيس الريش على هذه الثلاثة.
(2) الحنفية قالوا بطهارة ما خرج من الميتة من لبن وأنفحة وبيض رقيق القشرة أو غليظها ونحو ذلك مما كان طاهراً حال الحياة.
الحنابلة قالوا: بنجاسة جميع الخارج منها، إلا البيض الخارج من ميتة ما يؤكل إن تصلب قشره.
الشافعية قالوا: بنجاسة جميع الخارج منها إلا البيض إذا تصلب قشره، سواء كان من ميتة ما يؤكل لحمه أو غيره، فإنه طاهر.
المالكية قالوا بنجاسة جميع الخارج من الميتة.
(3) المالكية قالوا: كل حيٍّ طاهر العين، ولو كلباً. أو خنزيراً، ووافقهم الحنفية على طهارة عين الكلب ما دام حياً، على الراجح، إلا أن الحنفية قالوا بنجاسة لعابه حال الحياة تبعاً لنجاسة لحمه بعد موته، فلو وقع في بئر وخرج حياً ولم يصب فمه الماء لم يفسد الماء، وكذا لو انتفض من بلله فأصاب شيئاً لم ينجسه.

ابوالوليد المسلم 13-06-2019 06:07 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
[كتاب الطهارة]
صـــــ 14 الى صـــــــــ16

الحلقة (5)

أمَّا دليل نجاسة الكلب فما رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات، وأمَّا نجاسة الخنزير فبالقياس على الكلب، لأنه أسوأ حالاً منه، لنص الشارع على تحريمه وحرمة اقتنائه.ومنها ما يرشح من الكلب والخنزير من لعاب ومخاط وعرق ودمع (1) ، ومنها الدم بجميع أنواعه، إلا الكبد. والطحال فإنهما طاهران للحديث المتقدم، وكذا دم الشهيد ما دام عليه، والمراد بالشهيد شهيد القتال الآتي بيانه في مباحث الجنازة، وما بقي في لحم المذكاة أو عروقها. ودم السمك والقمل والبرغوث ودم الكنان، وهي "دويبة حمراء شديدة اللسع" فهذه الدماء طاهرة، وهناك دماء أخرى طاهرة في بعض المذاهب (2) .ومنها القيح، وهو المِذة التي لا يخالطها دم، ومنها الصديد، وهو ماء الجرح الرقيق المختلط بدم، وما يسيل من القروح ونحوها (3) ، ومنها فضلة الأدمي من بول وعذرة، وإن لم
_______________________________
(1) المالكية قالوا: كل ذلك طاهر، لقاعدة: أن كل حيٍّ وما رشح منه طاهر.
(2) المالكية قالوا: الدم المسفوح نجس بلا استثناء، ولو كان من السمك، والمسفوح هو "السائل من الحيوان"، أمَّا غير المسفوح، كالباقي في خلال لحم المذكاة أو عروقها فطاهر.
الشافعية قالوا بنجاسة جميع الدماء إلا أربعة أشياء: لبن المأكول إذا خرج بلون الدم. والمنّي إذا خرج بلون الدم أيضاً، وكان خروجه من طريقة المعتاد، والبيض إذا استحال لونه إلى لون الدم، بشرط أن يبقى صالحاً للتخلق. ودم الحيوان إذا انقلب علقة أو مضغة، بشرط أن يكون من حيوان طاهر.
الحنفية قالوا بطهارة الدم الذي يسل من الإنسان أو الحيوان. وبطهارة الدم إذا استحال إلى مضغة، أما إذا استحال إلى علقة فهو نجس.
(3) الحنفية قالوا: إن ما يسيل من البدن غير القيح والصديد، إن كان لعلة ولو بلا ألم فنجس وإلا فطاهر، وهذا يشمل النفط، وهي "القرحة التي امتلأت وحان قشرها". وماء السرة وماء الأذن. وماء العين، فالماء الذي يخرج من العين المريضة نجس، ولو خرج من غير ألم، كالماء الذي يسيل بسبب الغرب، وهو "عرق في العين يوجب سيلان الدمع بلا ألم".
الشافعية قالوا: قيدوا نجاسة السائل من القروح "غير الصديد والدم" بما إذا تغير لونه أو ريحه وإلا فهو طاهر، كالعرق.

**********************
تتغير عن حالة الطعام، ولو كان الأدمي صغيراً لم يتناول الطعام "ومنها فضلة ما لا يؤكل لحمه مما له دم يسيل، كالحمار. والبغل (1) ، أمَّا فضلة ما يؤكل لحمه ففيها خلاف المذاهب (2) .ومنها منيُّ الآدمي وغيره (3) ؛ وهو ماء يخرج عند اللذة بجماع ونحوه، وهو من الرجل عند اعتدال مزاجه أبيض غليظ، ومن المرأة أصفر رقيق، قالوا: ولا ينفصل ماء المرأة، بل يوجد داخل الفرج، وربما ظهر أثره في الذكر، أما الذين ينكرون منّي المرأة، ويدعون أن الذي يحس من المرأة رطوبة الفرج، فإنهم ينكرون المحس البديهي؛ ومنها المذي (4) والودي،
______________________________________
(1) الحنفية قالوا: فضلات غير مأكول اللحم فيها تفصيل، فإن كانت مما يطير في الهواء كالغراب، فنجاستها مخففة، وإلا فمغلظة، غير أنه يعفى عما يكثر منها في الطرق من روث البغال والحمير دفعا للحرج.
(2) الشافعية قالوا: بنجاسة مأكول اللحم أيضاً بلا تفصيل. الحنفية قالوا: إن فضلات مأكول اللحم نجسة نجاسة مخففة، إلا أنهم فصَّلوا في الطير، فقالوا: إن كان مما يذرق "ذرق الطائر خرؤه" في الهواء، كالحمام والعصفور، ففضلته طاهرة وإلا فنجسته نجاسة مخففة كالدجاج والبط الأهلي والأوز "عند الصاحبين" ومغلظة "عند الإمام".
المالكية قالوا بطهارة فضلة ما يحل أكل لحمه، كالبقر والغنم إذا لم يعتد التغذي بالنجاسة، أما إذا اعتاد ذلك يقيناً أو ظناً ففضلته نجسة، وإذا شك في اعتياده ذلك، فإن كان شأنه التغذي بها كالدجاج، ففضلته نجسة، وإن لم يكن شأنه ذلك، كالحمام، ففضلته طاهرة.
الحنابلة قالوا بطهارة فضلات ما يؤكل لحمه، ولو أكل النجاسة ما لم نكن أككثر طعامه وإلا ففضلته نجسة، وكذا لحمه، فإن منع من أكلها ثلاثة أيام لا يتناول فيها إلا غذاء طاهراً ففضلته بعد الثلاثة طاهرة، وكذا لحمه) .
(3) الشافعية قالوا: بطهارة منّي الآدمي حياً وميتاً، إن خرج بعد استكمال السن تسع سنين، ولو خرج على صورة الدم إذا كان خروجه على هذه الحالة من طريقه المعتاد، وإلا فنجس، ودليل طهارته ما رواه البيهقي من أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المني يصيب الثوب فقال ما معناه: "إنما هو كالبصاق أو كالمخاط"، وقيس عليه منّي خرج من حيّ غير آدمي، لأنه أصل للحيوان الطاهر، إلا أنهم استثنوا من ذلك مني الكلب والخنزير وما تولد منهما. فقالوا بنجاسته تبعاً لأصله.
الحنابلة قالوا: إن منّي الآدمي طاهر إن خرج من طريقه المعتاد، دفقاً بلذة بعد استكمال السن تسع سنين للأنثى؛ وعشر سنين للذكر؛ ولو خرج على صورة الدم، واستدلوا على طهارته بقول عائشة رضي الله عنها: "وكنت أفرك المنّي من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه" أما منّي غير الآدمي فإن كان من حيوان مأكول اللحم فطاهر، وإلا فنجس.
(4) الحنابلة قالوا بطهارة المذي والودي إذا كانا من مأكول اللحم) .

**************************
والمذي: ماء رقيق يخرج من القبُل عند الملاعبة ونحوها، والودي: ماء أبيض ثخين يخرج عقب البول غالباً.ومنها القيء والقلس، على تفصيل المذاهب (1) .ومنها البيض الفاسد من حيّ، على تفصيل في المذاهب (2)
_______________________________
(1) الحنفية قالوا: إن القيء نجس نجاسة مغلظة إذا ملأ الفم، بحيث لا يمكن إمساكه، ولو كان مرة أو طعاماً أو ماء أو علقاً، وإن لم يكن قد استقر في المعدة ولو كان من صبي ساعة إرضاعه، بخلاف ماء فم النائم، فإنه طاهر، وبخلاف ما لو قاء دوداً قليلاً أو كثيراً صغيراً أو كبيراً، فإنه طاهر أيضاً، والقلس كالقيء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف وليتوضأ، وقد فصلوا في البلغم والدم المخلوط بالبزاق فقالوا: إن البلغم إذا خرج خالصاً ولم يختلط بشيء فإنه طاهر، وإذا خرج مخلوطاً بالطعام، فإن غلب عليه الطعام كان نجساً، وإن استوى معه، فيعتبر كل منهما على انفراده، بمعنى أنه إذا كان الطعام وحده يملأ الفم، فيكون حكمه حكم القيء، أما الدم المخلوط بالبزاق. فقالوا: إذا غلب البزاق عليه بأن كان الخارج أصفر فهو طاهر، وإن غلب الدم بأن كان أحمر، سواء كان الدم مساوياً أو غالباً فإنه نجس ولو لم يملأ الفم، وما اجترَّته الإبل والغنم نجس قلَّ أو أكثر.
واعلم أنه لو قاء مرات متفرقة في آن واحد، وكان القيء في كل واحدة منها لا يملأ الفم، ولكن لو جمع يملأ القم فإنه نجس.
المالكية: عرّفوا القيء بأنه طعام خارج من المعدة بعد استقراره فيها، فحكموا بنجاسته، بشرط أن يتغير عن حالة الطعام، ولو بحموضة فقط، بخلاف القلس، وهو الماء الذي تقذفه المعدة عند امتلائها، فإنه لا يكون نجساً إلا إذا شابه العذرة، ولو في أحد أوصافها، ولا تضر الحموضة وحدها، فإذا خرج الماء الذي تقذفه المعدة خحامضاً غير متغير لا يكون نجساً لخفة الحموضة وتكرر حصوله. وألحقوا بالقيء في النجاسة الماء الخارج إذا كان متغيراً بصفرة ونتن من المعدة، إلا أنه يعفى عنه إذا كان ملازماً، وذلك للمشقة.
الشافعية قالوا: بنجاسة القيء وإن لم يتغير، كأن خرج في الحال، سواء كان طعاماً أو ماء، بشرط أن يتحقق خروجه من المعدة، فإن شك في خروجه منها فالأصل الطهارة، وجعلوا منه الماء الخارج من فم النائم إن كان أصفر منتناً، ولكن يعفى عنه في حق من ابتلي به، وما تجترّه الإبل والغنم نجس، قل أو كثر.
الحنابلة قالوا: إن القلس والقيء نجسان بلا تفصيل.
(2) المالكية: ضبطوا الفاسد بأنه ما يتغير بعفونة أو زرقة أو صار دماً أو مضغة أو فرخاً ميتاً،بخلاف البيض الذي اختلط بياضه بصفاره، ويسمى بالممروق، وبخلاف ما فيه نقطة دم غير مسفوح، فإنهما طاهران، أما بيض الميتة فهو نجس، كما تقدم.
الشافعية ضبطوا الفاسد بأنه ما لا يصلح لأن يتخلق منه حيوان بعد تغيره، وليس منه ما اختلط بياضه بصفاره، وإن أنتن، وأما بيض الميتة فقد تقدم حكمه.
الحنابلة قالوا: إن البيض الفاسد ما اختلط بياضه بصفاره، مع التعفن، وصححوا طهارته، وقالوا: إن النجس من البيض ما صار دماً، وكذا ما خرج من حيّ إذا لم يتصلب قشره.
الحنفية قالوا: ينجس البيض إذا ما صار دماً، أما إذا تغير بالتعفن فقط، فهو طاهر، كاللحم المنتن.

*******************

ابوالوليد المسلم 16-06-2019 03:22 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 17 الى صـــــــــ21

الحلقة (6)


ومنها الجزء المنفصل (1) من حي ميتته نجسة إلا الأجزاء التي سبق استثناؤها في الميتة، وإلا المسك المنفصل من غزال حي، وكذا جلدته فإنهما طاهران، ومنها لبن حي لا يؤكل لحمه غير آدمي (2) ومنها رماد النجس المتحرق بالنار ودخانه (3) ، ومنها السكر المائع، سواء كان مأخوذاً من عصير العنب أو كان نقيع زبين أو نقيع تمر أو غير ذلك، لأن الله تعالى قد سمى الخمر رجساً، والرجس في العرف النجس، أما كون كل مسكر مائع خمراً فَلما رواه مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مسكرٍ خمر، وكلُّ مسكر حرام"، وإنما حكم الشارع بنجاسة المسكر المائع فوق تحريم شربه تنفيراً وتغليظاً وزجراً عن الاقتراب منه.
______________________________ _____
(1) الحنابلة استثنوا من المنفصل من حي ميتته نجسة شيئين حكموا بطهارتهما، وهما: البيض إذا تصلب قشره. والجزء المنفصل من الحيِّ الذي لا يقدر على ذكاته عند تذكيته الاضطرارية.
الشافعية قالوا بطهارة الشعر والوبر والصوف والريش إذا انفصل من حيوان حيّ مأكول اللحم ما لم ينفصل مع شيء منها قطعة لحم مقصودة، أي لها قيمة في العرف، فإن انفصلت قطعة لحم كذلك تنجست تبعاً لها. فإن شك في شيء من الشعر وما معه هل هو من طاهر أو من نجس؟ فالأصل الطهارة، وسبق أنهم حكموا بنجاسة جميع أجزاء الميتة ولم يستثنوا منها شيئاً.
(2) الحنفية قالوا بطهارة الألبان كلها من حي وميت مأكول وغير مأكول، إلا لبن الخنزير، فإنه نجس في حياته وبعد مماته.
الحنفية قالوا: بطهارتها، وكذا ما إذا صار النجس تراباً من غير حرق، فإنه يطهر.
(3) المالكية قالوا بطهارة الرماد ونجاسة الدخان على الراجح.

******************
[مبحث ما يعفى عنه من النجاسة]

إزالة النجاسة (1) عن بدن المصلي وثوبه ومكانه واجبة إلا ما عفي عنه، دفعاً للحرج والمشقة، قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ، وفي المعفو عنه تفصيل في المذاهب (2)
_____________________________
(1) المالكية ذكروا قولين مشهورين في إزالة النجاسة: أحدهما أنها تجب شرطاً في صحة الصلاة. ثانيهما: أنها سنة، وشرط وجوبها أو سنيتها أن يكون ذاكراً للنجاسة قادراً على إزالتها، فإن صلى أحد بالنجاسة وكان ناسياً أو عاجزاً عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين، ويندب له إعادة الظهر أو العصر إلى اصفرار الشمس، والمغرب أو العشاء إلى طلوع الفجر، والصبح إلى طلوع الشمس، أما إن صلى بها عامداً أو جاهلاً فصلاته باطلة على القول الأول، وصحيحة على القول الثاني، فتجب عليه إعادة الصلاة أبداً في الوقت أو بعده على القول الأول لبطلانها، ويندب له إعادتها أبداً على القول الثاني.
(2) المالكية عدوا من المعفو عنه ما يأتي:
-1 - ما يصيب ثوب أو بدن المرضعة من بول أو غائط رضيعها، ولو لم يكن وليدها إذا اجتهدت في التحرز عنهما حال نزولهما، ويندب لها إعداد ثوب للصلاة.
-2 - بلل الباسور إذا أصاب بدن صاحبه أو ثوبه كل يوم ولو مرة، وأما يده فلا يعفى عن غسلها إلا إذا كثر استعمالها في إرجاعه، بأن يزيد على مرتين كل يوم، وإنما اكتفى في الثوب والبدن بمرة واحدة في اليوم ولم يكتف في اليد إلا بما زاد على اثنتين، لأن اليد لا يشق غسلها إلا عند الكثرة، بخلاف الثوب والبدن.
-3 - سلس الأحداث، كبول أو غائط أو مذي أو ودي أو منيّ إذا سال شيء منها بنفسه، فلا يجب غسله عن البدن أو الثوب أو المكان الذي لا يمكن التحول عنه إلى مكان آخر إذا حصل شيء منها، ولو كل يوم مرة.
-4 - ما يصيب ثوب أو بدن الجزار ونازح المراحيض والطبيب الذي يعالج الجروح، ويندب لهم إعداد ثوب للصلاة.
-5 - ما يصيب ثوب المصلي أو بدنه أو مكانه من دمه أو دم غيره آدمياً كان أو غيره، ولو خنزيراً إذا كانت مساحته لا تزيد عن قدر الدرهم البغلي، وهو "الدائرة السوداء التي تكون في ذراع البغل" ولا عبرة بالوزن، ومثل الدم في ذلك القيح والصديد.
-6 - ما يصيب ثوبه أو بدنه أو مكانه من بول أو روث أو خيل أو بغال أو حمير إذا كان ممن يباشر رعيها أو علفها أو ربطها أو نحو ذلك، فيعفى عنه لمشقة الإحتراز.=
-7 - أثر ذباب أو ناموس أو نمل صغير يقع على النجاسة ويرفع شيئاً منها، فيتعلق برجله أو فمه ثم يقع على ثوبه أو بدنه لمشقة الاحتراز، أما أثر النمل الكبير، فلا يعفى عنه لندرته.
-8 - أثر دم موضع الحجامة بعد مسحه بخرقة ونحوها، فيعفى عنه إلى أن يبرأ فيغسله.
-9 - ما يصيب ثوبه أو رجله من طين المطر أو مائه المختلفط بنجاسة ما دام موجوداً في الطرق ولو بعد انقطاع المطر، فيعفى عنه بشروط ثلاثة:
أولاً: أن لا تكون النجاسة المخالطة أكثر من الطين أو الماء تحقيقاً أو ظناً.
ثانياً: أن لا تصيبه النجاسة بدون ماء أو طين.
ثالثاً: أن لا يكون له مدخل في الإصابة بشيء من ذلك الطين أو الماء، كأن يعدل عن طريق خالية من ذلك إلى طريق فيها ذلك، ومثل طين المطر ومائة الماء المرشوش بالطرق، وكذلك الماء الباقي في المستنقعات.
-10 - المدة السائلة من دمامل أكثر من الواحد، سواء سالت بنفسها أو بعصرها، ولو زاد على قدر الدرهم، وأما الدمل الواحد فيعفى عما سال منه بنفسه أو بعصر احيج إليه، فإن عصر بغير حاجة، فلا يعفى إلا عن قدر الدرهم.
-11 - خرء البراغيث ولو كثر، وإن تغذت بالدم المسفوح، فخرؤها نجس، ولكن يعفى عنه، وأما دمها، فإنه كدم غيرها لا يعفى منه عما زاد على قدر الدرهم البغلي، كما تقدم.
-12 - الماء الخارج من فم النائم إذا كان من المعدة، بحيث يكون أصفر منتناً، فإنه نجس ولكن يعفى عنه إذا لازم.
-13 - القليل من ميتة القمل، فيعفى منه عن ثلاث فأقلَّ.
-14 - أثر النجاسة على السبيلين بعد إزالة عين النجاسة بما يزيلها من حجر ونحوه، فيعفى عنه ولا يجب غسله بالماء ما لم ينتشر كثيراً، فإن انتشر تعين غسله بالماء، كما يتعين الماء في إزالة النجاسة عن قبل المرأة، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث الاستنجاء.
الحنفية قالوا: تنقسم النجاسة إلى قسمين: مغلظة. ومخففة. فالمغلظة "عند الإمام" هي ما ورد فيها نص لم يعارض بنص آخر، والمخففة "عنده" هي ما ورد فيها نص عورض بنص آخر كبول ما يؤكل لحمه، وذلك لأن حديث "استنزهوا من البول" يدل على نجاسة كل بول، وحديث العرنيين يدل على طهارة بول مأكول اللحم، فلما تعارض فيه الدليلان كانت نجاسته مخففةٍ.
أما حديث العرنيين فهو ما روي من أن قوماً من عرينة أتوا المدينة المنورة فلم توافقهم. فاصفرت ألوانهم وانتفخت بطونهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يخرجوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها فخرجوا وشربوا، فكان ذلك سبباً في شفائهم.
ويعفى في النجاسة المغلظة عن أمور: منها قدر الدرهم، ويقدّر في النجاسة الكثيفة بما يزن عشرين قيراطاً، وفي النجاسة الرقيقة بعرض مقعر الكف، ومع كونه يعفى عنه في صحة الصلاة، فإن نعم إزالة قدر الدرهم أكد من إزالة ما هو أقل منه، والمشهور عند الحنفية كراهة التحريم، ومنها بول الهرة والفأةر وخرؤهما فيما تظهر فيه حالة الضرورة، فيعفى عن خرء الفأرة إذا وقع في الحنطة ولم يكثر حتى يظهر أثره ويعفى عن بولها إذا سقط في البئر لتحقق الضرورة، بخلاف ما إذا أصاب أحدهما ثوباً أو إناء مثلاً، فإنه لا يعفى عنه لإمكان التحرز، ويعفى عن بول الهرة إذا وقع على نحو ثوب لظهور الضرورة، بخلاف ما إذا أصاب خرؤها أو بولها شيئاً غير ذلك، فإنه لا يعفى عنه، ومنها بخار النجس وغباره، فلو مرت الريح بالعذارات وأصابت الثوب لا يضر، وإن وجدت رائحتها به، وكذا لو ارتفع غبار الزبل، فأصاب شيئاً لا يضر، ومنها رشاش البول إذا كان رقيقاً، كرؤوس الإبر، بحيث لا يُرى، ولو ملأ الثوب أو البدن، فإنه يعتبر كالعدم للضرورة، ومثله الدم الذي يصيب القصاب "أي الجزار" فيعفى عنه في حقه للضرورة، فلو أصاب الرشاش ثوباً ثم وقع ذلك الثوب في ماء قليل تنجس الماء لعدم الضرورة حينئذ، ومثل هذا أثر الذباب الذي وقع على نجاسة ثم اصاب ثوب المصلي، فإنه يعفى عنه، ومنها ما يصيب الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الامتناع عنه ما دام في تغسيله، ومنها طين الشوارع ولو كان مخلوطاً بنجاسة غالبة ما لم يَرَعَينها، ويعفى في النجاسة المخففة عما دون ربع الثوب كله أو ربع البدن كله، وإنما تظهر الخفة في غير المائع، لأن المائع متى أصابته نجاسة تنجس لا فرق بين مغلظة ومخففة، ولا عبرة فيه لوزن أو مساحة.
ويعفى عن بعر الإبل والغنم إذا وقع في البئر أو في الإناء، ما لم يكثر كثرة فاحشة أو يتفتت فيتلون به الشيء الذي خالطه، والقليل المعفوُّ عنه هو ما يستقله الناظر إليه، والكثير عسكه، وأما روث الحمار وخثي البقر والفيل، فإنه يعفى عنه في حالة الضرورة والبلوى، سواء كان يابساً أو رطباً.
الشافعية قالوا: يعفى عن أمور: منها ما لا يدركه البصر المعتدل من النجاسة، ولو مغلظة، ومنها قليل دخان النجاسة المنفصل عنها بواسطة النار، بخلاف نحو البخار المنفصل بلا واسطة نار، فإنه طاهر، ومنها الأثر الباقي بالمحل بعد الاستنجاء بالحجر، فيعفى عنه بالنسبة لصاحبه دون غيره، فلو نزل في ماء قليل واصابه ذلك الأثر تنجس به، ومنها طين الشارع المختلط بالنجاسة المحققة، فإذا شك في نجاسة ذلك الطين أو ظن كان طاهراً لا نجساً معفواً عنه، وإنما يعفى عنه بشروط أربعة:
أولاً: أن لا تظهر عين النجاسة. ثانياً: أن يكون المار محترزاً عن إصابتها بحيث لا يرخي ذيل ثيابه ولا يتعرض لرشاش نحو سقاء. ثالثاً: أن تصيبه النجاسة وهو ماش أو راكب، أما إذا سقط على الأرض فتلوثت ثيابه فلا يعفى عنه لندرة الوقوع. رابعاً: أن تكون النجاسة في ثوب أو بدن، ومنها الخبز المسخن أو المدفون في الرماد النجس وإن تعلق به شيء من ذلك الرماد فإنه يعفى عنه ولو سهل فصله منه، وإذا وضع في لبن ونحوه وظهر أثره فيه أو أصاب نحو ثوب، فإنه يعفى عنه أيضا ومنها دود الفاكهة والجبن إذا مات فيها، فإن ميتته نجسة معفو عنها، وكذا الأنفحة التي تصلح الجبن، ومنها المائعات النجسة التي تضاف إلى الأدوية والروائح العطرية لإصلاحها، فإنه يعفى عن القدر الذي به الإصلاح، قياساً على الأنفحة المصلحة للجبن، ومنها الثياب التي تنشر على الحيطان المبنية بالرماد النجس، فإنه يعفى عما يصيبها من ذلك الرماد لمشقة الاحتراز، ومنها الصئبان الميت، وهو "فقس القمل"، ومنها روث الذباب وإن كثر، ومنها خرء الطيور في الفرش والرض بشروط ثلاثة:
أولاً: أن لا يتعمد المشي عليه. ثانياً: أن لا يكون أحد الجانبين رطباً إلا أن تكون ضرورة، كما إذا وجد في طريق رطبة يتعين المرور منها فإنه يعفى عنه مع الرطوبة والعمد. ثالثاً: أن لا يشق الاحتراز عنه، ومنها قليل تراب مقبرة منبوشة، ومنها قليل شعر نجس من غير كلب أو خنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما مع غيرهما، أما قليل الشعر من الكلب أو الخنزير فغير معفو عنه كما لا يعفى عن الكثير من شعر نجس من الكلب والخنزير إلا بالنسبة للقصاص والراكب لمشقة الاحتراز. ومنها روث سمك في ماء إذا لم يغيره ولم يوضع فيه عبثاً، ومنها الدم الباقي على اللحم أو العظم فإنه يعفى عنه إذا وضع اللحم أو العظم في القدر قبل غسل الدم، ولو تغير به المرق، فإن غسل الدم عن اللحم أو العظم قبل الوضع في القدر حتى انفصل الماء عنه صافياً فهو طاهر، وإن لم ينفصل الماء صافياً فهو نجس غير معفو عنه، ولا يضر بقاء بعض اللون لأنه لا يمكن قطعه، فيغسل الغسل المعتاد، ويعفى عما زاد، ومنها لعاب النائم المحقق كونه من المعدة بأن يكون أصفر أو منتناً يعفى عنه في حق صاحبه المبتلى به ولو كثر وسال، والمشكوك في كونه من المعدة محمول على الطهارة، ومنها جرة البعير ونحوه مما يجتر من الحيوانات، فإنه يعفى عنها إذا أصابت من يزاوله، كمن يقوده أو نحو ذلك، ومنها روث البهائم وبولها الذي يصيب الحب حين درسه، ومنها روث الفأر الساقط في حيضان المراحيض التي يستنجى منها، فإنه يعفى عنه إذا كان قليلاً ولم يغير أحد أوصاف الماء، ومنها الحمصة التي يتداوى بوضعها في العضو الملوثة بالنجاسة، فإنه يعفى عنها إذا تعينت طريقاً للتداوي، ومنها ما يصيب اللبن حال حلبه من روث المحلوبة أو من نجاسة على ثديها، ومنها ما يصيب العسل من بيوت النحل المصنوعة من طين مخلوط بروث البهائم، ومنها نجاسة فم الصبي إذا أصاب ثدي مرضعته عند رضاعه، أو أصاب فم من يقبِّله في فمه مع الرطوبة، ومنها مائع تنجس بموت ما سقط فيه مما لا دم له سائل؛ كنمل وزنبور ونحل ونحوها فيؤكل ذلك المائع المتنجس بما وقع ومات فيه منها إذا لم يتغير بما مات فيه ولم يطرحه غير الهواء ولو بهيمة، ومنها أثر الوشم من دم خرج من العضو ووضع عليه نيلة ونحوها حتى صار أخضر أو أزرق، ومعنى الوشم "غرز الجلد بالإبرة ونحوها حتى يبرز الدم" فيعفى عن الأثر الأخضر أو الأزرق الباقي في محله إذا كان لحاجة لا ينفع فيها غيره، أو كان وقت فعل الوشم غير مكلف، أو كان مكلفاً ولم يقدر في محله إذا كان لحاجة لا ينفع فيها غيره، أو كان وقت فعل الوشم غير مكلف، أو كان مكلفاً ولم يقدر على إزالته إلا بضرر يباح بسببه التيمم، ومنها الدم، على التفصيل الآتي، وهو: أولاً: الدم اليسير الذي لا يدركه البصر المعتدل، وهذا معفو عنه، ولو كان دم نجس نجاسة مغلظة كالكلب والخنزير. ثانياً: ما يدركه البصر المعتدل، وهذا إن كان من كلب أو خنزير أو نحوهما، فإنه لا يعفى عنه مطلقاً، وإن لم يكن كذلك، فإما أن يكون دم أجنبي. أو دم نفسه، فإن كان دم أجنبي فيعفى عن القليل منه ما لم يلطخ به نفسه ولم يختلط بأجنبي غير ضروري، وهذا في غير دم البراغيث ونحوها من كل ما لا دم له سائل، أم دم البراغيث ونحوها فيعفى عن كثيرها بشروط ثلاثة: أولاً: أن لا يكون بفعله أو فعل غيره ولو غير مكلف مع رضاه، وإلا عفي عن القليل فقط - ثانياً: أن لا يختلط بأجنبي لا يشق الاحتراز عنه، وإلا فلا عقو إلا عن القليل - ثالثاً: أن يصيب الدم ملبوساً يحتاجه ولو للتجمل، أما إذا كان دم نفسه فإن كان خارجاً من المنافذ الأصلية، كالأنف والأذن والعين، فالمعتمد العفو عن القليل، وإن لم يكن من المنافذ، كدم البثرات والدمامل والفصد. فيعفى عن الكثير بشروط: - الأول: أن لا يكون بفعل الشخص نفسه، كأن يعصر دمله، وإلا عفي عن القليل فقط في غير الفصد والحجامة، أما هما فيعفى عن الكثير ولو بفعله. - الثاني: أن لا يجاوز الدم محله - الثالث: أن لا يختلط بأجنبي غير ضروري، كالماء، ومحل العفو في حق الشخص نفسه، أما لو حمله غيره أو قبض على شيء متصل به، فلا يعفى في القلة والكثرة العرف، فإن شك في القلة والكثرة، فالأصل العفو.
الحنابلة قالوا: يعفى عن أمور: منها يسير دم وقيح وصديد، واليسير هو ما يعدّه الإنسان في نفسه يسيراً، وإنما يعفى عن اليسير إذا أصاب غير مائع ومطعوم، أما إذا أصابهما فلا يعفى عنه، بشرط أن يكون ذلك من حيوان طاهر حال حياته ومن غير قبُل ودبر، وإذا أصاب الدم أو غيره مما ذكر ثوباً في مواضع منه فإنه يضم بعضه إلى بعض، فإن كان المجموع يسيراً عفي عنه، وإلا فلا، ولا يضم ما في ثوبين أو أكثر، بل يعتبر كل ثوب على حدة، ومنها أثر استجمار بمحله بعد الإنقاء واستيفاء العدد المطلوب في الاستجمار، وسيأتي، ومنها يسير سلس بول بعد تمام التحفظ لمشقة التحرز، ومنها دخان نجاسة وغبارها ما لم تظهر له صفة، ومنها ماء قليل تنجس بمعفو عنه، ومنها النجاسة التي تصيب عين الإنسان ويتضرر بغسلها، ومنها اليسير من طين الشارع الذي تحققت نجاسته بما خالطه من النجاسة.
*********************

ابوالوليد المسلم 16-06-2019 03:22 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 22 الى صـــــــــ
26
الحلقة (7)


[مبحث فيما تزال به النجاسة وكيفية إزالتها]

يزيل النجاسة أمور: منها الماء الطهور، ولا يكفي في إزالتها الطاهر (1) ، وسيأتي بيان الطهور والطاهر في أقسام المياه، بعد هذا المبحث.
______________________________
(1) الحنفية قالوا: إن الماء الطاهر -غير الطهور- ومثل الطهور في إزالة النجاسة، كما تقدم وكذا المائع الطاهر الذي إذا عصر انعصر، كالخل وماء الورد، فهذه الثلاثة يطهر بها كل متنجس بنجاسة مرئية أو غير مرئية، ولو غليظة، سواء كان ثوباً أو بدناً أو مكاناً.
*************
وتطهير محل النجاسة به له كيفيات مختلفة في المذاهب (1)

(1) الحنفية قالوا: يطرهر الثوب المتنجس بغسله ولو مرة، متى زالت عين النجاسة المرئية، ولكن هذا إذا غسل في ماء جار أو صب عليه الماء، أما إذا غسل في وعاء، فإنه لا يطهر إلا بالغسل ثلاثاً، بشرط أن يعصر في كل واحدة منها، وإذا صبغ الثوب بنجس يطهر بانفصال الماء عنه صافياً ولو بقي اللون، إذ لا يضر بقاء الأثر، كلون أو ريح في محل النجاسة إذا شق زواله والمشقة في ذلك هي أن يحتاج في إزالته لغير الماء، كالصابون ونحوه، ومن ذلك الاختضاب بالحناء المتنجسة، فإذا اختضب أحد بالحناء المتنجسة طهرت بانفصال الماء صافياً، ومثل ذلك الوشم، فإنه إذا غرزت الإبرة في اليد أو الشفة مثلاً حتى برز الدم، ثم وضع مكان الغرز صبغ والتأم الجرح عليه تنجس ذلك الصبغ، ولا يمكن إزالة أثره بالماء فتطهيره يكون بسله حتى ينفصل الماء صافياً ولا يضر أثر دهن متنجس، بخلاف شحم الميتة، لأن عين النجاسة، أما النجاسة غير المرئية فإنها تطهر إذا غلب على ظن الغاسل طهارة محلها بلا عدد، ويقدر لموسوس بثلاث غسلات يعصر الثوب في كل واحدة منها، ويطهر المكان "وهو الأرض" بصب الماء الطاهر عليها ثلاثاً، وتجفف كل مرة بخرقة طاهرة، وإذا صب عليها ماء كثير، بحيث لا يترك للنجاسة أثراً طهرت، وتطهر الأرض أيضاً باليبس، فلا يجب في تطهيرها الماء، ويطهر البدن بزوال عين النجاسة في المرئية، وبغلبة الظن في غيرها، أما الأواني المتنجسة فهي على ثلاثة أنواع: فخار وخشب وحديد، ونحوه، وتطهيرها على أربعة أوجه: حرق. ونحت. ومسح. وغسل، فإذا كان الإناء من فخار، أو حجر، وكان جديداً، ودخلت النجاسة في أجزائه فإنه يطهر بالحرق، وإن كان عتيقاً يطهر بالغسل على الوجه السابق، وإن كان من خشب، فإن كان جديداً يطهر بالنحت وإن كان قديماً يطهر بالغسل، وإن كان من حديد أو نحاس أو رصاص أو زجاج، فإن كان صقيلاً يطهر بالمسح، وإن كان خشناً غير صقيل يطهر بالغسل.

وأما المائعات المتنجسة، كالزيت. والسمن، فإنها تطهر بصب الماء عليها ورفعه عنها ثلاثاً، أو توضع في إناء مثقوب، ثم يصب عليه الماء فيعلوا الدهن، ويحركه ثم يفتح الثقب إلى أن يذهب الماء.
هذا إذا كان مائعاً، فإن كان جامداً يقطع منه المتنجس ويطرح، ويطهر العسل بصب الماء عليه وغليه - حتى يعود كما كان - ثلاثاً.
ويطهر الماء المتنجس بجريانه، بأن يدخل من جانب ويخرج من جانب آخر، فإذا كان في قناة ماء نجس ثم صب عليه ماء طاهر في ناحية منها حتى امتلأت وسال من الناحية الأخرى كان ماء جارياً طاهراً، ولا يشترط أن يسيل منه مقدار يوازي الماء الذي كان فيها، ومثل ذلك ما إذا كان الماء المتنجس في طشت أو قصعة، ثم صب عليه ماء طاهر حتى سال الماء من جوانبه فإنه يطهر على الراجح، وإن لم يخرج مثل المتنجس، وكذلك البئر وحوض الحمام فإنهما يطهران بمثل ذلك، وبذلك يصير الماء طهوراً وزادوا مطهرات أخرى: منها الدلك، وهو أن يمسح المتنجس على الأرض مسحاً قوياً، ومثل الدلك الحت، وهو القشر باليد أو العود "الحك" ويطهر بذلك الخف والنعل، بشرط أن تكون النجاسة ذات جرم، ولو كانت رطبة، وهي ما ترى بعد الجفاف كالعذرة والدم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه، فإن كان بهما أذى فيمسحهما بالأرض، فإن الأرض لهما طهورا" أما إذا كانت النجاسة ليست ذات جرم، فإنه يجب غسلها بالماء. ولو بعد الجفاف، ومنها المسح الذي يزول به أثر النجاسة، ويطهر به الصقيل الذي لامسام له، كالسيف. والمرآة. والظفر. والعظم. والزجاج. والآنية المدهونة. ونحو ذلك منها مسح محل الحجامة بثلاث خرق نظاف مبلولة. ومنها الجفاف بالشمس أو الهواء؛ وتطهر به الأرض، وكل ما كان ثابتاً فيها، كالشجر والكلأ، بخلاف نحو البساطط والحصير، وكل ما يمكن نقله فإنه لا يطهر إلا بالغسل، وإنما طهرت الرض باليبس لقوله صلى الله عليه وسلم: "ذكاة الأرض يبسها"، فتصح الصلاة عليها، ولكن لا يجوز منها التيمم، وذلك لأن طهارتها لا تستدعي طهوريتها، ويشترط في التيمم طهورية التراب. كما يشترط في الوضوء طهورية الماء، ومنها الفرك، ويطهر به منّي يابس، أما الرطب فإنه يجب غسله لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "فاغسليه إن كان رطباً، وافركيه إن كان يابساً" ولا يضر بقاء أثره بعد الفرك، وإنما يطهر بالفرك إذا نزل من مستنج بماء لا بحجر، لأن الحجر لا يزيل البول المنتشر على رأس الحشفة، فإذا لم يتنشر البول ولم يمرّ عليه المنيّ في الخارج فإنه يطهر بالفرك أيضاً، إذ يضر مروره على البول في الداخل ولا فرق بين منيّ الرجل ومنيّ المرأة الخارج من الداخل، لاختلاطه بمنيّ الرجل، وقد ذكر في الحديث أنه يطهر بالفرك، أما منيّ غير الآدمي، فإنه لا يطهر بالفرك، لأن الرخصة وردت في منيّ الآدمي فلا يقاس عليه غيره، ومنها الندف، ويطهر به القطن إذا ندف.
وقد عدّوا في المطهرات أموراً أخرى تساهلاً، كقطع الدهن الجامد المتنجس وطرحه، كما تقدم، وهو المعبر عنه بالتقرير، لأنه في الحقيقة عزل للجزء المتنجس عن غيره لا تطهير له، ومثله قسمة المتنجس بفصل الأجزاء النجسة عن الطاهرة، وكذلك هبة المتنجس لمن لا يرى نجاسته، فإن الهبة لا تعدّ مطهرة له في الحقيقة.
المالكية قالوا: يطهر محل النجاسة بغسله بالماء الطهور، ولو مرة إذا انفصل الماء عن المحل طاهراً، ولا يضر تغيره بالأوساخ الطاهرة، ويشترط زوال طعم النجاسة عن محلها، ولو عسر، لأن بقاءه دليل على تمكن النجاسة منه، وكذلك يشترط زوال لونها وريحها إذا لم يتعسر زوالهما، فإن تعسر زوالهما عن المحل، كما لا يلزم الغسل بأشنان أو صابون أو نحوهما والغسالة المتغيرة بأحد أوصاف النجاسة نجسة، أما إن تغيرت بصبغ أو وسخ فلا، ويكفي في تطهير الثوب والحصير والخف والنعل المشكوك في إصابة النجاسة إياها نضحها مرة، أي رشها بالماء الطهور، ولو لم يتحقق تعميم المحل بالماء، وأما البدن والأرض المشكوك في إصابتها غياها فلا يطهران إلا بالغسل، لأن النضح خلاف القياس. فيقتصر فيه على ما رود، وهو الثوب والحصير والخف والنعل، ولو غسلها بالماء كان أحوط، لأنه الأصل. والنضح تخفيف، والأرض المتنجسة يقيناً أو ظناً تطهر بكثرة إفاضة الطهور عليها حتى=تزول عين النجاسة وأوصافها، لحديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فصاح به بعض الصحابة؛ فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه، وأن يصبوا على موضع بوله ذنوباً من ماء، كما رواه الشيخان؛ والذنوب "بفتح الذال" هو الدَّلو، ويطهر الماء المتنجس بصب الطهور عليه حتى تذهب منه أوصاف النجاسة، وأما المائعات غير الماء، كالزيت والسمن والعسل فتنجس بقليل النجاسة، ولا تقبل التطهير بحال من الأحوال.
الحنابلة قالوا: كيفية التطهير بالماء الطهور في غير الأرض ونحوها. مما يأتي، أن يغسل المتنجس سبع مرات منقية، بحيث لا يبقى للنجاسة بعد الغسلات السبع لون ولا طعم ولا ريح وإن لم تزل النجاسة إلا بالغسلة السابعة، فإن كانت النجاسة من كلب أو خنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما فإنه يجب أن يضاف إلى الماء في إحدى الغسلات تراب طهور أو صابون أو نحوه، والأولى أن يكون مزج التراب ونحوه بالماء في الغسلة الأولى، فإن بقي للنجاسة أثر بعد الغسل سبعاً زيد في عدد الغسلات بقدر ما تزول به النجاسة، فإن تعذر زوال طعمها لم يطهر وعفي عنه، وإن تعذر زوال لونها أو ريحها أو هما معاًالنبي صلى الله عليه وسلم فالمحل المتنجس يصير طاهراً.
ويشترط في تطهير المتنجس الذي تشرَّب النجاسة أن يعصر كل مرة خارج الماء إن أمكن عصره، ويقتصر في العصر على القدر الذي لا يفسد الثوب، أما ما لا يتشرب النجاسة، كالآنية فإنه يطهر بمرور الماء عليه وانفصاله عنه سبع مرات، وأما ما لا يمكن عصره مما يتشرب النجاسة فإنه يكفي دقة أو وضع شيء ثقيل عليه، أو تقليبه بحيث ينفصل الماء عنه عقب كل غسله من السبع، أما الأرض المتنجسة ونحوها من الصخر الأحواض الكبيرة أو الصغيرة الداخلة في البناء فإنه يكفي في تطهيرها من النجاسة صبّ الماء عليها بكثرة حتى تزول عين النجاسة، ويكفي في تطهير المتنجس ببول غلام رضيع لم يتناول الطعام برغبة أن يغمر بالماء، ولو لم ينفصل، ومثل بوله في ذلك قيئه.
الشافعية قالوا: كيفية التطهير بالماء الطهور في النجاسة المغلظة، وهي ما كانت من كلب أو خنزير أو متولد منهما أو من أحدهما؛ هي أن يغسل موضعها سبع مرات وأن يصاحب ماء إحدى الغسلات تراب طهور، أي غير نجس ولا مستعمل في تيمم، والمراد بالتراب هنا ما هو أعم من التراب في التيمم، فيشمل الأعفر والأصفر والأحمر والأبيض والطين وما خلط بطاهر أخر نحو دقيق.
وللترتيب ثلاث كيفيات: إحداها: مزج الماء بالتراب قبل وضعه على محل النجاسة. ثانيها: أن يوضع الماء على محل النجاسة قبل التراب، ثم يوضع عليه التراب، ثالثها: أن يوضع التراب أولاً ثم يصب عليه الماء، ولا تجزئ غسلة التتريب بجميع كيفياتها الثلاث إلا بعد زوال جرم النجاسة، فإن لم يكن للنجاسة جرم، فإن كان محلها جافاً أجزأَ أيّ واحدة من الكيفيات الثلاثة، وإن كان محل النجاسة رطباً لم يجزئ وضع التراب أولاً لتنجسه بسبب ضعفه عن الماء، ويجزئ الكيفيتان الأخريان، ولو كانت النجاسة المغلظة في أرض بها تراب غير نجس العين كفى ترابها في تطهيرها بالسبع بدون تراب آخر، وأولى الغسلات السبع ما أزيل به عين النجاسة وإن تعدد، فلو أزيلت عين=النجاسة بواحدة اعتبرت واحدة وزيد عليها ست، ولو زالت بست حسبت واحدة وزيد عليها ست، ولو زالت بسبع فأكثر حسبت واحدة وزيد عليها ست، وأما زوال وصف النجاسة من طعم أو لون أو ريح فلا يتوقف على عدد الغسلات، فلو لم يزل إلا بسبع مثلاً حسبت سبعاً، أما النجاسة المخففة فكيفية تطهيرها أن يرش على محلها ماء يعم النجاسة وإن لم يسل، والنجاسة المخففة هي حصول بول الصبي إذا كان غلاماً لم يبلغ الحولين ولم يتغذ إلا باللبن بسائر أنواعه، ومنه الجبن والقشدة والزبد، سواء كان لبن آدمي أو غيره، بخلاف الأنثى والخنثى المشكل. فإن بولهما يجب غسله، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام"، وأحلق الخنثى بالأنثى، فإذا زاد الصبي على الحولين وجب غسل بوله ولم لم يتناول طعاماً غير اللبن، كما يجب غسل بوله إذا غذي بغير اللبن ولو مرة واحدة، ولكن إذا أعطي له شيء لا بقصد التغذية فتغذي منه، كدواء، فإنه لا يمنع الرش، ولا بدّ من زوال عين النجاسة قبل رش محلها بالماء، كأن يعصر الثوب أو يجفف، وكذا لا بد من زوال أوصاف النجاسة مع الرش، وإنما قيدوا بخصوص البول ليخرج غيره من الفضلات النجسة فإنها يجب فيها الغسل، أما النجاسة المتوسطة، وهي غير ما تقدم فإنها تنقسم إلى حكمية، وهي التي ليس لها جرم ولا طعم ولا لون ولا ريح، كبول غير الصبي إذا جف. وعينية، وهي التي لها جرم أو طعم أو لون أو ريح. أما الحكمية فكيفية تطهيرها أن يصب الماء على محلها ولو مرة واحدة ولو من غير قصد. وأما العينية فكذلك، ولكن بشرط زوال عين النجاسة، أما أوصافها فإن بقي منها الطعم وحده، فإن بقاءه يضر ما لم تتعذر إزالته. وضابط التعذر أن لا يزول إلا بالقطع، وحينئذ يكون المحل نجساً معفواً عنه، فإن قدر على الإزالة بعد ذلك وجبت؛ ولا تجب إعادة ما صلاه قبل، فإن تعسر زواله وجبت الاستعانة بصابون ونحوه إلا أن يتعذر، وإن بقي اللون والريح معاً فالحكم كذلك، وإن بقي اللون فقط أو الريح فقط على إزالته بعد ذلك فلا تجب طهارة المحل؛ ويشترط في إزالة النجاسة بأنواعها الثلاثة أن يكون الماء وارداً على المحل إذا كان الماء قليلاً، فإن كان قليلاً موروداً تنجس الماء بالتغير، سواء كان قليلاً أو كثيراً فإنه لا يطهر إلا بإضافة الماء الطهور إليه حتى يزول تغيره بشرط أن يبلغ قلتين.
وكيفية تطهير الأرض المتنجسة بالنجاسة المتوسطة المائعة، كبول. أو خمر. أن تغمر بالماء إذا تشرَّبت النجاسة، أما إذا لم تتشرب النجاسة فلا بد من تجفيفها أولاً، ثم يصب عليه الماء ولو مرة واحدة، وكيفية تطهيرها من النجاسة الجامدة، هي أن ترفع عنها النجاسة فقط إذا لم يصب شيء منها الأرض، وأن ترفع عنها ثم يصب على محلها ماء يعمها إذا كانت رطبة وأصاب الأرض شيء منها.

**********************

ابوالوليد المسلم 16-06-2019 03:23 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 27 الى صـــــــــ
28
الحلقة (8)


ومنها استحالة عين النجاسة إلى صلاح، كصيرورة الخمر خلاً، ودم الغزال مسكاً، ومنها حرق النجاسة بالنار، على اختلاف المذاهب (1) : وأما دباغ جلود الميتة ففي كونه مطهراً لها أو
_______________________
(1)
الحنفية قالوا: حرق النجاسة بالنار مطهر.=الشافعية. والحنابلة يم يعدُّوه من المطهرات، فيقولون: إن رماد النجس ودخانه نجسان.
المالكية قالوا: إن النار لا تزيل النجاسة، واستثنوا رماد النجس على المشهور.

******************
غير
مطهر تفصيل في المذاهب (1) : ولا تشترط النية في تطهير المتنجس.ولا يقبل التطهير ما تنجس من المائعات (2) غير الماء، كزيت، وسمن، وعسل، وأما الجامدات فإنها تقبل التطهير إلا ما تشربت أجزاؤه من النجاسة (3) ، على تفصيل في المذاهب.
______________________________ ___
(1) الحنفية: لم يفرقوا في الدبغ بين أن يكون حقيقياً، كالدبغ بالقرظ، والشب ونحوهما. أو حكمياً، كالدبغ بالتتريب أو التجفيف بالشمس أو الهواء، والدباغ يطهر جلود الميتة إذا كانت تحتمل الدبغ، أما ما لا يحتمله، كجلد الحية فإنه لا يطهر بالدبغ، ولا يطهر بالدبغ جلد الخنزير، أما جلد الكلب فإنه يطهر بالدبغ، لأنه ليس نجس العين على الأصح، ومتى طهر الجلد صح استعماله في الصلاة وغيرها، إلا أكله فإنه يمتنع، وما على الجلد من الشعر وغيره طاهر، كما تقدم.
الشافعية: خصوا الدبغ المطهر بما له حرافة ولذع في اللسان، بحيث يذهب رطوبة الجلد وفضلاته، حتى لا ينتن بعد ذلك، ولو كان الدابغ نجساً، كزبل طير، إلا أن الجلد المدبوغ بنجس يكون كالثوب المتنجس، فيجب غسله بعد الدبغ، ولا يظهر بالدبغ جلد الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما مع حيوان طاهر، وكذا لا يطهر بالدبغ ما على الجلد من صوف ووبر وشعر وريش، لكن قال النووي: يعفى عن القليل من ذلك لمشقة إزالته.
المالكية: لم يجعلوا الدبغ من الطهرات، وحملوا الطهارة الواردة في الحديث على النظافة ورخصوا في استعمال المدبوغ في طهور وفي يابس، بشرط أن لا يطحن عليه ما لم يكن جلد خنزير، فإنه لا يرخص فيه، أما اليابس فلأنه لا تتعلق به نجاسة الجلد، وأما الطهور فلأنه لقوته يدفع النجاسة عن نفسه وأما ما على الجلد من الصوف ونحوه فطاهر، لأنه لا تحله الحياة، فلم يتنجس بالموت، كما تقدم، والقول بأن الدبغ ليس من المطهرات هو المشهور عند المالكية، والمحققون منهم يقولون: إنه مطهر.
الحنابلة: لم يجعلوا دبغ جلود الميتة من المطهرات، إلا أنهم قالوا بإباحة استعمالها بعد الدبغ في اليابسات فقط أما صوف الميتة وشعرها ووبرها وريشها فطاهر.
(2)
الحنفية قالوا: إن المائعات المذكورة تقبل التطهير بالماء، وقد تقدم كيفية تطهيرها بالماء في ذكر المطهرات.
(3)
المالكية قالوا: إن مما لا يقبل التطهير من الجامدات التي تشربت أجزاؤها النجاسة اللحم إذا طبخ بنجس، بخلاف ما لو حلت به النجاسة بعد نضجه فإنه يقبل التطهير، وكذا لا يقبل التطهير البيض المسلوق بنجس والزيتون المملح به والفخار الذي غاصت النجاسة في أعماقه.
الحنابلة: وافقوا المالكية فيما ذكر إلا في البيض المسلوق فإنه يقبل التطهير لصلابة قشره المانعة=من تشرب النجاسة، ولم يفرقوا في اللحم بين المطبوخ والمسلوق، فهو عندهم لا يقبل التطهير مطلقاً. الشافعية قالوا: إن الجامدات اتي تشربت النجاسة تقبل التطهير فلو طبخ لحم في نجس أو تشربت حنطة النجاسة أو سقيت السكين بنجاسة فإنها تطهر ظاهراً وباطناً بصب الماء عليها إلا في اللبن "أي الطوب النيء" الذي عجن بنجاسة جامدة فإنه لا يقبل التطهير، ولو أحرق وغسل بالماء بخلاف المتنجس بمائع، فإنه يطهر بغمره بالماء الطهور.
الحنفية: فصَّلوا في الجامدات، فقالوا: إن كانت آنية ونحوها تقبل التطهير على الوجه المتقدم في كيفية التطهير، وإن كانت مما يطبخ، كاللحم والحنطة، فإن أصابتها نجاسة وطبخت بها فلا تطهر. بعد الغليان أبداً، على المفتى به لأن أجزاءها تكون قد تشربت النجاسة حينئذ، ومن ذلك الدجاجة إذا غليت قبل شق بطنها، فإنها لا تطهر أبداً لتشرب أجزائها النجاسة، فيجب شق بطنها وإخراج ما فيها وتطهيرها بالغسل قبل غليها، ومن ذلك رؤوس الحيوانات ولحم الكرش فإنها لا تطهر أبداً إذا غليت قبل غسلها وتطهيرها.
******************
[أقسام المياه]

تنقسم المياه التي يصح التطهير بها إلى ثلاثة أقسام:
طهور وطاهر غير طهور. ومتنجس، ويتعلق بكل قسم من الأقسام الثلاثة مباحث، فأما القسم الأول، وهو الطهور فإنه يتعلق به أمور: أحدها: تعريفه.
ثانيها:
الفرق بينه وبين الطاهر.
ثالثها:
حكمه.
رابعها: بيان ما يخرجه عن الطهورية وما لا يخرجه: خامسها: بيان ما ينجسه، وأما القسم الثاني وهو الطاهر غير الطهور، فإنه يتعلق به أمور أيضاً: الأمر الأول: تعريفه.
الثاني:
بيان أنواعه.
الثالث:
ما يخرجه عن كونه طاهراً، وأما القسم الثالث، وهو المتنجس، فإنه يتعلق به أمران:
أحدهما: تعريفه.
ثانيهما:
بيان أنواعه.فلنذكر لك كل قسم من هذه الأقسام وما يتعلق به بعنوان خاص (1) .
_____________________________
(1) المالكية قالوا: إن استعمال الماء لا يخرجه عن كونه طهوراً، فيصح الوضوء والغسل بالماء المستعمل، ولكن يكره فقط.
*******************

ابوالوليد المسلم 16-06-2019 03:23 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 29 الى صـــــــــ
33
الحلقة (9)


[مباحث الماء الطهور]

[تعريفه]

فأما تعريف الماء الطهور، فهو كل نزل من السماء أو نبع من الأرض، ولم يتغير أحد أوصافه الثلاثة، وهي "اللون. والطعم. والريح" بشيء من الأشياء التي تسلب طهورية الماء ولم يكن مستعملاً (1) وسيأتي بيان الأشياء التيتسلب طهورية الماء والأشياء التي توجب استعماله.
[الفرق بينه وبين الماء الطاهر.]

أما الفرق بين الماء الطهور والماء الطاهر، فهو أن الماء الطهور يستعمل في العبادات وفي العادات، فيجوز الوضوء به والاغتسال من الجنابة والحيض، كما يجوز تطهير النجاسة به واستعمال لنظافة البدن والثوب من الأوساخ الظاهرة وغير ذلك، وبخلاف الماء الطاهر فإنه لا يصح استعماله في العبادات من وضوء وغسل جنابة ونحوهما، كما لا يصح تطهير النجاسة به، وإنما يصح استعماله في الأمور العادية من شرب وتنظيف بدن وثياب وعجن ونحو ذلك.

[حكم الماء الطهور]

أما حكم الماء الطهور، فهو ينقسم إلى قسمين: أحدهما: الأثر الذي رتبه الشارع عليه، وهو أنه يرفع للحدثَ الأصغر والأكبر، فيصح الوضوء به والاغتسال من الجنابة والحيض، وتزال به النجاسة المحسة وغيرها، وتؤدي به الفرائض والمندوبات وسائر القرَب، كغسل الجمعة والعيدين وغير ذلك من العبادات، وكذا يجوز استعماله في العادات من شرب وطبخ وعجن وتنظيف ثياب وبدن وسقي زرع ونحو ذلك. ثانيهما: حكم استعماله، والمراد به ما يوصف به استعماله من وجوب وحرمة، وهو من هذه الجهة تعتريه الأحكام الخمسة، وهي: الوجوب. والحرمة. والندب. والإباحة. والكراهة، والمراد بالندب ما يشمل السنة، وذلك لأن المندوب
(1) الحنابلة قالوا: الماء الذي يحرم استعماله لا يصح التطهير به من الحدث، بشرط أن يكون المتطهر به ذاكراً لا ناسياً، فإذا توضأ منه وهو ناس وصلى به فإنه يصح، أما تطهير النجاسة به فإنه يصح.
****************************
والمسنون شيء واحد "عند بعض الأئمة" ومختلفان "عند البعض الآخر" كما سيأتي في مندوبات الوضوء، فأما ما يجب فيه استعمال الماء، فهو أداء فرض يتوقف على الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، كالصلاة، ويكون الوجوب موسعاً إذا اتسع الوقت، ومضيقاً إن ضاق، وأما ما يحرم فيه استعمال الماء فأمور: منها أن يكون الماء مملوكاً للغير ولم يأذن في استعماله، ومنها أن يكون مسبلاً للشرب، فالماء الموجود في الأسبلة لخصوص الشرب يحرم الوضوءُ منه، ومنها أن يترتب على استعمال الماء ضرر، كما إذا كان الوضوء أو الغسل بالماء يحدث عند الشخص مرضاً أو زيادته، كما يأتي في مباحث التيمم، وكذا إذا كان الماء شديد الحرارة أو البرودة وتحقق الضرر باستعماله، ومنها أن يترتب على استعمال الماء عطش حيوان لا يجوز إتلافه شرعاً، فكل هذه الأحوال يحرم استعمال الماء فيها وضوءاً أو غسلاً، فإذا توضأ شخص من سبيل أعد ماؤه للشرب. أو توضأ من ماء يحتاج إليه لشرب حيوان لا يصح إتلافه. أو توضأ وهو مريض مرضاً يزيد بالوضوء فإنه يحرم عليه ذلك، ولكن هذا الوضوء يكون صحيحاً تصح الصلاة به، وأما ما يندب فيه استعمال الماء فهو الوضوء على الوضوء، وغسل (1) يوم الجمعة، وأما ما يباح فيه استعمال الماء فهو الأمور المباحة من شرب وعجن وغير ذلك، وأما ما يكره فيه استعمال الماء، فأمور: منها أن يكون الماء شديد الحرارة أو البرودة شدة لا تضر البدن. وعلة الكراهة أنه في هذه الحالة يصرف المتوضئ عن الخشوع لله ويجعله مشغولاً بألم الحر والبرد، وربما أسرع في الوضوء أو الغسل فلم يؤدهما على الوجه المطلوب، ومنها الماء المسخن بالشمس، فإنه يكره استعماله في الوضوء والغسل، بشرطين: الشرط الأول: أن يكون موضوعاً في إناء من ذهب أو فضة فإنه إذا سخن بالشمس لا يكره الوضوء منه. الشرط الثاني: أن يكون ذلك في بلد حار، فإذا وضع الماء المطلق في إناء من نحاس "حلة أو دست" ووضع في الشمس حتى سخن فإنه يكره الوضوء منه والاغتسال به، كما يكره غسل ثوب به ووضعه على البدن مباشرة، وهو رطب، وقد علل بعضهم الكراهة بأن استعماله على هذا الوجه صار بالبدن، وهي علية غير ظاهرة لأن الضرر إذا تحقق كان استعماله حراماً لا مكروهاً، والواقع الضرر لا يظهر إلا إذا كان بالإناء صدأ واستعمل من الداخل، وعلل بعضهم الكراهة بأن

(1) الشافعية: زادوا شرطاً ثالثاً في كراهة استعمال الماء المسخن في الشمس، وهو أن تعلو الماء زهومة "دسم" فإذا لم توجد هذه الزهومة فلا كراهة، ومذهب الشافعية ظاهر في العلة التي ذكرناها.
الحنابلة قالوا: لا كراهة في استعمال الماء المسخن بالشمس على أيّ حال.

********************
هذا الماء توجد فيه زهومة تستلزم التنفير منه، فمتى وجد غيره كره استعماله، وإلا فلا كراهة وكذا سائر المياه المكروهة فإن كراهتها إذا لم يوجد غيرها.هذا، وقد ذكر الفقهاء مكروهات أخرى في المياه، فيها تفصيل المذاهب (1) .

(1) المالكية: زادوا في مكروهات المياه أموراً ثلاثة: الأمر الأول: الماء الذي خالطته نجاسة، وإنما يكره بشروط خمسة:
الشرط الأول: أن لا تغير النجاسة أحد أوصافه الثلاثة: الطعم. أو اللون. أو الرائحة، فإن غيرت وصفاً من أوصافه المذكورة فإنه لا يصح استعمال مطلقاً.
الشرط الثاني: أن لا يكون جارياً، فإن كان جارياً وحلت به نجاسة فإنها لا تنجسه، ولكن يكره استعماله.
الشرط الثالث: أن لا تكون له مادة تزيد فيه، كماء البئر، فإنه وإن لم يكن جارياً، ولكن نظراً لكونه يزيد وينقص من غير أن يضاف إليه ماء من خارجه فإنه لا ينجس بوقوع نجاسة فيه.
الشرط الرابع: أن تكون النجاسة قدر قطرة المطر المتوسطة فأكثر أما إن كانت أقل من ذلك فإنها لا تضر، فلا يكره استعمال الماء الذي حلت به.
الشرط الخامس: أن يجد ماء غيره يتوضأ منه، وإلا فلا كراهة.
الأمر الثاني من مكروهات المياه: الماء المستعمل في شيء متوقف على ماء طهور، وذلك كالماء المستعمل في الوضوء، فإذا توضأ شخص بماء ثم نزل من على أعضائه بعد استعماله، فإنه يكره له أن يتوضأ به ثانياً، وإنما يكره بشروط:
الأول: أن يكون الماء قليلاً، فإذا توضأ من ماء كثير واختلط به الماء المنفصل من أعضاء وضوئه فإنه لا يضر.
الثاني: أن يجد ماء غيره يتوضأ منه، وإلا فلا كراهة.
الثالث: أن يستعمله في وضوء واجب، فإذا استعمله في وضوء مندوب، كالوضوء للنوم أو نحوه، مما يأتي فإنه لا يكره.
وقد علل المالكية كراهة الوضوء من الماء المستعمل: بأن بعض الأئمة قال بعدم صحة الوضوء من الماء المستعمل، فمراعاة فهذا الخلاف قالوا بالكراهة، وأيضاً فإنه ثبت لديهم أن السلف لم يستعملوه، فدل ذلك عندهم على كراهته.
الأمر الثالث من مكروهات المياه: الماء الذي ولغ فيه كلب، ولو مراراً. فإذا شرب الكلب من ماء قليل، فإنه يكره استعماله، ومثله الماء الذي شرب منه شخص اعتاد شرب المسكر أو غسل فيه عضواً من أعضائه، وإنما يكره الوضوء من الماء الذي شرب منه شارب المسكر بشروط:
أحدهما: أن يكون الماء قليلاً، فإن كان كثيراً فلا كراهة، وسيأتي بيان القليل والكثير.=
ثانيها: أن يجد ماء غيره. ثالثها: أن يشك في طهارة فمه أو عضوه الذي غسله فيه، أما إذا كان على فمه نجاسة محققة، فإن غيرت أحد أوصاف الماء الماء فإنه لا يصح الوضوء منه، لأنه يصير نجساً وإن لم تغير أحد أوصافه كان استعماله مكروهاً فقط، ومن ذلك أيضاً الماء الذي شرب منه حيوان لا يتوقى النجاسة، كالطير، والسبع، والدجاج، إلا أن يصعب الاحتراز منه، كالهرة. والفأرة، فإنه لا يكره استعماله في هذه الحالة للمشقة والحرج.
الحنفية قالوا: يزداد على ما ذكر في مكروهات المياه ثلاثة أمور: الأمر الأول: الماء الذي شرب منه شارب الخمر، كأن وضع الكوز الذي فيه الماء أو القلة على فمه، وشرب منه بعد أن شرب الخمر، وإنما يكره الوضوء من ذلك الماء بشرط واحد، وهو: أن يشرب منه بعد زمن يتردد فيه لعابه الذي خالطه الخمر، كأن يشرب الخمر، ثم يبتلعه أو يبصقه، ثم يشرب من الإناء الذي فيه الماء، أما إذا شرب باقي الخمر وبقي في فمه ولم يبتلعه أو يبصقه، ثم شرب من كوز أو قلة فيها ماء فإن الماء الذي بها ينجس ولا يصح استعماله.
الأمر الثاني: الماء الذي شربت منه سباع الطير، كالحدأة. والغراب، وما في حكمهما، كالدجاجة غير المحبوسة، وقد علل الحنفية كراهة ذلك بجواز أن تكون قد مست نجاسة بمنقارها وهذا بخلاف سؤر سباع البهائم ونحوها من كل ما لا يؤكل لحمه، فإنه نجس لاختلاطه بلعابه النجس ومثل سؤر ما لا يؤكل لحمه عرقه، فإذا خالط عرق الضبع أو السبع ثوباً أو نزل في ماء قليل فإنه ينجسه.
الأمر الثالث: سؤر الهرة الأهلية، فإذا شربت الهرة الأهلية من ماء قليل، فإنه يكره استعماله لأنها لا تتحاشى النجاسة؛ وإنها كان سؤرها مكروهاً ولم يكن نجساً مع أنهما مما لا يجوز أكله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على عدم نجاستها، فقد قال: "إنها ليست نجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات"، وظاهر أ، هذه رخصة.
هذا، وأما سؤر البغل والحمار فهو مشكوك في طهوريته، بمعنى أنه طاهر بلا كلام، فلو شرب الحمار أو البغل من ماء قليل فإنه يصح استعماله في الأمور العادية من غسل وشرب ونحو ذلك بلا كراهة، وأما طهوريته. أي صلاحيته للتوضيء أو الاغتسال منه فإنه مشكوك فيه فيص استعماله في الغسل والوضوء إن لم يوجد غيره بلا كراهة أيضاً، أما إن وجد غيره فإنه يصح استعماله فيهما أيضاً، ولكن الأحوط أن يتوضأ أو يغتسل من غيره.
الشافعية: زادوا على ما ذكر في مكروهات المياه الماء المتغير بمجاورة المتصل به، سواء كان ذلك المجاور جامداً، أو مائعاً، فمثال المجاور الجامد: الدهن، فإذا وضع بجوار الماء دهن جامد فتغير الماء بسبب ذلك، فإنه يكره استعماله، ومثال المجاور المائع: ماء الورد، ونحوه، فإذا وضع بجوار الماء شيء مائع وتغير به، فإنه يكره استعماله، ويشترط للكراهة أن لا يسلب عنه اسم الماء، وأما إذا غلبت رائحة الورد عليه، أو تجمد بواسطة الدهن الذي جاوره. بحيث خرج عن رقته وسيلانه، ولم يكن ماء، فإنه لا يصح استعماله في الوضوء، أو الغسل.




**************

ابوالوليد المسلم 16-06-2019 03:23 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 33 الى صـــــــــ
37
الحلقة (10)

[ما لا يخرج الماء عن الطهورية]

قد يتغير لون الماء وطعمه ورائحته، ومع ذلك يبقى طهوراً يصح استعماله في العبادات، من وضوء، وغسل، ونحو ذلك، ولكن ذلك مشروط بعدم الضرر، بحيث لو ترتب على استعمال ذلك الماء المتغير ضرر للشخص في عضو من أعضائه، فإنه لا يحل له أن يتوضأ من ذلك الماء، وقد يضطر سكان البوادي والصحاري إلى استعمال المياه المتغيرة. حيث لا يجدون سواها، فأباحت الشريعة الإسلامية لمثل هؤلاء أن يستعملوا ذلك الماء إذا أمنوا شره، يدل لذلك ما روى البخاري معناه أن المسلمين لما هاجروا من مكة إلى المدينة، أصيب كثير منهم بالحمى، فأشار بعض مفكري المسلمين يومئذ بردم مستنقع، يقال له: بطحان، فلما ردم ذهبت الحمى، وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: كان بطحان يجري ماء آسناً، أي متغيراً، فما تقوم - به مصلحة الصحة - من فرض الأتابيب التي يجري فيها الماء، وهدم - المياضئ، والمغاطس - حذراً من تغير الماء وتلوثه بما يضر، هو من أغراض الدين الإسلامي الصحيحة، فإن قضاياه مبنية على جلب المصالح، ودرء المفاسد.ولقد ذكر الفقهاء للتغير الذي لا يخرج عن كونه طهوراً أمثلة: منها أن تتغير أوصافه كلها، أو بعضها، بسبب المكان الذي استقر فيه، أو مر به؛ والأول. كالمياضئ القديمة، والبرك الموجودة في الصحراء ونحوها، والثاني: كالمياه التي تمر على المعادن، مثل الملح، والكبريت، فإن هذا التغير لا يخرج الماء عن كونه طهوراً، ومنها أن يتغير بطول مكثه؛ كما إذا وضع ماء في قربة أو - زير - ومكث فيه طويلاً، فتغير، فإن ذلك التغير لا يخرجه عن كونه طهوراً، ومنها تغيره بسبب ما تولد فيه من سمك، أو طحلب - الطحلب معروف، وهو خضرة تعلو على وجه الماء - وإنما لا يضر الطحلب (1) إذا لم يطبخ في الماء، أو يلقى فيه بعد الطبخ،
______________________________ _
(1) الحنابلة: لم يشترطوا طبخ الطحلب، بل قالوا: إنه يضر الماء، ويخرجه عن كونه طهوراً إذا ألقاه في الماء آدمي عاقل قصداً، لا فرق بين أن يكون مطبوخاً، أو غير مطبوخ، أما إذا تولد من الماء وحده، أو قذف به الريح، ونحوه، فإنه لا يضر.
*******************
ومنها أن يتغير بسبب المادة التي دبغ بها الإناء، من قطران، أو قرظ، أو نحو ذلك؛ فالماء الذي يوضع في القرية المدبوغة إذا تغير أحد أوصافه لا يضر، ومنها أن يتغير بما يتعذر الاحتراز منه، كالسافيات التي تلقيها الرياح في الآبار ونحوها، من تبن، وورق شجر، ومنها أن يتغير الماء بما جاور، كما إذا وضعت جيفة بشاطئ الماء، فيتغير الماء برائحتها، فإن ذلك التغير لا يخرج الماء عن كونه طهوراً، ولكن ذلك من شر ما يفعله جهلة القرى، فإنهم يلقون جيف الحيوانات على شاطئ الماء، بل في نفس الماء الذي يستعملونه فتنبعث منه رائحة نتنة من مسافة بعيدة فلئن أباح الشارع الوضوء منه، أو الغسل، ولكنه من جهة أخرى نهى عن استعماله نهياً شديداً، إذا ترتب عليه ضرر، أو إيذاء للمارة، أو نحو ذلك.
[القسم الثاني من أقسام المياه: الطاهر غير الطهور]
[تعريفه]

قد عرفت أن الماء يوصف تارة بكونه طهوراً، وقد تقدم تعريف الطهور، وتارة يوصف بكونه طاهراً فقط، ويعرف بأنه ماء مستعمل غير متنجس، يصح استعماله في العادات، من شرب، وطبخ ونحو ذلك، ولا يصح استعماله في العبادات من وضوء وغسل.
[أنواع الطاهر غير الطهور]
الماء الطاهر غير الطهور ثلاثة أنواع (1) :
النوع الأول: هو أن يخالط الماء الطهور شيء طاهر، فإذا أضيف إلى الماء الطهور مثلاً ماء ورد، أو عجين، أو نحو ذلك، فإنه يسلب طهوريته، بحيث لا يصح استعماله بعد ذلك في الوضوء أو الغسل، وإن صح استعماله في العادات، من شرب، وتنظيف ثياب، ولكن لا يسلب الطهورية إلا بشرطين: أحدهما: أن يتغير أحد أوصاف الماء الثلاثة: - الطعم، أو اللون، أو
___________________________
(1) المالكية قالوا: الطاهر غير الطهور نوع واحد فقط، وهو النوع الأول: أعني ما خالطه شيءطاهر غير أحد أوصافه الثلاثة، وكان ذلك المخالط من الأشياء التي تسلب الطهورية فهذا هو الذي يسمى عندهم طاهراً غير طهور أما النوع الثاني، وهو الماء القليل المستعمل، فإنه طهور، ما لم يتغير أحد أوصافه بذلك الاستعمال، وأما النوع الثالث، وهو ما خرج من النبات، كماء الورد، وماء البطيخ، فإنه ليس داخلاً في أقسام المياه التي يصح التطهير بها عندهم، لأنه ليس ماء مطلقاً.
************************
الريح - بذلك المخالط؛ ثانيهما: أن يكون المخالط من الأشياء التي تسلب طهورية الماء وفي هذه الأشياء تفصيل المذاهب (1) .
(1) الحنفية قالوا: الأشياء التي تسلب طهورية الماء، وتجعله طاهراً فقط. تنقسم إلى قسمين جامد، ومائع؛ فأما الجامد فإنه يسلب طهورية الماء في حالتين: الحالة الأولى أن يخالط الماء شيء يخرجه عن رقته وسيلانه، مثلاً إذا وضع في الماء طين، فأخرجه عن رقته وسيلانه، فإنه لا يصح التطهير به ومن ذلك ما يبقى في قاعِ الأحواض عند جفافها، من الماء المخلوط بالطين، فإنه لا يصح التطهير به إذا خرج عن رقته وسيلانه، الحالة الثانية: أن يخالطه شيء يطبخ فيه، وفي هذه الحالة لا يصح التطهير به، ولم لم يخرج عن رقته وسيلانه، ومثلاً إذا وضع في الماء الطهور عدس، ليطبخ فيه، ثم غلا مرتين بحيث تغير الماء به، ولكنه لم يطبخ، فإنه لا يصح التطهير به، ولم لم يخرج عن رقته وسيلانه، وقد يقع مثل ذلك في الصحراء، عند قلة الماء، إلا أنه يستثنى من هذه الحالة ما تغير بالصابون، ونحوه، من الأشياء التي تستعمل للتنظيف؛ فإذا غليت في الماء، وغيرت لونه، أو طعمه، أو ريحه، فإنه لا يخرج بذلك عن كونه طهوراً، إلا إذا طبخت فيه، فخرج بذلك عن رقته وسيلانه؛ وأما المائع، فإنه إذا خالط الماء، كان على ثلاث صور: الصورة الأولى أن يكون ذلك المائع موافقاً للماء في أوصافه الثلاثة: الطعم، واللون، والريح، كماء الورد الذي ذهبت ريحه، والماء المستعمل، وحكم هذه الصورة أن ينظر للغالب، فإن كانت الغلبة للماء، فهو طهور، وإن كانت للمخالط، فالماء طاهر غير طهور، ويلحق بالغالب المساوية مثلاً إذا توضأ جماعة من حوض صغير - كالميضأة - فإن كان الماء المستعمل الذي انفصل عن أعضاء الوضوء، ورجع إلى الماء الموجود في ذلك الحوض قل من الماء الذي لم يستعمل، فإنه لا يضر، أما إذا كان مساوياً له، أو أكثر منه، فإن الماء الموجود في ذلك الحوض جميعه يصير مستعملاً؛ الصورة الثانية: أن يكون ذلك المائع الذي خالط الماء الطهور مخالفاً للماء في جميع أوصافه، وهي اللون، والطعم، والرائحة، وذلك كالخل، فإن له طعماً، ولوناً ورائحة، وكلها مخالفة للماء في الوصف، فإذا سقطت كمية من الخل في الماء فإن ظهرت فيه أكثر أوصاف الخل، كالطعم، واللون معاً، كان الماء طاهراً غير طهور، فلا يصح استعماله في العبادات، ولكن يصح استعماله في الطبخ ونحوه أما إذا ظهر في الماء وصف واحد من أوصاف الخل، فإنه لا يخرجه عن طهوريته، الصورة الثانية: أن يكون ذلك المائع المخالط، مخالفاً للماء في بعض أوصافه دون البعض، وذلك كاللبن فإن له طعماً ولوناً، ولا رائحة له فإذا خالط شيء منه الماء، فإن الماء يصير طاهراً غير طهور، بظهور وصف واحد منه فقط، مثال ذلك ما قد يقع مع - الفلاحين - الذين يضعون اللبن في الآنية، وهم في المزارع البعيدة عن الماء، ثم يضعون الماء في تلك الآنية قبل تنظيفها جيداً، فيظهر أثر اللبن في الماء فمتى ظهر لون اللبن في الماء فإنه يخرج عن طهوريته، ويكون طاهراً فقط. المالكية قالوا: تسلب طهورية الماء، ويصير طاهراً فقط بثلاثة أمور:
أحدها: أن يختلط بالماء شيء طاهر فيتغير به أحد أوصافه الثلاثة: طعمه، أو لونه، أو ريحه، ولو كان ذلك الريح غير ظاهر بالماء، وإنما يسلب الطهورية بشروط: الأول: أن يكون ذلك الشيء ليس لازماً للماء، بل يفارقه في غالب الأوقات، الثاني: أن لا يكون من أجزاء الأرض: الثالث: أن لا=يكون من الشياء التي يدبغ بها الإناء، الرابع: أن لا يكون من الأشياء التي يعسر الاحتراز منها، ولذلك كله أمثلة: منها الصابون، فإنه في الغالب لا يخالط الماء، ومثله ماء الورد ونحوه من مياه الروائح العطرية، فإن المستعمل للماء لا يحتاج إليها في الغالب، ومنها روث الماشية، فإنها، ولو اختلطت ببعض المياه التي يشرب منها ولكن ذلك لا يعسر الاحتراز عنه، ومنها دخان شيء محترق. ولو من أجزاء الأرض، ومنها ورق الشجر إذا كان قريباً من بئر، أو مسقاة يمكن تغطيتها، مثله السافيات ونحوها، كالتبن، وطلع النخل، ومنها السمك إذا مات في ماء أو طرح فيه، فهذه الأمور الطاهرة إذا خالطت الماء بالشرائط المذكورة، فإنها تسلب طهوريته، ويصير طاهراً فقط بالشرط المتقدم، وهو أن يتغير به أحد أوصاف الماء.
ثانيها: أن يتغير الماء بنفس الإناء الذي وضع فيه وإنما يسلب ذلك التغيير طهورية الماء بشرطين: الأول: أن يكون الإناء من غير أجزاء الأرض، كما إذا وضع الماء في إناء من جلد، أو من خشب، فتغير بمجاورته للإناء؛ الشرط الثاني: أن يكون التغير فاحشاً عرفاً، فإن وضع الماء في إناء من فخار، أو كان التغير غير فاحش، فإنه لا يضر، ومثل ذلك ما إذا تغير الماء بسبب حبل من كتان، أو ليف، فإن ذلك التغير لا يضر، إلا إذا كان فاحشاً عرفاً.
ثالثها: أن يتغير الماء بسبب قطران، أو قرظ، أو نحو ذلك، وإنما يسلب ذلك الطهورية، بشرط أن يتغير به طعمه، أو لونه، أما إذا تغيرت به ريحه فقط، فإنه يبقى طهوراً، ولا يضره ذلك التغير.
الشافعية قالوا: تسلب طهورية الماء، ويصير طاهراً فقط إذا خالطه شيء طاهر، بأربعة شروط: أحدها: أن يكون ذلك الطاهر المخالط مما يستغني الماء عنه، فلو تغير بسبب إضافة ماء إليه، لا بقاء له إلا به، أو تغير بسبب محله الذي نبع منه، فإن ذلك التغير لا يضر، ثانيها: أن يكون التغير مستيقناً، فإذا شك في تغيره فإنه لا يضر، ثالثها: أن يكون التغير بسبب تراب، ولو طرح فيه قصداً، ومثل التراب الملح المنعقد من الماء. فإذا تغير الماء بشيء طرح فيه غير ما ذكر، فإنه يسلب طهوريته، ويكون طاهراً فقط، كما إذا سقط فيه زعفران، أو تمر، أو نحو ذلك، فتغير تغيراً فاحشاً، ومثل ذلك ما إذا سقط في الماء ورق شجر، فغيره، وكذا إذا تغير بشيء يتحلل، كما إذا وضع فيه كتان، أو - عرقسوس - أو نحوهما، فتغير بسبب ذلك، فإنه لا يكون طهوراً، بشرط أن يتغير تغيراً كثيراً يقيناً، كما ذكر أولاً، وكذا إذا تغير تغيراً كثيراً يقيناً، بقطران، فإنه يصير طاهراً فقط، بشرطين: أحدهما: أن يكون القطران خال من الدهنية؛ ثانيهما: أن لا يكون الغرض من استعمال القطران إصلاح قربة الماء، وإلا فلا يضر، ومثل ذلك ما إذا تغير بملح مأخوذ من غير الماء كالملح الجبلي. فإنه يكون طاهراً فقط، بشرط أن لا يكون الملح مقراً للماء؛ أو ممراً للماء، وإلا فلا يضر.
الحنابلة قالوا: يسلب طهورية الماء أشياء:
أحدها: أن يخالطه شيء طاهر لا يعسر الاحتراز منه، بشرطين: أحدهما أن يغير أحد أوصاف الماء تغيراً كثيراً، أما التغير القليل فإنه لا يضر، ثانيهما: أن يكون ذلك الشيء الطاهر المخالط في=غير محل التطهير، مثلاً إذا كان على يد المتوضئ زعفران، وأخذ الماء، فتغير به الماء فإن ذلك التغير لا يضر في الموضع الذي به الزعفران، ولا فرق في ذلك المخالط بين أن يطبخ في الماء كالترمس، والحمص، أو لا، أما إذا كان المخالط يعسر الإحتراز عنه كالطحلب، وورق الشجر، فإنه لا يخرج الماء عن كونه طهوراً. إلا إذا طرحه آدمي عاقل في الماء قصداً.
ثانيها: أن يخالطه ماء مستعمل، بشرط أن يكون مستعملاً في رفع حدث، أو إزالة خبث وأن يكون مستعملاً في محل طهر به، فلو جرى على يد شخص لم تطهر به فإنه لا يكون مستعملاً، وأن ينفصل غير متغير، وأن يكون الماء الذي خالطه دون القلتين.
ثالثها: أن يخالطه ماء مائع، لم يخالف الماء الطهور في أوصافه، بشرط أن تغلب أجزاءه على الطهور، مثل - المستخرجات العطرية التي ذهبت رائحتها، كماء الورد، والريحان، والنعناع، فهذه الأمور الثلاثة تسلب طهورية الماء إذا خالطته بالشرائط المذكورة.

*********************

ابوالوليد المسلم 20-06-2019 05:47 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 37 الى صـــــــــ
40
الحلقة (11)

النوع الثاني من أنواع الماء الطاهر غير الطهور: الماء القليل (1) المستعلم؛ وتعريف القليل هو ما نقص عن قلتين بأكثر من رطلين، أما تعريف المستعمل، ففيه تفصيل المذاهب (2) .
______________________________ __
(1) المالكية قالوا: الماء القليل لا يضره الاستعمال، ولا يخرجه عن طهوريته، فإذا توضأ الإنسان بماء قليل، وانفصل عن أعضائه في الإناء الذي يتوضأ منه، فله أن يتوضأ به ثانياً وسيأتي بيان المستعمل عند المالكية بعد هذا.
الحنفية قالوا: الماء القليل الذي يسلب الاستعمال طهوريته، هو ما كان موضوعاً في مكان تقل مساحته عن عشرة أذرع في عشرة، بذراع العامة، أو كان موضوعاً في حوض مستدير، تقل مساحة محيطة عن ستة وثلاثين ذراعاً، بذراع العامة أيضاً، أما الماء الكثير الذي لا يسلب الاستعمال طهوريته، فهو ما عدا ذلك كماء البحر، والأنهار، والترع، والمجاري الزراعية، والماء الراكد في المياضئ الكبيرة المربعة، البالغة مساحتها عشرة أذرع في عشرة، وماء السواقي البالغة مساحة محيطها ستة وثلاثين ذراعاً فأكثر، ولا يلزم أن تكون شديد العمق، بل المدار في عمقها على أن تنكشف أرضها باستعمال الماء الموجود فيها، فإذذا استعمل الإنسان ماء أقل من ذلك، كان الماء مستعملاً، وسيأتي بيان حكم المستعمل بعد هذا.
(2)
المالكية قالوا: الاستعمال لا يرفع طهورية الماء، فيجوز استعماله في الوضوء، والغسل، ونحوهما، ولكن يكره استعماله في ذلك إن وجد غيره، فالاستعمال لا يسلب طهورية الماء، ولو كان ذلك الماء قليلاً، ثم إن المستعلم عندهم نوعان: أحدهما: أن يستعمل الماء الطهور القليل في رفع حدث، سواء كان حدثاً أصغر، أو أكبر، كما إذا استعمل الماء في الوضوء أو الغسل، أو يستعمل في رفع حكم خبث، كالماء الذي تزال به النجاسة، سواء كانت حسية، أو معنوية، كما تقدم بيانه، ثانيهما: أن يستعمل فيما يتوقف على الماء الطهور، سواء أكان واجباً، كغسل الميت، وغسل الذمية،==بعد انقطاع دم حيضها ونفاسها، كي يحل له وطؤها بعد تزوجها؛ أم كان غير واجب؛ كالوضوء على الوضوء، وغسل الجمعة والعيدين، والغسلة الثانية والثالثة في الوضوء فإذا استعمل الماء في شيء من ذلك، فإنه يكره استعماله مرة أخرى، بشرطين: الأول: أن يسيل الماء على العضو، ثم يتقاطر بعد ذلك إذا استعمل في الوضوء أو الغسل، أما إذا استعمل في إزالة الخبث فإنه لا يشترط فيه ذلك، الثاني: أن ينقل من محله إلى العضو الذي يسيل عليه، أما إذا غمس فيه العضو، فإنه لا يكون مستعملاً، إلا إذا دلك فيه، فلو غطس الجنب في مغطس، ولم يدلك جسمه فيه، فإن الماء لا يكون مستعملاً.
الحنفية قالوا: إذا استعمل الماء الطهور كان طاهراً غير طهور. فيصح استعماله في العادات من شرب، وطبخ، ونحوهما، ولا يصح استعمال في العبادات، من وضوء وغسل، ثم المستعمل عندهم أربعة أنواع: النوع الأول: ما يتوقف عليه أداء قربة، من صلاة، وإحرام، ومس مصحف ونحو ذلك، النوع الثاني: ما يتوقف عليه رفع حدث، كالوضوء الكامل للمحدث حدثاً أصغر، النوع الثالث: ما يسقط به فرض، ولو لم يرفع حدثاً، كما إذا غسل بعض أعضاء الوضوء دون البعض، فلو غسل وجهه فقط، كان الماء الذي غسل الوجه، ولكنه لم يرفع حدثاً، لتوقف رفع الحدث على تمام الوضوء. النوع الرابع: ما استعمل لأجل تذكر العبادة، كوضوء الحائض، فإنه يستحب لها أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، للتذكر ما اعتادته من الصلاة.
هذا، ولا يكون الماء مستعملاً في كل هذه الأحوال، إلا إذا انفصل عن العضو، فلو جرى الماء على ذراعه، ولم ينزل منه شيء لا يكون مستعملاً طبعاً، وإلا لما أمكن تطهير باقي العضو.
الشافعية قالوا: تعريف الماء المستعمل، هو الماء القليل الذي يؤدي به ما لا بد منه، حقيقة، أو صورة، من رفع حدث في نظر مستعمله، أو إزالة خبث.
وشرح هذا التعريف هو أن المراد بالماء القليل ما نقص عن القلتين المذكورتين في أعلى=صحيفة قالوا، فإذا توضأ "أو اغتسل من ماء قليل، واغترف منه لغسل يديه بعد غسل وجهه بيده، فإنه يكون مستعلاً، وإنما يصير الماء مستعملاً بشروط: الأول: أن يستعمل في فرض الطهارة، فإذا توضأ لصلاة نافلة، أو مس مصحف، أو نحو ذلك، فإن الماء لا يستعمل بالاغتراف منه، الشرط الثاني: أن يكون ماء المرة الأولى، فلو غسل وجهه خارج الإناء مرة، ثم وضع يده للغسل مرة ثانية وثالثة، فإن الماء لا يستعمل بذلك، الثالث: أن يكون قليلاً من أول الأمر، فإذا كان الماء قلتين فأكثر، ثم فرقه في آنية، فإنه لا يستعمل بالاغتراف منه، ومثل ذلك ما إذا جمع الماء القليل المستعمل حتى صار قلتين، فإنه يصبح كثيراً لا يضره الاغتراف منه، الرابع: أن ينفصل عن العضو فلو جرى الماء على يده، ولم ينفصل عنها، لا يكون مستعملاً.
هذا، وإذا توضأ، أو اغتسل من ماء قليل، ثم نوى الاغتراف من ذلك الماء، فإنه لا يستعمل، ومحل نية الاغتراف في الوضوء بعد غسل وجهه، بأن ينوي عند إرادة غسل اليدين، أما إذا نوى عند المضمضة، أو الاستنشاق، أو عند غسل وجهه، فإنها لا تجزئ، ومحلها في الغسل بعد أن ينوي الاغتسال وعند مماسة الماء لشيء من بدنه، فإذا لم ينو الاغتراف من الماء، بأن يقصد نقل الماء من محل لغسل بدنه في الغسل، وغسل أعضاء الوضوء في الوضوء، صار الماء القليل مستعملاً.
وقوله في التعريف: "حقيقة، أو صورة" معناه: أنه لا فرق بين أن يكون المتوضئ مكلفاً، يجب عليه الوضوء حقيقة، أو يكون غير مكلف، فيكون وضوءه صورياً فقط.
وقوله: "في نظر مستعمله" معناه: أن المتوضئ مثلاً إذا كان وضوءه صحيحاً في مذهبه، فإن ماء وضوئه يكون مستعملاً، ولو لم يكن الوضوء صحيحاً في مذهب الشافعي. فلو توضأ الحنفي بدون نية، كان وضوءه صحيحاً في نظر الحنفي، غير صحيح في نظر الشافعي، ومع ذلك يكون ماء ذلك الوضوء مستعملاً عند الشافعي.
وقوله: "أو إزالة خبث" معناه: أن الماء الذي تزال به النجاسة يكون مستعملاً غير نجس، ولكن يشترط لطهارته شروط: إحداها: أن ينفصل الماء ظاهراً بعد غسل الثوب المتنجس مثلاً، بحيث لم يتغير أحد أوصافه بالخبث، بعد أن يطهر محل النجاسة من الثوب: ثانيها: أن لا تزيد زنة الماء المنفصل عن المحل المتنجس، بعد إسقاط ما يتشربه المغسول من الماء، وإسقاط ما يتحلل من الأوساخ في الماء عادة، مثال ذلك أن يغسل الثوب المتنجس بملء - صفيحة، أو حلة - من ماء قيمته عشرة أرطال، فيشرب الثوب منها عشرها - رطلاً - ويتحلل من أوساخ الثوب ربع رطلٍ مثلاً، فإذا كانت زنة الماء المنفصل تسعة أرطال، وربع، أو أقل، كان الماء طاهراً، وإلا كان نجساً. ثالثها: أن يمر الماء على النجاسة وقت تطهيرها، فلو لم يمر على النجاسة، ولم يخالطها، كان غير مستعمل.
هذا، وقد يقال: إنه لا حاجة إلى مثل هذا الكلام في هذا العصر الذي تكاد تكون أنابيب المياه عامة في كل الجهات، والجواب: أن الشريعة الإسلامية لم تختص بزمان، أو مكان، ومما لا ريب فيه=أن هذه الأحكام لازمة للمسافرين في الصحاري، والجهات التي يقل فيها الماء، فمن كان في هذه الجهات من الشافعية، فإنه يحتاج لهذه الأحكام، بلا نزاع.
الحنابلة قالوا: تعريف المستعمل، هو الماء القليل الذي رفع به حدث، أو أزيل به خبث، وانفصل غير متغير عن محل يطهر بغسله سبعاً، فالمنفصل قبل الغسلة السابعة نجس، والمنفصل بعدها مستعمل.
فقوله: "الماء القليل" خرج به الكثير، وهو ما كان قدر قلتين، فأكثر؛ وقوله: "رفع به حدث، أو أزيل به خبث" خرج به الماء المستعمل في طاهر، غير ما ذكر؛ وقوله: "وانفصل غير متغير عن محل يطهر بغسله سبعاً" معناه أنه إذا غسل بالماء ثوباً نجساً، أو آنية، فإنها لا تطهر إلا بالغسل سبع مرات فالمتنجس عند الحنابلة لا يطهر إلا بالغسل سبع مرات.
وألحقوا بالمستعمل ما غسل به ميت، أو وضع يده فيه كلها شخص قائم من نوم ينقض الوضوء، بشرط أن يكون النوم بالليل، وأن يكون الشخص مسلماً عاقلاً بالغاً، وأن يضع يده في الإناء قبل غسلها ثلاثة، بنية وتسمية، ومثل ذلك ما إذا صب الماء على يده كلها بدون أن يضعها فيه، كما إذا كان معه إبريق، فصب منه الماء على يده "فإن المتقاطر منها يكون مستعملاً".
هذا، ولا يحكم باستعمال الماء إلا بعد انفصاله عن محل الاستعمال.

************************
ثم إن مقدار القلتين وزناً بالرطل المصري 7/446 قالوا أربعمائة وستة وأربعون رطلاً، وثلاثة أسباع الرطل، ومقدار مكان القلتين، إذا كان مربعاً، ذراع وربع ذراع، طولاً وعرضاً وعمقاً، بذراع الآدمي المتوسط، وإذا كان المكان مدوراً، كالبئر، فإن مساحته ينبغي أن تكون ذراعاً عرضاً؛ وذراعين ونصف ذراع عمقاً، وثلاثة أذرع، وسبع ذراع محيطاً، أما إذا كان المكان مثلثاً، فينبغي أن تكون مساحته ذراعاً، ونصف ذراع عرضاً، ومثل ذلك طولاً، وذراعين عمقاً.
النوع الثالث: من أنواع الطاهر فقط: الماء الذي يخرج من النبات، سواء سال بواسطة عمل صناعي، كماء الورد، أو سال بدون صناعة، كماء البطيخ.الماء المتنجس هو الذي خالطته نجاسة، وهو نوعان: النوع الأول: الماء الطهور الكثير، وهو لا يتنجس بمخالطته النجاسة، إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة، من لون أو طعم، أو رائحة.
النوع الثاني: الماء الطهور القليل، وهو يتنجس بمجرد حلول النجاسة به، سواء تغيرت أحد أوصافه أو لا (1)
____________________________
(1)
المالكية قالوا: الماء الطهور لا ينجس بمخالطه النجاسة، بشرط أن لا تغير النجاسة أحد أوصافه الثلاثة، إلا أنه يكره استعماله، مراعاة للخلاف.
*******************

ابوالوليد المسلم 20-06-2019 05:48 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 40 الى صـــــــــ
44
الحلقة (12)


[مبحث ماء البئر]

لماء الآبار أحكام خاصة، ولذا جعلنا لها مبحثاً خاصاً بها، وفي أحكمها تفصيل المذاهب (1) .
(1) الحنفية قالوا: إذا سقط في ماء البئر حيوان له دم سائل، كالإنسان، والمعز، والأرنب، فإن لذلك ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن ينتفخ ذلك الحيوان، أو يتفسخ، بأن تفرق أعضاؤه، أو يتمعط، بأن يسقط شعره، وحكم هذه الحالة نجاسة هذه البئر، ودلوها الذي وضع فيها بعد سقوط ذلك الحيوان، وحبل ذلك الدلو، ثم إذا أمكن نزح جميع الماء الذي فيها، فإنها لا تطهر إلا بنزحة جميعه، فإن لم يمكن، فإنه تطهر بنزح مائتي دلو، بالدلاء التي تستعمل فيها عادة، ولا ينفع النزح إلا بعد إخراج الميت منها، وبذلك تطهر البئر، وحيطانها ودلوها، وحبلها، ويد النازح الذي باشر إخراج الماء المتنجس منها.
الحالة الثانية: أن يموت فيها الحيوان الذي له دم سائل، ولكنه لم ينتفخ، ولم يتفسخ، ولم يتمعط، ولذلك ثلاث صور: الأول: أن يكون آدمياً، أو شاة، أو جدياً، صغيراً كان أو كبيراً، وحكم ذلك كحكم الحالة الأولى، وهو أن ماء البئر، وما يتعلق به من حيطان، ودلو، وحبل، صار نجساً، ولا يطهر إلا بنزح مائها جميعه، إن أمكن، أو بنزح مائتي دلو إن لم يمكن؛ الصورة الثانية: أن يكون ذلك الحيوان صغيراً، كالحمامة، والدجاجة، والهرة، فإذا سقطت في ماء البئر هرة وماتت، ولم تنتفخ أو تتفسخ، أو يسقط شعرها، فإن ماء البئر يتنجس، ولا يطهر إلا بنزح أربعين دلواً منها؛ الصورة الثالثة أن يكون ذلك الحيوان أصغر من ذلك، كالعصفور والفأرة، فإن ماء البئر يتنجس على الوجه المتقدم، ولا يطهر إلا بنزح عشرين دلواً منها.
هذا، ولا فرق بين الصغير والكبير في جميع الأنواع، إلا أن الآدمي، والدجاجة، والفأرة قد رود فيها النص بخصوصها. أما باقي الأنواع، فإن صغيره ملحق بكبيره في ذلك.
الحالة الثالثة: أن يقع في البئر حيوان، ثم يخرج منها حياً، ولذلك صورتان: الصورة الأولى: أن يكون ذلك الحيوان نجس العين وهو الخنزير، وحكم هذه الصورة أن ينزح ماء البئر جميعه. إن أمكن، ومائتا دلو، إن لم يمكن، كحكم ما إذا سقط فيها حيوان وتفسخ، أو انتفخ، أو سقط شعره: الصورة الثانية: أن لا يكون ذلك الحيوان نجس العين، كالمعز ونحوه، وحكم هذه الصورة أنه إذا كان على بدن ذلك الحيوان نجاسة مغلظة، كالعذرة ونحوها، فإن البئر تنجس، كما إذا سقط فيها حيوان نجس العين، أما إذا لم يكن على بدنه نجاسة، فإنه لا ينزح منه شيء وجوباً. ولكن يندب نزح عشرين دلواً منها، ليطمئن القلب، فإذا لم يكن على بدنة نجاسة، ولكن على فمه نجاسة، فإن حكمه قد تقدم في صحيفة قالوا قالوا؟؟، وهو حكم سؤر النجس، فارجع إليه.
هذا، ولا يضر موت ما لا دم له سائل في البئر، كالعقرب، والضفدع والسمك، ونحوها، كما لا يضر سقوط ما لا يمكن الاحتراز منه، كسقوط روث، ما لم يكن كثيراً، بحسب تقدير الناظر إليه.=المالكية قالوا: يتنجس ماء البئر إذا مات فيه حيوان، بشروط ثلاثة: الشرط الأول: أن يكون الحيوان برياً، سواء كان إنساناً، أو بهيمة، فإذا كان بحرياً كالسمك، وغيره، ومات في البئر، فإنه لا ينجس الماء؛ الشرط الثاني: أن يكون الحيوان البري له دم سائل، فإذا مات فيها حيوان بري، ليس له دم سائل، كالصرصار، والعقرب. فإنه لا ينجسها، الشرط الثالث: أن لا يتغير ماء البئر. فإذا مات في البئر حيوان بري ولم يتغير الماء بموته فإنه لا ينجس سواء كان ذلك الحيوان كبيراً أو صغيراً. ولكن يندب في هذه الحالة أن ينزح من البئر مقدار من الماء تطيب به النفس، وليس له حد معين ومثل ماء البئر في هذا الحكم كل ماء راكد. ليس له مادة تزيد فيه. كماء البرك الصغيرة. التي ليست مستبحرة.
الشافعية قالوا: لا يخلوا إما أن يكون ماء البئر قليلاً - وهو ما كان أقل من القلتين المتقدم بيانهما - وإما أن يكون كثيراً - وهو ما كان قلتين فأكثر - فإن كان قليلاً، ومات فيه ما له دم سائل من حيوان أو إنسان، فإن الماء ينجس بشرطين: الشرط الأول: أن لا تكون النجاسة معفواً عنها، وقد تقدم بيان ما يعفى عنه: في صحيفة صلى الله عليه وسلم؛ الشرط الثاني: أن يطرحها في الماء أحد فإذا سقطت النجاسة بنفسها أو ألقتها الرياح وكانت من المعفو عنه فإنها لا تضر. أما إذا طرحها في الماء أحد فإنها تضر. وإن كان ماء البئر الذي مات فيه ما له دم سائل كثيراً - وهو ما زاد على قلتين - فإن لا ينجس. إلا إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة ومثل ذلك ما إذا سقطت في البئر نجاسة فإنه إن كان كثيراً لا ينجس، إلا إذا تغيرت أحد أوصافه، وإن كان قليلاً، فإنه ينجس بملاقاة النجاسة، ولو لم يتغير بالشرطين المذكورين.
الحنابلة قالوا: كما قال الشافعية، إلا أنهم لم يشترطوا في نجاسة القليل بموت الحيوان فيه الشرطين المذكورين عند الشافعية، وهما: أن لا تكون النجاسة معفواً عنها؛ وأن يَطرحها في الماء أحد.
******************
[حكم الماء الطاهر، والماء النجس]

ذكرنا في صحيفة الله؟؟، وما بعدها، حكم الماء الطهور، وما يتعلق به من معنى الحكم ونحوه، وبقيى القسمين الآخرين، وهما الماء الطاهر، والماء النجس، أما حكم الماء الطاهر فإنه لا يصح استعماله في العبادات، فلا يصح الوضوء منه، ولا الاغتسال به من الجنابة، ونحوها من العبادات، كما لا تصح إزالة النجاسة به من على البدن، أو الثوب، أو المكان، فهو لا يرفع حدثاً، ولا يزيل خبثاً (1) وأما حكم الماء المتنجس، فإنه لا يجوز استعماله
___________________________
(1) الحنفية قالوا: يجوز استعمال الماء الطاهر في إزالة الخبث، فللشخص أن يزيل النجاسة من ثوبه، أو بدنه، أو مكانه بالماء الطاهر، وغيره من سائر المائعات الطاهرة، كماء الورد، والريحان، ونحوهما من المياه التي لها رائحة العطر، ولكن يكره ذلك لما يترتب عليه من إضاعة المال بدون ضرورة، فإذا أزال النجاسة من ثوبه بماء الورد، فإنه يصح مع الكراهة، إلا إذا أراد تطيب رائحة الثوب، فإنه لا يكره، أما غسل النجاسة بالماء الطاهر فقط، فإنه لا يكره مطلقاً.
****************************
في العبادات، ولا في العادات، فكما لا يصح التوضوء أو الاغتسال به، فكذلك لا يصح استعماله في الطبخ، والعجين، ونحوهما وإذا استعمل في شيء من ذلك، فإنه ينجسه، ولذا كان استعماله محرماً، فمثله كمثل الخمر النجس. الذي لا يجوز استعماله في شيء، إلا في حالة الضرورة الملحة كما إذا كان الشخص تائهاً في الصحراء، وتوقفت حياته على شرب الماء النجس، فإنه يجوز له في هذه الحالة أن يشربه، ومثل ذلك ما إذا كان يأكل، فوقف الطعام في حلقه، وأصابته غصة، فإن له أن يزيلها بالماء النجس، أو الخمر إذا لم يجد ماء طاهراً، نعم يجوز الانتفاع بالماء المتنجس في بعض الأمور التي لا تتعلق بالآدمي؛ على تفصيل في المذاهب (1) .

(1) الحنفية قالوا: الأشياء المتنجسة إما أن تكون مائعة، كالماء ونحوه من سائر المائعات، ومنها الدم، وإما أن تكون جامدة، كالخنزير والميتة، والزبل النجس، فأما الماء المتنجس ونحوه، فإنه يحرم استعماله، والانتفاع به، إلا في حالتين: الحالة الأولى: تخمير الطين به، وكذا الجبس والجير، والاسمنت ونحو ذلك، فإنه يجوز، الحالة الثانية: سقي الدواب به، ولكن يشترط لجواز الانتفاع به في الحالتين، أن لا تتغير رائحة الماء أو لونه، أو طعمه، وأما المتنجس الجامد فإنه يحرم الانتفاع به، كالخنزير، والميتة، والمنخنقة، والموقوذة، ونحوها من المحرمات بالنص، وكما لا يحل الانتفاع بها، فإنه لا يحل الانتفاع بجلودها قبل الدبغ، ما عدا جلد الخنزير، فإنه لا يطهر بالدبغ، أما الجامدات النجسة الأخرى، كالدهن المتنجس، فإنه يجوز الانتفاع به في غير الأكل، فللإنسان أن يستعمله في الدبغ، ودهن عدد الآلات - الماكينات - كما يجوز الاستضاءة به في غير المسجد، ويستثنى من ذلك دهن الميتة، فإنه لا يحل استعماله مطلقاً، وأما دهن الحيوانات الطاهرة المتنجس بنجاسة عارضة، فإنه لا يحل استعماله إلا بعد تطهيره بالكيفية التي ذكرت، في صحيفة الله قالوا وكذا لا يحل الانتفاع بها، وكذا يصح الانتفاع بالزبل، ويقال له - سرقين، أو سرجين ومثله البعر، فإنه يصح الانتفاع به، وجعله وقوداً، وكذا الكلب، فإنه يصح بيعه للانتفاع به في الصيد والحراسة ونحوهما، ومثله الأسد والذئب، والفيل، وسائر الحيوانات، ما عدا الخنزير، لأن المختار أن الكلب ليس بنجس العين وإنما المتنجس لعابه وفمه، ومثله الأسد، والذئب، والفيل، وسائر الحيوانات، ما دام ينتفع بها، أو بجلودها، إلا الخنزير.
المالكية قالوا: يحرم الانتفاع بالماء المتنجس في الشرب ونحوه، أما ما عدا ذلك، فإنه يجوز، وقالوا: يحرم الانتفاع به في بناء المساجد أيضاً، ثم إن المشهور عندهم، هو أنه لا يجوز الانتفاع بالمائعات المتنجسة، كالزيت والعسل، والسمن، والخل لأنه لا يمكن تطهيرها عندهم، فيجب إتلافها إذا تنجست، ويكره تلطخ ظاهر البدن بالماء المتنجس، على المعتمد، وقيل بل يحرم، وتجب إزالته عند إرادة الصلاة ونحوها مما يتوقف على الطهارة على الخلاف عندهم في وجب إزالة النجاسة، فإن==بعضهم يقول: إنها سنة، والقولان مشهوران، أما غير الماء من المائعات كالخمر، فإنه لا يصح الانتفاع به، كما لا يصح الانتفاع ببعض الجامدات النجسة، ومنها الخنزير، وزبل ما يؤكل لحمَه، سواء كان أكله محرماً، كالخيل، والبغال، والحمير، أو مكروهاً، كالسبع، والضبع، والثعلب، والذئب، والهر، فإن زبل هذه الحيوانات لا يصح الانتفاع به.
هذا، ولا يصح بيع الكلب عند المالكية، مع كونه طاهراً عندهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعه، وبعضهم يقول: إن بيعه يجوز للحراسة والصيد، ويقول: إن النهي عن بيعه خاص بالكلب الذي لا ينتفع به في ذلك، كما قال غيره ممن أحاز بيعه.
الشافعية قالوا: المائعات المتنجسة من ماء وغيره لا يجوز الانتفاع بها إلا في أمرين: أحدهما: إطفاء النار، كالنار الموجودة في - الفرن - ونحوها، ثانيهما: سقي البهائم والزرع، ومن المائعات الخمر، والدم الذي لم يتجمد، فلا يصح الانتفاع بهما على أي حال، أما النجس الجامد كالعذرة الخمر، والدم الذي لم يتجمد، فلا يصح الانتفاع بهما على أي حال، أما النجس الجامد كالعذرة والزبل، فإنه لا يصح بيعه، ولا الانتفاع به. وإذا خلط بها شيء طاهر، فإن تعذر نزع الطاهر، فإنه يصح الانتفاع به، فإذا عجن الجبس الطاهر بالماء النجس مثلاً، وبنى به داراً، فإنه يصح له الانتفاع بهذه الدار، بالبيع ونحوه، ومثل ذلك ما إذا وضع زبلاً في أرض ليسمدها به، أو صنع آنية مخلوطة، برماد نجس - كالأزيار، والمواجير، والقلل - فإن بيعها واستعمالها يصح. ويعفى عن المائعات التي توضع فيها، أما إذا لم يتعذر فصل النجس عن الطاهر، كما إذا اختلط الحمص بزبل نجس، وأمكن تنقيته، فإنه لا يصح الانتفاع به قبل فصله عن النجس.
الحنابلة قالوا: لا يجوز استعمال الماء النجس إلا في بل "التراب"، أو الجبس ونحوه وجعله عجيناً، بشرط أن لا يبنى به مسجد، أو - مصطبة يصلي عليها، وكذا لا يحل الانتفاع بكل مائع نجس، كالخمر والدم. كما لا يحل الانتفاع بالجامدات النجسة؛ كالخنزير، والزبل النجس، أما الطاهر كروث الحمام؛ وبهيمة الأنعام، فإنه يحل بيعه؛ والانتفاع به، وكذا لا يحل الانتفاع بالميتة؛ ولا بدهنها؛ أما دهن الحيوان الحي الطاهر؛ كالسمن إذا سقطت فيه نجاسة، فإنه يحل الإنتفاع به في غير الأكل كأن يستضاء به في غير المسجد.
*********************

ابوالوليد المسلم 20-06-2019 05:48 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 45 الى صـــــــــ
49
الحلقة (13)


[مباحث الوضوء]

يتعلق بالوضوء مباحث: (1) تعريفه (2) حكمه (3) شروطه التي توجبه، أو تتوقف عليها صحته (4) فرائضه، ويقال لها: أركانه (5) سننه (6) مندوباته (7) مكروهاته (8) نواقضه (9) الاستنجاء؛ أو كيفية الطهارة من الخارج الذي ينقض الوضوء، وإليك بيانها على هذا الترتيب:
[1 - الأول: في تعريف الوضوء]

الوضوء لغة معناه الحسن والنظافة. وهو اسم مصدر، لأن فعله إما أن يكون توضأ، فيكون مصدره التوضوء؛ وإما أن يكون فعله وضُؤ: فيكون مصدره الوضاءة - بكسر الواو - فيقال: وضؤ، ككرم، وضاءة بمعنى حسن ونظف، فالوضوء على كل حال اسم للنظافة، أو للوضاءة (وهذا المعنى عام يشمل المعنى الشرعي، لأن المعنى الشرعي نظافة مخصوصة، فتترتب عليه الوضاءة الحسية، والمعنوية، أما معناه في الشرع، فهو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة، وهي الوجه واليدان، الخ، بكيفية مخصوصة.
[2 - المبحث الثاني: حكم الوضوء، وما يتعلق به من مس مصحف ونحوه]
لعلك قد عرفت من صحيفة 29 معنى الحكم، وأنه قد يراد به الأثر الذي رتبه الشارع على الفعل، وهو المقصود هنا، فالشارع قد رتب على الوضوء رفع الحدث، فتؤدي به الفرائض، والمندوبات، من صلاة، وسجود تلاوة، وسجود شكر عند من يقول به من الأئمة، وطواف بالبيت، فرضاً كان، أو نفلاً (1) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير" رواه الترمذي بسند حسن، ورواه الحاكم، فالوضوء فرض لازم لأداء هذه الأعمال، فلا يحل لغير المتوضئ أن يفعلها، ومثلها مس المصحف، فإنه يجب له الوضوء، سواء أراد أن يمسه كله، أو بعضه، ولو آية واحدة، إلا بشروط مفصلة في المذاهب (2) .
(1) الحنفية قالوا: من طاف بالبيت بغير وضوء فإن طوافه يكون صحيحاً، ولكنه يحرم عليه أن يفعل ذلك، لأن الطهارة من الحدث واجبة للطواف، ومن ترك الواجب يأثم، وليست شرطاً لصحته.
(2)
المالكية قالوا: يشترط لحل مس المصحف، أو بعضه بدون وضوء، شروط: أحدها: أن=يكون مكتوباً بلغة غير عربية، أما المكتوب بالعربية، فلا يحل مسه على أي حال، ولو كان مكتوباً بالكوفي، أو المغربي، أو نحوهما، ثانيها: أن يكون منقوشاً على درهم، أو دينار، أو نحوهما مما يتعامل به الناس، دفعاً للمشقة والحرج، ثالثها: أن يتخذ المصحف كله، أو بعضه حرزاً، فإنه يجوز له أن يحمله بدون وضوء، وبعضهم يقول: يجوز له حمل بعضه، حرزاً، أما حمله كله حرزاً بدون وضوء فهو ممنوع، ويشترط لحمله حرزاً شرطان: الأول: أن يكون حامله مسلماً، الثاني: أن يكون المصحف مستوراً بساتر يمنع من وصول الأقذار إليه، رابعها: أن يكون حامله معلماً، أو متعلماً، فيجوز لهما مس المصحف بدون وضوء ولا فرق في ذلك بين المكلف وغيره، حتى ولو كانت امرأة حائضاً وفيما عدا ذلك، فإنه لا يجوز حمله على أي حال، فلا يحل لغير المتوضئ أن يحمله بغلاف، أو بعلاقة، كما لا يحل له أن يحمل ما وضع عليه المصحف من صندوق، أو وسادة، أو كرسي، وإذا كان موضوعاً في أمتعة جاز حمله، تبعاً للأمتعة؛ فلو قصد حمله وحده، دون الأمتعة، فإنه لا يحل، أما قراءة القرآن بدون مصحف، فإنها جائزة لغير المتوضئ، ولكن الأفضل له أن يتوضأ.
الحنابلة قالوا: يشترط لحمل المصحف، أو مسه بدون وضوء، أن يكون في غلاف منفصل منه؛ فإن كان في غلاف ملصق به، كأن يكون في كيس، أو ملفوفاً في منديل، أو ورق، أو يكون موضوعاً في صندوق، أو يكون في أمتعة المنزل، التي يراد نقلها، سواء كان المصحف مقصوداً بالمس أولا، فإنه في كل هذه الأحوال يجوز مسه، أو حمله، وكذا يحل اتخاذ المصحف حرزاً، بشرط أن يجعله في شيء يستره من خرقة طاهرة ونحوها، ثم إن الوضوء شرط لجواز حمل المصحف، سواء كان حامله مكلفاً، أو غير مكلف، إلا أن الصبي الذي لم يكلف لا يجب الوضوء عليه هو؛ بل يجب على وليه أن يأمره بالوضوء عندما يريد الصبي حمل المصحف.
الحنفية قالوا: يشترط لجواز مس المصحف كله، أو بعضه، أو كتابته، شروط: أحدها: حالة الضرورة؛ كما إذا خاف على المصحف من الغرق. أو الحرق فيجوز له في هذه الحالة أن يمسه لإنقاذه، ثانيها: أن يكون المصحف في غلاف منفصل عنه، كأن يكون موضوعاً في كيس أو في جلد، أو ورقة؛ أو ملفوفاً في منديل، أو نحو ذلك، فإنه في هذه الحالة يجوز مسه وحمله أما جلده المتصل به، وكل ما يدخل في بيعه، بدون نص عليه عند البيع: فإنه لا يحل مسه، ولو كان منفصلاً عنه، على المفتى به، ثالثها: أن يمسه غير بالغ، ليتعلم منه، دفعاً للحرج والمشقة، أما البالغ والحائض سواء كان معلماً، أو متعلماً، فإنه لا يجوز لهما مسه رابعها: أن يكون مسلماً، فلا يحل للمسلم أن يمكن غيره من مسه؛ إذا قدر؛ وقال محمد: يجوز لغير المسلم أن يمسه إذا اغتسل، أما تحفيظ غير المسلم القرآن فإنه جائز، فإذا تخلفت هذه الشروط، فإنه لا يحل لغير الطاهر المتوضئ أن يمس المصحف بيده، أي بأي عضو من أعضاء بدنه، أما تلاوة القرآن بدون مصحف، فإنها تجوز لغير المتوضئ، وتحرم على الجنب والحائض، ولكن يستحب لغير المتوضئ أن يتوضأ، إذا أراد قراءة القرآن.
=هذا؛ ويكره مس التفسير بدون وضوء، أما غيره من كتب الفقة، والحديث، ونحوها، فإنه يجوز مسها بدون وضوء من باب الرخصة.
الشافعية قالوا: يجوز مس المصحف، وحمله، كلاً، أو بعضاً؛ بشروط: أحدها: أن يحمله حرزاً؛ ثانيها: أن يكون مكتوباً على درهم، أو جنيه؛ ثالثها: أن يكون بعض القرآن مكتوباً في كتب العلم، للاستشهاد به ولا فرق في ذلك بين أن تكون الآيات المكتوبة قليلة: أو كثيرة أما كتب التفسير. فإنه يجوز مسها بغير وضوء بشرط أن يكون التفسير أكثر من القرآن، فإن كان القرآن أكثر فإنه لا يحل مسها. رابعها: أن تكون الآيات القرآنية مكتوبة على الثياب، كالثياب التي تطرز بها كسوة الكعبة ونحوها، خامسها: أن يمسه ليتعلم فيه. فيجوز لوليه أن يمكنه من مسه. وحمله للتعلم. ولو كان حافظاً له عن ظهر غيب. فإن تخلف شرط من هذه الشروط فإنه يرحم مس القرآن. ولو آية واحدة. ولو بحائل منفصل عن المصحف. من جلد وغيره فلو وضع المصحف في صندوق صغير. كالصندوق الذي يصنع لتوضع فيه أجزاء القرآن - الرابعة - أو وضع على كرسي صغير. كالكرسي الذي يصنع لتوضع عليه المصاحف. عند القراءة. فإنه لا يحل مس ذلك الصندوق أو الكرسي. ما دام المصحف موضوعاً فوقهما. أما إذا وضع في صندوق كبير. أو في كيس كبير فإنه لا يحرم مس ذلك الصندوق أو ذلك الكيس. إلا الجزء المحاذي للمصحف منهما وإذا انفصل جلد المصحف منه. ولم يبق فيه شيء من المصحف فإنه يحرم مسه إلا إذا جعل جلداً لكتاب آخر. غير القرآن. أما ما دام منسوباً إلى المصحف المنزوع منه. فلا يجوز للمحدث أن يمس أي جزء منه. حتى لو محيت الكتابة. على أن يجوز للمكلف أن يكتب القرآن. وهو محدث. في لوح أو نحوه بشرط أن لا يمسه.
هذا، وإذا كان المصحف موضوعاً في أمتعة المنزل. في صندوق، أو ملابس؛ أو نحو ذلك؛ فإنه لا يحل حمل هذه الأمتعة بدون وضوء؛ إلا إذا كانت هي مقصودة بالحمل وحدها فإ
ذا قصد حمل المصحف معها؛ أو قصد حمله وحده؛ حرم ذلك بدون وضوء.
*****************************
[شروط الوضوء]

تنقسم شروط الوضوء إلى ثلاثة أقسام:
الأول: شروط الوجوب:
الثاني: شروط الصحة:
الثالث: شروط الوجوب والصحة معاً.
والمراد بشروط الوجوب الشروط التي توجب على المكلفين أن يتوضؤوا، بحيث إذا فقدت هذه الشروط أو بعضها لم يجب الوضوء. والمراد بشروط الصحة الشروط التي لا يصح الوضوء بدونها. والمراد بشرط الوضوء والصحة معاً الشروط التي إذا فقد منها شرط، فإن الوضوء لا يجب ولا يصح إذا وقع.
وإليك بيانها:

فأما شروط وجوب الوضوء فقط منها البلوغ فلا يجب الوضوء على من لم يبلغ الحلم، سواء كان ذكراً، أو أنثى، ولكن يصح وضوء غير البالغ، فإذا توضأ قبل البلوغ بساعة مثلاً ثم بلغ فغيرناقض للوضوء، فإن وضوءه يستمر. وله أن يصلي به؛ وهذه الصورة وإن كانت نادرة الوقوع ولكنها تنفع المسافرين أو القاطنين في الصحراء التي يقل فيها الماء؛ ومنها دخول وقت الصلاة، وسيأتي بيان مواقيت الصلاة، من صبح، وظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، في مباحث الصلاة، فإذا دخل وقت من هذه الأوقات وجب على المكلف أن يصلي ما فرض عليه في ذلكالوقت، ولما كانت الصلاة لا تحل إلا بالوضوء، أو ما يقوم مقامه، فإنه يفترض أن يتوضأ للصلاة، على أن الصلاة تجب بدخول وقتها وجوباً موسعاً، فكذلك الوضوء التي لا تصح بدونه، ومعنى كون الوجوب موسعاً أن للمكلفين أن يصلوا أول الوقت ووسطه وآخره، فإذا لم يبق على الوقت إلا زمن يسير لا يسع إلا الوضوء والصلاة، فإنه في هذه الحالة يكون الوجوب مضيقاً، بحيث يجب عليه أن يتوضأ ويصلي فوراً. وإذا أخر الوضوء والصلاة يأثم.وكما أن الوضوء فرض على من يريد أن يصلي الفرض، فهو فرض على من يريد أن يصلي النفل، فمتى عزم على الدخول في صلاة النفل، فإنه يجب عليه أن يتوضأ فوراً، وإلا حرم عليه أن يصلي بدون وضوء.وإذا عرفت أن دخول الوقت شرط لوجوب الوضوء فقط، تعرف أنه يصح الوضوء قبل دخول الوقت، فليس دخول الوقت شرطاً لصحة الوضوء، إلا إذا كان المتوضئ معذورًا (1) .
كأن كان عنده سلس بول، فإنه لا يصح وضوءه إلا بعد دخول الوقت، كما سيأتي تفصيله في "مبحث المعذور" ومنها أن لا يكون متوضئاً، فإذا توضأ لصلاة الظهر مثلاً، ولم ينتقض وضوءه طول النهار، فلا يجب عليه الوضوء بدخول وقت الصلاة، لما عرفت من أن الوضوء يصح قبل دخول الوقت، ومنها أن يكون قادراً على الوضوء، فلا يجب الوضوء على العاجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه، مما يأتي بيانه في "مبحث التيمم"، ومثل المريض فاقد الماء.فأما شروط صحة الوضوء فقط، فمنها أن يكون الماء طهوراً، وقد تقدم بيان الطهور في "مباحث المياه" ويكفي أن يكون طهوراً في ظن المتوضئ منه، ومنها أن يكون المتوضئ مميزاً، فلا يصح وضوء صبي غير مميز، وهذه صورة فرضية قد يحتاج إليها من يقول: إن

(1) المالكية قالوا: يصح وضوء المعذور قبل دخول الوقت وبعده.
الحنفية قالوا: يصح وضوء المعذور قبل دخول الوقت، فإذا توضأ قبل الظهر مثلاً، ثم دخل وقت الظهر لم ينتقض وضوءه، فله أن يصلي له وقت الظهر، ويظل متوضئاً إلى أن يخرج وقت الظهر، فإذا خرج وقت الظهر انتقض وضوءه عند خروج الوقت، فلا يصح له أن يصلي العصر إلا بوضوء جديد، وستعرف سبب نقض وضوءه بخروج الوقت في مبحثه. وبذلك تعلم أن المذكور في أعلى الصحيفة، مذهب الشافعية، والحنابلة.

****************************** **
الصبي يمنع من مس المصحف إذا لم يكن متوضئاً، ومنها أن لا يوجد حائل يمنع وصول الماء إلى العضو الذي يراد غسله، فإذا كان على اليد أو الوجه أو الرجل أو الرأس شيء يمنع وصول الماء إلى ظاهر الجلد، فإن الوضوء لا يصح. مثلاً إذا كان على العين غماض لا ينفذ منه الماء إلى الجلد. فإن الوضوء لا يصح وكذا إذا كان على الوجه أو اليد قطعة دهن جامدة. أو قطعة شمع. أو عجين. أو نحو ذلك. فإن الوضوء لا يصح. ومنها أن لا يوجد من المتوضئ ما ينافي الوضوء مثل أن يصدر منه ناقض للوضوء في أثناء الوضوء. فلو غسل وجهه ويديه مثلاً ثم أحدث فإنه يجب عليه أن يبدأ الوضوء من أوله. إلا إذا كان من أصحاب الأعذار الآتي بيانها. فإذا كان مصاباً بسلس البول. ونزلت منه قطرة أو قطرات أثناء الوضوء فإنه لا يجب عليه استشناف الوضوء. كما ستعرفه في - مبحثه -.وأما شروط وجوبه وصحته معاً فمنها العقل. فلا يجب الوضوء على مجنون (1) ، ولا مصروع، ولا معتوه (2) ، ولا مغمى عليه. وإن توضأ واحد من هؤلاء فإن وضوءه لا يصح. بحيث لو توضأ المعتوه ثم بعد لحظة برئ من مرضه هذا فإنه لا تصح صلاته بهذا الوضوء. ومثله المجنون، أما المعتوه أو المصروع والمغمى عليه، فإنه لا يتصور وقوع الوضوء منهم. ولكن ذكر هذه الصور لبيان أن الله سبحانه قد رفع عنهم التكليف في هذه الحالة من جميع الوجوه بحيث لو فرض ووقع منهم شيء من ذلك فإنه لا يصح وللإشارة إلى أن التصرفات الشرعية بإزاء العبادات كغيرها من التصرفات بإزاء المعاملات لا بد فيها من العقل. ومنها نقاء المرأة من دم الحيض والنفاس. فلا يجب الوضوء على حائض. فإن وضوءها لا يعتبر لعدم صحته؛ نعم يندب للحائض أن تتوضأ في وقت كل صلاة، وتجلس في مصلاها، كما سيأتي في "مباحث الحيض" ولكن هذا الوضوء صوري، طلب منها كي لا تنسى الصلاة حال تركها إياها، ومنها عدم النوم والغفلة، لأن النائم غير مكلف حال نومه، رحمة به، وكذلك الغافل، فإذا فرض ووقع الوضوء منهما وقع باطلاً، وقد يظن بعضهم أن المراد بالنائم المتمدد بجسده على سريره، أو على غيره؛ فإن هذا لا يتصور منه وقوع الوضوء، ولكن هذا ليس المراد وإنما المراد

(1) الحنفية قالوا: الجنون، والصرع. ونحوهما مما ذكر من نواقض الوضوء. فهي تنافي صحة الوضوء. وعلى هذا تكون من شروط صحة الوضوء. وقد عرفت أنها من شروط الوجوب عندهم. فتكون بهذا الاعتبار من شروط الوجوب والصحة معاً.
(2)
الحنفية قالوا: المعتوه هو ما اختلط كلامه. وقسد تدبيره، مع كونه هادئاً لا يشتم أحداً ولا يتخبط ولا يضرب ومثل هذا تصح عبادته كالصبي ولكن لا تجب عليه فعدم العته من شروط الوجوب فقط. لا من شروط الصحة.
***************

ابوالوليد المسلم 20-06-2019 05:49 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 50 الى صـــــــــ
58
الحلقة (14)


بالنائم من يقوم ويتحرك، بل ويخرج من داره وهو نائم، فإن مثل هذا يصح أن يتوضأ، وهو نائم، ولا يشعر، وقد رأيت جيراناً لي بهذه الحالة، ومنها الإسلام (1) ، فهو شرط في وجوب الوضوء. بمعنى أن غير المسلم لايطالب بالوضوء. وهو كافر، ولكنه حال كفره مخاطب بالصلاة وبوسائلها، بحيث يعاقب على ترك الوضوء، ولا يصح منه إذا توضأ، ومنها بلوغ (2) دعوة النبي سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، بأن يعلم أن الله سبحانه قد أرسله رسولاً إلى كافة الناس، كي يدعوهم إلى توحيده، ووصفه بصفات الكمال، ويأمرهم بعبادته سبحانه على وجه خاص، فمن لم تبلغه هذه الدعوة فإنه لا يجب عليه شيء من ذلك، فالوضوء لا يجب على من لم تبلغه هذه الدعوة، ولا يصح منه بحيث لو فرض وتوضأ قبل بلوغه الدعوة بساعة، ثم بلغته الدعوة، فإن وضوءه لا يصح، وقد زاد بعض المذاهب شروطاً أخرى مذكورة في هامش الصحيفة (3) .
(1) المالكية قالوا: الإسلام شرط صحة فقط، فالكفار عندهم مخاطبون بفروع الشريعة فتجب عليهم العبادات، ويعاقبون على تركها، ولا تصح منهم إلا بعد الإسلام، وإنما لا تصح منهم حال الكفر، لأن العبادات جميعها متوقفة على النية عندهم، وستعرف قريباً أن من شروط صحة النية الإسلام.
الحنفية قالوا: إن الإسلام من شروط الوجوب فقط، لا من شروط الوجوب والصحة معاً، عكس المالكية، فالكافر غير مخاطب بفروغ الشريعة عندهم، وإنما لم يعدوه من شرائط الصحة. لأن الوضوء عندهم لا يتوقف على نية، لأن النية ليست من فرائضه، كما ستعرفه بخلاف التيمم، فإنه لا يصح من الكافر، لتوقفه على النية، لأنها فرض في التيمم، كما يأتي.
(2)
الحنفية قالوا: بلوغ الدعوة ليس شرطاً في صحة الوضوء، بحيث لو توضأ قبل بلوغ الدعوة، ثم بلغته، وهو متوضئ، فإن وضوءه يكون صحيحاً، وإنما لم يعدوا بلوغ الدعوة شرطاً في الوجوب، اكتفاء بالإسلام، لأن الإسلام لا يتحقق إلا بعد بلوغ الدعوة، وبذلك تعلم أن الذين اعتبروا الإسلام شرط وجوب وصحة معاً في الوضوء، إنما هم الشافعية، والحنابلة.
(3) الشافعية: زادوا على ما ذكر في شروط الصحة ثلاثة أمور: الأول: أن يكون عالماً. يكيفية الوضوء، بمعنى أن يعرف أن الوضوء هو غسل الوجه، وغسل الذراعين إلى المرفقي، إلى آخر ما يأتي بيانه، فإذا غسل وجهه ويديه، الخ، وهو لم يعرف أن هذا هو الوضوء المكلف به شرعاً، فإن وضوءه لا يصح، الثاني: أن يميز الفرض من غيره، إلا إذا كان من العوام، فإذا كان المتوضئ عامياً، فالشرط في حقه أن لا يعتقد الفرض نفلاً، بحيث لو اعتقد أن الكل فرض؛ فإنه يصح، مثل ذلك ما إذا اعتقد أن الوضوء مشتمل على فرائض وسنن، ولكن لم يميز الفرض من السنة، فإن وضوءه في هذه الحالة يصح، الثالث: أن ينوي في أول الوضوء ويستمر ناوياً حتى يفرغ من الوضوء، بحيث لو نوى الوضوء==حال غسل وجهه فقط، ثم نوى بغسل يديه تنظيفهما فقط، أو التبرد بالماء؛ فإن وضوءه لا يصح، ويعبرون عن هذا بمصاحبة النية حكماً، حتى يفرغ من الوضوء، فإذا نوى الوضوء، ونوى معه النظافة؛ فإن وضوءه لا يبطل بذلك.
الحنابلة: زادوا في شروط الصحة فقط ثلاثة أمور: أحدها أن يكون الماء مباحاً، فإذا توضأ بماء مغصوب فإن وضوءه لا يصح، ثانيها: أن ينوي الوضوء، فإذا لم ينو لم يصح وضوءه، فالنية عندهم شرط لصحة الوضوء؛ أما الحنفية فقد عرفت أنها عندهم سنة، فليست ركناً، ولا شرطاً؛ وأما المالكية والشافعية فقد قالوا: إنه ركن من أركان الوضوء. فالحنابلة وحدهم هم الذين جعلوها شرطاً، وستعرف الفرق بين الشرط والركن في "مبحث النية"، ثالثها أن يتقدم الاستجمار أو الاستنجاء على الوضوء، فلا يصح الوضوء عندهم بغير ذلك، وسيأتي بيان ذلك في "مباحث.الاستنجاء "
*********************
[فرائض الوضوء]

الفرض: معناه في اللغة القطع. والحز، تقول فرضت الحبل، إذا قطعته، وفرضت الخشبة إذا حززتها، ولم تكمل قطعها، وأما معناه في الشرع فهو ما أثيب فاعله، وعوقب تاركه، ثم إن الفقهاء قد اصطلحوا على الفرض مساو للركن، فركن الشيء وفرضه شيء واحد، وفرقوا بينهما وبين الشرط، بأن الفرض أو الركن ما كان من حقيقة الشيء، والشرط ما توقف عليه وجود الشيء، ولم يكن من حقيقته، مثلاً الصلاة من فرائضها التكبيرة، والركوع، والسجود، الخ، ومن شروط صحتها دخول الوقت، فإذا صلى قبل الوقت فإنه يكون قد أتى بحقيقة الصلاة، ولكنها تكون باطلة في نظر، الشريعة، لأن شرط لها دخول الوقت، كما ستعرفه في "مباحث الصلاة".وبعد: فإن فرائض الوضوء قد اختلف في عدها أئمة المذاهب الأربعة، ولكن الثابت بكتاب الله تعالى أربعة: أحدها: غسل الوجه؛
ثانيها:
غسل اليدين إلى المرفقين:
ثالثها: مسح الرأس كلاًّ، أو بعضاً،
رابعها:
غسل الرجلين إلى الكعبين، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} وهذا القدر متفق عليه بين الأئمة الأربعة، ولم يختلفوا إلا في كيفية مسح الرأس، فمنهم من قال تمسح كلها، ومنهم من قال يمسح بعضها؛ كما ستعرفه؛ وقد زاد بعض الأئمة فرائض على هذه الأربعة دون بعض؛ فلنذكر لك فرائض الوضوء مجتمعة في كل مذهب على حدة، كي لا تتفرق المسائل؛ فيتعذر تحصيلها؛ ثم ننبه على القدر المتفق عليه؛ كما هو موضح، تحت الجدول الذي أمامك (1)
____________________________
(1) الحنفية قالوا: إن فرائض الوضوء مقصورة على هذه الأربعة، بحيث لو فعلها المكلف بدون==زيادة عليها، فإنه يكون متوضئاً، تصح منه الصلاة وغيرها مما يتوقف على الوضوء؛ كمس مصحف وستعلم حكم تارك السنة في "مبحث سنن الوضوء".
وإليك بيان فرائض الوضوء الأربعة عن الحنفية، الأول: غسل الوجه ويتعلق به أمور: أحدها: بيان حده طولاً وعرضاً، ثانيها: بيان ما يجب غسله مما ينبت عليه من شعر الذقن والشارب والحاجبين؛ ثالثها: بيان ما يجب غسله من العينين ظاهراً وباطناً؛ وما لا يجب؛ رابعها بيان ما يجب غسله من طاقة الأنف؛ فأما حد الوجه طولاً، لمن لا لحية له فهو يبتدئ من منابت شعر الرأس المعتاد؛ إلى منتهى الذقن؛ ومنابت الشعر المعتاد من فوق الجبهة ويسميها العامة - القورة - فالرجل العادي يبتدئ وجهه من أول الشعر النابت في نهاية جبهته؛ وأما غير العادي فلا يخلو حاله، إما أن يكون أصلع؛ أو يكون أفرع - بالفاء، لا بالقاف - فالأصلع هو الذي ذهب شعرَّ رأسه من أمام، حتى كانه خلق بدون شعر، وحكم هذا أنه لا يجب عليه أن يغسل كل ما ليس عليه شعر من الصلع؛ وإنما يغسل القدر الذي ينبت عنده شعر الرأس غالباً، وهو ما فوق الجبهة بيسير، وأما الأفرع وهو الذي طال شعره؛ حتى نزل على جبهته؛ وربما وصل عند بعض الناس إلى قرب حاجبيه؛ ويعبر عنه بعضهم - بالأغم - فإن حكمه في ذلك كالأصلع، بمعنى أنه يجب عليه غسل ما فوق الجبهة بيسير؛ لأن غالب الناس ينبت شعر رأسهم في هذا المكان، والمعول عليه في مثل هذا اتباع الغالب، فمن شذ عن غالب الناس في الخلقة، فإنه لا يكلف بغير تكليفهم أما حد الوجه عرضاً، فإنه يبتدئ من أصل الأذن إلى أصل الأذن الأخرى، ويعبر عنه بعضهم بوتد الأذن، فالبياض الموجود بين الذقن وبين الأذن داخل في الوجه طبعاً، فيجب غسله عندهم، فهذا حد الوجه عند الحنفية طولاً وعرضاً.
أما الشعر الثابت في الوجه، فأهمه شعر اللحية، وشعر الشارب، فأما حكم شعر اللحية، فإنه يجب أن يغسل منها ما كان على جلد الوجه من أعلاه إلى نهاية جلد الذقن، وتسمى - البشرة - وما طال عن ذلك، فإنه لا يجب غسله، فالناس الذين يطيلون لحاهم لا يجب عليهم إلا غسل الشعر الذي على جلد الوجه، والشعر الذي على ظاهر جلد الذقن، أما ما عدا ذلك فإنه لا يجب غسله، ثم إن كان الشعر خفيفاً يمكن أن ينفذ الماء منه إلى ظاهر جلد الوجه، فبعضهم قال: إن كان كثيفاً غزيراً - لا يصل الماء إلى ما تحته من الجلد، فإن الوضوء يبطل، وبعضهم قال: لا يبطل الوضوء بذلك، بل يكتفي بغسل ظاهره كاللحية، وهذا هو الذي عليه الفتوى في الوضوء، أما في الغسل، فإنه لا يغتفر ذلك، بل يبطل الغسل إذا كان الشارب كثيفاً، ولعل علة ذلك، أن الشارع قد نهى عن إطالته، لما يحمل من أقذار الطعام ونحوها، فشدد في غسله، كي لا يطيله الناس بدون اية فائدة.
هذا، وبقي من شعر الذي ينبت على الحاجبين، وحكمه أنه إن كان خفيفاً يمكن=أن ينفذ منه الماء إلى ظاهر الجلد، فإنه يجب تحريكه، كي ينفذ الماء إلى ما تحته، وإن كان غزيراً، فإنه لا يجب تخليله.
وأما الأنف، فإنه يجب عليه غسل ظاهرها كلها، لأنها من الوجه. فإذا ترك جزءاً منها، ولو صغيراً، فسد وضوءه، ومن الأنف القطعة الحاجزة بين طاقتيها من أسفلها، أما غسل باطن الأنف، فإنه ليس بفرض عند الحنفية، نعم إذا كان بالوجه جرح أحدث أثراً غائراً، فإنه يجب إيصال الماء إليه كما يجب إيصال الماء إلى ما بين تكاميش الوجه، ويعبر عنها العامة - بالكراميش - فيقولون: إن وجه فلان كرمش.
هذا، وإذا توضأ ثم حلق شعر لحيته، أو شعر رأسه، فإن وضوءه لا يبطل ذلك.
الثاني: من فرائض الوضوء غسل اليدين مع المرفقين، والمرفق عظم المفصل البارز في نهاية الذراع، ويتعلق بهذا الفرض مباحث: أحدها: إذا كان للإنسان إصبع زائدة فإنه يجب غسله أما إذا كان له يد زائدة، فإن كانت محاذية ليده الأصلية، فإنه يجب عليه غسلها، وإن كانت طويلة عنها، فإنه يجب عليه أن يغسل منها المحاذي لليد الأصلية، وأما الزائد عنها فلا يجب عليه غسله، ولكنه يندب أن يغسله، ثانيها: إذا لصق بيده، أو بأصل ظفره طين أو عجين، فإنه يجب عليه إزالته، وإيصال الماء إلى أصل الظفر، وإلا بطل وضوءه، وأصل الظفر هو القدر الملصق بلحم الإصبع، فإن طال الظفر نفسه حتى خرج عن رأس الإصبع فإنه يجب غسله، وإلا بطل الوضوء، أما ما تحت الظفر من درن ووسخ "فإن المفتي به أنه لا يضر، سواء كان المتوضئ قاطنياً بمدينة أو قرية؛ دفعاً للمشقة والحرج، ولكن بعض محققي الحنفية يرى ضرورة غسل الأوساخ اللاصقة بباطن الظفر من الأذى، على أنهم اغتفروا للخباز الذي تطول أظفاره، فيبقى تحتها شيء من العجين لضرورة المهنة، ولا يضر أثر الحناء، وأثر الصباغة؛ وأما نفس جرم الحناء المتجسد على اليد، فإنه يضر، لأنه يمنع من وصول الماء إلى البشرة، ومن قطع بعض يده، وجب عليه أن يغسل ما بقي، وإذا قطع محل الفرض كله، سقط الغسل، الثالث: غسل الرجلين مع الكعبين، وهما العظمان البارزان في أسفل الساق، فوق القدم، ويجب عليه أن يتعهد عقبيه بالغسل بالماء، كما يجب عليه أن يتعهد الشقوق التي تكون في باطن القدم، فإذا قطع قدمه كله أو بعضه، كان حكمه حكم قطع الذراع المتقدم، وإذا دهن رجليه، أو ذراعيه، ثم توضأ فتقطع الماء، ولم يقبله العضو بسبب الدسومة، فإنه لا يضر، وإذا كان برجله شق، فوضع فيه مرهماً، أو نحوه، فإن كان يضره إيصال الماء إلى ما تحت المرهم، فإنه لا يجب عليه غسله، وإلا وجب عليه أن ينزعه، ويغسل ما تحته، وإذا كان برجله شقوق - تقشف - ونحوه، بحيث يضرها الغسل، أو وضعها في الماء وإخراجها سريعاً بدون ذلك، فإنه يسقط عنه فرض غسلها، وعليه أن يمسحها بالماء، فإن عجز عن مسحها سقط عنه المسح أيضاً، فلا يجب عليه إلا غسل ما لا يتضرر من غسله، الرابع: من فرائض الوضوء، مسح ربع الرأس، ويقدرون ربع الرأس بكف، فالواجب أن يمسح من رأسه بقدر==الكف كلها، فلو أصاب الماء كف يده، ثم وضعها على رأسه، من خلف، أو أمام، أو أي ناحية فإنه يجزئه، على أنه لا يلزم أن يكون المسح بنفس الكف، فلو أصاب الماء ربع رأسه بأي سبب، فإنه يكفي ويشترط للمسح باليد أن يكون بثلاث أصابع، على الأقل، لأجل أن يصيب الماء ربع الرأس قبل أن يجف، إذ لو مسح بأصبعين فقط ربما يجف الماء قبل تحريكهما؛ لمسح باقي الربع؛ فلا يصل الماء إلى القدر المطلوب مسحه، فإذا مسح برؤوس الأصابع، وكان الماء متقاطراً، يمكن أن يصل إلى القدر المطلوب مسحه، فإنه يصح، وإلا فلا، على أن لا يشترط أن يمسْح رأسه بماء جديد، فلو كانت يده مبلولة، فإنه يجزئه، ولا يجزئه أن يأخذ البلل من على عضو من أعضائه، فلو غسل ذراعه، وكانت يده جافة، فأخذ البلل من على ذراعه ومسح به، فإنه لا يكفي؛ ومن كان شعر رأسه طويلاً نازلاً على جبهته، أو عنقه، فمسح عليه. فإنه لا يجزئه، لأن الغرض هو أن يمسح نفس ربع الرأس، فإن كانت محلوقة. فالأمر ظاهر، وإن كان عليها شعر، فإنه يجب عليه أن يمسح على الشعر النابت في نفس الرأس، فلا بد أن يكون الشعر الممسوح نابتاً على جزء من رأسه، فإن كان بعض رأسه محلوقاً، وبعضها غير محلوق، فإنه يصح أن يمسح على الربع الذي يختاره، وإذا مسح على الشعر، ثم حلقه فإن وضوءه لا يبطل، وإذا أخذ قطعة من الثلج، فمسح بها رأسه، أجزأه، وإذا غسل رأسه مع وجهه، أجزأه عن المسح، ولكنه يكره، ولا يجوز المسح على العمامة ونحوهما إلا للمعذور، كما لا يصح أن تمسح المرأة على ما يغطي رأسها من - منديل، أو طرحة - أو نحو ذلك، إلا إذا كان خفيفاً، ينفذ منه الماء إلى الشعر، وإذا كان على رأسها خضاب - حناء، أو صبغ - فمسحت عليه، فإذا تلون الماء بلون الصبغ، وخرج عن حكم الماء المتقدم، فإنه لا يصح، وإلا جاز.
فهذه هي فرائض الوضوء عند الحنفية، وما عداها، فإنه سنة، وسيأتيك بيانه قريباً.
المالكية قالوا: فرائض الوضوء سبعة:
الفرض الأول: النية، ويتعلق بها مباحث: 1 - تعريفها وكيفيتها. 2 - زمنها، ومحلها. 3 - شروطها. 4 - مبطلاتها، فأما تعريفها، وكيفيتها، فهي قصد الفعل، وإرادته، فمن قصد فعل أمر من الأمور، فإنه يقال له: نوى ذلك الفعل، وكيفيتها في الوضوء هي أن يريد المحدث استباحة ما منعه الحدث الأصغر، أو يقصد أداء فرض الوضوء، أو يقصد رفع الحدث، وظاهر أن محل القصد إنما هو القلب، فمتى قصد الوضوء بكيفية من الكيفيات المذكورة، فقد نوة، ولا يشترط أن يتلفظ بلسانه، كما لا يشترط استحضار النية، إلى آخر الوضوء، فلو ذهل عنها في أثنائه، فإنها لا تبطل، وأما زمن النية فهو في أول الوضوء، فلو غسل بعض الأعضاء بدون نية، فإن وضوءه يبطل، ويغتفر تقدمها على الفعل بزمن يسير عرفاً، فلو جلس للوضوء ونواه، ثم جاء الخادم بافبريق، وصب على يديه، ولم ينو بعد ذلك، فإن وضوءه يصح، لأنه لم يفصل بين وضوئه، وبين النية فاصل كثير، وقد عرفت أن محلها القلب، وأما شروطها فهي ثلاثة: الإسلام؛ التمييز؛ الجزم، فإذا نوى غير المسلم فعل عبادة من العبادات، فإن نيته لا تصح، وكذا إذا نوى الصغير الذي لا يميز التكاليف الدينية، ولا يعرف معنى=الإسلام، ومثله المجنون، أما الصبي المميز، فإن نيته تصح وكذا إذا تردد في النية، فإنها لا تصح فإذا قال في نفسه: نويت الوضوء إن كنت قد أحدثت، فإن نيته لا تصح، بل لا بد من الجزم بالنية؛ وأما ما يبطل النية، فهو أن يرفضها أثناء وضوئه بمعنى أنه ينوي إبطال الوضوء، وعدم الاعتداد به، أما إذا رفضها بعد تمام الوضوء، فإنه لا يضر، لأن الوضوء بعد تمامه يقع صحيحاً، فلا يبطله إلا ما ينقضه من النواقض الآتي بيانها.
الفرض الثاني: من فرائض الوضوء غسل الوجه، وحد الوجه طولاً وعرضاً، هو الحد الذي ذكره الحنفية، إلا أن المالكية قالوا: إن البياض الذي فوق وتدي الأذنين المتصل بالرأس من أعلى، لا يجب غسله، بل مسحه، لأنه من الرأس لا من الوجه، ومثله شعر الصدغين، فإنه من الرأس لا من الوجه، أما الحنفية فإنهم يقولون: إنه من الوجه، فغسله فرض لا بد منه.
الفرض الثالث: غسل اليدين مع المرفقين، ويجب عندهم ما يجب عند الحنفية من غسل تكاميش الأنامل، وغسل ما تحت الأظافر الطويلة، التي تستر رؤوس الأنامل، ويقولون: إن وسخ الأظفار يعفى عنه، إلا إذا تفاحش وكثر.
الفرض الرابع: مسح جميع الرأس، ويبتدئ حد الرأس من منابت شعر الرأس المعتاد من الأمام، وينتهي إلى نقرة القفا من الخلف، ويدخل فيه شعر الصدغين، والبياض الذي خلفه فوق وتدي الأذنين، كذلك يدخل البياض الذي فوق الأذنين المتصل بالرأس، وإذا طال شعر الرأس كثيراً، أو قليلاً، فإنه يجب مسحه عندهم، وإذا ضفر أحد شعره، فإنه يجب عليه أن ينقضه عندهم، بشرط أن يضفره بثلاثة خيوط. أما إذا ضفره بخيطين فأقل، فإن كان تضفيره شديداً، فإنه يجب نقضه، وإن كان خفيفاً، فإنه لا يضر، وكذا لا يضر إذا ضفر الشعر بلا خيط، سواء شفره بشدة، أو لا. فالشرط في نقض الشعر عند المسح أن يضفره بخيوط. كما يفعل بعض أهل القرى. أما ما هو متعارف عند جمهور المصريين من جمع الشعر بغير تضفير. فإنه لا يضر. كما لا يضر تضفيره بغير خيط. وقد عرفت أن مذهب الحنفية أنه يكتفي بمسح ربع الرأس مطلقاً. وسيأتي مذهب الشافعية. وفيه سعة أكثر من ذلك. فإنه يكتفي عندهم بمسح أي جزء. قليلاً كان أو كثيراً، وإذا غسل رأسه فإنه يكفيه عن مسحها إلا أنه مكروه. لأن الله أمر بالمسح لا بالغسل، وإن مسح شعر رأسه ثم أزاله فإنه لا يجب عليه تجديد المسح. حتى ولو كشط الجلد بعد المسح، وهذا متفق عليه أما ظاهر الأذنين فإنه لا يجب مسحهما لأنهما ليستا من الرأس. وهذا متفق عليه إلا سنة الحنابلة فإنهم قالوا: إنهما من الرأس كما ستعرف في مذهبهم.
الفرض الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين. وقد عرفت مما ذكر في مذهب الحنفية أن الكعبين هما العظمان البارزان في أسفل ساق الرجل فوق القدم. ويجب عليه أن يغسل الشقوق التي في باطن قدمه وظاهره كما في مذهب الحنفية. وإذا قطع محل الفرض كله سقط التكليف كما تقدم عند الحنفية.=
=الفرض السادس: الموالاة. ويعبر عنها بالفور. وتعريف الموالاة هو أن المتوضئ يفترض عليه أن يغسل العضو. قبل أن يجف العضو الذي قبله بحيث لا يصبر مدة يجف فيها الأول عد اعتدال المكان والزمان والمزاج. واعتدال المكان هو أن يكون في مكان ليست فيه حرارة، أو برودة شديدتان تجففان الماء واعتدال الزمان هو أن يكون في طبيعة الشخص ما يوجب تجفيف الماء بسرعة هذا، والمالكية يقولون: إن الفور لازم بين جميع الأعضاء، سواء كانت مغسولة، أو ممسوحة، كالرأس، فإنه يجب أن ينتقل من مسحها إلى غسل الرجلين مثلاً على الفور، وتعتبر المسافة في جفافها، كالمسافة التي يجف فيها العضو المغسول، ثم إنه يشترط لفرضية الفور عند المالكية شرطان: الشرط الأول: أن يكون المتوضئ ذاكراً، فلو نسي فغسل يديه قبل وجهه، فإنه يصح؛ ولكنه إذا تذكر يلزمه أن يجدد نية عند تكميله الوضوء، لأن نيته الأولى بطلت بالنسيان؛ الشرط الثاني: أن يكون عاجزاً عن الموالاة، غير مفرط، مثال ذلك: أن يحضر الماء الكافي للوضوء، وهو معتقد أنه يكفيه. ثم ظهر عدم كفايته، فغسل به بعض أعضاء الوضوء، كالوجه واليدين مثلاً، وفرغ الماء واحتاج إلى ماء آخر يكمل به وضوءه فانتظر مسافة جفت فيها الأعضاء التي غسلها، فإنه في هذه الحالة يسقط عنه الفور، وعند حضور الماء يبني على ما فعل فيمسح رأسه، ويغسل رجليه، ولو طال الزمان، أما إذا فرط من أول الأمر، بأن أحضر ماء، وهو يشك في أن يكفي للوضوء. فإنه إذا مت مدة طويلة، بطل وضوءه: أما إذا كانت المدة قصيرة، فإنه لا يبطل، ويبني على ما فعل أولاً.
الفرض السابع: دلك الأعضاء، وهو إمرار اليد على العضو، وهو فرض، كتخليل الشعر، وأصابع اليدين.
وبذلك تعلم أن فرائض الوضوء عند المالكية سبعة: النية؛ غسل الوجه؛ غسل اليدين مع المرفقين؛ مسح جميع الرأس؛ غسل الرجلين مع الكعبين؛ الفور، التدليك، وإنما عدّ التدليك فرضاً، مع كونه داخلاً في حقيقة الغسل عندهم، مبالغة في الحث عليه، ومعنى كونه داخلاً في حقيقة الغسل أن الغسل عند المالكية، ليس هو عبارة عن مجرد صب الماء على الجسد، بل لا بد فيه من الدلك.
الشافعية قالوا: فرائض الوضوء ستة:
الفرض الأول: النية، وتعريفها وشرائطها، وباقي مباحثها لا يختلف عما ذكره المالكية قبل هذا، إلا في أمرين: أحدهما أن المالكية قالوا: إنه لا يشترط مقارنة النية لأفعال الوضوء، بل يغتفر أن تتقدم النية على الشروع في الوضوء تقدماً يسيراً في العرف، أما الشافعية فإنهم قالوا: لا بد من مقارنة النية لأول جزء من أجزاء الوضوء، وحيث أن أول فرض من فرائض الوضوء هو غسل الوجه، فلا بد من أن ينوي عند غسل أول جزء من وجهه، فإنه فعل بدون نية بطل وضوءه، وإن نوى عند غسل أول جزء من وجهه، ثم غفل عن النية بعد ذلك أجزأته النية الأولى إذ لا يشترط دوامها حتى يفرغ من غسل جميع الوجه، فإذا نوى عند غسل الكفين، أو المضمضة أو الاستنشاق، فإن النية لا تصح، لأن ذلك الجزءمن الوجه، وإذا نوى عند غسل الجزء الظاهر من شفتيه حال المضمضة، فإن النية تصح، لأن ذلك الجزء من الوجه، ثم إن قصد غسله لكونه من الوجه، فلا تلزمه إعادة غسله حال غسل وجهه، أما إذا قصد السنة، فقط أو لم يقصد شيئاً، فإن المعتمد إعادة غسله، فإذا كانت في وجهه جراحة تمنع غسله انتقلت النية إلى غسل الذراعين؛ ثانيهما: أن الشافعية قالوا: إن نية رفع الحدث في الوضوء لا تصح على إطلاقها، كما ذكر المالكية، بل إنما تصح من الصحيح، أما المعذور، كصاحب السلس، فإنه لا بد أن ينوي استباحة الصلاة، أو مس المصحف، أو غير ذلك، مما يتوقف على الوضوء، أو ينوي أداء فرض الوضوء، وذلك لأنه حدثه لا يرتفع بالوضوء، فلو نوى بوضوئه رفع الحدث، لم يرتفع، وإنما أمره الشارع بالوضوء، ليباح له أن يصلي به، أو يفعل به ما يتوقف على الطهارة.
الفرض الثاني: غسل الوجه، وحد الوجه طولاً وعرضاً، هو ما تقدم عند الحنفية، إلا أن الشافعية قالوا: إن ما تحت الذقن يجب غسله؛ وهذا مما انفرد به الشافعية وحدهم، على أن الشافعية وافقوا المالكية، والحنابلة على أن اللحية الطويلة تتبع الوجه، فيفترض غسلها إلى آخرها، خلافاً للحنفية، كما عْرفت، ووافق الشافعية الحنفية، على أن شعر الصدغين والبياض الذي فوق وتدي الأذنين، من الوجه، فيجب غسلهما عندهم بخلاف المالكية، والحنابلة؛ أما تخليل شعر اللحية، فإن الشافعية اتفقوا مع غيرهم من الأئمة على أنه إن كان الشعر خفيفاً بحيث يرى الناظر إليه ما تحته من جلد الوجه - البشرة - فإنه يجب تخليله كي يصل الماء إلى البشرة، وإن كان غزيراً فإنه يجب غسل ظاهره فقط، ويسن تخليله؛ إلا أن المالكية قالوا: إن الشعر الغزير، وإن كان لا يجب تخليله فإنه يجب تحريكه باليد كي يدخل الماء خلال الشعر، وإن لم يصل إلى الجلد، وأما التخليل، فهو غير واجب، فالأئمة متفقون على أن تخليل الشعر الخفيف الذي ينفذ منه الماء إلى الجلد لازم. أما الشعر الغزير، فثلاثة منهم يكتفون بغسل ظاهره. والمالكية يزيدون تحريكه باليد. لا بقصد إيصال الماء إلى الجلد. بل ليغسل من الشعر ما يمكن غسله بسهولة. وغير ذلك خطأ.
الفرض الثالث: غسل اليدين مع المرفقين، وقد اتفق الشافعية مع الحنفية في كل ما تقدم التفصيل، إلا أنهم قالوا: إن الأوساخ التي تحت الأظافر إن منعت من وصول الماء إلى الجلد المحاذي لها من الإصبع، فإنه إزالتها واجبة، ولكن يعفى عن العمال الذين يعملون في الطين ونحوه، بشرط أن لا يكون كثيراً، يلوث رأس الأصبع.
الفرض الرابع: مسح بعض الرأس ولو قليلاً، ولا يشترط أن يكون المسح باليد، فإذا رش الماء على جزء من رأسه أجزأه، وإذا كان على رأسه شعر، فمسح بعضه، فإنه يصح. أما إذا طال شعره، ونزل عن رأسه فمسح جزء من الزائد عن نفس الرأس، فإنه لا يكفي، حتى ولو جمعه وطواه فوق رأسه، فلا بد عندهم من مسح جزء من الشعر الملتصق بنفس الرأس، ثم إنهم قالوا: إذا غسل رأسه بدل مسحها، فإنه يجزئه ذلك، ولكنه خلاف الأولى، فليس بمكروه كما قال غيرهم.
الفرض الخامس: غسل الرجلين من الكعبين، وقد اتفق الشافعية مع الحنفية وغيرهم في الأحكام المتقدمة في غسل الرجلين.
الفرض السادس: الترتيب بين الأعضاء الأربعة المذكورة في القرآن الكريم، فيغسل أولاً وجهه، ثم يديه إلى مرفقيه، ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه إلى الكعبين، فإذا قدم أو أخر واحداً عن الآخر في هذا التريب بطلوضوءه، وقد وافقهم على ذلك الحنابلة، أو المالكية، والحنفية فقالوا: إن الترتيب بين هذه الأعضاء سنة لا فرض.
وبذلك تعلم أن فرائض الوضوء عند الشافعية ستة، وهي: النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح بعض الرأس، وغسل الرجلين مع الكعبين، والترتيب.
الحنابلة قالوا: فرائض الوضوء ستة.
الأول: غسل الوجه، وهم متفقون في حده طولاً وعرضاً، مع المالكية، فقد قالوا: إن شعر الصدغين، والبياض الذي فوق وتدي الأذنين من الرأس لا من الوجه، فالواجب مسحهما لا غسلهما على أنهم خالفوا جميع الأئمة في داخل الفم والأنف، فقالوا: إنهما من الوجه، يفترض غسلهما بالمضمضة والاستنشاق، وكذلك اختلفوا مع سائر الأئمة في النية، فقد قالوا: إنها شرط لصحة الوضوء، فلو لم ينو، لم يصح وضوءه، وإن كانت ليست فرضاً داخلاً في حقيقة الوضوء، وقد عرفت أن المالكية، والشافعية قالوا: إنها فرض، والحنفية قالوا: إنها سنة.
الثاني: غسل اليدين مع المرفقين، فيجب غسل اليد من أولها إلى نهاية عظمه الذراع البارزة كما ذكر الحنفية، وغيرهم ويجب غسل تكاميش الأصابع وغسل ما تحت الأظافر الطويلة، التي تستر رؤوس الأنامل، ويعفى عن وسخ الأظافر إذا كان يسيراً.
الثالث: مسح جميع الرأس، ومنها الأذنان، فيفترض مسحهما مع الرأس، فالحنابلة متفقون مع المالكية على ضرورة مسح جميع الرأس، من منابت شعرها المعتاد، إلى نقرة القفا، وإذا طال شعر الرأس فنزل إلى العنق، أو الكتف، فإنه لا يجب إلا مسح ما حاذى الرأس، أما ما نزل عنها فإنه لا يجب مسحه، خلافاً للمالكية القائلين بضرورة مسح الجميع، وقد خالفوا المالكية أيضاً.
كما خالفوا غيرهم من المذاهب في اعتبار الأذنين جزءاً من الرأس، وغسل الرأس يجزئ عن مسحها، كما قال غيرهم، بشرط إمرار اليد على الرأس، وهو مكروه، كما عرفت.
الفرض الرابع: غسل الرجلين مع الكعبين، وهما العظمان البارزان في أسفل الساق، فوق القدم؛ ويجب فيهما ما تقدم تفصيله في المذاهب الأخرى.
الفرض الخامس: الترتيب، فيجب أن يغسل الوجه قبل الذراعين، ويغسل الذراعين قبل أن يمسح الرأس، ويمسح الرأس قبل أن يغسل الرجلين، فإذا خالف هذا الترتيب بطل وضوءه وهم متفقون في هذا مع الشافعية، فإنك قد عرفت أنهم عدوا الترتيب فرضاً، أما المالكية، والحنفية فإنهم
*************

ابوالوليد المسلم 20-06-2019 05:50 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 59 الى صـــــــــ
69
الحلقة (15)


[خلاصة لما تقدم من فرائض الوضوء]

اتفق الأئمة على الفرائض الأربعة المذكورة في القرآن الكريم، وهي غسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس كلاًّ أو بعضاً، وغسل الرجلين إلى الكعبين، ولم يزد الحنفية عليها شيئاً، خلافاً للأئمة الثلاثة، ثم إنهم اختلفوا في حد الوجه، فقال الشافعية، والمالكية، والحنابلة إنه يبتدئ من منابت شعر الرأس المعتاد، وينتهي إلى آخر الذقن، لمن ليست له لحية؛ وإلى آخر شعر اللحية لمن له لحية، ولو طالت، إلا أن الشافعية قالوا: إن تحت الذقن من الوجه، فيجب غسله، أما الحنفية قالوا: إن حد الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى آخر الذقن، ومن كانت له لحية نازلة عن جلد الذقن فإنه لا يجب غسلها، ووافقوا المالكية، والحنابلة على أن ما تحت الذقن لا يجب غسله، واتفق الشافعية والحنفية على أن البياض الذي فوق وتدي الأذنين من الوجه، فيجب غسله، خلافاً للمالكية، والحنابلة، فإنهم قالوا: إن البياض المذكور من الرأس، فيمسح، ولا يغسل.واتفق الأئمة على أنه إن كان شعر اللحية خفيفاً، بحيث يرى الناظر إليه ما تحته من جلد الوجه فإنه يجب تخليله، كي يصل الماء إلى الجلد - البشرة - وإن كان غزيراً، فإنه يجب غسل ظاهره فقط، ولا يجب تخليل الشعر، بل يسن فقط، إلا أن المالكية قالوا: إن الشعر الغزير وإن كان لا يجب تخليله، ولكن يجب تحريكه باليد، كي يدخل الماء خلال الشعر، وإن لم يصل إلى الجلد، واتفق ثلاثة من الأئمة على أن الأذنين ليستا من الوجه، وخالف الحنابلة، وقالوا: إنهما من الوجه، يجب غسلهما بالماء.


جعلوا الترتيب بين هذه الفرائض سنة، فلو غسل ذراعيه قبل غسل وجهه، أو غسل رجليه قبل غسل يديه، أو نحو ذلك، فإن وضوءه يصح عند المالكية، والحنفية مع الكراهة، ويقع باطلاً بالمرة عند الشافعية، والحنابلة.
الفرض السادس: الموالاة، وقد عرفت بيان الموالاة في مذهب المالكية، ويعبرون عن الموالاة بالفور، وهي أن يغسل العضو قبل أن يجف العضو الذي قبله، وقد عرفت أن للمالكية تفصيلاً في الموالاة، أما الشافعية، والحنفية قالوا: إن الموالاة بين هذه الأعضاء سنة لا فرض فيكره أن يغسل العضو بعد جفاف الماء الذي على العضو الذي قبله، بل السنة أن ينتقل من غسل وجهه مثلاً إلى غسل يديه فوراً، وينتقل إلى مسح رأسه، قبل أن يجف ذراعه، وهكذا، فإذا غسل وجهه؛ ثم انتظر حتى جف الماء الذي غسل به ثم غسل ذراعيه، فإن الوضوء صحيح مع الكراهة، على أن الشافعية قالوا: إن صاحب السلس، والمعذور يجب عليه العذر وسيأتي تفصيل مذهبهم في "سنن الوضوء".
ومجمل فرائض الوضوء عن الحنابلة، هي غسل الوجه، ومنه داخل الفم، والأنف؛ غسل اليدين مع المرفقين؛ مسح جميع الرأس ومنها الأذنان. غسل الرجلين، الترتيب، الموالاة) .

********************
اتفق الحنابلة، والمالكية على أن مسح جميع الرأس فرض، واتفق الحنفية، والشافعية، على أن المفروض مسح بعض الرأس، أما مسح جميعها، فهو سنة. ولكن الشافعية قالوا: المفروض مسح بعض الرأس. ولو يسيراً، أما الحنفية فقالوا: المفروض مسح ربع الرأس. وهو مقدار كف اليد.واتفق المالكية، والحنفية على أن الترتيب بين أعضاء الوضوء ليس بفرض، بل هو سنة، فيصح غسل اليدين مثلاُ قبل غسل الوجه، وهكذا، وخالف الشافعية، والحنابلة فقالوا: إن الترتيب فرض.واتفق المالكية والشافعية على أن النية فرض، ولكنهما اختلفوا في وقتها، فقال المالكية: إنها قبل الشروع في الوضوء بزمن يسير عرفاً، أما الشافعية فقالوا: لا بد أن تكون عند البدء في غسل الوجه، أو أول فرض إن تعذر غسل الوجه.واختلف الحنابلة، والحنفية أيضاً، فقال الحنابلة: إن النية شرط لا فرض، وقال الحنفية: إنها سنة.واتفق الشافعية، والحنفية على أن الفور - وهو غسل العضو، قبل أن يجف العضو الذي قبله - سنة لا فرض، واتفق المالكية والحنابلة على أنه فرض، وقد عرفت التفصيل الذي ذكره المالكية في ذلك.[مبحث سنة الوضوء][تعريف السنة، وما في معناها من مندوب، ومستحب]قد اختلفت آراء المذاهب في معاني السنة، والمندوب، والمستحب، والفضيلة، فمنهم من قال: إنها ألفاظ مترادفة بمعنى واحد، وهو ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، ومنهم من قال: إن السنة غير المندوب، والمستحب، لأن طلبها أكد، وعلى كل حال، فإن فاعلها يثاب، وتاركها لا يعاقب، ومنهم من قال: إن السنة غير المندوب والمستحب، ثم قسم السنة إلى مؤكدة وغير مؤكدة، وقال: إن ترك السنة المؤكدة يوجب العقاب بالحرمان من شفاعة النبي يوم القيامة، وإن كان تاركها لا يعذب بالنار، فلذا رأينا أن نذكر لك تعريف السنة، وما في معناها مفصلة في المذاهب أولاً، ثم نذكر لك سنن الصلاة مجتمعة بعد ذلك في كل مذهب، ثم نبين المتفق عليه والمختلف فيه، ليسهل ضبطه، وحفظه في المذاهب (1)

(1) الشافعية قالوا: السنة، والمندوب، والمستحب، والتطوع ألفاظ مترادفة بمعنى واحد، وهوما يطلب من المكلف أن يفعله، طلباً غير جازم، فإذا فعله يثاب على فعله، وإذا تركه لا يعاقب على تركه، ثم إنهم يقسمون السنة إلى قسمين:
الأول: سنة عين، وهي ما يطلب فعله بخصوصه من المكلف. طلباً غير جازم. ولا يختص به واحد من المكلفين دون الآخر، وذلك كسنن فرائض الصلاة،
الثاني: سنة كفاية. وهي ما يخاطب بها مجموع المطلفين. بحيث إذا أتى بها بعضهم سقطت عن الباقين، وذلك كما إذا كان جماعة يأكلون، فأتى واحد منهم بالتسمية. فإنها تسقط عن الباقين. ولكن يختص هو بالثواب دونهم.
المالكية قالوا: السنة هي ما طلبه الشارع، وأكد أمره، وعظم قدره وأظهره في الجماعة ولم يقم دليل على وجوبه. ويثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. وهي بخلاف المندوب عندهم. فإنه ما طلبه الشارع. ولم يؤكد طلبه. وإذا فعله المكلف يثاب، وإذا تركه لا يعاقب، ويعبرون عن المندوب بالفضيلة. ويمثلون لذلك بصلاة أربع ركعات قبل الظهر. وغير ذلك. مما ستعرفه في "مندوبات الصلاة".
الحنفية قالوا: تنقسم السنة إلى قسمين:
الأول: سنة مؤكدة. وهي بمعنى الواجب عندهم. لأنهم يقولون: إن الواجب أقل من الفرض. وهو ما ثبت بدليل فيه سبهة ويسمى فرضاً عملياً. بمعنى أنه يعامل معاملة الفرائض في العمل. فيأثم بتركه. ويجب فيه الترتيب والقضاء ولكن لا يجب اعتقاد أنه فرض، وذلك كالوتر، فإنه عندهم فرض عملاً لا اعتقاداً، فيأثم تاركه، ولا يكفر منكر فرضيته، بخلاف الصلوات الخمس، فإنها فرض عملاً واعتقاداً، فيأثم تاركها، ويكفر منكرها، على أن تارك الواجب عند الحنفية لا يأثم إثم تارك الفرض، فلا يعاقب بالنار، على التحقيق، بل يحرم من شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وبذلك تعلم أن الحنفية إذا قالوا: هذه سنة مؤكدة، فإنما يريدون بها الواجب الذي ذكرنا، ومن أحكامها أنها إذا تركت في الصلاة سهواً، تجبر بالسجود الثاني سنة غير مؤكدة، ويسمونها مندوباً ومستحباً، وهي ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه.
الحنابلة قالوا: السنة، والمندوب، والمستحب ألفاظ مترادفة بمعنى واحد، وهو ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه، كما قال الشافعية، إلا أنهم يقسمون السنة إلى مؤكدة، وغير مؤكدة فالمؤكد كالوتر، وركعتي الفجر، والتراويح، وتركها عندهم مكروه، أما ترك غير المؤكدة، فليس بمكروه) .
_________________________
[مبحث بيان عدد السنين وغيرها من مندوبات، ونحوها]

عرفت أن المذاهب مختلفة في بيان السُّنة، والمندوب، والمستحب، والفضيلة، وعرفت أن بعض الأئمة يعتبر السنة، والمندوب، والمستحب، والتطوع كلها ألفاظ مترادفة بمعنى واحد، وبعضهم يفرق بين هذه الألفاظ، فلذا سنذكر لك تحت الخط الذي أمامك تفصيل كل مذهب على حدة (1)

(1) الحنفية قالوا: سنن الوضوء منها ما مؤكد يثاب على فعله، ويعاقب على تركه، كالواجب، وعرفت أنهم يفرقون بين الفرض والواجب، فسنن الوضوء المؤكدة أمور: منها التسمية، وهي سُنة لازمة، سواء كان المتوضئ مستيقظاً من نوم، أو لا، ومحلها عند الشروع في الوضوء، حتى لو نسيها ثم ذكرها بعد غسل بعض الأعضاء فسمى، لا يكون آتياً بالسنة، على أنه إذا نسيها، فإنه يأتي بها متى ذكرها قبل الفراغ من الوضوء، كي لا يخلو الوضوء عنها، وله أن يسمي قبل الاستنجاء وبعده، بشرط أن لا يسمي في حال الانكشاف، ولا في محل النجاسة، كما سيأتي في "مباحث الاستنجاء".
والتسمية المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أن يقول: "بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام، ولو قال في ابتداء الوضوء: لا إله إلا الله، أو قال: الحمد لله، أو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقد أتى بالسنة؛ ومنها غسل اليدين إلى الرسغين، والرسغ معروف، وهو النقرة المتوسطة في ظاهر الكف، بين الإصبع الوسطى، والإصبع التي قبلها، وبعض الحنفية يرى أن غسل اليدين إلى الرسغين ثلاث مرات قبل وضعها في الإناء فرض، تقديمه على باقي أعمال الوضوء سنة، وفي كيفية غسل اليد في الآنية تفصيل، وذلك لأنه لا يخلو إما أن يكون الإناء مفتوحاً - كالحلة، والصحن - أو يكون مضموماً - كالأبريق - فإن كان إبريقاً فيستحب أن يمسكه بيده اليسرى، ويصب الماء على يده اليمنى ثلاث مراـ ثم يمسكه بيده اليمنى ويصب على يده اليسرى ثلاث مرات، وإن كان مفتوحاً، فإن كان معه كوز ونحوه، اغترف به وصب على يده اليسرى ثلاث مرات، ثم على يده اليمنى بالصفة التي ذكرت، وإن لم يكن معه إناء صغير يغترف به، فيستحب أن يدخل في الماء أصابع يده اليسرى مضمومة، دون الكف، كي يغترف بها الماء وكيفية ذلك أن يضم أصابع اليد إلى بعضها، واليد مفتوحة، إلا أنه يقوسها قليلاً، كي لا ينزل الماء منها، ولا يدخل كفه في الماء، فإن أدخل كفه كلها في الماء، كان الماء الملاقي للكف مستعملاً، لما عرفت أنه ماء قليل، إلا إذا غلب على ظن المتوضئ أن الملاقي للكف لا يساوي نصف الماء الذي اغترف منه، فإذا أراد المتوضئ أن يضع يده في الماء القليل ويبقى على حاله طهوراً غير مستعمل، فعليه أن ينوي الاغتراف من هذا الماء، دون الغسل، بمعنى أن يقول في نفسه: نويت أن أغترف من هذا الماء، ثم يغسل به العضو الذي يريد غسله، وبذلك لا يستعمل الماء، لأنه إنما يستعمل إذا نوى أن يتوضأ
به من أول الأمر، لأنك قد عرفت فيما مضى أن الماء لا يستعمل إلا إذا أريد باستعمال العبادة.
هذا كله إذا لم يكن على يده نجاسة محققة، فإن كانت على يده نجاسة، ووضعها في الماء فإنه يتنجس، سواء نوى الاغتراف، أو لم ينو، فإن عجز عن أخذ الماء من الإناء بكوز، أو بمنديل طاهر أو نحوهما، فإنه يمكنه أن يأخذه بفمه، ويغسل النجاسة، فإن عجز، ولم يجد غيره، تركه وتيمم، ولا إعادة عليه، ومنها المضمضة، والاستنشاق، وهما سنتان مؤكدتان عند الحنفية، بمعنىالواجب، فتركهما إثم، ولا يلزم أن يأخذ لكل مرة ماء، بل إذا أخذ الماء بكفه، فتمضمض ببعضه، واستنشق بالباقي، فإنه لا يجوز، أما إذا وضع الماء في كفه، ثم استنشق به، وأعاده ثانياً إلى كفه، وتمضمض به بعد ذلك، فإنه لا يجوز، ثم إن المضمضة هي عبارة عن أن يغسل جميع فمه بالماء؛ ويكفي وضع الماء في فمه بدون تحريك، ولو وضع الماء في فمه ولم يطرحه، بل شربه، فإنه يجزئه في السنة، بشرط أن يملأ الفم ثلاث مرات، أما إذا امتص الماء مصاً، فإنه لا يجزئه، وأما الاستنشاق فهو جذب الماء بنفسه إلى داخل أنفه، بحيث يصل الماء إلى مارن الأنف، وهو نهاية العظمة اللينة، أما ما فوق ذلك فإنه لا يسن إيصال الماء إليه، كما لا يسن جذب الماء إلى الداخل بالتنفس، وتسن المبالغة في المضمضة، والاستنشاق لغير الصائم، وتكره له، كي لا يفسد صومه، وقد عرفت أن السنة أن تكون المضمضة ثلاثاً، والاستنشاق ثلاثاً، وكيفية الاستنشاق أن يضع الماء في أنفه بيده اليمنى، ويتمخط بيده اليسرى، ويعبر المالكية عن هذه الحالة بالاستنشاق، ويعدونه من السنن المؤكدة، كما ستعرفه عندهم، ومنها تخليل أصابع اليدين والرجلين والتخليل عبارة عن إدخال بعض الأصابع في بعض بماء متقاطر، وهو سنة مؤكدة، بلا خلاف ومحل كونه سنة إذا وصل الماء إلى
داخلها، وهي مضمومة، وإلا كان تخليليها واجباً وكيفية التخليل في اليدين أن يشبك أصابعه ببعضها، وفي الرجلين أن يخلل بخنصر يده اليسرى خنصر رجله اليمنى، وهكذا حتى يختم بخنصر رجله اليسرى، وهذه الكيفية هي الأولى، وله أن يخللها بأي كيفية، ومنها تكرار الغسل ثلاث مرات، فغسل العضو وتعميمه كله بالماء مرة واحدة فرض والغسلة الثانية، والغسلة الثالثة سنتان مؤكدتان على الصحيح، ويشترط في الغسلة الأولى المفروضة أن يسيل الماء على العضو، ويتقاطر منه قطرات، فلو غسل العضو مرة، ولم يعمه الماء كله، ثم غسله بالماء ثانية، وثالثة حتى عمه الماء بالغسلة الثالثة، فإنه يسقط عنه الفرض، ولا يكون آتياً بالسنة، ومن السنن المؤكدة مسح جميع الرأس، فلو اقتصر على مسح الجزء المفروض مسحه، وتكرر ذلك منه، فإنه يأثم وكيفية مسح الرأس أن يضع أصابعه على مقدم رأسه، ثم يمر بهما على جميع رأسه إلى قفاه - بحيث يستوعب كل الرأس، ثم إن بقي بيده بلل، فإنه يسن له أن يسرد مسح الرأس، وإلا فلا، كما يقول المالكية، ومنها مسح الأذنين، وكيفيته أن يمسح باطن الأذنين، ومؤخرهما بالماء الذي يمسح به رأسه، وإذا أخذ لهما ماء جديداً كان حسناً، ورجع بعض الحنفية مسحهما بماء جديد، ومحل هذا ما إذا بقي على كفه ماء بعد مسح الرأس، أما إذا جف الماء، فإنه ينبغي أن يأخذ لها ماء جديداً، ويمسح ظاهر الأذنين بباطن الإبهامين، ويمسح باطن الأذنين بالسبابتين، وهما الإصبعان اللذان يقعان بعد الإبهامين، ومنها النية، وكيفيتها أن ينوي في نفسه رفع الحدث، أو ينوي الوضوء، أو ينوي الطهارة، أو ينوي استباحة الصلاة، والأفضل أن يقول: نويت أن أتوضأ للصلاة تقرباً إلى الله تعالى، أو يقول: نويت رفع الحدث، أو نويت الطهارة، أو نويت استباحة الصلاة والتلفظ بذلك مستحب، لما عرفت من أن
محل النية إنما هو القلب، وأما وقت النية فهو عند غسل الوجه.وهذا، وقد عد بعض الحنفية النية من المستحبات لا من السنن المؤكدة، ولكن الصحيح أنها سنة، ومنها الترتيب، وهو أن يبدأ الفرائض بغسل الوجه، ثم يغسل اليدين إلى المرفقين ثم بمسح ربع الرأس، ثم بغسل الرجلين إلى الكعبين. كما ذرك الله تعالى في قوله: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} والترتيب من السنن المؤكدة على الصحيح، وعدّه بعض الحنفية من المستحبات، ومنها الفور. ويعبر عنه بالموالات، وهي التتابع، وحد الفور هو أن لا يجف الماء عن العضو قبل أن يغسل العضو الذي بعده، بشرط أن لا يكون الزمن معتدلاً، فإن كان شديد الحرارة، أو شديد البرودة. فإنه لا يعتبر جفافه بسرعة على أن محل كون الفور سنة إذا لم يكن هناك عذر، فإن فرغ ماء الوضوء بعد غسل الوجه مثلاً، ثم انتظر الماء، فجف الماء من عليه قبل أن يجيء الماء، فلا بأس بذلك، وقد عرفت حكم الفور في فرائض الوضوء، عند المالكية، وغيرهم ومن السنن المؤكدة السواك، ولا يشترط أن يكون من شجر الأراك المعروف، بل الأفضل أن يكون أشجار مرة، لأنه يساعد على تطييب الفم، وله فوائد معروفة، فهو يقوي اللثة، وينظف الأسنان، ويقوي المعدة، كي لا يصل إليها شيء من أدران الفم، والأفضل أن يكون رطباً، وأن يكون في غلظ الخنصر، وطول الشبر، فإذا لم يجد سواكاً فإنه - الفرشة - تقوم مقامه، وإذا لم يجدها استاك بإصبعه، ويقوم مقام السواك العلك - اللبان - فإذا وجد السواك؛ فيندب أن يمسكه بيمينه، ويجعل الخنصر أسفله، والإبهام أسفل رأس السواك، وباقي الأصابع فوقه، ووقت الاستياك هو وقت المضمضة، وإذا كان لا يطيقه؛ فإنه يتركه للضرورة؛ ويكره أن يستاك وهو مضطجع.
هذا. وقد اختلف في أشياء: منها أن يأخذ الإناء بيمينه عند غسل الرجلين، فيصب على مقدم رجله اليمنى، ويدلكه بيساره، فيغسلها ثلاثاً، ثم يفيض الماء على مقدم رجله اليسرى: ويدلكه كذلك، ومنها أن يبدأ من رؤوس الأصابع في اليدين والرجلين، ومنها أن يبدأ بمقدم الرأس في المسح، ومنها الترتيب في المضمضة، والاستنشاق، فيقدم، المضمضة على الاستنشاق، ومنها المبالغة في المضمضة والاستنشاق؛ غلا أن يكون صائماً، فتكره المبالغة، كما تقدم، ومنها أن يضع الماء في أنفه ويجذبه بنفسه حتى يصل إلى أعلى الأنف، ومنها عدم الإسراف في الماء إذا كان يعتقد أن ما زاد عن الثلاث مطلوب منه في الوضوء؛ وإلا كان عدم الإسراف مندوباً لا سنة، ومنها إعادة غسل اليدين مع غسل الذراعين إلى المرفقين، فغسل اليدين أولاً سنة، ثم إعادة غسلهما مع الذراعين سنة أخرى، فلو غسل يديه أولاً، ثم غسل وجهه، وغسل ذراعيه من كوع يده إلى المرفقين، فقد جاء بالفرض، وترك السنة، فهذه سنن الوضوء عند الحنفية.
المالكية قالوا: سنن الوضوء المؤكدة التي يثاب المكلف على فعلها، ولا يعاقب على تركها هي: أولاً: غسل اليدين إلى الرسغين، والرسغ - مفصل الكف - وكيفية غسل اليدين تتبع الماء قلة وكثرة، فإن كان الماء قليلاً، وهو ما لا يزيد عن صاع، كما تقدم في "مباحث المياه" ولم يكن جارياً، فإن أمكن الإفراغ منه الصفحة، فلا تحصل السنة إلا بغسلهما قبل إدخالهما فيه، ولو كانتا طاهرتينونظيفتين ، فإن أدخلهما في الإناء قبل غسلهما في هذه الحالة، أو أدخل إحداهما فعل مكروهاً، وفاتته سنة الغسل، وإن كان الماء كثيراً؛ أو جارياً، فإن السنة تحصل بغسلهما مطلقاً، سواء كان الغسل داخل الماء، أو خارجه.
أما إذا كان الماء قليلاً، ولا يمكن الإفراغ منه، كالحوض الصغير، فإن كانت يداه نظيفتين أو عليهما وساخة، لا يتغير الماء بهما إذا أدخلهما فيه، فإنه يغترف بيديه، أو إحداهما، ويغسل خارجه، وتحصل السنة بذلك، فإن كانت يداه غير نظيفتين، وخاف تغير الماء بإدخالهما فيه، احتال على الأخذ منه بفمه، أو بخرقة نظيفة، فإن لم يكن ذلك، تركه وتيمم، إن لم يجد غيره؛
ثانياً: المضمضة، وهي إدخال الماء في الفم وطرحه، فلو دخل الماء فمه بدون قصد، أو أدخله، ولم يحركه، أو أدخله، وحركه، ولم يطرحه، بأت ابتلعه، فإنه لا يكون آتياً بالسنة، وفي ذلك مخالفة للحنفية الذين قالوا: إن السنة تحصل بدخول الماء ولو لم يطرحه، أو يحركه؛
ثالثاً: الاستنشاق، وهو جذب الماء بنفسه إلى داخل أنفه، ولا تحصل السنة عندهم إلا بجذبه بالنفس، خلافاً للحنفية،
رابعاً: الاستنثار وهو طرح الماء من الأنف بالنفس، بأن يضع إصبعيه السبابة، والإبهام من يده اليسرى، على أعلى مارن أنفه، عند إنزال الماء منها، وإذا كان بأنفه قذارة متجمدة من مخاط وغيره، أخرجها بخنصر يده اليسرى،
خامساً: مسح الأذنين ظاهراً وباطناً.
ويدخل في ذلك صماخ الأذنين؛
سادساً: تجديد الماء لمسح الأذنين فلا يكفي في السنة أن يمسح بالبلل الباقي من مسح الرأس، خلافاً للحنفية، والأفضل في كيفية المسح عندهم أن يدخل أطراف سبابته في صماخي الأذنين - داخل الأذن - ويضع إبهاميه خلفهما، ويثني إصبعيه السبابة، والإبهام، ويديرهما حتى يتم مسحهما، ظاهراً وباطناً، وإذا مسحهما بأي كيفية أخرى أجزأه، إنما المطلوب تعميمهما بالمسح،
سابعاً: الترتيب بين أعضاء الوضوء، بأن يقدم الوجه على اليدين، واليدن على الرأس، والرأس على الرجلين، كما قال الحنفية؛
ثامناً: مسح الرأس إن بقي بيده بلل من المسحة الأولى، وإلا فلا يسن؛
تاسعاً: تحريك خاتمه الذي يصل الماء إلى ما تحته، وللمالكية في هذا تفصيل حسن، وذلك لأنهم قالوا: إن الخاتم إما أن يكون لبسه مباحاً، أو حراماً، أو مكروهاً، فإن كان مباحاً - وه للرجل ما كان فضة، وكان وزنه لا يزيد عن درهمين، وكان واحداً غير متعدد، فإنه لا يجب تحريكه سواء كان ضيقاً أو واسعاً، وسواء وصل الماء إلى ما تحته، أو لم يصل، وهذا الحكم عام في الوضوء والغسل، على أنه إن نزعه بعد تمام وضوئه، أو غسله، فإنه يجب عليه غسل ما تحته إن كان ضيقاً، وظن أن الماء لم يصل إلى ما تحته؛ أما إذا كان حراماً - وهو ما اتخذ من ذهب، أو من فضة تزيد على درهمين، أو كان متعدداً، كأن لبس خاتمين، أو أكثر - فإن كان واسعاً أجزأه تحريكه، ولا يفترض عليه دلك ما تحته بيده، بل يكتفي بدلك ما تحته بالخاتم نفسه، أما إن كان ضيقاً، فإنه يجب نقله من محله حتى يتمكن من دلك ما تحته؛ ومثل المحرم في ذلك الحكم الخاتم المكروه، وهو ما كان من نحاس، أو رصاص، أو حديد.
هذا في الرجل، أما المرأة فإنه يباح لها أن تلبس ما شاءت من حلي. سواء كان متخذاً من ذهب أو غيره. فإذا لبست أساور أو خلاخل فلا يجب عليها تحريكها وإن لم يصل الماء إلى ما تحتهاسواء كانت ضيقة أو واسعة. إلا أنها إذا نزعتها بعد تمام الوضوء أو الغسل فإنها يجب عليها غسل ما تحتها إن كانت ضيقة. وظنت عدم وصول الماء إليه.

أما الحنفية فقد قالوا: إن تحريك الخاتم الواسع مندوب لا سنة. كما سيأتي في "المندوبات" فإن كان الخاتم ضيقاً. يمنع من وصول الماء إلى ما تحته. فإن تحريكه فرض. لا فرق بين أن يكون مباحاً أو غير مباح. فلا يغتفر عندهم للمرأة أن تلبس الخاتم الضيق. أو الأسورة الضيقة التي لا يصل الماء إلى ما تحتها. على أنهم لا يشترطون الدلك. كما تقدم، فهذه هي سنن الوضوء المؤكدة عند المالكية.
الشافعية قالوا: سنن الوضوء كثيرة وقد عرفت أن الشافعية لا يفرقون بين السنة والمندوب والمستحب. ونحو ذلك وسنن الوضوء أو مندوباته، أو مستحباته، أو فضائله، كثيرة عندهم: فمنها الاستعاذة. كأن يقول: أعود بالله من الشيطان الرجيم. ونحو ذلك. ومنها التسمية في أول الوضوء. ويبدأ بها عند غسل الكفين. وأقل التسمية أن يقول: بسم الله. أو بسم الله الرحمن الرحيم. فلو أتى بذكر غيرها، فإنه لا يكون آتياً بالسنة. لأن الشارع قد طلب منه التسمية بخصوصها. خلافاً للحنفية. كما تقدم في مذهبهم. ويأتي بالتسمية ولو كان جنباً، فإن تركها عمداً. أو سهواً في أول الوضوء. فإنه يأتي بها في أثنائه. أما إذا فرغ من الوضوء وتشهد ودعا فقد فات وقتها. فلا يأتي بها كما قال الحنفية؛ ومنها أن ينوي بقلبه سنن الوضوء عند التسمية. وهذه النية غير نية رفع الحدث. فقد عرفت أن نية رفع الحدث فرض. ولا تكفي إلا عند غسل الوجه؛ ومنها غسل الكفين إلى الكوعين. ويبدأ في غسلهما وقت التسمية. ونية السنن. فيجتمع بين الثلاثة.
وتحصل سنة غسل اليدين بغسلهما ثلاث مرات خارج الإناء إذا كان الماء في إناء يمكن أن يصب منه الماء على يديه، كالإبريق ونحوه، فإن كان الإناء مفتوحاً به ماء قليل، فإنه يصح أن يغسلهما في ذلك الماء، إذا تيقن طهارتهما؛ أما إذا شك في الطهارة، فإنه يكره وضعهما في الإناء وغسلهما فيه، فإذا تيقن نجاستهما، فإنه يحرم عليه وضعهما في الإناء، بل يجب عليه أن يغسلهما ثلاث مرات، قبل إدخالهما في الإناء، وهذا الغسل للتطهير من النجاسة، فلا تحصل به سنة غسل اليدين، وعليه بعد ذلك أن يغسلها ثلاثاً لتحصل له سنة الوضوء، ومنها تقديم غسل اليدين على المضمضة، فلو أتى بالمضمضة أولاً، ثم غسل يديه، لا يحصل سنة غسل اليدين؛ ومنها المضمضة، وهي أن يضع الماء في فمه قبل أن يغسل منخريه، ولا يشترط إدارة الماء في فمه، ولا طرح الماء من فمه، بل السنة تحصل بمجرد وضع الماء في فمه، بحيث لو ابتلعه فقد أتى بالسنة، إنما الأكمل أن يحرك فمه بعد وضع الماء فيه، ثم يطرح الماء؛ ومنها الاستنشاق بعد المضمضة، وتحصل السنة بمجرد إدخال الماء في الأنف، سواء جذبه بنفسه إلى أعلى الأنف.
ثم طرحه بعد ذلك أولاً، إنما الأكمل أن يجذبه بالنفس، ثم يطرحه بعد ذلك، والأفضل في كيفيةالمضمضة والاستنشاق أن يضع الماء في كفه، ثم يتمضمض بجزء منه، ويستنشق بالجزر الآخر، يفعل ذلك ثلاث مرات، فيتمضمض ويستنشق بثلاث غرف، كل غرفة يقسمها بين المضمضة والاستنشاق؛ ومنها استقبال القبلة إذا كان يتوضأ من مكان يمكنه فيه استقبالها؛ ومنها أن يضع الإناء المفتوح عن يمينه، ويضع غيره عن يساره؛ ومنها أن يدعو بالدعاء الوارد في الوضوء عند غسل يديه، وهو أن يقول بعد التسمية الحمد لله على الإسلام ونعمته، الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً، والإسلام نوراً، رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون اللهم احفظ يديَّ من معاصيك كلها، ويقول عند المضمضة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، ويقول عند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني، وحاسبني حساباً يسيراً، وعند غسل اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا من وراء ظهري، وعند مسح رأسه: اللهم حرم شعري وبشري على النار، وأظللني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، وأن يقول عند الفراغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، يقول ذلك وهو مستقبل القبلة، رافع يديه ووجهه إلى السماء، ثم يقرأ سورة القدر.
وهذا الدعاء وافق على بعضه الحنفية، إلا أنهم لم يعدوه سنة، بل قالوا: إنه مستحب أو مندوب، أما المالكية فإنهم لم يذكروا هذا الدعاء لا في السنن ولا في الفضائل، كما ستعرفه.
ومن السنن عند الشافعية الاستياك؛ وهو تنظيف الأسنان بأي شيء لا يضر، سواء كان من عود الأراك المعروف، أو كان - فرشة - أو غير ذلك، على أنهم قالوا: إن الاستياك بالإصبع لا يكفي، وله أن يقدم الاستياك على غسل كفيه؛ فإذا فعل ذلك فليس له أن ينوي الاستياك. ومن السنن أن يقول عند الاستياك: اللهم بيض به أسناني، وشدّ به لثاتي، وثبت به لهاتي، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين، وكيفية الاستياك أن يبدأ بالجانب الأيمن من فمه ثم بالأيسر، وأن يمر به على رؤوس أضراسه، وسقف حلقه، وسطح لسانه، ويسن أن يمسح به أسنانه عرضاً، ويسن أن يمسكه باليد اليمنى، بأن يجعل إصبعه الخنصر من أسفله، والبنصر والوسطى والسبابة فوقه، ويسن غسل السواك ثلاثاً إذا تلوث، أو تغيرت رائحته، ويكره أن يزيد طوله على شبر.
ومن السنن عند الشافعية أن يبدأ بمقدم الأعضاء، بشرط أن يتوضأ من مكان يغترف منه الماء بنفسه، كحلة، أو ميضأة، أو نحو ذلك، أما إذا توضأ من مكان ينزل منه الماء على يده بدون أن يغترف هو منه، كما إذا توضأ من حنفية، أو إبريق، أو كان يصب له الماء شخص، فإنه يبدأ في اليدين منالمرافق، ويبدأ في الرجلين من الكعبين، عكس الحالة الأولى، وأن يغترف الماء لوجهه بكفيه معاً، وأن لا بلطم وجهه بالماء، وتخليل اللحية الغزيرة، وتعميم الرأس بالمسح، ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد، ودلك الأعضاء والتيامن في الوضوء، كما تقدم، وإطالة الغرة، والتحجيل، على ما تقدم، وتثليث الأقوال والأفعال في الوضوء ما عدا ألفاظ النية، والموالاة لغير صاحب السلس. فإنه يجب عليه الموالاة؛ كما تقدم، والسكوت عن الكلام بغير ذكر الله إلا لحاجة، وعدم الاستعانة على الوضوء بالغير إلا لحاجة؛ وترك تنشيف الأعضاء إلا لحاجة؛ وترك نفض الماء إلا لحاجة؛ والشرب من بقية ماء الوضوء وتحريك خاتمه الواسع؛ أما الضيق الذي يمنع وصول الماء إلى ما تحته فإنه يجب تحريكه حتى يصل الماء إلى ما تحته، ولا فرق في الخاتم بين أن يكون مباحاً أولا؛ وفاقاً للحنفية. وخلافاً للمالكية.
الحنابلة قالوا: سنن الوضوء، أو مندوباته؛ أو مستحباته هي كالآتي:
أولاً: استقبال القبلة؛
ثانياً: السواك عند المضمضة، ويندب أن يستاك عرضاً بالنسبة لأسنانه؛ وطولاً بالنسبة إلى لثاته وفمه، وأن يستاك بيده اليسرى، ويساك على أسنانه ولثته وفمه. وأن يكون العود ليناً غير ضار ويكره أن يستاك بعود يابس، والسواك سنة في جميع الأوقات، إلا بعد الزوال، بالنسبة للصائم فإنه مكروه، سواء أكان العود رطباً، أم يابساً؛ أما قبل الزوال فإنه يسن له أن يستاك لعود يابس، ويباح له الاستياك قبل الزوال أيضاً بالرطب، ويتأكد الاستياك عند كل صلاة، وعند الانتباه من النوم، وعند تغير رائحة الفم، وعند الوضوء، وعند قراءة القرآن، وعند دخول المسجد، وعند دخول منزله، وعند خلو المعدة من الطعام، وعند اصفرار الأسنان، ويسن أن يبدأ بجانب فمه الأيمن، من ثناياه إلى أضراسه، ويكره أن يستاك بريحان، وبرمان، وقصب، ونحوه مما يضر باللثة، ثالثاً: غسل الكفين ثلاثاً، على ما تقدم،
رابعاً: تقديم المضمضة والاستنشاق على الوجه،
خامساً: المبالغة فيهما لغير الصائم،
سادساً: دلك جميع الأعضاء التي ينبو عنها الماء،
سابعاً: إكثار الماء في غسل الوجه، لما فيه من الشعر. والأشياء الغائرة والبارزة،
ثامناً: تخليل اللحية الغزيرة عند غسله،
تاسعاً: تخليل أصابع اليدين والرجلين إذا وصل الماء في الغسل إليها بدون دلك.
وإلا كان التخليل واجباً،
عاشراً: تجديد الماء لمسح الأذنين؛
حادي عشر: تقديم الأيمن على الأيسر،
ثاني عشر: إطالة الغرة، والتحجيل،
ثالث عشر: الغسلة الثانية، والثالثة إن عمت الأولى،
رابع عشر: استصحاب نيته إلى آخر الوضوء بقلبه،
خامس عشر: نية سنن الوضوء عند غسل كفيه إلى الكوعين،
سادس عشر: النطق بألفاظ النية سراً، بحيث يحرك بها لسانه وشفتيه، ويسمع نفسه دون غيره، وأن لا يستعين بغيره فيه؛ سابع عشر: أن يقول عند فراغه من الوضوء، رافعاً بصره إلى السماء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيطنا محمداً عبده ورسوله. اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، واجعلني من عبادك الصالحين. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت. أستغفرك وأتوب إليك.
هذا. ومعنى الغرة هو أن يزيد في غسل وجهه عن القدر الواجب. بحيث يغسل شيئاً من مقدم الرأس. ومعنى التحجيل هو أن يزيد في غسل اليدين. يأن يغسل شيئاً من العضو الذي فوق مرفق الذراع، ويزيد في غسل الرجلين، فيغسل شيئاً من ساقه الذي فوق كعبيه، وقد ورد في الحديث الصحيح ما يدل على ذلك) .
*****************


ابوالوليد المسلم 27-06-2019 03:26 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 70 الى صــــــــ
ـ73
الحلقة (16)


[مبحث المندوب والمستحب ونحوهما]

قد بينا لك فيما سبق أن بعض الأئمة لا يفرق بين المندوب، والسُّنة، والمستحب، والتطوع والنفل، والفضيلة، وبعضهم يفرق بين السنة، وغيرها من هذه الألفاظ، وقد ذكرنا لك سنن الوضوء، فلنذكر لك ههنا مندوباته، وغيرها عند من يفرق بينها وبين السنة، تحت الخط الذي أمامك (1)




(1) الحنابلة، والشافعية قالوا: إن السنة. والمندوب، والمستحب، والتطوع كلها ألفاظ مترادفة معناها واحد. وهو ما يثاب المكلف على فعله، ولا يؤاخذ على تركه، كما تقدم، وقد ذكرنا لك سنن الوضوء عندهم. فلم يبق لديهم ما يسمى مندوباً. أو مستحباً.
المالكية قالوا: ليس للوضوء إلا سنن وفضائل وكلاهما لا يعاقب المكلف على تركه. إلا أن ثواب السنة أكثر. وقد تقدمت سنن الوضوء عندهم. فلنذكر لك فضائله فيما يلي:
أولاً: أن يتوضأ في موضع طاهر. فإذا توضأ في مجراة المرحاض. فإن وضوءه يصح مع الكراهة التنزيهية. حتى ولو كان المرحاض طاهراً لم يستعمل. لأنهم يكرهون الوضوء في المحل المعد للنجاسة وإن لم يستعمل.
ثانياً: تقليل الماء الذي يستعمل في الأعضاء بحسب الإمكان بحيث يسيل على جميع العضو ويعمه. وإن لم يتقاطر عنه.
ثالثاً: تقديم الميامن على المياسر. فيقدم يده أو رجله اليمنى على اليسرى.
رابعاً: وضع الإناء المفتوح الذي يمكن الاغتراف منه على يمينه. والضيق الذي يصب منه الماء على يساره.
خامساً: أن يبدأ بأول الأعضاء عرفاً. كأعلى الوجه. وأطراف الأصابع ومقدم الرأس.
سادساً: الغسلة الثانية. والثالثة في كل مغسول. ولو الرجلين. ولا تحسب الثانية إلا إذا عمت الأولى. ولا الثالثة إلا إذا عمت الثانية. فإذا توقف التعميم على الثلاثة. فكلها واحدة: ويطالب ندباً بالثانية والثالثة.
سابعاً: الاستياك قبل الوضوء. بنحو عود. ويكفي الإصبع إن لم يوجد غيره. ويكون قبل الوضوء. ويندب الاستياك باليمنى. وأن يبدأ بالجانب الأيمن عرضاً في الأسنان. وطولاً في اللثاة، ولا ينبغي أن يزيد على شبر، ولا يقبض عليه، ويندب السواك للصلاة، إذا كانت بعيدة من السواك الأول، كما يندب لقراءة قرآن، وانتباه من نوم، وتغير فم، بأكل، أو شرب، وغير ذلك.
ثامناً: التسمية في أوله، بأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والسكوت عن الكلام بغير ذكر الله تعالى إلا لحاجة.
تاسعاً: التوتيب بين السنن والفرائض، بأن يقدم غسل اليدين إلى الكوعين، والمضمضة، والاستنشاق على غسل الوجه، وتجديد الماء لمسح الرأس.
الحنفية قالوا: مندوبات الوضوء، وإن شئت قلت: فضائله، أو مستحباته، أو نوافله؛ أو آدابه، منها الجلوس في مكان مرتفع، لئلا يصيبه رشاش الماء المستعمل، وإدخال الخنصر المبتل في صماخ الأذن، وذكر الشهادتين عند تطهير كل عضو، وطهارة موضع الوضوء، وأن لا يكون الوضوء بماء مشمس، وقد تقدم في "مكروهات المياه"، وتقديم أعالي الأعضاء على أسافلها. وأن لا يطرح الماء المضمضة والاستنشاق في إناء وضوئه، واستقبال القبلة حال الوضوء، وتحريك خاتم الإصبع الذي يصل الماء تحته، وإلا فرض، وعدم الاستعانة بغيره في تطهير أعضائه؛ أما الاستعانة بالغير في صب الماء وتحضيره، فلا شيء فيه، والشرب قائماً، مستقبلاً القبلة من بقية ماء وضوئه، وإطالة الغرة، والتحجيل، بأن يزيد في تطهير أعضائه عن الحد المفروض، وغسل أسفل القدمين باليسرى تكريماً لليمنى، ومسح بلل الأعضاء، بنحو منديل، من غير مبالغة في المسح. وعدم نفض يده من ماء الوضوء، وقراءة سورة القدر بعد الفراغ من الوضوء ثلاثاً، وأن يقول بعد فراغه من الوضوء، وهو قائم مستقبل القبلة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، وعدم التكلم بغير ذكر الله إلا لحاجة. وأن يجمع بين نية قلبه والنطق بلسانه، والتسمية والنية عند غسل كل عضو ومسحه، وأن يغترف الماء للمضمضة والاستنشاق بيده اليمنى، وأن يستنثر بيده اليسرى وأن لا يخص نفسه بإناء للوضوء، بحيث لا يسمع لغيره أن يتوضأ منه، وأن تكون آنية الوضوء من فخار ونحوه؛ وإن كان له عروة غسلها ثلاثاً، ووضع إناء الوضوء الذي يمكن الاغتراف منه عن يمينه.
وغيره عن يساره، وأن يتعهد موقي عينيه بالغسل، وأن يصلي ركعتين في غير وقت الكراهة، وأوقات الكراهة هي: وقت طلوع الشمس، وما قبله، والاستواء والغروب وما قبل الغروب بعد صلاة العصر، وإعداد الماء الطهور قبل الوضوء. وأن لا يتطهر من ماء أو تراب من أرض مغضوب عليها. والدعاء حال الوضوء بما ورد فيقول في ابتداء الوضوء: باسم الله العظيم، باسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام، ويتشهد، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول عند المضمضة: اللهم أعني على تلاوة القرآن، وذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك. وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة: ولا ترحني رائحة النار، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل ذراعه الأيمن: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً، وعند غسل الأيسر: اللهم لا تعطني كتابي بيساري، ولا من وراء ظهري، وعند مسح الرأس. اللهم أظلني تحت ظل عرشك، يوم لا ظل إلا ظل عرشك، وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند مسح العنق اللهم أعتق رقبتي من النار، وعند غسل رجله اليمنى: اللهمثبت قدمي على الصراط، يوم تزل الأقدام وعند غسل اليسرى: اللهم اجعل ذنبي مغفوراً وسعيي مشكوراً، وتجارتي أن تبور: ومسح الرقبة بظهر يده لعدم استعمال الماء الموجود بها، أما مسح الحلقوم فإنه بدعة، والتيامن، أي البداءة باليمين.
*****************





[مكروهات الوضوء]
[تعريف الكراهة]
أما مكروهات الوضوء:
فمنها الإسراف في صب الماء، بأن يزيد على الكفاية، وهذا إذا كان الماء مباحاً، أو مملوكاً للمتوضئ، فإن كان موقوفاً على الوضوء منه، كالماء المعد للوضوء في المساجد، فإن الإسراف فيه حرام.وفي تعريف الكراهة، وبيان مكروهات الوضوء تفصيل المذاهب (1)



(1) الحنفية قالوا: الكراهة تنقسم إلى قسمين: كراهة تحريمية، فالمكروه تحريماً ما كان إلى الحرام أقرب، ويمكن توضيحه بأنه ترك واجب من الواجبات التي هي أقل من الفرض، ويقال لها: سنة مؤكدة عندهم، أما المكروه تنزيهاً، فهو ما لا يعاقب على فعله، ويثاب على تركه ثواباً يسيراً، ويقابل المندوب، أو المستحب، أو نحو ذلك من السنن غير المؤكدة.
فمكروهات الوضوء، كراهة تحريمية هي ترك سنة مؤكدة من السنن التي تقدم ذكرها، ومكروهاته كراهة تنزيهية هي ترك مندوب، أو مستحب، أو فضيلة من الأمور التي ذكرناها تحت ذلك العنوان، على أن بعض الحنفية عد بعض المكروهات ليقاس عليها غيرها، فمنها ضرب الوجه بالماء بشدة، كما يفعل بعض العامة، فإنه يتناول الماء بيديه، ثم يضرب به وجهه بعنف، كأنه يريد أن يقتص من نفسه، وفعل هذا مكروه، ومنها المضمضة والاستنشاق باليد اليسرى، والامتخاط باليد اليمنى؛ ومنها تثليث مسح رأسه، أو أذنيه بماء حديد، بل المطلوب أن يمسح رأسه بماء جديد، ثم يعيد مسحها بيده من غير أن يأخذ ماء جديداً، ثم يمسح أذنيه كذلك، من غير أن يأخذ لها ماء جديداً، فإذا كرر المسح بماء جديد، فقد فعل مكروهاً، ومنها أن يتخذ لنفسه إناء خاصاً يتوضأ منه، دون غيره، كما يكره أن يعين لنفسه مكاناً خاصاً، هكذا قال الحنفية فيكتبهم، ولكن قواعدهم تخصص هذا الحكم بما إذا لم يخف على نفسه من عدوى المرض، أو ظن أن في حجز إناء خاص به صيانة له من النجاسة.
أو نحو ذلك من الأغراض المشروعة، فإنه لا يكره مطلقاً، بل قد يلزمه ذلك إن ظن إيصال الضرر إليه، ومن المكروهات أن يزيد عن ثلاث مرات في غسل وجهه ويديه؛ فإن زاد على ذلك؛ كأن غسل وجهه أربع مرات، أو خمس مرات، فلا يحلو إما أن يعتقد أن هذه الزيادة مطلوبة منه في الوضوء؛ أو غير مطلوبة، فإن اعتقد أنها مطلوبة منه في أعمال الوضوء كانت الكراهة تحريمية؛ وإن اعتقد أنها غير مطلوبة، وإنما يفعل ذلك لتبرد في زمن الحر، أو النظافة، أو نحو ذلك، فإن الكراهة تكون تنزيهية، وذلك لأن التنظيف، والتبرد له وقت غير وقت العبادة، وكما يكره الإسراف في الوضوءكراهة تنزيهية، كذلك يكره التقتير كراهة تنزيهية، والتقتير عند الحنفية هو أن يكون تقاطر الماء عن العضو المغسول غير ظاهر، وهذا مخالف للمالكية، كما ستعرفه بعد.
وهذا كله فيما إذا كان الماء الذي يتوضأ منه مملوكاً له. أما إذا كان موقوفاً. كما دورات مياه المساجد ونحوها؛ فإن الإسراف فيه حرام على كل حال: ومنها أن يتوضأ بموضع متنجس، خوفاً من أن يصيبه شيء من النجاسة بسبب سقوط الماء عليها، وتلوثه بها.
المالكية قالوا: مكروهات الوضوء أولاً ترك سنة من السنن المتقدمة. وقد عرفت أن السنة عندهم ما لا يعاقب على تركها؛ ومع هذا فمنها ما هو مؤكد، ومنها ما هو غير مؤكد، ويقال له فضيلة، على أنهم أطلقوا في مكروهات الوضوء؛ فلم يقولوا: إنها كراهة تنزيه، أو غيره. والقاعدة في مذهبهم أنهم متى أطلقوا انصرفت الكراهة إلى التنزيهية؛ وهي خلاف الأولى: وقد عدوا من المكروهات الإسراف في صب الماء، بأن يزيد على الكفاية، كأن يزيد على ذلك إذا اعتقد أنها من الوضوء. أما إن كانت الزيادة للنظافة، أو التبرد، فلا كراهة ما لم يكن الماء موقوفاً على الوضوء، وإلا حرم الإسراف فيه، كما إذا كان مملوكاً للغير؛ ولم يأذن باستعماله كما تقدم في "مكروهات المياه": ومنها مسح الرقبة بالماء؛ لما في ذلك من الزيادة التي يأمر بها الدين، لا فرق في ذلك بين العنق وبين الرقبة من أمام؛ خلافاً للحنفية في ذلك. فإنهم يقولون: إن مسح العنق بعد مسح الأذنين بدون ماء جديد سنة، أما مسح الحلقوم عند الحنفية فإنه بدعة، ولم ينصوا على كراهتها، ومنها أن يتوضأ في موضع متنجس بالفعل، أو موضع أعد للنجاسة، وإن لم يستعمل، كالمرحاض الجديد قبل استعماله؛ ومنها الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى، وهذا متفق عليه في المذاهب، إلا أن الشافعية قالوا: إنه ليس بمكروه، ولكن عدم الكلام أولى.
الشافعية قالوا: المكروه هو ما طلبه الشارع طلباً غير جازم، فإن تركه المكلف يثاب على تركه، وإن فعله لا يعاقب على فعله، ومكروهات الوضوء عندهم تنحصر في ترك السنة المختلف في وجوبها، بأن يقول بعضهم: إنها فرض، وبعضهم يقول: إنها سنة، ومثلها السنة المؤكدة، أما ترك غير ذلك فهو خلاف الأولى، فمن المكروه تنزيهاً الإسراف في الماء، إلا إذا كان موقوفاً، فإنه يحرم الإسراف منه، بشرط أن لا يكون في حوض أو ميضأة، فإنه لا يحرم، لعود الماء إليها، بل يكون مكرهاً فقط، ومن المكروه تنزيهاً - وهو خلاف الأولى - أن يتكلم وهو يتوضأ، ومن المكروه مبالغة الصائم في المضمضة، أو الاستنشاق، ومنه أن يتوضأ في موضع متنجس، أما مسح الرقبة والعنق، فليس بمكروه عندهم، بل قال بعضهم: إنه سنة، ومن المكروه مبالغة الصائم في المضمضة، أو الاستنشاق، ومنه أن يتوضأ في موضع متنجس، أما مسح الرقبة والعنق، فليس بمكروه عندهم، بل قال بعضهم: إنه سنة، ومن المكروه الزيادة على الثلاث، سواء كان العضو مغسولاً، أو ممسوحاً، فإن الشافعية يجعلون العضو الممسوح كالعضو المغسول في طلب التثليث، إلا إذا كان لابس خف، فإنه يكره أن يمسحه زيادة على مرة واحدة.
الحنابلة قالوا: المكروه هو ترك سنة من السنن المؤكدة كالوتر وركعتي الفجر، والتراويح، أما غيرها، فتركه خلاف الأولى، وهو ترك سنة من السنن المتقدمة، إلا إذا ورد نص بنهي غير جازم، فإنالترك حينئذ يكون مكروهاً؛ فمن خلاف الأولى الإسراف في صب الماء إذا كان مباحاً، أما إذا كان موقوفاً فإنه يحرم، ومنه الزيادة على الثلاث في المغسول، وعلى المرة الواحدة في الممسوح إذا قصد بالزيادة النظافة، أو التبرد، فإنه لا يكره؛ ومنه مسح الرقبة بالماء، ومنه مبالغة الصائم في المضمضة. ومنه أن يتوضأ في موضع متنجس، ومنه الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله) .
************************
[مبحث نواقض الوضوء]
النواقض جميع ناقضة، أو ناقض، يقال: نقضت الشيء، إذا أفسدته، وقد يقال: إن التعبير بالنواقض التي تدل على إفساد الوضوء من أصله، يقتضي أن الوضوء قد اتصف بالفساد قبل طرو الحدث، وعلى هذا فالصلاة به قبل عروض المفسد تكون باطلة، لأن المفروض أنه قد اتصف بالفساد من أصله، ولذا عبر بعضهم بالأحداث جمع حدث، فراراً من هذا الاعتراض، والجواب عن هذا أن المراد بطلانه بعد وقوع الحدث المبطل، لا وصفه بالبطلان من أساسه.
وتنقسم نواقض الوضوء إلى أقسام:

الأول ما خرج من أحد السبيلين - القبل، والدبر - وهذا ينقسم إلى قسمين، لأنه إما أن يكون معتاداً، وإما أن يكون غير معتاد،
الثاني:
ما قد يترتب عليه الخروج من أحد السبيلين، وهذا ينقسم إلى أربعة أقسام:
أحدها: غيبة العقل؛ ثانيها: لمس (1) امرأة تشتهي، ومثلها لمس الأمرد؛ وهذا ينقض بشروط ستعرفها؛ ثالثها: مس الذكر ونحوه بدون حائل؛ وهذا أيضاً ينقض في بعض المذاهب دون بعض؛ رابعها: ما يخرج من غير القبل، أو الدبر، كالدم، وفي ذلك تفصيل ستعرفه؛ فجملة أقسام النواقض ستة، وإليك بيانها:
فالأول، وهو ما خرج من أحد السبيلين بطريق العادة، منه ما ينقض الوضوء فقط، ومنه ما يوجب الغسل؛ فأما الذي ينقض الوضوء، ولا يوجب الغسل، فهو البول، والمذي، والودي؛ فأما البول فهو معروف، وأما المذي فهو ماء أصفر رقيق، يخرج من القبل عند اللذة غالباً، وأما الودي فهو ماء ثخين أبيض، يشبه المني، ويخرج عقب البول غالباً. ومثل الودي الهادي، وهو ماء أبيض، يخرج من قبل المرأة الحامل قبل ولادتها، والمني الخارج بغير لذة، وهو معروف،


(1) المالكية قالوا: إن المني الخارج بغير لذة معتادة لا يوجب الغسل، بل ينقض الوضوء فقط، خلافاً للأئمة، الثلاثة، وقد مثلوا لذلك بما إذا نزل في ماء ساخن، فلات وأمنى.
الشافعية قالوا: خروج المني يوجب الغسل، سواء خرج بلذة أو بغير لذة، فمتى تحقق كونه منياً وجب عليه أن يغتسل، وسيأتي بيان مذهبهم في "مباحث الغسل"، ومع كونه يوجب الغسل، فإنه لا ينقض الوضوء عندهم

ابوالوليد المسلم 27-06-2019 03:26 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 74 الى صــــــــ
ـ78
الحلقة (17)



ولا يخفي أن كل هذه الأشياء تخرج من القُبُل؛ وأما الذي يخرج من الدبر، فهو الغائط، والريح، وقد بينا في أول مباحث الطهارة حكمه نقض الوضوء بالريح؛ فارجع إليها إن شئت، وكل هذه الأشياء مجمع على نقض الوضوء بها.والثاني، وهو ما خرج من أحد السبيلين بطريق معتاذ، مثل الحصى (1) ، والدود، والدم والقيح، والصديد، فإنه ينقض الوضوء، سواء أخرج من القبل، أو خرج من الدبر.فهذه هي الأمور الخارجة من أحد السبيلين، وبقي الكلام في نقض الوضوء بغير الخارج، وقد عرفت أنها أربعة أقسام:الأول: أن يغيب عقل المتوضئ إما بجنون، أو صرع، أو إغماء. وإما بتعاطي ما يستلزم غيبته من خمر. أو حشيش أو بنج. أو نحو ذلك من المغيبات. ومن ذلك النوم. وهو ناقض للوضوء لا بنفسه (2) بل بما يترتب عليه من حصول الحدث. وفي ذلك الناقض تفصيل المذاهب (3) .
(1) المالكية قالوا: لا ينتقض الوضوء إلا بالخارج المعتاد من المخرج المعتاد، بشرط أن يكون خروجه من المخرج المعتاد في حال الصحة، فالحصى، والدود، والدم، والقيح، والصديد الخارجة من أحد السبيلين لا تنقض الوضوء. بشرط أن يكون الحصى أو الدود متولداً في المعدة. أما إذا لم يكن متولداً في المعدة. كأن ابتلع حصاة. أو دودة. فخرجت من المخرج المعتاد. كانت ناقضة. لأنها تكون غير معتادة حينئذ
(2) الحنابلة قالوا: النوم ينقض الوضوء بنفسه. حتى ولو وضع مقعدته على أي شيء يأمن معه خروج ريح إلا إذا كان النوم يسيراً.
الشافعية قالوا: النوم ينقض بنفسه إن نام بدون أن يمكن مقعدته من الأرض الأرض ونحوها ولو تحقق عدم خروج الحدث
(3) الحنفية قالوا: النوم لا ينقض بنفسه على الصحيح. خلافاً للشافعية والحنابلة. وإنما ينقض النوم في ثلاثة أحوال: الأول: أن ينام مضطجعاً - على جنبه - الثاني أن ينام مستلقياً على قفاه؛ الثالث: أن ينام على أحد وركيه. لأنه في هذه الأحوال لا يكون ضابطاً لنفسه لاسترخاء مفاصله. أما إذا نام وهو جالس ومقعدته متمكنة من الأرض أو غيرها فإنه لا وضوء عليه على الأصح. فإذا كان في هذه الحالة مستنداً إلى وسادة - مخدة - ونحوها. ثم رفعت الوسادة وهو نائم فإن سقط وزالت مقعدته عن الأرض انتقض وضوءه أما إذا بقي جالساً ولم تتحول مقعدته فإن وضوءه لا ينتقض. وكذا لا ينتقض وضوءه إذا نام واقفاً. أو راكعاً ركوعاً تاماً. كركوعه الكامل في الصلاة، أو ساجداً، لأنه في هذه الحالة يكون متماسكاً، وإذا نام نوماً خفيفاً، وهو مضطجع، بحيث يسمع من يتحدث عنده، فإنه لا ينقض، أما إذا لم يسمع، فإنه ينقض، والدليل على أن النوم لا ينقض إلا في حالة النوم مضطجعاًقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصلة" رواه أبو داود، والترمذي؛ ورواه أحمد في "مسنده" والطبراني في "معجمه" وقد قاس الحنفية على النوم مضطجعاً حالتين. أن ينام مستلقياً على قفاه؛ أو ينام على أحد وركيه لأن العلة في النقض، وهي استرخاء المفاصل موجودة فيهما، ولا ينقض النوم وضوء المعذور، وهو من قام به سلس بول أو انفلات ريح. ينقض وضوءه، لأن الخارج منه بسبب العذر لا ينقض الوضوء حال اليقظة، فلا ينقض حال النوم من باب أولى.
الشافعية قالوا: إن النوم ينقض إذا لم يكن ممكناً مقعده بمقره، بأن نام جالساً، أو راكباً بدون مجافاة بين مقعده وبين مقره، فلو نام على ظهره أو جنبه. أو كان بين مقعده ومقره تجاف، بأن كان نحيفاً انتقض وضوءه، ولا ينقضه النعاس، وهو ثقل في الدماغ يسمع معه كلام الحاضرين. وإن لم يفهمه بخلاف النوم.
الحنابلة قالوا: إن النوم ينقض الوضوء في جميع أحواله، إلا إذا كان يسيراً في العرف وصاحبه جالس أو قائم.
المالكية قالوا: إن النوم ينقض الوضوء إذا كان ثقيلاً: قصيراً، أو طويلاً، سواء كان النائم مضطجعاً، أو جالساً، أو ساجداً، ولا ينتفض بالنوم الخفيف، طويلاً كان، أو قصيراً، إلا أنه يندب الوضوء من الخفيف إن طال، وشرط نقض الوضوء بالنوم الثقيل القصير أن لا يكون النائم مسدود المخرج، كأن يلف ثوباً ويضعه بين اليتيه، ويجلس عليه، ويستيقظ وهو بهذه الحال وأما الثقيل الطويل فينقض مطلقاً ولو كان مسدوداً. والثقيل ما لا يشعر صاحبه بالأصوات. أو بانحلال حبوته إن كان جالساً محتبياً. أو بسقوط شيء من يده أو بسيلان ريقه، أو نحو ذلك

*******************
القسم الثاني من النواقض بغير الخارج:

لمس من يشتهي، سواء أكان امرأة، أم غلاماً، وقد اصطلح الفقهاء (1) على أن اللمس تارة يكون باليد، وتارة يكون بغيرها من أجراء البدن، أما المس، فإنه ما كان باليد خاصة، ولكل منهما أحكام: فأما لمس من يشتهي فإنه ينقض الوضوء، بشروط منفصلة في المذاهب (2)


(1) الشافعية، والحنابلة: اصطلحوا على خلط أحكام المس بأحكام اللمس. بخلاف المالكية والحنفية. فقد ذكروا حكم اللمس وحده، وحكم المس وحده، وخصوا المس بما كان باليد. والأمر في ذلك سهل
(2) الشافعية قالوا: إن لمس الأجنبية - ويسمى مساً - ينقض مطلقاً. ولو بدون لذة. ولو كان الرجل هرماً والمرأة عجوز شوهاء. وهذا هو المقرر في مذهب الشافعية، كان اللامس شيخاً أو شاباً. وقد يقال: إن الشأن في المرأة العجوز الشوهاء عدم التلذذ بلمسها: فأجابوا بأن المرأة ما دامت على قيد الحياة لا تعدم من يتلذذ بها، وإنما ينقض اللمس بشرط عدم الحائل بين بشرة - جلد - اللامسوالملموس، ويكفي الحائل الرقيق عندهم، ولو كان الحائل من الوسخ المتراكم من الغبار، لا من العرق، فلا ينقض لمس رجل لرجل آخر، ولو كان الملموس أمرد جميلاً، ولكن يسن منه الوضوء، ولا ينقض لمس أنثى لمثلها، ولا "خنثى لحنثى" أو لرجل؛ أو لامرأة، ولا ينقض إلا إذا بلغ اللامس والملموس حد الشهوة عند أرباب الطباع السليمة. واستثنوا من بدن المرأة شعرها؛ وسنها؛ وظفرها، فإن لمسها لا ينقض الوضوء؛ ولو تلذذ به، لأن من شأن لمسها عدم التلذذ، وقد يقال: إن السن في الفم، والناس يتغزلون في الأسنان، ويتلذذون بها أكثر من سائر أجزاء البدن، فكيف يعقل أن يكون الشأن في لمسها عدم اللذة؟ ولكن الشافعية يقولون: إنه لو صرف النظر عن لمس الفم، ولمس يحيط بالأسنان؛ كان السن مجرد عظم لا تلذذ به وهذا هو معنى أن الشأن فيها عدم التلذذ، وينتقض الوضوء بلمس الميت. ولا ينتقض بلمس المحرم - وهي من جرم نكاحها على التأبيد، بسبب نسب أو رضاع، أو مصاهرة - أما التي لا يحرم زواجها على التأبيد؛ كأخت الزوجة، وعمتها، وخالتها، فإن لمس إحداهن ينقض الوضوء، وكذا ينتقض بلمس أو الموطوءة بشبهة، وبنتها، فإن زواجهما، وإن كان محرماً على التأبيد، ولكن التحريم لم يكن بنسب ولا رضاع، ولا مصاهرة، وقد عرفت أن كل ذلك يسمى مسّاً، كما يسمى لمساً.
الحنابلة قالوا: ينتقض الوضوء بلمس المرأة بشهوة بلا حائل، لا فرق بين كونها أجنبية مَحْرماً، ولا بين كونها حية أو ميتة، شابة كانت أو عجوزاً. كبيرة أو صغيرة، تشتهي عادة، ومثل الرجل في ذلك المرأة، بحيث لو لمست رجلاً انتقض وضوءها بالشروط المذكورة، ولا ينقض اللمس إلا إذا كان لجزء من أجزاء البدن، غير الشعر، والسن، والظفر، فإن لمس هذه الأجزاء الثلاثة، لا ينتقض الوضوء، أما الملموس فلا ينتقض وضوءه، ولو وجد لذة، ولا ينقض لمس رجل لرجل، ولو كان جميلاً؛ ولا لمس امرأة لامرأة؛ ولا خنثى لخنثى، ولو وجد اللامس لذة.
وبذلك تعلم أن الحنابلة متفقون مع الشافعية في أن لمس المرأة بدون حائل ينقض الوضوء، ولو كانت عجوزاً شوهاء ما دامت تشتهي عادة. ومختلفون معهم في لمس المحارم، فالحنابلة يقولون: إنه ينقض مطلقاً، حتى لو لمس المتوضئ أمه، أو أخته؛ فإن وضوءه ينتقض بذلك اللمس؛ خلافاً للشافعية؛ ومتفقون معهم على أن لمس الرجل للرجل لا ينقض "ولو كان الملموس أمرد جميلاً"، إلا أن الشافعية قالوا: يسن منه الوضوء: واتفقوا على أن لمس شعر المرأة وظفرها وأسنانها لا ينقض، فلم يختلفوا إلا في تفاصيل خفيفة ذكرها الشافعية، فلذلك أوردنا لك كل مذهب على حدة.
المالكية قالوا: إذا لمس المتوضئ غيره بيده أو بجزء من بدنه، فإن وضوءه ينتقض. بشروط بعضها في اللامس، وبعضها في الملموس. فيشترط في اللامس أن يكون بالغاً، وأن يقصد اللذة أو يجدها بدون قصد فمتى قصد اللذة انتقض وضوءه ولو لم يلتذذ باللمس فعلاً. ومثل ذلك ما إذا لم يقصد لذة ولكن التلذذ باللمس. وأن يكون الملموس عارياً. أو مستوراً بساتر خفيف فإن كان الساتر كثيفاً. فلا ينتقض الوضوء. إلا إذا كان اللمس بالقبض على عضو وقصد اللذة أو وجدها وأن يكونالملموس ممن يشتهي عادة، فلا ينتقض الوضوء بلمس صغيرة لا تشتهي. كبنت خمس سنين، ولا بلمس عجوز انقطع ارب الرجال منها. لأن النفوس تنفر عنها، ومن أجزاء البدن الشعر، فينتقض الوضوء بلمس شعر المرأة إذا قصد لذة، أو وجدها، أما إذا لمست المرأة بشعرها يداً، فإن وضوءها لا ينتقض، وكذا لا ينتقض بلمس شعر رجل بشعر امرأة، أو بلمس ظفر بظفر، لفقد الإحساس فيهما عادة. وقد عرفت أن المدار في اللمس على قصد اللذة أو وجدانها، لا فرق بين أن يكون الملموس امرأة أجنبية، أو زوجة، أو شاباً أمرد، أو شاباً له لحية جديدة، يلتذذ به عادة، أما إذا كان الملموس مَحْرَماً، كأخت. أو بنتها. أو عمة. أو خالة. وكان اللامس شهوياً فقصد اللذة. ولكنه لم يجدها فإن وضوءه لا ينتقض بمجرد قصد اللذة. بخلاف ما إذا كانت أجنبية. ومن اللمس القبلة على الفم. وتنقض الوضوء مطلقاً. ولو لم يقصد اللذة أو يجدها أو كانت القبلة بإكراه، ولا تنقض القبلة إذا كانت لوداع أو رحمة بحيث يكون الغرض منها ذلك في نفسه. بدون أن يجد لذة. فإن وجدة لذة فإنها تنقض.
هذا كله بالنسبة للامس. أما الملموس فإن كان بالغاً ووجد اللذة انتقض وضوءه، فإن قصد اللذةفإنه يصير لامساً يجري عليه حكمه السابق.
هذا ولا ينتقض الوضوء بفكر. أو نظر من غير لمس ولو قصد اللذة أو وجدها أو حصل له إنعاظ فإن أمذى بسبب الفكر أو النظر انتقض وضوءه بالمذي. وإن أمني وجب عليه الغسل بخروج المني.
الحنفية قالوا: إن اللمس لا ينقض بأي جزء من أجزاء البدنم ولو كان اللامس والملموس عاريين. فلو كان الرجل متوضئاً ونام مع زوجته في سرير واحد وهما عاريان متلاصقان. فإن وضوءهما لا ينتقض إلا في حالتين: الحالة الأولى. أن يخرج منهما شيء من مذي ونحوه، الحالة الثانية: أن يضع فرجه على فرجها. وذلك ينقض وضوء الرجل بشرطين: الشرط الأول: أن ينتصب الرجل، الشرط الثاني: أن لا يوجد حائل يمنع حرارة البدن، أما وضوء المرأة فإنه ينتقض بمجرد ذلك التلاصق، متى كان الرجل منتصباً، فإذا فرض ونامت امرأة، مع أخرى، وتلاصقتا بهذه الكيفية، فإن وضوءهما ينتقض بمجرد تلاصق الفرجين ببعضهما، وهما عاريتان وبقيت صورة أخرى، وهي أن يتلاصق رجل مع آخر وهما عاريان، كما قد يقع في الحمام حال الزحام، وحكم هذه الحالة هو أن لا ينتقض وضوءهما، إلا إذا كان اللامس منتصباً.
وبذلك تعلم أن الحنفية اختلفوا مع سائر الأئمة في هذا الحكم، أما المالكية فقد رتبوا النقض على قصد اللذة، أو وجدانها؛ فخالفوا الشافعية، والحنابلة في مس العجوز التي لا تشتهي. فقالوا إنه لا ينقض، والشافعية، والحنابلة، قالوا إنه ينقض، وكذا خالفوهم في مس الأمرد الجميل، فقال المالكية: إنه ينقض. وقال الشافعية، والحنابلة: إنه لا ينقض، ووافقوهم على أن اللمس لا ينقض، إلا إذا كان الملموس عارياً، أو مستوراً بساتر خفيف، على أن المالكية قالوا: إذا كان لابساً أثواباً ثمقبض المتوضئ على جسمه بيده، فإن وضوءه ينتقض؛ واختلفوا في لمس الشعر، فقال
المالكية: إذا لمس الرجل شعر المرأة انتقض وضوءه إذا قصد لذة أو وجدها؛ لأن الشعر مما يتلذذ به بلا نزاع، بخلاف المرأة إذا لمست رجلاً بشعرها، فإن وضوءها لا ينتقض لأن شعرها لا تحس به، أما الحنابلة، والشافعية فقالوا: إن لمس الشعر لا ينقض) .
****************

ابوالوليد المسلم 27-06-2019 03:27 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 79 الى صــــــــ
ـ84
الحلقة (18)


القسم الثالث:


من النواقض التي يترتب عليها الخروج من أحد السبيلين: المس باليد. وحكم هذا فيه تفصيل. وهو أنه لا يخلو إما أن يمس بها نفسه أو غيره. فإن مس غيره كان لامساً. تجري عليه أحكام اللمس المتقدمة. أما إن مس نفسه، فإن المعتاد في مثل ذلك أن الإنسان لا يلتذ بمس جزء من أجزاء بدنه. ولكن قد ورد في الحاديث ما يدل على أن من مس ذكر نفسه انتقض وضوءه. وورد في البعض الآخر أن ذلك المس لا ينقض الوضوء ولذا اختلفت المذاهب في ذلك فمن قال: إن مس ذكر الإنسان نفسه لا ينقض. استدل بأحاديث: منها ما رواه أصحاب السنن.
إلا ابن ماجة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل يمس ذكره في الصلاة فقال:

"هل هو إلا بضعة منك"، وهذا الحديث رواه ابن حبان أيضاً في "صحيحه" وقال الترمذي: إن هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب: أما الذين قالوا: إن مس الذكر ينقض الوضوء، فقد استدلوا بأحاديث كثيرة:
منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من مس ذكره فليتوضأ" وقد أجمع الأئمة الثلاثة على أن مس الذكر ينقض "وخالف الحنفية في ذلك فقط"، فقالوا: إنه لا ينقض، وإليك تفصيل مذهبهم (1)

(1) الحنفية قالوا: إن مس الذكر لا ينقض الوضوء، ولو كان بشهوة، سواء كان بباطن الكف، أو بباطن الأصابع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل، كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل مس ذكره في الصلاة؟ فقال: "هل هو إلا بضعة منك، أو مضغة منك؟ "، ولكنه يستحب منه الوضوء، خروجاً من خلاف العلماء، لأن العبادة المتفق عليها خير من العبادة المختلف فيها، بشرط أن لا يرتكب مكروه مذهبه.
هذا وقد حمل بعض الحنفية المس في قوله صلى الله عليه وسلم: "من مس ذكره فليتوضأ" على الوضوء اللغوي، وهو غسل اليدين، فيندب له أن يغسل يديه من المس عند إرادة الصلاة، وكذلك لا ينتقض الوضوء لمس أي جزء من أجزاء بدنه، فلو مس حلقه دبره، فإن وضوءه لا ينتقض، وكذا إذا مست المرأة قبلها، ولكن لو أدخل غصبعه أو شيئاً - كطرف حقنة - وغيبها انتقض وضوءه، لأنها تكون بمنزلة دخول شيء في الباطن، ثم خروجه، فإن أدخل بعضها، ولم يغيبه، فإن أخرجها مبتلة، أو بها رائحة انتقض وضوءه، وإلا فلا، وكذلك المرأة إذا وضعت إصبعها، أو قطنة ونحوها في قبلها، فإن خرج مبتلاً انتقض الوضوء، وإلا فلا.
المالكية قالوا: ينتقض الوضوء بمس الذكر بشروط: أن يمس ذكر نفسه المتصل به. فلو مسذكره غيره، كان لامساً، يجري عليه حكمه؛ وأن يكون بالغاً، ولو خنثى، فلا ينتقض وضوء الصبي بذلك المس؛ وأن يكون المس بدون حائل؛ وأن يكون المس بباطن الكف، أو جنبه؛ أو بباطن الأصابع، أو جنبها، أو برأس الإصبع، ولو كانت زائدة إن ساوت إحدى الأصابع الأصلية في الإحساس، والتصرف، فلا ينتقض إذا مسه بعضو آخر من أعضاء بدنه، كفخذه أو ذراعه، كما لا ينتقض إذا مسه بعود، أو من فوق حائل، وينتقض الوضوء بالمس المستكمل للشروط المذكورة، سواء التذ أولاً، وسواء كان عمداً أو نسياناً، ولا ينتقض بمس امرأة فرجها، ولو أدخلت فيه إصبعها. ولو التذت؛ ولا ينتقض بمس حلقة الدبر. ولا بإدخال إصبعه فيه على الراجح، وإن كان حراماً، إذا كان لغير حاجة، ولا ينتقض بمس موضع الجب - أي قطع الذكر - ولا بمس الخصيتين، ولا العانة، ولو تلذذ؛ أما مس دبر غيره، أو فرج امرأة؛ فإنه لمس يجري عليه حكم الملامسة.
الشافعية قالوا: ينتقض الوضوء بمس الذكر المتصل والمنفصل. إذا لم يتجزأ بعد الانفصال. فلا ينطلق عليه الاسم وينتقض بمس محل القطع، وإنما ينتقض ذلك المس بشروط منها عدم الحائل؛ ومنها أن يكون المس بباطن الكف أو الأصابع وباطن الكف أو الأصابع - هو ما يستتر عند انطباقهما بعضهما على بعض، مع ضغط خفيف - فلا ينتقض بالمس بحرف الكف، وأطراف الأصابع، وما بينهما.
هذا، والشافعية كالحنابلة لا يخصون المس بمس الشخص ذكر نفسه، وإنما يقولون: إن المس يتناول مس ذكر الغير، فلذا قالوا: إن مس الذكر ينقض الوضوء، سواء كان ذكر نفسه، أو ذكر غيره، ولو كان ذكر صغير، أو ميت، وإنما ينتقض وضوء الماء دون الممسوس، وكذا ينتقض وضوء المرأة إذا مست قبلها، كما ينتقض وضوء من مسه طبعاً، وحلقة الدبر لها حكيم الفرج عندهم: بخلاف الخصية، والعانة، فلا نقض بمسهما.
الحنابلة قالوا: ينتقض الوضوء بكل خارج نجس من سائر البدن، غير القبل والدبر، المتقدم حكمه، بشرط أن يكون كثيراً، والكثرة والقلة تعتبر في حق كل إنسان بحسبه، بمعنى أنه يراعى في تقدير ذلك حالة الجسم قوة وضعفاً، ونحافة وضخامة، فلو خرج دم مثلاً من نحيف، وكان كثيراً بالنسبة إلى جسده نقض، وإلا فلا، ومن ذلك القيء عندهم) .
****************************
القسم الرابع من النواقض بسبب الخارج من السبيلين: هو ما يخرج من بدن الإنسان من غير القبل، أو الدبر، كالقيح الذي يخرج من الدمل، أو الدم الذي يخرج بسبب ذلك، أو بسبب جرح، أو نحو ذلك، وكل نجس ينقض الوضوء؛ على تفصيل في المذاهب.وينتقض (1) الوضوء بالردة. فإذا ارتد المتوضئ عن دين الإسلام. انتقض وضوءه وقد


(1) الحنفية قالوا: إن الوضوء لا ينتقض بالردة، وإن كانت الردة محبطة لكثير من الأعمال الدينية، والتصرفات المالية، ونحو ذلك، مما بيناه في "الجزء الرابع" من هذا الكتاب فليرجع إليها من يشاء.
الشافعية قالوا: الردة لا تنقض الوضوء إذا ارتد وهو صحيح من مرض السلس ونحوه، أما المريض بالسلس، فإن وضوءه ينتقض بالردة، وذلك لأن طهارته ضعيفة
****************************** ***
يقع ذلك كثيراً من الجهلة الذين يستولي عليهم الغضب الشديد فيسبون الدّين. وينطقون بكلمات مكفرة، بدون مبالاة، ثم يندمون بعد ذلك، فهؤلاء ينتقض وضوءهم إذا كانوا متوضئين، ولا يخفى أن هذا بعض عقوبات الردة الهينة، إذ لو علم الناس أن الردة تحبط الأعمال وتبطلها، لضبطوا أنفسهم، وحفظوا ألسنتهم من النطق بكلمات تضر كثيراً، ولا تنفع في شيء ما.ولا ينتقض الوضوء بالقهقهة (1) في الصلاة، ولا بأكل لحم جزور - جمل أو قعود - ولا بتغسيل الميت (2)وكذا لا ينتقض الوضوء بالشك (3) في الحدث، ولذلك صورتان: الصورة الأولى: أن يتوضأ بيقين، ثم يشك، هل أحدثت بعد ذلك الوضوء أو لا، وهذا الشك لا ينقض وضوءه، لأنه شك في حصول الحدث بعد الوضوء، والشك لا يزيل يقين الطهارة؛ الصورة الثانية: أن يتوضأ بيقين، ويحدث بيقين، ولكنه يشك، هل توضأ قبل الحدث، فيكون وضوءه قد انتقض بالحدث، أو توضأ بعد الحدث، فيكون وضوءه باقياً، وتحت هذه الصورة أمران: الأول: أن


(1) الحنفية قالوا: القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء وقد وردت في ذلك أحاديث: منها ما رواه الطبراني عن أبي موسى، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد - وكان في بصره ضرر - فضحك كثير من القوم، وهم في الصلاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء، ويعيد الصلاة، والقهقهة، بخلاف ما إذا ضحك بصوت يسمعه هو وحده، ولا يسمعه من بجواره فإن وضوءه لا ينتقض بذلك بل تبطل به الصلاة، وإنما ينتقض الوضوء بالقهقهة إذا كان المصلي بالغاً، ذكراً كان، أو امرأة، عامداً كان أو ناسياً؛ أما إذا كان صبياً، فإن وضوءه لا ينتقض بالقهقهة، ويشترط أيضاً أن تقع القهقهة في صلاة ذات ركوع وسجود، فإن كان في سجود تلاوة ونحوه، وقهقهة بطل سجوده، ولم ينتقض.
وإذا تعمد الخروج من الصلاة بالقهقهة بدل السلام انتقض وضوءه، وصحت صلاته، لأن الخروج من الصلاة يحصل عندهم بغير السلام، كما سيأتي، ومع هذا فإنه يكون قد أساء الأدب حال مناجاة ربه، وترك واجب السلام، كما ستعرفه في "كتاب الصلاة"
(2) الحنابلة قالوا: ينتقض الوضوء بأكل لحم الجزور، وبتغسيل الميت) .
(3) المالكية قالوا: ينتقض الوضوء بالشك في الحدث، أو سببه، كأنه يشك بعد تحقق الوضوء، هل خرج منه ريح، أو مس ذكره مثلاً أولا، أو شك بعد تحقق الناقض هل توضأ أو لا، أوشك بعد تحقق الناقض، والوضوء هل السابق الناقض، أو الوضوء، فكل ذلك ينقض الوضوء، لأن الذمة لا تبرأ إلا باليقين، والشاك لا يقين عنده
***********************

يتذكر قبل ذلك الوضوء والحدث الذي شك فيهما، ولم يدر أيهما حصل أولاً، فإن تذكر أنه كان محدثاً قبل ذلك، اعتبر متوضئاً، لأنه ثبت أنه توضأ بعد الحدث الأول بيقين، وشك في أنه أحدث ثانياً أو لا، قد عرفت أن الشك عند الحنفية لا يضر، مثال ذلك أن يتوضأ بعد الظهر بيقين، ويحدث بيقين، ولكنه يشك في هل الحدث الناقض وقع أولاً، فيكون الوضوء باقياً، أو الوضوء حصل أولاً، فيكون الوضوء منتقضاً بالحدث، وفي هذه الحالة ينظر إلى ما كان عليه قبل الظهر، فإن تذكر أنه كان محدثاً قبل الظهر، فإنه يعتبر متطهراً بعده، وذلك لأنه تيقن الحدث الأول الواقع منه قبل الظهر، هل وقع قبل الوضوء، أو بعده؟ والشك لا يرفع الحدث فيكون متوضئاً؛ الأمر الثاني: أن يتذكر أنه كان متوضئاً قبل الظهر، ثم توضأ بعده وأحدث، وفي هذه الحالة تفصيل، وهو إن كان من عادته تجديد الوضوء (1) فإنه يعتبر بعد الفجر محدثاً بيقين، لأنه كان متوضئاً قبله بيقين، ثم جدد الوضوء بعده، وأحدث، ولا يدري أيهما السابق فلا يعتبر شاكاً في نقض الوضوء، لأنه كان متوضئاً أولاً بيقين، ثم أحدث بيقين، ووضوءه الثاني يعتبر تجديداً للوضوء الأول الذي وقع بعد الحدث بيقين، فلا يكون تجديد الوضوء رفعاً للحدث المتيقن، أما إذا لم يكن من عادته الوضوء، فإنه يعتبر متطهراً، لأن طهارته الثانية ترفع الحدث المشكوك فيه.هذا كله إذا شك في الوضوء بعد تمامه، أما إذا شك أثناء الوضوء في عضو، فإن عليه أن يعيد تطهير العضو الذي شك فيه.ولا يخفى أن هذه الدقائق العلمية، ذكرناها لما عساها أن ينتفع بها طلبة العلم، أما العامة فليس من الضروري أن يعرفوا مثل هذه الدقائق إلا في الأحوال الضرورية، كما إذا كان شخص في جهة يقل فيها الماء أو كان يصعب عليه إعادة الوضوء لكبر، أو ضعف، أو برد، وكان في حالة لا يباح له فيها التيمم: أو نحو ذلك، فلم يقصر العلماء في بيان حكم من الأحكام، سواء كان ينتفع به الجمهر، أو بعضهم.


(1) الحنابلة قالوا: يعمل بضد حالته الأولى، ولو كان من عادته تجديد الوضوء) .
*************************
[مباحث الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة]قد عرفت مما قدمناه لك في نواقض الوضوء، أن الوضوء ينتقض بالبول، والغائط، والمذي والودي باتفاق، ولا يكفي في خروج شيء من هذه مجرد الوضوء مع تلوث أحد المخرجين به، بل لا بد من تجفيف المحل الذي خرج منه ذلك الأذى وتنظيفه، فلهذا كان من الحسن أن نضع هذا المبحث عقب نواقض الوضوء، لأنه جزء منها، وأركان الاستنجاء أربعة: مستنج، وهو الشخص ومستنجى منه، وهو الخارج النجس الذي يلوث القبل أو الدبر؛ ومستنجى به، وهو الماء أو الحجر ومستنجى فيه، وهو القبل أو الدبر، فهذه هي الأركان التي لا يتحقق الاستنجاء إلا بتحققها.وظاهر أن ههنا أمرين: أحدهما: الاستنجاء، ثانيهما: قضاء الحاجة، فأما الاستنجاء، فإنه يتعلق به أمران: الأول: تعريفه، الثاني: حكمه، وأما قضاء الحاجة من بول أو غائط، فإنه يتعلق به ثلاثة أمور: أحدها: حكمه، ثانيها: بيان الأماكن التي لا يجوز للإنسان أن يقضي فيها حاجته، ثالثها: بيان الأحوال التي ينهى عن قضاء الحاجة عندها، وإليك بيانها على هذا الترتيب.[تعريف الاستنجاء]الاستنجاء هو عبارة عن إزالة الخارج من أحد السبيلين - القبل، أو الدبر - عن المحل الذي خرج منه، إما بالماء وإما بالأحجار؛ ونحوها. ويقال له: الاستطابة، كما يقال الاستجمار على أن الاستجمار مختص بالأحجار التي يزيل بها الإنسان النجاسة من المخرج، مأخوذ من الجمار، والجمار هي الحصى الصغار، وسمي الاستنجاء استطابة، لأنه يترتب عليه أن النفس تطيب وتستريح بإزالة الخبث، وسمي استنجاء لأن الاستنجاء مأخوذ من نجوت الشجرة إذا قطعتها، فهو يقطع الخبث من على المحل، والأصل في الاستنجاء أن يكون بالماء، فقد كان الاستنجاء بالماء فقط مشروعاً في الأمم التي من قبلنا، روي أن أول من استنجى بالماء هو سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولكن سماحة الدينالإسلامي، وسهولته قد قضت بإباحة الاستنجاء بالأحجار ونحوها. من كل ما لا يضر. مما سيأتي بيانه في "كيفية الاستنجاء".[حكم الاستنجاء]الاستنجاء بالمعنى الذي ذكرناه فرض (1) فيجب الاستنجاء من كل نجس، ولو نادراً كدم، وودي ومذي. ولا بد من انقطاع الخارج قبل الاستنجاء. وإلا بطل الاستنجاء "شافعي. حنبلي".

(1) الحنفية قالوا: حكم الاستنجاء أو ما يقوم مقامه من الاستجمار. هو أنه سنة مؤكدة للرجال والنساء. بحيث لو تركها المكلف فقد أتى بالمكروه على الراجح. كما هو الشأن في السنة المؤكدة: وإنما يكون الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالأحجار الصغيرة ونحوها سنة مؤكدة. إذا لم يتجاوز الخارج نفس المخرج، والمخرج عندهم هو المحل الذي خرج منه الأذى، وما حوله من مجمع حلقة الدبر الذي ينطبق عند القيام ولا يظهر منه شيء. وطرف الإحليل الكائن حول الثقب الذي يخرج منه البول، لا فرق في ذلك بين أن يكون الخارج معتاداً، أو غير معتاد، كدم وقيح، ونحوهما، فإذا جاوزت النجاسة المخرج المذكور. فإنه ينظر فيها فإن زادت على قدر الدرهم، فإن إزالتها تكون فرضاً، ويتعين في إزالتها الماء. لأنها تكون من باب إزالة النجاسة لا من باب الاستنجاء، وإزالة النجاسة يفترض فيها الماء. ومثل ذلك ما أصاب طرف الإحليل - رأسه - من البول. فإن زاد على قدر الدرهم افترض غسله بالماء فلا يكفي في إزالته الأحجار ونحوها، على الصحيح، وكذا ما أصاب جلدة إحليل الأقلف - الذي لم يختن (يطاهر - من البول: فإنه إذا زاد على قدر الدرهم يفترض غسله. ولا يكفي مسحه بالأحجار ونحوها على أن هذا عند الصاحبين. أما عند محمد رضي الله عنه فإن النجاسة إذا تجاوزت المخرج، يجب غسلها سواء كانت تزيد على قدر الدرهم. أو لا. وظاهر أنه في هذه الحالة يلزم غسل كل ما على المخرج. لأن النجاسة تنتشر بغسل ما زاد عليه. وهذا هو الأحوط. وإن كان الراجح ما ذهب إليه الصاحبان على أن مثل هذا إنما يكون له أثر ظاهر في بعض الأحوال دون بعض ففي الجهات التي يكثر فيها الماء كما في المصر. فإن الأحوط طبعاً هو الغسل والتنظيف. لما في ذلك من إزالة الأقذار.
وقطع الرائحة الكريهة، أما في الجهات التي يقل فيها الماء كالصحراء. فإن رأي الصاحبين يكون له أثر ظاهر. وكذا إذا كان الإنسان يتعسر عليه استعمال الماء.
والحاصل أن الحنفية يقولون إن إزالة ما على نفس المخرج سواء كان معتاداً كبول وغائط أو غير معتاد كمذي وودي ودم ونحو ذلك سنة مؤكدة سواء أزيل بالماء. أو بغيره؛ ويقال لهذا: استنجاء، أو استجمار؛ أو استطابة؛ أما ما زاد على نفس المخرج، فإن إزالته فرض، ولا يسمى استنجاء، بل هو من باب إزالة النجاسة، وهل يشترط في كون إزالته فرضاً بالماء، أن يزيد على قدرالدرهم، كما هو الشأن في حكم إزالة النجاسة، أو ههنا لا يشترط ذلك؟ خلاف بين محمد والصاحبين، فمحمد يقول: يجب غسله في هذه الحالة بالماء. وإن لم يبلغ الدرهم، والصاحبان يقولان: لا يجب الماء إلا إذا زاد المتجاوز عن الدرهم، ولا فرق في هذا الحكم بين الرجل، والمرأة إلا في الاستبراء؛ وهو - إخراج ما بقي في المخرج من بول، أو غائط، حتى غلب على ظنه أنه لم يبق في المحل شيء - فإن الاستبراء بهذا المعنى لا يجب على المرأة، وإنما الذي يجب عليها، هو أنها تصبر زمناً يسيراً بعد فراغها من البول أو الغائط، ثم تستنجي، أو تستجمر، أو تجمع بين الأمرين.
هذا وإذا استجمر، وبقي أثر النجاسة، ثم عرقت مقعدته، وأصاب عرقها ثوبه، فإن الثوب بتنجس، وإن زاد على قدر الدرهم، بخلاف ما إذا نزل المستجمر في ماء قليل - كالمغطس الصغير فإنه ينجسه، وبهذا تعلم أن حقيقة الاستنجاء - وهي إزالة ما على نفس المخرج فقط - لا تكون فرضاً لأن إزالة ما زاد على ذلك يكون من باب إزالة النجاسة، على أن الاستنجاء قد يكون مستحباً فقط، وهو ما إذا بال ولم يتغوط، فإنه يستحب له أن يغسل المحل الذي نزل منه البول، إلا إذا انتشر البول وجاوز محله، فإنه يجب غسله من باب إزالة النجاسة، وقد يكون الاستنجاء بدعة، كما إذا استنجى من خروج ريح.
هذا، ويقدر الدرهم في النجاسة الجامدة بعشرين قيراطاً، وفي المائعة بملء مقر الكف. أما القيراط فهو ما كان زنة خمس شعيرات غير مقشورة، والمعروف في زماننا أن زنة القيراط يساوي - خروبة - وهي بذرة من بذور الخروب المتوسطة التي زنتها أربع قمحات من القمح البلدي، والدرهم يساوي ستة عشر خروبة؛ ولا يخفي أن الإنسان يستطيع أن يقدر ذلك تقديراً تقريبياً، بحيث يفعل الأحوط.
المالكية قالوا: الأصل في الاستنجاء ونحوه أن يكون مندوباً، فيندب لقاضي الحاجة أن يزيل ما على المخرج بماء، أو حجر، إلا أنهم قالوا: تجب إزالته بالماء في أمور: منها في بول المرأة سواء كانت بكراً أو ثيباً، فيجب عليها أن تغسل كل ما ظهر من فرجها حال جلوسها، سواء تعدى المحل الخارج منه إلى جهة المقعد أو لا، إلا أنه إن تعدى المحل، وأصبح ذلك لازماً، بحيث يأتي كل يوم مرة فأ: ثر، فإنه يكون سلساً يعفى عنه، ومنها أن ينتشر الخارج على المحل انتشاراً كثيراً، بحيث يزيد على ما جرت العادة بتلويثه، كأن يصل الغائط إلى الألية، ويعم البول معظم الحشفة وفي هذه الحالة يجب غسل الكل بالماء، بحيث لا يصح الاقتصار على غسل ما جاوز المعتاد؛ ومنها المذي إذا خرج بلذة معتادة، ويجب عندهم غسل الذكر كله بنية على المعتمد، فإذا غسله كله من غير نية، وصلى، فصلاته صحيحة على المعتمد، وإذا غسل بعضه بنية، وصلى، فبعضهم يقول: تصح، وبعضهم يقول: لا، ومنها المني في الحالة التي لا يجب فيها الغسل من الجنابة، ولذلك صورتان: الأولى: أن يكون في مكان ليس فيه ماء يكفي للغسل، وفي هذه الحالة يكون فرضه التيمم، ولكن يجب عليه أن يزيل المني من عضو التناسل بالماء، ولا يجب عليه غسل الذكر كله، ومثل ذلك ما إذا كان من مريضاًالدرهم، كما هو الشأن في حكم إزالة النجاسة، أو ههنا لا يشترط ذلك؟ خلاف بين محمد والصاحبين، فمحمد يقول: يجب غسله في هذه الحالة بالماء. وإن لم يبلغ الدرهم، والصاحبان يقولان: لا يجب الماء إلا إذا زاد المتجاوز عن الدرهم، ولا فرق في هذا الحكم بين الرجل، والمرأة إلا في الاستبراء؛ وهو - إخراج ما بقي في المخرج من بول، أو غائط، حتى غلب على ظنه أنه لم يبق في المحل شيء - فإن الاستبراء بهذا المعنى لا يجب على المرأة، وإنما الذي يجب عليها، هو أنها تصبر زمناً يسيراً بعد فراغها من البول أو الغائط، ثم تستنجي، أو تستجمر، أو تجمع بين الأمرين.
هذا وإذا استجمر، وبقي أثر النجاسة، ثم عرقت مقعدته، وأصاب عرقها ثوبه، فإن الثوب بتنجس، وإن زاد على قدر الدرهم، بخلاف ما إذا نزل المستجمر في ماء قليل - كالمغطس الصغير فإنه ينجسه، وبهذا تعلم أن حقيقة الاستنجاء - وهي إزالة ما على نفس المخرج فقط - لا تكون فرضاً لأن إزالة ما زاد على ذلك يكون من باب إزالة النجاسة، على أن الاستنجاء قد يكون مستحباً فقط، وهو ما إذا بال ولم يتغوط، فإنه يستحب له أن يغسل المحل الذي نزل منه البول، إلا إذا انتشر البول وجاوز محله، فإنه يجب غسله من باب إزالة النجاسة، وقد يكون الاستنجاء بدعة، كما إذا استنجى من خروج ريح.
هذا، ويقدر الدرهم في النجاسة الجامدة بعشرين قيراطاً، وفي المائعة بملء مقر الكف. أما القيراط فهو ما كان زنة خمس شعيرات غير مقشورة، والمعروف في زماننا أن زنة القيراط يساوي - خروبة - وهي بذرة من بذور الخروب المتوسطة التي زنتها أربع قمحات من القمح البلدي، والدرهم يساوي ستة عشر خروبة؛ ولا يخفي أن الإنسان يستطيع أن يقدر ذلك تقديراً تقريبياً، بحيث يفعل الأحوط.
المالكية قالوا: الأصل في الاستنجاء ونحوه أن يكون مندوباً، فيندب لقاضي الحاجة أن يزيل ما على المخرج بماء، أو حجر، إلا أنهم قالوا: تجب إزالته بالماء في أمور: منها في بول المرأة سواء كانت بكراً أو ثيباً، فيجب عليها أن تغسل كل ما ظهر من فرجها حال جلوسها، سواء تعدى المحل الخارج منه إلى جهة المقعد أو لا، إلا أنه إن تعدى المحل، وأصبح ذلك لازماً، بحيث يأتي كل يوم مرة فأ: ثر، فإنه يكون سلساً يعفى عنه، ومنها أن ينتشر الخارج على المحل انتشاراً كثيراً، بحيث يزيد على ما جرت العادة بتلويثه، كأن يصل الغائط إلى الألية، ويعم البول معظم الحشفة وفي هذه الحالة يجب غسل الكل بالماء، بحيث لا يصح الاقتصار على غسل ما جاوز المعتاد؛ ومنها المذي إذا خرج بلذة معتادة، ويجب عندهم غسل الذكر كله بنية على المعتمد، فإذا غسله كله من غير نية، وصلى، فصلاته صحيحة على المعتمد، وإذا غسل بعضه بنية، وصلى، فبعضهم يقول: تصح، وبعضهم يقول: لا، ومنها المني في الحالة التي لا يجب فيها الغسل من الجنابة، ولذلك صورتان: الأولى: أن يكون في مكان ليس فيه ماء يكفي للغسل، وفي هذه الحالة يكون فرضه التيمم، ولكن يجب عليه أن يزيل المني من عضو التناسل بالماء، ولا يجب عليه غسل الذكر كله، ومثل ذلك ما إذا كان من مريضاً
**********************


ابوالوليد المسلم 27-06-2019 03:27 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 85 الى صــــــــ
ـ
91
الحلقة (19)


[مبحث آداب قضاء الحاجة]

قد عرفت أن قضاء الحاجة من بول ونحوه قد جعل الشارع له أحكاماً: منها ما هو خاص بإزالته، ويقال له: استنجاء، إذا كان بالماء، واستجمار، إذا كان بغير الماء، من حجر ونحوه؛ وقد قدمنا لك حكم الاستنجاء في المذاهب، وبقي آداب قضاء الحاجة؛ وههنا سؤال يردده بعض الناس، وهو أن قضاء الحاجة من الأمور الطبيعية التي تتبع حالة الإنسان وظروفه الخاصة به، فالتقيد فيها بالتكاليف الشرعية قد يخرج الإنسان، ويضطره إلى ارتكاب ما يشق عليه من غير ضرورة تدعو إلى ذلك؛ ولكن هذا الكلام كغيره من اعتراضات الذين يريدون أن يتنصلوا من التكالف الشرعية في جميع أحوالهم، وإلا فأي فرق بين القيود التي أمر الشارع بها في حال الحيض والجماع، ونحوهما، وبين هذه القيود التي ستعرفها؟! ومن حسن الحظ أن الشريعة الإسلامية قد أتت في كل ذلك بما يقره العقل، وتقتضيه صحة الأبدان، ويستلزمه نظام الاجتماع من نظافة لا بد منها؛ فالواقع أن الشريعة الإسلامية، وإن كانت ههنا لا تسال عن علة، ولا عن سبب، لأن هذه تكاليف خاصة بالإنسان وحده، لأنه عبادات ليس من حق الإنسان أن يتبرم بها، إلا إذا عجز عن أدائها، كما قدمنا لك في أول: مباحث الطهارة" ولكنها مع هذا فقد جاءت بكل شيء معقول، وشرعت للناس العبادة التي تناسب أحوالهم الاجتماعية والصحية، وإلا فمن ذا الذي يقول: إن النظافة من الأخبثين غير لازمة؟! ومن ذا الذي يقول: إن الآداب التي ستعرفها غير نافعة للإنسان؟! فالشريعة الإسلامية كلها خير للمجتمع، وكلها إحسان إلى الناس، وكلها قيود صالحة لا يستطيع أحد أن ينال منها؛ وإليك بيان الأحكام المتعلقة بقضاء الحاجة من واجب، أو حرام، أو مندوب، أو مكروه بالترتيب:
أولاً: ما يجب عند الاستنجاء: يجب الاستبراء، وهو إخراج ما بقي في المخرج من بول، أو غائط حتى يغلب على الظن أنه لم يبق في المحل شيء، وقد اعتاد بعض الناس أن ينزل منه البول بعد أن يمشي، أو يقوم، أو يأتي بحركة من الحركات المعتادة له، فالذي يريد الاستنجاء يلزمه الاستبراء بحيث لا يجوز له أن يتوضأ، وهو يشك في انقطاع بوله، فإنه إذا توضأ في هذه الحالة، ونزلت منه قطرة بول لم ينفع وضوءه، فواجبه أن يخرج ما عساه أن يكون موجوداً حتى يغلب على ظنه أنه لم يبق في المحل شيء، وهذا واجب باتفاق، فلم يختلف فيه أحد، إلا أن بعضهم قال: إن الاستبراء لا يجب إلا إذا غلب على الظن (1) أن بالمحل شيء، وبعضهم قال: إن الاستبراء واجب حتى يغلب على الظن أنه لم يبق بالمحل شيء، والأمر في ذلك هين.ثانياً: المكان الذي يحرم قضاء الحاجة فيه: يحرم قضاء الحاجة فوق المقبرة (2) ، وعلة ذلك ظاهرة، فإن المقابر محل عظات وعبرة، فمن سوء الأدب والخلق أن يكشف الإنسان فوقها سوءته، ويلوثها بالأقذار الخارجة منه، على أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على زيارة القبور، لتذكر الآخرة، فمن الجهل والحماقة أن يتخذ الناس الأماكن التي تزار للتذكر والاعتبار محلاً للبول والتبرز، فالنهي عن قضاء الحاجة فوق المقابر لذلك، أما ما ورد من الأحاديث فإنه لا يفيد هذا المعنى صريحاً؛ ومنها ما رواه مسلم، وأبو داود، وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له، من أن يجلس على قبر"، فهذا الحديث حمله بعض العلماء على الجلوس عليها لقضاء الحاجة، ولكن ليس في الحديث ما يشير إلى هذا؛ بل الذي يفيده الحديث أن المراد بالجلوس عليها اتخاذها مكاناً للهو والتسلية، كما يفعله بعض جهلة القرى، فإنهم كانوا يتخذون من بعض المقابر مجلساً لينتفعوا بالشمس، أو الظل، والتحدث، كما يفعل أهل المدن بالاجتماع في النوادي، ولا ريب أن هذه الحالة تنافي الموعظة والخشية المطلوبة من زيارة القبور، فضلاً عما فيها من امتهان المقابر، يدل لذلك ما رواه ابن ماجة بسند جيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لأن أمشي على جمرة أو صيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحب إلي من أن أمشي على قبر". والمراد بالصيف شدة حر الأرض، وخصف النعل عباة عن ترقيعها،
ولا
(1) الشافعية هم القائلون وحدهم: إن الاستبراء لا يجب إلا إذا غلب على الظن أن بالمحل شيئاً من النجاسة
(2) الحنفية قالوا: يكره قضاء الحاجة فوق المقبة كراهة تحريم، وعلى كل حال فهم متفقون مع غيرهم في تأثيم من يفعل ذلك، إلا أن غيرهم قال إن إثمه شديد، ومذهب غيرهم هو الظاهر، لما ذكرناه لك من العلة
***********************

يخفى ما في هذا من الشدة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل إن يرقع نعله بجله رجله، ولا يمشي على المقبرة، وسيأتي بيان هذا المبحث في "مباحث الجنازة" إن شاء الله.
ثالثاً:
لا يجوز أن يقضي حاجته في الماء الراكد، وهذا أيضاً من الأمكنة التي لا يجوز قضاء الحاجة فيها، والماء الراكد هو الذي يجري، فقد روى جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبال بالماء الراكد، رواه مسلم، وابن ماجة، وغيرهما، ويلحق بالبول التغوط، لأنه أقبح، والنهي عنه أشد، وفي النهي عن البول في الماء الراكد تفصيل المذاهب (1)وهذا الحكم الفقهي من أجمل الأحكام التي يقرها العلم، ويرضاها العقل السليم، فإن تلويث الماء المعد للانتفاع به غالباً من أقبح الخصال الذميمة، فضلاً عما قد يترتب عليه من عدوي - البلهارسيا - ونحوها من الأمراض، فمن مكارم الإسلام أن جعل عبادة الله مرتبة دائماً على ما تقتضيه مصلحة الإنسان نفسه.

(1) المالكية قالوا: يحرم قضاء الحاجة في الماء الراكد إذا كان قليلاً، أما إذا كان مستبحراً كالماء الموجود في البحيرات التي في الحدائق الكبيرة، والأحواض الواسعة، فإن البول فيه لا يحرم، إلا إذا كان مملوكاً للغير، ولم يأذن باستعماله، أو أذن باستعماله، ولم يأذن بالبول فيه، وإلا كان البول فيه حراماً، فإن كان جارياً، فإن البول فيه يجوز، إلا إذا كان مملوكاً للغير، ولم يأذن فيه، أو كان موقوفاً.
الحنفية قالوا: يحرم قضاء الحاجة في الماء القليل الراكد حرمة شديدة، فإن كان كثيراً كره البول فيه تحريماً، بمعنى أن الحرمة تكون أخف لكثرته، فإذا كان الماء جارياً فإن البول فيه يكره تنزيهاً، إلا إذا كان مملوكاً للغير، ولم يأذن البول فيه، فإنه يحرم البول فيه وإن كان كثيراً، ومثله الموقوف.
الحنابلة قالوا: يحرم التغوط في الماء الراكد والجاري، سواء كان قليلاً، أو كثيراً، إلا ماء البحر، فإنه لا يحرم فيه ذلك، لما قد تقتضيه ضرورة الأسفار، فضلاً عن اتساعه، وعدم ظهور شيء من ذلك فيه، أما البول فإنه يكره في الماء الراكد، ولا يحرم، كما يكره البول في الماء الجاري الكثير، ولا يكره في الماء الجاري القليل، ومحل هذا كله إذا لم يكن الماء موقوفاً، أو مملوكاً للغير ولم يأذن في استعماله إذناً عاماً، وإلا حرم قضاء الحاجة فيه مطلقاً.
الشافعية قالوا: لا يحرم قضاء الحاجة في الماء قليلاً كان، أو كثيراً، ولكن يكره فقط إلا إذا كان الماء مملوكاً للغير، ولم يأذن في استعماله، أو كان مسيلاً ولم يستبحر، فإنه يحرم في هاتين الحالتين إلا أنهم فرقوا في الكراهة بين الليل والنهار، فقالوا: يكره قضاء الحاجة نهاراً في الماء القليل، لا فرق بين أن يكون راكداً أو جارياً، أما في الليل فقالوا: يكره البول في الماء، سواء كان قليلاً، أو كثيراً) .
****************************

رابعاً: يحرم (1) قضاء الحاجة في موارد الماء، ومحل مرور الناس، واستظلالهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله! قال: الذي يتخلى في طرق الناس، أو في ظلهم" رواه مسلم، وأبو داود، وقوله، اللاعنين المراد به الأمران اللذان يتسبب عليهما لعن من فعلهما. وذلك لأن الذي يبول أو يتغوط في طرق الناس. فإنه يعرض نفسه للشتم واللعن بسبب ذلك الفعل المؤذي، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الوارد. وقارعة الطريق. والظل" رواه أبو داود وبان ماجة وقوله: "الملاعن" المراد بها مواضع اللعن لأن من قضى حاجته فيها فقد عرض نفسه للعن الناس والمراد بالظل هو الظل الذي اتخذه الناس محلاً يستظلون به. وينزلون فيه "مالكي، حنبلي".
خامساً:
يحرم (2) حال قضاء الحاجة، استقبال القبلة أو استدبارها. بمعنى أنه يأثم إذا اتجه إلى القبلة وهو يبول أو يتغوط. أو يعطيها ظهره. ويتجه إلى الجهة المقابلة لها. بشرط أن يكون ذلك في الفضاء، أما إذا كان في بناء - كالكنيف ونحوه - فإنه لا يحرم "مالكي، شافعي،

(1) الشافعية، والحنفية قالوا: يكره قضاء الحاجة في هذه المواضع كلها، ما لم تكن موقوفة للمرور، أو ملكاً للغير، فإن كانت كذلك حرم قضاء الحاجة فيها.
فالأئمة الأربعة مجمعون على النهي عن قضاء الحاجة في المحلات العامة التي يمر فيها الناس، وفي موارد الماء، وفي المحلات التي يستظلون بها، إلا أن الشافعية، والحنفية جعلوا النهي للكراهة والمالكية والحنابلة جعلوا النهي للتحريم، وكلا الرأيين قد يتبع الأثر الذي يترتب على هذا الفعل، فإن كان فيه إيذاء شديد للناس، أو كان فيه تأثير على الصحة العامة؛ فهو حرام بالإجماع، لأن الإضرار بالناس وإيذائهم وجلب الأمراض منهي عنه نهياً غليظاً، ولعل القائلين بالكراهة قد نظروا إلى الجهات الخلوية الواسعة التي ليس فيها أماكن معدة لهذا، وضررها ليس له تأثير شديد
(2) الحنفية قالوا: يكره استقبال القبلة، أو استدبارها حال قضاء الحاجة، كراهة تحريم مطلقاً داخل البناء أو الفضاء، فإن جلس ساهياً، وتذكر تحول عن القبلة عند تذكره إن قدر على التحول، وإلا فينبغي أن لا يجلس على كنيف متجه إلى الجهة المنهي عنها متى أمكنه ذلك: ومثل البول والتغوط الاستنجاء والاستجمار؛ فإنهما مكروهان كراهة تحريم، وقد استدلوا لذلك بعموم الحديث، وهو "إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها؛ ببول ولا غائط" الخ والغائط: هو المكان المنخفض، فالحديث يدل على أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها حال قضاء الحاجة
************************

حنبلي" فإذا قضى حاجته، وأراد أن يستنجى أو يستجمر فإن ذلك يكون مكروها لا حراماً (1) "حنبلي. مالكي".
سادساً: يكره لقاضي الحاجة أن يقابل مهب الريح. فلا يجلس للبول إلى الجهة التي يثور منها الهواء. كي لا يعود إليه رشاش من بوله فيتنجس. ولا يخفى أن هذا الحكم قد روعي فيه مصلحة قاضي الحاجة. فإن مقتضى الطبيعة أن يفر الإنسان من الأقذار التي تلوث بدنه وثوبه. فالشارع جعل هذا الفعل مكروهاً عنده. مراعاة لمصلحة الناس وحثاً لهم على النظافة.
سابعاً: يكره لقاضي الحاجة أن يتكلم، وهو يقضى حاجته لما في ذلك من امتهان الكلام وعدم المبالاة بما عساه أن يأتي فيه من ذكر اسم الله، أو اسم رسول الله، أو غير ذلك، على أن الكلام إنما يكره إذا كان لغير حاجة، فإذا وجدت حاجة الكلام، فإنه لا يكره، كما إذا طلب إبريقاً، أو خرقة يجفف بها النجاسة، ويكون الكلام لازماً؛ وذلك في حالة إنقاذ طفل، أو أعمى من ضرر، أو كان لحفظ مال من التلف، ونحو ذلك.
ثامناً: يكره استقبال عين الشمس والقمر (2) ، لأنهما من آيات الله، ونعمه التي ينتفع بها الكون عامة، ومن قواعد الشريعة الإسلامية احترام نعم الله تعالى وتقديرها.تاسعاً: يندب الاستنجاء بيده اليسرى، لأن اليمنى في الغالب هي المستعملة في تناول الطعام ونحوه، كما يندب بلَّ أصابع اليسرى قبل ملاقاة الأذى. لئلا يشتد تعلق النجاسة بها، وكذا يندب غسل يده اليسرى بعد الفراغ من قضاء الحاجة بشيء منظف، ويندب الاسترخاء قليلاً عند الاستنجاء. كي يتمكن من إزالة النجاسة (3)

(1) الشافعية قالوا: لا ينهى عن استقبال القبلة حال الاستنجاء أو الاستجمار مطلقاً. وإنما النهي عن ذلك مقصور على قضاء الحاجة
(2) المالكية قالوا: لا يكره استقبال الشمس والقمر، وإنما الأولى بالمرء أن لا يفعل ذلك، فهو خلاف الأولى
(3) الشافعية قالوا: يجب الاسترخاء، كي يتمكن المستنجي من تنظيف الخارج.
الحنفية قالوا: إنما يندب الاسترخاء إذا لم يكن صائماً، محافظة على الصوم، لأنه يبطل بالمبالغة في إدخال الماء، كما سيأتي في بابه) .
****************************

[شروط صحة الاستنجاء والاستجمار بالماء، والأحجار، ونحوها]

فأما الماء الذي يصح به الاستنجاء، فإنه يشترط فيه شرطان: أحدهما: أن يكون طهوراً، فلا يصح الاستنجاء بالماء الطاهر فقط، كما لا تصح إزالة النجاسة به (1) ثانيهما: أن يكون الماء مزيلاً للنجاسة. فإذا كان معه ماء قليل لا يزيل النجاسة عن المحل، بحيث يعود كما كان قبل النجاسة فإنه لا يستعمل الماء في هذه الحالة، وهل يقدم الإنسان غسل قبله أو دبره؟ في ذلك تفصيل في المذاهب (2)وأما الأحجار ونحوها، فإنها تقوم مقام الماء، ولو كان موجوداً، إنما الأفضل استعمال الماء: وأفضل من ذلك أن يجمع بين الماء والحجر؛ على أن فيما يصح الاستجمار به من غير الماء تفصيل المذاهب (3)

(1) الحنفية قالوا: إن الاستنجاء بالماء الطهور لا يجب، بل يكفي الاستنجاء بالماء الطاهر وقد عرفت الفرق بين الماء الطاهر، والماء الطهور بما ذكرناه لك مفصلاً في "مباحث المياه" الاستنجاء بالماء الطهور الأفضل، للاتفاق على صحة إزالة النجاسة به والتمسك بالمتفق عليه أفضل عند الحنفية
(2) المالكية قالوا: يندب تقديم قُبُله في إزالة النجاسة، إلا إذا كان من عادته أن يتقاطر بوله إذا مس دبره بالماء، فحينئذ لا يندب له تقديم القبل.
الحنفية: لهم قولان في ذلك، والمفتي به قول الإمام، وهو تقديم غسل الدبر، لأن نجاسته أقذر من البول، ولأنه بواسطة الدلك في الدبر وما حوله يقطر البول، فلا يكون لتقديم غسل لقبل فائدة.
الشافعية قالوا: يندب لمن يستنجى بالماء أن يقدم غسل القبل على الدبر، وأما إذا استجمر بالأحجار، فإنه يندب له تقديم الدبر على القبل.
الحنابلة قالوا: يسن لمن أراد الاستنجاء أو الاستجمار أن يبدأ بالقبل، إذا كان ذكراً، أو أنثى، بكراً، وتخير الأنثى الثيب في تقديم أيهما) .
(3) الحنفية قالوا: إن السنّة أن يكون الاستجمار بالأشياء الطاهرة من تراب، وخرق بالية، وحجر، ومدر - وهو قطع العين اليابسة - ويكره تحريماً الاستجمار بالمنهي عنه، كالعظم والروث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استعمالها في ذلك، ومثلهما طعام الآدمي، والدواب، وكره تحريماً الاستجمار بما هو محترم شرعاً لما ثبت في "الصحيحين" من النهي عن إضاعة المال، ويدخل فيما له احترام شرعاً،جزء الآدمي، ولو كافراً، أو ميتاً، والورق المكتوب، ولو كانت الكتابة حروفاً مقطعة، لأن الحروف احتراماً، والورق غير المكتوب، إذا كان صالحاً للكتابة، أما الورق الذي لا يصلح للكتابة فإنه يجوز الاستجمار به بدون كراهة، وإنما يكره الاستجمار بما له قيمة مالية إذا أدى ذلك إلى إتلافه، أو إنقاص قيمته، فإذا كان غسله بعد الاستجمار، أو تجفيفه يعيده إلى حالته الأولى؛ فإنه لا كراهة فيه، وكره الاستجمار بالطوب المحرق، والفخار، والزجاج، والفحم، والحجر الأملس، وتكون الكراهة تحريمية إذا كان استعمالها ضاراً، إذ لا يجوز استعمال ما يضر، وتنزيهية إذا لم يكن استعمالها ضاراً، وذلك لأنها لا تنقي المحل، والسنة إنقاءه، وكره تحريماً الاستجمار بجدار غيره، لأنه لا يجوز التعدي على مال الغير، أما جدار نفسه فلا كراهة فيه، ومثل جداره الجدار المستأجر، فإن استجمر بشيء مما ذكر أجزأه مع الكراهة التحريمية، أو التنزيهية، على التفصيل المتقدم.
هذا، وقد تقدم ما يتعين فيه الماء، وما يكفي فيه الحجر ونحوه في - أول المبحث -.
الشافعية قالوا: يشترط فيما يستجمر به أن يكون جامداً طاهراً، فلا يصح بمتنجس، وأن يكون قالعاً للنجاسة، فلا يصح بغير قالع، كالأملس، والرخو، وأن يكون غير مبتل، فإن كان مبتلاً بغير العرق، فلا يجزئ، وأن يكون غير محترم شرعاً، فلا يصح بمحترم، كالخبز والعظم، ومن المحترم شرعاً ما كتب فيه علم شرعي، كفقه، وحديث، أو وسائله، كنحو، وصرف، وحساب، وطب، وعروض، وأما ما كتب فيه اسم معظم مقصود منه ذلك المعظم كأبي بكر، وعمر؛ ونحوهما. ومن المحترم أيضاً المسجد، فلا يجوز الاستجمار بجزء منه، كحجر وخشب، ولو انفصل عنه، ما دام منسوباً إليه، ومن المحترم جزء الآدمبي، ولو مهدر الدم، نظراً لصورته، وإن أهدر دمه.
ويشترط في الخارج شروط. منها أن لا يكون جافاً، لأنه لا يفيد الحجر ونحوه في إزالته، وأن لا يطرأ عليه نجس آخر أجنبي. أو طاهر غير العرق، وأن لا يجاوز الصفحة في الغائط؛ والحشفة في البول، والصفحة: ما ينضم من الأليتين عند القيام، والحشفة: ما فوق محل الختان.
هذا إذا كان رجلاً، فإن كان المستجمر امرأة، فإنه يشترط في صحة مسها بالحجر ونحوه أن لا يجاوز ما يظهر عند قعودها إن كانت بكراً، وأن لا يصل إلى ما بعد ذلك من الداخل إن كانت ثيباً، وإلا تعين الماء بالنسبة لهما، كما يتعين بالنسبة للأقلف إذا وصل بوله للجلدة.
ويشترط في المسح بالحجر ونحوه أن لا ينقص عن ثلاثة مسحات، يعم المحل بكل مسحة، ولو بثلاثة أطراف حجر واحد. فلا يكفي أقل من ثلاث، ولو أنقي المحل، وإذا لم يحصل الإنقاء بالثلاث زيد عليها ما يحصل به الإنقاء، بحيث لا يبقى من النجاسة إلا أثر لا يزيله إلا الماء، أو صغار الخزف.
**********************

ابوالوليد المسلم 27-06-2019 03:27 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 92 الى صــــــــ
ـ
96
الحلقة (20)


[مبحث في كيفية طهارة المريض بسلس بول، ونحوه]

قد عرفت أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بنص صريح يرفع الحرج والمشقة عن الناس،
المالكية قالوا: يجوز الاستجمار بما اجتمعت فيه خمسة أشياء أن يكون يابساً. كحجر وقطن وصوف، إذا لم يتصل بالحيوان. وإلا كره الاستجمار به، فإن لم يكن يابساً، كالطين، فلا يجوز الاستجمار به لأنه ينشر النجاسة، فإن وقع استجمار به؛ فلا بد من غسل المحل بالماء بعد ذلك.
وإن صلى بلا غسله كان مصلياً بالنجاسة، وقد تقدم حكمه في "إزالة النجاسة"، وأن يكون طاهرا، فلا يجوز بنجس، كعظم ميتة، وروث حيوان محرم الأكل، فإن استجمر به، فإن كان جامداً، ولم يتحلل منه شيء، وأنقى المحل، أجزأ مع الإثم، وأن يكون منقياً للنجاسة، فلا يجوز بالأملس، كزجاج، وقصب فارسي، لعدم الإنقاء به، وأن يكون غير مؤذ، فلا يجوز بما له حدّ، كسكين، وحجر له حرف، ومكسور زجاج؛ وأن يكون غير محترم شرعاً؛ ومن المحترم شرعاً، مطعوم الآدمي ويشمل الملح والدواء؛ ويلحق به الورق، لما فيه من النشا المطعوم ومن المحترم شرعاً ما له شرف، كالمكتوب، لأن للحروف حرمة، ومنه ما كان حقاً للغير: سواء أكان موقوفاً أو ملكاً لغيره: فيحرم الاستجماء بجدار موقوف، أو مملوكاً للغير، فإن كان الجدار مملوكاً له، كره الاستجماء به فقط، ويكره الاستجمار بالعظم والروث الطاهرين، وإذا حصل بهما الإنقاء أجزأ، وكذلك كل ما حرم أو كره، أما الأمور التي يتعين فيها الاستنجاء بالماء، فقد تقدمت في "حكم الاستنجاء" قريباً.
الحنابلة قالوا: يشترط فيما يستجمر به أمور: منها أن يكون طاهراً، وأن يكون مباحاً فلا يصح الاستجمار بمغصوب ونحوه، وأن يكون منقياً، وضابط الإنقاء هنا أن لا يبقى أثر من النجاسة لا يزيله إلا الماء، فلا يصح بالأملس، كزجاج، ونحوه؛ وأن يكون جامداً، فلا يكفي بالطين، وأن لا يكون روثاً، أو عظماً، أو طعاماً، ولو لبهيمة؛ وأن لا يكون محترماً شرعاً، كقرطاس ذكر فيه اسم الله تعالى، أو كتب فيه حديث، أو علم شرعي، أو كتب فيه ما يباح استعماله شرعاً، أما ما كتب فيه محرم الاستعمال، فليس من المحترم شرعاً، وأن لا يكون جزء حيوان، كيده مثلاً، وأن لا يكون متصلاً به، كصوفه وأن لا يكون محرم الاستعمال، كالذهب والفضة، ويشترط أن يكون المسح ثلاثاً مع الإنقاء، وأن تعم كل مسحة منها المحل، فإن حصل الإنقاء بدون الثلاثة لا يجزئ؛ وأن لا يكون المخرج متنجساً بغير الخارج منه، وأن لا تتجاوز النجاسة موضع العادة، فإن تجاوزت تعين الماء؛ وأن لا يكون الخارج من النجاسة بقية حقنة فيتعين فيه الماء، وأن لا يجف الخارج قبل الاستجمار، فإن جف تعين الماء.
هذا، وقد عد الحنابلة داخل قبل المرأة الثبب في حكم الظاهر، ولكنهم قالوا: إنه لا يجب غسله في الاستنجاء، بل أوجبوا غسل ما يظهر عند جلوسها لقضاء حاجتها) .

***********
فقد قال تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج} فكل شيء فيه حرج وعسر لا يجب على المكلف فعله، ومن ذلك المرضى بأمراض لا تقعدهم عن العمل، كضعف المثانة المترتب عليها تقاطر البول بلا انقطاع في معظم الأوقات، أو كلها ونحو ذلك من مذي وغيره، ويقال له: سلس، ومثل هؤلاء المصابون بإسهال مستديم، أو بمرض في الأمعاء - دوسنطاريا - يترتب عليه نزول دم أو قيح، فحكم هؤلاء وأمثالهم أن يعاملوا في الوضوء وغيره من أنواع الطهارة معاملة خاصة تناسب أمراضهم، كما هو مفصل في المذاهب (1)

(1) الحنفية قالوا: يتعلق بهذا أمور: أحدها: تعريف السلس؛ ثانيها: حكمه، ثالثها: ما يجب على المعذور فعله، فأما تعريفه فهو مرض خاص يترتب ليه نزول البول، أو انفلات الريح، أو الاستحاضة، أو الإسهال الدائم، أو نحو ذلك من الأمراض المعروفة، فمن أصيب بمرض من هذه الأمراض، فإنه يكون معذوراً، ولكن لا يثبت عذره في ابتداء المرض، إلا إذا استمر نزول حدثه متتابعاً وقت صلاة مفروضة، فإن لم يستمر كذلك لا يكون صاحبه معذوراً، وكذلك لا يثبت زوال العذر إلا إذا انقطع وقتاً كاملاً لصلاة مفروضة، أما بقاؤه بعد ثبوته فإنه يكفي في وجوده، ولو في بعض الوقت، فلو تقاطر بوله مثلاً من ابتداء وقت الظهر إلى خروجه، صار معذوراً، ويظل معذوراً حتى ينقطع تقاطر بوله وقتاً كاملاً، كأن ينقطع من دخول وقت العصر إلى خروجه. أما إذا استمر من ابتداء وقت الظهر إلى نهايته، وصار معذوراً، ثم انقطع فيبعض وقت العصر دون بعضه، ولو مرة فإنه يظل معذوراً؛ فهذا تعريف المعذور عند الحنفية، وأما حكمه، فهو أن يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بذلك الوضوء ما شاء من الفرائض والنوافل، فلا يجب عليه الوضوء لكل فرض، ومتى خرج وقت المفروضة انتقض وضوءه بالحدث السابق على العذر عند خروج ذلك الوقت، بمعنى أنه لو كان متوضئاً قبل حصول عذره، لا ينتقض وضوءه بخروج الوقت. وإنما ينتقض بحصول حدث آخر غير العذر. كخروج ريح. أو سيلان دم من موضع آخر، وغير ذلك.
ويتضح من هذا أن شرط نقض الوضوء هو خروج وقت الصلاة المفروضة، فإن توضأ بعد طلوع الشمس لصلاة العيد، ودخل وقت الظهر فإن وضوءه لا ينتقض، لأن دخول وقت الظهر ليس ناقضاً، وكذا خروج وقت العيد ليس ناقضاً، لأنه ليس وقت صلاة مفروضة، بل هو وقت مهمل، فله أن يصلي بوضوء العيد ما شاء، إلى أن يخرج وقت الظهر، فإذا خرج وقت الظهر انتقض وضوءه، لخروج وقت المفروضة، أما إن توضأ قبل طلوع الشمس، فإن وضوءه ينتقض بطلوعها، لخروج وقت المفروضة، وإن توضأ بعد صلاة الظهر، ثم دخل وقت العصر انتقض لخروج وقت الظهر؛ أما ما يجب على المعذور أن يفعله، فهو أن يدفع عذره، أو يقلله بما يستطيع من غير ضرر، بل عليه أن يعالجه بما يستطيع، فإذا كان يمكنه أن يعالج نفسه من هذا المرض بمعرفة الأطباء، وقعد عن ذلك فإنه يأثم لأنهم صرحوا بأن المريض بهذا المرض يجب عليه أن يعالجه، ويدفعه عن نفسه بكل ما يستطيع.ومن هذا يؤخذ أن المرضى الذين يقعدون عن معالجة هذه الأمراض حتى يستفحل أمرها، وهم قادرون، فإنهم يأثمون.
هذا، وإن كان العصب ونحوه - كالحفاظ للمستحاضة - يدفع السيلان أو يقلله وجب فعله، وإن كان الصلاة من قيام يترتب عليها تقاطر البول، أو نزول الدم أو نحو ذلك، فإن المريض يصلي وهو قاعد، وإذا كان الركوع أو السجود يوجبه فإنه لا يركع، ولا يسجد بل يصلي بالإيمانء وسيأتي بيانها.
وما يصيب الثوب من حدث العذر لا يجب غسله إذا اعتقد أنه لو غسله تنجس بالسيلان ثانياً قبل فراغه من الصلاة التي يريد فعلها، أما إذا اعتقد أنه لا يتنجس قبل الفراغ منها، فإنه يجب عليه غسله.
الحنابلة قالوا: من دام حدثه، كأن كان به سلس بول، أو مذي، أو انفلات ريح، أو نحو ذلك فإنه لا ينتقض وضوءه بذلك الحدث الدائم بشروط: أحدها: أن يغسل المحل ويعصبه بخرقة ونحوها، أو يحشوه قطناً أو غير ذلك مما يمنع نزول الحدث بقدر المستطاع، بحيث لا يفرط في شيء من ذلك، فإن فرط ينتقض وضوءه بما ينزل من حدثه، وإلا فلا، ومتى غسل المحل، وعصبه بدون تفريط، لا يلزمه فعله لكل صلاة. ثانيها: أن يدوم الحدث، ولا ينقطع زمناً من وقت الصلاة بحيث يسع ذلك الزمن الطهارة والصلاة فإن كانت عادته أن ينقطع حدثه زمناً يسع ذلك وجب عليه أن يؤدي صلاته فيه، ولا يعد معذوراً، وإن لم يكن عادته الانقطاع زمناً يسع الطهر والصلاة، ولكن عرض له ذلك الزمن الطهارة والصلاة فإن كانت عادته أن ينقطع حدثه زمناً يسع ذلك وجب عليه أن يؤدي صلاته فيه، ولا يعد معذوراً، وإن لم يكن عادته الانقطاع زمناً يسع الطهر والصلاة، ولكن عرض له ذلك الانقطاع بطل وضوءه؛ ثالثا: دخول الوقت، فلو توضأ قبل دخول الوقت لم يصح وضوءه، إلا إذا توضأ قبله لفائتة أو لصلاة جنازة، فإن وضوءه يكون صحيحاً؛ ويجب أن يتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء من ذلك الحدث لمسترسل، فإن لم يخرج فلا ينتقض وضوءه إلا بناقض آخر غير ذلك الحدث، وللمعذور أن يصلي بوضوئه ما شاء من الفرائض والنوافل، وإذا كان القيام للصلاة يوجب نزول حدثه صلى قاعداً، أما إذا كان الركوع والسجود يوجبان نزول ذلك الحدث، فإنه يصلي بركوع وسجود مع نزوله، ولا يجزئه أن يصلي مومياً.
المالكية قالوا: ما خرج من الإنسان حال المرض من سلس بول أو نحوه، فإنه لا ينقض بشروط أحدها: أن لا يلازمه أغلب أوقات الصلاة، أو نصفها على الأقل؛ فإذا جاءه سلس بول في الصاج مثلاً، ثم انقطع بعد ساعتين، فإنه لا يكون معذوراً، وعليه أن يصبر حتى ينقطع بوله، ويتوضأ لصلاة الظهر، ومثل ذلك ما إذا كان مصاباً بانفلات ريح أو إسهال، فإن لازمه ذلك نصف وقت صلاة فأكثر، كان معذوراً، وإلا فلا؛ ثانيها: أن يأتيه ذلك المرض في أوقات لا يستطيع ضبطها، أما إذا أمكنه أن يضبط الأوقات التي يأتيه فيها، فإن عليه أن لا يتوضأ فيها، مثلاً إذا عرف أنه ينقطع في آخر وقت صلاة الظهر، فإن عليه أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت. ويتوضأ ويصلي، وكذا إذا عرف أنه ينقطع في أول الوقت، فإنه يجب عليه أن يبادر بالصلاة في هذه الحالة، ولا يباح له أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، كما يباح للأصحاء فإذا كان السلس يستغرق وقت الظهر كله، ووقت العصر إلا قليلاً منه، بأن ينقطعفي آخر وقت العصر، فإنه يجب عليه أن يؤخر وقت الظهر إلى هذا الوقت، ويجمعها مع صلاة العصر جمع تأخير، وإذا كان يأتيه السلس في كل وقت العصر، وينقطع في آخر وقت الظهر، فإن عليه أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم؛ ثالثها: أن لا يقدر المريض على رفع مرضه بدواء، أو تزوج، أو نحو ذلك، فإن قدر، ولم يفعل، فإنه لا يكون معذوراً، ويأثم بترك التداوي، فإذا شرع في التداوي اغتفرت له أيام التداوي.
ولا يعتبر المريض بسلس المذي معذوراً إلا إذا حصل له ذلك السلس لمرض بشرط أن ينزل منه بلا لذة معتادة، أما إذا لم يكن به مرض؛ ولكن نزل منه بسبب عدم تزوجه بلذة معتادة، بأن كان يتلذذ بالنظر، أو التفكر، فيحصل منه المذي كلما فعل ذلك، فإن وضوءه ينتقض مطلقاً، حتى لو لازمه كل الزمن.
هذا، ونقض الوضوء بالسلس ونحوه بالشروط المذكورة هو المشهور من مذهب المالكية، وعندهم قول آخر غير مشهور، ولكن فيه تخفيف للمرضى، وهو أن السلس لا ينقض الوضوء، وإن لم تتحقق هذه الشروط، إنما يستحب منه الوضوء إذ لازم بعض الزمن، أما إذا لازم كل الزمن فإنه لا يستحب منه الوضوء، وهذا القول يصح للمعذورين أن يقلدوه في حال المشقة والحرج، فهو وإن لم يكن مشهوراً، لكنه قد يناسب أحوال كثير من الناس، ولا مانع من أن يأخذوا به.
الشافعية قالوا: ما خرج على وجه السلس يجب على صاحبه أن يتحفظ منه بأن يحشو محل الخروج، ويعصبه: فإن فعل ثم توضأ. ثم خرج منه شيء فهو غير ضار في إباحة الصلاة وغيرها بذلك الوضوء. إنما يشترط لاستباحة العبادة بهذا الوضوء شروط. وهي: أولاً: أن يتقدم الاستنجاء على وضوئه؛ ثانياً؛ أن يوالي بين الاستنجاء والتحفظ السابق. وبين التحفظ والوضوء بمعنى أنه يستنجي أولاً. ثم بعد الاستنجاء مباشرة بدون فاصل ما يقوم بعصب المحل الذي ينزل منه البول أو الغائط أو نحوهما بخرقة نظيفة. أو نحو ذلك. مما لا يضره - كالرباط الذي يفعله الطبيب - ثم بعد ربطه يتوضأ على الفور. بحيث لا يفصل بين العصب والوضوء بفاصل من عمل أو إبطاء. كما لا يصح له أن يفصل بين الاستنجاء والعصب؛ ثالثاً: أن يوالي بين أفعال الوضوء بعضها مع بعض، بمعنى أن يغسل الوجه أولاً، ثم يبادر بغسل اليدين بدون فاصل ما؛ رابعاً: أن يوالي بين الوضوء والصلاة بحيث إذا فرغ من وضوئه، فإنه يلزمه أن يشرع في الصلاة مباشرة، بحيث لو باشر أي عمل آخر بطل وضوءه، على أن يغتفر له الفصل بالأعمال التي تتعلق بالصلاة، كالذهاب إلى المسجد، فإذا فعل هذه الأفعال، وتوضأ في داره، ثم ذهب إلى المسجد وصلى فيه، فإنه جائز، ولا يضره الفصل بالمشي إلى المسجد، ومثل ذلك ما إذا توضأ على الوجه المذكور، ثم النظر صلاة الجماعة أو جمعة، فإن له ذلك؛ خامساً: أن يأتي بهذه الأعمال جميعها بعد دخول وقت الصلاة، فإن فعلها قبل دخول الوقت، فإنها تبطل.
هذا، وينبغي للمعذور أن لا يصلي بوضوئه الذي بينا كيفيته إلا فرضاً واحداً، فعليه أن يكرر هذهالأعمال لكل فريضة؛ أما النوافل، فإن له أن يصلي ما شاء منها بهذا الوضوء مع الفريضة التي يصح له أن يصليها به، سواء صلى النوافل قبل الفرض أو بعده.
وقد تقدم في "مباحث النية" أن المعذور يجب عليه أن ينوي بوضوئه استباحة الصلاة، بمعنى أن يقول في نفسه: نويت بوضوئي أن يبيح الشارع لي به الصلاة. وذلك لأنه في الواقع ليس وضوءاً حقيقياً، بل هو منقوض بما ينزل من بول ونحوه، ولكن سماحة الدين الإسلامي قد أباحت له أن يباشر الصلاة بهذا الوضوء، فلا يحرم من ثوابها، لأنها شريعة مبنية على الحرص التام على مصالح الناس، ومنافعهم في الدنيا والآخرة) .


ابوالوليد المسلم 18-10-2019 05:09 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 97 الى صــــــــ
101
الحلقة (21)

مباحث الغُسُل

يتعلق به أمور:
أحدها: تعريفه لغة واصطلاحاً؛ ثانيها: موجباته التي يجب عند حصولها، ثالثها: شروطه، رابعها: فرائضه ويقال لها: أركانه، خامسها: سننه ونحوها، سادسها: ما يمنع منه الحدث الأكبر، وإليك البيان.تعريف الغُسُلالغسل - بضم الغين - معناه في اللغة الفعل الذي يقع من الإنسان من إراقة الماء على بدنه، ودلك بدنه، الخ، فهذا الفعل يقال: غسل في اللغة، وقد يطلق الغسل على الماء الذي يغسل به الشيء؛ أما الغسل - بالكسر - فهو اسم لما يغسل به من صابون ونحوه، والغسل - بالفتح، اسم للماء، فإذا قلت: غسل - بكسر الغين - كان معناه الصابون ونحوه مما يغسل به، وإذا قلت: غسل - بفتح الغين - كان معناه الماء الذي يغتسل منه.هذا في اللغة، وأما معناه في الشرع فهو استعمال الماء الطهور في جميع البدن على وجه مخصوص وقوله: في جميع البدن، خرج به الوضوء فإنه استعمال الماء في بعض أعضاء البدن، كما بينا لك.ولعل القارئ لا يجد في بيان معنى الغسل لغة وشرعاً صعوبة في الفهم، لأن هذا الكتاب موضوع للعامة والخاصة، كي يأخذ كل منهم ما يراه لازماً، وليس من الضروري أن يفهم العامة مثل هذه الاصطلاحات الفنية، إنما عليهم أن ينظروا فيما يأتي من فرائض، وسنن ومندوبات ويحفظوه جيداً.موجبات الغُسُلالموجبات هي الأسباب التي توجب الغسل، بحيث لا يجب على المكلفين فعله. إلا إذا تحقق واحد منها، وهي ست أمور: الأمر الأول من موجبات الغسل: إيلاج رأس عضو التناسل في قبل أو دبر، فبمجرد هذا الإيلاج وجب الغسل، سواء نزل مني ونحوه، أو لم ينزل،
ويشترط في وجوب الغسل بالإيلاج شروط مفصلة في المذاهب (1)الأمر الثاني من موجبات الغسل: نزول المني من الرجل أو المرأة، فإن للمرأة منياً إلا

(1) الحنفية قالوا: إذا توارت رأس الإحليل، أو قدرها في قبل أو دبر من يجامع مثله بدون حائل سميك يمنع حرارة المحل، وجب الغسل على الفاعل والمفعول به سواء أنزل أو لم ينزل، ويشترط في وجوب الغسل عليهما أن يكونا بالغين، فلو كان أحدهما بالغاً، والآخر غير بالغ، وجب الغسل على البالغ منهما، فإذا أولج غلام ابن عشر سنين في امرأة بالغة، وجب الغسل عليها دونه، أما هو فيؤمر بالغسل ليعتاده، كما يؤمر بالصلاة، ومثل الغلام في ذلك الصبية، ولا يجب الغسل بتواري رأس إحليل البالغ في فرج بهيمة أو ميتة، كما لا يجب بالإيلاج في فرج الخنثى المشكل، لا على الفاعل، ولا على المفعول، وكذا لو أولج الخنثى في قبل أو دبر غيره، فإنه لا يجب عليهما الغسل، أما إذا أولج غير الخنثى في دبر الخنثى، وجب الغسل على البالغ منهما.
الشافعية قالوا: إذا غابت رأس الإحليل، أو قدرها من مقطوعها في قبل أو دبر وجب الغسل على الفاعل والمفعول، سواء كانا بالغين أو لا، فيجب على ولي الصبي أن يأمره به، ولو فعله يجزئه، وإلا وجب على الصبي بعد البلوغ، سواء كان المفعول مطلقاً للوطء أو لا، وسواء كان على رأس الإحليل حائل يمنع حرارة المحل أو لا، سواء كان المفعول آدمياً أو بهيمة، حياً أو ميتاً، أو خنثى مشكلاً، إذا كان الوطء في دبره، أما إذا كان الوطء في قبل الخنثى، فلا يجب الغسل عليهما، كما لا يجب عليهما بالإيلاج من الخنثى في قبل أو دبر غيره، ويشترك أن يكون الإيلاج الذي في القُبُل في محل الوطء، فلو غيب بين شفريها لم يجب الغسل عليهما إلا بالإنزال.
المالكية قالوا: تحصل الجنابة، ويجب الغسل منها بإيلاج رأس الإحليل في قبل، أو دبر ذكر أو أنثى أو خنثى، أو بهيمة سواء كان الموطوء مطيقاً، وعلى الموطوء المكلف إن كان الواطئ مكلفاً، فمن وطئها صبي لا يجب عليها الغسل، إلا إذا أنزلت، ويشترط في حصول الجنابة للبالغ أن لا يكون على رأس الإحليل حائل يمنع اللذة. وإن تجاوز ختان المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل".
الحنابلة قالوا: إن توارت رأس الإحليل في قبل أو دبر من يطيق الوطء بدون حائل، ولو رقيقاً، وجب الغسل على الفاعل والمفعول، إذا كان الذكر لا ينقص عن عشر سنين، وسن الأنثى لا تنقص عن تسع سنين، ويجب الغسل لتواري الحشفة، ولو كان المفعول به بهيمة أو ميتة، وإذا أولج الخنثى ذكره في قبل أو دبر غيره لم يجب الغسل عليهما، وكذا لو أولج غيره في قبله لم يجب عليهما، أما لو أولج غير الخنثى في دبر الخنثى وجب الغسل عليهما لكونه محقق الأصالة.
هذا، وليس في مثل هذا الموضوع كبير فائدة، لأن معظمه صور نادرة الوقوع، كنت أريد حذفها، ولكن قد يحتاج غليها في بعض الأحكام أو في بعض البلدان) .
*********************




أنه لا ينفصل خارج القبل، ومن ينكر هذا فقد أنكر المحس، ولنزول المني حالتان: الحالة الأولى: أن ينزل في اليقظة، الثانية: أن ينزل في النوم، فأما الذي ينزل في اليقظة بغير الجماع فإنه تارة يخرج بلذة، وتارة يخرج لمرض، أو ألم، فالذي يخرج بلذة من ملاعبة، أو مباشرة، أو تقبيل، أو عناق، أو نظر، أو تذكر، أو نحو ذلك، فإنه يجب الغسل؛ سواء نزل مصاحباً للذة أو التذكر أو أنزل بعد سكون اللذة، ومثل ذلك في الحكم ما إذا داعب زوجه، أو قبلها أو نحو ذلك، فلم يشعر بلذة، ولكنه أمنى عقب ذلك، فإن عليه الغسل، وأما الذي يخرج بسبب المرض أو بسبب ضربة شديدة على صلبه، أو نحو ذلك، فإنه لا يوجب الغسل، على أن في كل هذه الأحكام تفصيل المذاهب (1)
(1) الشافعية قالوا: خروج المني من طريقه المعتاد يوجب الغسل بشرط واحد، وهو التحقق من كونه منياً بعد خروجه، سواء كان بلذة أو بغيرة لذة، وسواء كانت اللذة بسبب معتاد أو غير معتاد، بأن ضربه أحد على صلبه فأمنى، أو مرض مرضاً يسبب خروج المني، ولذا قالوا: إذا جامع الرجل زوجه، فلم ينزل، ثم اغتسل، ونزل منه المني بعد الغسل بدون لذة فإنه يجب عليه إعادة الغسل، لأن المعول على خروج المني، على أن لهم في المرأة تفصيلاً، وهو أنها إذا اغتسلت، ثم نزل منها مني بعد الاغتسال، فإن كانت قد أنزلت قبل الغسل فإنها يجب عليها إعادة الاغتسال لاختلاط مائها بماء الرجل، أما إذا لم تكن قد أنزلت قبل الغسل فإنها لا تجب إعادة الغسل لأن هذا الماء الذي رأته يكون ماء الرجل وحده. نزل منها بعد الغسل فلا شيء عليها.
الحنابلة قالوا: لا يشترط في وجوب الغسل خروج المني بالفعل، بل الشرط أن يحس الرجل بانفصال المني من صلبه، وتحس المرأة بانفصال المني عن ترائبها والترائب هي - عظام الصدر التي تلبس عليها المرأة القلادة؛ من حلي ونحوه.
فالغسل عن الحنابلة يجب بهذا الانفصال؛ وإن لم يصل المني إلى ظاهر القبل، فإذا جامع الرجل زوجته، ولم ينزل منه ماء ثم اغتسل، ونزل منه المني بعد الغسل، فإن نزل بلذة، فإنه يجب عليه غسل جديد، وإن نزل بدون لذة، فإنه ينقض الوضوء فقط، ولا يوجب الغسل، ومثل ذلك ما إذا خرج المني بسبب ضربة أو مرض.
وبذلك تعلم أن الحنابلة يشترطون اللذة في خروج المني بدون جماع، ولا يشترطون خروج المني إلى ظاهر القبل، بل الشرط انفصاله من مقره، وهي حالة معروفة، أما الشافعية فهم على العكس من ذلك، إذ لا يشترطون اللذة أصلاً، ويشترطون انفصال المني على ظاهر القبل في الرجل، وإلى داخل قبل المرأة، والتحقق من كونه منياً.
الحنفية قالوا: خروج المني بسبب من الأسباب الموجبة للذة غير الجماع له حالتان: الحالة الأولى: أن يخرج إلى ظاهر الفرج على وجه الدفق والشهوة. فإذا عانق زوجته فأمنى بهذه الكيفية منغير إيلاج، فإن عليه الغسل، وستعلم أن الإيلاج يوجب الغسل، ولو لم ينزل، ويعتبر المني خارجاً بشهوة متى التذ عند انفصال المني من مقره، فإذا انفصل المني بلذة، ثم أمسكه، ولكنه نزل بعد ذلك بدون لذة، فإنه يوجب الغسل، ويشترط في وجوب الغسل أن ينفصل المني من مقره، ويخرج خارج الذكر؛ فإذا انفصل ولم يخرج، فإنه لا يوجب الغسل، الحالة الثانية: أن يخرج بعض المني بسبب الجماع أو غيره، ثم يغتسل من الجنابة قبل أن يبول أو يمضي عليه زمن يتحقق فيه من انقطاع المني، ثم بعد الاغتسال في هذه الحالة ينزل منه ما بقي من المني بلذة أو بغيرها. وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعيد الغسل عند أبي حنيفة، ومحمد. ولا يعيده عند أبي يوسف. وإنما يجب عليه الغسل في هذه الحالة عند أبي حنيفة، ومحمد بشرط أن لا يبول قبل الاغتسال أو يمشي. أو ينتظر زمناً بعد خروج المني. فإن فعل شيئاً من هذه الأشياء ثم اغتسل ونزل منها المني بعد ذلك فإنها لا غسل عليه أما المني الخارج لا بسبب لذة كما إذا ضربه أحد على صلبه فأمنى أو كان مريضاً مرضاً يترتب عليه نزول المني بدون لذة فإنه لا غسل عليه.
وبهذا تعلم أن الحنفية مختلفون في ذلك الحكم مع الشافعية، والحنابلة، لأنهم يشترطون في وجوب الغسل خروج المني إلى ظاهر الفرج، والحنابلة يكتفون بانفصالة عن صلب الرجل، وترائب المرأة ويشترطون انفصاله عن مقره بلذة. وإن لم تستمر اللذة حتى يخرج. والشافعية يشترطون خروجه، وإن لم يكن بلذة، فلحنفية يوافقون الشافعية في ضرورة خروج المني إلى ظاهر القبل، ويخالفون الحنابلة في الاكتفاء بانفصاله عن مقره، وإن لم يخرج بالفعل، ويوافقون الحنابلة في أنه لا يوجب الغسل، إلا إذا كان بلذة، ويخالفون الشافعية في ذلك.
المالكية قالوا: إذا خرج المني بعد ذهاب لذة معتادة بلا جماع وجب الغسل، سواء اغتسل قبل خروجه أو لا؛ أما إذا كانت اللذة ناشئة عن جماع، كأن أولج ولم ينزل، ثم أنزل بعد ذهاب اللذة، فإن كان قد اغتسل قبل الإنزال، فلا يجب عليه الغسل) .
*************************

الأمر الثالث من موجبات الغسل: نزول المني حالة النوم ويعبر عنه بالاحتلام، فمن احتلم ثم استيقظ من نومه، فوجد بللاً في ثيابه، أو على بدنه، أو على ظاهر قبله، فإنه يجب عليه أن يغتسل إلا إذا تحقق أن ذلك البلل ليس منياً، أما إذا شك في كونه منياً، أو مذياً، أو غيرهما، فإنه يجب عليه الغسل، سواء تذكر أنه تلذذ في نومه بشيء من أسباب اللذة أو لم يتذكر (1)
--------------------------------

(1) الشافعية قالوا: إذا شك بعد الانتباه من النوم في كون البلل منياً، أو مذياً لم يتحتم عليه الغسل، بل له أن يحمله على المني فيغتسل، وأن يحمله على المذي فيغسله ويتوضأ، وإذا تغير اجتهاده عمل بما يقتضيه اجتهاده الثاني، ولا يعد ما عمله باجتهاده الأول من صلاة ونحوها.
الحنابلة قالوا: إذا شك بعد النوم في كون البلل منياً أو مذياً، فإن كان قد سبق نومه سبب يوجب لذة كفكر، أو نظر، فلا يجب عليه الغسل، ويحمل ما رآه على المذي، وإن لم يسبق نومه سبب يوجب لذة، فيجب عليه الغسل) .
الأمر الرابع من موجبات الغسل: دم الحيض، أو النفاس، وهذا القدر متفق عليه في المذاهب، فمن رأت دم الحيض، أو دم النفاس، فإنه يجب عليها أن تغتسل عند انقطاعه، ومن النفاس الموجب للغسل الولادة بلا دم (الحنابلة قالوا: الولادة بلا دم لا توجب الغسل) .

ابوالوليد المسلم 18-10-2019 05:10 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 101 الى صــــــــ
106
الحلقة (22)


فلو فرض وكانت المرأة زهراء، لا ترى دماً، ثم ولدت، فإن الغسل يجب عليها بمجرد الولادة.الأمر الخامس: موت المسلم (1) ، إلا إذا كان شهيداً، فإنه لا يجب تغسيله، وستعرف معنى الشهيد وأحكامه في "مباحث الجنازة".الأمر السادس: من موجبات الغسل: إسلام الكافر، وهو جنب (2) ، أما إذا أسلم غير جنب، فيندب له الغسل فقط.[شروط الغسل]تنقسم شروط الغسل إلى ثلاثة أقسام. شروط وجوب فقط، فيجب الغسل من الجنابة على من يجب عليه الوضوء، وشروط صحة فقط، فيصح الغسل ممن يصح منه الوضوء، وشروط وجوب وصحة معاً، وقد تقدم بيان كل ذلك في "مبحث شروط الوضوء" فمن أراد من طلبة العلم معرفتها بسهولة، فليرجع إليها، وقد تختلف بعض شروط الغسل عما تقدم من شروط الوضوء، فمن ذلك الإسلام، فإنه ليس بشرط في صحة غسل الكتابية، مثلاً إذا تزوج مسلم كتابية، وانقطع دم حيضها، أو نفاسها، فإنه لا يحل له (3) أن يأتيها قبل أن تغتسل،
______________________________ _______
(1) الحنفية قالوا: يشترط في تغسيل الميت المسلم أن لا يكون باغياً، والبغاة عند الحنفية هم الخارجون عن طاعة الإمام العادل، وجماعة المسلمين ليقلبوا النظم الاجتماعية، طبقاً لشهواتهم، فكل جماعة لهم قوة يتغلبون بها، ويقاتلون أهل العدل هم البغاة عند الحنفية، فإذا تغلب قوم من اللصوص على قرية، فإنهم لا يكونون بغاة بهذا المعنى، ومن مات منهم يغسل
(2) الحنابلة قالوا: إذا أسلم الكافر، فإنه يجب عليه أن يغتسل، سواء كان حنباً أو لا

(3) الحنفية قالوا: أكثر مدة الحيض عشرة أيام، وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً. فإذا انقطع دم الحيض بعد انقضاء عشرة أيام، وانقطع دم النفاس بعد انقضاء أربعين يوماً من وقت الولادة، فإنه يحل للزوج أن يأتي زوجه، وإن لم تغتسل، مسلمة كانت، أو كتابية؛ أما إذا انقطع الدم لأقل من ذلك، كأن ارتفع حيضها بعد سبعة أيام مثلاً، وارتفع دم نفاسها بعد ثلاثين يوماً، أو أقل، فإنه لا يحل لزوجها أن يأتيها إلا إذا اغتسلت، أو مضى على انقطاع دمها وقت صلاة كامل، مثلاً إذا انقطع الدم بعد دخول وقت الظهر فلا يحل له إتيانها، إلا إذا انقضى ذلك الوقت بتمامه، وصارت صلاة الظهر ديناً في ذمتها، أما إذا انقطع الدم في آخر وقت الظهر، فإن كان باقياً منه زمن يسع الغسل وتكبيرة الإحرام، فإنه يحل له إتيانها بانقضائه، أما إذا لم يبق من وقت الظهر إلا زمن يسير لا يسع ذلك، ثم انقطع حيضها، فإنه لا يحل إتيانها إلا إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة العصر كله بدون أن تجد دماً، لا فرق في ذلك كله بين أن تكون الزوجة مسلمة، أو كتابية
*************************
فالغسل في حقها مشروع، ولم لم تكن مسلمة؛ وقد ذكر بعض المذاهب (1) شروطاً أخرى مغايرة لشرائط الوضوء، بيناها لك تحت الجدول.[فرائض الغسل]وفيها حكم الشعر، وزينة العروس، ولبس الحلي ونحو ذلك.رأينا أن نذكر الفرائض مجتمعة أولاً عند كل مذهب، ثم ننبه على المتفق عليه والمختلف فيه، لأن ذلك أسهل في الحفظ وأقرب للفهم (2)
______________________________ __________________
(1) الحنابلة قالوا: لا يشترط تقدم الاستنجاء على الغسل، بخلاف الوضوء، فإنه يشترط فيه ذلك.
الشافعية قالوا: إن من شرائط صحة الوضوء أن يكون المتوضئ مميزاً، فإذا توضأت المجنونة التي لا تمييز عندها، فإنّ وضوءها لا يصح، وهذا ليس شرطاً في الغسل، فلو حاضت واغتسلت، وهي غير مميزة، فإنه يحل لزوجها أن يأتيها

(2) الحنفية قالوا:فرائض الغسل ثلاثة: أحدها: المضمضة؛ ثانيها: الاستنشاق؛ ثالثها: غسل جميع البدن بالماء، فهذه هي الفرائض مجملة عند الحنفية، ويتعلق بكل واحد منها أحكام فأما المضمضة فإنها عبارة عن وضع الماء الطهور في الفم، ولو لم يحرك فمه، أو يطرح الماء الذي وضعه في فمه، فمن وضع ماء في فمه، ثم ابتلعه، فقد أتى بفرض المضمضة في الغسل، بشرط أن يصيب الماء جميع فمه، وإذا كانت أسنان الذي يريد الغسل مجوفة - ذات فلل - فبقي فيها طعام، فإنه لا يبطل الغسل، ولكن الأحوط أن يخرج الطعام والأوساخ من بين أسنانه. ومن فوق لثته حتى يصيبها الماء، وأما الاستنشاق فهو إيصال الماء إلى داخل الأنف بالكيفية التي تقدمت في الوضوء، فإذا كان في أنفه مخاط يابس، أو وسخ جاف فإن غسله لا يصح إلا إذا أخرجه، ولعل في ذلك ما يحمل المسلمين على النظافة دائماً، فإن وجوب إخراج هذه الأقذار من الداخل، وغسل ما تحتها دليل تام على عناية الشارع بالنظافة المفيدة للأبدان داخلاً وخارجاً، وأما غسل جميع البدن بالماء، فإنه فرض لازم في الغسل من الجنابة باتفاق، بحيث لو بقي منه جزء يسير يبطل الغسل، ويجب على من يريد الغسل أن يزيل من على بدنه كل شيء يحول بينه وبين وصول الماء إليه، فإذا كان بين أظافره أقذار تمنع من وصول الماء إلى ما تحتها من جلد الأظافر بطل غسله، سواء كان من أهل المدن، أو من أهل القرى، ويغتفر الدرن من تراب وطين ونحو ذلك.
فإنه إذا وجد بين الأظافر لا يبطل الغسل، وقد اختلفت في الآثاء التي تقتضيها ضرورة أصحاب المهن كالخباز الذي يعجن دائماً، والصباغ الذي يلصق بين أظافره صباغ ذو جرم يتعسر. زواله ونحوهما، فقال بعضهم: إنه يبطل الغسل، وقال بعضهم: لا يبطل، لأن هذه الحالة ضرورة والشريعة قد استثنت أحوال الضرورة، فلا حرج على مثل هؤلاء، وهذا القول هو الموافق لقواعد الشرع الحنيف، ولا يجب على المرأة أن تنقض ضفائر شعرها في الغسل، بل الذي يجب عليها أن توصل الماء إلى أصول شعرها - جذوره -، وإذا كان لها ذؤابة - قطعة من شعرها نازلة على صدغيها - فإنه لا يجب عليها غسلها، فإذا كان شعرها منقوضاً غير مضفور، فإنه يجب إيصال الماء إلى داخله، وإن لم يصل الماء إلى جلدها، وإذا وضعت المرأة على رأسها طيباً ثخيناً له جسم يمنع من وصول الماء إلى أصول الشعر، فإنه يجب عليها إزالته حتى يصل الماء إلى أصول الشعر، وإذا كانت لابسة أسورة ضيقة أو قرطاً - حلقاً - أو خاتماً، فإنه يجب تحريكه حتى يصل الماء إلى ما تحته، فإذا لم يصل الماء إلى ما تحته، فإنه يجب نزعه، وإذا كان بالأذن ثقب ليس فيه قرط - حلق - فإنه يجب أن يدخل الماء إلى ما تحته، فإنه يجب نزعه، وإذا كان بالأذن ثقب ليس فيه قرط - حلق - فإنه يجب أن يدخل الماء إلى داخل الثقب، فإن دخل وحده فذاك، وإلا فإنه يجب على الرجل أن يوصل الماء إلى داخل شعر لحيته، وأن يوصله إلى أصول اللحية، سواء كان شعره مضفوراً أو غير مضفور؛ ويجب إدخال الماء إلى الأجزاء الغائرة في البدن، كالسرة ونحوها، وينبغي إدخال إصبعه فيها، ولا يجب على الأقلف - وهو الذي لم يختن - أن يدخل الماء إلى داخل الجلدة، ولكنه يستحب له أن يفعل ذلك.
المالكية قالوا: فرائض الغسل خمس، وهي: النية؛ تعميم الجسد بالماء؛ دلك جميع الجسد مع صب الماء، أو بعده قبل جفاف العضو؛ الموالاة غسل الأعضاء مع الذكر والقدرة، تخليل شعر جسده جميعه بالماء، فهذه فرائض الغسل عند المالكية؛ فأما النية فقد عرفت أحكامها في "الوضوء" وهي هنا كذلك فرض عن المالكية يصح أن يتأخر عن الشروع في الغسل بزمن يسير عرفاً، ومحلها في الغسل غسل أول جزء من أجزاء البدن؛ وقد عرفت مما تقدم في "فرائض الوضوء" أن النية سنة مؤكدة عند الحنفية، أما الحنابلة فقالوا: إنها شرط لصحة الغسل، وسيأتي مذهبهم، فلا يصح إلا بها، ولكنها ليست داخلة في حقيقته.
والشافعية اتفقوا مع المالكية على أن النية فرض، إلا أنهم قالوا: لا يجوز تأخيرها عن غسل أول جزء من أجزاء البدن بحال.
الثاني: من فرائض الغسل تعميم الجسد بالماء، وليس من الجسد الفم، والأنف، وصماخ الأذنين، والعين، فالواجب عندهم غسل ظاهر البدن كله،أما غسل باطن الأشياء التي لها باطن، كالمضمضة والاستنشاق فليس بفرض، بل هو سنة، كما ستعرفه، نعم إذا كان في البدن، تكاميش، فإن عليه أن يحركها ليصل الماء إلى داخلها؛
الفرض الثالث، الموالاة، ويعبر عنه بالفور، وهو أن ينتقل من غسل العضو إلى غسل العضو الثاني قبل جفاف الأول، بشرط أن يكون ذاكراً قادراً، وقد تقدم بيان ذلك في الوضوء، فارجع إليه إن شئت؛
الفرض الرابع: دلك جميع الجسد بالماء، ولا يشترط أن يكون الدلط حال صب الماء على البدن، بل يكفي الدلك بعد صب الماء ونزوله من على البدن، بشرط أن لا يجف الماء من على العضو قبل دلكه، ولا يشترط في الدلك عندهم أن يكون بخصوص اليد، فلو دلك جزءاً من جسمه بذراعه، أو وضع إحدى رجليه على الأخرى، ودلكها بها فإنه يجزئه ذلك؛ وكذا يكفي الدلك - بمنديل أو فوطة - أو نحو ذلك على المعتمد فمن أخذ طرف الفوطة بيده اليمنى، والطرف الآخر بيده اليسرى، ودلك بها ظهره وبدنه فإنه يجزئه ذلك، قبل أن يجف الجسم، ولو كان قادراً على الدلك بيده على المعتمد، ومثل ذلك ما إذا وزن في كفه كيساً، ودلك به، فإنه يصح بلا خلاف؛ لأنه دلك باليد، ومن عجز عن دلك بدنه كله أو بعضه بيده، أو بخرقة، فإنه يسقط عنه فرض الدلك على المعتمد، ولا يلزمه أن ينيب غيره بالدلك.
الفرض الخامس من فرائض الغسل: تخليل الشعر، فأما شعر اللحية؛ فإن كان غزيراً ففي تخليله خلاف فبعضهم يقول: إنه واجب، وبعضهم يقول: إنه مندوب، وأما شعر البدن، فإنه يجب تخليله في الغسل باتفاق، سواء كان خفيفاً أو غزيراً، ويدخل في ذلك هدب العينين والحواجب، وشعر الإبط، والعانة، وغير ذلك، لا فرق في كلٍ هذا بين الرجل والمرأة، وإذا كان الشعر مضفوراً فلا يخلو إما أن يكون بخيوط من خارجه، أو مضفوراً بغير خيوط، فإن كان مضفوراً بخيوط، فإنه لا يجب - حله - إن كانت هذه الخيوط ثلاثة فأكثر، أما إن كانت هذه الخيوط أقل من ثلاث، فإنه لا يجب نقضه، إلا إذا اشتد ضفره وتعذر بسبب ذلك إيصال الماء إلى البشرة، وكذا إذا كان ضَفره شديداً يتعذر معه إيصال الماء إلى البشرة، وجب نقض الشعر، وإلا فلا.
والحاصل أن الشعر المضفور بثلاثة خيوط فأكثر يجب نقضه بدون كلام؛ لأن الشأن فيه أن يكون شديداً يمنع من وصول الماء إلى البشرة، أما إن كان مضفوراً، فإن اشتد ضفره وجب نقضه، سواء كان مضفوراً بخيط، أو مضفوراً بغير خيط، وإن لم يشتد ضفره، فلا يجب نقضه ويستثنى من ذلك كله شعر العروس إذا زينته، أو وضعت عليه طيباً ونحوه من أنواع الزينة، فإنها لا يجب عليها غسل رأسها في هذه الحالة، لما في ذلك من إتلاف الماء، بل يكتفي منها بغسل بدنها، ومسح رأسها بيدها، حيث لا يضرها المسح، فإن كان على بدنها كله طيب ونحوه وتخشى من ضياعه بالماء، سقط عنها فرض الغسل، وتيممت.
هذا، وقد تقدم في "مباحث الوضوء" حكم الخاتم الضيق والواسع، فكذلك الحال هنا، فإن كانضيقاً، ولكن يباح له لبسه، فإنه لا يجب نزعه، وإن لم يصل الماء إلى ما تحته، بل يكتفي بغسله هو إلى آخر ما تقدم.
الشافعية قالوا: فرائض الغسل اثنان فقط، وهما النية، وتعميم ظاهر الجسد بالماء، فأما النية فيجب أن تكون عند أول مغسول، بحيث لو قدمها قبل غسله أول عضو من بدنه بطل الغسل، كما تقدم في "الوضوء" فارجع إليه إن شئت؛ وأما تعميم ظاهر الجسد فإنه يشمل الشعر الموجود على البدن، ويجب غسله ظاهراً وباطناً؛ لا فرق في ذلك بين أن يكون الشعر خفيفاً أو غزيراً، على أن الواجب هو أن يدخل الماء في خلال الشعر، ولا يجب أن يصل إلى البشرة إذا كان غزيراً لا ينفذ منه الماء إلى البشرة؛ ويجب نقض الشعر المضفور إذا منع ضفره من وصول الماء إلى باطنه؛ لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة؛ فإن كان الشعر متلبداً بطبيعته بدون ضفر فإنه يعفى عن إيصال الماء إلى باطنه، ويجب أن يصل الماء إلى كل ما يمكن إيصاله إليه بلا حرج، حتى لو بقي جزء يسير من البدن لم يصبه الماء بطل الغسل؛ ويجب أن يعم الماء تجاويف البدن، كعمق السرة وموضع جرح غائر، ونحو ذلك، ولا يكلف بإدخال الماء إلى ما غار من بدنه بأنبوبة، بل المطلوب منه أن يعالج إدخال الماء بما يستطيعه بدون تكلف ولا حرج، ويجب أن يزيل كل حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته، من عجين وشمع وقذى في عينه - عمّاص - كما يجب أن ينزع خاتمه الضيق الذي لا يصل الماء إلى ما تحته إلا بنزعه، ويجب على المرأة أن تحركه قرطها الضيق - حلقها - وإذا كان بأذنها ثقب ليس فيه قرط، فإنه لا يجب إيصال الماء إلى داخله، لأن الواجب عندهم إنما هو غسل ما ظهر من البدن، والثقب من الباطن لا من الظاهر، ويجب غسل ما ظهر من صماخي الأذنين - الصماخ هو خرق الأذن - أما داخلها، فإنه لا يجب غسله، وكذا يجب إيصال الماء إلى ما تحت القلفة - القلفة هي الجلدة الموجودة في قُبُل الرجل قبل أن يختن - فإذا لم يمكن غسل ما تحتها إلا بإزالتها، فإن
إزالتها تجب، وإن تعذرت إزالتها يكون حكمه كحكم من فقد الماء والتراب الذي يتيمم به، ويقال له: فاقد الطهورين، وإذا مات الأقلف يدفن بلا صلاة عليه على المعتمد؛ وبعضهم يقول: يقوم شخص بتيميمه، ويصلي عليه، وبذلك تعلم أن الاختنان واجب عند الشافعية وهو من مقتضيات الصحة في زماننا فمن لم يختن فهو جاهل قذر.
الحنابلة قالوا: فرض الغسل شيء واحد، وهو تعميم الجسد بالماء، ويدخل في الجسد الفم والأنف، فإنه يجب غسلهما من الداخل، كما يجب غسلهما في الوضوء، والشعر الموجود على البدن يجب غسله ظاهراً وباطناً، بحيث يدخل الماء إلى داخله. وإن لم يصل إلى الجلد إذا كان غزيراً ويجب على الرجل إذا ضفر شعره أن ينقضه حال الغسل، أما المرأة فإنها لا يجب عليها نقض ضفائر شعرها في الغسل من الجنابة لما في ذلك من مشقة وحرج، بل الواجب عليها تحريك شعرها حتى يصل الماء إلى جذوره - أصوله - نعم يندب لها أن تنقض ضفائرها فقط.
هذا في الغسل من الجنابة، أما في الغسل من الحيض فإنها يجب عليها أن تنقض ضفائر شعرها وذلك لأنه لا يكرر كثيراً، فليس فيه حرج ومشقة، ويشمل ظاهر البدن داخل القلفة، وقد تقدم بيانها إذالم يتعذر رفعها، وإلا فلا يجب، ويجب إيصال الماء إلى ما تحت الخاتم ونحوه، على أن الحنابلة قالوا: إن التسمية فرض في الغسل بشرطين: أن يكون القائم بالغسل عالماً، فلا تفترض على الجاهل، وأن يكون ذاكراً، فلا تفترض على الناسي، وهذا الحكم خاص بهم لم يشاركهم فيه أحد الأئمة.

ابوالوليد المسلم 18-10-2019 05:10 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 106 الى صــــــــ
111
الحلقة (23)

[ملخص المتفق عليه والمختلف فيه من فرائض الغسل]

اتفق الأئمة الأربعة على أن تعميم الجسد كله بالماء فرض، واختلفوا في داخل الفم والأنف فقال الحنابلة،
والحنفية:
إن من البدن، فالمضمضة والاستنشاق فرض عندهما في الغسل،
وقد عرفت أن الحنابلة يقولون:
إن غسل الفم والأنف من الداخل فرض في الوضوء أيضاً، ولكن الحنفية لم يوافقوهم على ذلك في الوضوء،
أما الشافعية والمالكية فقد قالوا:
إن الفرض هو غسل الظاهر فقط، فلا تجب المضمضة والاستنشاق لا في الوضوء ولا في الغسل، واتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى كل ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن، ولو كانت غائرة، كعمق السرة، ومحل العمليات الجراحية التي لها أثر غائر، وكذلك اتفقوا على أنه لا يجب أن يتكلف إدخال الماء إلى الثقب الموجوب في بدنه بأنبوبة - طلمبة - ونحوها، فلو ضرب شخص برصاصة فحفرت في بدنه ثقباً غائراً، فإن الواجب عليه أن يغسل ما يصل إليه بدون كلفة وحرج باتفاق الأربعة، إلا أن الشافعية قد اعتبروا ثقب الأذن الذي يدخل فيه القرط - الحلق - من الباطن لا من الظاهر، فلا يلزم إدخال الماء إليه.
ولو أمكن، واتفقوا على إزالة كل حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته، كعجين وشمع وعمّاص في عينه، إلا أن الحنفية قد اغتفروا للصناع ما يلصق برؤوس أناملهم تحت الأظافر إذا كان يتعذر عليهم إزالته دفعاً للحرج، أما غيرهم فإنهم يكلفون إزالته، كما قال الأئمة الثلاثة، واتفقوا على وجوب تخليل الشعر إذا كان خفيفاً يصل الماء إلى ما تحته من الجلد،
أما إذا كان غزيراً فإن المالكية قالوا:
يجب أيضاً تخليله وتحريكه حتى يصل الماء إلى ظاهر الجلد،
أما الأئمة الثلاثة فقد قالوا:
إن الواجب هو أن يدخل الماء إلى باطن الشعر، فعليه أن يغسله ظاهراً، ويحركه كي يصل الماء إلى باطنه؛ أما الوصول إلى البشرة - الجلد - فإنه لا يجب،
واختلفوا جميعاً في الشعر المضفور فالحنفية قالوا:
إنه لا يجب نقضه، وإنما الواجب هو أن يصل الماء إلى جذور الشعر، فإن كان الشعر غير مضفور؛ فإنه يجب تحريكه حتى يدخل الماء في باطنه، ولم يرخص للمرأة التي على رأسها الطيب المانع من وصول الماء إلى جذور الشعر،
بل قالوا:
يجب عليها إزالة الطيب ولو كانت عروساً، وهذا الحكم اتفق عليه الحنفية، والحنابلة، والشافعية، وخالف عليها إزالة الطيب ولو كانت عروساً، وهذا الحكم اتفق عليه الحنفية، والحنابلة، والشافعية، وخالف فيه المالكية فقط، فهم الدين رخصوا للعروس بترك الطيب والزينة؛ وعدم غسل الرأس، وهذه رخصة جميلة،
وقال الشافعية:
يجب نقض الشعر المضفور إن توقف على نقضه وصول الماء إلى باطنه، وإلا فلا؛
وقال الحنابلة:
يجب نقض ضفائر الرجل في الغسل بلا كلام، وأما المرأة فإنه يجب عليها أن تنقضه في الغسل من الحيض والنفاس دون الجنابة، دفعاً للمشقة والحرج، وقد انفرد المالكية وحدهم بعدِّ فرائض الغسل خمساً، على أنك قد عرفت أن النية فرض عند الشافعية أيضاً فهم متفقون مع المالكية على فرضيتها،
أما الحنابلة فإنهم يقولون:
إن النية شرط لا فرض، كما تقدم في "الوضوء" والحنفية يقولون: إنها سنة، وما عدا ذلك من الفرائض التي ذكرها المالكية فهي سنن عند الأئمة الآخرين) .
[مبحث سنن الغسل، ومندوباته ومكروهاته]

قد ذكرنا في "مباحث الوضوء" تعريف السنة والمندوب والمكروه ونحوها عند كل مذهب فمن شاء معرفتها فليرجع إليها، وسنذكر هنا سنن الغسل ومندوباته مفصلة، أما مكروهاته فإنه عبارة عن ترك سنة من سننه، وإليك بيانها مفصلة في كل مذهب، تحت الخط الذي أمامك (1)
[مبحث الأمور التي يسن عندها الغسل أو يندب]

قد عرفت مما قدمنا لك في "موجبات الغسل" الأمور التي توجب الغسل وتجعله فرضاً لازماً، وهناك أمور يسن من أجلها الغسل أو يندب، وفي هذه الأمور تفصيل في المذاهب (2)
(1) الحنابلة عدوا سنن الغسل - كما يأتي -: الوضوء قبله، وقد عرفت أن المضمضة والاستنشاق فرض عندهم، إزالة ما على بدن الذي يريد الغسل من القذر؛ تثليث غسل الأعضاء، تقديم غسل الشق الأيمن على الأيسر؛ الموالاة ويعبر عنها بالفور، وهي عبارة عن أن يبدأ في غسل العضو قبل أن يجف الذي قبله، الدلك، إعادة غسل رجليه في مكان غير الذي اغتسل فيه، فلو كان واقفاً في طست، وعمم الماء رجليه، فإنه يندب له أن يعيد غسلهما خارج الطست، وأما التسمية في أول الغسل فهي فرض، بشرط أن يكون عالماً بأحكام الغسل ونحوها، ذاكراً، وتسقط عن الجاهل والناسي، ولذا لم يذكروها من فرائض الوضوء، ولا فرق عند الحنابلة بين المندوب والسُّنة؛ وهم متفقون مع الشافعية في ذلك، كما تقدم في "الوضوء") .

(2) الحنفية: عدوا سنن الغسل كالآتي: البداءة بالنية بقلبه، وأن يقول بلسانه: نويت الغسل من الجنابة أو نحو ذلك، والتسمية في أوله، وغسل يديه إلى كوعيه ثلاثاً، وأن يغسل فرجه بعد ذلك، وإن لم يكن عليه نجاسة، وإزالة ما يوجد على بدنه من النجاسة قبل الغسل، وأن يتوضأ قبله كوضوءالصلاة، إلا أنه يؤخر غسل رجليه إن كان في مستنقع يجتمع فيه الماء؛ كطست ونحوه، أما إذا كان واقفاً على حجر، أو لابساً في رجليه نعلاً من الخشب - قبقاب - فإنه لا يؤخر غسل رجليه، وذلك لأنه في الحالة الأولى يكون واقفاً في الماء الذي ينزل من بدنه، وربما كان عليه شيء من الأقذار، فلذا كان من السنة تأخير غسل الرجلين في هذه الحالة، والبدء بغسل رأسه قبل غسل بدنه ثلاثاً: أولاها فرض، والأخريان سنتان، والدلك، وتقديم غسل شقه الأيمن على غسل شقه الأيسر، وتثليث كل منهما، وأن يرتب أعمال الغسل على الصفة المتقدمة، وكل ما كان سنة في الوضوء فهو سنة في الغسل، وقد تقدمت.
وأما مندوباته فهي كل ما سبق أنه مندوب في الوضوء، إلا الدعاء المأثور، فإنه مندوب في الوضوء لا في الغسل، لوجود المغتسل في مصب الماء المستعمل المختلط غالباً بالأقذار.
الشافعية عدوا سنن الغسل كالآتي: التسمية مقرونة بنية الغسل، وغسل اليدين إلى الكوعين، كما في الوضوء والوضوء كاملاً قبله، ومنه المضمضة والاستنشاق، وإذا توضأ قبل أن يغتسل، ثم أحدث فإنه لم يحتج إلى إعادة الوضوء، لأنه قد أتى بسنة الغسل، وبعض الشافعية يقول. إذا انتقض وضوءه قبل أن يغتسل تطلب منه إعادته، ودلك ما تصل إليه يده من بدنه في كل مرة، والموالاة، وغسل الرأس أولاً؛ وستر العورة ولو كان بخلوة، وتليث الغسل وتخليل الشعر والأصابع، وترك حلق الشعر، وقلم الظفر قبل غسله، والذكر الوارد في الوضوء، وترك الاستعانة بغيره إلا بعذر، واستقبال القبلة، وأن يغتسل بمكان لا يصيبه فيه رشاش الماء، وترك نفض البلل عن أعضائه، وترك الكلام إلا لحاجة، وأن تضع المرأة داخل فرجها قطنة عليها مسك أو عطر أو غير ذلك من الطيب إن وجد، بشرط أن لا تكون متلبسة بالإحرام وأن لا تكون صائمة، وأن لا تكون في حداد على زوجها الميت، وإلا فلا تفعل ذلك، وغسل الأعالي قبل الأسافل إلا مذاكيره، فإنه يسن غسلها قبل الوضوء حتى لا ينتقض وضوءه بالمس، ويخصها بنية رفع الحدث عنها؛ والسنة والمندوب عند الشافعية واحد، كما تقدم.
المالكية عدوا سنن الغسل أربعة، وهي: غسل يديه إلى الكوعين، كما في الوضوء والمضمضة، والاستنشاق، والاستنثار، وهو إخراج الماء من الأنف، ومسح صماخ الأذنين.
وعدّوا مندوبات الغسل عشرة: وهي: التسمية في أوله، والبداءة بإزالة ما على فرجه أو باقي جسده من نجاسة؛ أو قذر لا يمنع وصول الماء إلى البشرة، وإلا وجبت إزالته، وفعله في موضع طاهر، والبداءة بعد ذلك بغسل أعضاء الوضوء ثلاثاً، وغسل أعالي البدن قبل أسافله؛ ما عدا الفرج؛ فيستحب تقديم غسله؛ خشية نقض الوضوء بمسه لو أخره، وألحقت المرأة بالرجل، وإن لم ينتقض وضوءها بمس فرجها، وتثليث غسل الرأس، بحيث يعمها بالماء في كل مرة، وتقديم غسل الشق الأيمن ظهراً وبطناً، وذراعاً إلى المرفق على الشق الأيسر، وتقليل صب الماء بلا حد، بحيث يقتصرعلى القدر الذي يكفيه لغسل الأعضاء؛ واستحضار النية إلى تمام الغسل والسكوت إلا عن ذكر الله أو الحاجة.
المالكية قالوا: الاغتسالات المسنونة ثلاثة: أحدها: غسل الجمعة لمصليها، ولو لم تلزمه ويصح بطلوع الفجر والاتصال بالذهاب إلى الجامع؛ فإن تقدم على الفجر أو لم يتصل بالذهاب إلى الجامع لم تحصل السنة فيعيده لتحصيلها؛ ثانيها: الغسل للعيدين؛ فإنه سنة على الراجح وإن كان المشهور ندبه، ويدخل وقته بالسدس الأخير من الليل؛ وندب أن يكون بعد طلوع فجر العيد، ولا يشترط اتصاله بالتوجه إلى مصلى العيد، لأنه لليوم لا للصلاة، فيطلب ولو من غير المصلي، ثالثها: الغسل للإحرام حتى من الحائض والنفساء.
والاغتسالات المندوبة ثمان، وهي: الغسل لمن غسل ميتاً، والغسل عند دخوله مكة، وهو للطواف، فلا يندب من الحائض والنفساء، والغسل عند الوقوف بعرفة؛ وهو مستحب كذلك من الحائض والنفساء والغسل لدخول المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، والغسل لمن أسلم، ولم يتقدم له موجب الغسل؛ والغسل لصغيرة مأمورة بالصلاة وطئها بالغ، والغسل لصغير مأمور بالصلاة وطئ مطيقة، والغسل لمستحاضة عند انقطاع دمها.
الحنفية قالوا: إن الاغتسالات المسنونة أربعة، وهي الغسل يوم الجمعة لمن يريد صلاتها فهو للصلاة لا لليوم، ولو اغتسل بعد صلاة الفجر، ثم أحدث فتوضأ وصلى الجمعة لم تحصل السنة، والغسل لليدين، وهو كغسل الجمعة للصلاة لا لليوم؛ والغسل عند الإحرام بحج أو عمرة؛ والغسل للوقوف بعرفة؛ ويندب الغسل في أمور: منها الغسل لمن أفاق من جنونه، أو إغمائه أو سكره إن لم يجد أحدهم بللاً، فإن وجده فتيقن أنه مني أو شك في أنه مني أو مذي، وجب الغسل، فإن شك في أنه مذي أو ودي لم يجب عليه الغسل، كالنائم عند انتباهه؛ ومنها الغسل بعد الحجامة؛ وليلة النصف من شعبان، وليلة عرفة وليلة القدر، وعند الوقوف بمزدلفة صبيحة يوم النحر، وعند دخول منى يوم النحر لرمي الجمار، وعند دخول مكة لطواف الزيارة، ولصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء، ولفزع أو ظلمة شديدة أو ريح شديد ولدخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولحضور مجامع الناس، ولمن لبس ثوباً جديداً، ولمن غسل ميتاً، ولمن تاب من ذنب، ولمن قدم من سفر، ولمستحاضة انقطع دمها، ولمن أسلم من غير أن يكون جنباً وإلا وجب غسله وقد عد بعض الحنفية قسماً آخر، وهو الغسل الواجب وجعلوا منه غسل الميت. والصحيح أنه فرض كفاية على المسلمين، وكذا عد بعضهم غسل من أسلم جنباً، أو بلغ بالاحتلام واجباً. والصحيح أنه فرض. وأما من أسلمت بعد انقطاع حيضها فيندب لها الغسل، كمن أسلم غير جنب للفرق بينهما وبين من أسلم جنباً، فإن الجنابة صفة لا تنقطع بالإسلام، أما حيضها فقط فقد انقطع قبل إسلامها.
الشافعية قالوا: إن الاغتسالات غير المفروضة كلها سنة إذ لا فرق بين المندوب والسنة عندهم، وهي كثيرة: منها غسل الجمعة لمن يريد حضورها، ووقته من الفجر الصادق إلى فراغ سلام إمامالجمعة، ولا تسن إعادته، وإن طرأ بعده حدث؛ ومنها الغسل من غسل الميت، سواء كان الغاسل طاهراً أو لا؛ ويدخل وقته بالفراغ من غسل الميت، ويخرج بالإعراض عنه، وكغسل الميت تيممه؛ ومنها غسل العيدين، ولو لم يرد صلاتهما، لأنه للزينة، ويدخل وقته من نصف ليلة العيد، ويخرج بغروب شمس يومه؛ ومنها غسل من أسلم خالياً من الحدث الأكبر، أما إذا لم يخل منه فيجب عليه الغسل، وإن سبق منه غسل في حال كفره لعدم الاعتداد به، ويدخل وقته بعد الإسلام، ويفوت بالإعراض عنه، أو طول الزمن ومنها الغسل لصلاة استسقاء، أو كسوف، لمن يريد فعلها ولو في منزله، ويدخل وقته بالنسبة لصلاة الاستسقاء بإرادة الصلاة إن أرادها منفرداً أو باجتماع الناء إن أرادها معهم، وبالنسبة لصلاة الكسوفين بابتداء تغير الشمس أو القمر ويخرج بتمام الانجلاء، ومنها الغسل من الجنون والإغماء، ولو لحظة، بعد الإفاقة إن لم يتحقق الإنزال، وإلا وجب الغسل؛ ومنها الغسل للوقوف بعرفة، ويدخل وقته من فجر يوم عرفة ويخرج بغروب الشمس؛ ومنها الغسل للوقوف بمزدلفة إن لم يكن قد اغتسل للوقوف بعرفة، وإلا كفى الأول، ويدخل وقته بالغروب؛ ومنها الغسل للوقوف بالمشعر الحرام، وسيأتي تعليل ذلك في "مباحث الحج"؛ ومنها الغسل لرمي الجمار الثلاث في غير يوم النحر؛ ومنها الغسل عند تغير رائحة البدن؛ بما يعلق به منعرق، وأوساخ، ونحو ذلك؛ ومنها الغسل لحضور مجامع الخير، وهذا من محاسن الشريعة، فإنه لا يليق بالإنسان أن يكون مصدراً لإيذاء الناس بما ينبعث منه من رائحة البدن؛ بما يعلق به من عرق، وأوساخ، ونحو ذلك؛ ومنها الغسل
لحضور مجامع الخير، وهذا من محاسن الشريعة، فإنه لا يليق بالإنسان أن يكون مصدراً لإيذاء الناس بما ينبعث منه من رائحة قذرة؛ ومنها الغسل بعد الحجامة والقصد لأن الغسل يعيد للبدننشاطه، ويعوضه ما فقد من دم؛ ومنها الغسل للاعتكاف، لأنه يحس بمن يريد أن ينقطع لمناجاة مولاه أن يكون نظيفاً، ولدخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي كل ليلة من رمضان؛ ومنها غسل الصبي إذا بلغ بالسن. أما إذا بلغ بالاحتلام، فإنه يجب عليه الغسل، كما سبق؛ ومنها الغسل عند سيلان الوادي بالمطر أو النيل في أيام زيادته، لما في ذلك من إعلان شكر الله عزوجل، ومنها غسل المرأة عند انتهاء عدتها، لأنها بذلك تصبح عرضة للخطبة، فيحسن أن تكون نظيفة.
الحنابلة: حصروا الاغتسالات المسنونة في ستة عشر غسلاً، وهي الغسل لصلاة جمعة يريد حضورها في يومها إذا صلاها، والغسل لصلاة عيد في يومها إذا حضرها وصلاها، وهو للصلاة لا لليوم، فلا يجزئ الغسل قبل الفجر ولا بعد الصلاة، والغسل لصلاة الكسوفين، والغسل لصلاة الاستسقاء، والغسل لمن غسل ميتاً، والغسل لمن أفاق من جنونه، والغسل لمن أفاق من إغمائه بلاحصول موجب للغسل فيأثنائهما، والغسل للمستحاضة لكل صلاة، والغسل للإحرام بحج أو عمرة، والغسل لدخول الحرم، والغسل لدخول مكة، والغسل للوقوف بعرفة، والغسل للوقوف بمزدلفة، والغسل لرمي الجمار، والغسل لطواف الزيارة، وهو طواف الركن، والغسل لطواف الوداع) .
*****************

ابوالوليد المسلم 22-11-2019 03:29 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 112 الى صــــــــ
117
الحلقة (24)


[مبحث ما يجب على الجنب أن يفعله قبل أن يغتسل من دخول مسجد، وقراءة قرآن، ونحو ذلك]

يحرم على الجنب أن يباشر عملاً من الأعمال الشرعية الموقوفة على الوضوء، قبل أن يغتسل، فلا يحل له أن يصلي نفلاً أو فرضاً وهو جنب، إلا إذا فقد الماء أو عجز عن استعماله لمرض ونحوه مما يأتي "في مباحث التيمم" أما الصيام فرضاً أو نفلاً، فإنه يصح من الجنبفإذا أتى الرجل زوجه قبل طلوع الفجر في يوم من رمضان، ولم يغتسل بعد ذلك، فإن صيامه يصح، كما يأتي في "مباحث الصوم" ومن الأعمال الدينية التي لا يحل للجنب فعلها، قراءة القرآن، فيحرم عليه قراءة القرآن وهو جنب، كما يحرم عليه مس المصحف من باب أولى، لأن مس المصحف لا يحل بغير وضوء، ولو لم يكن الشخص جنباً، فلا يحل مسه للجنب من باب أولى، ومنها دخول المسجد، فيحرم على الجنب أن يدخل المسجد، على أن الشارع قد رخص للجنب في تلاوة اليسير من القرآن وفي دخول المسجد، بشروط مفصلة في المذاهب فانظرها تحت الجدول الذي أمامك(1)
______________________________ _____________________
(1) المالكية قالوا: لا يجب للجنب أن يقرأ القرآن إلا بشرطين أحدهما أن يقرأ ما تيسر من القرآن، كآية ونحوها في حالتين. الحالة الأولى: أن يقصد بذلك التحصن من عدو ونحوه، الحالة الثانية: أن يستدل على حكم من الأحكام الشرعية، وفيما عدا ذلك، فإنه لا يحل له أن يقرأ شيئاً من القرآن؛ كثيراً كان، أو قليلاً، أما دخول المسجد، فإنه يحرم على الجنب أن يدخله ليمكث فيه، أو ليتخذه طريقاً يمر منها، ولكن يباح له دخول المسجد، فإنه يحرم على الجنب أن يدخله ليمكث فيه، أو ليتخذه طريقاً يمر منها، ولكن يباح له دخول المسجد في ضورتين؛ الصورة الأولى: أن لا يجد ماء يغتسل منه إلا في المسجد، وليس له طريق إلا المسجد، فحينئذ يجوز له أن يمر بالمسجد ليغتسل، ومثل ذلك ما إذا كان الدلو، أو الحبل الذي ينزع به الماء في المسجد، ولم يجد غيره، فإن له أن يدخل المسجد ليأخذه، وهذه الصورة كانت كثيرة الوقوع في القرى التي ليست بها أنابيب المياه - مواسير - أما الآن، وقد عمت الأنابيب، وبطلت المياضئ والمغاطس، وأصبحت دورة المياه مختصة بباب، فإنه ينبغي للجنب أن يدخل من باب الدورة، ولا يمر في المسجد، فإذا وجد مسجد ليس فيه مواسير، وليس له باب دورة، وانحصر ماء الغسل فيه، فإن له أن يدخل المسجد ليغتسل، ويجب عليه أن يتيمم قبل الدخول: الصورة الثانية: أن يخاف من أذى يلحقه؛ ولم يجد له مأوى سوى المسجد، فإن له في هذه الحالة أن يتيمم، ويدخل، وبيبت فيه حتى يزول ما يخاف منه.
هذا إذا كان الشخص مقيماً في بلدته سليماً من المرض؛ أما إذا كان مسافراً، أو كان مريضاً وكان جنباً، ولم يتيسر له استعمال الماء، فإنله أن يتيمم، ويدخل المسجد، ويصلي فيه بالتيمم، ولكن لا يمكث فيه إلا للضرورة؛ وإذا احتلم في المسجد، فإنه يجب عليه أن يخرج منه سريعاً، وإذا أمكنه أن يتيمم، وهو خارج بسرعة كان حسناً.
وبالجملة فلا يجوز للجنب أن يدخل المسجد إلا في حالة الضرورة.
الحنفية قالوا: يحرم على الجنب تلاوة القرآن، قليلاً كان، أو كثيراً، إلا في حالتين: إحداهما:أن يفتتح أمراً من الأمور الهامة - ذات بال - بالتسمية، فإنه يجوز للجنب في هذه الحالة أن يأتي بالتسمية مع كونها قرآناً، ثانيهما: أن يقرأ آية قصيرة ليدعو بها لأحد، أو ليثني بها على أحد، كأن يقول: {رب اغفر لي ولوالدي} أو يقول: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} ونحو ذلك؛ وكذلك يحرم على الجنب دخول المسجد، إلا للضرورة، والضرورة في مثل هذا تقدر بما يناسب، فنها أن لا يجد ماء يغتسل به إلا في المسجد، كما هو الشأن في بعض الجهات ففي هذه الحالة يجوز له أن يمر بالمسجد إلى المحل الموجود فيه الماء ليغتسل، ولكن يجب عليه أن يتيمم قبل أن يمر، ومن ذلك ما إذا اضطر إلى دخول المسجد خوفاً من ضرر يلحقه، كما يقول المالكية، وعليه في هذه الحالة أن يتيمم.
والحاصل أن تيمم الجنب بالنسبة لدخول المسجد تارة يكون واجباً، وتارة يكون مندوباً فيجب عليه أن يتيمم في صورتين، الصورة الأولى: أن تعرض له الجنابة، وهو خارج المسجد ثم يضطر لدخول المسجد، وفي هذه الحالة يجب عليه التيمم، الصورة الثانية: أن ينام في المسجد وهو طاهر، فيحتلم، ثم يضطر للمكث به لخوف من ضرر، وفي هذه الحالة يجب عليه أن يتيمم فالتيمم لا يجب عليه إلا في هاتين الصورتين، وما عداهما فإنه يندب له التيمم. فيندب لمن عرضت له جنابة في المسجد، وأراد الخروج منه أن يتيمم، أو اضطرته الضرورة إلى الدخول وهو جنب؛ ولم يتمكن من التيمم ثم زالت الضرورة، وخرج، فإنه يندب له أن يتيمم، كي يمر به وهو متيمم، وعلى كل حال فإن هذا التيمم لا يجوز أن يقرأ به، أو يصلي به.
هذا، وشطح المسجد له حكم المسجد في ذلك كله، أما فناء المسجد - حوشه - فإنه يجوز للجنب أن يدخله بدون تيمم، ومثله مصلى العيد والجنازة، والخانقاه - متعبد الصوفية - فإنها جميعها لها حكم المسجد، أما المساجد التي بالمدارس، فإن كانت عامة لا يمنع أحد من الصلاة فيها، أو كانت إذا ألقت تتكون فيها جماعة من أهلها، فهي كسائر المساجد، لها أحكامها، وإلا فلا.
الشافعية قالوا: يحرم على الجنب قراءة القرآن، ولو حرفاً واحداً، إن كان قاصداً تلاوته، أما إذا قصد الذكر، أو جرى على لسانه من غير قصد، فلا يحرم، ومثال ما يقصد به الذكر أن يقول عند الأكل: بسم الله الرحمن الرحيم، أو عند الركوب: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} ، كما يجوز لفاقد الطهورين أن يقرأ القرآن في صلاته التي أبيحت له للضرورة، وهي صلاة الفرض، وكذلك الحائض أو النفساء، أما المرور بالمسجد، فإنه يجوز للجنب والحائض والنفساء من غير مكث فيه، ولا تردد بشرط أمن عدن تلوث المسجد، فلو دخل من باب وخرج من آخر جاز، أما إذا دخل وخرج من باب واحد، فإنه يحرم؛ لأنه يكون قد تردد في المسجد، وهو ممنوع، إلا إذا كان يقصد الخروج من باب آخر غير الذي دخل منه، ولكن بدا له أن يخرج منه، فإنه لا يحرم، ويجوز للمحدث حدثاً أكبر أن يمكث في المسجد لضرورة، كما إذا احتلم في المسجد؛ وتعذر خروجه منه لغلق أبوابه، أو خوفه على نفسه أو ماله، لكن يجب عليه التيمم بغير تراب المسجد إن لم يجد ماء أصلاً؛ فإن وجد ماءيكفيه للوضوء وجب عليه الوضوء.
الحنابلة قالوا: يباح للمحدث حدثاً أكبر بلا عذر أن يقرأ ما دون الآية القصيرة أو قدره من الطويلة، ويحرم عليه قراءة ما زاد على ذلك. وله أن يأتي بذكر يوافق لفظ القرآن؛ كالبسملة عند الأكل؛ وقوله عند الركوب: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين": أما المرور بالمسجد والتردد به بدون مكث، فإنه يجوز للجنب والحائض والنفساء حال نزول الدم إن أمن تلويث المسجد. ويجوز للجنب أن يمكث في المسجد بوضوء ولو بدون ضرورة. أما الحائض والنفساء فإنه لا يجوز لهما المكث بالوضوء، إلا إذا انقطع الدم) .
****************************** **
[مباحث الحيض]

يتعلق بالحيض مباحث: أحدها: تعريفه، ويشتمل التعريف على بيان معنى دم الحيض وألوانه، ومقداره الذي تعتبر به المرأة حائضاً، وبيان السن الذي يصح أن تحيض فيه الآدمية والذي لا يصح، وبيان كون الحامل تحيض أو لا تحيض، وغير ذلك من الأمور التي يستلزمها التعريف،
ثانيها:
بيان مدة الحيض، ومدة الطهر،
ثالثاً:
بيان معنى الاستحاضة، وإليك بيانها على هذا الترتيب.[تعريف الحيض]معنى الحيض في اللغة السيلان،
يقال:
حاض الوادي، إذا سال به الماء وحاضت الشجرة إذا سال منها الصمغ الأحمر، وحاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً، فهي حائض وحائضة، إذا جرى دم حيضها، ويسمى الحيض الطمث، والضحك، والإعصار، وغير ذلك.أما معناه في اصطلاح الفقهاء، فقد ذكرناه مفصلاً في المذاهب تحت الخط الذي أمامك، ليسهل حفظه، ومعرفة ما اشتمل عليه (1) من بيان معنى دم الحيض، وبيان هل الحامل تحيض أو لا؛ وبيان السن الذي يمكن فيها الحيض، وبيان القدر الذي يعتبر حيضاً، ونحو ذلك.
(1) المالكية قالوا: الحيض دم خرج بنفسه من قبل امرأة في السن التي تحمل فيه عادة، ولو كان دفقة واحدة، وإليك بيان كل كلمة من كلمات التعريف: فأما قوله: دم؛ فإن المراد به عندهم ما كان ذا لون أحمر خالص الحمرة، أو كان ذا لون أصفر، أو كان ذا لون أكدر، وهو ما كان وسطاً بين السواد والبياض؛ فالحيض يشمل أنواع الدم الثلاثة المذكورة، وإن كان الدم في الحقيقة مختصاً بما كان لونه أحمر خالص الحمر، وهذا هو المشهور في مذهب المالكية فلو فرض وخرج من قبل المرأة التي في سن الحيض ماء أصفر؛ أو أكدر، فإنها تكون حائضاً، كما إذا رأت دماً أحمر، وبعضهم يقول: إن الحيض هو الدم الأحمر، أما الأصفر والأكدر، فليس بحيض ملطقاً، وبعضهم يقول: إن الأصفر، والأكدر إذا نزل في زمن الحيض كان حيضاً وإلا فلا، ويرى بعض المحققين أن هذا القول هو أصح الأقوال، وأما قوله: خرج بنفسه من قبل امرأة؛ فمعناه أن دم الحيض المعتبر هو ما خرج بدون سبب من الأسباب، فإذا خرج الدم بسبب الولادة لا يكون حيضاً، بل يكون نفاساً، وسيأتي حكمالنفاس، وإذا خرج بسبب افتضاض البكارة، فأمره ظاهر، لأنه يكون كالدم الخارج من يد الإنسان، أو أنفه، أو أي جزء من أجزاء بدنه، فليس على المرأة إلا تطهير المحل الملوث به، أما أن تصوم الحيض بسبب دواء في غير موعده، فإن الظاهر عندهم أنه لا يسمى حيضاً، ولا تنقضي به عدتها وهذا بخلاف ما إذا استعملت دواء ينقطع به الحيض في غير وقته المعتاد، فإنه يعتبر طهراً، ويتنقضي به العدة، على أنه لا يجوز للمرأة أن تمنع حيضها، أو تستعجل إنزاله إذا كان ذلك يضر صحتها، لأن المحافظة على الصحة واجبة، وحاصل هذا القيد أن الحيض يشترط فيه أن يكون خارجاً من قبل المرأة، فلو خرج من دبرها، أو أي جزء من أجزاء بدنها، فإنه لا يكون حيضاً، وأن يخرج بنفسه لا
بسبب من الأسباب، وإلا فلا يكون حيضاً، وقوله؛ في السن الذي تحمل فيه عادة. خرج به الدم الذي تراه الصغيرة التي لا تحيض، والدم الذي تراه الكبيرة الآيسة من الحيض، فإنه لا يكون حيضاً، فأما الصغيرة عندهم فهي ما كانت دون تسع سنين، فإذا رأت هذه دماً، فإنه لا يكون حيضاً جزماً؛ أما إذا رأته بنت تسع سنين، فإنه يسأل عنه أهل الخبرة من النساء العارفات، أو الطبيب الأمين، فإن قالوا: إنه دم حيض فذاك، وإلا فلا، ومثل بنت تسع بنت عشر سنين إلى ثلاثة عشر، فإنه يسأل عن دمها أهل الخبرة، ويقال لمن بلغت ثلاث عشرة: مراهقة، فإن زاد سنها على ثلاث عشرة، فإنه يكون حيضاً جزماً، وأما الكبيرة فإن بلغ سنها خمسين سنة، فإنه يسأل عن دمها أهل الخبرة، ويعمل برأيهم، إلى أن تبلغ سن السبعين، وفي هذه الحالة إذا رأت دماً، فإنه لا يكون حيضاً قطعاً، على أن المالكية يسمون الدم الخارج بعد السبعين استحاضة، ويسمون الدم الخارج من الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين دم علة وفساد، خلافاً للحنفية، فإنه يطلقون عليه دم استحاضة، لا فرق بين صغيرة وكبيرة، ومن هذه القيود تعلم أن الحامل تحيض عند المالكية، فإن رأت الحامل الدم بعد شهرين من حملها، وهي المدة التي يظهر فيها الحمل عادة - فإن مدة حيضها تقدر بعشرين يوماً إن استمر بها الدم، ويستمر هذا التقدير إلى ستة أشهر، وإن رأت الدم بعد مضي ستة أشهر، فإن مدة حيضها تقدر بثلاثين يوماً إذا استمر نزول الدم، ويستمر هذا التقدير إلى أن تضع الحمل؛ أما إذا رأت الدم في الشهر الأول، أو الثاني، فإن مدة حملها تكون كالمدة المعتادة، وسنبينها في "مبحث مدة الحيض والطهر"؛ وقوله: ولو كان الحيض دفقة؛ الدفقة - بضم الدل، وفتحها - الشيء الذي ينزل في زمن يسير، ومعنى ذلك أن المرأة تعتبر حائضاً، ولو نزل منها دم يسير، فلا
تصح منها الصلاة، إلا إذا طهرت، وإذا كانت صائمة فسد صومها، ووجب عليها القضاء، على أن الدم اليسير لا تنقضي به العدة، بل لا بد من أن يستمر نزول الدم يوماً أو بعض يوم.
الحنفية قالوا: إن الحيض يصح أن يعتبر حدثاً. كخروج الريح، ويصح أن يعتبر من باب النجاسة، كالبول، فعلى الاعتبار الأول يعرفونه بأنه صفة شرعية توصف بها المرأة بسبب نزول الدم، فتحرم وطأها، وتمنعها من الصلاة والصيام، وغير ذلك، مما سيأتي في "مبحث ما لا يحل للحائضفعله"، وعلى الاعتبار الثاني يعرفونه بأنه دم خرج من رحم امرأة غير حامل، وغير صغيرة أو كبيرة - آيسة من المحيض - لا بسبب ولادة، ولا بسبب مرض، فقولهم: دم، يشمل ما كان على لون من ألوان الدماء الستة، وهي: الحمرة؛ والكدرة؛ والخضرة؛ والتربية - نسبة للترب، بمعنى التراب -؛ والصفرة، والسواد، فإذا نزل من رحم المرأة سائل متصف بلون من هذه الألوان، فإنه يكون دم حيض، بشرط أن يخرج إلى ظاهر القبل، والمراد به ما يظهر من فرج المرأة حال جلوسها، فلو أحست بالدم من الداخل، فوضعت قطنة أو نحوها منعت من وصوله إلى ظاهر قبلها، فإنها لا تكون حائضاً، فلو كانت صائمة، وأحست بدم الحيض من الداخل ثم وضعت قطنة ونحوها، منعت من وصوله إلى ظاهر القبل، فإن صيامها لا يفسد، ثم إذا وصل الدم إلى الظاهر كانت المرأة حائضاً، ولو لم يكن الدم سائلاً، لأن السيلان ليس شرطاً في الحيض عندهم، فلو رأت الدم وانقطع قبل عادتها، ثم عاد ثانياً، فإنها تعتبر حائضاً في الزمن الذي انقطع فيه، ولا يقال: إن الحيض هو الدم، فكيف تعتبر حائضاً مع انقطاعه، لأنهم يقولون: إنها في هذه الحالة تكون حائضاً حكماً، بمعنى أن الشارع حكم بحيضها، وإن لم ينزل الدم بالفعل، وقولهم: غير حامل، خرج به الدم الذي تراه المرأة وهي حامل، فإنه لا يقال له: دم
حيض عند الحنفية؛ وقولهم: غير صغيرة، وغير كبيرة، خرج به الدم الذي تراه الصغيرة، وهي من لم تبلغ سبع سنين فإنه لا يسمى حيضاً، ومثله الدم الذي تراه الكبيرة، وهي التي زاد سنها على خمس وخمسين سنة، ويقال لها: آيسة من المحيض: فإنه لا يسمى حيضاً، وذلك هو المعتمد عندهم، ومن زادت على خمس وخمسين سنة إذا رأت دماً قوياً كالحيض، فإنه يعتبر حيضاً، والحاصل أن الدم الذي تراه الحامل أو الصغيرة، أو الآيسة من الحيض لا يقال له: حيض، وإنما يقال له: استحاضة، أما دم افتضاض البكارة، فأمر ظاهر، لأنه ليس من الرحم، فلا يقال له: حيض باتفاق، وبعضهم يقتصر في التعريف على قوله: دم خرج من رحم امرأة، ويعلل ذلك بأن دم الاستحاضة لا يخرج من الرحم الذي هو وعاء الولد، وإنما يقال له: خرج من الفرج، ولعل هذا التدقيق من اختصاص الأطباء أما الفقهاء فإنهم لا يحتاجون إليه وما داموا قد حددوا سن المرأة التي تعتبر حائضة من صغرها إلى شيخوختها، وحددوا مدة معينة لأكثر الحيض وأقله، فإن كل ما وراء ذلك تدقيق لا ينبغي الخوض فيه غلا للعالم بالطب الذي يمكنه أن يعرف عملياً الفرق بين دم الاستحاضة ودم الحيض، وهل هما يخرجان من محل واحد أو لا.
الشافعية قالوا: الحيض هو الدم الخارج من قبل المرأة السليمة من المرض الموجب لنزول الدم، إذا بلغ سنها تسع سنين، فأكثر، من غير سبب ولادة، فقولهم: الدم، المراد بالدم ما كان له لون من ألوان الدماء، وألوان الدماء خمسة: أحدها: السواد، وهو أقواها عندهم؛ ثانيها: الحمرة، وهي تلي السواد في القوة: ثالثها: الشقرة، وهي تلي الحمرة في القوة؛ ورابعها: الكدرة، وقد عرفت معناها فيما تقدم للمالكية، وهي تلي السواد؛ خامسها: الصفرة وهي تلي الكدرة، وقيل: بل الصفرة أقوى من الكدرة، وعلى كل فالأمر سهل، لأنها جميعها يقال لها: حيض، وقوله: الخارج من قبل المرأة، المرادبه أقصى الرحم، فالدم عندهم يخرج من عرق في أقصى الرحم، سواء كانت المرأة حاملاً أو غير حامل، لأن الحامل تحيض عند الشافعية، كالمالكية، خلافاً للحنفية، والحنابلة، وتعتبر مدة الحيض بالنسبة للحامل كعادتها، وهي غير حامل، فالدم الذي يخرج من غير الرحم لا يسمى حيضاً طبعاً، سواء خرج من القبل، كالخارج بسبب إزالة البكارة، أو خرج من الدبر، أو من أي جزء من أجزاء البدن وقوله: السليمة من المرض الموجب لنزول الدم، خرج به الدم الذي ينزل من الرحم بسبب المرض، ويقال له: دم استحاضة. وقوله: إذا بلغ سنها تسع سنين، خرج به الدم الذي ينزل من الصغيرة، وهي ما دون تسع سنين، فإنه لا يسمى حيضاً، بل يسمى استحاضة، كما يسميه الحنفية.
خلافاً للمالكية الذين يقولون: إن الدم الخارج من قبل الصغيرة لا يسمى استحاضة، وإنما يقال له: دم علة وفساد، ولاحد لنهاية مدة الحيض عند الشافعية فإنهم يقولون: إن المرأة يمكن أن تحيض ما دامت على قيد الحياة، نعم الغالب انقطاع الحيض بعد اثنتين وستين سنة، فإذا رأت المرأة الدم بعد هذا السن كانت حائضاً، وقد خالفوا في ذلك الأئمة الثلاثة: وقوله: من غير سبب الولادة، خرج به دم النفاس، وسيأتي بيانه بعد.
الحنابلة قالوا: الحيض دمطبيعي يخرج من قعر رحم الأنثى حال صحتها، وهي غير حامل في أوقات معلومة من غير سبب ولادة، فقولهم: دم، الغالب فيه أن يكون ذا لون أسود، أو أحمر أو أكدر؛ وقولهم: طبيعي، معناه أنه لازم للمرأة بأصل خلقتها، وهذا القيد متفق عليه في المذاهب وقولهم: يخرج من قعر رحم الأنثى، خرج به الدم الذي يخرج من محل آخر من أجزاء البدن، فإنه ليس بحيض، وقولهم: وهي غير حامل، خرج به الدم الذي تراه الحامل، فإنه ليس بحيض، وهذا موافق لما يراه الحنفية، ومخالف لما يراه المالكية والشافعية، كما تقدم، وقوله: في أوقات معلومة، خرج به ما تراه الصغيرة، وهي ما دون تسع سنين، أو تراه الكبيرة الآيسة من المحيض، وهي عندهم المرأة التي تبلغ خمسين سنة، فلو رأت الدم بعدها لا تكون حائضاً، ولو كان قوياً، وقولهم: من غير سبب ولادة، خروج به النفاس

ابوالوليد المسلم 22-11-2019 03:30 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 118 الى صــــــــ
122
الحلقة (25)


[مدة الحيض]

المراد بمدة الحيض مقدار الزمن الذي تعتبر فيه المرأة حائضاً، بحيث لو نقص أو زاد لا تعتبر المرأة حائضاً، وإن رأت الدم، وله مبدأ ونهاية، فأقل الحيض يوم وليلة، بشرط أن يكون الدم نازلاً كالمعتاد في زمن الحيض، بحيث لو وضعت قطنة لتلوثت بالدم، والمراد باليوم والليلة أربع وعشرون ساعة فلكية، بحيث لو رأت الدم وانقطع قبل مضي هذه المدة لا تعتبر المرأة حائضاً، ولا يشترط أن ترى الدم في أول النهار، ثم يستمر طول النهار وطول الليل، بل المدار في ذلك على مضي أربع وعشرين ساعة من وقت نزوله، وأما أكثر مدة الحيض، فهو خمسة عشر يوماً مع لياليها، فإذا رأت الدم بعد ذلك، فإنه لا يكون دم حيض، ولا عبرة في هذاالتقدير بعادة المرأة، فلو اعتادت أن تحيض ثلاثة أيام، أو أربعة، أو خمسة، أو نحو ذلك، ثم تغيرت عادتها فرأت الدم بعد هذه المدة، فإنها تعتبر حائضاً. إلى خمسة عشر يوماً؛ وهذا هو رأي الشافعية؛ والحنابلة، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على هذا التقدير، ولكنها جميعها غير صحيحة، ومنها الحديث المعروف في كتب الفقه،
من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"النساء ناقصات عقل ودين،
قيل:
وما نقصان دينهن؟ قال: تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي"
ومعنى ذلك أنها تمكث نصف شهر حائضاً، ولكن هذا الحديث غير صحيح.
فقد قال ابن الجوزي:
إن هذا الحديث لا يثبت بوجه من الوجوه، والواقع أنه لا معنى له مطلقاً، لأن الشارع هو الذي منع النساء من الصلاة وهن حائضات، فأي ذنب لهن في ذلك حتى يوصفن بهذا الوصف الظالم، وكل ما عول عليه الشافعية،
والحنابلة في ذلك ما ثبت عن علي رضي الله عنه من أنه قال:
ما زاد على الخمسة عشر استحاضة، أما المالكية، والحنفية فقد ذكرنا رأيهما تحت الخط أمامك (1)
(1) الحنفية قالوا: إن أقل مدة الحيض ثلاثة أيام، وثلاث ليال، وأكثرها عشرة أيام ولياليها، فإن كانت معتادة، وزادت على عادتها فيما دون العشر، كان الزائد حيضاً، فلو كانت عادتها ثلاثة أيام مثلاً، ثم رأت الدم أربعة أيام، انتقلت العادة إلى الخمسة، وكان الخامس حيضاً، وهكذا إلى العشرة، فإذا جاوزت العشرة كانت مستحاضة، فلا يعتبر الزائد على العشرة حيضاً، بل تردد إلى عادتها فيعتبر زمن حيضها هو الزمن الذي جرت عادتها بأن تحيض فيه، وما زاد عليه يكون استحاضة، وسيأتي بيانها.
المالكية قالوا: لا حد لأقل الحيض بالنسبة للعبادة لا باعتبار الخارج، ولا باعتبار الزمن فلو نزل منها دفقة واحدة في لحظة تعتبر حائضاً؟ أما بالنسبة للعدة والاستبراء فقالوا: إن أقله يوم أو بعض يوم، ولا حد لأكثره، باعتبار الخارج أيضاً، فلا يحد برطل مثلاً أو أكثر، أو أقل، وأما أكثر باعتبار الزمن فيقدر بخمسة عشر يوماً لمبتدأة غير حامل، ويقدر بثلاثة أيام زيادة على أكثر عادتها استظهاراً، فإن اعتادت خمسة أيام، ثم تمادى حيضها مكثت ثمانية أيام، فإن استمر بها الدم في الحيضة الثالثة كانت عادتها خمسة أيام، ثم تمادى حيضها مكثت ثمانية أيام، فإن استمر بها الدم في الحيضة الثالثة كانت عادتها ثمانية لأن العادة تثبت بمرة، فتمكث أحد عشر يوماً فإن تمادى في الحيضة الرابعة تمكث أربعة عشر يوماً، فإن تمادى بعد ذلك، فلا تزيد على الخمسة عشر يوماً، ويكون الدم الخارج بعد الخمسة عشر، أو بعد الاستظهار بثلاثة أيام على أكثر العادة قبل الخمسة عشر يوماً دم استحاضة.
********************

[مدة الطهر]

أقل مدة الطهر خمسة عشر يوماً، فلو حاضت المرأة (1) ، ثم انقطع حيضها، بعد ثلاثة أيام مثلاً، واستمر منقطعاً إلى أربعة عشر يوماً، أو أقل، ثم رأت الدم، لا يكون حيضاً، سواء كان الطهر واقعاً بين دمي حيض؛ بأن حاضت المرأة، ثم انقطع حيضها، ثم حاضت بعد مضي المدة المذكورة، أو كان واقعاً بين دمي حيض ونفاس، بأن كانت المرأة نفساء، ثم انقطع دم نفاسها، ثم حاضت بعض مضي هذه المدة (2) ، أما أكثر مدة الطهر فلا حد لها، فلو انقطع دم الحيض. وبقيت المرأة خالية من الحيض طول عمرها، فإنها تعد طاهرة، وإذا رأت المرأة يوماً دماً، ثم انقطع ورأت يوماً دماً أيضاً، فإنها تعتبر حائضاً في المدة التي انقطع فيها الدم عند الشافعية، والحنفية (3) .
[مبحث الاستحاضة]

الاستحاضة هي سيلان الدم في غير وقت الحيض والنفاس من الرحم، فكل ما زاد على أكثر مدة الحيض، أو نقص عن أقله، أو سال قبل سن الحيض المتقدم ذكره في "التعريف" فهو استحاضة (4) ، ولا يشترط في دم الاستحاضة أن يخرج ممن بلغت سن الحيض، بل إذا نزل

(1) الحنابلة قالوا: إن أقل مدة الطهر بين الحيضيتين هي ثلاثة عشر يوما
(2) الشافعية قالوا: إن مدة الطهر خمسة عشر يوماً، كما يقول الحنفية، والمالكية، إلا أنهم اشترطوا أن يكون الطهر واقعاً بين دمي حيض، أما إذا كان واقعاً بين دمي حيض ونفاس، فإنه لا حد لأقله، بحيث لو انقطع نفاسها ولو يوماً، ثم رأت الدم فإنه يكون دم حيض
(3) المالكية قالوا: إذا رأت المرأة الدم، ولو لحظة، ثم انقطع فإنها تعتبر طاهرة، إلى أن ترى الدم ثانياً، وعليها في النقطاع دمها أن تفعل ما يفعله الطاهرات.
الحنابلة: وافقوا المالكية على أن الطهر الواقع بين دمين يعتبر طهراً، إلا أنك قد عرفت أن أقل مدة الحيض عندهم يوم وليلة، فلو رأت الدم يوماً فقط، أو أقل، فإنها لا تعتبر حائضاً

(4) الشافعية قالوا: إن المستحاضة المبتدأة إذا ميزت الدم، بحيث عرفت القوي من الضعيف، فإن حيضها هو الدم القوي، بشرط أن لا ينقص عن أقل الحيض، ولا يزيد على أكثره والضعيف طهر، بشرط أن لا ينقص عن أقل الطهر، وأن يكون نزوله متتابعاً، فلو رأت الدم يوماً أحمر، ويوماً أسود، فقد فقدت شرطاً من شروط التمييز، فإن اختل الشرط في الأمرين يكون حيضها يوماً وليلة، وباقي الشهر طهر، كما لو كانت مبتدأة لا تميز بين قوي الدم وضعيفه، أما المعتادة فإن كانت مميزة، فحيضها الدم القوي عملاً بالتميز لا بالعادة المخالفة، وإن لم تكن مميزة، وتعلم عادتها قدراً ووقتاً، فترد إلى عادتها في ذلك.الحنابلة قالوا: إن المستحاضة إما أن تكون معتادة أو مبتدأة؛ فالمعتادة تعمل بعادتها ولو كانت مميزة، والمبتدأة إما أن تكون مميزة أولا، فإن كانت مميزة عملت بتميزها إن صلح الأقوى أن يكون حيضاً، بأن لم ينقص عن يوم وليلة، ولم يزد على خمسة عشر يوماً، وإن كانت غير مميزة قدّر حيضها بيوم وليلة، وتغتسل بعد ذلك، وتفعل ما يفعله الطاهرات، وهذا في الشهر الأول والثاني والثالث، أما في الشهر الرابع، فتنتقل إلى غالب الحيض، وهو ستة أيام أو سبعة، باجتهادها وتحريها.
المالكية قالوا: إن المستحاضة إن عرفت أن الدم النازل هو دم الحيض بأن ميزته بريح أو لون أو ثخن أو تألم، فهو حيض، بشرط أن يتقدمه أقل الطهر، وهو خمسة عشر يوماً، فإن لم تميز، أو ميزت قبل تمام أقل الطهر فهي مستحاضة، أي باقية على أنها طاهرة، ولو مكثت على ذلك طول حياتها، وتعتد عدة المرتابة بسنة بيضاء، ولا تزيد المميزة ثلاثة أيام على عادتها استظهاراً، بل تقتصر على عادتها، ما لم يستمر ما ميزته بصفة الحيض، فإن استمر استظهرت.
الحنفية قالوا: المستحاضة، إما أن تكون مبتدأة - وهي التي كانت في أول حيضها، أو نفاسها ثم استمر بها الدم - وإما أن تكون معتادة - وهي التي سبق منها دم وطهر صحيحان -، وإما أن تكون متحيرة - وهي المعتادة التي استمر بها الدم، ونسيت عادتها -:
فأما المبتدأة، فإنه إذا استمر بها الدم، فيقدر حيضها بعشرة أيام، وطهرها بعشرين يوماً في كل شهر، ويقدر نفاسها؛ بأربعين يوماً، وطهرها منه بعشرين يوماً، ثم يقدر حيضها بعد ذلك بعشرة أيام وهكذا.
وأما المعتادة التي لم تنس عادتها فإنها ترد إلى عادتها في الطهر والحيض، إلا إذا كانت عادة طهرها ستة أشهر؛ فإنها ترد إليها، مع إنقاص ساعة منها بالنسبة لانقضاء العدة؛ وأما بالنسبة لغير العدة؛ فترد إلى عادتها كما هي.
وأما المتحيرة، وهي التي نسيت عادتها؛ فإن مذهب الحنفية في أمرها شاق؛ ومن أراد أن يعرف أحكامها، فليرجع إلى غير هذا الكتاب
************************

الدم من صغيرة ينقص سنها عن تسع سنين أو سبع. على الخلاف المتقدم "في تعريف الحيض" فإنه يقال له: دم استحاضة، والمستحاضة من أصحاب الأعذار، فحكمها حكم من به سلس بول، أو إسهال مستمر، أو نحو ذلك من الأعذار المتقدمة في "مباحث المعذور" وحكم الاستحاضة أنها لا تمنع شيئاً من الأشياء التي يمنعها الحيض والنفاس، كقراءة القرآن، ودخول المسجد، ومس المصحف والاعتكاف. والطواف بالبيت الحرام وغير ذلك مما يأتي في صحيفة 123، نعم قد تتوقف مباشرة الصلاة ونحوها على الوضوء لا على الغسل، كما مر في "مباحث المعذور".أما تقدير زمن حيض المستحاضة، ففيه اختلاف المذاهب.
[مبحث النفاس][تعريفه]هو دم يخرج عند ولادة المرأة، أو قبلها بزمن يسير، أو معها، أو بعدها، كما هو مفصل في المذاهب، تحت الخط الذي أمامك (1) ، ولو شق بطن المرأة، ولو خرج منها الولد، فإنها لا تكون نفساء، وإن انقضت به العدة.أما السقط فإن ظهر بعض خلقه (2) من غصبع، أو ظفر، أو شعر، أو نحوه فهو ولد تصير المرأة بالدم الخارج عقبه نفساء، وإن لم يظهر من خلقه شيء من نحو ذلك، بأن وضعته علقة أو مضغة؛ فإن أمكن جعل الدم المرئي حيضاً بأن صادف عادة حيضها فهو حيض وإلا فهو دم علة وفساد؛ وإذا ولدت المرأة توأمين - ولدين - فمدة نفاسها تعتبر من الأول (3) لا من الثاني، فلو

(1) المالكية قالوا: إن الدم الذي يخرج مع الولادة أو بعدها هو دم نفاس، ومنه ما يخرج من الولد الأول أو بعده أو قبل ولادة الثاني لمن ولدت توأمين، أما الدم الذي يخرج قبل الولادة فهو دم حيض عندهم.
الحنابلة قالوا: إن الدم النازل قبل الولادة بيومين أو ثلاثة مع أمارة كالطلق؛ والدم الخارج مع الولادة يعتبر نفاساً، كالدم الخارج عند الولادة.
الشافعية قالوا: يشترط في تحقق أنه دم نفاس أن يخرج الدم بعد فراغ الرحم من الولد، بأن يخرج كله، فلو خرج بعض الولد أو أكثره لا يكون دم نفاس، ومعنى كونه عقب الولادة أن لا يفصل بينه وبينها خمسة عشر يوماً فأكثر، وإلا كان دم حيض، أما الدم الذي يصاحب الولد وينزل قبل الطلق فليس هو دم نفاس، بل هو دم حيض إن كانت حائضاً؛ لأن الحامل قد تحيض عندهم، كما تقدم، وإن لم تكن حائضاً فهو دم فاسد.
الحنفية قالوا: إن الدم الذي يخرج عند خروج أكثر الولد هو دم نفاس كالدم الذي يخرج عقب خروجه؛ أما الدم الذي يخرج بخروج أقل الولد أو قبله فهو فساد، ولا تعتبر نفساء وتفعل ما يفعله الطاهرات
(2) الشافعية قالوا: لا يشترط في النفاس أن يظهر بعض خلق الولد، بل لو وضعت علقة أو مضغة، وأخبر القوابل بأنها أصل آدمي، فالدم الخارج عقب ذلك نفاس
(3) الشافعية قالوا: إذا ولدت توأمين اعتبر نفاسها من الثاني، أما الدم الخارج بعد الأول فلا يعتبر دم نفاس، وإنما هو دم حيض إذا صادف عادة حيضها فإن لم يصادف عادة حيضها، فهو دم علة وفساد.
المالكية قالوا: إذا ولدت توأمين، فإن كان بين ولادتها ستون يوماً - وهي أكثر مدة النفاسعندهم - كان لكل من الولدين نفاس مستقل؛ وإن كان بينهما أقل من ذلك كان للولدين نفاس واحد، ويعتبر مبدؤه من الأول
******************************

مضى زمن بين ولادة الأول والثاني، حسبت مدة النفاس من ولادة الأول؛ ولو كان ذلك الزمن أكثر مدة النفاس، فلو فرض وجاء الولد الثاني بعد أربعين يوماً من ولادة الأول يكون الدم النازل بعد ولادته دم علة وفساد، لا دم نفاس؛ ولا حد لأقل النفاس، فيتحقق بلحظة، فإذا ولدت وانقطع دمها عقب الولادة، أو ولدت بلا دم، انقضى نفاسها، ووجب عليها ما يجب على الطاهرات؛ أما أكثر (1) مدة النفاس فهي أربعون يوماً، والنقاء المتخلل بين دماء النفاس، كأن ترى يوماً دماً، ويوماً طهراً، فيه تفصيل المذاهب (2)


(1) الشافعية قالوا: إن أكثر مدة النفاس ستون يوماً، وغلبه اربعون يوماً.
المالكية قالوا: إن أكثر مدة النفاس ستون يوماً
(2) الحنفية قالوا: إن النقاء المتخلل بين دماء يعتبر نفاساً، وإن بلغت مدته خمسة عشر يوماً، فأكثر.
الشافعية قالوا: النقاء المتخلل بين دماء النفاس إن كان خمسة عشر يوماً فصاعداً فهو طهر، وما قبله نفاس، وما بعده حيض، وإن نقص عن خمسة عشر يوماً فالكل نفاس على الراجح، فإن لم ينزل دم عقب الولادة أصلاً، ولم يأتها الدم مدة خمسة عشر يوماً أصلاً فالكل طهر، وما يجيء بعد ذلك من الدم حيض، ولا نفاس لها في هذه الحالة.
المالكية قالوا: إن النقاء المتخلل بين دماء النفاس إن كان نصف شهر فهو طهر: والدم النازل بعد حيض، وإن كان أقل من ذلك فهو دم النفاس، وتلفق أكثر مدة النفاس، بأن تضم أيام الدم إلى بعضها، وتلغى أيام الانقطاع، حتى تبلغ أيام الدم ستين يوماً، فينتهي بذلك نفاسها، ويجب عليها أن تفعل في أيام الانقطاع ما يفعله الطاهرات من صلاة وصيام ونحو ذلك.
الحنابلة قالوا: النقاء المتخلل بين دماء النفاس طهر، فيجب عليها في أيامه كل ما يجب على الطاهرات.
المالكية قالوا: يشترط في الاستحاضة أن يكون الدم ممن بلغت سن الحيض، وليس دم حيض أو نفاس، وأما الخارج من الصغيرة فهو دم علة وفساد.

ابوالوليد المسلم 22-11-2019 03:30 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 123 الى صــــــــ
130
الحلقة (26)


[مبحث ما يحرم على الحائض، أو النفساء فعله قبل انقطاع الدم]

يحرم على الحائض، أو النفساء أن تباشر الأعمال الدينية التي تحرم على الجنب، من صلاة، ومس مصحف، وقراءة قرآن، وتزيد الحائض،
والنفساء عن الجنب أمور:
منها الصيام: فإنه يحرم على الحائض، أو النفساء أن تنوي صيام فرضٍ أو نفل، وإن صامت لا ينعقد صيامها، ومن يفعل منهن ذلك في رمضان. كان معذباً لنفسه آثماً، وذلك جهل شائن.
ويجب على الحائض، أو النفساء أن تقتضي ما فاتها في ايام الحيض والنفاس من صوم رمضان أما ما فاتها من صلاة، فإنه لا يجب عليها قضاءه، وذلك لأن الصلاة تتكرر كل يوم، فيشق قضاؤها؛ وقد رفع الله المشقة والحرج عن الناس،
كما قال تعالى:
{وما جعل عليكم في الدين من حرج} ، ومنها صحة الاعتكاف، فإنه لا يصح الاعتكاف من الحائض والنفساء، وهذا الحكم ليس موجودا في الرجال طبعاً، ومنها جواز طلاقها، فيحرم إيقاع الطلاق على من تعتد بالأقراء - القرء هو الحيض، أو الطهر ومع كونه حراماً؛ فإنه يقع، ويؤمر بمراجعتها إن كانت لها رجعة، ومن أراد أن يعرف حكم طلاق الحائض، وما ورد فيه من نهي، ويعرف أقسام الطلاق من سي، وبدعي، ومحرم، وجائز الخ، فليرجع إلى "الجزء الرابع" من كتابنا هذا - الفقه على المذاهب الأربعة - صحيفة 123 وما بعدها، ومنها تحريم قربانها، فيحرم عليها أن تمكن زوجها من وطئها، وهي حائض، كما يحرم عليه أن يأتيها قبل أن ينقطع دم الحيض وتغتسل (1) ، فإن عجزت عن الغسل، وجب عليها أن تتيمم قبل ذلك، ومنها تحريم الاستمتاع بما بين السرة والركبة، فإنها لا يحل (2) لها أن تمكن الرجل من الاستمتاع بهذا الجزء، وهي حائض، كما لا يحل له أن يجبرها على ذلك، إلا إذا وضع مئزراً على فرجه، وما فوقه إلى سرته، وما تحته إلى ركبته، أو وضعت المرأة ذلك المئزر فوق هذا المكان من بدنها، ويشترط
(1) الحنفية قالوا: يحل للرجل أن يأتي امرأته متى انقطع دم الحيض والنفاس لأكثر مدة الحيض وهي عشرة أيام كاملة، ولأكثر مدة النفاس، وهي أربعون يوماً، وإن لم تغتسل، وقد تقدم بيان ذلك قريباً، فارجع غليه إن شئت
(2) الحنابلة قالوا: يحل للرجل أن يستمتع من امرأته بجميع أجزاء بدنها، وهي حائض أو نفساء بدون حائل، ولا يحرم عليه إلا الوطء فقط، وهو صغيرة عندهم، فمن ابتلي به، فإن عليه أن يكفر عن ذنبه، ويتصدق بدينار أو نصفه، إن قدر، وإلا سقطت عنه الكفارة، ووجبت عليه التوبة، ومحل هذا ما إذا لم يترتب عليه مرض أو أذى شديد، وإلا كان حراماً حرمة مغلظة بالإجماع
****************************
في المئزر أن يمنع وصول حرارة البدن، أما إذا كان رقيقاً لا يمنع وصول حرارة البدن عن التلاصق فإنه لا يكفي، أما ما عدا (1) وذلك من أجزاء البدن، فإنه يجوز الاستمتاع به، بلا خلاف، أما وطء الحائض قبل النقطاع دم الحيض، فإنه يحرم ولو بحائل - كالكيس - المعروف، فمن وطئ امرأته أثناء نزول الدم، فإنه يأثم وتجب عليه التوبة فوراً، كما تأثم هي بتمكينه، ومن السنة أن يتصدق بدينار أو بنصفه، وقد بينا مقدار الدينار في "كتاب الزكاة" فارجع إليه "حنفي - شافعي") .

(1) المالكية قالوا: يحرم وطء الحائض حال نزول الدم باتفاق، وهل يجوز للزوج أن يستمتع بما بين السرة والركبة بدون إيلاج من غير حائل أو لا؟ رجح بعضهم الجواز كالحنابلة والمشهور عندهم المنع، ولو بحائل، لما في الجواز من الخطر، إذا قد يهيج فلا يستطيع منع نفسه، والمالكية يبنون قواعد مذهبهم على العبد عن الأسباب الموصلة إلى المحرم، ويعبرون عن ذلك - بسد باب الذرائع -.
هذا، ولا يخفي ما في تحريم إتيان الحائض من المحاسن، فقد أجمع الأطباء على أن إتيان الحائض ضار بعضوي التناسل ضرراً شديداً، ومع هذا فإن في المذاهب ما قد يرفع المحظور، فإن الحنفية قد أباحوا إتيان المرأة إذا انقطع دمها، ومضى على انقطاعه وقت صلاة كاملة، من الظهر إلى العصر مثلاً، ولو لم تغتسل، ولا يخى أن كثيراً من النساء لا يستمر عليها نزول الدم كل مدة الحيض وأباح المالكية إتيانها متى انقطع الدم، ولو بعد لحظة، بشرط أن تغتسل، وكثير من النساء ينقطع عنها الدم في أوقات شتى، ثم إن المالكية قالوا: إذا قطعت المرأة دمها: ولو بدواء، فإنه يصح إتيانها، فلا يلزم أن ينقطع بنفسه، فعلى الشهويين الذين لا يستطيعون الصبر أن يجتهدوا في قطع الدم قبل الإتيان طبقا لهذا

*************************
[مباحث المسح على الخفين]
يتعلق بالمسح على الخفين مباحث:
أحدها: تعريف المسح: ثانيها: تعريف الخف الذي يصح المسح عليه لغة واصطلاحاً: ثالثها: حكمه؛
رابعها:
دليله؛
خامسها:
شروطه:
سادسسها: القدر المفروض مسحه،
سابعها:
كيفية المسح المسنونة:
ثامنها: مكروهاته:
تاسعها: بيان المدة التي يستمر المسح فيها،
عاشرها:
مبطلات المسح على الخف،
وإليك بيانها على هذا الترتيب:

[تعريف المسح على الخف، وحكمه]
أما المسح فمعناه لغة إمرار اليد على الشيء فمن مر بيده على شيء،
فإنه يقال له:
مسح عليه، وأما معناه في الشرع. فهو عبارة عن أن تصيب البلة - البلل - خفاً مخصوصاً، وهو من تحققت فيه الشروط الآتية، في زمن مخصوص.أما حكمه، فإن الأصل فيه الجواز. فالشارع قد أجاز الرجال والنساء أن يمسحوا على الخف في السفر والإقامة، فهو رخصة رخص الشارع للمكلفين فيها، ومعنى الرخصة في اللغة السهولة، وفي الشرع ما ثبت على خلاف دليل شرعي بدليل آخر معارض، أما ما ثبت بدليل ليس له معارض، فإنه يقال له: عزيمة على أن المسح على الخفين قد يكون واجباً، وذلك فيما إذا خاف الشخص فوات الوقت وإذا خلع الخف وغسل رجليه، فإنه في هذه الحالة يفترض عليه أن يمسح على الخف، ومثل ذلك ما إذا خاف فوات فرض آخر غير الصلاة، كالوقوف بعرفة، فإنه يفترض عليه في هذه الحالة أن لا ينزع خفه؛ وكذا إذا لم يكن معه ماء يكفي لغسل رجليه، فإنه يجب عليه أن يمسح على الخف، أما في غير هذه الأحوال فإنه يكون رخصة جائزة، ويكون الغسل أفضل من المسح (1) .

(1) الحنابلة قالوا: إن المسح على الخف أفضل من نزعه، وغسل الرجلين، لأن الله تعالى يحب للناس أن يأخذوا برخصه، كي يشعروا بنعمته عليهم، فيشكروه عليها، وقد وافق بعض الحنفية على هذا
[تعريف الخف الذي يصح المسح عليه]

الخف الذي يصح المسح عليه هو ما يلبسه الإنسان في قدمي رجله إلى الكعبين،
والكعبان هما العظمان البارزان في نهاية القدم:
سواء كان متخذاً من جلد، أو صوف، أو شعر، أو وبر، أو كتان، أو نحو ذلك (1) ، ويقال لغير المتخذ من الجلد؛ جورب وهو، الشراب - المعروف عند العامة،
ولا يقال للشراب:
خف،
إلا إذا تحققت فيه ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون ثخيناً، يمنع من وصول الماء إلى ما تحته؛
ثانيها:
أن يثبت على القدمين بنفسه من غير رباط،
ثالثها:
أن لا يكون شفافاً يرى ما تحته من القدمين، أو من ساتر آخر فوقهما، فلو لبس شراباً ثخيناً يثبت على القدم بنفسه، ولكنه مصنوع من مادة شفافة يرى ما تحتها فإنه لا يسمى خفاً، ولا يعطى حكم الخف، فمتى تحققت في الجورب هذه الشروط كان خفاً، كالمصنوع من الجلد بلا فرق، ولا يشترط أن يكون له نعل، وبذلك تعلم أن - الشراب - الثخين المصنوع من الصوف يعطى حكم الخف الشرعي إذا تحققت فيه الشروط الآتي بيانها.
[دليل المسح على الخفين]

قد ثبت المسح على الخفين بأحاديث كثيرة صحيحة تقرب من حد التواتر، فقد قال في كتاب "الاستذكار": إن المسح على الخفين رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو أربعين من الصحابة وقال الحسن. قد حدثني سبعون عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد مسح على الخفين، فمن الأحاديث الصحيحة التي وردت فيه حديث جرير بن عبد الله البجلي، رواه الأئمة الستة من حديث الأعمش عن إبراهيم عن همام عن جرير أن جريراً بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه،
فقيل له:
اتفعل هذا؟!
فقال:
نعم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه، ذكره الزيلعي في كتابه "نصب الراية"،
ثم قال:
إن هذا الحديث كان يعجبهم، لأن إسلام جرير كان بعد نزول - سورة المائدة - يعني أن - سورة المائدة - قد ورد فيها حكم الوضوء بالماء،
وهو قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق،

(1) المالكية قالوا: لا يصح المسح على الخف إلا إذا كان متخذاً من الجلد، نعم يصح أن تكون جوانبه مصنوعة من اللبد، أو الكتان، أو نحو ذلك بمعنى أن يكون أعلاه وأسفله من الجلد، كما هو الحال في بعض الأحذية التي لها نعل، ولها ظاهر من الجلد، ولها جوانب من القماش الثخين، وستعرف أنهم يشترطون في الجلد أن يكون مخروزاً، فلو ألصقت أجزاؤه بمادة بدون خرز، فإنه لا يكون خفاً
**********************

وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} ، فهذه الآية صريحة في ضرورة غسل الرجلين بالماء، ولكن هذا الدليل قد عراضته أحاديث كثيرة صحيحة بلغت مبلغ التواتر، وقد ثبت ورودها بعد نزول هذه الآية، وهي تفيد أن الله تعالى قد فرض غسل الرجلين إذا لم يكن عليهما الغسل، ومن ذلك ما رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة من أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لحاجته، فأتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء، فصب عليه حين فرغ من حاجته، فتوضأ، ومسح على الخفين، وروى البخاري عن المغيرة أيضاً،
قال:
كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه،
فقال عليه السلام:
"دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين"، فمسح عليهما، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري، ومسلم، وغيرهما من رواة الصحيح.

[شروط المسح على الخف]

قد عرفت أن الخف يطلق على ما كان متخذاً من الجلد، أو من الصوف، أو غيره متى تحققت فيه الأمور الثلاثة التي ذكرناها، فكل ما يصح إطلاق اسم الخف عليه يصح المسح عليه بدل غسل الكعب، بشروط أحدها: أن يكون الخف ساتراً للقدم مع الكعبين، أما ما فوق الكعبين من الرجل فإنه لا يلزم ستره وتغطيته بالخف، ولا يلزم أن يكون الخف مصنوعاً على حالة يلزم منها تغطية القدم، بل يصح أن يكون مفتوحاً من أعلاه مثلاً؛ ولكنه ينطبق بالأزرار، أو المشابك، أو نحو ذلك فالشرط المطلوب فيه هو أن يغطي القدم، سواء كان مضموماً من أول الأمر، أو كان بعضه مفتوحاً، ولكن به أزرار، أو مشابك ينضم بها بعد لبسه، فإنه يصح؛ ثانيها أن لا ينقص ستر الخف للكعبين، ولو قليلاً، فلو كان به خروق يظهر منها بعض القدم، فإنه لا يصح المسح عليه، وذلك لأنه يجب غسل جميع القدم مع الكعبين، بحيث لو نقص منها في الغسل جزء يسير بطل الوضوء، فكذلك الخف الذي يسترهما، فإنه إذا نقص منه شيء، فلا يقوم مقام القدم، وهذا رأي الحنابلة، والشافعية (1) ؛ ثالثها: أن يمكن

(1) الحنفية قالوا: إذا لم يستر الخف جميع القدم مع الكعبين. كأن كانت بالخف الواحد خروق يظهر منها بعض القدم، فإن كانت تلك الخروق مقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل، فإن ذلك لا يضر، فيصح المسح عليه مع هذه الخروق، وإن كانت أكثر من ذلك فإنها تضر، وتمنع صحة المسح، فإن كانت الخروق متفرقة في الخفين فإنه لا يجمع منها إلا ما كان في الخف الواحد، فإذا كان ما في الخف الواحد يساوي القدر المذكور، بطل المسح. أما إذا كان أقل، فإنه لا يضر، حتى ولو كان في الخف الآخر خروق قليلة، لو جمعت مع الخروق الأخرى تبلغ هذا المقدار.
****************************** **

تتابع المشي فيه؛ وقطع المسافة به، أما كونه واسع يبين فيه ظاهر القدم كله أو معظمه، فإنه لا يضر، متى أمكن تتابع المشي فيه "حنفي شافعي" (1) ؛
رابعها:
أن يكون الخف مملوكاً بصفة شرعية، أما إذا كان مسروقاً، أو مغصوباً، أو مملوكاً بشبهة محرمة، فإنه لا يصح المسح عليه، وهذا رأي الحنابلة، والمالكية (2) ؛
خامسها:
أن يكون طاهراً فلو لبس خفاً نجساً، فإنه لا يصح المسح عليه ولو أصابت النجاسة جزءاً منه، على أن في ذلك تفصيل في المذاهب (3) ،

المالكية قالوا: إن كان بالخف الواحد خروق قدر ثلث القدم، فأكثر، فإنه لا يصح المسح عليه، وإلا صح، فالحنفية، والمالكية متفقون على أن الخف إذا كان به خروق يظهر منها لا تضر، ولكنهم مختلفون في تقدير هذه الخروق، فالمالكية يغتفرون منها ما يساوي ثلث القدم؛ والحنفية يغتفرون ما يساوي منها ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل، وهو الخنصر
(1) المالكية قالوا: إذا كان الخف واسعاً يبين منه بعض القدم، أو كله، فإنه لا يضر، إنما الذي يضر أن لا يستقر فيه القدم كله، أو معظمه، بحيث يكون واسعاً كثيراً لا يملؤه القدم، فإذا كان كذلك فإنه لا يصح المسح عليه، ولو أمكن تتابع المشي فيه.
الحنابلة قالوا: إذا كان الخف واسعاً يرى من أعلاه بعض القدم الذي يفترض غسله في الوضوء، فإن المسح عليه لا يصح
(2) الحنفية، والشافعية - قالوا: يصح المسح على الخف المغصوب والمسروق ونحوهما، وإن كان يحرم لبسه، لأن تحريم لبسه وملكيته لا ينافي صحة المسح عليه، ونظير الماء المغصوب، أو المسروق؛ فإنه يصح الوضوء به متى كان طهوراً، مع كون فاعل ذلك آثماً، ولا يخفى أن الذين يقولون بعدم صحة استعمال المسروق والمغصوب ونحوهما في العبادات التي يراد بها التقرب إلى الله تعالى لهم وجه ظاهر
(3) المالكية قالوا: لا يصح المسح على الخفين، إلا إذا كانا طاهرين، فلو أصابت الخف نجاسة بطل المسح عليه حتى على القول بأن إزالة النجاسة عن الثوب، أو البدن سنة، فإن الخف له حكم خاص به. فلا يعفى عما أصابه من النجاسة على كل حال.
الشافعية قالوا: إذا أصابت الخف نجاسة معفو عنها؛ فإنها لا تضر؛ وقد تقدم بيان النجاسة المعفو عنها فيما يعفى عنه من النجاسة؛ أما إذا أصابته نجاسة غير معفو عنها، فإن المسح عليه لا يصح قبل تطهيره.
الحنفية قالوا: طهارة الخف ليست شرطاً في صحة المسح عليه، فإذا أصابته نجاسة فإن المسح عليه يصح، ولكن لا تصح به الصلاة، إلا إذا كانت النجاسة معفواً عنها، وقد تقدم بيان القدر المعفو عنه في "مبحث الاستنجاء - وفي مبحث ما يعفى عنه من النجاسة" على أنه يجب أن يمسح على الجزء الطاهر منه.
**********************

سادسها: أن يلبسهما بعد تمام الطهارة بمعنى أن يتوضأ أولاً وضوءاً كاملاً، ثم يلبسهما، فلو غسل رجليه أولاً، لم لبسهما، وأتم وضوءه بعد لبسهما، فإنه لا يصح، وهذا القدر متفق عليه عند المالكية، والشافعية؛ والحنابلة (1) سابعها: أن تكون الطهارة بالماء، فلا يصح أن يلبسهما بعد التيمم، سواء كان تيممه لفقد الماء أو المرض أو نحو ذلك، وهذا متفق عليه، ولم يخالف فيه سوى الشافعية (2) ، ثامنها: أن لا يكون على محل المسح المفروض حائل يمنع وصول الماء إلى الخف، كعجين، ونحوه من الأشياء التي لو وضعت على القدم تمنع من وصول الماء إليه، تاسعها: أن لا يستطيع لابس الخف أن يمشي به مسافة معينة، بحيث لو نزل عن القدم حال المشي، أو عجز لابسه عن متابعة المشي قبل أن يقطع هذه المسافة، فإنه لا يصح عليه، وفي تقدير هذه المسافة تفصيل في المذاهب (7) .

الحنابلة قالوا: يصح المسح على الخف المتنجس بشرطين: أن تكون النجاسة في أسفله الملاصق للأرض، أو في داخله، إما إذا كانت في ظاهره من فوق، أو في جوانبه، فإنها تضر؛ الشرط الثاني: أن يتعذر على لابسه إزالة النجاسة، إلا بنزعه، أما إذا كان يمكنه أن يغسلها، وهو لابسه، بدون ضرر، فإنه يجب عليه أن يزيلها؛ فإذا أمكنه أن يزيل النجاسة؛ وهو لابسه، ولكنه لم يجد ما يزيلها به، فإنه يصح له أن يصلي به، ويمس المصحف وغير ذلك من الأمور المتوقفة على الطهارة
(1) الحنفية قالوا: لا يشترط لصحة المسح على الخفين؛ أن يتوضأ وضوءاً كاملاً، بل إذا غسل قدمه المفروض غسله، ولم يحدث، ولبس خفه، ثم أتم وضوءه؛ فإنه يصح، بشرط أن يتمم وضوءه بالماء، بحيث لم يبق جزء من أعضائه المفروض عليه غسلها، أو مسحها. لم يصل إليه الماء
(2) الشافعية قالوا: يجوز المسح على الخف الملبوس بعد التيمم، بشرط أن يكون التيمم لمرض أو نحوه غير فقد الماء، أما التيمم لفقد الماء، فإنه لا يصح معه المسح على الخف، فمن فقد الماء وتيمم ولبس الخف بعد هذا التيمم، فإنه لا يجوز له أن يمسح عليه، ومعنى هذا أن الإنسان إذا فقد الماء، وتيمم، ولبسخفه، ثم وجد الماء بعد ذلك، فإنه لا يصح له أن
يمسح على الخف، بل عليه أن ينزعه ويتوضأ وضوءاً كاملاً، أما إذا تيمم لمرض ونحوه، ولبس الخف ثم زال العذر فإن له أن يتوضأ؛ ويمسح على الخف؛ فلا يقال: إن الرّجل لا علاقة لها بالتيمم إذ لا يجب مسحها حال التيمم كما ستعرفة في "مبحث التيمم"
(7) الحنفية قالوا: لا يصح المسح على الخف إلا إذا تمكن لابسه من متابعة المشي به مسافة فرسخ فأكثر. بحيث يصلحان للمشي بهما من غير أن يلبس عليهما مداساً أو جزمة والفرسخ ثلاثة أميال، اثني عشر ألف خطوة، فإن لم يصلحا لذلك، فإن المسح عليهما لا يصح.
الشافعية قالوا: لابس الخف إما أن يكون مسافراً أو مقيماً، فإذا كان مسافراً فإنه لا يصح له أنيمسح على الخف إلا إذا كان الخف متيناً، يمكنه أن يمشي فيه من غير مداس ثلاثة أيام بلياليها، بمعنى أن يتردد وهو لابسه لقضاء حوائجه أثناء راحلته، وأثناء سفره في هذه المدة. وليس المراد أن يمشي به كل هذه المسافة، وإذا كان مقيماً فإنه لا يصح أن يمسح عليه، إلا إذا كان يصلح لأن يقضي المسافر وهو لابسه حوائجه يوماً وليلة فالمعتبر في إمكانية تتابع المشي في الخف حال المسافر وإن كان الماسح مقيماً، بمعنى أنه إن كان مسافراً بالفعل؛ تعتبر متانته بإمكان تردد لابسه لقضاء حوائجه في حله وترحاله؛ ثلاثة أيام بلياليها: وإن كان مقيماً فإن متانة الخف تعتبر بحال المسافر، ولكنه لا يسمح عليه إلا يوماً وليلة.
المالكية قالوا: لا يشترط في المسح على الخف إمكان تتابع المشي فيه مدة معنية، وذلك لأنهم قد اشترطوا أن يكون الخف متخذاً من الجلد، وهو صالح لإمكان المشي به بطبيعته، إنما الشرط عندهم أن لا يكون واسعاً لا تشغله القدم كلها، أو معظمها، وكذلك يشترط أن لا يكون ضيقاً لا يستطيع لابسه أن يمشي به مشياً معتدلاً.
الحنابلة قالوا: يشترط أن يتمكن لابسه من تتابع المشي فيه، ولم يقدروا لذلك مسافة معينة، بل قالوا: المعول في ذلك على العرف، فمتى أمكن عرفاً أن يمشي به، فإنه يصح المسح عليه

ابوالوليد المسلم 22-11-2019 03:31 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 130 الى صــــــــ
135
الحلقة (27)


هذا، ولصحة المسح على الخفين شروط أخرى مفصلة في المذاهب (1) .

(1) الحنفية قالوا: زادوا شروطاً: منها أن يكون الخف خالياً من الخرق المانع للمسح، وقد عرفت أن يقدر بثلاث أصابع من أصغر أصابع القدم؛ ومنها أ، يكون الممسوح من ظاهر كل واحدة من الخفين مقدار ثلاث أصابع من أصغر من أصابع اليد؛ فلا يجزئ المسح على باطن الخف - أي على نعله الملاصق للأرض - كما لا يصح في داخله، فلو كان واسعاً، وادخل يده فيه ومسح لم يجزئه، وكذلك لا يصح المسح على جوانبه، أو عقبه، أو ساقه؛ ومنها أن يكون المسح بثلاث أصابع من أصابع يده إذا مسح بها، فلا يصح أن يمسح بإصبع واحدة خوفاً من جفاف بللها قبل مدها إلى القدر المفروض مسحه، فلو مسح بإصبع واحدة ثلاثة مواضع من الخف في كل مرة بماء جديد صح مسحه؛ وكذلك إذا مسح القدر المفروض بأطراف أنامله، والماء متقاطر، صح، وإلا فلا.
هذا، ولا يشترط المسح باليد، فلو أصاب الماء القدر المفروض مسحه من الخف بسبب مطر أو صب ماء عليه، أو غير ذلك، فإنه يكفي، ومنها أن يكون محل المسح المفروض مشغولاً بالرجل، فلو لبس خفاً طويلاً، قد بقي منه جزء غير مشغول بالرجل، فمسح على ذلك الجزء، فلا يصح؛ ومنها أن يبقى من القدم قدر ثلاث أصابع؛ فلو قطعت رجله، ولم يبق منه هذا القدر لا يصح المسح على الخفين، أما إذا قطعت فوق الكعب، وبقيت الرجل الأخرى، فإنه يصح المسح على خفيها.
الشافعية: زادوا شروطاً: منها أن لا يكون قد لبسه على جبيرة، فلو كان في قدمه جبيرة ومسح عليها في وضوئه، ثم لبس الخف عليها لم يصح المسح عليه؛ ومنها أن يكون ما في داخل الخف منرجل وشراب ونحوه طاهراً؛ ومنها أن يمنع وصول الماء إلى القدم إذا صب عليه ولكنهم اغتفروا وصوله من محل الخرز.
المالكية قالوا: زادوا شروطاً: منها أن يكون الخف كله من جلد، كما تقدم؛ ومنها أن يكون محروزاً؛ ومنها أن لا يقصد بلبسه مجرد الزينة والتنعم، بل يقصد به اتباع السنة، أو اتقاء حر، أو برد، أو شوط، أو نحو عقرب، أما إن لبسه لاتقاء نحو برغوث، أو لمنع مشقة الغسل، أو لحفظ نحو الحناء برجله، فإنه لا يصح المسح عليه، لأن ذلك من الرفاهية، وهذه الشروط لم يوافقهم عليها أحد
****************************** ***

لم يشترط الشارع مسح جميع الخف الساتر للقدم، مع أن المسح هنا قائم مقام الغسل، وقد فرض غسل جميع القدم، وذلك لأن المسح على الخف رخصة خاصة، فوسع الشارع في أمرها مبالغة في الرأفة بالناس، أما القدر المفروض مسحه من الخف، ففيه تفصيل المذاهب (1) .



(1) المالكية قالوا: يجب تعميم ظاهر أعلاه بالمسح، وأما مسح أسفل الخف فمستحب، وقيل: واجب، فلو ترك مسحه فإنه يعيد الصلاة في الوقت المختار، الآتي بيانه في "مواقيت الصلاة" مراعاة للقول بالوجوب، والمراد بأسفل الخف نعله الذي يباشر الأرض، ويعبر عنه بعضهم بباطن الخف، وغرضه بالباطن نعل الخف الذي يطأ به الأرض، لا داخل الخف، فإنه إذا كان الخف واسعاً، وأمكن أن تدخل فيه اليد، فإنه يكره مسحه.
الحنفية قالوا: يفترض أن يمسح من ظاهر الخف جزءاً يساوي طول ثلاث أصابع وعرضها من أصغر أصابع اليد، بشرط أن يكون ذلك الجزء مشغولاً بالرجل.
الشافعية قالوا: يفترض أن يمسح أي جزء من ظاهر أعلى الخف، يتحقق به المسح، ولو بوضع إصبعه المبتل من غير إمرار، قياساً على مسح الرأس، فلا يجزئ المسح في غير ما ذكر مما يحاذي الساق، أو العقب، أو الحروف، أو الأسفل، أو الجوانب، أو نحو ذلك، بخلاف المسح على ما يحاذي الكعبين فإنه يجزئ، ولو كان بظاهر جلد الخف شعر فوقع عليه، ولم يصل الجلد بلل لم يصح بالمسح، وكذلك إذا وصل البلل إلى الجلد، وكان يقصد بالمسح الشعر فقط، فإنه لا يصح المسح.
الحنابلة قالوا: يفترض أن يمسح أكثر ظاهر أعلى الخف، وأما مسح أسفله فمستحب، فإن تركه نسياناً أتى به وحده، ولو طال، بأن زاد عن مدة الموالاة بين غسل الأعضاء في الوضوء، أما لو تركه عمداً، فيأتي به وحده إن قرب، وأما في البعد، فيندب إعادة الوضوء كله، وكذا إعادة الصلاة التي صلاها قبل مسح الأسفل إن بقي وقتها المختار
****************************** ***

مبحث إذا لبس خفاً فوق خف، ونحوه
وإذا لبس خفاً فوق - شراب - ثخين يصلح أن يكون خفاً أو لبس خفاً فوق خف آخر، كأن كان الخفان من جلد ناعم، أو لبس جرموقاً فوق خف؛ والجرموق: هو غطاء للقدم مأخوذ من الجلد، كالذي يلبس فوق الحذاء ليحفظه من الماء أو الطين، فإنه يكفي أن يمسح على الأعلى منهما. بشروط مفصلة في المذاهب (1) .كيفية المسح المسنونة (2)وكيفية المسح المسنونة، أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدم خف رجله اليمنى، ويضع أصابع يده اليسرى على مقدم خف رجله اليسرى ويمر بهما إلى الساق فوق الكعبين، ويفرج بين أصابع يده قليلاً، بحيث يكون المسح عليهما خطوطاً.

(1) الحنفية - اشترطوا في صحة المسح على الأعلى ثلاثة شروط: أحدها: أن يكون جلداً فإن لم يكن جلداً، ووصل الماء إلى الخف الذي تحته كفى، وإن لم يصل الماء إلى الخف لا يكفي، ثانيها: أن يكون الأعلى صالحاً للمشي عليه منفرداً، فإن لم يكن صالحاً ولم يصح المسح عليه، إلا إذا وصل البلل إلى الخف الأسفل، ثالثها: أن يلبس الأعلى على الطهارة التي لبس عليها الخف الأسفل، بحيث يتقدم لبس الأعلى على الحدث، والمسح على الأسفل.
الشافعية فصلوا في ذلك فقالوا: إن كان الأعلى والأسفل ضعفين لا يصلحان للمسح عليهما وجب غسل الرجلين، ولا يصح المسح، وإن كان الأسفل ضعيفاً غير صالح للمسح، فالحكم للأعلى، ولا يعد ما تحته خفاً، وإن كان الأسفل قوياً والأعلى ضعيفاً، أو كانا قويين، فيصح المسح على الأعلى، ولا يعد ما تحته خفاً، وإن كان الأسفل قوياً والأعلى ضعيفاً، أو كانا قويين، فيصح المسح على الأعلى إن وصل البلل للأسفل يقيناً، وقصد بمسح الأعلى مسح الأسفل، أو قصدهما معاً، وكذلك لو أطلق. أما لو قصد الأعلى وحده، أو قصدر الأسفل، ولم يصل الماء إليه فلا يصح المسح.
الحنابلة قالوا: من لبس خفاً على خف قبل أن يحدث، يصح المسح له على الخف الأعلى ولو كان أحدهما مخروقاً، لا إن كانا مخروقين، ولو كان مجموعهما يستر القدم، ولو أدخل يده من تحت الخف الأعلى، فمسح الأسفل صح إن كان الأسفل سليماً، وقالوا أيضاً: إن مسح على الأعلى، ثم نزعه وجب عليه نزع ما تحته، وغسل رجليه.
المالكية قالوا: الحكم في المسح في هذه الحالة للأعلى، فلو نزعه وجب عليه مسح الأسفل فوراً، بحيث تحصل الموالاة الواجبة في الوضوء مع الذكر والقدرة

(2) المالكية قالوا: الكيفية في المسح مندوبة لا مسنونة، والمندوب فيها عندهم أن يضع يده اليمنى فوق أطراف أصابع رجله اليمنى، ويضع يده اليسرى تحت أصابعها، ويمر بيديه على خفرجله اليمنى إلى الكعبين، ويفعل في خف رجله اليسرى عكس ذلك، فيضع يده اليسرى فوق أطراف أصابع رجله اليسرى، واليمنى تحتها، ويمر بهما، كما سبق.
الشافعية قالوا: المسنون في الكيفية، أن يضع أطراف أصابع يده اليسرى مفرقة تحت عقب رجله. ويضع أطراف أصابع يده اليمنى مفرقة على ظهر أصابع رجله، ثم يمد اليمنى إلى آخر ساقه، واليسرى إلى أطراف الأصابع من تحت، فيكون المسح خطوطاً
***************************
[مدة المسح عليهما]

يمسح المقيم يوماً وليلة (1) ، ويمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليها، سواء كان السفر سفر قصر مباحاً أو لا (2) ، وسواء كان الماسح صاحب عذر أو لا (3) .
وذلك لما رواه شريح بن هانئ،
قال:
سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين،
فقالت:
سل علياً، فإنه كان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم،
فسألته فقال:
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم، رواه مسلم؛ ويعتبر مبدأ تلك المدة من أول وقت الحدث بعد اللبس (4) فلو توضأ ولبس الخف في الظهر مثلاً، واستمر متوضئاً إلى وقت العشاء ثم أحدث، اعتبرت المدة من وقت الحدث، لا من وقت اللبس.



(1) الحنابلة، والشافعية: قيدوا للسفر بكونه سفر قصر مباحاً، فلو سافر أقل من مسافة القصر، أو كان السفر سفر معصية، فمدته كمدة المقيم، يمسح يوماً وليلة فقط، وزاد الشافعية أن يكون السفر مقصوداً، ليخرج الهائم على وجهه، فإنه لا يقصد مكاناً مخصوصاً، فليس له أن يمسح إلا يوماً وليلة، كالمقيم
(2) المالكية قالوا: إن المسح على الخفين لا يقيد بمدة، فلا ينزعهما إلا لموجب الغسل، وإنما يندب نزعهما كل يوم جمعة لمن يطلب منه حضور الجمعة، ولو لم يرد الغسل لها، فإن لم ينزعهما يوم الجمعة ندب له أن ينزعهما في مثل اليوم الذي لبسهما فيه من كل أسبوع
(3) الحنفية قالوا: تعتبر هذه المدة لغير صاحب العذر، أما هو فإن توضأ ولبس الخف حال انقطاع حدث العذر، فحكمه كالأصحاء، لا يبطل مسحه إلا بانقضاء المدة المذكورة؛ أما إن حال استرسال الحدث، أو لبس الخف حال استرساله، فإنه يبطل مسحه عند خروج كل وقت، ويجب عليه أن ينزع خفيه، ويغسل رجليه وحدهما إن لم يكن وضوءه قد انتقض بشيء آخر غير حدث العذر.
الشافعية قالوا: تعتبر هذه المدة لغير صاحب العذر، أما هو فإنه ينزع خفه، ويتوضأ لكل فرض، وإن جاز له المسح على الخفين للنوافل
(4) الشافعية: فصلوا في الحدث، فجعلوا ابتداء مدة المسح أو وقت الحدث إن كان حدثه باختياره، كالمس والنوم، وأما إذا كان حدثه اضطرارياً، كخروج ناقض من أحد السبيلين، فأول المدة؛ آخر الحدث.
**********************

[مكروهاته]

يكره تنزيهاً في المسح على الخفين أمور: منها الزيادة على المرة الواحدة؛ ومنها غسل الخفين، بدل مسحهما، إذا نوى بالغسل رفع الحدث، أما إن نوى به النظافة فقط، أو إزالة ما عليهما من نجاسة من غير أن ينوي رفع الحدث، فإنه لا يجزئ عن المسح.
وعليه أن يمسح الخفين بعد ذلك الغسل (1) .
[مبطلات المسح على الخفين]
يبطل المسح على الخفين بأمور: منها طرو موجب الغسل، كجنابة، أو حيض، أو نفاس؛ ومنها نزعه من الرِّجل، ولو بخروج بعض القدم إلى ساق الخف (2) ؛ ومنها حدوث خرق في الخف على تفصيل في المذاهب (3) ومنها انقضاء مدة المسح، ولو شكا (4).

(1) الحنفية قالوا: إذا غسل الخف، ولو بغير نية المسح، كأن نوى النظافة أو غيرها، أو لم ينو شيئاً أجزأه عن المسح وإن كان الغسل مكروهاً

(2) الحنفية قالوا: لا يبطل المسح الا بخروج أكثر القدم إلى ساقي الخف على الصحيح، أما إذا خرج بعضه، وكان قليلاً، فإنه لا يبطل المسح.
المالكية قالوا: المعتمد أن المسح لا يبطل إلا بخروج كل القدم إلى ساق الخف، فإن بادر عند ذلك إلى غسل رجليه بقي وضوءه سليماً، وإن لم يبادر، فإن كان ناسياً بنى على ما قبل الرجلين بنية مطلقاً، طال، أو لم يطل، وإن كان عامداً بنى ما لم يطل
(3) الشافعية قالوا: إذا طرأ في الخف خرق يظهر منه شيء من محل الغسل المفروض، ولو كان مستوراً بساتر - كشراب، أو لفافة - فإنه يبطل المسح، فإن طرأ ذلك الخرق، وهو متوضئ وجب عليه غسل رجليه فقط بنية، ولا يعيد الوضوء، وإن طرأ وهو في صلاته لبطلان المسح، وعليه غسل الرجلين فقط، ثم يبتدئ الصلاة.
الحنابلة قالوا: إن كان في الخف خرق يظهر منه بعض القدم، ولو كان يسيراً، ولو من موضع خرزه، لا يصح المسح عليه، إلا إذا انضم بالمشي لحصول ستر محل الغسل المفروض، فإذا طرأ ذلك الخرق، أو غيره، مما يوجب بطلان المسح، كانقضاء المدة، أو طرو جنابة، أو زوال عذر المعذور، وجب نزع خفيه، وإعادة الوضوء كله، لا غسل الرجلين فقط، لأن المسح يرفع الحدث، ومتى بطل المسح عاد الحدث كله، لأن الحدث لا يتجزأ عندهم.
المالكية قالوا: يبطل المسح بالخرق إذا كان قدر ثلث القدم فأكثر، فإن طرأت هذه الخرق وهو متوضئ ببعد أن مسح على الخف، بطل المسح لا الوضوء، ويلزمه أن يبادر بنزعه، ويغسل رجليهمراعاة للموالاة الواجبة في الوضوء، فإن تراخى نسياناً، أو عجزاً لا يبطل الوضوء، وعليه غسل الرجلين فقط أيضاً: وإن تراخى عمداً، فإن طال الزمن بطل الوضوء وإن لم يطل لم يبطل إلا المسح، وعليه أن يغسل رجليه، وإن طرأ ذلك الخرق وهو في الصلاة، قطع الصلاة وبادر إلى نزعه، وغسل رجليه على الوجه المتقدم.
الحنفية قالوا: لا يصح المسح على الخف، إلا إذا كان خالياً من الخرق المانع للمسح، وقدر بثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل، وإنما يمنع الخرق صحة المسح إذا كان منفرجاً، بحيث إذا مشى لابس الخف ينفتح الخرق، فيظهر مقدار ثلاث أصابع من رجله. أما إذا كان الخرق طويلاً لا ينفتح عند المشي، فلا يظهر ذلك المقدار منه، فإنه لا يضر وكذلك إذا كان الخف مبطناً بجلد أو بخرقة مخروزة فيه، ولو رقيقة وظهر مقدار ثلاث اصابع من بطانته، فإن لا يضر أيضاً. أما إذا كان مبطناً بغير جلد؛ أو كان ما تحته غير مخروز فيه - كالشراب واللفافة - وانكشف منه هذا المقدار بالخرق، فإنه يبطل المسح، ولا فرق بين أن يكون الخرق في باطن الخف - أي في ناحية نعله - أو ظاهره، أو في ناحية العقب، أما إذا كان الخرق في ساق الخف فوق الكعبين، فإنه لا يمنع صحة المسح، وإذا تعددت الخروق في أحد الخفين؛ وكانت لو جمعت تبلع قدر ثلاث أصابع تمنع من صحة المسح، وإلا فلا؛ أما إذا تعددت في الخفين التي جمعت تبلغ قدر ثلاث أصابع تمنع من صحة المسح، وإلا فلا؛ أما إذا تعددت في الخفين معاً، بل كانت في أحدهما قدر إصبع، وفي الآخر قدر إصبعين، فإنها لا تمنع صحة المسح، والخروق التي تجمع هي ما أمكن إدخال نحو المسلة فيها. أما ما دون ذلك فإنه لا يلتفت إليه، وإنما يصح المسح على الخف الذي به خروق يعفى عنها، بشرط أن يقع على الخف نفسه، لا على ما ظهر تحت الخروق، فإذا طرأ على الخف بعد مسحه خرق قدر ثلاث أصابع على الوجه المتقدم بطل المسح، ووجب غسل الرجلين فقط، إن كان متوضئاً، وكذلك يفترض على المتوضئ أن يغسل رجليه فقط عند طرو أي مبطل للمسح دون الوضوء، ولو كان في الصلاة، نعم تبطل صلاته ببطلان المسح، فيعيدها بعد غسل رجليه؛ ولا تشترط في المسح النية
(4) المالكية قالوا: لا يبطل المسح بانقضاء مدة، لأن المدة غير معتبرة عندهم، كما تقدم.

ابوالوليد المسلم 22-11-2019 03:32 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 136 الى صــــــــ
143
الحلقة (28)


[مباحث التيمم]

يتعلق بالتيمم مباحث: أحدها: تعريفه، ودليله، وحكمة مشروعيته،
ثانيها:
أقسامه؛
ثالثها:
شرطه؛
رابعها:
الأسباب التي تجعل التيمم مشروعاً:
خامسها: أركان التيمم، أو فرائضه؛
سادسها:
سننه؛
سابعها:
مندوباته ومكروهاته؛
ثامنها:
مبطلاته، وإليك بيانها.
[تعريف التيمم ودليله وحكمة مشروعيته]
معناه في اللغة: القصد،
ومنه قوله تعالى:
{ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} فمعنى - تيمموا تقصدوا، ومعناه في الشرع مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص (1) ، وليس معناه أن يعفر وجهه ويديه بالتراب، وإنما الغرض أن يضع يده على تراب طهور، أو حجر، أو نحو ذلك من الأشياء التي سيأتي بيانها، وهو مشروع عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله لسبب من الأسباب الآتي بيانها. وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب فقد قال تعالى:
{وإن كنتم مرضى أو على صفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء، فتيمموا صعيداً طيباً، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} ، فهذه الآية الكريمة قد دلت على أن التيمم شرع للناس عند عدم الماء: أو العجز عن استعماله.وحكمة مشروعيته هي أن الله سبحانه قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة فيما كلفهم به من العبادات،
وقد يقال:
إن رفع الحرج يقتضي عدم التكليف بالتيمم عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله، فتكليفهم بالتيمم فيه حرج أيضاً وهذا قول فاسد، لأن معنى رفع الحرج هو أن يكلفهم الله سبحانه بما في طاقتهم، فمن عجز عن الوضوء أو الغسل، وقدر على التيمم، فإنه يجب عليه أن يمتثل أمر الله تعالى، ولا يناجيه إلا بالكيفية التي بينها لها، لأن الغرض من العبادات جميعها إنما هو امتثال أمر الله تعالى، وإشعار القلوب بعظمته، وأنه هو وحده الذي يقصد بالعبادة، ثم إن بعض الأمور التي أمرنا أن نعبده بها لنا فيها مصلحة ظاهرة،
(1) المالكية، والشافعية: زادوا في تعريف التيمم كلمة - بنية - وذلك لأنها ركن من أركان التيمم عندهم
***************

كالغسل - والوضوء، والحركة في الصلاة، والبعد عن الملاذ في الصيام، ونحو ذلك من الأمور التي تنفع الأبدان، وبعضها لنا فيه مصلحة باطنة، وهو طهارة القلوب بامتثال أمره، وهذه تفضي إلى المنافع الظاهرة، لأن من خشي ربه وامتثل أمره حسنت علاقته مع الناس؛ فسلموا من شره، وانتفعوا بخيره، وذلك ما يطالب به المرء في حياته الدنيا، فامتثال الأوامر الإلهية خير ومصلحة للمجتمع الإنساني في جميع الأحوال، ومما لا ريب فيه أن التيمم إنما يفعل امتثالاً له عز وجل، فهو من وسائل طاعته الموجبة للسعادة.وقد يظن بعض من لا يفقه أغراض الشريعة الإسلامية التي تترتب عليها سعادة المجتمع، وتهذيب أخلاق الناس أن التراب قد يكون ملوثاً - بالميكروبات - الضارة، فمسح الوجه به ضرر لا نفع فيه، والذي يقول هذا لم يفهم معنى التيمم، ولم يدرك الغرض منه، لأن الشارع قد اشترط أن يكون التراب طاهراً نظيفاً، ولم يشترط أن يأخذ بالتراب، ويضعه على وجهه، بل المفروض هو أن يأتي بكيفية خاصة تبيح له العبادة الموقوفة على الوضوء والغسل،
والذي يقول:
إن وضع اليد على الرمل النظيف أو الحجر الأملس النظيف، أو الحصى، ونحو ذلك ينقل الميكروبات الضارة جدير به أن لا يضع يده على الخبز، أو الفواكه، أو الخضر، وجدير به أن يحجر على الناس العمل في المعادن، ودبغ الجلود، وصنع الأحذية، والخشب، بل جدير به أن لا يضع يده على شيء من الأشياء؛ لما عساه أن يكون قد علق بها شيء من الميكروبات، إن هذا قول من يريد أن ينسلخ عن التكاليف ليكون طليقاً في باب الشهوات التي تطمح إليها النفوس الفاسدة فتفضي بها إلى الهلاك والدمار؛ وإلا فإننا قد شاهدنا العمال الذين يباشرون تسميد الأرض - بالسباخ - ويباشرون تنقية المزروعات من الافات أقوى من هؤلاء المستهترين بالدين صحة، وأهنأ منهم عيشاً، فما بال الميكروبات لم تفتك بهم؟ على أن الدين الإسلامي يحث الناس دائماً على الطهارة والنظافة، ويأمرهم باجتناب الأقذار، والبعد عن وسائل الأمراض، ولذا اشترط أن يكون التراب الذي يضع عليه المتيمم يده طاهراً نظيفاً، كالثوب النظيف، والمنديل النظيف فإن كان قذراً ملوثاً، فإنه لا يصح التيمم به.بقي شيء آخر،
وهو أن يقال:
لماذا شرع التيمم في عضوين من أعضاء الوضوء، وهما الوجه واليدان دون باقي الأعضاء؟ والجواب: ان الغرض من التيمم إنما هو التخفيف فيكفي فيه أن يأتي ببعض صورة الوضوء،
على أن العضوين اللذين يجب غسلهما دائماً في الوضوء هما الوجه واليدان:
أما الرأس فإنه يجب مسحها في جميع الأحوال، وأما الرجلان فتارة يغسلان، وتارة يمسحان، وذلك فيما إذا كان لابساً الخف، فالله سبحانه أوجب التيمم في العضوين اللذين يجب غسلهما دائماً، ولا يخفى ما في ذلك من التخفيف.
وأما دليل مشروعية التيمم من السنة: فأحاديث كثيرة: منها ما رواه البخاري، ومسلم منحديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً، لم يصلّ مع القوم، فقال: "ما يمنعك يا فلان أن تصلي في القوم؟
فقال:
يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء،
فقال:
عليك بالصعيد، فإنه يكفيك"
، وقد أجمع المسلمون على أن التيمم يقوم مقام الوضوء والغسل، وإن اختلفت آراؤهم في أسباب التيمم، وفيما يصح عليه التيمم من أجزاء الأرض، وسنبينه لك مفصلاً في موضعه قريباً.[أقسام التيمم]ينقسم التيمم إلى قسمين (1) ،
الأول: التيمم المفروض،
الثاني:
التيمم المندوب، فيفترض التيمم لكل ما يفترض له الوضوء أو الغسل من صلاة، ومس مصحف، وغير ذلك ويندب لكل ما يندب له الوضوء، كما إذا أراد أن يصلي نفلاً ولم يجد ما يتوضأ به، فإنه يصح له أن يتيمم ويصلي، فالنفل مندوب، والتيمم له مندوب؛ يعني أن يثاب عليه ثواب المندوب، وإن كان الصلاة لا تصح بدون التيمم، فهو شرط لصحة الصلاة مع كونه في ذاته مندوباً، بحيث لو تركه وترك الصلاة النافلة التي يريد أن يصليها به، فإنه لا يؤاخذ.
[شروط التيمم]

يشترط لصحة التيمم أمور: منها دخول الوقت (2) ، فلا يصح التيمم قبله، ومنها النية (3) ؛ ومنها الإسلام، ومنها طلب الماء عند فقده على التفصيل الآتي، ومنها عدم وجود الحائل على عضو من أعضاء التيمم، كدهن وشمع يحول بين المسح وبين البشرة، ومنها الخلو من الحيض والنفاس، ومنها وجود العذر بسبب من الأسباب التي ستذكر بعد.هذا، وللتيمم شروط وجوب (4) أيضاً، كالوضوء والغسل، وقد ذكرت الشروط مجتمعة عند كل مذهب في أسفل الصحيفة.

(1) الحنفية: زادوا قسماً ثالثاً، وهو التيمم الواجب، وقد عرفت مما تقدم في "سنن الوضوء أن الحنفية قالوا: إن لواجب أقل من الفرض، فيجب التيمم للطواف، بحيث لو طاف بدون وضوء، تيمم، فإنه يصح طوافه، ولكنه يأثم إثماً أقل من إثم ترك الفرض، وقد بينا لك ذلك في "الوضوء" بياناً وافياً، فارجع إليه إن شئت

(2) الحنفية قالوا: يصح التيمم قبل دخول الوقت
(3) المالكية، والشافعية قالوا: النية ركن لا شرط، كما ذكر آنفاً
(4) المالكية قالوا: للتيمم شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط. وشروط وجوب وصحة
معاً، فأما شروط وجوبه فهي أربعة: البلوغ، وعدم الإكراه على تركه، والقدرة على الاستعمال، فلو عجز عن التيمم سقط عنه، ووجوب ناقض فإن لم ينتقض لا يجب ضرورة.
أما شروط صحته، فهي ثلاثة: الإسلام، وعدم الحائل، وعدم المنافي - أي عدم ما ينقضه حال فعله - وأما شروط وجوبه وصحته معاً فهي ستة: دخول الوقت، والعقل، وبلوغ الدعوة - بأن يبلغه أن الله تعالى أرسل رسولاً -، وانقطاع دم الحيض والنفاس، وعدم النوم والسهو ووجود الصعيد الطاهر، فلم يعدوا طلب الماء عند فقده من شروطه، وإن قالوا بلزومه في بعض الأحوال، كما يأتي، ولم يذكروا منها وجود العذر اكتفاء بذكره في الأساب، وهذه الشروط هي التي ذكرت في الوضوء، إلا أن دخول الوقت هنا شرط وجوب وصحة معاً، بخلافه في الوضوء، فإنه شرط وجوب فقط.
الحنفية: اقتصروا في التيمم على ذكر شروط الصحة، وكذلك في الطهارة المائية اقتصروا على ذكر شروط الصحة، وقد تقدم في الوضوء أنه لامانع من تقسيمها إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرها المالكية، وهي شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، باعتبارين مختلفين، كالحيض والنفاس، فإن عدمهما شرط للوجوب من حيث الخطاب، فإن الحائض أو النفساء لا تكلف بالوضوء فلا يجب عليهما، وشرط للصحة من حيث أداء الواجب فإن وضوء الحائض لا يترتب عليه المقصود منه، وهو أداء ما يتوقف عليه من صلاة ونحوها، فإن الصحة ترتب المقصود من الفعل على الفعل، ثم يستحب الوضوء من الحائض، أو النفساء لتذكر عادتهما، ولكن هذا الوضوء لا يصح به أداء ما شرع لأجله الوضوء.
وحينئذ يمكن تقسيم الشروط هنا كالآتي: شروط وجوب فقط، وهي ثلاثة: البلوغ، والقدرة على استعمال الصعيد، ووجود الحدث الناقض، أما الوقت فهو شرط لوجوب الأداء لا لأصل الوجب، فلا يجب أداء التيمم، إلا إذا دخل الوقت، بكون الوجوب موسعاً في أول الوقت، ومضيقاً إذا ضاق الوقت، وكذلك في الوضوء والغسل، وقد تقدم عده في الوضوء شرطاً للوجوب تسامحاً، وشروط صحة فقط، وهي سبعة: النية؛ وفقد الماء، أو العجز عن استعماله وعدم وجود حائلعلى أعضاء التيمم، كدهن وشمع، وعدم المنافي له حال فعله: بأن يتيمم، ويحدث أثناء تيممه، والمسح بثلاث أصابع، فأكثر إذا مسح بيده؛ ولا يشترط المسح بنفس اليد، فلو مسح بغيرها أجزأه، كما يأتي؛ وطلب الماء عند فقده إن ظن وجوده؛ وتعميم الوجه واليدين بالمسح، وشروط وجب وصحة معاً، وهي الإسلام، فإن التيمم لا يجب على الكافر، لأنه غير مخاطب، ولا يصح منه، لأنه ليس أهلاً للنية، وانقطاع دم الحيض والنفاس؛ والعقل، ووجوب الصعيد الطهور، فإن فاقد الصعيد الطهور لا يجب عليه التيمم. ولا يصح منه بغيره، حتى ولو كان طاهراً فقط، كالأرض التي أصابتها نجاسة، ثم جفت، فإنها تكون طاهرة تصح الصلاة عليها، ولا تكون مطهرة، فلا يصح التيمم بها، كما تقدم في "كيفية التطهير".
الشافعية: عدوا الشروط مجتمعة بدون تقسيم إلى شروط وجوب. وشروط صحة، وهي ثمانية:وجود السبب من فقد ماء، أو عجز عن استعماله، والعلم بدخول الوقت، فلا يصح قبل دخول وقت الصلاة، وتقدم إزالة النجاسة عن البدن إذا كانت غير معفو عنها، فلو تيمم قبل إزالة النجاسة لم يصح تيممه، والإسلام، إلا إذا كانت كتابية انقطع حيضها أو نفاسها، فإنه يصح تيممها ليحل لزوجها قربانها للضرورة، وعدم الحيض أو النفاس، إلا إذا كانت الحائض أو النفساء محرمة، فإنه يصح منهما التيمم بدلاً عن الاغتسال المسنون للإحرام عند العجز والتمييز، إلا المجنونة التي تيمم ليحل قربانها، وعدم الحائل بين التراب وبين المسموح، وطلب الماء عند فقده على ما يأتي.
الحنابلة عدوا الشروط مجتمعة من غير فرق بين وجوب وصحة وهي: دخول وقت الصلاة، سواء كانت فرضاً أو غيره ما دامت مؤقتة، ولو حكماً، كصلاة الجنازة، فإن وقتها يدخل بتمام غسله أو تيممه، فلو تيمم قبل ذلك لا يصح تيممه، وتعذر استعمال الماء لسبب من الأسباب الآتي بيانها؛ والتراب الطهور المباح الذي لم يحترق، بشرط أن يكون له غبار يعلق بالعضو، كما يأتي، والنية؛ والعقل، والتمييز، والإسلام، وعدم الحائل، وعدم المنافي، والاستناء، أو الاستجمار قبل التيمم
***********************

الأسباب التي تجعل التيمم مشروعاً

ترجع هذه الأسباب إلى أمرين أحدهما:
فقد الماء، بأن لم يجده أصلاً.
أو وجد ماء لا يكفي للطهارة (1) ،
ثانيهما:
العجز عن استعمال الماء، أو الاحتياج إليه، بأن يجد الماء الكافي للطهارة، ولكن لا يقدر على استعماله، أو كان يقدر على استعماله، ولكن يحتاجه لشرب ونحوه، على التفصيل الآتي، أما باقي الأسباب التي سنذكرها بعد فإنها أسباب للعجز عن استعمال الماء، وأما من فقد الماء، فإنه يتيمم لكل ما يتوقف على الطهارة بالماء من صلاة مكتوبة، وصلاة جنازة (2) ، وجمعة، وعيد، وطواف، ونافلة، ولو كان يريد صلاتها وحدها (3) دون الفرض، وغير ذلك، ولا فرق في فاقد الماء بين أن يكون صحيحاً أو مريضاً، حاضراً أو مسافراً سفر قصر أو غيره، ولو كان السفر معصية، أو وقعت فيه معصية (4) ، وأما من وجد الماء،

وجود السبب من فقد ماء، أو عجز عن استعماله، والعلم بدخول الوقت، فلا يصح قبل دخول وقت الصلاة، وتقدم إزالة النجاسة عن البدن إذا كانت غير معفو عنها، فلو تيمم قبل إزالة النجاسة لم يصح تيممه، والإسلام، إلا إذا كانت كتابية انقطع حيضها أو نفاسها، فإنه يصح تيممها ليحل لزوجها قربانها للضرورة، وعدم الحيض أو النفاس، إلا إذا كانت الحائض أو النفساء محرمة، فإنه يصح منهما التيمم بدلاً عن الاغتسال المسنون للإحرام عند العجز والتمييز، إلا المجنونة التي تيمم ليحل قربانها، وعدم الحائل بين التراب وبين المسموح، وطلب الماء عند فقده على ما يأتي.
الحنابلة عدوا الشروط مجتمعة من غير فرق بين وجوب وصحة وهي: دخول وقت الصلاة، سواء كانت فرضاً أو غيره ما دامت مؤقتة، ولو حكماً، كصلاة الجنازة، فإن وقتها يدخل بتمام غسله أو تيممه، فلو تيمم قبل ذلك لا يصح تيممه، وتعذر استعمال الماء لسبب من الأسباب الآتي بيانها؛ والتراب الطهور المباح الذي لم يحترق، بشرط أن يكون له غبار يعلق بالعضو، كما يأتي، والنية؛ والعقل، والتمييز، والإسلام، وعدم الحائل، وعدم المنافي، والاستناء، أو الاستجمار قبل التيمم

(1) الشافعية، والحنابلة قالوا: إن وجد ماء لا يكفي الطهارة وجب عليه أن يستعمل ما تيسر له منه في بعض أعضاء الطهارة، ثم يتيمم عن الباقي
(2) المالكية قالوا: لا يتيمم فاقد الماء إذا كان حاضراً صحيحاً للجنازة، إلا إذا تعينت عليه، بأن لم يوجد متوضئ يصلي عليها بدله، وإذا تيمم للفرض فإنه يصح له أن يصلي بتيممه للفرض على الجنازة تبعاً، أما المسافر أو المريض، فإنه يصح له أن يتيمم لها استقلالاً، سواء تعينت عليه، أو لا
(3) المالكية قالوا: لا يجوز لفاقد الماء الحاضر الصحيح أن يتيمم للنوافل إلا تبعاً للفرض، بخلاف المسافر والمريض، كما ذكر قبل هذا
(4) الشافعية قالوا: إذا كان عاصياً بالسفر: فإن فقد الماء، ولم يجده أصلاً تيمم وصلى، ثم أعاد الصلاة؛ أما إن عجز عن استعماله لمرض ونحوه. فلا يصح له التيمم، إلا إذا تاب على عصيانه، فإذا تيمم بعد ذلك وصلى لم يعد صلاته
***************************

وعجز عن استعماله لسبب من الأسباب الشرعية، فإنه كفاقد الماء، يتيمم لكل ما يتوقف على الطهارة، ومن أسباب العجز أن يغلب على ظنه حدوث مرض باستعماله، أو زيادة مرض، أو تأخر شفاء، إذا استند في ذلك إلى تجربة، أو إخبار طبيب حاذق مسلم (1) ، ومنها خوفه من عدم يحول بينه وبين الماء إذا خشي على نفسه أو ماله أو عرضه، سواء أكان العدو آدميا، أم حيواناً مفترساً، ومنها احتياجه للماء في الحال أو المآل، فلو خاف - ظناً لا شكاً - عطس نفسه، أو عطش آدمي غيره، أو حيوان لا يحل قتله، ولو كلباً (2) غير عقور عطشاً يؤدي إلى هلاك، أو شدة أذى، فإنه يتيمم، ويحفظ ما معه من الماء، وكذلك إن احتاج للماء لعجن أو طبخ، وكذلك إن احتاج إليه لإزالة نجاسة غير معفو عنها (3) ، ومنها فقد آلة الماء، كحبل ودلو، لأنه يجعل الماء الموجود في البئر ونحوها كالمفقود (4) ، ومنها خوفه من شدة برودة الماء، بأن يغلب على ظنه حصول ضرر باستعماله بشرط أن يعجز عن تسخينه، فإنه في كل هذه الأحوال يتيمم (5) ، وفي لزوم طلب الماء عند فقده تفصيل في المذاهب (6) .

أعاد الصلاة؛ أما إن عجز عن استعماله لمرض ونحوه. فلا يصح له التيمم، إلا إذا تاب على عصيانه، فإذا تيمم بعد ذلك وصلى لم يعد صلاته
(1) المالكية قالوا: يجوز الاعتماد في ذلك على إخبار الطبيب الكافر عند عدم وجود الطبيب المسلم العارف به ومثل ذلك ما إذا استند إلى القرائن العادية، كتجربة في نفسه، أو في غيره إن كان موافقاً له في المزاج.
الشافعية قالوا: يكفي أن يكون الطبيب حاذقاً، ولو كافراً بشرط أن يقع صدقه في نفس المتيمم، أما التجربة فلا تكفي على الراجح، وله أن يعتمد في المرض على نفسه إذا كان عالماً بالطب، فإن لم يكن طبيباً، ولا عالماً بالطب، جاز له التيمم: وأعاد الصلاة بعد برئه
(2) الحنابلة قالوا: إن الكلب الأسود، كالعقور؛ لا يحفظ له الماء، ولو هلك من العطش
(3) الشافعية قالوا: يشترط أن تكون هذه النجاسة على بدنه؛ فإن كانت على ثوبه فإنه يتوضأ بالماء مع وجود النجاسة؛ ولا يتيمم؛ ويصلي عرياناً إن لم يجد ساتراً؛ ولا إعادة عليه
(4) المالكية قالوا: إن فاقد آلة الماء أو من يناوله الماء، لا يتيمم إلا إذا تيقن أو ظن أنه لا يجدها في الوقت
(5) الحنابلة قالوا: لا يتيمم لخوف من شدة برودة الماء إلا إذا كان محدثاً حدثاً أكبر؛ لأنه هو الذي يتصور فيه ذلك، أما المحدث حدثاً أصغر، فإنه لا يتيمم إلا إذا تحقق الضرر
(6) المالكية قالوا: إذا تيقن، أو ظن أنه بعيد عنه بقدر ميلين، فأكثر، فإنه لا يلزمه طلبه، أما إذا تيقن، أو ظن، أو شك وجوده في مكان أقل من ميلين، فإنه يلزمه طلبه إذا لم يشق عليه؛ فإن شق عليه، ولو دون ميلين، فلا يلزمه طلبه ولو راكباً، ويلزمه أيضاً أن يطلب الماء من رفقته إن اعتقد، أو ظن، أو شك، أو توهم أنهم لا يبخلون عليه به، فإن لم يتطلب منهم، وتيمم أعاد الصلاة أبداً في حالة ما إذا كان يعتقد أنهم يعطونه الماء، أو يظن، وأعاد في الوقت فقط في حالة ما إذا كان يشك في ذلك، أما في حالة التوهم فإنه لا يعيد أبداً، وشرط الإعادة في الحالتين أن يتبين وجود الماء معهم، أو لم يتبين شيئاً، فإن تبين عدم الماء فلا إعادة عليه مطلقاً، ولزمه شراء الماء بثمن معتاد لم يحتج له، وأن يستدين إن كان ملياً ببلده.
الحنابلة قالوا: إن فاقد الماء يجب عليه طلبه في رحله، وما قرب منه عادة، ومن رفقته ما لم يتيقن عدمه، فإن تيمم قبل طلبه لم يصح تيممه، ومتى كان الماء بعيداً لم يجب عليه طلبه، والبعيد ما حكم العرف به.
الحنفية قالوا: إن كان فاقد الماء في المصر، وجب عليه قبل طلبه التيمم، سواء ظن قالوا قربه، أو لم يظن: أما إن كان مسافراً، فإن ظن قربه منه بمسافة أقل من ميل، وجب عليه طلبه أيضاً إن أمن الضرر على نفسه وماله، وإن ظن وجوده في مكان بعيد عن ذلك، كأن كان ميلاً فأكثر، فإنه لا يجب عليه طلبه فيه مطلقاً، ولا فرق بين أن يطلب الماء بنفسه، أو بمن يطلب له، ويجب أن يطلبه من رفقته إن ظن أنه إذا سألهم أعطوه، فإن تيمم قبل الطلب لم يصح التيمم، وإن شك في الإعطاء وتيمم وصلى ثم سألهم فأعطوه يعيد الصلاة، فإن منعوه قبل شروعه في الصلاة، ثم أعطوه بعد فراغه لم يعد، وإن كانوا لا يعطونه إلا بثمن قيمته في أقرب موضع من المواضع التي يعز فيها، أو بغبن يسير وجب عليه شراؤه إن كان قادراً، بحيث يكون الثمن زائداً عن حاجته، أما إذا كانوا لا يعطونه إلا بغبن فاحش، فإنه لا يجب عليه شراء الماء، ويتيمم.
الشافعية قالوا: يجب على فاقد الماء أن يطلبه قبل التيمم بعد دخول الوقت مطلقاً، سواء في رحله، أو من رفقته، فينادي فيهم بنفسه، أو بمن يأذنه، إن كان ثقة، ويستوعبهم، إلا إذا ضاق وقت الصلاة، فإنه يتيمم ويصلي من غير طلب واستيعاب لحرمة الوقت، وفي هذه الحالة تجب عليه الإعادة إن كان المحل يغلب فيه وجود الماء، وإلا فلا إعادة، فإن لم يجده بعد ذلك، فإن له أحوالاً ثلاثة: أن يكون في حد الغوث - وهو أن يكون في مكان يبعد عنه رفقته، بحيث لو استغاث بهم أغاثوه مع اشتغالهم بأعمالهم - وضبطوا في هذه المسافة بنهاية ما يقع عليه البصر المعتدل، مع رؤية الأشخاص والتمييز بينها، أو أن يكون في حد القرب - وهو أن يكون بينه وبين الماء نصف فرسخ، أي ستة آلاف خطوة؛ فأقل -، أو أن يكون في حد البعد - وهو أن يكون بينه وبين الماء أكثر من ستة آلاف خطوة.
فأما حد الغوث، فإنه لا يخلو إما أن يتيقن فيه وجود الماء؛ أو يتردد فيه، فإن تيقن وجود الماء وجب عليه طلبه، بشرط الأمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته؛ ولا يشترط الأمن على خروج الوقت؛ وأما إن تردد في وجود الماء، فإنه يجب عليه طلبه إن أمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته، وأمن على ماله به اختصاص، وإن لم يصح ملكه لنجاسته، كالروث، وأمن من الانقطاع عن رفقته، ومن خروج الوقت.
وأما حد القرب، فإنه لا يجب عليه طلب الماء فيه، إلا إذا تيقن وجوده، بشرط أن يأمن على نفسه وماله وعضوه ومنفعته؛ وأما أمنه على الوقت في هذه الحالة، فإنه لا يشترط إن كانت الجهة التي هو بها يغلب فيها وجود الماء، وإلا اشترط الأمن على الوقت أيضاً.
وأما حد البعد فلا يجب عليه طلب الماء، ولو تيقن وجوده لبعده

ابوالوليد المسلم 08-12-2019 04:03 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 143 الى صــــــــ
149
الحلقة (29)



ومن وجد الماء، وكان قادراً على استعماله، ولكنه خشي باستعماله خرج الوقت (1) ، بحيث لو تيمم أدركه ولو توضأ لا يدركه، ففي صحة تيممه وعدمها تفصيل المذاهب.

(1) الشافعية قالوا: لا يتيمم بالخوف من خروج الوقت مع وجود الماء مطلقاً، لأنه يكون قد تيمم حينئذ، مع فقد شرط التيمم، وهو عدم وجود الماء.
الحنابلة قالوا: لا يجوز التيمم لخوف فوت الوقت، إلا إذا كان المتيمم مسافراً، وعلم وجود الماء في مكان قريب، وأنه إذا قصد وتوضأ منه، يخاف خروج الوقت، فإنه يتيمم في هذه الحالة. ويصلي، ولا إعادة عليه؛ وكلذلك إذا وصل المسافر إلى الماء، وقد ضاق الوقت عن طهارته، أو لم يضق، لكنه علم أن هذا يوزع بالنوبة، وأن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت، فإنه في هذه الحالة يتيمم ويصلي، ولا إعادة عليه.
الحنفية قالوا: إن الصلاة بالنسبة لهذه الحالة ثلاثة أنواع: نوع لا يخشى فواته أصلاً، لعدم ترقيته، وذلك كالنوافل غير المؤقتة "ونوع يخشى فواته بدون بدل عنه" وذلك كصلاة الجنازة والعيد، ونوع يخشى فواته لبدل، وذلك كالجمعة والمكتوبات، فإن للجمعة بدلاً عنها، وهو الطهر؛ وللمكتوبات بدل عنها، وهو ما يقضى بدلها في غير الوقت.
فأما النوافل، فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء، الا إذا كانت مؤقتة، كالسنن التي بعد الظهر والمغرب والعشاء، فإن أخرها، بحيث لو توضأ فات وقتها؛ فإن له أن يتيمم ويدركها.
وأما الجنازة والعيد، فإنه يتيمم لها إن خاف فواتهما مع وجود الماء.
وأما الجمعة؛ فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء، بل يفوتها، ويصلي الظهر بدلها بالوضوء، وكذلك سائر الصلوات المكتوبة. فإن تيمم وصلاها وجبت عليها إعادتها.
المالكية قالوا: إذا خشي باستعمال الماء في الأعضاء الأربعة في الحدث الأصغر، وتعميم الجسد بالماء في الحدث الأكبر خروج الوقت فإنه يتيمم ويصلي، ولا يعيد على المعتمد، أما الجمعة فإنه إذا خشي خروجها باستعمال الماء للوضوء، ففي صحة تيممه لها قولان، والمشهور لا يتيمم لها وأما الجنازة، فإنه لا يتيمم لها إلا فاقد الماء إن تعينت عليه، كما تقدم
****************************

[أركان التيمم]

وأما أركانه: فمنها النية (1) ، ولها في التيمم كيفية مخصوصة مفصلة في المذاهب (2) .

(1) الحنفية قالوا: إن النية شرط في التيمم، وفي الوضوء، كما تقدم. وليست ركناً.
الحنابلة قالوا: إن النية شرط في التيمم، وفي الوضوء وليست ركناً
(2) المالكية قالوا: ينوي استباحة الصلاة، أو مس المصحف، أو غيره مما يشترط فيه الطهارة، أو ينوي استباحة ما منعه الحدث، أو ينوي فرض التيمم فلو نوى رفع الحدث فقط كان تيممه باطلاً، لأن التيمم لا يرفع الحدث عندهم، ويشترط تمييز الحدث الأكبر من الأصغر إذا نوى استباحة ما منعه الحدث أو نوى استباحة الصلاة، فلو كان جنباً ونوى ذلك بدون ملاحظة الجنابة لم يجزه، وأعاد الصلاة وجوباً، أما إذا نوى فرض التيمم، فإنه يجزئ، ولو لم يتعرض لنية الحدث الأكبر، لأن نية الفرض تجزئ عن نية كل من الأصغر والأكبر، ثم إذا نوى التيمم لفرض، فله أن يصلي بتيممه فرضاً واحداً، وما شاء من السنن والمندوبات وأن يطوف به طوافاً غير واجب، ويصلي به ركعتي الطواف الذي ليس بواجب، وأن يمس المصحف ويقرأ الجنب القرآن، ولو كان المتيمم حاضراً صحيحاً، فلو صلى به فرضاً آخر بطل الثاني، ولو كانت الصلاة مشتركة في الوقت، كالظهر مع العصر، ويشترط لمن يريد أن يصلي نفلاً بالتيمم للفرض أن يقدم صلاة الفرض عن صلاة النفل، فلو صلى به نفلاً أولاً صحنفله، ولكن لا يصح له أن يصلي به الفرض بعد ذلك. بل لا بد له من تيمم آخر للفرض وإذا تيمم لنفل أو سنة استقلالاً لا تبعاً لفرض صح له أن يفعل بهذا التيمم كلما ذكر من مس مصحف، وقراءة للقرآن ولو كان جنباً. ونحو ذلك مما يتوقف على طهارة ولكن لا يصح له أن يصلي بهذا التيمم فرضاً. وهذا في غير الصحيح الحاضر. أما الصحيح الحاضر. فإنه لا يصح له أن يتيمم للنفل استقلالاً كما تقدم، وإذا تيمم لقراءة قرآن أو للدخول على سلطان. أو نحو ذلك مما لا يتوقف على طهارة. فإنه لا يجوز له أن يفعل بتيممه هذا ما يتوقف على الطهارة.
الحنفية قالوا: يشترط في نية التيمم الذي تصح به الصلاة أن ينوي واحداً من ثلاثة أمور: الأول: أن ينوي الطهارة من الحدث القائم به ولا يشترط تعيين واحد من الجنابة أو الحدث الأصغر. فلو كان جنباً ونوى الطهارة من الحدث الأصغر أجزأه، الثاني: أن ينوي استباحة الصلاة، أو رفع الحدث. لأن التيمم يرفع الحدث عندهم، الثالث: أن ينوي عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة كالصلاة. أو سجدة التلاوة. فإن نوى التيمم فقط من غير أن يلاحظ استباحة الصلاة أو رفع الحدث القائم به. فإن صلاته لا تصح بهذا التيمم، كما لو نوى ما ليس بعباده أصلاً، أو نوى عبادة غير مقصودة أو نوى عبادة مقصودة تصح بدون طهارة والأول: كما إذا تيمم بنية مس مصحف. فإن المس في ذاته ليس عبادة. ولا يقترب به. وإنما العبادة هي التلاوة. فلو صلى بهذا التيمم لم تصح صلاته، والثاني: كما إذا تيمم للأذان والإقامة فإنهما عبادة غير مقصودة لذاتها، لأن الغرض منهما الإعلام فضلاً من أنهما يصحان بدون طهارة. فلو تيمم لهما لا تصح صلاته بهذا التيمم. والثالث: كما إذا تيمم لقراءة القرآن وهو محدث حدثاً أصغر. فإن القراءة عبادة مقصودة لذاتها. ولكنها تجوز للمحدث حدثاً أصغر بدون طهارة ومثل ذلك ما إذا تيمم للسلام. أو لرده فإنه لا تصح صلاته بهذا التيمم.
الشافعية قالوا: لا بد أن ينوي استباحة الصلاة ونحوها، فلا يصح أن ينوي رفع الحدث، لأن التيمم لا يرفعه عندهم كما لا يصح أن ينوي التيمم فقط. أو فرض التيمم لأنه كهارة ضرورة. فلا يكون مقصوداً، فإذا نوى استباحة الصلاة ونحوها فله أحوال ثلاثة: أحدها: أن ينوي استباحة فرض. كالصلاة المكتوبة. أو الطواف المفروض، أو خطبة الجمعة؛ ثانيها: أن ينوي نفلاً. كصلاة نافلة. أو طواف غير مفروض أو صلاة جنازة، ثالثها: أن ينوي سجدة تلاوة. أو شكر. أو مس مصحف. أو قراءة قرآن وهو جنب فإن نوى الأول فإنه يستبيح بهذا التيمم فرضاً واحداً من المرتبة الأولى، ولو غير ما نواه، وما شاء من النوافل، ويفعل كل ما يتوقف على طهارة مما ذكر في القسم الثاني والثالث؛ وإن نوى الثاني صح له أن يفعل به ما توقف على طهارة مما ذكر في القسم الثاني والثالث فقط، فيصلي به ما شاء من النوافل، ويمس به المصحف ولكن لا يصلي به فرضاً، أو يخطب جمعة، أو يطوف طوافاً مفروضاً؛ وإن نوى الثالث، فإنه يستباح له أن يفعل به ما ذكر في القسم الثالث فقط، ولو كان غير ما نواه؛ ولا يجوز له أن يفعل شيئاً مما ذكر في القسم الأول والثاني. ولا يجب عندهم في نية التيمم أن يتعرض لتعيين الحدث الأكبر أو الأصغر. فلو تعرض، كأن قال الجنب: نويت استباحة الصلاة المانع منها الحدث الأصغر، ظاناً أنه الذي عليه، فبان خلافه، فإنه يجزئه؛ أما إن كان معتمداً. فإنه لا يجزئه لتلاعبه.
الحنابلة قالوا: إن النية شرط لصحة التيمم؛ وصفتها أن ينوي استباحة ما تيمم له من صلاة أو طواف، فرضاً أو نفلاً، من حدث أصغر، أو أكبر، أو نجاسة ببدنه، فإن التيمم يصح للنجاسة على البدن، ولكن بعد تخفيفها على قدر ما يمكن، أما النجاسة على الثوب، وفي المكان فلا، فإن نوى رفع حدث لم يصح تيممه، لأن التيمم مبيح لا رافع، فلا يكفي التيمم بنية واحد من الثلاثة - الحدث الأصغر، أو الأكبر، أو النجاسة - عن الباقي، فلو كان جنباً، ونوى استباحة صلاة الظهر مثلاً من الجنابة، ولم ينو الاستباحة من الحدث الأصغر، لا يصح له أن يصلي به، لأنه رفع الجنابة فيصح له أن يفعل ما ترفعه، كقراءة القرآن، ولم يرفع الحدث الأصغر، وكذا إذا نوى استباحة ما منعه الحدث الأصغر فقط دون الجنابة، فإن تيممه لا يرفع الجنابة في هذه الحالة؛ أما إن نوى بالتيمم استباحة الصلاة من الجميع، الحدث الأكبر، والأصغر، والنجاسة التي على البدن، أجزأته النية عن الجميع، ولا يكلف نية خاصة لكل واحد، ومن نوى استباحة شيء، جاز له أن يفعل بهذا التيمم ذلك الشيء، وما هو مثله، وما هو دونه فأعلى ما يتيمم له فرض عليه، فنذر، ففرض كفاية، فنافلة، فطواف نفل، فمس مصحف، فقراءة قرآن فلبث بمسجد لجنب، فوطء حائض بعد انقطاع دمها؛ وإن أطلق نية التيمم لصلاة، أو طواف لم يفعل الا نقلهما
****************************

ووقت النية (1) عند وضع يده على ما تيمم به.ومنها الصعيد الطهور (2) ، وهو الذي لم تمسه نجاسة، فإذا مسته نجاسة لم يصح به التيمم، ولو زال عين النجاسة وأثرها، وفي بيان الصعيد تفصيل المذاهب.

(1) الشافعية قالوا: لا يكفي أن تكون النية مقارنة لوضع يده على الصعيد، بل يجب أن تكون مقارنة لنقل الصعيد، ومسح شيء من الوجه، لأنه أوله ممسوح.
الحنابلة قالوا: إن النية لا يشترط فيها المقارنة، بل يصح تقدمها عن المسح بزمن يسير، كما هو الشأن في نية كل عبادة
(2) الشافعية قالوا: إن المراد بالصعيد الطهور: التراب الذي له غبار، ومنه الرمل إذا كان له غبار، فإن لم يكن لهما غبار، فلا يصح التيمم بهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التراب محترفاً أو لا، الا إذا صار المحترق رماداً، كما لا فرق بين أن يكون صالحاً، لأن ينبت، أو سبخاً لا ينبت شيئاً، وعدوا من تراب الطفل إذا دق، وصار له غبار، ولو اختلط التراب، أو الرمل بشيء آخر كحمرة، أو دقيق، وإن قل المخالط لا يصح التيمم بهما. واشترطوا أن لا يكون التراب مستعملاً، والمستعمل ما بقي بالعضو الممسوح، أو تناثر منه عند المسح.
الحنابلة قالوا: إن المراد بالصعيد هو التراب الطهور فقط، ويشترط أن يكون التراب مباحاً، فلا يصح بمغصوب ونحوه، وأن يكون التراب غير محترق، فلا يصح بما دق من خزف ونحوه، لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب، واشترطوا أن يعلق غباره، لأن ما لا غبار له لا يمسح بشيء منه، فإن خالطه ذو غبار غيره، كالجص، والنورة، كان حكمه حكم الماء الطهور الذي خالطه طاهر، فإن كانت الغلبة للتراب، جاز التيمم به، وإن كانت للمخالط، فإن كان المخالط لا غبار له يمنع التيمم بالتراب، وذلك كبرّ وشعير، وإن كثر، ولا يصح التيمم بطين لم يمكن تجفيفه، والتيمم به جائز إن كان قبل خروج الوقت لا بعده.
الحنفية قالوا: إن الصعيد الطهور هو كل ما كان من جنس الأرض، فيجوز التيمم على التراب والرمل والحصى والحجر، ولو املس، والسبخ المنعقد من الأرض، أما الماء المنعقد وهو الثلج فلا يجوز التيمم عليه، لأنه ليس من أجزاء الأرض، كما لا يجوز التيمم على الأشجار والزجاج والمعادن المنقولة؛ وأما المعادن التي في مقرها، فإنه يجوز التيمم بالتراب الذي عليها لا بها نفسها، ولا يجوز التيمم باللؤلؤ، وإن كان مسحوقاً. ولا بالدقيق، والرماد، ولا الحصى، ولا بالنورة والزرنيخ والمغرة. والكحل، والكبريت والفيروزج ويجوز التيمم بالطوب المحترق؛ ولا يجوز التيمم بالتراب ونحوه إذا خالطه شيء ليس من جنس الأرض. وغلب عليه، فإن لم يغلب عليه بأن تساويا أو غلب التراب صح التيمم.
المالكية قالوا: المراد بالصعيد ما صعد. أي ظهر من أجزاء الأرض. فيشمل التراب. وهو أفضل من غيره عند وجوده. والرمل. والحجر. وكذا الثلج لأنه وإن كان ماء متجمداً. الا أنه أشبه بالحجر الذي هو من أجزاء الأرض، والطين الرقيق غير أن ينبغي له أن يخفف وضع يده عليه، أو يجففها قبل المسح، فلا يلوث أعضاءه؛ وكذا الجص، وفسروه بالحجر الذي إذا احترق صار جيراً؛ أما بعد الاحتراق، فلا يجوز التيمم عليه، وكذا المعادن؛ فإنه يباح التيمم عليها، الا الذهب والفضة والجواهر فإنه لا يجوز التيمم عليها، كما لا يجوز التيمم على المعادن المنقولة من مقرها، كالشب والملح، ولا يجوز التيمم على طوب محترق؛ أما إن كان غير محترق، فيصح التيمم عليه إذا لم يخلط بنجس أو طاهر كثير، كتبن، وحد الطاهر الكثير أن يكون هو الغالب، فلو كان التبن مثلاً، مقدار الطين، لا يضر، أما التيمم على ما ليس من أجزاء الأرض، كالخشب والحشيش ونحوه، فلا يجوز، ولو ضاق الوقت، ولم يجد غيره، ورجح بعضهم الجواز إذا ضاق الوقت، ولم يجد غيره.
هذا واستعمال الصعيد الطهور هو الضربة الأولى، بأن يضع كفيه على الصعيد
*********************

ومنها (1) مسح جميع الوجه، ولو بيد واحدة، أو إصبع، ويدخل في الوجه اللحية ولو طالت (2) ، وكذا الوترة، وهي الحاجز بين طاقتي الأنف، وما غار من الأجفان، وما بين العذار، وكذا ما تحت الوتد من البياض الذي بين الأذن والعذار، ولا يتتبع ما غار من بدنه.ومنها مسح اليدين مع المرفقين (3) ، ويجب أن ينزع ما ستر شيئاً منها، كالخاتم والأساور، ويجب أن يمسح ما تحته، فلا يكفي تحريكه في التيمم (4) ، بخلاف الوضوء؛ وزاد بعض المذاهب على ذلك فروضاً أخرى (5) .


(1) الحنفية قالوا: إذا كان المسح بيده، فإنه يشترط أن يمسح بجميع يده، أو أكثرها، والمفروض إنما هو المسح سواء كان باليد، أو بما يقوم مقامها، أما تعميم الوجه واليدين بالمسح، فهو شرط لا ركن، ويكون المسح بضربتين أو بما يقوم مقامهما ركن من أركان التيمم، وإن لم يذكر الضرب في الآية الكريمة، الا أنه ذكر في الحديث حيث قال: "التيمم ضربتان"
(2) الحنفية قالوا: يجب مسح الشعر الذي يجب غسله في الوضوء، وهو المحاذي للبشرة فلا يجب مسح ما طال من اللحية
(3) المالكية، والحنابلة قالوا: إن الفرض مسح اليدين إلى الكوعين، وأما إلى المرفقين، فهو سنة، كما يأتي
(4) الحنفية قالوا: إن تحريك الخاتم الضيق والسوار يكفي في التيمم أيضاً، لأن التحريم مسح لما تحته والفرض هو المسح لا وصول الغبار
(5) المالكية زادوا في فروض التيمم الموالاة بين أجزائه، وبينه وبين ما فعل له من الصلاة ونحوها، فلو فرق بينهما بزمن طويل، طولاً يخل بالموالاة، ولو ناسياً لا يصح، ففرائض التيمم
*************************

[سنن التيمم]

وأما سننه: فمنها التسمية على تفصيل المذاهب (1) .ومنها الترتيب (2) ؛ ومنها غير ذلك، كما هو مفصل في المذاهب في أسفل الصحيفة (3) .

عندهم أربعة؛ النية، والضربة الأولى وهي استعمال الصعيد، كما تقدم -؛ وتعميم الوجه، واليدين إلى الكوعين بالمسح؛ والموالاة.
الحنابلة زادوا في فرائض التيمم: الترتيب؛ والموالاة إذا كان التيمم من حدث أصغر؛ أما إذا كان من حدث أكبر، أو نجاسة على بدنه فإنه لا يفترض فيه ترتيب ولا موالاة، ففرائض التيمم عندهم أربعة، وهي: مسح جميع وجهه سوى داخل فمه وأذنه، وسوى ما تحت شعر خفيف، ومسح اليدين إلى الكوعين؛ والترتيب، والموالاة في الحدث الأصغر.
الشافعية: زادوا في فرائض التيمم الترتبي بأن يبدأ بالوجه، ثم اليدين، سواء كان التيمم من حدث أصغر أو أكبر. ونقل التراب إلى الوجه واليدين، فلو طار غبار إلى وجهه أو يجيه، فحرك فيه وجهه، ونوى التيمم لم يكف لعدم النقل، والتراب الطهور الذي له غبار، وقصد التراب للنقل منه بأن يقصده لنقله إلى أعضاء التيمم ويشترط في نقل التراب أن يكون بضربتين، ففرائض التيمم عندهم سبعة وهي: النية، ومسح الوجه؛ ومسح اليدين مع المرفقين؛ والترتيب؛ ونقل التراب إلى أعضاء التيمم؛ والتراب الطهور الذي له غبار؛ وقصد نقل التراب إلى الأعضاء.
الحنفية - لم يزيدوا شيئاً، لأن أركان التيمم شيئان: المسح؛ والضربتان؛ أما المسح فهو داخل في ماهيته بالآية، وأما الضربتان فبالحديث المتقدم؛ وما عدا ذلك يعد من الشروط؛ فهي لا بد منها، وإن لم تكن داخلة في ماهيته
(1) الحنابلة قالوا: التسمية واجبة، فيبطل التيمم بتركها عمداً. وتسقط سهواً أو جهلاً.
المالكية قالوا: التسمية مندوبة لا سنة.
الشافعية قالوا: تسن التسمية، ولكن إذا كان المتيمم جنباً لا يجوز له أن يقصد بها التلاوة بل يقصد الذكر أو لا يقصد شيئاً.
الحنفية قالوا: تسن التسمية، سواء قصد الذكر أو التلاوة؛ أو لم يقصد شيئاً
(2) الشافعية، والحنابلة قالوا: إن الترتيب فرض، كما تقدم
(3) الحنفية - عدوا سنن التيمم كما يأتي الضرب بباطن كفيه، إقبالهما وإدبارهما، ونفضهما، وتفريج أصابعه، والتسمية، والترتيب، والولاء، وتخليل اللحية والأصابع، وتحريك الخاتم، والتيامن، وخصوص الضرب على الصعيد ليدخل التراب خلال الأصابع، وأن يكون المسح بالكيفية المخصوصة، وهي أن يضرب بيديه على الصعيد، ثم ينفضهما، ثم يقبل بهما ويدبر ثم يمسح بهما وجهه ويعمه، بحيث لا يبقى منه شيء، ثم يضرب يديه ثانياً على الصعيد، ثم ينفضهما على الوجه السابق، فيمسح بهما كفيه وذراعيه. إلى المرفقين؛ والسواك.
الشافعية: عدوا سنن التيمم، كما يأتي، التسمية ابتداء؛ على ما سبق، والسواك، ومحله بعد التسمية، وقبل نقل التراب، ونفض اليدين، أو نفخهما من الغبار إن كثر؛ والتيامن بأن يمسح يده اليمنى قبل اليسرى، واستقبال القبلة حال التيمم، وأن يبدأ في مسح الوجه من أعلاه؛ وفي مسح يديه من أصابعه، فيضع أصابع يده اليسرى سوسى الإبهام على ظهر أصابع اليمنى، سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى؛ ويمرها على اليمنى؛ فإذا بلغ الكوع، ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع، ويمرها إلى المرفق، ثم يدير بطان كفه إلى باطن الذراع، ويمرها عليها رافعاً إبهامه، فإذا بلغ الكوع أمرّ إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى؛ ثم يفعل باليسرى كذلك، ثم يمسح إحدى كفيه بالأخرى ندباً، والموالاة بين مسح الوجه واليدين إن كان المتيمم سليماً، فإن كان صاحب عذر وجبت عليه الموالاة في التيمم، كالوضوء، وتفريج أصابعه أول كل ضربة، ونزع خاتمه في الضربة الأولى، أما في الضربة الثانية، فيجب نزعه، وتخليل أصابعه بعد مسح اليدين إذا فرق أصابعه في الضربة الثانية؛ وإلا كان التخليل واجباً، والغرة، والتحجيل، وأن لا يرفع يده على العضو حتى يتم مسحه، والذكر المطلوب عند الوجه واليدين، والذكر السابق في الوضوء يذكره في آخر التيمم.
المالكية: عدوا سنن التيمم أربعة: الترتيب بأن يبدأ بالوجه قبل اليدين، فإن عكس، بأن مسح يديه قبل وجهه. أعاد مسحهما إن لم يصل به، فإن صلى به أجزأه، ومسح ذراعيه من الكوعين إلى المرفقين؛ وتجديد ضربة ثانية لليدين، ونقل ما تعلق بيديه من الغبار إلى العضو الذي يريد مسحه، بأن لا يسمح على شيء قبل المسح على وجهه أو يديه.
الحنابلة: لم يعدوا في سنن التيمم سوى أنه يسن أن يؤخره إلى آخر الوقت المختار إن علم أو ظن وأود [ورود؟؟] الماء في الوقت، أو استوى الأمران عنده، فإن تيمم أول الوقت وصلى، صحت صلاته بدون إعادة، ولو وجد الماء في الوقت


ابوالوليد المسلم 08-12-2019 04:04 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 149 الى صــــــــ
156
الحلقة (30)


[مندوبات التيمم]

وللتيمم مندوبات مفصلة في المذاهب (1) .


(1) الحنابلة، والشافعية قالوا: إن المسنون هو المندوب، فكل ما ذكر من السنن السابقة يسمى مندوباً، وسنة ومستحباً.
المالكية قالوا: مندوبات التيمم: منها يندب التسمية والسواك. والصمت الا عن ذكر الله، واستقبال القبلة وأن يبدأ بمسح ظاهر يمناه بيسراه، بأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمنى في باطن يده اليسرى، ثم يمرها إلى المرفق قابضاً عليها بكف اليسرى، ثم يمسح باطن اليمنى من طي المرفق إلى آخر الأصابع؛ ثم يفعل بيسراه كذلك، ويندب أن يكون التيمم أول الوقت الاختياري إذا يئس من وجود الماء، أو زوال المانع من استعمال في جميع الوقت الاختياري، ويندب أن يكون في الوسط الوقت المختار لمن شك في الحصول على الماء، أو زوال المانع من استعماله لتعارض فضيلة أول الوقت بفضيلة الطهارة المائية، فينظر إلى كل منهما، ويعتبر وسط الوقت، ويندب أن يكون في آخر الوقت الاختياري لمن يرجو حصول الماء، أو زوال المانع من استعماله - كالمرض - قبل نهاية الوقت. الاختياري تقديماً لفضيلة الطهارة المائية المرجوة؛ ويحرم على كل حال التأخير إلى الوقت الضروري، ولو كانت الطهارة المائية مرجوة.
الحنفية قالوا: يندب تأخير لمن غلب على ظنه وجود الماء إلى ما قبل خروج الوقت المستحب، أما إن عده أحد بالماء، فيجب عليه أن يؤخر التيمم، ولو خاف خروج الوقت
**********************

[مبطلات التيمم]

وأما مبطلاته فهي مبطلات الوضوء المتقدمة، والمتيمم عن حدث أكبر لا يعود محدثاً حدثاً أكبر الا بما يوجب الغسل، وإن اعتبر محدثاً حدثاً أصغر بنواقض الوضوء، فإن تيمم لجنابة، ثم انتقض تيممه لم يعد جنباً، بل يصير محدثاً حدثاً أصغر، فيجوز له أن يقرأ القرآن، ويدل المسجد (1) ، ويمكث فيه، وتزيد مبطلات التيمم عن مبطلات الوضوء أمراً آخر، وهو


(1) المالكية قالوا: إذا أحدث المتيمم عن جنابة حدثاً أصغر انتقض تيممه عن الأصغر والأكبر، فنواقض الوضوء، وإن كانت لا تبطل الغسل، لكن تبطل التيمم الواقع عن الغسل، فيحرم عليه ما يحرم على الجنب بعيد التيمم
**************************
زوال العذر المبيح للتيمم، كأن يجد الماء بعد فقده (1) . أو يقدر على استعماله بعد عجزه (2) .
[مبحث من عجز عن الوضوء والتيمم ويقال له: فاقد الطهورين]
من عجز عن الوضوء والتيمم لمرض شديد، أو حبس في مكان ليس به ما يصح التيمم عليه؛ فإنه يجب عليه أن يصلي في الوقت بدون وضوء وبدون تيمم. على أن المريض الذي لا يقدر على القيام للصلاة فإنه يصلي قاعداً، فإن عجز يصلي بالإشارة، كما سيأتي في مبحث الصلاة بالإيمان، والغرض من هذا إنما هو إظهار الخشوع والخضوع لله عز وجل في جميع الأحوال، فما دام الإنسان قادراً على إظهار هذا الخشوع بأي كيفية من الكيفيات فعليه أن يفعلها، وله على ذلك أجر العاملين الأقوياء بلا فرق، بل ربما كان أوفر أجراً، لأن الذي يخضع قلبه لمولاه آثار هذا الخضوع على جوارحه وهو مريض، تعب أقرب إلى رضوان الله تعالى ورحمته إن شاء الله.أما كيفية طهارة فاقد الماء وفاقد ما يصح التيمم عليه وصلاتهما، فإن فيهما تفصيل المذاهب (3) .

(1) المالكية قالوا: إن وجود الماء أو القدرة على استعماله لا ينقضان التيمم الا قبل شروعه في الصلاة، بشرط أن يتسع الوقت الاختياري لإدراك ركعة بعد استعماله في أعضاء الطهارة، فإن وجده بعد الدخول فيها لا ينتقض تيممه، بل يجب استمراره في الصلاة، ثم تذكر الماء، وهو فيها فإنها تبطل إن اتسع الوقت لإدراك ركعة بعد استعمال الماء، وإلا فلا، أما إن تذكره بعدها، فإنه يعيد في الوقت فقط لما عنده من شائبة التفريط
(2) الحنابلة قالوا: زادوا في مبطلات التيمم خروج الوقت، فإنه يبطل التيمم مطلقاً، سواء كان عن حدث أكبر، أو كان عن نجاسة على بدنه، ما لم يكن في صلاة جمعة، فلا يبطل إذا خرج وقتها وخلع الخف ونحوه مما يمسح عليه إن تيمم بعد حدثه، وهو لابسه، سواء مسحه قبل ذلك أو لا.
الشافعية: زادوا في مبطلات التيمم حصول الردة، ولو صورة، كردة الصبي؛ وإنما ينتقض تيممه بزوال العذر المبيح للتيمم إذا لم يكمل تكبيرة الإحرام، فإذا زال عذره بعد ذلك وكان في صلاة لا تجب إعادتها صحت صلاته، وبطل تيممه عقب السلام، وإن كان في صلاة تجب إعادتها بطل التيمم والصلاة
(3) الحنفية قالوا: من فقد الطهورين: الماء، والصعيد الطاهر من تراب ونحوه، فإنه يصلي عند دخول وقت الصلاة صلاة صورية بأن يسجد ويرجع مستقبلاً القبلة بدون قراءة. أو تسبيح، أو تشهد، أو نحو ذلك، ولا ينوي بذلك صلاة، سواء كان جنباً أو كان محدثاً حدثاً أصغر؛ وهذه الصلاة الصورية لا تسقط الفرض عنه بل تبقى ذمته مشغولة به إلى أن يجد ماء يتوضأ به، أو يجد صعيداً طاهراً يتيمم عليه، ويجوز لمن فقد الطهورين أن يصلي هذه الصلاة الصورية، ولو كان جنباً.
المالكية قالوا: من فقد الطهورين: الماء والصعيد الطاهر، فإن الصلاة تسقط عنه تماماً على المعتمد، فلا يصلي، ولا يقضي، ولعلهم تمسكوا في ذلك بحديث: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على الإعادة والحنفية لا يقولون: إن الصلاة بغير طهور تكون مقبولة، بل يقولون لا بد من إعادتها.
الشافعية - قالوا: من فقد الماء والصعيد الطاهر، أو عجز عن استعمالهما، فإنه لا يخلو إما أن يكون جنباً أو محدثاً أصغر، فإن كان محدثاً حدثاً أصغر فإنه يصلي صلاة حقيقية بنية وقراءة تامة. وإن كان جنباً، فإنه يصلي صلاة حقيقية، ولكنه يقتصر على قراءة الفاتحة فقط، ويجب عليهما إعادة الصلاة عند وجود الماء، فإذا وجد الجنب الماء وجب عليه أن يغتسل، ويتوضأ ثم يعيد الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، وإذا وجد المحدث حدثاً أصغر الماء، فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد تلك الصلاة، أما إذا وجد أحدهما صعيداً طاهراً من تراب ونحوه مما يصح به التيمم، فإنه لا يتيمم لإعادة الصلاة التي صلاها بغير وضوء وتيمم، الا إذا غلب على ظنه أنه في مكان لا يجد فيه ماء، أو تردد في الأمر بحيث استوى عنده وجود الماء وعدمه بدون مرجح
**************************

[مباحث الجبيرة]
[تعريفها]
الجبيرة في اصطلاح الفقهاء هي الخرقة التي يربط بها العضو المريض، أو الدواء الذي يوضع على ذلك العضو، ولا يشترط في الرباط أن يكون مشدوداً بأعواد من خشب أو جريد، أو نحو ذلك، كما لا يشترط أن يكون العضو المربوط مكسوراً، بل المعول في حكم الجبيرة على أن يكون العضو مريضاً، سواء كان مكسوراً، أو مرضوضاً أو به آلام - روماتزمية - أو نحو ذلك،
فالجبيرة عند الفقهاء اسم للرباط الذي يربط به العضو المريض:
أو الدواء الذي يوضع فوق ذلك العضو.
*******************
[ما يفترض على من جبيرة تمنعه من استعمال الماء]

إذا كان على عضو من أعضاء المكلف - التي يجب غسلها في الوضوء أو الغسل - جبيرة من رباط أو دواء، وكان غسل ذلك العضو يضره أو يؤلمه، فإنه يفترض عليه المسح على الرباط إن كان العضو مربوطاً أو المسح على الدواء إذا كان العضو عليه دواء بدون رباط، فإن كان المسح على الدواء يضره فليربطه بخرقة نظيفة، ثم يمسح على هذه الخرقة، ولا يعدم المريض رباطاً يربط به العضو المريض، وهذا هو حكم صاحب الجبيرة الذي به ألم في عضو من أعضاء الوضوء أو الغسل؛ وهو أن يفترض عليه أن يمسح على العضو المريض إذا ضره الغسل، فإنه ضره المسح عليه ربطه بخرقة ومسح على الرباط، ولم يخالف في هذا سوى الشافعية، وبعض الحنفية، وقد ذكرنا مذهبيهما تحت الخط الذي أمامك (1) .

(1) الشافعية قالوا: إما أن يكون العضو المريض مربوطاً أو عليه ونحوه أو لا. فإن كان مربوطاً فإن المريض يجب عليه في هذه الحالة ثلاثة أمور: الأول: أن يغسل الجزء السليم؛ الثاني، أن يمسح على نفس الجبيرة، وهي الرباط الموضوع على محل المرض.
وهذا المسح يقوم مقام غسل الأجزاء السليمة التي تستتر بالرباط غالباً، فإذا وضع الرباط على الجزء المريض فقط، ولم يأخذ شيئاً من السليم، فإنه لا يجب المسح على الخرقة في هذه الحالة ومثل ذلك ما إذا أمكنه غسل الجزء السليم الذي تحت الرباط؛ الأمر الثالث: أن يتيمم بدل غسل الجزء المريض، ثم إن كان الشخص جنباً، فإنه لا يجب عليه الترتيب بين هذه الأمور الثلاثة، وهي: غسل الجزء السليم؛ والمسح على الخرقة ونحوها؛ والتيمم، بحيث يجوز له أن يبدأ بما شاء منها، أما إن كان غير جنب، فإنه يجب عليه الترتيب بين الغسل والتيمم فقط، بمعنى أنه يغسل أولاً الجزء السليم قبل التيمم. أما المسح على الجبيرة من خرقة ونحوها. فإنه يصح أن يقدمه على الغسل وعلى التيمم.
هذا، وإذا كانت الأعضاء المريضة متعددة، فإنه يجب عليه أن يعد التيمم بعدد هذه الأعضاء المريضة، فإن عم المرض جميع الأعضاء، فإنه يكفي أن يتيمم مرة واحدة عن الجميع. ومثل ذلك ما إذا كان المرض في عضوين متواليين في الترتيب كالوجه والذراعين، فإنهما إذا عمهما المرض، فيكفي أن يتيمم لهما تيمماً واحداً، بعد أن يغسل الجزء السليم، ويمسح على الجبيرة بدلاً من غسل الجزء الصحيح المستتر بالجبيرة.
هذا إذا كان العضو المريض مربوطاً، فإن لم يكن مربوطاً فإنه يفترض عليه غسل العضو السليم، والتيمم بدل غسل العضو المريض، ولا يمسح على محل المرض بالماء، لما عرفت أن المسح ليس مشروعاً عندهم، الا إذا كان بدلاً من غسل الجزء السليم الذي يستره رباط الجزء المريض فهو بمنزلة المسح على الخف، أما إذا كان العضو مكشوفاً، ولا يمكن غسله، فإنه لا يكون لمسحه معنى، والتيمم يقوم مقام غسله، فلا معنى لمسحه في هذه الحالة، فإذا كان المرض في عضو من أعضاء التيمم، ولا يمكنه مسحه بتراب التيمم، أو كان ذلك المسح يضره، فإنه يسقط عنه مسه، وتجب عليه إعادة الصلاة بعد برئه في هذه الحالة.
الحنفية قالوا: حكم المسح على الجبيرة فيه قولان: أحدهما: أنه واجب لا فرض، وقد عرفت في "مباحث الوضوء" الفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية، وعلى هذا إذا ترك المريض المسح على العضو الذي به المرض وصلى، فإنه صلاته تكون صحيحة، ولكنه يجب عليه إعادتها، وإلا كان تاركاً للواجب الذي يترتب عليه حرمانه من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يعاقب عليه على المعتمد، ثانيهما: أن المسح على الجبيرة فرض؛ بحيث لو تركه لا تصح الصلاة، كما يقول المالكية، والحنابلة، والقولان صحيحان عند الحنفية، فيصح للمكلف أن يقلد ما يشاء منهما
****************************

[شروط المسح على الجبيرة]

يشترط لصحة المسح على الجبيرة، سواء كانت خرقة، أو دواء، أو نحوهما شرطان؛
الشرط الأول:
أن يكون غسل العضو المريض ضاراً به. بحيث يخاف من غسله زيادة الألم، أو تأخر الشفاء، أو نحو ذلك، فإن كان العضو المريض عليه دواء بدون رباط، ويضره المسح عليه، فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يضع عليه رباطاً لا يضر، ثم يمسح على الرباط، كما ذكرنا؛
الشرط الثاني: تعميم الجبيرة بالمسح بمعنى أن يغسل الجزء السليم من المرض، ثم يمسح على الجزء المريض جميعه هذا إذا كانت الجبيرة على قدر محل المرض، فإن تجاوزت محل المرض لضرورة ربطها، فإنه يجب مسحها جميعها، ما كان منها على الجزء المريض، وما كان منها على الجزء السليم (1) فإن كان المحل المرْيض مما يمسح. كالرأس ففيه تفصيل المذاهب (2) .

(1) الحنفية قالوا: لا يشترط تعميم الجبيرة بالمسح، بل يكفي مسح أكثرها، فإذا كانت الجراحة مثلاً في جميع اليد، ووضع عليها رباطاً، فإنه يكفي أن يمسح على ما يزيد على نصفها الموضوع عليه الرباط.
هذا وإذا كان الرباط زائداً على المحل المريض، فلا يخلو إما أن يكون حله ضاراً، أو غير ضار، فإن كان غير ضار وجب حله، وغسل ما تحته إن لم يضر الغسل، فإن كان الغسل ضاراً بالمريض، فإنه يجب مسح محل المرض، وغسل ما حوله من الأجزاء السليمة، فإن كان مسح محل الرباط يضر أيضاً، فإنه يغسل ما حوله، ثم يضع الرباط ويمسح عليه. أما إن كان حل الرباط ضاراً فإنه يجب عليه أن يمسح على الرباط، ولا يكلف حله ولو كان يستطيع غسل ما تحته أو مسحه. على أ، هـ يجب في هذه الحالة أن يمسح على ما يستر الصحيح والسليم. بحيث يمسح على أكثر الرباط.
الحنابلة قالوا: إن وضع الجبيرة على طهارة، فإن جاوزت محل المرض مسح عليها بالماء وتيمم عن الزائد، فإن لم توضع على طهارة، كأن وضعها قبل أن يتوضأ وجب عليه التيمم فقط، ولا يصح منه المسح، فإن تعدّدت الأعضاء المريضة وجب عليه أن يعدِّد التيمم. الا إذا عمت الجراحة جميع أعضاء الوضوء أو الغسل. فإنه لا يجب عليه الا تيمم واحد. ولا بد من مراعاة الترتيب والولاء في الطهارة من الحدث الأصغر، كما تقدم
(2) المالكية قالوا: إن عمت الجراحة الرأس؛ فحكمه حكم الأعضاء المغسولة. وإن لم تعم، فإن تيسر مسح بعض الرأس مسحه وكمل على العمامة. وإن لم يتيسر فحكمه حكم ما عمته الجراحة.
الشافعية قالوا: إن بقي من الرأس جزء سليم وجب المسح عليه. وإلا تيمم بدل مسحها.
الحنفية قالوا: إن كان بعض الرأس صحيحاً، وكان يبلغ قدر ما يجب عليه المسح وهو الربع فرض المسح عليه بدون حاجة للمسح على الجبيرة. وإن عمت الجراحة جميع الرأس كان حكمه كحكم الأعضاء المغسولة. فيجب المسح عليه إن لم يضره فإن ضره مسح على الجبيرة ونحوها.
الحنابلة قالوا: إن عمت الجراحة الرأس. ولم يمكنه المسح عليها مسح على العصابة التي عليها وعمها بالمسح ويتيمم إن شدها على غير طهارة، كما تقدم. وإن لم تعم مسح على الصحيح منها. وكمل على العصابة. لأن العصابة تنوب عن الرأس في المريض. ويبقى السليم على أصله
********************************
[مبطلات المسح على الجبيرة]

ويبطل المسح على الجبيرة لسقوطها عن موضعها. أو نزعها عن مكانها. على تفصيل في المذاهب (1) .
[صلاة الماسح على الجبيرة]

الصلاة بالمسح على الجبيرة المستوفية للشروط المتقدمة صحيحة، ولا إعادة على من صلى بذلك المسح بعد برء العضو (2) .
(1) المالكية قالوا: إن سقطت عن برء بطل المسح عليها، ووجب الرجوع إلى الأصل في تطهير ما تحتها بالغسل أو بالمسح إن كان متطهراً. ويريد البقاء على طهارته. ويشترط في صحة الطهارة بغسل أو مسح ما تحتها أن يبادر بحيث لا تفوته الموالاة عمداً، فإن طال الزمن نسياناً صح، وإن سقطت عن غير برء ردها إلى موضعها، وبادر بالمسح عليها، بحيث لا تفوته الموالاة، فإن كان سقوطها أو نزعها أثناء الصلاة بطلت الطلاة ووجبت إعادتها بعد تطهير ما تحتها إن كان ذلك عن برء، فإن كان عن غير برء أعادها ومسح عليها نفسها.
الشافعية قالوا: إن كان سقوطها عن برء في الصلاة بطلت الصلاة والطهارة، وإن كان عن غير برء بطلت الصلاة دون الطهارة، فيرد الجبيرة إلى موضعها، ويمسح عليها فقط بعد تطهير ما بعدها من الأعضاء إن وجد.
الحنفية قالوا: إن سقطت الجبيرة عن غيربرء لم يبطل المسح عليها سواء كان في الصلاة أو خارجها. وإن كان سقوطها في الصلاة عن برء، فإن كان قبل القعود الأخير قدر التشهد بطلت صلاته، وعليه في هذه الحالة أن يطهر موضع الجبيرة فقط، ويعيد الصلاة، وإن كان سقوطها في آخر الصلاة بعد القعود قدر التشهد؛ فالإمام يقول بالبطلان، والصاحبان يقولان بالصحة، لأن في هذه الحالة تكون صلاته قد تمت، ويكون سقوط الجبيرة بمنزلة الكلام أو الحدث بعد تمام الصلاة.
الحنابلة قالوا: إذا سقطت الجبيرة انتقض وضوءه كله، سواء كان سقوطها عن برء أو غير برء، الا أنه إن كان سقوطها عن برء توضأ فقط، وإن كان سقوطها عن غير برء أعاد الوضوء والتيمم

(2) الشافعية قالوا: تجب إعادة الصلاة في ثلاثة أمور: أحدها: إذا كانت الجبيرة في أعضاء التيمم. ثانيها: إذا كانت في غير أعضاء التيمم، وأخذت من الصحيح زيادة عن الذي تستمسك به في ربطها. ثالثها: إذا كانت في غير أعضاء التيمم، وأخذت من الصحيح بقدر الاستمساك فقط. لكنها وضعت وهو محدث
************************************

ابوالوليد المسلم 08-12-2019 04:05 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 157 الى صــــــــ
163
الحلقة (31)


[كتاب الصلاة]

[[مباحث عامة]]


[حكمة مشروعيتها]

ما تقدم من مباحث الطهارة إنما هو وسيلة للصلاة، وقد علمت أن هذه الوسائل كلها منافع للمجتمع الإنساني؛ لأن مدارها على نظافة الأبدان؛ وطهارة أماكن العبادة من الأقذار التي تنشأ عنها الأمراض والروائح القذرة، نعم إن في بعض الوسائل ما قد يخلو عن هذا المعنى،
ولكن ذلك لحكمة ظاهرة: وهي أن الغرض من العبادات إنما هو الخشوع لله سبحانه باتباع أوامره واجتناب نواهيه، أما الصلاة فهي أهم أركان الدين الإسلامي؛ فقد فرضها الله سبحانه على عباده ليعبدوه وحده، ولا يشركوا معه أحداً من خلقه في عبادته،
قال تعالى:
{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي فرضاً محدوداً بأوقات لا يجوز الخروج عنها،
وقال عليه الصلاة والسلام:
"خمس صلوات كتبهّن الله على العباد؛ فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة" وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم شأن الصلاة،
والحث على أدائها في أوقاتها: والنهي عن الاستهانة بأمرها والتكاسل عن إقامتها؛
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
"مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر عذب غمر، بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يبقى من درنه؟
قالوا:
لا شيء،
قال صلى الله عليه وسلم:
"
فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" ومعنى ذلك أن الصلوات الخمس تطهر النفوس؛ وتنظفها من الذنوب والآثام، كما أن الاغتسال بالماء النقي خمس مرات في اليوم يطهر الأجسام وينظفها من جميع الأقذار.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل: قال: "الصلاة لمواقيتها" فالصلاة هي أفضل أعمال الإسلام، وأجلها قدراً، وأعظمها شأناً؛ وكفى بذلك حثاً على أدائها في أوقاتها.أما ترهيب تاركها وتخويفه؛
فيكفي فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له" وقوله: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" وفي هذا الحديث زجر شديد للمسلم الذي يتسلط عليه الكسل فيحمله على ترك الصلاة التي يمتاز بها عن الكافر،
حتى قال بعض أئمة المالكية:
إن تارك الصلاة عمداً كافر وعلى كل حال فقد أجتمعوا على أنها ركن من أركان الإسلام، فمن تركها فقد هدم ركناً من أقوى أركانه. وينبغي أن يعرف الناس أن الغرض الحقيقي من الصلاة إنما هو غشعار القلب بعظمة الإله الخالق حتى يكون منه على وجل فيأتمر بأمره، وينتهي عما نهاه عنه، وفي ذلك الخير كله للنوع الإنساني، لأن من يفعل الصالحات ويجتنب السيئات لا يصدر عنه للناس الا المنفعة والخير، أما الذين يأتي بالصلاة وقلبه غافل عن ربه، مشغول بشهواته النفسانية، وملاذه الجسمانية، فإن صلاته، وإن أسقطت عنه الفرض عند بعض الأئمة، ولكنها في الحقيقة لم تثمر الثمرة المطلوبة منها،
إنما الصلاة الكاملة هي التي قال الله في شأنها:
{قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتها خاشعون} .
فالغرض الحقيقي من الصلاة، إنما هو تعظيم الإله فاطر السموات والأرض بالخشوع له والخضوع لعظمته الخالدة، وعزته الأبدية، فلا يكون المرء مصلياً لربه حقاً الا إذا كان قلبه حاضراً مملوءاً بخشية الله وحده، فلا يغيب عن مناجاته بالوساوس الكاذبة أو الخواطر الضارة، ومن ي قف بين يدي خالقه وقلبه على هذه الحالة ذليلاً خاشعاً، خائفاً وجلاً من جلال ذلك الخالق القادر القاهر، ذي السطوة التي لا تحدّ، والمشيئة التي لا تردّ، فإنه بذلك يكون تائباً من ذنبه، منيباً إلى ربه، وتصلح أعماله الظاهرة والباطنة، وتقوى علاقته بربه، ويستقيم مع عبادته تعالى، ويقف عند حدود الدين، وينتهي عما نهاه عنه رب العالمين.
كما قال:
{إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر} وبذلك يكون من المسلمين حقاً.فالصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، وهي تلك الصلاة التي يكون العبد فيها معظماً ربه، خائفاً منه، راجياً رحمته، فحظ كل واحد من صلاته إنما هو بقدر خوفه من الله، وتأثر قلبه بخشيته، لأن الله سبحانه إنما ينظر إلى قلوب عباده لا إلى صورهم الظاهرة،
ولذا قال تعالى:
{وأقم الصلاة لذكرى} ، ومن غفل قلبه عن ربه لا يكون ذاكراً له، فلا يكون مصلياً صلاة حقيقية، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه".
فهذه هي الصلاة في نظر الدين، وهي بهذا المعنى لها أحسن الأثر في تهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، فإن في كل جزء من أجزائها تمريناً على فضيلة من الفضائل الخلقية، وتعويداً على صفة من الصفات الحميدة،
وإليك جملة من أعمال الصلاة وآثارها في تهذيب النفوس:
أولاً: النية، وهي عزم القلب على امتثال أمر الله تعالى بأداء الصلاة كاملة، كما أمر بها الله مع الإخلاص له وحده، ومن يفعل ذلك في اليوم والليلة خمس مرات، فلا ريب في أن الإخلاص ينطبع في نفسه، ويصبح صفة منصفاته الفاضلة التي لها أجمل الثر في حياة الأفراد والجماعات، فلا شيء أنفع في حياة المجتمع الإنساني من الإخلاص في القول والعمل، فلو أن الناس أخلصوا لبعضهم بعضاً في أقوالهم وأعمالهم، لعاشوا عيشة راضية مرضية، وصلحت حالهم في الدنيا والآخرة، وكانوا من الفائزين.
ثانياً:
إن القيام بين يدي الله تعالى، فالمصلي يقف ببدنه وروحه بين يدي خالقه مطرقاً يناجيه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، يسمع منه ما يقول، ويعلم منه قلبه ما ينوي، ولا ريب في أن من يفعل ذلك مرات كثيرة في اليوم والليلة، فإن قلبه يتأثر بخالقه، فيأتمر بما أمره به، وينتهي عما نهاه عنه، فلا ينتهك للناس حرمة، ولا يعتدي لهم على نفس، ولا يظلمهم في مال، ولا يؤذيهم في دين أو عرض.
ثالثاً: القراءة، وسيأتي لك حكمها عند الأئمة، ولكن ينبغي لمن يقرأ أن لا يحرك لسانه بالقراءة، وقلبه غافل، بل ينبغي له أن يتدبر معنى قراءته ليتعظ بما يقول، فإذا مر على لسانه ذكر الإله الخالق وجل قلبه خوفاً من عظمته وسطوته، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} وإذا ذكرت صفات الله تعالى من رحمة وإحسان وجب عليه أن يعلم نفسه كيف تتخلق بتلك الصفات الكريمة،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تخلقوا بأخلاق الله فهو سبحانه كريم عفو غفور، عادل لا يظلم الناس شيئاً، فالإنسان مكلف بأن يتخلق بهذه الأخلاق، فإذا ما قرأ في صلاته الآيات التي تشتمل على صفات الإله الكريمة وعقل معناها، وكرّرها في اليوم والليلة مرات كثيرة. فإن نفسه تتأثر بها لا محالة ومتى تأثرت نفسه بجميل الصفات حبب إليه الاتصاف بها، ولذلك أحسن الأثر في تهذيب النفوس والأخلاق.
رابعاً: الركوع والسجود، وهما من أمارات التعظيم لمالك الملوك، خالق السموات والأرض وما بينهما، فالمصلي الذي يركع بين يدي ربه لا يكفيه أن يحنى ظهره بالكيفية المخصوصة، بل لا بد أن يشعر قلبه بأنه عبد ذليل، ينحني أما عظمة إله عزيز كبير، لا حد لقدرته، ولا نهاية لعظمته فإذا انطبع ذلكالمعنى في قلب المصلي مرات كثيرة في اليوم والليلة كان قلبه دائماً خائفاً من ربه فلا يعمل الا ما يرضيه، وكذلك المصلي الذي يسجد لخالقه، فيضع جبهته على الأرض معلناً عبوديته لخالقه. فإنه إذا استشعر قلبه ذل العبودية، وعظمة الرب الخالق فلا بد أن يخافه ويخشاه، وبذلك تتهذب نفسه وينتهي عن الفحشاء والمنكر.
هذا ويتعلق بالصلاة أمور أخرى لها فوائد اجتماعية جليلة الشأن:
منها الجماعة، فقد شرع الإسلام الجماعة في الصلاة، وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال:
"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".
ففي الاجتماع لأداء الصلاة بصفوف متراصة متساوية، تعارف بين الناس يقرب بين القلوب المتنافرة، ويزيل منها الضغائن والأحقاد، وذلك من أجل عوامل الوحدة التي أمر الله تعالى بها في كتابه العزيز،
فقال:
{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وفي الاجتماع لأداء الصلاة تذكير بالأخوة التي قال الله عنها: {إنما المؤمنون إخوة} فالمؤمنون الذين يجتمعون لعبادة رب واحد لا ينبغي لهم أن ينسوا أنهم إخوة، يجب أن يرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويواسي غنيهم فقيرهم، ويعين قويهم ضعيفهم، ويعود صحيحهم مريضهم،
عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخول المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة".
ولو شئنا أن نذكر ما اشتملت عليه الصلاة من فوائد لاستغرقنا صحائف كثيرة فنقف عند هذا الحد، والله يوفقنا إلى العمل بدينه الحنيف، إنه سميع الدعاء.
[تعريف الصلاة]

معنى الصلاة في اللغة:
الدعاء بخير،
قال تعالى:
{وصلِّ عليهم} أي دع لهم، وأنزل رحمتك عليهم،
ومعناها في اصطلاح الفقهاء:
أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، بشرائط مخصوصة، وهذا التعريف يشمل كل صلاة مفتتحة بتكبيرة الإحرام، ومختتمة بالاسلام، ويخرج عنه سجود التلاوة وهو سجدة واحدة عند سماع آية من القرآن المشتملة على ما يترتب عليه ذلك السجود من غير تكبير، أو سلام، كما سيأتي في مبحثه،
فهذا السجود لا يقال له:
صلاة عند الحنفية والشافعية (1) .
[أنواع الصلاة]
للصلاة أنواع مبينة في المذاهب، فانظرها تحت الخط الذي أمامك (2) .
(1) المالكية، والحنابلة: عرّفوا الصلاة بأنها قربة فعلية، ذات إحرام، وسلام، أو سجود فقط، والمراد بالقربة ما يتقرب بها إلى الله تعالى، والمراد بقولهم: فعليه ما يشمل أفعال الجوارح من ركوع وسجود، وفعل اللسان من قراءة وتسبيح وعمل القلب من خشوع وخضوع، ولم يختلف معهم الحنفية والشافعية في هذا المعنى، إنما الخلاف في تسمية السجود فقط صلاة شرعية، والأمر في ذلك سهل

(2) الحنفية قالوا: الصلاة أربعة أنواع: الأول: الصلاة المفروضة فرض عين، كالصلوات الخمس؛ الثاني: الصلاة المفروضة فرض كفاية، كصلاة الجنازة؛ الثالث: الصلاة الواجبة، وهي صلاة الوتر، وقضاء النوافل التي فسدت بعد الشروع فيها، وصلاة العيدين، الرابع: الصلاة النافلة، سواء كانت مسنونة، أو مندوبة، أما سجود التلاوة فليس بصلاة عندهم، كما عرفت.
المالكية قالوا: تنقسم الصلاة إلى خمسة أقسام، وذلك لأنها إما أن تكون مشتملة على ركوع وسجود، وقراءة وإحرام، وسلام، أو لا، والقسم الأول تحته ثلاثة اقسام: الأول الصلوات الخمس المفروضة، والثاني: النوافل والسنن، والثالث: الرغيبة، وهي صلاة ركعتي الفجر، والقسم الثاني تحته قسمان: أحدهما: ما اشتمل على سجود فقط وهو سجود التلاوة، ثانيهما: ما اشتمل على تكبير وسلام، وليس فيه ركوع وسجود، وهو صلاة الجنازة فالأقسام خمسة.
الشافعية قالوا: تنقسم الصلاة إلى نوعين: أحدهما: الصلاة المشتملة على ركوع وسجود وقراءة، وتحت هذا قسمان: الصلوات الخمس المفروضة، والصلاة النافلة؛ ثانيهما: الصلاة الخالية من الركوع والسجود؛ ولكنها مشتملة على التكبير والقراءة والسلام. وهي صلاة الجنازة، وليس عند الشافعية صلاة واجبة كما يقول الحنفية، ولا صلاة رقيبة، كما يقول المالكية ولا يسمون سجود التلاوة صلاة، كما يسميه الحنابلة والمالكية، فالأقسام عندهم ثلاثة.
الحنابلة قالوا: تنقسم الصلاة إلى أربعة أقسام: الصلاة المشتملة على ركوع وسجود وإحرام وسلام، وتحت هذا قسمان: الصلوات الخمس المفروضة، والصلوات المسنونة؛ والقسم الثالث: الصلاة المشتملة على تكبير وسلام وقراءة، وليس فيها ركوع وسجود وهي صلاة الجنازة؛ القسم الرابع: الصلاة المشتملة على سجود فقط، وهي سجود التلاوة.
فإنه صلاة عند الحنابلة كما يقول المالكية

******************************
[شروط الصلاة]

للصلاة شروط تتوقف عليها صحتها، فلا تصح الا بها، وشروط يتوقف عليها وجوبها. فلا تجب الا بها، وقداختلفت اصطلاحات المذاهب في بيان هذه الشروط وعددها، فلذا ذكرناها لك مفصلة تحت الخط الذي أمامك (1) .


(1) المالكية قالوا: تنقسم شروط الصلاة إلى ثلاثة أقسام: شروط وجوب فقطن وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، فأما القسم الأول، وهو شروط الوجوب فقط فهو أمران، أحدهما: البلوغ، فلا تجب على الصبي، ولكن يؤمر بها لسبع سنين؛ ويضرب عليها لعشر ضرباً خفيفاً ليتعود عليها؛ فإن التكاليف الشرعية، وإن كانت كلها مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، وأن العقلاء لا يجدون حرجاً في القيام بها بعد التكليف، ولكن العادة لها حكمها؛ فقد يعلم الإنسان من فوائد الصلاة المادية والأدبية ما فيه الكفاية في حمله على أدائها، ولكن عدم تعوده على فعلها يقعد به من القيام بأدائها، ثانيهما: عدم الإكراه على تركها، كأن يأمره ظالم بترك الصلاة، وإن لم يتركها سجنه، أو ضربه، أو قتله، أو وضع القيد في يده، أو صفعه على وجهه بملأ من الناس إذا كان هذا ينقص قدره، فمن ترك الصلاة مكرهاً فلا إثم عليه، بل لا تجب عليه ما دام مكرهاً، لأن المكره غير مكلف، كما قال صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" والذي لا يجب على المكره عندهم إنما هو فعلها بهيئتها الظاهرة، وإلا فمتى تمكن من الطهارة وجب عليه فعل ما يقدر عليه، من نية، وإحرام وقراءة، وإيماء فهو كالمريض العاجز يجب عليه فعل ما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عن فعله.
وأما القسم الثاني، وهو شرط الصحة فقط، فهو خمسة: الطهارة من الحدث، والطهارة من الخبث، والإسلام، واستقبال القبلة، وستر العورة.
وأما القسم الثالث وهو شروط الوجوب والصحة معاً، فهو ستة: بلوغ النبي صلى الله عليه وسلم، فمن لم تبلغة الدعوة لا تجب عليه الصلاة ولا تصح منه إذا فرض وصلى، والعقل؛ ودخول وقت الصلاة، وأن لا يفقد الطهورين؛ بحيث لا يجد ماء، ولا شيئاً يتيمم به، وعدم النوم والغفلة، والخلو من دم الحيض والنفاس. ويعلم من هذا أن المالكية زادوا في شروط الصحة: الإسلام، ولم يجعلوه من شروط الوجوب، فالكفار تجب عليهم الصلاة عندهم؛ ولكن لا تصح الا بالإسلام، خلافاً لغيرهم، فإنه عدوه في شروط الوجوب، وعدوا الطهارة شرطين. وهما طهارة الحدث، وطهارة الخبث؛ وزادوا في شروط الوجوب عدم الإكراه على تركها.
الشافعية: قسموا شروط الصلاة إلى قسمين فقط: شروط وجوب، وشروط صحة، أما شروط الوجوب عندهم فهي ستة؛ بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، فالكافر لا تجب عليه الصلاة عند للشافعية، ومع ذلك فهو يعذب عليها عذاباً زائداً على عذاب الكفر، ومن ارتد عن الإسلام فإن الصلاة تجب عليه؛ لأنه مسلم باعتبار حالته الأولى، والعقل والبلوغ، والنقاء من دم الحيض والنفاس: وسلامة الحواس، ولو السمع، أو البصر فقط، وأما شروط الصحة فهي سبعة: أحدها: طهارة البدن من الحدثين: ثانيها: طهارة البدن، والثوب، والمكان من الخبث، ثالثها: ستر العورة، رابعها: استقبال القبلة، خامسها: العلم بدخول الوقت، ولو ظناً، ومراتب العلم ثلاث، أولاً: أن يعلم بنفسه أو بغخبار ثقة عرف دخول الوقت بساعة مضبوطة، أو بسماع مؤذن عارف بدخول الوقت، كؤذني المساجد التي بها ساعات، ونحو ذلك، ثانياً: الاجتهاد، بأن يتحرى دخول الوقت بالوقت بالوسائل الموصلة، ثالثاً: تقليد المتحري؛ ويلزم، أن يراعى هذا الترتيب في حق البصير. أما الأعمى فيجوز له التقليد. سادسها: العلم بالكيفية.
سابعها: ترك المبطل، فزاد الشافعية عن المالكية في شروط صحة الصلاة ثلاثة: العلم بكيفية الصلاة، بحيث لا يعتقد فرضاً من فرائضها سنة إن كان عامياً، وأن يميز بين الفرض والسنة، وإن كان ممن اشتغل بالعلم زمناً يتمكن فيه من معرفة ذلك، وترك المبطل بحيث لا يأتى بمناف لها حتى تتم، والعلم بدخول وقت الصلاة في الصلاة المؤقتة؛ وزادوا في شروط الوجوب: الإسلام، لكنهم قالوا: إن كان الكافر لم يسبق له إسلام؛ فإنها لا تجب عليه، بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا، وإن كان يعذب عليها زائداً على عذاب الكفر، كما تقدم، أما المرتد فإنه يطالب بها في الدنيا؛ كما يعذب عليها في الآخرة؛ على أنهم قالوا: إذا صلى الكافر فإن صلاته تقع باطلة، فالإسلام شرط صحة أيضاً.
الحنفية - قسموا شروط الصلاة إلى قسمين: شروط وجوب، وشروط صحة، كالشافعية. أما شروط الوجوب عندهم، فهي خمسة: بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، والعقل والبلوغ، والنقاء من الحيض والنفاس، وكثير من الحنفية لم يذكر بلوغ الدعوة اكتفاء باشتراط الإسلام، وأما شروط الصحة فهي ستة: طهارة البدن من الحدث والخبث، وطهارة الثوب من الخبث، وطهارة المكان من الخبث، وستر العورة، والنية، واستقبال القبلة، فزادوا في شروط الوجوب: الإسلام كالشافعية الا أنهم قالوا: إن الكافر لا يعذب على تركها عذاباً زائداً على عذاب الكفر مطلقاً، ويظهر أن مسألة تعذيب الكافر عذاباً زائداً على عذاب الكفر مسألة نظرية غير عملية. لأن عذاب الكفر أشد أنواع العذاب، فكل عذاب يتصور فهو دونه، فهو إما داخل فيه، وإما أقل منه، وزادوا النية، فلا تصح الصلاة بغير نية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" ولأنه بالنية تتميز العبادات عن العادات، وتتميز العبادات بعضها عن بعض؛ ووافق الحنابلة على عدّها شرطاً، وجعلها الشافعية ركناً، وكذا المالكية على المشهور، كما يأتي في "أركان الصلاة" وقد عرفت مما قدمناه لك في "مبحث النية" الفرق بين الشرط والركن وأن كلاً منهما لا يصح الشيء الا به فلا تصح الصلاة الا بالنية باتفاق الأئمة الأربعة، أما كون النية شرطاً تتوقف عليه الصلاة، مع كونه خارجاً عن حقيقتها، أو ركناً تتوقف عليه الصلاة، وهو جزء من حقيقتها، فتلك مسألة تختص بطالب العلم الذي يريد أن يعرف دقائق الأمور النظرية.
هذا، ولم يذكر الحنفية دخول الوقت في شروط الوجوب ولا في شروط الصحة، وذلك لأنهم يقولون: إنه شرط لصحة الأداء لا لنفس الصلاة، كما مر في التيمم، وسيأتي في مبحث دخول الوقت.
الحنابلة: لم يقسم الحنابلة شروط الصلاة إلى شروط وجوب، وشروط صحة، كغيرهم، بل عدوا الشروط تسعة، وهي: الإسلام، والعقل، والتمييز، والطهارة من الحدث مع القدرة، وستر العورة، واجتناب النجاسة ببدنه وثوبه وبقعته والنية، واستقبال القبلة، ودخول الوقت، وقالوا: إنها جميعها شروط لصحة الصلاة



ابوالوليد المسلم 08-12-2019 04:05 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 164 الى صــــــــ
171
الحلقة (32)


الإسلام بلا خلاف، قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} . ومعنى الكتاب المكتوب المفروض، ومعنى الموقوت المحدد بأوقات معلومة،
فكأنه قال:
الصلاة مفروضة على المسلمين في أوقات معلومة للرسول الذي أمره الله أن يبين للناس ما نزَّل إليه من ربه، وقد كلف الله تعالى المؤمنين بإقامة الصلاة في كثير من آيات القرآن الكريم.
ولعل بعضهم يقول:
إن الذي ثبت بكتاب الله تعالى إنما هو فرضية الصلاة، أما كونها خمس صلوات بالكيفية المخصوصة فلا دليل عليه في القرآن.
والجواب:
إن القرآن قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر الناس أن يتبعوا ما جاءهم به الرسولن، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا} فكل شيء جاء به الرسول من عند الله فهو ثابت بالكتاب من هذه الجهة،
أما السنة الصحيحة الدالة على أن عدد الصلوات خمس فهي كثيرة بلغت مبلغ التواتر: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟
قالوا:
لا يبقى من درنه شيء،
قال:
فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا"
رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، فهذا الحديث صريح في أن الصلوات خمس،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر" رواه مسلم والترمذي، وغيرهما، وعن جابر رضي الله عنه،
قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" رواه مسلم؛ والغمر - بفتح الغين، وإسكان الميم - الكثير، ومنها غير ذلك.ولهذا فقد أجمع أئمة المسلمين على أن الصلوات المفروضة خمس صلوات، وهي الظهر، والعصر إلى آخر ما تقدم قريبا، ولكنهم اختلفوا في تحديد هذه المواقيت،
فمنهم من يقول مثلاً:
إن الوقت ينقسم إلى ضروري واختياري، وهم المالكية، ومنهم من يقول: إن وقت الظهر ينتهي إذا بلغ ظل كل شيء مثله،
ومنهم من يقول:
لا ينتهي الا إذا بلغ ظل كل شيء مثليه، وهكذا مما ستعرفه قريباً.[مواقيت الصلاة المفروضة]قد عرفت مما قدمناه لك في "شروط الصلاة" أن دخول الوقت شرط من شروط الصلاة. فلا يجب على المكلف الا إذا دخل وقتها على أنك قد عرفت أن الحنفية لم يعدوا دخول الوقت شرطاً من شروط الوجوب، ولا من شروط الصحة،
وذلك لأنهم قالوا:
إن دخول الوقت شرط لأداء الصلاة، بمعنى أن الصلاة لا يصح أداؤها الا إذا دخل الوقت؛ والأمر في ذلك سهل، لأنهم متفقون مع غيرهم على أن الصلاة لا تجب الا إذا دخل وقتها الآتي بيانه، فإذا دخل وقتها خاطبه الشارع بأدائها خطاباً موسعاً. بمعنى أنه إذا فعلها في أول الوقت صحت، وبرئت ذمته منها، وإذا لم يفعلها في أول الوقت لا يأثم إلى أن يبقى من الوقت جزء يسير لا يسع الا الطهارة من وضوء أو غسل إن كان جنباً، ويسع الصلاة بعد الطهارة، فإذا أدرك الصلاة كلها في الوقت فقد أتى بها على الوجه الذي طلبه الشارع منه وبرئت ذمته، كما لو أداها في أول الوقت أو وسطه، أما إذا صلاها كلها بعد خروج الوقت فإن صلاته تكون صحيحة، ولكنه يأثم إثماً عظيماً بتأخير الصلاة عن وقتها، وإذا أدرك بعضها في الوقت، وصلى البعض الآخر بعد خروج الوقت،
فإن بعض الأئمة يقول:
إنه يأثم (1) وبعضهم يقول إنه لا يأثم، على أنهم قد اتفقوا على أن الذي لا يدرك بعض الصلاة يكون قد صلى أداء لا قضاء، فالأداء لا ينافي الإثم عند بعض الأئمة، وقد بينا آراء الأئمة في ذلك تحت الخط الذي أمامك، وإليك بيان أوقات الصلوات الخمس محددة في المذاهب، فأولها الظهر، كما عرفت ويبتدئ وقته عقب زوال الشمس مباشرة.
(1) المالكية قالوا: إذا أدرك ركعة من الصلاة في الوقت الاختياري، ثم خرج الوقت وكملها في الوقت الضروري، فإنه لا يأثم. أما إذا لم يؤد ركعة كاملة في الوقت الاختياري، فإنه يأثم سواء صلاها كلها في الوقت الضروري، أو صلى بعضها في الوقت الضروري، وباقيها خارجة؛ وستعرف قريباً أن المالكية يقسمون الوقت إلى ضروري واختياري.
الحنفية قالوا: إذا أدرك جزءاً من الصلاة، ولو تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت. فإن صلاته تكون أداء، ولكنهم يقولون: إذا لم يدرك كل الصلاة قبل خروج الوقت فإنه يكون آثماً، على أنه في هذه الحالة يكون إثمه صغيرة لا كبيرة؛ وستعلم أن الحنفية لا يقسمون الوقت إلى ضروري واختياري، كما يقول المالكية.
الشافعية قالوا: إذا لم يدرك ركعة كاملة من الوقت كانت صلاته قضاء لا أداء، فإذا أدرك ركعة واحدة، ثم خرج الوقت فإنه يكون آثماً إثماً أقل من إثم من صلاها قضاء، فالشافعية متفقون مع الحنفية في ضرورة أداء الصلاة كلها في الوقت المحدد، وفي أنهم ليس عندهم اختياري وضروري، ومتفقون مع المالكية على أن الصلاة لا تكون أداء الا إذا أدرك ركعة كاملة في الوقت الاختياري.
الحنابلة قالوا: تدرك الصلاة المكتوبة أداء بتكبيرة الإحرام فإذا قام للصلاة في آخر الوقت، ثم كبر تكبيرة الإحرام، وبعد الفراغ منها خرج الوقت، كانت صلاته أداء كما يقول الحنفية، ولا إثم عليه متى أدرك تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت فهم متفقون مع الحنفية على أن من أدرك تكبيرة الإحرام في الوقت فقد أدرك الوقت وكانت صلاته أداء ولنهم لم يقولوا إنه يأثم بعد ذلك لأنه قد صلى أداء لا قضاء، وبذلك تعرف المختلف فيه والمتفق عليه في هذه المسألة على الوجه الواضح الصحيح
****************************

[ما تعرف به أوقات الصلاة]

تعرف أوقات الصلاة بخمس أمور:
أحدها: بالساعات الفلكية المنضبطة المبنية على الحساب الصحيح، وهي الآن كثيرة في المدن والقرى،
وعليها المعول في معرفة الأوقات الشرعية
ثانيها:
زوال الشمس، والظل الذي يحدث بعد الزوال، ويعرف به وقت الظهر ودخول وقت العصر؛
ثالثها:
مغيب الشمس، ويعرف به وقت المغرب؛
رابعها:
مغيب الشفق الأحمر أو الأبيض على رأي، ويعرف به دخول وقت العشاء؛
خامسها:
البياض الذي يظهر في الأفق، ويعرف به وقت الصبح؛ وقد أشار إلى هذه الأوقات الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، والنسائي عن جابر بن عبد الله،
قال:
"جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال قم يا محمد فصل الظهر، حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد فصل العصر ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا غاب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح؛ فقال قم يا محمد فصل الصبح"؛ والى هنا قد بين هذا الحديث أول كل وقت، وله بقية اشتملت على بيان نهاية الوقت، ومعناها أنه جاءه في اليوم التالي وأمره بصلاة الظهر حين بلغ ظل كل شيء مثله، وأمره بصلاة العصر حين بلغ ظل كل شيء مثليه، وأمره بصلاة المغرب في وقتها الأول، وأمره بصلاة العشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، وأمره بصلاة الصبح حين أسفر جداً، ثم قال له ما بين هذين وقت كله، اهـ.فهذا الحديث وأمثاله يبين لنا مواقيت الصلاة بالعلامات الطبيعية التي هي أساس التقيوم الفلكي، والساعات المنضبطة - المزاول - ونحو ذلك، فلنذكر آراء الأئمة في تحديد مواقيت الصلاة تفصيلاً، مع العلم بأن بعضهم (1) يقسم الوقت إلى ضروري واختياري، وبعضهم لا يقسمه إلى ذلك.

(1) المالكية: قسموا الوقت إلى اختياري، وهو ما يوكل الأداء فيه إلى اختيار المكلف، وضروري: وهو ما يكون عقب الوقت الاختياري، وسمي ضرورياً، لأنه مختص بأرباب الضرورات من غفلة وحيض وإغماء وجنون ونحوها؛ فلا يأثم واحد من هؤلاء بأداء الصلاة في الوقت الضروري؛ أما غيرهم فيأثم، بإيقاع الصلاة فيه الا إذا أدرك ركعة من الوقت الاختياري، وستعرف الأوقات الضرورية.
الحنابلة: قسموا وقت العصر إلى قسمين: ضروري، واختياري، فالاختياري ينتهي إذا بلغ ظل كل شيء مثليه، والضروري هو ما بعد ذلك إلى غروب الشمس، ويحرم عندهم إيقاع صلاة العصر في هذا الوقت الضروري. وإن كانت الصلاة أداء ومثل العصر عندهم العشاء كما يأتي
****************************

[وقت الظهر]

يدخل وقت الظهر عقب زوال الشمس مباشرة؛ فمتى انحرفت الشمس عن وسط السماء، فإن وقت الظهر يبتدئ (1) ويستمر إلى أن يبلغ ظل كل شيء مثله، ولمعرفة ذلك تعرز الظل في النقص شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى منه سوى جزء يسير، وعند ذلك يقف الظل قليلاً، فتوضع عند نهايته علامة إن بقي شيء من ظل الخشبة، وإلا فيكون البدء من نفس الخشبة، كما في الأقطار الاستوائية؛ ومتى وقف الظل كان ذلك وقت الاستواء؛ فإذا أخذ في الزيادة علم أن الشمس زالت، أي مالت عن وسط الماء، وهذا هو أول وقت الظهر، فإذا طال ظل الخشبة حتى صار مثلها بعد الظل الذي كان موجوداً عند الزوال خرج وقت الظهر.[وقت العصر]يبتدئ وقت العصر من زيادة ظل الشيء عن مثله بدون أن يحتسب الظل الذي كان موجوداً عند الزوال، كما تقدم، وينتهي إلى غروب الشمس (2) .

(1) المالكية قالوا: هذا وقت الظهر الاختياري، أما وقته الضروري فهو من دخول وقت العصر الاختياري، ويستمر إلى وقت الغروب
(2) المالكية قالوا: للعصر وقتان ضروري، واختياري، أما وقته الضروري، فيبتدئ باصفرار الشمس في الأرض والجدران لا باصفرار عينها، لأنه لا تصفر حتى تغرب، ويستمر إلى الغروب، وأما وقته الاختياري فهو من زيادة الظل عن مثله، ويستمر لاصفرار الشمس، والمشهور أن بين الظهر والعصير اشتراكاً في الوقت بقدر أربع ركعات في الحضر، واثنتين في السفر، وهل اشتراكهما في آخر وقت الظهر فتكون العصر داخلة على الظهر آخر وقته، أو في أول وقت العصر فتكون الظهر داخلة على العصر في أول وقته؟ وفي ذلك قولان مشهوران، فمن صلى العصر في آخر وقت الظهر، وفرغ من صلاته حين بلوغ ظل كل شيء مثله، كانت صلاته صحيحة على الأول، باطلة على الثاني؛ ومن صلى الظهر في أول وقت العصر كان آثماً على الأول، لتأخيرها عن الوقت الاختياري، ولا يأثم على القول الثاني، لأنه أوقعها في الوقت الاختياري المشترك بينهما.
الحنابلة قد عرفت قريباً أنهم قالوا: للعصر وقتان: اختياري، وضروري
*************************

[وقت المغرب]

يبتدئ المغرب من مغيب جميع قرص الشمس، وينتهي بمغيب الشفق الأحمر (1) .
ووقت العشاء يبتدئ من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر الصادق (2) .
[وقت الصبح]
ووقت الصبح من طلوع الفجر الصادق، وهو ضوء الشمس السابق عليها الذي يظهر من جهة المشرق، وينتشر حتى يعم الأفق، ويصعد إلى السماء منتشراً، وأما الفجر الكاذب فلا عبرة به، وهو الضوء الذي لا ينتشر، ويخرج مستطيلاً دقيقاً يطلب السماء، بجانبيه ظلمة، ويشبه ذنب الذئب الأسود، فإن باطن ذنبه أبيض، بجانبيه سواد، ويمتد وقت الفجر إلى طلوع الشمس (3) .

(1) الحنفية قالوا: إن الأفق الغربي يعتريه بعد الغروب أحوال ثلاثة متعاقبة: احمرار، فبياض، فسواد؛ فالشفق عند أبي حنيفة هو البياض، وغيبته ظهور السواد بعده، فمتى ظهر السواد خرج وقت المغرب؛ أما الصاحبان فالشفق عندهما ما ذكر أعلى الصحيفة كالأئمة الثلاثة.
المالكية قالوا: لا امتداد لوقت المغرب الاختياري، بل هو مضيق، ويقدر بزمن يسع فعلها، وتحصيل شروطها من طهارتي حدث وخبث وستر عورة، ويزاد الأذان والإقامة، فيجوز لمن يكون محصلاً للأمور المذكورة تأخير المغرب بقدر تحصيلها ويعتبر في التقدير حالة الاعتدال الغالبة في الناس، فلا يعتبر تطويل موسوس، ولا تخفيف مسرع، أما وقتها الضروري فهو من عقب الاختياري، ويستمر إلى طلوع الفجر؛ والفكلية يقولون: إن الساعات مبنية على الوقت الذي حدده الجمهور، فإذا صلى شخص قبل الوقت الفلكي الذي تبينه الساعة تكون صلاته باطلة، وعلى كل حال فالأحوط تأخير الصلاة إلى هذا الوقت، أو إلى ما بعده
(2) الحنابلة قالوا: إن للعشاء وقتين، كالعصر: وقت اختياري، وهو من مغيب الشفق إلى مضي ثلث الليل الأول، ووقت ضرورة، وهو من أول الثلث الثاني من الليل إلى طلوع الفجر الصادق، فمن أوقع الصلاة فيه كان آثماً، وإن كانت صلاته أداء، أما الصبح، والظهر، والمغرب فليس لها وقت ضرورة، كما تقدم قريباً.
المالكية قالوا: إن وقت العشاء الاختياري يبتدئ من مغيب الشفق الأحمر، وينتهي بانتهاء الثلث الأول من الليل، ووقتها الضروري ما كان عقب ذلك إلى طلوع الفجر فمن صلى العشاء في الوقت الضروري أثم. الا إذا كان من أصحاب الأعذار

(3) المالكية قالوا: إن للصبح وقتين: اختياري، وهو من طلوع الفجر الصادق، ويمتد إلى الإسفار البين - أي الذي تظهر فيه الوجوه بالبصر المتوسط في محل لا سقف فيه ظهوراً بيناً، وتخفى فيه النجوم - وضروري، وهو ما كان عقب ذلك إلى طلوع الشمس، وهذا القول مشهور قوي، وعندهم قول مشهور بأنه ليس للصبح وقت ضرورة والأول أقوى
************************

[مبحث المبادرة بالصلاة في أول وقتها وبيان الأوقات التي لا تجوز فيها الصلاة]
لأداء الصلاة في أوقاتها المذكورة أحكام أخرى من استحباب، أو كراهة أو نحو ذلك مفصلة في المذاهب (1) .


(1) المالكية قالوا: أفضل أوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "أول الوقت رضوان الله". ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها" فيندب تقديم الصلاة أول الوقت المختار بعد تحقيق دخوله مطلقاً، صيفاً، أو شتاءً، سواء كانت الصلاة صبحاً، أو ظهراً، أو غيرهما. وسواء كان المصلي منفرداً أو جماعة، وليس المراد بتقديم الصلاة في أول الوقت المبادرة بها، بحيث لا تؤخر أصلاً؛ وإنما المراد عدم تأخيرها عما يصدق عليه أنه أول الوقت، فلا ينافيه ندب تقديم النوافل القبلية عليها، ويندب تأخير صلاة الظهر لجماعة تنتظر غيرها حتى يبلغ ظل الشيء ربعه صيفاً وشتاءً؛ ويزاد على ذلك في شدة الحر إلى نصف الظل.
الحنفية قالوا: يستحق الإبراد بصلاة الظهر، بحيث يؤخر حتى تنكسر حدة الشمس، ويظهر الظل للجدران ليسهل السير فيه إلى المساجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم". أما الشتاء فالتعجيل في أول الوقت أفضل، الا أن يكون بالسماء غيم، فيكون الأفضل التأخير خشية وقوعها قبل وقتها، والعمل في المساجد الآن على التعجيل أول الوقت شتاءً وصيفاً، وينبغي متابعة إمام المسجد في ذلك لئلا تفوته صلاة الجماعة حتى ولو كان ذلك الإمام يترك المستحب.
أما صلاة العصر فيستحب تأخيرها عن أول وقتها، بحيث لا يؤخرها إلى تغيير قرص الشمس، وإلا كان ذلك مكروهاً تحريماً، وهذا إذا لم يكن في السماء غيم، فإن كان، فإنه يستحب تعجيلها لئلا يدخل وقت الكراهة، وهو لا يشعر؛ وأما المغرب فيستحب تعجيلها في أول وقتها مطلقاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي لن يزالوا بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم مضاهاة لليهود" الا أنه يستحب تأخيرها قليلاً في الغيم للتحقق من دخول وقتها: أما صلاة العشاء فإنه يستحب تأخيرها إلى قبل ثلث الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" والأفضل متابعة الجماعة إن كان التأخير يفوتها؛ وأما الفجر فإنه يستحب تأخير صلاته إلى الإسفار، وهو ظهور الضوء، بحيث يبقى على طلوع الشمس وقت يسع إعادتها بطهارة جديدة على الوجه المسنون لو ظهر فسادها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أصفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" فأوقات الكراهة عند الحنفية خمسة: وقت طلوع الشمس؛ وما قبل وقت الطلوع بزمن لا يسع الصلاة، فإذا شرع في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، ثم طلعت قبل الفراغ من صلاته بطلت الصلاة؛ ووقت الاستواء؛ ووقت غروب الشمس؛ وما قبل وقت الغروب بعد صلاة العصر، فإذا صلى العصر كره تحريماً أن يصلي بعده؛ أما قبل صلاة العصر بعد دخول وقته فإنه لا يكره أن يصلي غيره إلى أن تتغير الشمس، بحيث لا تحار فيها العيون.
الشافعية قالوا: إن أوقات الصلاة تنقسم إلى ثمانية أقسام: الأول: وقت الفضيلة، وهو من أول الوقت إلى أن يمضي منه قدر ما يسع الاشتغال بأسبابها وما يطلب فيها ولأجلها ولو كمالاً، وقدر بثلاثة أرباع الساعة الفلكية، وسمي بذلك لأن الصلاة فيه تكون أفضل من الصلاة فيما بعده، وهذا القسم يوجد في جميع أوقات الصلوات الخمس؛ الثاني: وقت الاختيار، وهو من أول الوقت إلى أن يبقى منه قدر ما يسع الصلاة، فالصلاة فيه تكون أفضل مما بعده وأدنى مما قبله، وسمي اختيارياً، لرجحانه على ما بعده، وينتهي هذا الوقت في الظهر، متى بقي منه ما لا يسع الا الصلاة، وفي العصر بصيرورة ظل كل شيء مثليه، وفي المغرب بانتهاء وقت الفضيلة، وفي العشاء بانتهاء الثلث الأول من الليل.
وفي الصبح بالإسفار: الثالث، وقت الجواز بلا كراهة، وهو مساو لوقت الاختيار، فحكمه كحكمه، الا أنه في العصر يستمر إلى الاصفرار، وفي العشاء يستمر إلى الفجر الكاذب، وفي الفجر إلى الاحمرار، الرابع: وقت الحرمة، وهو آخر الوقت بحيث يبقى منه ما لا يسع كل الصلاة، كما تقدم؛ الخامس: وقت الضرورة، وهو آخر الوقت لمن زال عنه مانع كحيض، ونفاس، وجنون، ونحوها، وقد بقي من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام، فإن الصلاة تجب في ذمته، ويطالب بقضائها بعد الوقت، فإذا زال المانع في آخر الوقت بمقدار ما يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة، والتي قبلها إن كانت تجمع معها، كالظهر، والعصر، أو المغرب، والعشاء، بشرط أن يستمر زوال المانع في الوقت الثاني زمناً يسع الطهارة، والصلاة لصاحبة الوقت، والطهارة، والصلاة لما قبلها من الوقتين، فإذا زال الحيض مثلاً في آخر وقت العصر وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر في وقت المغرب إذا كان زمن انقطاع المانع يسع الظهر والعصر وطهارتهما، والمغرب وطهارتها؛ السادس: وقت الإدراك وهو الوقت المحصور بين أول الوقت، وطروّ المانع، كأن تحيض بعد زمن من الوقت يسع صلاتها وطهرها، فإن الصلاة وجبت عليها وهي خالية من المانع، فيجب عليها قضاؤها؛ السابع: وقت العذر، وهو وقت الجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً في السفر مثلاً: الثامن: وقت الجواز بكراهة، وهو لا يكون في الظهر؛ أما في العصر فمبدؤه بعد مضي ثلاثة أرباع ساعة فلكية إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الصلاة كلها.
وأما في العشاء فمبدؤه من الفجر الكاذب إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها؛ وأما في الفجر فمبدؤه من الإحمرار إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها ويستثنى من إستحباب الصلاة في وقت الفضيلة أمور: منها صلاة الظهر في جهة حارة فإنه يندب تأخيرها عن وقت الفضيلة حتى يصير للحيطان ظل يمكن السير فيه لمن يريد صلاتها في جماعة أو في مسجد ولو منفرداً، إذا كان المسجد بعيداً لا يصل إليه في وقت الفضيلة الا بمشقة تذهب الخشوع، أو كماله، ومنها إنتظار الجماعة أو الوضوء لمن لم يجد ماء أول الوقت، فإنه يندب له التأخير، وقد يجب إخراج الصلاة عن وقتها بالمرة لخوف فوت حج، أو إنفجار ميت، أو إنقاذ غريق.
الحنابلة قالوا: إن الأفضل تعجيل صلاة الظهر في أول الوقت، الا في ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون وقت حر، فإنه يسن في هذه الحالة تأخير صلاته حتى ينكسر الحر، سواء صلى في جماعة، أو منفرداً في المسجد، أو في البيت، ثانيها: أن يكون وقت غيم فيسن لمن يريد صلاته حال وجود الغيم في جماعة أن يؤخر صلاته إلى قرب وقت العصر ليخرج للوقتين معاً خروجاً واحداً، ثالثها: أن يكون في الحج، ويريد أن يرمي الجمرات، فيسن له تأخير صلاة الظهر حتى يرمي الجمرات.
هذا إذا لم يكن وقت الجمعة، أما الجمعة فيسن تقديمها في جميع الأحوال. وأما العصر فالأفضل تعجيل صلاته في أول الوقت الاختياري في جميع الأحوال: وأما المغرب فإن الأفضل تعجيلها الا في أمور: منها أن تكون في وقت غيم فإنه يسن في هذه الحالة لمن يريد صلاتها في جماعة. أن يؤخرها إلى قرب العشاء ليخرج لهما خروجاً واحداً: ومنها أن يكون ممن يباح له جمع التأخير، فإنه يؤخرها ليجمع بينها وبين العشاء إن كان الجمع أرفق به؛ ومنها أن يكون في الحج وقصد المزدلفة قبل الغروب. فإن وصل إليها قبل الغروب صلاها في وقتها: وأما العشاء فالأفضل تأخير صلاتها حتى يمضي الثلث الأول من الليل ما لم تؤخر المغرب إليها عند جواز تأخيرها، فإن الأفضل حينئذ تقديمها لتصلي مع المغرب في أول وقت العشاء، ويكره تأخيرها إن شق على بعض المصلين، فإن شق كان الأفضل تقديمها أيضاً؛ وأما الصبح فالأفضل تعجيلها في أول الوقت في جميع الأحوال.
هذا، وقد يجب تأخير الصلاة المكتوبة إلى أن يبقى من الوقت الجائز فعلها فيه قدر ما يسعها، وذلك كما إذا أمره والحده بالتأخير ليصلي به جماعة فإنه يجب عليه أن يؤخرها: أما إذا أمره بالتأخير لغير ذلك، فإنه لا يؤخر، والأفضل أيضاً تأخير الصلوات لتناول طعام يشتاقه، أو لصلاة كسوف أو نحو ذلك إذا أمن فوت الوقت




ابوالوليد المسلم 08-12-2019 04:06 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 171 الى صــــــــ
178
الحلقة (33)


[مبحث ستر العورة في الصلاة]

الشرط الثاني من شروط الصلاة: ستر العورة. فلا تصح الصلاة من مكشوف العورة التي أمر الشارع بسترها في الصلاة، الا إذا كان عاجزاً عن ساتر يستر له عورته (1) ، ويختلف حد العورة بالنسبة للرجل، والمرأة الحرة، والأمة؛ وحد العورة (2) للرجل والأمة، والحرة مفصل في المذاهب.




(1) المالكية: زادوا الذكر على الراجح. فلو كشف عورته ناسياً صحت صلاته
(2) الحنفية قالوا: حد عورة الرجل بالنسبة للصلاة هو من السرة إلى الركبة: والركبة عندهم من العورة؛ بخلاف السرة؛ والأمة كالرجل؛ وتزيد عنه أن بطنها كلها وظهرها عورة؛ أما جنباها فتبع للظهر والبطن؛ وحد عورة المرأة الحرة هو جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة"، ويستثنى من ذلك باطن الكفين، فإنه ليس بعورة، بخلاف ظاهرهما، وكذلك يستثنى ظاهر القدمين، فإنه ليس بعورة، بخلاف باطنهما، فإنه عورة، عكس الكفين.
الشافعية قالوا: حد العورة من الرجل والأمة وما بين السرة والركبة، والسرة والركبة ليستا من العورة، وإنما العورة ما بينهما، ولكن لا بدّ من ستر جزء منهما ليتحقق من ستر الجزء المجاور لهما من العورة، وحد العورة من المرأة الحرة جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها؛ ويستثنى من ذلك الوجه والكفان فقط ظاهرهما وباطنهما.
الحنابلة قالوا: في حد العورة، كما قال الشافعية، الا أنهم استثنوا من الحرة الوجه فقط، وما عداه منها فهو عورة.
المالكية قالوا: إن العورة في الرجل والمرأة بالنسبة للصلاة تنقسم إلى قسمين: مغلظة؛ ومخففة، ولكل منهما حكم، فالمغلظة للرجل السوءتان، وهما القبل والخصيتان، وحلقة الدبر لا غير والمخففة له ما زاد على السوءتين مما بين السرة والركبة، وما حاذى ذلك من الخلف، والمغلظة للحرة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر، وما حاذاه من الظهر، والمخففة لها هي الصدر، وما حاذاة من الظهر والذراعين والعنق والرأس، ومن الركبة إلى آخر القدم، أما الوجه والكفان ظهراً وبطناً فهما ليستا من العورة مطلقاً، والعورة المخففة من الأمة مثل المخففة من الرجل الا الأليتان وما بينهما من المؤخر، فإنهما من المغلظة للأمة، وكذلك الفرج والعانة من المقدم، فهما عورة مغلظة للأمة.
فمن صلى مكشوف العورة المغلظة كلها أو بعضها، ولو قليلاً، مع القدرة على الستر ولو بشراء ساتر أو استعارته، أو قبول إعارته، لا هبته، بطلت صلاته إن كان قادراً ذاكراً، وأعادها وجوباً أبداً، أي سواء أبقي وقتها أم خرج، أما العورة المخففة، فإن كشفها كلاً أو بعضاً لا يبطل الصلاة، وإن كان كشفها حراماً، أو مكروهاً في الصلاة، ويحرم النظر إليها، ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة، أن يعيد الصلاة في الوقت مستوراً على التفصيل، وهو أن تعيد الحرة في الوقت إن صلت مكشوفة الرأس، أو العنق، أو الكتف، أو الذراع، أو النهد، أو الصدر، أو ما حاذاه من الظهر، أو الركبة، أو الساق إلى آخر القدم، ظهراً لا بطناً. وإن كان بطن القدم من العورة المخففة؛ وأما الرجل فإنه يعيد في الوقت إن صلى مكشوف العانة أو الأليتين، أو ما بينهما حول حلقة الدبر، ولا يعيد بكشف فخذيه، ولا بكشف ما فوق عانته إلى السرة، وما حاذى ذلك من خلفه فوق الأليتين
************************************

ولا بد من دوام ستر العورة (1) ،


(1) الحنابلة قالوا: إذا انكشف شيء من العورة من غير قصد، فإن كان يسيراً لا تبطل به الصلاة، وإن طال زمن الانكشاف، وإن كان كثيراً، كما لو كشفها ريح ونحوه، ولو كلها، فإن سترها في الحال بدون عمل كثير لم تبطل؛ وإن طال كشفها عرفاً بطلبت؛ أما إن كشفها بقصد، فإنها تبطل مطلقاً.
الحنفية قالوا: إذا انكشف ربع العضو من العورة المغلظة، وهي القبل والدبر وما حولهما أو المخففة، وهي ما عدا ذلك من الرجل والمرأة في أثناء الصلاة بمقدار أداء ركن، بلا عمل منه، كأن هبت ريح رفعت ثوبه فسدت الصلاة، أما إن انكشف ذلك؛ أو أقل منه بعمله فإنها تفسد في الحال مطلقاً. ولو كان زمن انكشافها أقل من أداء ركن، أما إذا انكشف ربع العضو قبل الدخول في الصلاة فإنه يمنع من انعقادها.
المالكية قالوا: إن انكشاف العورة المغلظة في الصلاة مبطل لها مطلقاً، فلو دخلها مستوراً فسقط الساتر في أثنائها بطلت ويعيد الصلاة أبداً على المشهور.
الشافعية قالوا: متى انكشفت عورته في أثناء الصلاة مع القدرة على سترها بطلت صلاته، الا إن كشفها الريح فسترها حالاً من غير عمل كثير، فإنها لا تبطل، كما لو كشفت سهواً وسترها حالاً. أما لو كشفت بسبب غير الريح، ولو بسبب بهيمة، أو غير مميز، فإنها تبطل
*********************************

ولا يضر التصاقه بالعورة، بحيث يحدد جرمها، ومن فقد ما يستر (1) به عورته، بأن لم يجد شيئاً أصلاً صلى عرياناً، وصحت صلاته (2) ، وإن وجد ساتراً، الا أنه نجس العين، كجلد خنزير، أو متنجس، كثوب أصابته نجاسة غير معفوِّ عنها، فإنه يصلي عرياناً أيضاً، ولا يجوز له لبسه في الصلاة (3) وإن وجد ساتراً يحرم عليه استعماله،



(1) المالكية قالوا: الساتر المحدد للعورة تحديداً محرماً أو مكروهاً بغير بلل أو ريح يوجب إعادة الصلاة في الوقت. أما إذا خرج وقت الصلاة فلا إعادة، وأما الساتر الذي يحدد العورة بسبب هبوب ريح، أو بلل مطر مثلاً؛ فلا كراهة فيه ولا إعادة
(2) الحنفية، والحنابلة قالوا: إن الأفضل أن يصلي في هذه الحالة قاعداً مومياً بالركوع والسجود، ويضم إحدى فخذيه إلى الأخرى، وزاد الحنفية في ذلك أن يمد رجليه إلى القبلة مبالغة في الستر
(3) المالكية قالوا: يصلي في الثوب النجس أو المتنجس، ولا يعيد الصلاة وجوباً، وإنما يعيدها ندباً في الوقت عند وجود ثوب طاهر، ومثل ذلك ما إذا صلى في الثوب الحرير.
الحنابلة قالوا: يصلي في المتنجس، وتجب عليه الإعادة بخلاف نجس العين، فإنه يصلي معه عرياناً ولا يعيد
*********************************

كثوب من حرير، فإنه يلبسه ويصلي فيه للضرورة، ولا يعيد الصلاة، أما إن وجد ما يستر به بعض العورة فقط، فإنه يجب استعماله فيما يستره، ويقدم القبل والدبر، ولا يجب عليه أن يستتر بالظلمة إن لم يجد (1) ساتراً غيرها.
وإذا كان فاقداً لساتر يرجو الحصول عليه قبل خروج الوقت فإنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت (2) ندباً؛ ويشترط ستر العورة من الأعلى والجوانب، لا من الأسفل، عن نفسه (3) ، وعن غيره، فلو كان ثوبه مشقوقاً من أعلاه أو جانبه، بحيث يمكن له أو لغيره أن يراها منها بطلت صلاته، وإن لم تُرَ بالفعل؛ أما إن رئيت من أسفل الثوب، فإنه لا يضر.
[ستر العورة خارج الصلاة]

يجب على المكلف (4) ستر عورته خارج الصلاة عن نفسه وعن غيره ممن لا يحل له النظر إلى عورته الا لضرورة، كالتداوي، فإنه يجوز له كشفها بقدر الضرورة، كما يجوز له كشف العورة للاستنداء والاغتسال، وقضاء الحاجة، ونحو ذلك إذا كان في خلوة، بحيث لا يراه غيره، وحد العورة من المرأة الحرة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة إذا كانت في خلوة، أو في حضرة محارمها (5) ، أو في حضرة نساء مسلمات (6) ، فيحل لها كشف ما عدا ذلك

(1) المالكية قالوا: يجب عليه أن يستتر بها. لأنهم يعتبرون الظلمة كالساتر عند فقده، فإن ترك ذلك بأن صلى في الضوء مع وجودها أثم وصحت صلاته، ويعيدها في الوقت ندباً
(2) الشافعية قالوا: يؤخرها وجوباً
(3) الحنفية، والمالكية قالوا: لا يشترط سترها عن نفسه، فلو رآها من طوق ثوبه لا تبطل صلاته؛ وإن كره له ذلك
(4) المالكية قالوا: إذا كان المكلف بخلوة كره له كشف العورة لغير حاجة، والمراد بالعورة في الخلوة بخصوصها خصوص السوءتين والأليتين والعانة فلا يكره كشف الفخذ من رجل أو امرأة، ولا كشف البطن من المرأة
(5) المالكية قالوا: إن عورتها مع محارمها الرجال هي جميع بدنهاما عدا الوجه والأطراف، وهي: الرأس، والعنق، واليدان والرجلان.
الحنابلة قالوا: إن عورتها مع محارمها الرجال هي جميع بدنها ما عدا الوجه، والرقبة، والرأس، واليدين، والقدم، والساق
(6) الحنابلة: لم يفرقوا بين المرأة المسلمة والكافرة. فلا يحرم أن تكشف المرأة المسلمة أمامها بدنها الا ما بين السرة والركبة، فإنه لا يحل كشفه أمامها
**********************************

من بدنها بحضرة هؤلاء، أو في الخلوة، أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي، أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها، ما عدا الوجه والكفين، فإنهما ليسا بعورة، فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة (1) .أما عورة الرجل خارج الصلاة فهي ما بين سرته وركبته فيحل النظر إلى ما عدا ذلك من بدنه مطلقاً عند أمن الفتنة (2) ؛ ويحرم النظر إلى عورة الرجل والمرأة، متصلة كانت، أو منفصلة، فلو قص شعر امرأة، أو شعر عانة رجل، أو قطع ذراعها،
أو فخذه:
حرم النظر إلى شيء من ذلك بعد انفصاله (3) ،
وصوت المرأة ليس بعورة:
لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يكلمن بتلاوة القرآن، ويحرم النظر إلى الغلام الأمرد إن كان صبيحاً - بحسب طبع النظر - بقصد التلذذ، وتمتع البصر بمحاسنه، أما النظر إليه بغير قصد اللذة فجائز إن أمنت الفتنة، وأما حد العورة من الصغير فمفصلة في المذاهب (4) . وكل ما حرم النظر إليه حرم لمسه بلا حائل، ولو بدون شهوة.

(1) الشافعية قالوا: إن وجه المرأة وكفيها عورة بالنسبة للرجل الأجنبي، أما بالنسبة للكافرة، فإنهما ليستا بعورة، وكذلك ما يظهر من المرأة المسلمة عند الخدمة في بيتها، كالعنق، والذراعين. ومثل الكافرة كل امرأة فاسدة الأخلاق
(2) المالكية، والشافعية قالوا: إن عورة الرجل خارج الصلاة تختلف باختلاف الناظر إليه، فبالنسبة للمحارم والرجال هي ما بين سرته وركبته، وبالنسبة للأجنبية منه هي جميع بدنه، الا أن المالكية استثنوا الوجه والأطراف، وهي الرأس، واليدان، والرجلان، فيجوز للأجنبية النظر إليها عند أمن التلذذ وإلا منع، خلافاً للشافعية، فإنهم قالوا: يحرم النظر إلى ذلك مطلقاً
(3) الحنابلة قالوا: إن العورة المنفصلة لا يحرم النظر إليها لزوال حرمتها بالانفصال.
المالكية قالوا: إن العورة المنفصلة حال الحياة يجوز النظر إليها. أما المنفصلة بعد الموت فهي كالمتصلة في حرمة النظر إليها
(4) الشافعية قالوا: إن عورة الصغير في الصلاة، ذكراً كان، أو أنثى، مراهقاً، أو غير مراهق، كعورة المكلف في الصلاة، أما خارج الصلاة فعولة الصغير المراهق ذكراً كان أو أنثى كعورة البالغ خارجها في الأصح، وعورة الصغير غير المراهق إن كان ذكراً كعورة المحارم إن كان ذلك الصغير يحسن وصف ما يراه من العورة بدون شهوة، فإنه أحسنه بشهوة، فالعورة بالنسبة له كالبالغ، وإن لم يحسن الوصف فعورته كالعدم، الا أنه يحرم النظر إلى قبله ودبره، لغير من يتولى تربيته؛ أما إن كان غير المراهق أنثى فإن كانت مشتهاة عند ذوي الطباع السليمة فعورتها عورة البالغة.
وإلا فلا، لكن يحرم النظر إلى فرجها لغير القائم بتربيتها.
المالكية قالوا: إن عورة الصغير خارج الصلاة تختلف باختلاف الذكورة والأنوثة والسن، فابن ثمان سنينن فأقل لا عورة له فيجوز للمرأة أن تنظر إلى جميع بدنه حياً وأن تغسله ميتاً، وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنة يجوز لها النظر إلى جميع بدنه ولكن لا يجوز لها تغسيله، وأما ابن ثلاث عشرة سنة فما فوق فعورته كعورة الرجل وبنت سنتين وثمانية أشهر لا عورة لها وبنت ثلاث سنين إلى أربع لا عورة لها بالنسبة للنظر. فيجوز أن ينظر إلى جميع بدنها، وعورتها بالنسبة للمس كعورة المرأة، فليس للرجل أن يغسلها، أما المشتهاة كبنت ست فهي كالمرأة فلا يجوز للرجل النظر إلى عورتها ولا تغسيلها؛ وعورة الصغير في الصلاة - إن كان ذكراً - السوءتان والعانة والأليتان فيندب له سترها وإن كانت أنثى فعورتها ما بين السرة والركبة. ولكن يجب على وليها أن يأمرها بسترها في الصلاة كما يأمرها بالصلاة وما زاد على ذلك مما يجب ستره على الحرة فيندب لها فقط.
الحنفية قالوا: لا عورة للصغير ذكراً كان أو أنثى. وحددوا ذلك بأربع سنين.
فما دونها فيباح النظر إلى بدنه ومسه. ثم ما دام لم يشته فعورته القبل والدبر. فإن بلغ حد الشهوة فعورته كعورة البالغ ذكراً أو أنثى. في الصلاة وخارجها.
الحنابلة قالوا: إن الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين لا حكم لعورته.
فيباح مس جميع بدنه والنظر إليه؛ ومن زاد عن ذلك إلى ما قبل تسع سنين فإن كان ذكراً فعورته القبل والدبر في الصلاة وخارجها، وإن كان أنثى فعورتها ما بين السرة والركبة بالنسبة للصلاة؛ وأما خارجها فعورتها بالنسبة للمحارم هي ما بين السرة والركبة، وبالنسبة للأجانب من الرجال جميع بدنها الا الوجه والرقبة والرأس واليدين إلى المرفقين والساق والقدم
*********************************

[مباحث استقبال القبلة]

لعلك على ذكر من شرائط الصلاة التي ذكرناها في "أول كتاب الصلاة" ومن بينها دخول الوقت، وستر العورة، واستقبال القبلة؛ وقد بينا الأحكام المتعلقة بدخول الوقت. وستر العورة، ونريد أن نبين هنا الأحكام المتعلقة باستقبال القبلة؛ ويتعلق بها مباحث؛
أحدها:
تعريف القبلة؛
ثانيها:
دليل اشتراطها؛
ثالثها:
بيان ما تعرف به القبلة؛
رابعها:
بيان الأحوال التي تصح فيها الصلاة مع عدم استقبال القبلة؛
خامسها:
حكم الصلاة في جوف الكعبة، وإليك بيانها على هذا الترتيب:
[تعريف القبلة]
القبلة هي جهة الكعبة، أو عين الكعبة، فمن كان مقيماً بمكة أو قريباً منها فإن صلاته لا تصح الا إذا استقبل عين الكعبة يقيناً ما دام ذلك ممكناً، فإذا لم يمكنه ذلك، فإن عليه أن يجتهد في الاتجاه إلى عين الكعبة، إذ لا يكفيه الاتجاه إلى جهتها ما دام بمكة، على أنه يصح أن يستقبل هواءها المحاذي لها من أعلاها، أو من أسفلها، فإذا كان شخص بمكة على جبل مرتفع عن الكعبة.
أو كان في دار عالية البناء ولم يتيسر له استقبال عين الكعبة، فإنه يكفي أن يكون مستقبلاً لهوائها المتصل بها، ومثل ذلك ما إذا كان في منحدر أسفل منها، فاستقبال هواء الكعبة المتصل بها من أعلى أو أسفل. كاستقبال بنائها عند الأئمة الثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الجدول (1) .
ومن كان بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب عليه أن يتجه إلى نفس محراب المسجد النبوي. وذلك لأن استقبال عين محراب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو استقبال لعين الكعبة، لأنه وضع بالوحي، فكان مسامتاً لعين الكعبة، ولا يلزمه أن يستقبل عين الكعبة، بل يصح أن ينتقل عن عين الكعبة إلى يمينها أو شمالها، ولا يضر الانحراف اليسير عن نفس الجهة أيضاً، لأن الشرط هو
(1) المالكية قالوا: يجب على من كان بمكة أو قريباً منها أن يستقبل القبلة بناء الكعبة، بحيث يكون مسامتاً لها بجميع بدنه، ولا يكفيه استقبال هوائها، على أنهم قالوا: إن من صلى على جبل أبي قبيس فصلاته صحيحة، بناءً على القول المرجوح من أن استقبال الهواء كاف

ابوالوليد المسلم 03-06-2020 11:25 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 178 الى صــــــــ
185
الحلقة (34)


أن يبقى جزء من سطح الوجه مقابلاً لجهة الكعبة، مثلاً إذا استقبل المصلي في مصر الجهة الشرقية بدون انحراف إلى جهة اليمين، فإنه يكون مستقبلاً للقبلة، لأن القبلة في مصر وإن كانت منحرفة إلى جهة اليمين، ولكن ترك هذا الانحراف لا يضر؛ لأنه لا تزول به المقابلة بالكلية؛ فالمدار على استقبال جهة الكعبة أن يكون جزء من سطح الوجه مقابلاً لها، وهذا رأي ثلاثة من الأئمة وخالفها الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .وليس من الكعبة الحجر، ولا الشاذروان، وهما معروفان لمن كان بمكة، وسيأتي بيانهما في كتاب الحج إن شاء الله، فمن كان بمكة واستقبل الحجر، أو الشاذروان، فإن صلاته لا تصح عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
[دليل اشتراط استقبال القبلة]
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة بالكتاب والسنة والإجماع،
فأما الكتاب فقوله تعالى:
{وقد نرى تقلب وجهك في السماء؛ فلنولينك قبلة ترضاها، فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} : وأما السنة فكثيرة. منها ما أخرجه البخاري، ومسلم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر،
قال:
بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت؛
فقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة؛ وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكان وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.وأخرج مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس؛
فنزلت:
{قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلنولنيك قبلة رتضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام} فمر
(1) الشافعية قالوا: يجب على من كان قريباً من الكعبة أو بعيداً عنها أن يستقبل عين الكعبة، أو هواءها المتصل بها، كما بيناه أعلى الصحيفة، ولكن يجب على القريب أن يستقبل عينها أو هواءها يقيناً بأن يراها أو يلمسها أو نحو ذلك مما يفيد اليقين، أما من كان بعيداً عنها فإنه يستقبل عينها ظناً لا جهتها على المعتمد، ثم إن الانحراف اليسير يبطل الصلاة إذا كان بالصدر بالنسبة للقائم والجالس، فلو انحرف القائم أو الجالس في الصلاة بصدره بطلت، أما إذا انحرف بوجهه فلا، والانحراف بالنسبة للمضطجع يبطل الصلاة إذا كان بالصدر أو بالوجه وبالنسبة للمستلقي يبطل إذا انحرف بالوجه أو بباطن القدمين
(2) الحنابلة قالوا: إن الشاذروان وستة أذرع من الحجر وبعض ذراع فوق ذلك من الكعبة، فمن استقبل شيئاً من ذلك صحت صلاته رجل من بني سلمة، وهم ركوع في صلاة الفجر؛
********************************

وقد صلوا ركعة فنادى:
ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هو نحو القبلة إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة.
وقد أجمع المسلمون على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة.
[مبحث ما تعرف به القبلة]
تعرف القبلة بأمور مفصلة في المذاهب:
وقد ذركناها مجتمعة في كل مذهب تحت الخط الذي أمامك (1) ليسهل حفظها ومعرفتها بدون تشتت لا ضرورة إليه. على أننا سنذكر المتفق عليه والمختلف فيه أثناء التفصيل.

(1) الحنفية قالوا: من يجهل القبلة ويريد أن يستدل عليها لا يخلو حاله إما أن يكون في بلدة أو قرية. وإما أن يكون في الصحراء ونحوها من الجهات التي ليس بها سكان من المسلمين ولكل من الحالتين أحكام. فإن كان الشخص في بلد من بلدان المسلمين. وهو يجهل جهة القبلة. فإن له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون في هذه البلدة مساجد بها محاريب قديمة. وضعها الصحابة أو التابعون. كالمسجد الأموي بدمشق الشام. ومسجد عمرو بن العاص بمصر: وفي هذه الحالة يجب عليه أن يصلي إلى جهة هذه المحاريب القديمة. ولا يصح له أن يبحث عن القبلة، مع وجود هذه المحاريب. فلو بحث وصلى إلى جهة غيرها فإن صلاته لا تصح خلافاً للشافعية الذين يقولون: إن له أن يستدل على القبلة بالقطب ونحوه مع وجود هذه المحاريب. ووفاقاً للمالكية كما ستعرفه. ومثل المحاريب القديمة التي وضعها الصحابة والتابعون. والمحاريب التي وضعت في اتجاهها وقيست عليها، الحالة الثانية: أن يكون جهة ليست بها محاريب قديمة. وفي هذه الحالة يجب أن يعرف القبلة بالسؤال عنها: وللسؤال عنها ثلاثة شروط: أحدها: أن يجد شخصاً قريباً منه، بحيث لو صاح عليه سمعه، فلا يلزمه أن يبحث عن شخص يسأله، ثانيها: أن يكون المسؤول عالماً بالقبلة: إذ لا فائدة من سؤال غير العالم، ثالثها؛ أن يكون المسؤول ممن تقبل شهادته.
فلا يصح سؤال الكافر والفاسق والصبي، لأن شهادتهم لا تقبل.
وكذلك إخبارهم عن جهة القبلة الا إذا غلب على ظنه صدقهم، ويكتفي بسؤال عدل واحد، فإن وجد من يسأله، فلا يجوز له التحري، الحالثة الثالثة: أن لا يجد محراباً ولا شخصاً يسأله، وفي هذه الحالة عليه أن يعرف القبلة بالتحري، بأن يصلي إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها جهة القبلة، فتصح له صلاته في جميع الحالات.
هذا إذا كان موجوداً في مدينة أو قرية، أما إن كان مسافراً في الصحراء ونحوها من الجهات التي ليس بها سكان من المسلمين، فإنه إذا كان عالماً بالنجوم، ويعرف اتجاه القبلة بها أو بالشمس أو القمر، فذاك، وإن لم يكن عالماً ووجد شخصاً عارفاً بالقبلة، فإنه يجب عليه أن يسأله. وإذا سأله، ولم يجبه، فعليه أن يجتهد في معرفة جهة القبلة بقدر ما يستطيع، ثم يصلي، ولا إعادة عليه، وحتى لو أخبره الذي سأله أولاً فلم يجبه.
المالكية قالوا: إذا كان المصلي في جهة لا يعرف القبلة، فإن كان في هذه الجهة مسجد به محراب قديم، فإنه يجب عليه أن يصلي إلى الجهة التي فيها ذلك المحراب، وتنحصر المحاريب القديمة في أربع، وهي: محراب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومحراب مسجد بني أمية بالشام: ومحراب مسجد عمرو بن العاص بمصر، ومحراب مسجد القيروان، فلو اجتهد وصلى إلى غير هذه المحاريب بطلت صلاته، أما غير هذه المحاريب، فإن كانت موجودة في الأمصار، وموضوعة على قواعد صحيحة أقرها العارفون، فإنه يجوز لمن كان أهلاً للتحري أن يصلي إلى هذه المحاريب، ولا يجب عليه أن يصلي إليها، أما من ليس أهلاً للتحري فإنه يجب عليه أن يقلدها، أما المحاريب الموجودة بمساجد القرى، فإنه لا يجوز لمن يكون أهلاً للتحري أن يصلي إليها، بل يجب عليه أن يتحرى عن وضعها قبل الصلاة، فإنه لم يكن أهلاً للتحري؛ فإنه يجب عليه أن يصلي إليها إن لم يجد مجتهداً يقلده.
والحاصل أن الجهات التي فيها محاريب تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: محاريب المساجد الأربعة التي ذكرناها، وهذه لا يجوز استقبال غيرها، الثاني: المحاريب الموجودة في مساجد الأمصار الموضوعة على قواعد صحيحة، وهذه لا يجب على من كان أهلاً للاجتهاد أن يصلي إليها، بل له أن يتركها ويجتهدن وله أن يصلي إليها، القسم الثالث: المحاريب الموجودة في مساجد القرى، وهذه لا يجوز لمن كان أهلاً للتحري أن يصلي إليها، أما غيره فيجب أن يصلي إليها.
هذا حكم الجهات التي بها محاريب، فإن وجد في جهة ليس بها محاريب وكان يمكنه أن يتحرى جهة القبلة، فإنه يجب عليه أن يتحرى، ولا يسأل أحداً، الا إذا خفيت عليه علامات القبلة، وفي هذه الحالة يلزمه أن يسأل عن القبلة شخصاً مكلفاً عدلاً، عارفاً بأدلة القبلة، ولو كان أنثى أو عبداً.
هذا إذا كان أهلاً للتحري وللاجتها، فإن لم يكن أهلاً لذلك، فإنه يجب عليه أن يسأل شخصاً مكلفاً عدلاً عارفاً بالقبلة، فإن لم يجد من يسأله فإنه يصلي إلى أي جهة يختارها وتصح صلاته.
وبهذا تعلم أن المالكية متفقون مع الحنفية في ضرورة اتباع المحاريب القديمة، الا أن المالكية اقتصروا على أربعة منها، والحنفية قالوا: إن جميع المحاريب التي بناها الصحابة والتابعون مقدمة على ما عداها من أمارات القبلة، ومختلفون في السؤال والتحري، فالحنفية يقولون: إذا لم يجد محاريب، فإن عليه أن يسأل أولاً. فإن لم يجد من يسأله يتحرى، أما
المالكية فإنهم يقولون: من كان أهلاً للتحري، فإنه يجب عليه أن يتحرى ولا يسأل أحداً، وغلا إذا خفيت عليه علامات التحري.
الشافعية قالوا: مراتب القبلة أربعة:
المرتبة الأولى:
أن يعلم بنفسه، فمن أمكنه أن يعرف القبلة بنفسه فإنه يجب عليه أن يعرفها بنفسه ولا يسأل عنها أحداً. فالأعمى الموجود في المسجد إذا كان يمكنه مس حائط المسجد ليعرف القبلة، فإنه يجب عليه أن يفعل ذلك، ولا يسأل أحداً، المرتبة الثانية: أن يسأل ثقة عالماً بالقبلة، بحيث يعرف أن الكعبة موجودة في هذه الجهة، وقد عرفت أن سؤال الثقة إنما يكون عندالعجز عن معرفتها بنفسه طبعاً وإلا فلا يصح له السؤال، ويقوم مقام الثقة بيت الإبرة - البوصلة - ونحوها من الآلات التي يمكن أن يعرف بها القبلة، كنجم القطب، والشمس، والقمر، والمحاريب الموجودة في بلد كبير من بلاد المسلمين، أو موجودة في بلد صغير، لكن يصلي إليه كثير من الناس.
والحاصل أن المرتبة الثانية من مراتب معرفة القبلة تشتمل على سؤال الثقة، أو بيت الإبرة أو القطب، أو المحاريب، سواء كانت محاريب المساجد القديمة التي وضعها الصحابة والتابعون أو غيرها من المحاريب التي تكثر الصلاة إليها، أما المحاريب التي توجد في المصلى الصغير التي يستعملها بعض الناس في الطرق والمزارع ونحوهما، فإنها لا تعتبر، المرتبة الثانية: الاجتهاد، والاجتهاد لا يصح الا إذا لم يجد ثقة يسأله، أو لم يجد وسيلة من الوسائل التي يعرف بها القبلة، أو لم يجد محراباً في مسجد كبير أو في مسجد صغير مطروق من الناس، فإذا فقد كل ذلك، فإنه يجتهد، وما يؤديه إليه اجتهاده يكون قبلته. ولو اجتهد للظهر مثلاً، ثم نسي الجهة التي اجتهد إليها في العصر، فإنه يجدد الاجتهاد ثانياً، المرتبة الرابعة: تقليد المجتهد، بمعنى أنه إذا لم يستطع أن يعرف القبلة بسؤال الثقة ولا بمحراب ولا بغيره، فإن له أن يقلد شخصاً اجتهد في معرفة القبلة وصلى إلى جهتها. فهو يصلي مثله.
وبهذا تعلم أن الشافعية خالفوا المالكية، والحنفية في المحاريب الموجودة في المساجد التي بناها الصحابة والتابعون، فإن المالكية جعلوا بعضها عمدة لا يجوز أن تستعمل وسيلة أخرى مع وجوده، والحنفية جعلوها كلها عمدة، أما
الشافعية فقد قالوا: إن المحاريب كلها في مرتبة الوسائل الأخرى التي يمكن أن تعرف بها القبلة، كبيت الإبرة والقطب؛ ونحو ذلك واتفقوا مع الحنفية في الترتيب، فقالوا: إنه إذا جهل القبلة، فإنه يجب عليه أن يسأل، فإذا لم يجد من يسأله فإنه يجب عليه أن يجتهد، الا أن الشافعية زادوا عن الحنفية مرتبة أخرى، وهي تقليد المجتهد.
الحنابلة قالوا: إذا جهل الشخص جهة القبلة، فإن كان في بلدة بها محاريب بناها المسلمون - علامة تدل على القبلة - فإنه يجب عليه أن يتجه إليها متى علم أنها في مسجد عمله المسلمون، ولا يجوز له مخالفتها على أي حال، بل لا يجوز له الانحراف عنها. وإن وجد محراباً في بلدة خراب، كالجهات التي بها آثار قديمة؛ فإنه لا يجوز له أن يتبعه، الا إذا تحقق أن من آثار مسجد تهدم بناه المسلمون، فإن لم يجد محاريب لزمه السؤال عن القبلة، ولو بقرع الأبواب، والبحث عمن يدله، ولا يعتمد الا على العدل، سواء كان رجلاً أو امرأة أو عبداً، ثم إن المخبر إن كان عالماً بالقبلة يقيناً فإنه يجب العمل بإخباره. ولا يجوز له أن يجتهد، وإن كان يعرفها بطريق الظن، فإن كان عالماً، بأدلتها، فإنه يفترض تقليده، بشرط أن يكون الوقت ضيقاً لا يسع البحث؛ وإلا لزمه التعلم والعمل باجتهاده، فإذا كان في سفر، ولم يجد أحداً، فإن كان عالماً بأدلة القبلة، فإنه يفترض عليه أن يبحث عنها بالأدلة، ويجتهد بذلك في معرفتها، فإذا اجتهد وغلب على ظنه جهة صلى إليها؛ وصحت صلاته، وإذا ترك الجهة التي غلب على ظنه أنها القبلة، وصلى إلى غيرها. فإن صلاته لا تصح، حتى ولو تبين له أنه أصاب القبلة، ولا يخفى أن هذا من المعاني السامية، فإن الاجتهاد له قيمته في نظر المسلمين في كل شأن من الشؤون، فإذا لم يستطع الاجتهاد، كأن كان به رمد، أو لم يستطع أن يعرف جهة القبلة. فإنه يصلي إلى أي جهة يختارها، ولا إعادة عليه.
فتحصل من هذا أن من جهل القبلة فيجب عليه أولاً أن يتبع المحاريب إن كانت موجودة، فإن لم يجدها، فإنه يجب عليه أن يسأل أحداً عارفاً بالقبلة، فإن لم يجد من يسأله، فإنه يجب عليه أن يجتهد إن قدر على الاجتهاد، أو يقلد مجتهداً إن لم يقدر؛ فإن لم يجد فإنه يتحري بقدر إمكانه ويصلي، فإذا خالف مرتبة من هذه المراتب، فإن صلاته تبطل، وعليه إعادتها، وحتى لو أصاب القبلة، لأنه ترك ما هو مفترض عليه في هذه الحالة
****************************

وبعد، فلعلك قد عرفت أن أدلة القبلة عند الأئمة لا تخرج عن أمور: منها المحاريب الموجودة في المساجد على التفصيل الذي بيناه؛ ومنها خبر العدل عند عد موجود المحاريب؛ ومنها التحري والاجتهاد عند عدم وجود العدل،
وقد عرفت أن بعضهم يقول:
إن التحري والاجتهاد مقدم على خبر العدل، إلى آخر ما بيناه مفصلاً في كل مذهب.
وبقي ههنا أمور:
أحدها: ما حكم من تحري، فلم يرجح جهة على أخرى؟:
ثانيها: ما حكم من تحرى، وأراد تحريه إلى جهة، ثم تبين له أنه أخطأ يقيناً أو ظناً، وهو في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها؟
ثالثها:
ما حكم من ترك الاجتهاد، وهو قادر عليه، ثم صلى بدونه؟؛
رابعها:
ما حكم من يقدر على الاجتهاد، وقلد مجتهداً آخر؟، أما الجواب عن الأول فهو أن الذي يجتهد، ولم يستطع أن يرجح جهة على أخرى، فقد قام بما في طاقته، وعلى هذا فإن صلاته تصح بالتوجه إلى أي جهة، ولا إعادة عليه باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وأما الجواب عن الثاني، فهو أنه إذا صلى شخص إلى جهة أداه إليها اجتهاده، ثم ظهر له أنه أخطأ أثناء الصلاة، بأن تيقن أو ظن أن القبلة في جهة أخرى، فإنه يتحول إلى الجهة التي تيقن أو ظن أنها القبلة، وهو في صلاته يبني على ما صلاه قبل، فإذا صلى ركعة من الظهر مثلاً إلى جهة اعتقد أنها القبلة بعد التحري، ثم ظهر له بعد أداء هذه الركعة أن القبلة في جهة أخرى، فإنه يتحول إليها، ويبني على الركعة التي


(1) الشافعية قالوا: إذا اجتهد في معرفة القبلة، فلم يرجح جهة على أخرى، فإنه في هذه الحالة يصلي إلى أي جهة شاء: كما يقول الأئمة الثلاثة، الا أن تجب عليه إعادة تلك الصلاة خلافاً لهم
**************************
صلاها، وهذا هو رأي الحنفية والحنابلة، وخالف فيه الشافعية، والمالكية (1) ، أما إذا أتم صلاته بعد اجتهاده، ثم ظهر له أنه أخطأ يقيناً أو ظناً، فإن صلاته تقع صحيحة، ولا إعادة عليه باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، على أن المالكية لهم في ذلك تفصيل يسير، وقد ذكرنا كل ذلك تحت الخط (2)وأما الجواب عن الثالث، فهو أن من ترك الاجتهاد، وهو قادر عليه، بأن قلد مجتهداً آخر، أو صلى وحده بدون اجتهاد، فإن صلاته لا تصح، وإن تبين له أنه أصاب القبلة، وهذا متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، وأما الجواب عن الرابع، فإنه يمكن معرفته من الأحكام التي ذكرناها في "دلائل

(1) المالكية قالوا: إذا اجتهد شخص في معرفة القبلة، فأداه اجتهاده إلى جهة فصلى إليها ثم ظهر له بعد الشروع في الصلاة أنه مخطئ في اجتهاده، فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة بشرطين: الشرط الأول: أن يكون مبصراً، فإذا كان أعمى، فإنه لا يجب عليه قطع الصلاة، ولكن يجب عليه أن يتحول إلى القبلة، ويبني على ما صلاه أولاً، وإلا بطلت صلاته، كما هو في المذاهب الأخرى، فهم متفقون معهم في الأعمى، ومختلفون في المبصر؛ الشرط الثاني أن يكون الانحراف عن القبلة كثيراً، فإذا كان يسيراً، فإن الصلاة لا تبطل، سواء كان المصلي أعمى، أو بصيراً، ولكن يجب عليهما التحول إلى القبلة، وهما في الصلاة فإن لم يتحولا صحت الصلاة مع الإثم.
الشافعية قالوا: إن تبين له في أثناء الصلاة أنه أخطأ يقيناً بطلب صلاته واستأنفها بلا تفصيل بين أعمى ومبصر أما إذا ظن أنه أخطأ، فلا تبطل صلاته، ولا يقطعها مثلاً إذا دخل في الصلاة بعد اجتهاده، ثم أخبره ثقة يعرف القبلة عن معاينة بأنه غير مستقبل القبلة، فإن صلاته تبطل، ولا ينفعه اجتهاده الأول، سواء كان أعمى أو بصيراً، وبذلك خالفوا المالكية الذين يفرقون بين الأعمى والبيصير وخالفوا الحنفية، والحنابلة في جواز التحول إلى الجهة التي ظهر له أنها القبلة
(2) الشافعية قالوا: إذا اجتهد وصلى إلى جهة اجتهاده حتى أتم صلاته، ثم ظهر له بعد تمام الصلاة أنه أخطأ القبلة يقيناً، فإن صلاته تبطل، وتلزمه إعادتها، الا إذا ظن أنه أخطأ؛ فإنه لا يضر.
المالكية قالوا: إذا صلى إلى القبلة بعد اجتهاد، ثم ظهر له بعد تمام الصلاة أنه أخطأ، وصلى إلى غير القبلة، فإن صلاته تكون صحيحة، سواء تبين له أنه أخطأ يقيناً أو ظناً، الا أنه إن اتضح له أنه صلى إلى غير القبلة، فإنه يندب له أن يعيد الصلاة بشرط أن يكون بصيراً، وأن يكون وقت الصلاة باق، وهذا هو الحكم الذي خالفوا فيه الحنفية والحنابلة
(3) الحنفية قالوا: إذا كان قادرا على الاجتهاد، وصلى إلى الجهة يعتقد أنها القبلة بدون أن يجتهد، ثم تبين له أنها هي القبلة حقاً فصلاته صحيحة، أما إذا تبين له أنه أخطأ؛ سواء كان ذلك في أثناء الصلاة أو بعدها، فإن صلاته تبطل، وعليه إعادتها، فإذا شك في القبلة، ولم يتحر، وصلى، ثم تبين له أنه صلى إلى جهة القبلة، فإن كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة فإنها تقع صحيحة ولا تلزم إعادتها، وإن كان في أثناء الصلاة بطلت، ووجب عليه استئنافها
***********************************

القبلة" وهو أنه ليس له أن يقلد غيره متى كان قادراً على الاجتهاد، أما إذا عجز عن اجتهاده بالمرة، فإنه يصح له أن يقلد المجتهد إن وجد مجتهداً يعرف القبلة باجتهاده، وإلا صلى إلى أي جهة شاء، ولا إعادة عليه، وهذا هو رأي الحنفية، والحنابلة فانظر رأي المالكية، والشافعية تحت الخط (1) .
[كيف يستدل الشمس، أو بالنجم القطبي على القبلة]
قد يتوهم أن هذا المبحث ليس داخلاً في المسائل الفقهية،
ولكن الواقع أنه داخل فيها من حيث إن معرفة القبلة تتوقف عليه فقال بعضهم:
إن معرفته سنة، لأن وسائل معرفة القبلة كثيرة، وقد لا تخفى على أحد، فليس بلازم أن يعرف الاستدلال بالشمس،
أو النجم على القبلة وبعضهم يقول:
إنه يجب على من يسافرون في البحار، وليس لديهم أمارات تدلهم على القبلة وعلى كل حال فإن الشريعة الإسلامية مرتبطة في الواقع بكل علم من العلوم التي تنفع المجتمع، سواء في العبادات أو المعاملات، أو غيرهما.ولعلك قد عرفت أن الشمس والنجوم من العلامات الدالة على القبلة، فيستدل بالشمس على القبلة في كل جهة بحسبها، لأن مطلعها يعين جهة المشرق، ومغربها يعين جهة المغرب، ومتى عرف المشرق، أو المغرب، عرف الشمال والجنوب وبهاذ يتيسر لأهل كل جهة معرفة قبلتهم، فمن كان في مصر فقبلته جهة المشرق مع انحراف قليل إلى جهة اليمين، لأن الكعبة بالنسبة لمصر واقعة بين المشرق والجنوب؛ وهو للمشرق أقرب.وأما القطب فهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى، ويستدل به على القبلة في كل جهة بحسبها أيضاً، ففي مصر يجعله المصلي خلف أذنه اليسرى قليلاً، وكذا في أسيوط، وفوة، ورشيد، ودمياط والإسكندرية. ومثلها تونس والأندلس، ونحوها، وفي العراق وما وراء النهر يجعله المصلي خلف أذنه اليمنى، وفي المدينة المنورة والقدس، وغزة، وبعلبك، وطرسوس ونحوها يجعله مائلاً إلى نحو الكتف الأيسر؛ وفي الجزيرة وأرمينية. والموصل ونحوها يجعله

(1) المالكية قالوا: إذا كان العجز لتعارض الأدلة عند المجتهد، تخير جهة يصلي إليها، ولا يقلد مجتهداً آخر، الا إن ظهر له إصابته، فعليه اتباعه مطلقاً، كما يتبعه إن جهل أمره وضاق الوقت، وإن كان لخفاء الأدلة عليه بغيم أو حبس أو نحوهما، فهو كالمقلد: عليه مجتهداً آخر أو محراباً، فإن لم يجد من يقلده تخير جهة يصلي إليها وصحت صلاته.
الشافعية قالوا: إنه في هذه الحالة يصلي في آخر الوقت إن كان يظن زوال عجزه، وإلا صلى في أول الوقت، وعليه الإعادة في الحالتين
**************************
المصلي على فقرات ظهره؛ وفي بغداد، والكوفة، وخوارزم، والري، وحلوان ببلاد العجم، ونحوها يجعله المصلي على خده الأيمن؛ وفي البصرة، وأصبهان، وفارس، وكرمان، ونحوها يجعله فوق أذنه اليمنى؛ وفي الطائف، وعرفات، والمزدلفة، ومنى يجعله المصلي على كتفه الأيمن؛ وفي اليمن يجعله المصلي أمامه، مما يلي جانبه الأيسر؛ وفي الشام يجعله المصلي وراءه، مما يلي جانبه الأيسر؛ وفي نجران يجعله المصلي وراء ظهره؛ ومن الأدلة بيت الإبرة المسمى - بالبوصلة - متى كان منضبطاً.وبالجملة فالقبلة تختلف باختلاف البقاع، وتتحقق معرفتها في كل جهة بقواعد الهندسة والحساب، بأن يُعرف بعد مكة عن خط الاستواء وعن طرف المغرب، ثم بعد البلد المفروض كذلك، ثم يقاس بتلك القواعد ليتحقق سمت القبلة.إنما ذكرنا هذا تكملة للبحث؛ فإن تعذر على العامة فهمه فليتركوه، وليرجعوا إلى المحاريب المعروفة لهم؛ أو إلى غيرها من الأمارات الهامة.
[شروط وجوب استقبال القبلة]
يجب على كل مصل أن يستقبل القبلة بشرطين (1) : أحدهما: القدرة،
ثانيهما: الأمن، فمن عجز عن استقبالها لمرض ونحوه، ولم يجد من يوجهه (2) إليها سقط عنه، ويصلي إلى الجهة التي يقدر عليها، وكذا من خاف من عدو آدمي أو غيره على نفسه أو ماله فإن قبلته هي التي يقدر على استقبالها. ولا تجب عليه الإعادة في الحالتين.
[مبحث الصلاة في جوف الكعبة]
عرفت مما تقدم أن الكعبة هي قبلة المسلمين التي لا تصح الصلاة الا إليها، وليس المراد تقديس جهة خاصة، بل المراد إنما هو عباد الله وحده بالكيفية التي يأمر بها،
ولذا قال تعالى:
{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} ، فالمقصود من الاتجاه إلى مكان خاص إنما هو الخضوع لله تعالى بامتثال أمره، ومن شاء أن يعرف الحكمة في ذلك فإن من السهل عليه أن

(1) المالكية: زادوا شرطاً ثالثاً، وهو الذكر لمن وجب عليه استقبال جهة الكعبة. فلو صلى ناسياً إلى غير جهة القبلة صحت صلاته وأعاد الفرض في الوقت ندباً
(2) الحنفية قالوا: يسقط استقبال القبلة عن المريض العاجز عن استقبالها، وإن وجد من يوجهه إليها




ابوالوليد المسلم 03-06-2020 11:26 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 186 الى صــــــــ
194
الحلقة (35)

يدرك أن هذه الجهة هي التي بها الكعبة. وهذا المكان قد أمر الله تعالى الناس بأن يقصدوه، لما يترتب عليهمن المنافع العامة، وتهذيب النفوس بطاعة الله تعالى، وخشيته، وإحياء سكانه الذين لا زرع لهم ولا موارد لديهم، كما قال الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات} الآيات، فضلاً عن كون هذه البقعة مقدسة بظهور سيد الأنبياء والمرسلين الذي جاء للناس بما فيه منافعهم الأدبية والمادية. وقضى على عبادة الأوثان في تلك الجهات فأراد الله سبحانه وتعالى أن يعلن رضاءه عنه بتحويل الناس إلى الكعبة، بعد أن كانوا يصلون إلى بيت المقدس، وعلى كل حال، فالغرض الوحيد من العبادة في الإسلام إنما هو تمجيد الله وحده، وتقديسه من غير مشاركة مخلوق، مهما جل قدره، وعظمت منزلته، كما قال الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله، إن الله واسع عليم} .من هذا يتضح لك أن الله تعالى قد أمر بالتوجه إلى القبلة، فالصلاة في جوفها فرضاً، أو نفلاً، وإن كان فيه اتجاه إلى القبلة يصحح الصلاة، الا أنه ليس اتجاهاً كاملاً، ولذا اختلفت المذاهب في الصلاة فيه، فانظرها تحت الخط الذي أمامك (1) .(1) الحنابلة قالوا: إن صلاة الفرض لا تصح في جوف الكعبة، ولا على ظهرها، الا إذا وقف في منتهاها، ولم يبق وراءه شيء منها، أو وقف خارجها، وسجد فيها، أما صلاة النافلة، والصلاة المنذورة فتصح فيها، وعلى سطحها إن لم يسجد على منتهاها، فإن سجد على منتهاها لم تصح صلاته مطلقاً، لأنه يصير في هذه الحالة غير مستقبل لها.
المالكية قالوا: تصح صلاة الفرض فيجوفها، الا أنها مكروهة كراهة شديدة، ويندب له أن يعيدها في الوقت، أما النفل فإن كان غير مؤكد ندب أن يصليه فيها، وإن كان مؤكداً كره ولا يعاد، وأما الصلاة على ظهرها فباطلة إن كانت فرضاً، وصحيحة إن كانت نفلاً غير مؤكد، وفي النفل المؤكد قولان متساويان.
الشافعية قالوا: إن الصلاة في جوف الكعبة صحيحة. فرضاً كانت، أو نفلاً. الا أنها لا تصح إذا صلى إلى بابها مفتوحاً. أما الصلاة على ظهرها؛ فإنه يشترط لصحتها أن يكون أمامه شاخص منها يبلغ ثلثي ذراع بذراع الآدمي.
الحنفية قالوا: إن الصلاة في جوف الكعبة وعلى سطحها صحيحة مطلقاً، الا أنها تكره على ظهرها. لما فيه من ترك التعظيم
**********************

[مبحث صلاة الفرض في السفينة، وعلى الدابة، ونحوها]

ومن كان راكباً على دابة، ولا يمكنه أن ينزل عنها لخوف على نفسه أو ماله، أو لخوف من ضرر يلحقه (1) بالانقطاع عن القافلة، أو كان بحيث لو نزل عنها لا يمكنه العودة إلى ركوبها ونحو ذلك؛ فإنه يصلي الفرض في هذه الأحوال على الدابة إلى أي جهة يمكنه الاتجاه إليها، وتسقط عنه أركان الصلاة التي لا يستطيع فعلها، ولا إعادة عليه.أما صلاة الفرض على الدابة (2) عند الأمن والقدرة، فإنها لا تصح الا إذا بها كاملة مستوفية لشرائطها وأركانها، كالصلاة على الأرض؛ فإذا أمكنه أن يصلي عليها صلاة كاملة صحت، ولو كانت الدابة سائرة.ومن أراد أن يصلي في سفينة فرضاً أو نفلاً (3) ، فعليه أن يستقبل القبلة متى قدر على ذلك، وليس له أن يصلي إلى غير جهتها، حتى لو دارت السفينة وهو يصلي، وجب عليه أن يدور إلى جهة القبلة حيث دارت، فإن عجز عن استقبالها صلى إلى جهة قدرته، ويسقط عنه السجود أيضاً إذا عجز عنه، ومحل كل ذلك إذا خاف خروج الوقت قبل أن تصل السفينة أو القاطرة إلى المكان الذي يصلي فيه صلاة كاملة، ولا تجب عليه الإعادة، ومثل السفينة القطر البخارية البرية. والطائرات الجوية. ونحوها.

(1) المالكية قالوا: إن خوف مجرد الضرر لا يكفي في صحة صلاة الفرض على ظهر الدابة، بل قالوا: لا تجوز صلاة الفرض على الدابة إيماءً، الا في الالتحام فيحرب كافر، أو عدو كلص، أو خوف من حيوان مفترس، أو مرض لا يقدر معه على النزول، أو سير في خضخاض لا يطيق النزول به، وخاف خروج الوقت المختار، ففي كل ذلك تصح على الدابة إيماءً، ولو لغير القبلة، وإن أمن الخائف أعاد في الوقت ندباً
(2) الشافعية قالوا: لا يجوز له صلاة الفرض على الدابة الا إذا كانت واقفة أو سائرة، وزمامها بيد مميز، وكانت صلاته مستوفية، سواء في حالة الأمن والقدرة وغيرهما. الا أن الخائف في الأحوال المتقدمة يصلي حسب قدرته. وعليه الإعادة.
الحنفية قالوا: لا تصح صلاة الفرض على الدابة لغير عذر. ولو أتى بها كاملة. سواء كانت الدابة سائرة. أو واقفة. الا إذا صلى على محمل فوق دابة وهي واقفة، وللمحمل عيدان مرتكزة على الأرض. أما المعذور فإنه يصلي حسب قدرته. ولكن بالإيماء لأنها فرض. وإذا كان يقدر على إيقاف الدابة فلا تصح صلاته حال سيرها. ومثل الفرض الواجب بأنواعه
(3) الشافعية قالوا: إن الصلاة النافلة في السفينة يجب أن تكون إلى جهة القبلة. فإن لم يكن التحول إليها ترك النافلة بالمرة. وهذا في غير الملاح. أما هو فيجب عليه استقبال القبلة إن قدر، وإلا صلى إلى جهة قدرته على الراجح؛ وأما الفرض فيجب فيه استقبال القبلة مطلقاً
*************************

[مباحث فرائض الصلاة]

يتعلق بفرائض الصلاة أمور:
أحدها: بيان معنى الفرض والركن؛
ثانيها:
عدّ فرائض الصلاة في كل مذهب.
ثالثها:
شرح فرائض الصلاة، وبيان المتفق عليه والمختلف فيه؛
رابعها:
بيان معنى الواجب، والفرق بينه وبين الفرض والركن، وعد واجبات الصلاة.
هذه الأمور ينبغي معرفتها بدون خلط، ليتيسر للقارئ أن يعرف المذهب الذي يريده؛ ومن شار أن يعرف المتفق عليه والمختلف فيه؛ فإنه يمكنه أن يرجع إلى التفصيل الآتي:
[معنى الفرض والركن]
قد ذكرنا معناهما في "مبحث فرائض الوضوء" صحيفة 51، ومجمل القول في ذلك: أن الفرض والركن بمعنى واحد باتفاق، وهو هنا جزء العبادة التي طلبها الشارع، بحيث لا تتحقق الا به، فمعنى فرائض الصلاة أجزاؤها التي لا تتحقق الصلاة الا بها ولا توجد الا بها، بحيث إذا فقد منها جزء لا يقال لها: صلاة، مثلاً إذا قلت: إن تكبيرة الإحرام فرض من فرائض الصلاة، أو ركن، كان معنى هذا أنك إذا لم تأت بتكبيرة الإحرام لا تكون مصلياً، وهذا المعنى يشمل أجزاء الصلاة المفروضة التي يثاب المكلف على فعلها ويعاقب على تركها، كما يشمل أجزاء صلاة التطوع التي لا يؤاخذ المكلف على تركها، فإنها لا يقال لها: صلاة، الا إذا اشتملت على هذه الأجزاء، فهي فرض فيها كغيرها من الصلوات المفروضة بلا فلاق.
فقولهم في تعريف الفرض: هو ما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه، خاص بما طلبه الشارع طلباً جازماً، سواء كان جزءاً من شيء، أو كلاً، مثلاً الصلوات الخمس؛ فإن الإتيان بها في أوقاتها فرض يثاب فاعله، ويعاقب تاركه، وقد جعل الشارع لها أجزاء خاصة لا تتحقق الا بها؛ فكل جزء من هذه الأجزاء التي تتوقف عليه الصلاة يقال له: فرض من فرائض الصلاة، كما يقال له: ركن من أركانها؛ أما الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج؛ وأولها شهادة أن لا إله الا الله، وأن محمداً رسول الله؛ فهذا معنى الركن والفرض بأيضاح.
*************************
[مبحث عد فرائض الصلاة بمعنى أركانها]

قد عرفت أن المراد بالفرائض ههنا الأجزاء التي إذا فقد منها جزء لم توجد الصلاة رأساً، وإليك بيانها في كل مذهب من المذاهب الأربعة تحت الخط (1) .

(1) الحنفية: قسموا الركن إلى قسمين: ركن أصلي، وركن زائد؛ فالركن الأصلي هو الذي يسقط عند العجز عن فعله سقوطاً تاماً، بحيث لا يطالب المكلف بالإتيان بشيء بدله، وذلك معنى قولهم: الركن الأصلي ما يسقط عن المكلف عند العجز عن فعله بلا خلف، أما الركن الزائد فهو ما يسقط في بعض الحالات، ولو مع القدرة على فعله، وذلك كالقراءة، فإنها عندهم ركن من أركان الصلاة، ومع ذلك فإنها تسقط عن المأموم، لأن الشارع نهاه عنها.
فتحصل من ذلك أن ما يتوقف عليه صحة الصلاة، منه ما هو جزء من أجزائها، وهي الأربعة المذكورة، ويزاد عليه القعود الأخير قدر التشهد، فإنه ركن زائد على الراجح، ومنه ما هو داخل فيها، وليس جزءاً منها، كإيقاع القراءة في القيام، ويقال له: شرط لدوام الصلاة، ومنه ما هو خارج عن الصلاة، ويقال له شرط لصحة الصلاة.
فأركان الصلاة المتفق عليها عندهم أربعة، سواء كانت أصلية، أو زائدة؛ فالأصلية هي القيام والركوع والسجود، والركن الزائد عندهم هو القراءة فقط، وهذه الأركان الأربعة هي حقيقة الصلاة، بحيث لو ترك الشخص واحداً منها عند القدرة فإنه لا يكون قد أتى بالصلاة. فلا يقال له: مصل، وهناك أمور تتوقف عليها صحة الصلاة، ولكنها خارجه عن حقيقة الصلاة، وهذه الأمور تنقسم إلى قمسين: الأول: ما كان خارج ماهية الصلاة، وهو الطهارة من الحدث والخبث، وستر العورة، واستقبال القبلة، وجخول الوقت، والنية، والتحريمة؛ وهي شرائط لصحة الشروع في الصلاة كغيرها مما سبق: والثاني: ما كان داخل الصلاة ولكنه ليس من حقيقتها، كإيقاع القراءة في القيام، وكون الركوع بعد القيام، والسجود بعد الركوع. وهذه شرائط لدوام صحة الصلاة، ويقد يعبرون عنها بفرائض الصلاة، ويريدون بالفرض الشرط أما القعود الأخير قدر التشهد فهو فرض بإجماعهم، ولكنهم اختلفوا في هل هو ركن أصلي أو زائد، ورجحوا أنه ركن زائد، لأن ماهية الصلاة تتحقق بدونه، إذ لو حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود، وإن لم يجلس، فتتحقق ماهية الصلاة بدون القعود؛ وأما الخروج من الصلاة بعمل ما ينافيها من سلام أو كلام أو نحو ذلك من مبطلات الصلاة فقد عده بعضهم من الفرائض، والصحيح أنه ليس بفرض، بل هو واجب.
المالكية قالوا: فرائض الصلاة خمسة عشر فرضاً، وهي: النية، وتكبيرة الإحرام والقيام لها في الفرض دون النفل، لأنه يصح الإتيان به من قعود ولو كان المصلي قادراً على القيام؛ فتكبيرة الإحرام يصح الإتيان بها من قعود في هذه الحالة، وقوراءة الفاتحة، والقيام لها في صلاة الفرائض أيضاً، والركوع والرفع منه، والسجود والرفع منه، والسلام، والجلوس بقدره، والطمأنينة، والاعتدال في كل من الركوع والسجود والرفع منهما، وترتيب الأداء، ونية اقتداء المأموم.
*******************************

[شرح فرائض الصلاة مرتبة: الفرض الأول: النية]

يتعلق بالنية أمور:
أحدها: معناها؛
ثانيها: حكمها في الصلاة المفروضة؛
ثالثها:
كيفيتها في الصلاة المفروضة؛
رابعها:
حكمها وكيفيتها في الصلاة غير المفروضة؛
خامسها:
بيان وقت النية،
سادسها:
حكم استحضار الصلاة المنوية، وشروط النية؛
سابعها:
نية المأموم الاقتداء بإمامه، ونية الإمام الإمامة.
فأما معنى النية فهي عزم القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله وحده، وإن شئت قلت: النية هي الإرادة الجازمة، بحيث يريد المصلي أن يؤدي الصلاة لله وحده، فلو نطلق بلسانه بدون أن يقصد الصلاة بقلبه، فإنه لا يكون مصلياً؛ ومعنى ذلك أن من صلى لغرض دنيوي، كأن يمدح عند الناس، بحيث لو لم يمدح بترك الصلاة، فإن صلاته لا تصح، وكذا إذا صلى ليظفر بمال أو جاه، أو يحصل على شهوة من الشهوات، فإن صلاته تكون باطلة؛ فعلى الناس

ومن هذا تعلم أن المالكية والحنفية، اتفقوا في أربعة من هذه الفرائض، وهي: القيام للقادر عليه، والركوع، والسجود أما القراءة فإن الحنفية يقولون: إن المفروض هو مجرد القراءة لا قراءة الفاتحة بخوصها، والمالكية يقولون: إن الفرض هو قراءة الفاتحة، فلو ترك الفاتحة عمداً فإنه لا يكون مصلياً، ووافقهم على ذلك الشافعية، والحنابلة، كما هو موضح في مذهبيهما، وسيأتي تفصيل ذلك في "مبحث القراءة".
الشافعية: عدوا فرائض الصلاة ثلاثة عشر فرضاً، خمسة فرائض قولية، وثمانية فرائض فعلية؛ فالخمسة القولية هي: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والتشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليمة الأولى: أما الثمانية الفعلية فهي: النية، والقيام في الفرض القادر عليه، والركوع، والاعتدال منه، والسجود الأول والثاني، والجلوس بينهما. والجلوس الأخير. والترتيب؛ وأما الطمأنينية فهي شرط محقق للركوع والاعتدال والسجود والجلوس، فهي لا بد منها؛ وإن كانت ليست ركناً زائداً على الراجح.
الحنابلة: عدوا فرائض الصلاة أربعة عشر، وهي: القيام في الفرض، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع والرفع منه، والاعتدال، والسجود والرفع منه، والجلوس بين السجدتين والتشهد الأخير، والجلوس له وللتسليمتين، والطمأنينة في كل ركن فعلي، وترتيب الفرائض، والتسليمتان
**************************

أن يفهموا هذا المعنى جيداً، ويدركوا أن من قصد بصلاته غرضاً من الأغراض الدنيوية، فإن صلاته تقع باطلة، ويعاقب عليها المرائين المجرمين، قال تعالى: {وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (1) فمن لم يخلص في إرادة الصلاة، ويقصد أن يصلي لله وحده، فإنه يكون مخالفاً لأمره تعالى؛ فلا تصح صلاته، والنية بهذا المعنى متفق عليها، أما الخواطر النفسية أثناء الصلاة، كأن يصلي وقلبه مشغول بأمر من أمور الدنيا، فإنها لا تفسد الصلاة، ولكن يجب على المصلي الخاشع لربه أن يحارب هذه الوساوس بكل ما يسطيع، ولا يتفكر وهو في الصلاة الا في الخضوع لله عز وجل، فإن عجز عن ذلك، ولم يستطع أن ينزع من نفسه أمور الدنيا، وهو واقف بين يدي ربه، فإنه لا يؤاخذ. ولكن عليه أن يستمر في محاربه هذه الوساوس الفاسدة ليظفر بأجر العاملين المخلصين.
والحاصل أن ها هنا أمرين: أحدهما: إرادة الصلاة والعزم على فعلها لله وحده بدون سبب آخر لا يقره الدين؛
ثانيهما:
حضور القلب، وعدم اشتغاله بتفكر أمر من أمور الدنيا، فأما الأمر الأول فإنه لا بد منه في الصلاة، وأما الأمر الثاني فإنه ليس شرطاً في صحة الصلاة ولكن ينبغي للواقف بين يدي خالقه أن ينزع من نفسه كل شيء لا علاقة له بالصلاة، فإن عجز فإن أجر صلاته لا ينقص، لأنه قد أتى بما في وسعه، ولا يكلفه الله بغير ذلك.
[حكم النية في الصلاة المفروضة]
وأما حكم النية في الصلاة فقد اتفق الأئمة الأربعة على أن الصلاة لا تصح بدون نية، الا أن بعضهم قال: إنها ركن من أركان الصلاة، بحيث لو لم ينو الشخص الصلاة، فلا يقال

(1) الحنفية قالوا: إن النية شرط. ثبتت شرطيتها بالإجماع، لا بقوله تعالى: {وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} لأن المراد بالعبادة في هذه الآية التوحيد، ولا بقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما الأعمال بالنيات" لأن المراد ثواب الأعمال أما صحة الأعمال فمسكوت عنها.
والواقع أن هذه الأدلة تحتمل المعنى الذي قال الحنفية، كما تحتمل المعنى الذي قاله غيرهم، أما الآية فلأن عبادة الله ليست مقصورة على التوحيد، بل المتبادر منها إخلاص النية في عبادة الله مطلقاً: لأن بعض المشركين كانوا يشركون مع الله غيره في العبادة، خصوصاً أهل الكتاب الذين ذكروا مع المشركين في الآية، فإنهم كانوا يشركون في العبادة مع الله بعض أنبيائه، وأما الحديث فلأن ثواب الأعمال إذا حبط فإنه لا يكون لها أية فائدة، ولا معنى لقولهم: إن العمل صحيح مع بطلان ثوابه نعم لهم أن يقولوا: إن فائدته رفع العقاب، ولكن هذا لا دليل عليه في الحديث. بل العكس، ظاهر الحديث يدل على النية شرط في الثواب وفي الصحة، والتخصيص بالثواب تحكم لا دليل عليه.
**************************

له: إنه قد صلى مطلقاً، وبعضهم قال: إنها شرط لصحة الصلاة، فمن لم ينو فإنه يقال له: إنه قد صلى صلاة باطلة، ومثل هذا الخلاف لا يترتب عليه كثير فائدة لمن يريد أن يعرف ما تصح الصلاة به؛ وما لا تصح، بدون تدقيق فقهي، فإن مثل هذا يقال له: إن النية لازمة في الصلاة، فلو تركت بطلت الصلاة، باتفاق المذاهب، لا فرق في ذلك بين كونها شرطاً في صحتها أو جزءاً من أجزائها، أما طلبة العلم الذين يريدون أن يعرفوا اصطلاح كل مذهب، فعليهم أن يعرفوا أن المالكية والشافعية اتفقوا على أن النية ركن من أركان الصلاة، فلو لم ينو الصلاة فإنه لا يقال له: قد صلى أصلاً، والحنفية والحنابلة اتفقوا على أنها شرط؛ بمعنى أنه إن لم يأت بها فإنه يكون قد صلى صلاة باطلة، وبذلك تعلم أن النية بالمعنى المتقدم فرض، أو شرط لا بد منه على كل حال، وإليك بيانها مفصلة:
[كيفية النية في الصلاة المفروضة]

الصلاة إما أن تكون فرض عين، كالصلوات الخمس؛ وإما أن تكون فرض كفاية، كصلاة الجنازة، والصلاة المنذورة، وإما أن تكون سنة مؤكدة، أو غير مؤكدة، على التفصيل المتقدم في صحيفة 64.فأما نية الصلاة المفروضة ففي كيفيتها تفصيل المذاهب (1) .

(1) الحنفية قالوا: يتعلق بهذا المبحث أمور: أحدها: أنه يفترض على كل مكلف أن يعلم أن الله فرض عليه خمس صلوات، فإذا كان جاهلاً بالصلوات المفروضة، فإن صلاته لا تصح، ولو كان يصليها في أوقاتها، الا إذا صلى مع الإمام. ونوى صلاة إمامه. فإن علم أن عليه صلاة مفروضة، ولكن لم يميز الفرض من الواجب والسنة وصلاها كلها بنية الفرض، فإن صلاته تصح؛ ومثل هذا كثير بين العامة، على أن صلاتهم بهذه الكيفية، وإن كانت صحيحة، ولكن يلزمهم أن يتعلموا الفرق بين الفرض وغيره، ولا يستمروا على جهلهم بأمور دينهم الضرورية في هذا الزمن الذي يسهل فيه عليهم أن يحضروا دروس الفقه في المساجد وغيرها؛ ثانيها: كيفية النية، وكيفية النية في الفرض: هي أن يعلم المصلي بقلبه الصلاة التي يصليها من ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء أو صبح. فمتى علم ذلك فإنه يكون قد أتى بالنية التي هي شرط لازم لصحة الصلاة. ثم إن كانت الصلاة في وقتها، فإنه يكفي تعيين الوقت، كما ذكرنا، بدون زيادة بحيث لو نوى صلاة الظهر أو العصر أو غيرهما من الفرائض، فإنه صلاته تصح، فلا يلزمه أن ينوي ظهر اليوم أو ظهر الوقت؛ وبعضهم يقول: بل يلزمه أن ينوي ظهر اليوم أو ظهر الوقت، وذلك لأن وقت الصلاة يقبل صلاة فرض آخر قضاء، فلو نوى صلاة الظهر يحتمل أنه يريد ظهر اليوم، ويحتمل أنه يريد صلاة ظهر آخر كان عليه، والرأيان مصححان، على أن الأحوط أن ينوي ظهر اليوم، أو عصر اليوم.
هذا إذا كانت الصلاة في وقتها؛ أما إذا كانت خارج الوقت فإن كان جاهلاً بخروج الوقف فإنه يكفي أن ينوي صلاة الظهر أو العصر بدون قيد على الأربجح، وإن كان عالماً بخروج الوقت، فقيل يكفي، وقيل: لا وعلى كل حال فالأحوط أن يقيده باليوم، فيقول: ظهر اليوم، أو عصر اليوم، ولو نوى صلاة الفرض بدون أن يعينه، فإنه لا يكفيه ما لم يقيده بالوقت، وذلك بأن ينوي صلاة فرض الوقت، فإذا نوى صلاة فرض الوقت، فإنه يصح بشرط أن تكون الصلاة في الوقت؛ فإذا صلى بعد خروج الوقت، وهو لا يعلم بخروجه ونوى فرض الوقت فإنه لا يصح.
والحاصل أنه لا بد في النية من تعيين الوقت الذي ينوي صلاته، فإن كان يصلي في الوقت، فإن التعيين يكون بنية نفس الفرض من ظهر أو عصر، الخ؛ وبعضهم يرى أن التعيين لا يكفي فيه ذلك، بل لا بد من أن ينوي عصر اليوم أو مغرب اليوم، وهكذا؛ وإن كان يصلي بعد خروج الوقت وهو لا يدري أن الوقت قد خرج، فمثله كمثل الذي يصلي في الوقت، فإنه يكفي أن ينوي الظهر أو العصر بدون زيادة على الأرجح؛ أما إن كان عالماً بخروج الوقت، فكذلك الحال فيه، فبعضهم يقول: إنه يكتفي منه بنية صلاة الظهر أو العصر، الخ، بدون زيادة، وبعضهم يرى أنه لا بد من أن ينوي ظهر اليوم.
هذا، وإذا لم يعين الظهر أو العصر، ولم يقيد باليوم. بل نوى صلاة الفرض فقط. فإنه لا يكفي باتفاق، فإذا نوى فرض الوقت فإن نيته تصح إذا كانت صلاته في الوقت.
ثالثها: النية في صلاة الجنازة، والصلاة الواجبة، وهي شرط في صحتها. كما هي شرط في صحة الصلاة المفروضة، فأما صلاة الجنازة فإنه يكفي أن ينوي فيها صلاة الجنازة، ولكن النية الكاملة فيها هي أن ينوي صلاة الجنازة والدعاء للميت، كما يأتي في "مباحث الجنازة"، وينوي في الجمعة صلاة الجمعة، وكما أن النية شرط في صحة الصلاة المفروضة عن الحنفية، فكذلك هي شرط في صحة صلاة الواجب، كالوتر وركعتي الطواف، فإن النية شرط في صحتهما، بأن ينوي الوتر وركعتي الطواف؛ ومثل ذلك صلاة النفل الذي شرع فيه ثم أفسده، فإذا شرع في صلاة ركعتين تطوعاً ثم فسدت صلاته قبل تمامها، فإنه يجب عليه إعادتهما، وفي هذه الحالة تشترط النية، لأن صلاتهما ثانياً أصبحت واجبة.
وبالجملة فالنية لازمة للصلوات المفروضة عيناً وكفاية وللصلاة الواجبة وللصلاة المنذورة؛ أما صلاة النفل فإنه لا يشترط لها النية، كما يأتي:
المالكية قالوا: لا بد من نية الفرض من تعيينه، بأن يقصد صلاة الظهر أو العصر، وهكذا، فإن لم ينو فرضاً معيناً، فإن صلاته لا تصح، وسيأتي بيان حكم النية في النافلة.
الشافعية قالوا: يشترط للنية في صلاة الفرض ثلاثة شروط: أحدها: نية الفرضية، بمعنى أن يقصد المصلي كون الصلاة التي يصليها فرضاً؛ يانيها: قصد فعل الصلاة، بمعنى أنه يستحضر الصلاة، ولو إجمالاً، ويقصد فعلها، وإنما اشترطوا قصد فعل الصلاة لتتميز عن الأفعال الأخرى،ثالثها: تعيين الصلاة التي يصليها من ظهر أو عصر، رابعها: أن تكون نية الفرضية وقصد فعل الصلاة وتعيين الصلاة التي يصليها مقارناً لأي جزء من أجزاء تكبيرة الإحرام، فإذا فقد شرط من هذه الشروط بطلب النية، وبطلت الصلاة، لأن النية فرض من فرائضها، ولعل بعض الناس يجد صعوبة في هذا، ولكن الواقع هو أن المصلي الذي يقف بين يدي خالقه لا يصخ له أن يقدم على مناجاته وهو ساه عن الفعل الذي يريد أن يعبده به؛ فعليه أولاً أن ينوي الفرض لتتميز عنده الصلاة من أول الأمر، ثانياً: أن يتسحضر الصلاة التي يريد فعلها. ولا يلزمه أن يستحضر صلاة ذات ركوع وسجود وقيام وجلوس وقراءة فإذا كان ذلك فرضاً عليه من أول الأمر فإنه يساعده على الخشوع لربه، أما كون هذا مقارناً لأي جزء من أجزاء تكبيرة الإحرام فعلته ظاهرة، وهي أن يكون استحضار الصلاة مقارناً لأول جزء من أجزائها فيساعد على الخشوع.
هذا وإذا صلى شخص فرضاً من فرائض الصلاة منفرداً. ثم أراد أن يعيده في جماعة. فإنه يلزمه أن يعينه على الوجه المتقدم.
الحنابلة قالوا: لا بد في نية الفرض من التعيين. بأن ينوي صلاة الظهر أو العصر، أو المغرب أو الجمعة، وهكذا. فلا يكفي بأن ينوي مطلق الفرض. ولا يلزم أن يزيد على ذلك شيئاً
******************************





ابوالوليد المسلم 03-06-2020 11:27 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 195 الى صــــــــ
206
الحلقة (36)

[حكم استحضار الصلاة المنوية وشروط النية]

قد عرفت مما تقدم في "مبحث كيفية النية" أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أن استحضار الصلاة من قيام. وقراءة. وركوع. وسجود عند النية ليس بشرط لصحة الصلاة. وخالف في ذلك الشافعية. فقالوا: لا بد من استحضار بعض أجزاء الصلاة عند النية إن لم يستطع استحضار جميع الأركان، وقد تقدم بيان مذهبهم موضحاً؛ أما استمرار النية إلى آخر الصلاة بحيث لو نوى الخروج من الصلاة. وأبطل نية الدخول فيها، فإن الصلاة تبطل، ولو استمر في صلاته. لأن في هذه الحالة يكون قد صلى بدون نية، مثلاً إذا دخل شخص في الصلاة بنية صحيحة ثم ناداه شخص آخر فنوى الخروج من الصلاة تلبية لندائه. فإن صلاته تبطل بذلك. ولو لم يقطع الصلاة بالفعل، لأن من شرائط صحة النية أن لا يأتي المصلي بما ينافيها، وظاهر أن نية الخروج من الصلاة يناقض نية الدخول فيها، وقد تقدمت شروط النية في صحيفة 54 - وهي: الإسلام: والتمييز، والجزم، بأن لا يتردد في النية أو يرفضها، وهذا القدر متفق عليه في المذاهب، الا أنك قد عرفت أن الشافعية زادوا على ذلك في نية الصلاة قصد أفعال الصلاة، ونية كون الصلاة فرضاً؛ وزادوا في نية الوضوء أن تكون مقارنة لغسل أول عضو مفروض، أما
الإسلام فهو شرط من شروط صحة النية في الصلاة باتفاق، وذلك لأن الصلاة لا تصح من غير المسلم، كما تقدم في "شروط الصلاة".

[حكم التلفظ بالنية، ونية الأداء أو القضاء أو نحو ذلك]

يسن أن يتلفظ بلسانه بالنية، كأن يقول بلسانه أصلي فرض الظهر مثلاً، لأن في ذلك تنبيهاً للقلب، فلو نوى بقلبه صلاة الظهر، ولكن سبق لسانه فقال: نويت أصلي العصر فإنه لا يضر، لأنك قد عرفت أن المعتبر في النية إنما هو القلب، النطق باللسان ليس بنية، وإنما هو مساعد على تنبيه القلب، فخطأ اللسان لا يضر ما دامت نية القلب صحيحة، وهذا الحكم متفق عليه عند الشافعية والحنابلة، أما المالكية، والحنفية فانظر مذهبهما تحت الخط (1) ، أما نية الأداء أو القضاء أو عدد الركعات فسنبينه مفصلاً بعد هذا:[نية الأداء والقضاء]لا يلزم المصلي أن ينوي الأداء والقضاء، فإذا صلى الظهر مثلاً في وقتها، فإنه لا يلزم أن ينوي الصلاة أداء، وكذلك إذا صلاها بعد خروج وقتها فإنه لا يلزمه أن ينويها قضاء، فإذا نواه تصح، وإن لم تطابق الواقع. كما إذا نوى صلاة الظهر أداء بعد خروج الوقت، فإن كان عالماً بخروج الوقت وتعمد المخالفة بطلت صلاته؛ لأن في هذا تلاعباً ظاهراً، أما إذا لم يكن عالماً بخروج الوقت، فإن صلاته تكون صحيحة.هذا، وإذا نوى أن يصلي المغرب أربع ركعات أو العشاء خمس ركعات، فإن صلاته تكون باطلة، ولو كان غالطاً؛ وهذا هو رأي الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، فانظر مذهبهما تحت الخط (2) .
(1) المالكية، والحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية ليس مروعاً في الصلاة، الا إذا كان المصلي موسوساً، على أن المالكية قالوا: إن التلفظ بالنية خلاف الأولى لغير الموسوس، ويندب للموسوس.
الحنفية قالوا: إن التلفظ بالنية بدعة، ويستحسن لدفع الوسوسة

(2) الحنفية قالوا: إذا نوى الظهر خمس ركعات أو ثلاثاً مثلاً، فإن قعد على رأس الرابعة ثم خرج من الصلاة أجزأه، وتكون نية الخمس ملغاة.
**************************

[حكم النية في الصلاة غير المفروضة وكيفيتها]
في حكم النية في الصلاة النافلة تفصيل في المذاهب (1) .
[وقت النية في الصلاة]
اتفق ثلاثة من الأئمة، وهم المالكية، والحنفية؛ والحنابلة: على أن يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بزمن يسير، وخالف الشافعية، فقالوا: لا بد من أن تكون النية مقارنة

المالكية قالوا: لا تبطل صلاته الا إذا كان متعمداً، فلو نوى الظهر خمس ركعات غلطاً صحت صلاته

(1) الحنفية قالوا: لا يشترط تعيين صلاة النافلة، سواء كانت سنناً أو لا، بل يكفي أن ينوي مطلق الصلاة، الا أن الأحوط في السنن أن ينوي الصلاة متابعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما أن الأحوط في صلاة التراويح أن ينوي التراويح، أو سنة الوقت، أو قيام الليل وإذا وجد جماعة يصلون ولا يدري أهم في صلاة التراويح أم في صلاة الفرض، وأراد أن يصلي معهم، فلينو صلاة الفرض، فإن تبين أنهم في صلاة الفرض أجزأه، وإن تبين أنهم في التراويح انعقدت صلاته.
الحنابلة قالوا: لا يشترط تعيين السنة الراتبة بأن ينوي سنة عصر، أو ظهر، كما يشترط تعيين سنة التراويح، وأما النفل المطلق فلا يلزم أن ينوي تعيينه، بل يكفي فيه نية مطلق الصلاة.
الشافعية قالوا: صلاة النافلة إما أن يكون لها وقت معين؛ كالسنن الراتبة، وصلاة الضحى، وإما أن لا يكون لها وقت معين، ولكن لها سبب، كصلاة الاستسقاء؛ وإما أن تكون نفلاً مطلقاً، فإن كان لها وقت معين، أو سبب، فإنه يلزم أن يقصدها ويعينها، بأن ينوي سنة الظهر مثلاً، وأنها قبلية أو بعدية؛ كما يلزم أن يكون القصد والتعيين مقارنين لأي جزء من أجزاء التكبير، وهذا هو المراد بالمقارنة والاستحضار العرفيين، وقد تقدم مثله في صلاة الفرض، ولا يلزم فيها نية النفلية، بل يستحب، أما إن كانت نفلاً مطلقاً، فإنه يكفي فيها مطلق قصد الصلاة حال النطق بأي جزء من أجزاء التكبير، ولا يلزم فيها التعيين، ولا نية النفليه، ويلحق بالنفل المطلق في ذلك كل نافلة لها سبب. ولكن يغني عنها غيرها؛ كتحية المسجد، فإنها سنة لها سبب وهو دخول المسجد، ولكن تحصل في ضمن أي صلاة يشرع فيها عقب دخوله المسجد.
المالكية قالوا: الصلاة غير المفروضة إما أن تكون سنة مؤكدة؛ وهي صلاة الوتر والعيدين والكسوف والاستسقاء، وهذه يلزم تعيينها في النية بأن ينوي صلاة الوتر أو العيد، وهكذا؛ وإما أن تكون رغيبة؛ وهي صلاة الفجر لا غير، ويشترط فيها التعيين أيضاً، بأن ينوي صلاة الفجر، وإما أن تكون مندوبة كالرواتب والضحى والتراويح والتهجد، وهذه يكفي فيها نية مطلقة الصلاة، ولا يشترط تعيينها، لأن الوقت كاف في تعيينها
****************************

لتكبيرة الإحرام، بحيث لو فرغ من تكبيرة الإحرام بدون نية بطلت، وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في وقت النية تحت الخط (1) .

(1) الحنفية قالوا: يصح أن تتقدم النية على تكبيرة الإحرام بشرط أن لا يفصل بينهما فاصل أجنبي عن الصلاة، كالأكل والشرب والكلام الذي تبطل به الصلاة؛ أما الفاصل المتعلق بالصلاة، كالمشي لها؛ والوضوء، فإنه لا يضر، فلو نوى صلاة الظهر مثلاً، ثم شرع في الوضوء، وبعد الفراغ منه مشى إلى المسجد، وشرع في الصلاة ولم تحضره النية؛ فإن صلاته تصح، وقد عرفت مما تقدم أن النية هي إرادة الصلاة لله تعالى وحده؛ بدون أن يشرك معه في ذلك أمراً من الأمور الدنيوية مطلقاً، فمتى نوى هذا، وشرع في الصلاة بدون أن يفصل بين نيته وبينه بعمل أجنبي، فإنه يكون قد أتى بالمطلوب منه، فإذا شرع في الصلاة بهذه النية الصحيحة، ثم دخل عليه شخص، فأطال الصلاة لميدح عنده، فإن ذلك لا يبطل الصلاة ولكن ليس له ثواب هذه الإطالة وإنما له ثواب أصل الصلاة، وذلك لأن نيته كانت خالصة الله تعالى وهذا معنى قول بعض الحنفية؛ إن الصلاة لا يدخلها رياء؛ فإنهم يريدون به أن النية الخالصة تكفي في صحة الصلاة؛ ولا يضر الرياء العارض، على أنه شر لا فائدة منه باتفاق.
وهل تصح نية الصلاة قبل وقتها، كأن ينوي الصلاة، ويتوضأ قبل دخول الوقت بزمن يسير، ثم يمشي إلى المسجد بدون أن يتكلم بكلام أجنبي، ويجلس فيه إلى أن يدخل الوقت فيصلي؟ والجواب: أن المنقول عن أبي حنيفة أن النية لا تصح قبل دخول الوقت، وبعضهم يقول: بل تصح لأن النية شرط والشرط يتقدم على المشروط، فتقدم النية طبيعي.
هذا، وقد اتفق علماء الحنفية على أن الأفضل أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام بدون فاصل، فعلى مقلدي الحنفية أن يراعوا ذلك، ولا يفصلوا بين التكبيرة وبين النية، لأنه أفضل، ويرفع الخلف.
الحنابلة قالوا: إن النية يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام بزمن يسير، بشرط أن ينوي بعد دخول الوقت، كما نقل عن أبي حنيفة، فإذا نوى الصلاة قبل دخول وقتها فإن نيته لا تصح، وذلك لأن النية شرط، فلا يضر أن تتقدم على الصلاة، كما يقول الحنفية، ولكن الحنابلة يقولون: إن الكلام الأجنبي لا يقطع النية، فلو نوى الصلاة، ثم تكلم بكلام خارج عن الصلاة، ثم كبر، فإن صلاته تكون صحيحة، وإنما اشترطوا اللنية دخول الوقت، مراعات لخلاف من يقول: إنها ركن.
هذا، والأفضل عندهم أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام، كما يقول الحنفية.
المالكية قالوا: إن النية يصح أن تتقدم على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفاً، كما إذا نوى في محل قريب من المسجد، ثم كبر في المسجد ناسياً للنية، وبعض المالكية يقول: إن النية لا يصح تقديمها على تكبيرة الإحرام مطلقاً، فإن تقدمت بطلت الصلاة، ولكن الظاهر عندهم هو القول الأول؛ على أنهم اتفقوا على أن النية إذا تقدمت بزمن طويل في العرف فإنها تبطل، وإنما ذكرنا هذا الخلاف ليعلم الناظر في هذا أن مقارنة النية لتكبيرة الإحرام عند المالكية له منزلة، فلا يصح إهماله بدون ضرورة: من نسيان، ونحوه.
الشافعية قالوا: إن النية لا بد أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، بحيث لو تقدمت عليها أو تأخرت بزمن ما، فإن الصلاة لا تصح، كما بيناه في مذهبهم في "مبحث كيفية النية"
*******************************

[نية الإمام ونية المأموم]

يشترط في صح صلاة المأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام، بأن ينوي متابعته في أول الصلاة فلو أحرم شخص بالصلاة منفرداً، ثم وجد إماماً فنوى الاقتداء به فإن صلاته لا تصح عند الحنفية، والمالكية؛ أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ؛ أما الإمام فإنه لا يشترط أن ينوي الإمامة الا في أمور مبينة في المذاهب(2) .



(1) الشافعية قالوا: إذا نوى الاقتداء في أثناء الصلاة صحت الا في صلاة الجمعة والصلاة التي جمعت جمع تقديم للمطر، والصلاة المعادة، فإنه لا بد أن ينوي الاقتداء فيهما أول صلاته، وإلا لم تصح.
الحنابلة قالوا: يشترط في صحة المأموم أن ينوي الاقتداء بالإمام أو الصلاة، الا إذا كان المأموم مسبوقاً، فله أنيقتدي بعد سلام إمامه بمسبوق مثله في غير الجمعة؛ ومثل ذلك إذا ما اقتدى مقيم بمسافر يقصر الصلاة فإن للمقيم أن يقتدي بمثله في بقية الصلاة بعد فراغ الإمام
(2) الحنابلة قالوا: يشترط أن ينوي الإمامة في كل صلاة، وتكون نية الإمامة في أول الصلاة الا في الصورتين المتقدمتين في الحكم الذي ذكر قبل هذا مباشرة.
المالكية قالوا: يشترط نية الإمامة في كل صلاة تتوقف صحتها على الجماعة، وهي الجمعة والمغرب، والعشاء المجموعتان ليلة المطر تقديماً، وصلاة الخوف، وصلاة الاستخلاف، فلو ترك الإمام نية الإمامة في الجمعة بطلت عليه وعلى المأمومين، ولو تركها في الصلاتين المجموعتين بطلت الثانية. وأما إذا تركها في صلاة الخوف فإنها تبطل على الطائفة الأولى من المأمومين فقط، لأنها فارقت في غير محل المفارقة، وتصح للإمام وللطائفة الثانية. أما صلاة الاستخلاف فإن نوى الخليفة فيها الإمامة صحت له وللمأمومين الذين سبقوه، وإن تركها صحت له، وبطلت على المأمومين.
الحنفية قالوا: تلزم نية الإمامة في صورة واحدة، وهي ما إذا كان الرجل يصلي إماماً لنساء، فإنه يشترط لصحة اقتدائهن به أن ينوي الإمامة، لما يلزم من الفساد فيمسألة المحاذاة، وسيأتي تفصيلها.
الشافعية قالوا: يجب على الإمام أن ينوي الإمامة في أربع مسائل: إحداها: الجمعة؛ ثانيها: الصلاة التي جمعت للمطر جمع تقديم، كالعصر مع الظهر، والعشاء مع المغرب، فإنه يجب عليه أن ينوي الإمامة في الصلاة الثانية منهما فقط، بخلاف الأولى، لأنها وقعت في وقتها؛ ثالثها: الصلاة المعادة في الوقت جماعة؛ فلا بد للإمام فيها أ، ينوي الإمامة؛ رابعها: الصلاة التي نذر أن يصليها جماعة، فإنه يجب عليه أن ينوي فيها الإمامة للخروج من الإثم، فإن لم ينو الإمامة فيها صحت، ولكنه لا يزال آثماً حتى يعيدها جماعة وينوي الإمامة
**************************

[الفرض الثاني من فرائض الصلاة: تكبيرة الإحرام]
[حكمها - تعريفها]

يتعلق بتكبيرة الإحرام مباحث: أحدها: حكمها، وتعريفها: ثانيها: دليل فرضيتها؛ ثالثها: صفتها؛ رابعها: شروطها فأما حكم تكبيرة الإحرام فهي فرض من فرائض الصلاة باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنها شرط لا فرض، وعلى كل حال فإن الصلاة بدونها لا تصح باتفاق الجميع، لأنك قد عرفت أن الشرط لازم كالفرض، وقد بينا مذهب الحنفية تحت الخط (الحنفية قالوا: إن تكبيرة الإحرام ليست ركناً على الصحيح، وإنما هي شرط من شروط صحة الصلاة، وقد يقال: إن التكبيرة يشترط لها ما يشترط للصلاة من طهارة، وستر عورة، الخ. فلو كانت شرطاً لم يلزم لها ذلك، ألا ترى أن نية الصلاة تصح من غير المتوضئ، ومن مكشوف العورة، عند من يقول: إنها شرط؛ والجواب على ذلك أن تكبيرة الإحرام متصلة بالقيام الذي هو ركن من أركان الصلاة، فلذا اشترط لها ما اشترط للصلاة من طهارة ونحوها؛ وقد عرفت أن هذا فلسفة فقهية لا يترتب عليها فائدة عملية الا لطلبة العلم الذين قد يبنون على هذا أحكاماً دقيقة في الطلاق ونحوه، وإلا فتكبيرة الإحرام أمر لازم لا بد منه باتفاق الجميع، كما كررنا غير مرة) ، وأما تعريف تكبيرة الإحرام فهو الدخول في حرمات الصلاة، بحيث يحرم عليه أن يأتي بعمل ينافي الصلاة، يقال: أحرم الرجل إحراماً إذا دخل في حرمة لا تهتك، فلما دخل الرجل بهذه التكبيرة في الصلاة التي يحرم عليه أن يأتي بغير أعمالها سميت تكبيرة إحرام، ويقالها أيضاً تكبيرة تحرّم، وقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أن تكبيرة الإحرام هي أن يقول المصلي في افتتاح صلاته: الله أكبر، بشرائط خاصة ستعرفها قريباً، وخالف الحنفية، فقالوا: إن تكبيرة الإحرام لا يشترط أن تكون بهذا اللفظ، وسيأتي مذهبهم في "صفة التكبيرة".

[دليل فرضية تكبيرة الإحرام]

أجمع المسلمون على أن افتتاح الصلاة بذكر اسم الله تعالى أمر لازم لا بد منه، فلا تصح صلاة الا به، وقد وردت أحاديث صحيحة تؤيد ذلك الإجماع: منها ما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"، وهذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وأحسن.
وقد استدل بعضهم على فرضية تكبيرة الإحرام بقوله تعالى: {وربك فكبر} ووجه الاستدلال أن لفظ: "فكبر" أمر وكل أمر للوجوب، ولم يجب التكبير الا في الصلاة بإجماع المسلمين فدل ذلك على أن تكبيرة الإحرام فرض.وعلى كل حال فلم يخالف أحد من العلماء المسلمين في أن تكبيرة الإحرام أمر لازم لا تصح الصلاة بدونها، سواء كانت فرضاً أو شرطاً.
[صفة تكبيرة الإحرام]

قد عرفت أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أن تكبيرة الإحرام مركبة من لفظين، وهما: الله أكبر، بخصوصهما، بحيث لو افتتح الصلاة بغير هذه الجملة، فإنه صلاته لا تصح وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .

(1) الحنفية قالوا: لا يشترط افتتاح الصلاة بلفظة: الله أكبر، إنما الافتتاح بهذا اللفظ واجب لا يترتب على تركه بطلان الصلاة في ذاتها، بل يترتب عليه إثم تارك الواجب، وقد عرفت أن الواجب عندهم أقل من الفرض، وأن تاركه يأثم إثماً لا يوجب العذاب بالنار، وإنما يوجب الحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وكفى بذلك زجراً للمؤمنين؛ ومن هذا تعلم أن افتتاح الصلاة بهذه الصفة مطلوب عند الحنفية، كما هو مطلوب عند غيرهم؛ الا أن الحنفية قالوا: لا تبطل الصلاة بتركه، ولكن تركه يوجب إعادة الصلاة. فإن لم يعدها سقط عنه الفرض، وأثم ذلك الإثم الذي لا يوجب العذاب.
أما الصيغة التي تتوقف عليها صحة الصلاة عندهم فهي الصيغة التي تدل على تعظيم الله عز وجل وحده بدون أن تشتمل على دعاء ونحوه؛ فكل صيغة تدل على ذلك يصح افتتاح الصلاة بها، كأن يقول: سبحان الله، أو يقول: الحمد لله، أو لا إله الا الله، أو يقول: الله رحيم، أو الله كريم. ونحو ذلك من الصيغ التي تدل على تعظيم الإله جل وعز خاصة، فلو قال: استغفر الله، أو أعوذ بالله، أولا حول ولا قوة الا بالله، فإن صلاته لا تصح بذلك، لأن هذه الكلمات قد اشتملت على شيء آخر سوى التعظيم الخالص، وهو طلب المغفرة والاستعاذة، ونحو ذلك.
هذا، ولا بد أن يقرن هذه الأوصاف بلفظ الجلالة: فلو قال: كريم، أو رحيم، أو نحو ذلك فإنه لا يصح، ولو ذكر الاسم الدال على الذات دون الصفة، كأن يقول: الله، أو الرحمن، أو الرب، ولم يزد عليه شيئاً، فقال أبو حنيفة: إنه يصح، وقال صاحباه: لا. أما الأدلة التي تقدم ذكرها، فإنها لا تدل الا على ذلك، فقوله تعالى: {وربك فكبر} ليس معناه الإتيان بخصوص التكبير، بل معناه: عظم ربك بكل ما يفيد تعظيمه، وكذلك التكبير الوارد في الحديث؛ وإنما قلنا: إن الإتيان بخصوص التكبير واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الإتيان به ولم يتركه.
***********************

[شروط تكبيرة الإحرام]

ينبغي أن تحفظ شروط تكبيرة احرام في كل مذهب على حدة، لما في ذلك التسهيل على طلاب كل مذهب، فانظرها تحت الخط (1) .

هذا هو رأي الحنفية، وقد عرفت أن الأئمة الثلاثة اتفقوا على أن تكون بلفظ: الله أكبر، كما هو الظاهر من هذه الأدلة، وقد أيده النبي صلى الله عليه وسلم بعمله
(1) الشافعية قالوا: شروط صحة تكبيرة الإحرام خمسة عشر شرطاً، إن اختل واحد منها لم تنعقد الصلاة: أحدها: أن تكون باللغة العربية إن كان قادراً عليها، فإن عجز عنها، ولم يستطع أن يتعلمها فإنه يصح له أن يكبر باللغة التي يقدر عليها؛ ثانيها: أن يأتي بها وهو قائم إن كان في صلاة مفروضة، وكان قادراً على القيام، أما في صلاة النفل فإن الإحرام يصح من قعود، كما تصح الصلاة من قعود، فإن أتى بالإحرام في صلاة الفرض حال الانحناء، فإن كان إلى القيام أقرب، فإنها تصح، وإن كان الركوع أقرب، فإنها لا تصح، وفاقاً للحنفية؛ والحنابلة، وخلافاً للمالكية الذين قالوا: إن الإتيان بها حال الانحناء لا يصح الا في صورة واحدة؛ وهي ما إذا كان مقتدياً بإمام سبقه، ولكن الشافعية لا يلزم عندهم أن يدرك الإمام حال ركوعه، بل لو سبقه الإمام بالركوع ثم كبر المأموم وركع وحده فإنه يصح، وسيأتي إيضاح ذلك، ثالثها: أن يأتي بلفظ الجلالة، ولفظ أكبر، رابعها: أن لا يمد همزة لفظ الجلالة، فلا يقول: الله أكبر، لأن معنى هذا الاستفهام، فكأنه يستفهم عن الله، خامسها: أن لا يمد الباء، من لفظ أكبر، فلا يصح أن يقول: الله أكبار، فلو قال ذلك لم تصح صلاته، سواء فتح همزة أكبار، أو كسرها. لأن أكبار - بفتح الهمزة - جمع كبر، وهو اسم للطبل الكبير. وإكبار - بكسر الهمزة - اسم للحيض، ومن قال ذلك متعمداً، فإنه يكون ساباً لإلهه، فيرتد عن دينه، سادسها؛ أن لا يشدد الباء من أكبر، فلو قال: الله أكبر لم تنعقد صلاته، سابعها: أن لا يزيد واواً ساكنة أو متحركة بين الكلمتين. فلو قال: والله أكبر، أو قال: الله وأكبر.
لم تنعقد صلاته،
ثامنها: أن لا يأتي بواو قبل لفظ الجلالة، فلو قال: والله أكبر لم تنعقد صلاته، تاسعها: أن لا يفصل بين الكلمتين بوقف طويل أو قصير على المعتمد، فلو قال: الله، ثم سكت قليلاً، وقال: أكبر. لم تنعقد صلاته، ومن باب أولى إذا سكت طويلاً، ولا يضر إدخال لام التعريف على لفظ: أكبر، فلو قال: الله الأكبر صحت، وكذا إذا زاد الوصف عن كلمتين فإنه يبطل التكبيرة، فإذا قال: الله العظيم الكريم الرحيم أكبر لم تنعقد صلاته، ولو فصل بين لفظ الجلالة، ولفظ أكبر بضمير، أو نداء فإنه لا يصح، كما إذا قال: الله هو أكبر، أو قال: الله يا رحمن أكبر.
عاشرها: أن يسمع بها نفسه، بحيث لو نطق بها في سره بدون أن يسمعها هو فإنها لا تصح، الا إذا كان أخرس، أو أصم، أو كانت بالمكان جلبة أو ضوضاء، فإنه لا يلزم في هذه الحالة أن يسمع نفسه، على أن الأخرس ونحوه يجب عليه أن يأتي بما يمكنه. بحيث لو كان الخرس عارضاً وأمكنه أن يحرك لسانه أو شفتيه بالتكبير، فإنه يجب عليه أن يفعل، الحادي عشر: دخول الوقت إن كان يصلي فرضاً أو نفلاً مؤقتاً، أو نفلاً له سبب، كما تقدم، الثاني عشر: أن يوقع التكبيرة وهو مستقبل القبلة إن لم يسقط عنه استقبال القبلة، كما تقدم في مبحث "استقبال القبلة" الثالث عشر: أن تتأخر التكبيرة عن تكبيرة الإمام إن كان يصلي مقتدياً بإمام، الرابع عشر: أن يأتي بالتكبير في المكان الذي يصح فيه القراءة، وسيأتي في بيان شروط القراءة.
الحنفية قالوا: شروط تكبيرة الإحرام عشرون، وإليك بيانها:
-1 - دخول وقت الصلاة المكتوبة وإن كانت التحريمة لها، فلو كبر قبل دخول الوقت بطلت تكبيرته.
-2 - أن يعتقد المصلي أن الوقت قد دخل، أو يترجح عنده دخوله، فلو شك في دخوله وكبر للإحرام فإن تكبيرته لا تصح حتى ولو تبين أن الوقت قد دخل.
-3 - أن تكون عورته مستورة، وقد تقدم بيان العورة في الصلاة، فلو كبر عورته مكشوفة ثم سترها، فإن صلاته لا تصح.
-4 - أن يكون المصلي متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر، ومتطهراً من النجاسة فلا تصح منه التكبيرة إذا كان على بدنه أو ثوبه أو مكانه نجاسة غير معفّو عنها، وقد تقدم بيان النجاسة المعفو عنها في مبحث الطهارة، فلو كبر، وهو يظن أن به نجاسة بطلت تكبيرته، ولو تبين له أنه طاهر.
-5 - أن يأتي بالتكبيرة وهو قائم إذا كان يصلي فرضاً أو واجباً أو سنة فجر، أما باقي النوافل فإنه لا يشترط لها القيام، بل يصح الإتيان بها وهو قاعد، فإن أتى بها منحنياً. فإن كان انحناؤه إلى القيام أقرب، فإنه لا يضر، وإن كان إلى الركوع أقرب فإنه يضر، ومحل ذلك ما إذا كان قادراً على القيام، كما هو ظاهر، وإذا أدرك الإمام، وهو راكع، فكبر للإحرام خلفه، فإن أتى بالتكبيرة كلها وهو قائم، فإنه يصح، أما إذا قال: الله، وهو قائم، وقال: أكبر، وهو راكع، فإن صلاته لا تصح، ولو أدرك الإمام من أول الصلاة، فنطق بقول: الله، قبل أن يفرغ منها الإمام فإنها لا تصح.
-6 - نية أصل الصلاة. كأن ينوي صلاة الفرض.
-7 - تعيين الفرض من أنه ظهر أو عصر مثلاً، فإذا كبر من غير تعيين؛ فإن تكبيرته لا تصح.
-8 - تعيين الصلاة الواجبة، كركعتي الطواف، وصلاة العيدين والوتر، والمنذور، وقضاء نفل أفسده، فإن كل هذا واجب يجب تعيينه عند التكبيرة، أما باقي النوافل فإنه لا يجب تعيينها، كما تقدم.
-9 - أن ينطق بالتكبيرة بحيث يسمع بها نفسه، فمن همس بها، أو أجراها على قلبه، فإنها لا تصح، ومثل ذلك جميع أقوال الصلاة من ثناء، وتعوّذ؛ وبسملة؛ وقراءة، وتسبيح، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الطلاق واليمين وغير ذلك فإنها لا تعتبر عند الحنفية، الا إذا نطق بها وسمعها، فلا تصح، ولا يترتب عليها أثر إذا همس بها أو أجراها على قلبه.
-10 - أن يأتي بجملة ذكر، كأن يقول: الله أكبر، أو سبحان الله، أو الحمد لله، فلو أتى بلفظ واحد، فإنه لا يصح، وقد تقدم بيان ذلك مفصلاً في صفة التحريمة قريباً.
-11 - أن يكون الذكر خالصاً لله، فلا تصح تكبيرة الإحرام إذا كان الذكر مشتملاً على حاجة للمصلي؛ كاستغفار، ونحوه كما تقدم تقريباً.
-12 - أن لا يكون الذكر بسملة، فلا يصح افتتاح الصلاة بها على الصحيح.
-13 - أن لا يحذف الهاء من لفظ الجلالة، فإن حذفها بطلت صلاته.
-14 - أن يمد اللام الثانية من لفظ الجلالة فإذا لم يمدها اختلف في صحة تكبيرته، وفي حال ذبيحته؛ فينبغي الإتيان بذلك المد احتياطاً.
-15 - أن لا يمد همزة الله، وهمزة أكبر فلو قال: الله أكبر، بالمد، لم تصح صلاته، لأن المد معناه الاستفهام، ومن يستفهم عن وجود إلهه فلا تصح صلاته. وإن تعمد هذا المعنى يكفر، فالذين يذكرون الله - بمد الهمزة - مخطئون خطئاً فاحشاً، لما فيه من الإيهام، وإن كان غرضهم النداء؛ أما إذا كان غرضهم الاستفهام؛ فإنهم يرتدون عن الإسلام، وعلى كل حال فإن المد في الصلاة مبطلها، وقد عرفت أن الشافعية موافقون على هذا.
-16 - أن لا يمد باء أكبر، فإذا قال: الله أكبار بطلت صلاته، لأنه - بفتح الهمزة - جمع كبر، وهو الطبل - وبكسرها - اسم للحيض، ومن قصد هذا فإنه يكفر، وعلى كل حال فهو مبطل للصلاة.
-17 - أن لا يفصل بين النية وبين التحريمة بفاصل أجنبي عن الصلاة فلو نوى، ثم أتى بعمل خارج عن الصلاة من كلام أو أكل، ولو كان بين أسنانه من قبل (بشرط أن يكون قدر الحمصة) أو شرب أو تكلم، أو تنحنح بلا عذر، ثم كبر فلإحرام بعد ذلك بدون نية جديدة، فإن صلاته لا تصح، أما إذا فصل بين النية وبين التكبيرة بالمشي إلى المسجد بدون كلام، أو فعل، فإنه يصح، كما تقدم في مبحث "النية" قريباً.
-18 - أن لا تتقدم التكبيرة على النية، فلو كبر، ثم نوى الصلاة، فإن تكبيرته لا تصح، ومتى فسدت تكبيرة الإحرام فقد قسدت الصلاة كلها، لما علمت من أنها شرط.
-19 - أن يميز الفرض.
-20 - أن يعتقد الطهارة من الحدث والخبث. ولم يشترط الحنفية أن تكون تكبيرة الإحرام باللغة العربية، فلو نطق بها بلغة أخرى، فإن صلاته تصح، سواء كان قادراً على النطق بالعربية أو عاجزاً، الا أنه كان قادراً يكره له تحريماً أن ينطق بها بغير العربية.
المالكية قالوا: يشترط لتكبيرة الإحرام شروط: أحدها: أن تكون باللغة العربية إذا كان قادراً عليها، أما إن عجز بأن كان أعجمياً، وتعذر عليه النطق بها، فإنها لا تجب عليه، ويدخل الصلاة بالنية، فإن ترجمها باللغة التي يعرفها، فلا تبطل صلاته، على الأظهر. أما إن كان قادراً على العربية فيتعين عليه أن يأتي بلفظ: الله أكبر بخصوصه، ولا يجزئ لفظ آخر بمعناه، ولو كان عربياً، وبذلك خالفوا الشافعية، والحنفية، لأن الشافعية أجازوا الفصل بين لفظ: الله، ولفظ: أكبر، بفاصل؛ كما إذا قال: الله الرحمن أكبر، وأجازوا الإتيان بها بغير العربية لغير القادر على النطق بالعربية، بخلاف المالكية؛ أما الحنفية فقد أجازوا الإتيان بها بغير العربية لغير القادر على العربية بلا كراهة، أما القادر على النطق بالعربية فقالوا إن: صلاته تصح إذا نطق بها بغير العربية مع كراهة التحريم.
ثانيها: أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم متى كان قادراً على القيام في الفرض، فإذا أتى بها حال انحنائه فإنها تبطل، لا فرق بين أن يكون الانحناء إلى الركوع أقرب أو إلى القيام أقرب، الا في حالة واحدة؛ وهي ما إذا أراد شخص أن يقتدي بإمام سبقه بالقراءة وركع، فأراد ذلك الشخص أن يدرك الإمام فكبر منحنياً، وركع قبل أن يرفع الإمام، فإن تكبيرة ذلك الشخص المأموم تكون صحيحة، ولكن لا تحتسب له تلك الركعة، وعليه إعادتها بعد سلام الإمام. أما إذا ابتدأ التكبير وهو قائم قبل أن يرفع الإمام، ثم أتم التكبير وهو راكع، أو حال الانحناء للركوع فإن الركعة تحتسب على أحد قولين راجحين، ويشترط في هذه الحالة أن ينوي بالتكبيرة الإحرام وحده، أو ينوي الإحرام مع الركوع أما إذا نوى الركوع وحده فإن صلاته لا تنعقد.
ولكن لا يصح له أن يقطع صلاته، بل ينبغي أن يستمر فيها مع الإمام احتراماً للإمام، ثم يعبدها بعد ذلك.
ثالثها: أن يقدم لفظ الجلالة على لفظ أكبر، فيقول: الله أكبر، أما إذا قال: أكبر الله فإنه لا يصح، وهذا متفق عليه.
رابعها: أن لا يمد همزة الله قاصداً بذلك الاستفهام، أما إذا لم يقصد الاستفهام بأن قصد النداء أو لم يقصد شيئاً، فإنه لا يضر عندهم.
خامسها: أن لا يمد باء أكبر قاصداً به جمع كبر، وهو الطبل الكبير، ومن يقصد ذلك كان سابّاً لإلهه، أما إذا لم يقصد ذلك فإن مد الباء لا يضر؛ وهذا الأمران قد خالف فيهما المالكية الأئمة الثلاثة؛ لأنهم اتفقوا على أن التكبيرة تبطل بهما، سواء قصد معناه اللغوي أو لا، كما أوضحناه في مذاهبهم.
سادسها: أن يمد لفظ الجلالة مداً طبيعياً، وهذا متفق عليه في المذاهب.
سابعها: أن لا يحذف هاء لفظ الجلالة، بأن يقول: الله أكبر، بدون هاء، وهذا متفق عليه أيضاً. أما إذا مد الهاء من لفظ الجلالة حتى ينشأ عنها واو، فإنه لا يضر عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، فقال الشافعية: إذا كان المصلي عامياً فإنه يغتفر له ذلك، أما غير العامي فإنه لا يغتفر له، ولو فعله تبطل التكبيرة، أما الحنابلة قالوا: إن ذلك يضر، وتبطل به التكبيرة على أي حال.
ثامنها: أن لا يفصل بين لفظ الجلالة، ولفظ أكبر بسكوت، بأن يقول: الله، ثم يسكت، ويقول: أكبر، بشرط أن يكون هذا السكوت طويلاً في العرف، أما إذا كان قصيراً عرفاً، فإنه لا يضر، وقد اتفقت المذاهب على أن الفصل بين لفظ الجلالة ولفظ أكبر ضار، الا إذا كان يسيراً، فأما المالكية فقد وكلوا تقدير اليسير للعرف، وأما الشافعية فقد قالوا: اليسير الذي يغتفر هو ما كان بقدر سكتة التنفس أو سكتة العيّ، وأما الحنفية؛ والحنابلة قالوا: إن السكوت الذي يضر هو السكوت الذي يمكنه أن يتكلم فيه ولو بكلام يسير.
تاسعها: أن لا يفصل بين الله؛ وبين أكبر بكلام؛ قليلاً كان؛ أو كثيراً؛ حتى ولو كان الفصل بحرف، فلو قال، الله أكبر، فإنه لا يصح، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنابلة، والمالكية، أما الحنفية فقد أجازوا الفصل بأل، فلو قال: الله الأكبر: أو قال: الله الكبير، فإنه يصح، كما يصح إذ قال: الله كبير، وأما الشافعية فقد عرفت أنهم أجازوا الفصل بوصف من أوصاف الله تعالى، بشرط أن لا يزيد على كلمتين، فلو قال: الله الرحمن الرحيم أكبر، فإنه يصح، كما تقدم موضحاً في مذهبهم.
عاشرها: أن يحرك لسانه بالتكبيرة، فلو أتى بها في نفسه بدون أن يحرك لسانه، فإنه لا تصح، أما النطق بها بصوت يسمعه، فإنه ليس بشرط عندهم، فإن كان أخرس، فإن التكبيرة تسقط عنه، ويكتفي منه بالنية؛ وقد خالف في ذلك المذاهب الثلاثة، فقد اشترطوا النطق بها بصوت يمسعه فلو حرك بها لسانه فقط، فإن صلاته تكون باطلة، الا إذا كان أخرس، فإنه يعفى عنه، عند الحنابلة، والحنفية؛ أما الشافعية قالوا: يأتي بما يمكنه من تحريك لسانه وشفتيه.
هذا، وكل ما كان شرطاً لصحة الصلاة من استقبال القبلة، وستر العورة، والطهارة، ونحو ذلك مما تقدم، فهو شرط للتكبيرة.
الحنابلة قالوا: يشترط لتكبيرة الإحرام شروط: أحدها: أن تكون مركبة من لفظ الجلالة، ولفظ أكبر: الله أكبر، فلو قال غير ذلك فإن صلاته تبطل؛ فالحنابلة، والمالكية متفقون على أن الإحرام لا يحصل الا بهذا اللفظ المترتب، فلو قال: أكبر الله، أو قال: الله الأكبر، أو الله الكبير، أو الجليل، أو غير ذلك من ألفاظ التعظيم، بطلت تحريمته، وكذا لو قال: الله فقط، أما إذا قال: الله أكبكر، ثم زاد عليه صفة من صفات الله، كأن قال: الله أكبر، وأعظم، أو الله أكبر وأجل، فإن صلاته تصح مع الكراهة، ومثل ذلك ما إذا قال: الله أكبر كبيراً، وقد عرفت أن الشافعية قالوا: إن الفصل بين الله وأكبر بكلمة أو كلمتين من أوصاف الله، نحو الله الرحمن الرحيم أكبر، فإنه لا يضر، وأن الحنفية قالوا: إن الفصل بأل لا يضر، كما إذا قال الله الأكبر، وكذا إذا قال: الله كبير، فإنه لا يضر عند الحنفية.
ثانيها: أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم، متى كان قادراً على القيام، ولا يشترط أن تكون قامته منتصبة حال التكبير، فلو كبر منحنياً، فإن تكبيرته تصح، الا إذا كان إلى الركوع أقرب، فإن أتى بالتكبير كله راكعاً أو قاعداً، أو أتى ببعضه من قيام. وبالبعض الآخر من قعود أو ركوع، فإن صلاته تنعقد نفلاً، فيصليها على أنها نفل إن اتسع الوقت، وإلا وجب أن يقطع الصلاة ويستأنف التكبيرة من قيام، وقد عرفت رأي المذاهب في ذلك قبل هذا.
ثالثها: أن لا يمد همزة الله.
رابعها: أن لا يمد باء أكبر، فيقول: أكبار، وقد عرفت معنى هذا، والخلاف فيه في مذهب المالكية.
خامسها: أن تكون بالعربية، فإن عجز عن تعلمها، كبر باللغة التي يعرفها، كما قال الشافعية ولو ترك التكبير باللغة التي يعرفها لم تصح صلاته، لأنه ترك ما هو مطلوب منه، خلافاً للمالكية فإن عجز عن التكبير بالعربية وغيرها من اللغات فإن تكبيرة الإحرام تسقط عنه؛ كما تسقط عن الأخرس، وإذا أمكنه أن ينطق بلفظ الله، دون أكبر، أو بلفظ أكبر دون الله، فإنه يأتي بما يستطيع؛ ولا يجب على الأخر أن يحرك لسانه، لأن الشارع لم يكلفه بذلك، فتكون محاولته عبثاً، خلافاً للشافعية.
سادسها: أن لا يشبع هاء الله، حتى يتولد منها واو، فإن فعل ذلك بطلت تكبيرته.
سابعها: أن لا يحذف هاء الله. فلا يقول: الله أكبر.
ثامنها: أن لا يأتي بواو بين الكلمتين، بأن يقول: الله وأكبر، فإن فعل ذلك لا تصح تكبيرته.
تاسعها: أن لا يفصل بين الكلمتين بسكوت يسع كلاماً. ولو يسيراً. وكذا يشترط للتكبيرة كل ما يشترط للصلاة: من استقبال، وستر عورة، وطهارة وغير ذلك
***************************


ابوالوليد المسلم 03-06-2020 11:28 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 207 الى صــــــــ
211
الحلقة (37)

[الفرض الثالث من فرائض الصلاة: القيام]

اتفقت المذاهب على أن القيام فرض على المصلي في جميع ركعات الفرض، بشرط أن يكون قادراً على القيام، فإن عجز عن القيام لمرض ونحوه. فإنه يسقط عنه، ويصلي على الحالة التي يقدر عليها، كما سيأتي في مبحث "صلاة المريض".أما صلاة السنن والمندوبات ونحوها، فإن القيام لا يفترض فيها بل تصح من قعود، ولو كان المصلي قادراً على القيام، وهذا الحكم متفق عليه، أن الحنفية لهم تفصيل في بعض الصلاة غير المفروضة فانظره تحت الخط (1) .والقيام فرض ما دام المصلي واقفاً لقراءة مفروضة أو مسنونة أو مندوبة، فكل ما يطلب
---------------------------------------
(1) الحنفية قالوا: كما يفترض القيام في الصلوات الخمس، كذلك يفترض في صلاة الوتر. فلا تصح صلاته الا من قيام. ومثله الصلاة المنذورة، وصلاة ركعتي الفجر على الصحيح، فلا تصح صلاتهما من قعود
**********************

منه فعله حال القيام، فإنما يقع في قيام مفروض، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذاهبهما تحت الخط (1) .
[الفرض الرابع من فرائض الصلاة: قراءة الفاتحة]

يتعلق بقراءة الفاتحة مباحث:
أحدها: هل هي فرض في الصلاة باتفاق جميع المذاهب؟،
ثانيها: هل هي فرض في جميع ركعات الصلاة، سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً؟؛
ثالثها:
هل هي فرض على كل مصل، سواء كان يصلي منفرداً، أو كان يصلي إماماً أو مأموماً؟،
رابعها:
ما حكم العاجز عن قراءة الفاتحة؟،
خامسها:
هل يشترط في قراءة الفاتحة أن يسمع القارئ بها نفسه بحيث لو حرك لسانه ولم يسمع ما ينطق به تصح أو لا؟، وإليك الجواب عن هذه الأسئلة،
أما الأول والثاني: فقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أن قراءة الفاتحة في جميع ركعات الصلاة فرض، بحيث لو تركها المصلي عامداً في ركعة من الركعات بطلت الصلاة، لا فرق في ذلك بين أن ت كون الصلاة مفروضة أو غير مفروضة. أما لو تركها سهواً، فعليه أن يأتي بالركعة التي تركها فيها بالكيفية الآتي بيانها في مباحث "سجود السهو". وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن قراءة الفاتحة في الصلاة ليست فرضاً وإنما هي واجب.
(1) الحنفية قالوا: القدر المفروض من القيام هو ما يسع القراءة المفروضة، وهي آية طويلة أو ثلاث آيات قصار، وسيأتي بيانها قريباً في مبحث "قراءة الفاتحة" أما ما زاد على ذلك فهو إما قيام واجب إن كان يؤدي فيه واجب كقراءة الفاتحة، وإما قيام مندوب إن كان يؤدي فيه مندوب، على أنهم قالوا: إن هذا الحكم قبل إيقاع القراءة، أما إذا أطال القراءة كان القيام فرضاً، بقدر ذلك التطويل، حتى ولو قرأ القرآن كله، فلا يصح أن يقرأ آية وهو قائم، ثم يجلس ويكمل الباقي. فالخلاف بين الحنفية، والشافعية، والحنابلة في هذه المسألة لا فائدة له، الا من حيث ترتب الثواب؛ فالشافعية، والحنابلة يقولون: إذا أطال القيام، كان له ثواب الفرض؛ وإذا قصر القيام بترك سنة من سنن الصلاة، فإنه يعاقب على تقصير القيام، وإن كان لا يعاقب على ترك السنة، أما الحنفية فإنهم يقولون: إذا أطال القيام بالقدر المطلوب منه، فإنه يثاب عليه ثواب الفرض، وإذا قصر القيام بترك سنة، فإنه لا يعاقب، فإذا وافق الشافعية والحنابلة والحنفية على هذا الرأي فإنه لا يكون بينهم خلاف.
المالكية قالوا: يفترض القيام استقلالاً في الصلاة المفروضة حال تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والهويّ للركوع، وأما حال قراءة السورة فهو سنة، فلو استند حالة قراءة السورة إلى شيء، بحيث لو أزيل ذلك الشي لسقط، فإن صلاته لا تبطل. بخلاف ما لو استند إلى ذلك الشيء حال قراءة الفاتحة، أو حال الهوي للركوع، فإن صلاته تبطل، على أنهم اتفقوا مع غيرهم من الأئمة على أنه إذا جلس وقت قراءة السورة تبطل صلاته؛ وإن لم يكن القيام فرضاً؛ لإخلاله بهيئة الصلاة
*****************************

وإن شئت قلت: سنة مؤكدة بحيث لو تركها عمداً فإن صلاته لا تبطل. فانظر تفصيل مذهبهم، ودليلهم عليه تحت الخط (1) ، أما دليل من قال: إنها فرض فهو ما روي في "الصحيحين" من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب": وأما الجواب عن الثالث. وهو هل تفترض قراءة الفاتحة على المأموم؟ فإنه فيه تفصيلاً في المذاهب بيناه تحت الخط (2) ، وأما الجواب عن الرابع. وهو ما حكم العاجز عن قراءة الفاتحة؟ فقد اتفق الشافعية، والحنابلة على أن من عجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة، فإن كان يقدر على أن يأتي بآيات من القرآن بقدر

(1) الحنفية قالوا: المفروض مطلق القراءة، لا قراءة الفاتحة بخصوصها. لقوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسرمن القرآن} فإن المراد القراءة في الصلاة. لأنها هي المكلف بها، ولما روي في "الصحيحن" من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء. ثم استقبل القبلة ثم اقرأ ما تيسر من القرآن". ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا صلة الا بقراءة" والقراءة فرض في ركعتين من الصلاة المفروضة. ويجب أن تكون في الركعتين الأوليين، كما تجب قراءة الفاتحة فيهما بخصوصها. فإن لم يقرأ في الركعتين الأوليين في الصلاة الرباعية فرأ فيما بعدهما وصحت صلاته. الا أنه يكون قد ترك الواجب. فإنه تركه ساهياً يجب عليه أن يسجد للسهو؛ فإن لم يسجد وجبت عليه إعادة الصلاة. كما تجب الإعادة إن ترك الواجب عامداً. فإن لم يفعل كانت صلاته صحيحة، مع الإثم. أما باقي ركعات الفرض. فإن قراءة الفاتحة فيه سنة. وأما النفل فإن قراءة الفاتحة واجبة في جميع ركعاته. لأن كل اثنتين منه صلاة مستقلة. ولو وصلهما بغيرهما. كأن صلى أربعاً بتسليمة واحدة؛ وألحقوا الوتر بالنفل، فتجب القراءة في جميع ركعاته. وقّدروا القراءة المفروضة بثلاث آيات قصار. أو آية طويلة تعديلها. وهذا هو الأحوط
(2) الشافعية قالوا: يفترض على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام. الا إن كان مسبوقاً بجميع الفاتحة أو بعضها. فإن الإمام يتحمل عنه ما سبق به إن كان الإمام أهلاً للتحمل. بأن لم يظهر أنه محدث أو أنه أدركه في ركعة زائدة عن الفرض.
الحنفية قالوا: إن قراءة المأموم خلف إمامه مكروهة تجريماً في السرية والجهرية، لما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" وهذا الحديث روي من عدة طرق.
هذا، وقد نفل منع المأموم من القراءة عن ثمانين نفراً من كبار الصحابة، منهم المرتضى والعبادلة. وروي عن عدة من الصحابة أن قراءة المأموم خلف إمامه مفسدة للصلاة، وهذا ليس بصحيح، فأقوى الأقوال وأحوطها القول بكراهة التحريم.
المالكية قالوا: القراءة خلف الإمام مندوبة في السرية، مكروهة في الجهرية، الا إذا قصد مراعاة الخلاف، فيندب.
الحنابلة قالوا: القراءة خلف الإمام مستحبة في الصلاة السرية، وفي سكتات الإمام في الصلاة الجهرية، وتكره حال قارءة الإمام في الصلاة الجهرية
***********************

الفاتحة في عدد الحروف والآيات، فإنه يجب عليه أن يأتي بذلك. فإن كان يحفظ آية واحدة أو أكثر فإنه يفترض عليه أن يكرر ما يحفظه بقدر آيات الفاتحة. بحيث يتعلم القدر المطلوب منه تكراره. فإن عجز عن الإتيان بشيء من القرآن بالمرة فإنه يجب عليه أن يأتي بذكر الله كأن يقول: الله الله ... مثلاً. بمقدار الفاتحة. فإن عجز عن الذكر أيضاً فإنه يجب عليه أن يقف ساكتاً بقدر الزمن الذي تقرأ فيه الفاتحة، فإن لم يفعل ذلك بطلت صلاته في هذين المذهبين: على أنه لا يجوز عندهم قراءة الفاتحة بغير اللغة العربية على كل حال. ومن لم يفعل ذلك فإن صلاته تبطل. أما المالكية والحنفية؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، وأما الجواب عن الخامس وهو هل يشترط أن يسمع نفسه بقراءة الفاتحة؟ فالجواب عنه أن ثلاثة من الأئمة اتفقوا على أنه إذا لم يسمع نفسه بالقراءة. فإنه لا يعتبر قارئاً. وخالف المالكية فقالوا: يكفي أن يحرك لسانه، وإن لم يسمع نفسه فانظر مذهبهم تحت الخط (2) على أنك قد عرفت أن الحنفية قالوا: إن قراءة الفاتحة ليست فرضاً، فلو لم يسمع بها نفسه لا تبطل صلاته، ولكن يكون تاركاً للواجب.

[الفرض الخامس من فرائض الصلاة: الركوع]

الركوع فرض في كل صلاة للقادر عليه باتفاق، وقد ثبتت فرضية الركوع في الصلاة ثبوتاً قاطعاً، وإنما اختلف الأئمة في القدر الذي تصح به الصلاة من الركوع، وفي ذلك القدر تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (3) .

(1) الحنفية قالوا: من عجز عن العربية يقرأ بغيرها من اللغات الأخرى، وصلاته صحيحة.
المالكية قالوا: من لا يحسن قراءة الفاتحة وجب عليه تعلمها إن أمكنه ذلك، فإن لم يمكنه وجب عليه الاقتداء بمن يحسنها، فإن لم يجده ندب له أن يفصل بين تكبيره وركوعه ويندب أن يكون الفصل بذكر الله تعالى، وإنما يجب على غير الأخرس. أما هو فلا يجب عليه
(2) المالكية قالوا: لا يجب عليه أن يسمع بها نفسه. ويكفي أن يحرك بها لسانه، والأولى أن يسمع بها نفسه مراعاة للخلاف

(3) الحنفية قالوا: يحصل الركوع بطأطأة الرأس، بأن ينحني انحناء يكون إلى حال الركوع أقرب، فلو فعل ذلك صحت صلاته؛ أما كمال الركوع فهو انحناء الصلب حتى يستوي الرأس بالعجز، وهذا في ركوع القائم، أما القاعد فركوعه يحصل بطأطأة الرأس مع انحناء الظهر، ولا يكون كاملاً الا إذا حاذت جبهته قدام ركبتيه.
الحنابلة قالوا: إن المجزئ في الركوع بالنسبة للقائم انحناؤه بحيث يمكنه من ركبتيه بيديه إذا كان وسطاً في الخلقة، لا طويل اليدين ولا قصيرهما، وقدره من غير الوسط الانحناء، بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه لو كان وسطاً، وكمال الركوع أن يمد ظهره مستوياً، ويجعل رأسه بإزاء ظهره، بحيث لا يرفعه عنه ولا يخفضه، وبالنسبة للقاعد مقابلة وجهه لما قدام ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة، وكماله أن تتم مقابلة وجهه لما قدام ركبتيه.
الشافعية قالوا: أقل الركوع بالنسبة للقائم انحناء، بحيث تنال راحتا معتدل الخلقة ركبتيه بدون انخناس، وهو - أن يخفض عجزه، ويرفع رأسه، ويقدم صدره - بشرط أن يقصد الركوع وأكمله بالنسبة له أن يسوي بين ظهره وعنقه، وأما بالنسبة للقاعد فأقله أن ينحني بحيث تحاذي جبهتها ما أمام ركبتيه، وأكمله أن تحاذي جبهته موضع سجوده من غير مماسة.
المالكية قالوا: حد الركوع الفرض أن ينحني حتى تقرب راحتاه من ركبتيه إن كان متوسط اليدين، بحيث لو وضعهما لكانتا على رأس الفخذين مما يلي الركبتين، ويندب وضع اليدين على الركبتين، وتمكينهما منهما، وتسوية ظهره
****************************

[الفرض السادس من فرائض الصلاة: السجود - شروطه]

السجود من الفرائض المتفق عليها، فيفترض على كل مصل أن يسجد مرتين، في كل ركعة، ولكن القدر الذي يحصل به الفرض من السجود فيه اختلاف المذاهب. فانظره تحت الخط (1) .



(1) المالكية قالوا: يفترض السجود على أقل جزء من الجبهة، وبجهة الإنسان معروفة، وهي ما بين الحاجبين إلى مقدم الرأس؛ فلو سجد على أحد الحاجبين لم يكفه، ويندب السجود على أنفه، ويعيد الصلاة من تركه في الوقت مراعاة للقول بوجوبه، والوقت هنا في الظهر والعصر يستمر إلى اصفرار الشمس، فلا يعيد فلو سجد على أنفه دون جبهته لم يكفه، وإن عجز عن السجود على الجبهة ففرضه أن يومئ للسجود، وأما السجود على اليدين والركبتين وأطراف القدمين فسنة، ويندب إلصاق جميع الجبهة بالأرض وتمكينها.
الحنفية قالوا: حد السجود المفروض هو أن يضع جزءاً، ولو قليلاً من جبهته على ما يصح السجود عليه، أما وضع جزء من الأنف فقط فإنه لا يكفي الا لعذر على الراجح، أما وضع الخد أو الذقن فقط فإنه لا يكفي مطلقاً لا لعذر ولا لغير عذر، ولا بد من وضع إحدى اليدين وإحدى الركبتين وشيء من أطراف إحدى القدمين، ولو كان إصبعاً واحداً على ما يصح السجود عليه، أما وضع أكثر الجبهة فإنه واجب، ويتحقق السجود الكامل بوضع جميع اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة والأنف.
الشافعية، والحنابلة قالوا: إن الحد المفروض في السجود أن يضع بعض كلعضر من الأعضاء السبعة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين" الا أن الحنابلة، قالوا: لا يتحقق السجود الا بوضع جزء من الأنف زيادة على ما ذكر
والشافعية قالوا: يشترط أن يكون السجود على بطون الكفين وبطون أصابع القدمين
****************************


ابوالوليد المسلم 03-06-2020 11:29 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 211 الى صــــــــ
217
الحلقة (38)


ويشترط في صحة السجود أن يكون على يابس تستقر جبهته عليه، كالحصير والبساط، بخلاف القطن المندوف الذي لا تستقر الجبهة عليه، فإنه لا يصح عليه السجود، ومثله التبن والأرز والذرة ونحوها إذا كانت الجبهة لا تستقر عليها، أما إذا استقرت الجبهة، فإنه يصح السجود على كل ذلك.ويشترط أن لا يضع جبهته على كفه، فإن وضعها على كفه بطلت صلاته عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، ولا يضر أن يضع جبهته على شيء ملبوس، أو محمول له يتحرك بحركته، وإن كان مكروهاً باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، ولا يضر السجود على كور عمامته؛ فلو وضع على رأسه عمامة عليها شال كبير، ستر بعض جبهته، ثم سجد عليه؛ فإن صلاته تصح عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
ويشترط أن يكون موضع الجبهة غير مرتفع عن موضع الركبتين في السجود، وفي تقدير الارتفاع المبطل للصلاة اختلاف المذاهب، فانظره تحت الخط (4) .

(1) الحنفية قالوا: إن وضع الجبهة على الكف حال السجود لا يضر؛ وإنما يكره فقط
(2) الشافعية قالوا: يشترط في السجود عدم وضع الجبهة على ما ذكر. وإلا بطلت صلاته الا إذا طال بحيث لا يتحرك بحركته، كما لا يضر السجود على منديل في يده لأنه في حكم المنفصل
(3) الشافعية قالوا: يضر السجود على كور العمامة ونحوها. كالعصابة إذا ستر كل الجبهة، فلو لم يسجد على جبهته المكشوفة بطلت صلاته. إن كان عامداً عالماً الا لعذر. كأن كان به جراحة وخاف من نزع العصابة حصول مشقة شديدة؛ فإن سجوده عليها في هذه الحالة صحيح
(4) الحنفية قالوا: إن الارتفاع الذي يضر في هذه الحالة هو ما زاد على نصف ذراع. ويستثنى من ذلك مسألة قد تقضي بها الضرورة عند شدة الزحام وهو سجود المصلي على ظهر المصلي الذي أمامه. فإنه يصح بشروط ثلاثة: الأول: أ، لا يجد مكاناً خالياً لوضع جبهته عليه في الأرض: الثاني: أن يكون في صلاة واحدى، الثالث: أن تكون ركبتاه في الأرض. فإن فقد شرط من ذلك بطلت صلاته.
الحنابلة قالوا: إن الارتفاع المبطل للصلاة هو ما يخرج المصلي عن هيئة الصلاة.
************************
[الفرض السابع: الرفع من الركوع، الثامن: الرفع من السجود، التاسع: الاعتدال، العاشر: الطمأنينة]
هذه الفرائض الأربعة متصلة ببعضها، وقد اتفق على فرضيتها ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية في فرضيتها، بل قالوا: إن الرفع من الركوع والطمأنينة والاعتدال من واجبات الصلاة؛ لا من فرائضها. بحيث لو تركها المصلي لا تبطل صلاته، ولكنه يأثم إثماً صغيراً، كما تقدم بيانه غير مرة، ولكنهم قالوا: إن لرفع من السجود فرض؛ وقد بينا كل مذهب في هذا تحت الخط (1) .

الشافعية قالوا: إن ارتفاع موضع الجبهة عن موضع الركبتين مبطل للصلاة، الا إذا رفع عجيزته وما حولها عن رأسه وكتفيه. فتصح صلاته. فالمدار عندهم على تنكيس البدن. وهو رفع الجزء الأسفل من البدن عن الجزء الأعلى منه في السجود. حيث لا عذر. كسجود المرأة الحبلى. فإن التنكيس يجب عليها إذا خافت الضرر.
المالكية قالوا: إن كان الارتفاع كثيراً متصلاً بالأرض. فإن السجود عليه لا يصح على المعتمد. وإن كان يسيراً كمفتاح ومحفظة فإن السجود عليه يصح. ولكنه خلاف الأولى

(1) الحنفية قالوا: الرفع من الركوع والاعتدال والطمأنينة من واجبات الصلاة لا من فرائضها الا أنهم فصلوا فيها، فقالوا: الطمأنينة وهي تسكين الجوارح التي تطمئن المفاصل، ويستوي كل عضو في مقرّه بقدر تسبيحة على الأقل، واجبة في الركوع والسجود، وكذا في كل ركن قائم بنفسه؛ ويعبرون عن ذلك بتعديل الأركان، والواجب في الرفع من الركوع هو القدر الذي يتحقق به معنى الرفع، وما زاد على ذلك إلى أن يستوي قائماً وهو المعبر عنه بالاعتدال، فهو سنة على المشهور، أما الرفع من السجود فإنه فرض، ولكن القدر المفروض منه هو أن يكون إلى القعود أقرب، وما زاد على ذلك إلى أن يستوي جالسا، فهو سنة على المشهور.
الشافعية قالوا: إن الرفع من الركوع هو أن يعود إلى الحالة التي كان عليها قبل أن يركع، من قيام، أو قعود، مع طمأنينة فاصلة بين رفعه من الركوع وهو به للسجود: وهذا هو الاعتدال عندهم وأما الرفع من السجود الأول، وهو المسمى بالجلوس بين السجدتين، فهو أن يجلس مستوياً مع طمأنينة؛ بحيث يستقر كل عضو في موضعه، فلو لم يستو لم تصح صلاته، وإن كان إلى الجلوس أقرب، ويشترط أن لا يطيل الاعتدال في الرفع من الركوع والسجود؛ فلو أطال زمناً يسع الذكر الوارد في الاعتدال، وقدر الفاتحة في الرفع من الركوع، ويسع الذكر الوارد في الجلوس، وقدر أقل التشهد بطلت صلاته، ويشترط أيضاً أن لا يقصد بالرفع من الركوع أو السجود غيره، فلو رفع من أحدهما لفزع، فإنه لا يجزئه بل يجب عليه أن يعود إلى الحالة التي كان عليها من ركوع أو سجود. بشرط أن لا يطمئن فيهما إن كان قد اطمأن. ثم يعيد الاعتدال.
*************************
[الحادي عشر من فرائض الصلاة: القعود الأخير]

وهو من فرائض الصلاة المتفق عليها عند أئمة المذاهب، ولكنهم اختلفوا في حد القعود الأخير، كما هو مفصل تحت الخط (1) .

المالكية قالوا: حد الرفع من الركوع هو ما يخرج به عن انحناء الظهر إلى اعتدال. أما الرفع من السجود فإنه يتحقق برفع الجبهة عن الأرض. ولو بقيت يداه بها على المعتمد، وأما الاعتدال وهو أن يرجع كما كان، فهو ركن مستقل في الفصل بين الأركان، فيجب بعد الركوع، وبعد السجود، وحال السلام، وتكبيرة الإحرام؛ وأما الطمأنينة فهي ركن مستقل أيضاً في جميع أركان الصلاة، وحدها استقرار الأعضاء زمناً ما زيادة على ما يحصل به الواجب من الاعتدال والانحناء، وكل ذلك لازم لا بد منه في الصلاة عندهم.
الحنابلة قالوا: إن الرفع من الركوع هو أ، يفارق القدر المجزئ منه، بحيث لا تصل يداه إلى ركبتيه، وأما الاعتدال منه أن يستوي قائماً، بحيث يرجع كل عضو إلى موضعه، والرفع من السجود هو أن تفارق جبهته الأرض، والاعتدال فيه هو أن يجلس مستوياً بعده، بحيث يرجع كل عضو إلى أصله. وقد عرفت أنهم متفقون مع المالكية والشافعية: على أن الرفع من الركوع والسجود والطمأنينة والاعتدال من فرائض الصلاة

(1) الحنفية قالوا: حد القعود المفروض هو ما يكون بقدر قراءة التشهد على الأصح، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم "إذا رفعت رأسك من السجدة الأخيرة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك".
المالكية قالوا: الجلوس بقدر السلام المفروض مع الاعتدال فرض، وبقدر التشهد سنة، وبقدر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مندوب على الأصح، وبقدر الدعاء المندوب مندوب، وبقدر الدعاء المكروه - كدعاء المأموم بعد سلام الإمام - مكروه.
الشافعية قالوا: الجلوس الأخير بقدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمة الأولى فرض؛ وإنما كان الجلوس المذكور فرضاً، لأنه ظرف للفرائض الثلاثة: أعني التشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمة الأولى، فهو كالقيام للفاتحة، أما ما زاد على ذلك؛ كالجلوس للدعاء والتسليمة الثانية فمندوب.
الحنابلة: حددوا الجلوس الأخير بقدر التشهد والتسليمتين

**************************
[الثاني عشر من فرائض الصلاة: التشهد الأخير]

التشهد الأخير فرض عند الشافعية، أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، أما صفة التشهد فقد اختلفت فيها المذاهب، فانظرها عند كل مذهب تحت الخط (2) .

(1) الحنفية قالوا: التشهد الأخير واجب لا فرض.
المالكية قالوا: إنه سنة
(2) الحنفية قالوا: إن ألفاظ التشهد هي: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، وهذا هو التشهد الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والأخذ به أولى من الأخذ بالمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
المالكية قالوا: إن ألفاظ التشهد هي: "التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، والأخذ بهذا التشهد مندوب، فلو أخذ بغيره من الوارد فقد أتى بالسنة وخالف المندوب.
الشافعية قالوا: إن ألفاظ التشهد هي: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله"؛ وقالوا: إن الفرض يتحقق بقوله: "التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن سيندنا محمداً رسول الله". أما الإتيان بما زاد على ذلك مما تقدم فهو أكمل ويشترط في صحة التشهد المفروض أن يكون بالعربية إن قدر وأن يوالي بين كلماته. وأن يسمع نفسه حيث لا مانع وأن يرتب كلماته فلو لم يرتبها فإن غير المعنى بعدم الترتيب بطلت صلاته إن كان عامداً، وإلا فلا، وقالوا: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير ركن مستقل من أركان الصلاة. وأقله أن يقول: اللهم صلى الله عليه وسلم على محمد أو النبي.
ومن هذا تعلم أن الإتيان ببعض هذه الصيغة فرض عند الشافعية، كما ذكرنا: أما المالكية فإنهم قالوا: إنه سنة؛ بحيث لو قعد بقدره ولم يتكلم به؛ فإن صلاته تصح مع الكراهة؛ والحنفية قالوا: إنه إذا ترك التشهد تكون صلاته صحيحة مع كراهة التحريم.
الحنابلة قالوا: إن التشهد الأخير هو: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلي على محمد"، والأخذ بهذه الصيغة أولى: ويجوز الأخذ بغيرها مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كالأخذ بتشهد ابن عباس مثلاً، والقدر المفروض منه "التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله صلِّ على محمد"، الا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تتعين بهذه الصيغة
************************
[الثالث عشر من فرائض الصلاة: السلام]
[بدون نص]
[الرابع عشر: ترتيب الأركان]

اتفق ثلاثة من الأئمة على أن الخروج من الصلاة بعد تمامها لا بد أن يكون بلفظ: السلام، وإلا بطلت صلاته،
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا:
إن الخروج من الصلاة يكون بأي عمل مناف لها حتى ولو بنقض الوضوء، ولكن لفظ السلام واجب لا فرض، وقد عرفت الفرق بينهما، أما صيغة السلام المطلوبة عند الأئمة الثلاثة ففيها تفصيل ذكرناه تحت الخط (1) ، كما ذكرنا تفصيل مذهب الحنفية أما ترتيب الأركان بحيث يؤدي المصلي القيام قبل الركوع، والركوع قبل السجود، فهو أمر لازم، بحيث لو قدم المصلي الركوع على السجود، أو السجود على القيام، أو نحو ذلك، فإن صلاته تكون باطلة باتفاق،
على أن الحنفية يقولون:
إن هذا الترتيب شرط لا فرض،
والأمر في ذلك سهل:
وقد خال الحنفية الأئمة في قراءة الفاتحة، كما عرفت،
فقد قالوا:
إنها ليست ركناً: فلها حكم خاص بالنسبة للترتيب، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .


(1) الحنفية - قالوا: إن الخروج من الصلاة بلفظ السلام ليس فرضاً، بل هو واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم ابن مسعود التشهد قال له: "إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، وإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" فلم يأمره، بالخروج من الصلاة بلفظ السلام، ويحصل الخروج من الصلاة بلفظ السلام وحده بدون كلمة: عليكم، فلو خرج من الصلاة بغير السلام، ولو بالحدث صحت صلاته، ولكنه يكون آثماً، وتجب عليه الإعادة، فإن ترك الإعادة كان آثماً أيضاً.
الحنابلة قالوا: يفترض أن يسلم مرتين بلفظ: السلام عليكم ورحمة الله، بهذا الترتيب، وهذا النص وإلا بطلت صلاته.
الشافعية قالوا: لا يشترط الترتيب في ألفاظ السلام فلو قال: عليكم السلام، صح مع الكراهة.
المالكية قالوا: لا بد في الخروج من الصلاة أن يقول: السلام عليكم.
بهذا الترتيب.
وبهذا النص.
ويكفي في سقوط الفرض عندهم أن يقولها مرة واحدة.
ويسقط عن العاجز عن النطق باتفاق
(2) الحنفية قالوا: إن التريب المذكور شرط لصحة الصلاة لا فرض. وعلى كل حال فلا بد منه الا أنهم قالوا: إذا ركع قبل القيام ثم سجد وقام، وفإن ركوعه هذا لا يعتبر. فإذا ألغى الركوع الأول ثم ركع وسجد فإن الركعة تعتبر له وعليه أن يسجد للسهو إن وقع منه ذلك سهواً. فإن فعله عمداً بطلت صلاته. وهذا إذا ركع بدون أن يقوم.
أما إذا قام ولم يقرأ ثم ركع فإن صلاته تكون صحيحة، لأن القراءة ليست فرضاً في جميع الركعات، بل هي فرض في ركعتين، فإذا أدرى ركعتين بدون قراءة فإنه يفترض عليه الترتيب في الركعتين الباقيتين

**************************
[الخامس عشر من فرائض الصلاة: الجلوس بين السجدتين]
اتفق ثلاثة من الأئمة على أنه يفترض على المصلي أن يجلس بين كل سجدتين من صلاته، فلو سجد مرة، ثم رفع رأسه، ولم يجلس، وسجد ثانياً، فإن صلاته لا تصح، وخالف الحنفية في ذلك،
فقالوا:
إن الجلوس بين السجدتين ليس فرضاً في الصلاة فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
وقد استدل القائلون بفرضية الجلوس بين السجدتين وغيره من الفرائض المتقدمة بما رواه البخاري، ومسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي صلاة ناقصة،
فعلمه كيف يصلي فقال له:
"إذا قمت إلى الصلاة فكبر.
ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن"
وفي بعض الروايات "فاقرأ بأم القرآن" وقال: "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً.
ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً.
ثم ارفع حتى تستوي قائماً؛
ثم ارفع حتى تعتدل قائماً.
ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً.
ثم ارفع حتى تستوي قائماً؛
ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"

وقد عرفت أن الحنفية لم يوافقوا على أن الجلوس فرض، وكذا لم يوافقوا على أن قراءة الفاتحة فرض،
وقالوا:
إن الحديث المذكور لا يدل على الفرضية، وإنما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد تعليم الرجل الصلاة الكاملة المشتملة على الفرائض والواجبات والسنن، وليس المقام محتملاً للشرح والبيان.
ولهذا لم يذكر في الحديث النية والقعود الأخير، مع أنه فرض باتفاق، وكذلك لم يذكر التشهد الأخير مع أنه فرض عند بعض الأئمة، وكذلك لم يشتمل الحديث على أشياء كثيرة كالتعوذ ونحوه.
فدل ذلك كله على أن الغرض إنما هو تعليم الرجل كيفية الصلاة بطريق عملي، حتى إذا تعلمها أمكنه أن يفهم ما هو فرض وما هو واجب أو مسنون،
أما الأئمة الآخرون فقد قالوا:
إن طلب هذه الأعمال من الرجل دليل على فرضيتها، وإنما لم يذكر له باقي الفرائض، لأن الرجل قد أتى بها، وهذا حسن إذا دل عليه دليل في الحديث، ولكن أين الدليل؟ على أن الاحتياط إنما هو في اتباع رأي الأئمة الثلاثة،
خصوصاً أن الحنفية قالوا:
إنها واجبة بمعنى أن الصلاة تصح بدونها مع الإثم، كما تقدم.


(1) الحنفية قالوا: الجلوس بين السجدتين ليس بفرض. وهل هو واجب أقل من الفرض أو سنة غير مؤكدة؟ فبعضهم يقول: إنه واجب. وهو ما يقتضية الدليل. وبعضهم يقول: إنه سنة
*****************************
[واجبات الصلاة]
ذكرنا غير مرة أن المالكية، والشافعية اتفقوا على أن الواجب والفرض بمعنى واحد، فلا يختلف معناهما الا في "باب الحج" فإن الفرض معناه في الحج ما يبطل بتركه الحج، أما الواجب فإن تركه لا يبطل الحج، ولكن يلزم تاركه ذبح فداء، كما سيأتي بيانه في الحج، وعلى هذا فليس عندهم واجبات للصلاة، بل أعمالها منها ما هو فرض؛ ومنها ما هو سنة.
وقد تقدمت فرائض الصلاة، وسيأتي بيان سننها، أما الحنفية؛
والحنابلة فقد قالوا:
إن للصلاة واجبات.
فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) .

(1) الحنفية قالوا: واجبات الصلاة لا تبطل بتركها، ولكن المصلي إن تركها سهواً فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن تركها عمداً؛ فإنه يجب عليه إعادة الصلاة فإن لم يعد كانت صلاته صحيحة مع الإثم. ودليل كونها واجبة عندهم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها، وإليك بيان واجبات الصلاة عند الحنفية:
-1 قراءة سورة الفاتحة في كل ركعات النفل، وفي الأوليين من الفرض، ويجب تقديمها على قراءة السورة؛ فإن عكس سهواً سجد للسهو.
-2 ضم سورة إلى الفاتحة في جميع ركعات النفل والوتر، والأوليين من الفرض، ويكفي في أداء الواجب أقصر سورة أو ما يماثلها كثلاث آيات قصار؛ أو آية طويلة، والآيات القصار الثلاث كقوله تعالى: {ثم نطر، ثم عبس ويسر، ثم أدبر واستكبر} وهي عشر كلمات. وثلاثون حرفاً من حروف الهجاء، مع حسبان الحرف المشدد بحرفين، فلو قرأ من الآية الطويلة هذا المقدار في كل ركعة أجزأه عن الواجب، فعلى هذا يكفي أن يقرأ من آية الكرسي قوله تعالى: {الله لا إله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} .
-3 أن لا يزيد فيها عملاً من جنس أعمالها. كأن يزيد عدد السجدات عن الوارد، فلو فعل ذلك ألغى الزائد. وسجد للسهو إن كان ساهياً.
-4 الاطمئنان في الأركان الأصلية، كالركوع والسجود ونحوهما، والاطمئنان الواجب عندهم هو تسكين الأعضاء حتى يستوي كل عضو في مقره بقدر تسبيحة على الأقل، كما ستعرفه في مبحث "الاطمئنان".
-5 القعود الأول في كل صلاة ولو نافلة.
-6 قراءة التشهد الذي رواه ابن مسعود، ويجب القيام إلى الركعة الثالثة عقب تمامه فوراً فلو زاد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سهواً سجد للسهو، وإن تعمد وجبت إعادة الصلاة، وإن كانت صحيحة.
-7 لفظ السلام مرتين في ختام الصلاة.
-8 قراءة القنوت بعد الفاتحة والسورة في الركعة الثالثة من الوتر.




ابوالوليد المسلم 03-06-2020 11:30 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 218 الى صــــــــ
226
الحلقة (39)

{سنن الصلاة}
يتعلق بها مباحث:
أولاً: تعريف السنة؛
ثانياً: عدد سنن الصلاة الداخلة فيها مجتمعة في كل مذهب على حده ليسهل حفظها؛
ثالثاً: شرح ما يحتاج إلى الشرح من هذه السنن.
رابعاً: بيان سنن الصلاة الخارجة عن الصلاة، فلنذكر مباحث السنن على هذا الترتيب.
__________
-9 تكبيرات العيدين، وهي ثلاث في كل ركعة. وسيأتي بيانها.
-10 جهر الإمام بالقراءة في صلاة الفجر والعيدين والجمعة والتراويح والوتر في رمضان والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، أما المنفرد فيخير بين الجهر والإسرار في جميع صلواته، الا أن الأفضل له أن يجهر فيما يجب على الإمام أن يجهر فيه، ويسر فيما يجب على الإمام الإسرار فيه.
-11 إسرار الإمام والمنفرد في القراءة في نفل النهار وفرض الظهر والعصر، وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء، وصلاة الكسوف والخسوف، والاستسقاء.
-12 عدم قراءة المقتدي شيئاً مطلقاً في قيام الإمام.
-13 ضم ما صلب من الأنف إلى الجبهة في السجود.
-14 افتتاح الصلاة بخصوص جملة: الله أكبر، الا إذا عجز عنها أو كان لا يحسنها، فصح أن يفتتحها باسم من أسماء الله تعالى.
-15 تكبيرة الركوع في الركعة الثانية من صلاة العيد، لأنها لما اتصلت بتكبيرات العيد الواجبة صارت واجبة.
-16 متابعة الإمام فيما يصح الاجتهاد فيه، وسيأتي بيان المتابعة في "مبحث الإمامة".
-17 الرفع من الركوع، وتعديل الأركان، كما تقدم.
الحنابلة قالوا: الواجب في الصلاة أقل من الفرض، وهو ما تبطل الصلاة بتركه عمداً، مع العلم، ولا تبطل بتركه سهواً، أو جهلاً، فإن تركه سهواً وجب عليه أن يسجد للسهو، وواجبات الصلاة عندهم ثمانية. وهي تكبيرات الصلاة كلها ما عدا تكبيرة الإحرام، فإنها فرض، كما تقدم، وما عدا تكبيرة المسبوق للركوع إذا أدرك إمامه راكعاً، فإنها سنة؛ قول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد؛ قول: ربنا ولك الحمد، لكل مصل، ومحل التكبير لغير الإحرام والتسميع والتحميد ما بين ابتداء الانتقال وانتهائه فلا يجوة تقديم شيء من ذلك على هذا المحل؛ قول: سبحان ربي العظيم في الركوع مرة واحدة؛ قول: سبحان ربي الأعلى في السجود مرة؛ قول: رب اغفر لي إذا جلس بين السجدتين مرة. التشهد الأول، والمجزئ منه ما تقدم في التشهد الأخير ما عدا الصلاة على النبي عليه السلام؛ الجلوس لهذا التشهد؛ وإنما يجب على غير من قام إمامه للركعة الثالثة سهواً؛ أما هو فيجب عليه متابعة الإمام، ويسقط عنه التشهد، والجلوس له

******************************
{تعريف السنة}
تقدم في صحيفة 64؟؟ م أن الحنابلة والشافعية قد اتفقوا على أن السنة والمندوب والمتسحب والتطوع معناها واحد، وهو ما يثاب المكلف على فعله، ولا يؤاخذ على تركه، فمن ترك سنن الصلاة أو بعضها فإن الله تعالى لا يؤاخذه على هذا الترك، ولكنه يحرم من ثوابها، ووافق على ذلك المالكية، الا أنهم فرقوا بين السنة وغيرها، وقد ذكرنا هناك تفصيل المذاهب في هذا المعنى، فارجع إليه.
على أنه لا ينبغي للمسلم أن يستهين بأمر السنن.
لأن الغرض من الصلاة إنما هو التقرب إلى الله الخالق، ولهذا فائدة مقررة، وهي الفرار من العذاب، والتمتع بالنعيم، فلا يصح في هذه الحالة لعاقل أن يستهين بسنة من سنن الصلاة فيتركها، لأن تركها يحرمه من ثواب الفعل، وذلك الحرمان فيه عقوبة لا تخفى على العاقل، لأن فيه نقصان للتمتع بالنعيم، فمن الأمور الهامة التي ينبغي للمكلف أن يعنى بها أداء ما أمره الشارع بأدائه.
سواء كان فرضاً أو سنة، ولعل قائلاً يقول: لماذا جعل الشارع بعض أفعال الصلاة فرضاً لازماً، وبعضها غير لازم؟ والجواب: أن الله تعالى أراد أن يخفف عن عباده، ويجعل لهم الخيار في بعض الأعمال ليجزل لهم الثواب عليها، فإذا تركوها باختيارهم فقد حرموا من الثواب، ولا عقوبة عليهم، وذلك من محاسن الشريعة الإسلامية التي رفعت عن الناس الحرج في التكاليف، ورغبتهم في الجزاء الحسن ترغيباً حسناً.

عدّ سنن الصلاة مجتمعة
لنذكر ههنا سنن الصلاة مجتمعة في كل مذهب ليسهل حفظها على القراء، فاقرأها تحت الخط
(1)
__________
(1) الحنفية: عدوا سنن الصلاة كالآتي: 1 - رفع اليدين للتحريمة حذاء الأذنين للرجل والأمة، وحذاء المنكبين للحرة. 2 - ترك الأصابع على حالها، بحيث لا يقرّقها ولا يضمها، وهذا في غير حالة الركوع الآتية 3 - وضع الرجل يده اليمنى على اليسرى تحت سرته، ووضع المرأة يديها على صدرها 4 - الثناء 5 - التعوذ للقراءة 6 - التسمية سراً أول كل ركعة قبل الفاتحة 7 - التأمين 8 - التحميد 9 - الإسرار بالثناء والتأمين والتحميد 10 - الاعتدال عند ابتداء التحريمة وانتهائها 11 - جهر الإمام بالتكبير والتسميع والسلام 12 - تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع 13 - أن تكون القراءة من المفصل حسب التفصيل المتقدم 14 - تكبيرات الركوع والسجود 15 - أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثاً 16 - أن يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" ثلاثاً 17 - وضع يديه على ركبتيه حال الركوع 18 - تفريج أصابع يديه حال وضعهما على ركبتيه في الركوع إذا كان رجلاً 19 - نصب ساقيه 20 - بسط ظهره في الركوع 21 - تسوية رأسه بعجزه 22 - كمال الرفع من الركوع 23 - كمال الرفع من السجود 24 - وضع يديه، ثم ركبتيه، ثم وجهه عند النزول للسجود، وعكسه عند الرفع منه 25 - جعل وجهه بين كفيه حال السجود، أو جعل يديه حذو منكبيه عند ذلك 26 - أن يباعد الرجل بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض في السجود 27 - أن تلصق المرأة بطنها بفخذيها حال الجلوس بين السجدتين، وحال التشهد 30 - أن يفترش الرجل رجله اليسرى، وينصب اليمنى موجهاً أصابعها إلى القبلة حال الجلوس للتشهد وغيره 31 - أن تجلس المرأة على أليتيها، وأن تضع إحدى فخذيها على الأخرى، وتخرج رجلها اليسرى من تحت وركها الأيمن 32 - الإشارة بالسبابة عند النطق بالشهادة على ما تقدم 33 - قراءة الفاتحة فيما بعد
الركعتين الأوليين 34 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير بالصيغة المتقدمة 35 - الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ الكتاب والسنِّة 36 - الالتفات يميناً ثم يساراً بالتسليمتين 37 - أن ينوي الإمام بسلامه من خلفه من المصلين والحفظة وصالحي الجن 38 - أن ينوي المأموم إمامه بالسلام في الجهة التي هو فيها إن كان عن يمينه أو يساره، فإن حاذاه نواه بالتسليمتين مع القوم والحفظة وصالحي الجن 39 - أن ينوي المنفرد الملائكة فقط 40 - أن يخفض صوته في سلامه 41 - أن ينتظر المسبوق فراغ إمامه من سلامه الثاني حتى يعلم أنه ليس عليه سجود سهو.
المالكية قالوا: سنن الصلاة أربع عشرة سُنة، وهي: 1 - قراءة ما زاد على أم القرآن بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية من الفرض الوقتي المتسع وقته 2 - القيام لها في الفرض 3 - الجهر بالقراءة فيما يجهر فيه حسب ما تقدم 4 - السر فيما يسر فيه على ما تقدم 5 - كل تكبيرات الصلاة، ما عدا تكبيرة الإحرام، فإنها فرض 6 - كل تسميعة 7 - كل تشهد 8 - كل جلوس للتشهد 9 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير 10 - السجود على صدور القدمين، وعلى الركبتين والكعبين 11 - رد المقتدي على إمامه السلام، وعلى من على يساره إن كان به أحد شاركه في إدراك ركعة مع الإمام على الأقل 12 - الجهر بتسليمة التحليل 13 - إنصات المقتدي للإمام في الجهر 14 - الزائد عن القدر الواجب من الطمأنينة.
الشافعية قالوا: سنن الصلاة الداخلة فيها تنقسم إلى قسمين، قسم يسمونه بالهيئات، وقسم يسمونه بالأبعاض، فأما الهيئات فلم يحصروها في عدد خاص، بل قالوا، كل ما ليس بركن من أركان الصلاة وليس بعضاً من أبعاضها فهو هيئة، والسنة التي من أبعاض الصلاة إذا تركت عمداً فإنها تجبر بسجود السهو، وعدد الأبعاض عشرون.
-1 القنوت في اعتدال الركعة الأخيرة من الصبح، ومن وتر النصف الثاني من رمضان، أما القنوت عند النازلة في أي صلاة غير ما ذكر فلا يعد من الأبعاض وإن كان سنة 2 - القيام له 3 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت 4 - القيام لها 5 - السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها 6 - القيام له 7 - الصلاة على الآل 8 - القيام لها 9 - الصلاة على الصحب 10 - القيام لها 11 - السلام على النبي 12 - القيام له 13 - السلام على الصحب 14 - القيام له 15 - التشهد الأول في الثلاثية والرباعية 16 - الجلوس له 17 - الصلاة على النبيي صلى الله عليه وسلم بعده 18 - الجلوس لها 19 - الصلاة على الآل بعد التشهد الأخير 20 - الجلوس له، فهذه هي السنن التي يسمونها أبعاضاً تشبيهاً لها بأركان الصلاة التي إذا تركت سهواً، فإنها تعاد، وتجبر بسجود السهو، أما السنن الأخرى التي يسمونها بالهيئات فمنها أن يقول الرجل سبحان الله عند حدوث شيء يريد التنبيه عليه، بشرط أن لا يقصد التنبيه وحده؛ وإلا بطلت الصلاة وأن تصفق المرأة عند إرادة التنبيه، بشرط أن لا تقصد اللعب، وإلا بطلت صلاتها، ولا يضرها قصد الإعلام، كما لا يضر زيادته على الثلاث، وأن توالي التصفيق، ولكنها لا تبعد إحدى يديها عن الأخرى؛ ثم تعيدها، وإلا بطلت صلاتها، ومنها الخشوع في جميع الصلاة، وهو حضور القلب، وسكون الجوارح، بأن يستحضر أنه بين يدي الله تعالى؛ وأن الله مطلع عليه ومنها جلوس الاستراحة لمن يصلي من قيام، بأن يجلس جلسة خفيفة بعد السجدة الثانية، وقبل القيام إلى الركعة الثانية والرابعة، ويسن أن تكون قدر الطمأنينة، ولا يضر زيادتها عن قدر الجلوس بين السجدتين على المعتمد، ويأتي بها المأموم، وإن تركها الإمام، ومنها نية الخروج من الصلاة من أول التسليمة الأولى،
فلو نوى الخروج قبل ذلك بطلت صلاته، وإن نواه في أثنائها أو بعدها، لم تحصل السنة، ومنها وضع بطن كف اليد اليمنى على ظهر كف اليسرى، ويقبض بيده اليمنى كوع اليسرى. وبعض ساعد اليسرى ورسغها، وذلك هو المعتمد عندهم، على أن هذه الهيئة لو تركها وأرسل يديه، كما يقول المالكية، فلا بأس. ولكنهم عدوا ذلك من المستحبات للإشارة إلى أن الإنسان محتفظاً بقلبه، لأن العادة أنه إذا خاف على شيء حفظه بيديه. ومنها أن يقول المصلي بعد تكبيرة الإحرام: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المس
لمين".
وهذا الدعاء يقال له: دعاء الافتتاح. وهو مستحب الإتيان بهذا الدعاء الا بشروط خمسة: أحدها. أن يكون في غير صلاة الجنازة. فإن كان في صلاة الجنازة، فإنه لا يأتي به، ولكن يأتي بالتعوذ، ثانيها: أن لا يخاف فوات وقت الأداء. فلو بقي في الوقت ما يسع ركعة بدون أن يأتي بدعاء الافتتاح. فإنه لا يأتي به، ثالثها: أن لا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة فإن خاف ذلك فلا يأتي به، رابعها: أن يدرك الإمام في حال الاعتدال من القيامن فإذا أدركه في الاعتدال فإنه لا يأتي به، خامسها: أن لا يشرع في التعوذ أو قراءة الفاتحة، فإن شرع في ذلك عمداً بالاستعاذة بعد دعاء الافتتاح الذي تقدم، وتحصل الاستعاذة بكل لفظ يشتمل على التعوذ. ولكن الأفضل أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وبعضهم يقول: إن زيادة السميع العليم سنة أيضاً. فيقول: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، ومنها الجهر بالقراءة إذا كان المصلي إماماً ومنفرداً، أما المأموم فيسن في حقه الإسرار وإنما يسن الجهر فيحق المرأة والخنثى إذا لم يسمع شخص أجنبي، أما إذا وجد أجنبي، فإن المرأة والخنثى لا يجهران بالقراءة، بل يسن لهما الإسرار، كي لا يسمع صوتهما الأجنبي وحد الإسرار عند الشافعية هو أن يسمع المصلي نفسه، كما تقدم، وظاهر أن الجهر لا يكون الا في الركعتين الأوليين إذا كان منفرداً. وسيأتي حكم المسبوق. ومنها التأمين، وهو أن يقول المصلي عقب قراءة الفاتحة "آمين" فإذا ركع ولم يقل: آمين فقد فات التأمين ولا يعود إليه، وكذا إن شرع في قراءة شيء آخر بعد الفاتحة.
ولو سهواً، الا أنه يستثنى من ذلك ما إذا قال: رب اغفر لي؛ ونحوه، لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قرأ الفاتحة، ثم سكت فإن التأمين لا يسقط، وإذا كان يصلي مأموماً فإنه يسن له أن يقول: آمين مع إمامه، إذا كانت الصلاة جهرية، أما الصلاة السرية فلا يؤمن المأموم فيها مع إمامه، فإذا لم يؤمّن في الصلاة الجهرية، أو أخر التأمين عن وقته المندوب، وهو أن يكون تأمينه مع تأمين الإمام، فإنه يأتي بالتأمين وحده.
لأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم "إذا أمن من الإمام فأمّنوا" إذا دخل وقت تأمين الإمام فأمّنوا، وإن لم يؤمّن بالفعل، أو أخره عن وقته، ومنها قراءة شيء من القرآن، وإن لم يكن سورة كاملة، ولكن قراءة السورة الكاملة أفضل عند الشافعية من بعض السورة، بشرط أن لا يكون بعض السورة أكثر من السورة، فلو قرأ "آمن الرسول بما أُنزل إليه" إلى آخر سورة البقرة، كان ذلك أفضل من قراءة سورة صغيرة، كسورة "قريش"، أو "الفيل"، أو {قل هو الله أحد} لأن أواخر البقرة أكثر من السورة الصغيرة، وهذا هو المعتمد عند الشافعية، وبعضهم يقول: إن السورة الصغيرة أفضل وأقل السورة ثلاث آيات؛ ولكن لا يلزم المصلي أن يأتي بثلاث آيات، بل يتحقق أصل السنة عند الشافعية بالإتيان بشيء من القرآن، ولو آية واحدة، ولكن الأفضل هو ما ذكرنا من الإتيان بسورة كاملة، وهي ثلاث آيات؛ وأفضل من ذلك أن يأتي بأطوال منها، ويندب عند الشافعية تطويل قراءة ما زاد على الفاتحة من سورة قصيرة ونحوها في الركعة الأولى عن الركعة الثانية، الا إذا اقتضى الحال ذلك، كما إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً، فلو قرأ السورة أولاً، ثم قرأ الفاتحة، فإن السورة لا تحسب له؛ وعليه أن يعيدها بعد قراءة الفاتحة، إن أراد تحصيل السنة، ومنها أن يسكت المصلي بعد قراءة الفاتحة إذا كان إماماً، فلا يشرع في قراءة السورة الا بعد زمن يسع قراءة فاتحة المأمومين إذا كانت الصلاة جهرية، والأولى للإمام في هذه الحالة يشتغل بدعاء، أو قراءة في سره.
وعند الشافعية سكتات أخرى مطلوبة، ولكنها يسيرة، ويعبرون عنها بسكتات لطيفة، وهي في مواضع: أحدها: أن يسكت سكتة لطيفة بعد تكبيرة الإحرام، ثم يشرع في قراءة التوجه {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض} الخ، ثانيها: أن يسكت كذلك بعد الفراغ من التوجه، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو نحو ذلك، مما تقدم، ثالثها: أن يسكت كذلك بعد التعوذ، ثم يسمى على الوجه المتقدم، رابعها: أن يسكت بعد التسمية كذلك، ثم يشرع في قراءة الفاتحة، خامسها: أن يسكت بعد الفراغ من قراءة الفاتحة قبل التأمين، ثم يقول: آمين؛ سادسها: أن يسكت كذلك بعد قول: آمين. ثم يشرع في قراءة السور.
سابعها: أن يسكت في قراءة السورة كذلك، ثم يكبر للركوع، فإذا أضيفت هذه السكتات إلى السكتة المشروعة للإمام بعد قراءة الفاتحة، يكون عدد السكتات ثمانية، ولكن المعروف عند الشافعية أن السكتات ستة، لأنهم يعدون السكتة بين التكبيرة والتوجه، وبين التوجه والتعوذ واحدة؛ والأمر في ذلك سهل، ومنها التكبيرات عند الخفض للركوع، ويسن مدها حتى يتم ركوعه، وكذلك تكبيرات السجود، فإنه سنة عندهم، وعليه أن يجهر بالتكبيرات المذكورة إذا كان إماماً، كي يسمعه المأمون، ومثل ذلك ما إذا كان مبلغاً كما يأتي؛ ومنها أن يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع رأسه من الركوع، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ويجهر الإمام بقوله: سمع الله لمن حمده أما المأموم فإنه يسر بها؛ ومنها أن يقول: ربنا لك الحمد، إذا انتصب قائماً، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفردا، أما إذا صلى قاعداً فإنه يأتي بذلك بعد الاعتدال من القعود، ولكن يسن أن يأتي الإمام والمأموم والمنفرد بقول: "ربنا لك الحمد" سراً، حتى ولو كان المأموم مبلغاً، فإذا جهر بقول: "ربنا لك الحمد" كان جاهلاً؛ ومنها أن يسبح في ركوعه، بأن يقول: سبحان ربي العظيم، وهو سنة مؤكدة عندهم، حتى قال بعضهم: إن من داوم على تركه سقطت شهادته، وأقله مرة واحدة، فتحصل أصل السنة إذا قال: سبحان ربي العظيم، ولكن أدنى كمال السنة لا يحصل الا إذا أتى به ثلاث مرات، سواء كان إماماً أو مأموماً، أو منفرداً.
ويسن الزيادة على الثلاث إذا كان المصلي منفرداً، أو كان إماماً لجماعة راضين بالتطويل، وفي هذه الحالة يسن له أن يأتي بإحدى عشرة تسبيحة، ولا يزيد على ذلك، ويسن للمنفرد أن يزيد: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري، وما استقلت به قدمي لله رب العالمين؛ وكذا يسن للإمام أن يأتي بهذا الدعاء في ركوعه إذا كان إمام قوم محصورين، راضين بالتطويل؛ ومنها أن يسبح في سجوده، بأن يقول: "سبحان ربي الأعلى"، وتحصل أصل السنة بمرة واحدة ولكن أقل الكمال يحصل بثلاث مرات، وأعلى الكمال أن يأتي بإحدى عشرة مرة، كما تقدم في تسبيح الركوع؛ وإذا كان يصلي إماماً بجماعة محصورين، فإنه يسن له أن يزيد على ذلك: "اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين" والدعاء في السجود بطلب الخير سنة، لحديث مسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد فأكثروا الدعاء"؛ ومنها وضع اليدين على الفخذين في الجلوس للتشهد الأول والأخير؛ ومنها أن يبسط اليد اليسرى بحيث تكون رؤوس أصابع اليد مسامته للركبة. ومنها أن يقبض أصابع اليد اليمنى. الا الإصبع التي بين الإبهام الوسطى. ويقال لها: المسبحة - بكسر الباء - لأنها يشار بها عند التسبيح، وتسمى السبابة لأنها يشار بها عند السب وإنما يسن ذلك عند قوله في التشهد:الا الله ويكره إصبعه المسبحة، فإن حركها فقد فعل مكروهاً على الأصح. وبعضهم يقول: إن صلاته تبطل. لأنه عمل خارج عن أعمال الصلاة. ولكن هذا ضعيف لأنه عمل يسير لا تبطل به الصلاة. ومنها أن يجلس الشخص في جميع جلسات الصلاة مفترشاً؛ ومعنى الافتراض أن يجلس على كعب رجله اليسرى.
ويجعل ظهر رجله للأرض وينصب قدمه اليمنى، ويضع أطراف أصابعها لجهة القبلة. وسمي افتراشاً لأن المصلي يفترض قدمه، ويجلس عليها.
هذا إذا لم يكن به علة تمنعه من الجلوس بهذه الكيفية. أما إذا كان عاجزاً عن ذلك. كأن كان جسمه ضخماً (سميناً) فإنه يأتي بالكيفية التي يقدر عليها ومنها التسليمة الثانية فإنها سنة عند الشافعية.
الحنابلة قالوا: سنن الصلاة ثمان وستون وهي قسمان: قولية؛ وفعلين فالقولية: اثنتا عشرة. وهي: دعاء الاستفتاح؛ والعوذ قبل القراءة؛ والبسملة؛ وقول: آمين؛ وقراءة سورة بعد الفاتحة؛ كما تقدم؛ وجهر الإمام بالقراءة، كما تقدم؛ أما المأموم فيكره جهره بالقراءة؛ وقول: ملء السموات وملء الأرض. الخ. بعد التحميد كما تقدم؛ وما زاد على المرة الأولى في تسبيح الركوع والسجود؛ وما زاد على المرة في قول: "رب اغفر لي" في الجلوس بين السجدتين؛ والصلاة على آله عليه الصلاة والسلام في التشهد الأخير؛ والبركة عليه عليه السلام. وعلى الآل فيه؛ والقنوت في الوتر جميع السنة. أما الفعلية وتسمى الهيئات: فهي ست وخمسون تقريباً: رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام؛ كون اليدين مبسوطتين عند الرفع من الركوع؛ حط اليدين عقب ذلك؛ وضع اليمين على الشمال حال القيام والقراءة؛ جعل اليدين الموضوعتين على هذه الهيئة تحت سرته. نظر المصلي إلى موضع سجوده حال قيامه؛ الجهر بتكبيرة الإحرام؛ ترتيل القراءة؛ تخفيف الصلاة إذا كان إماماً، إطالة الركعة الأولى عند الثانية، تقصير الركعة الثانية، تفريج المصلي بين قدميه حال قيامه يسيراً، قبض ركبتيه بيديه حال الركوع، تفريج اصابع اليدين حال وضعهما على الركبتين في الركوع، مدّ ظهره في الركوع مع استوائه، تجعل رأسه حيال ظهره في الركوع، مجافاة عضديه عن جنبيه فيه.
أن يبدأ في السجود بوضع ركبتيه قبل يديه، أن يضع يديه بعد ركبتيه، أن يضع جبهته وأنفه بعد يديه، تمكين أعضاء السجود من الأرض، مباشرتها لمجل السجود، كما تقدم، مجافاة عضدية عن جنبيه في السجود، مجافاة بطنه عن فخذيه فيه أيضاً، مجافاة الفخذين عن الساقين فيه، تفريج ما بين الركبتين فيه أيضاً: أن ينصب قدميه فيه أيضاً، جعل بطون أصابع القدمين على الأرض في السجود، تفريق اصابع القدمين في السجود؛ وضع اليدين حذو المنكبين فيه، بسط كل من اليدين؛ ضم الأصابع من اليدين فيه أيضاً، توجيه أصابعهما إلى القبلة فيه أيضاً؛ رفع اليدين أولاً في القيام من السجود إلى الركعة، بأن يقوم للكرعة الثانية على سدور قدميه، أن يقوم كذلك للركعة الثالثة، أن يقوم كذلك للركعة الرابعة، أن يعتمد بيديه على ركبتيه في النهوض لبقية صلاته، الافتراش في الجلوس بين السجدتين؛ الافتراش في التشهد الأول التورك في التشهد الثاني؛ وضع اليدين على الفخذين في التشهد الأول؛ بسط اليدين على الفخذين في التشهد الأول، ضم أصابع اليدين في الجلوس بين السجدتين في التشهد الأول والثاني قبض الخنصر والبنصر من يده اليمنى وتحليق إبهامه مع الوسطى في التشهد مطلقاً، أن يشير بسبابته عند ذكر لفظ الجلالة في التشهد. ضم أصابع اليسرى في التشهد، جعل أطراف أصابع اليسرى جهة القبلة، الإشارة بوجهه نحو القبلة في ابتداء السلام، الالتفاف يميناً وشمالاً في تسليمه أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، زيادة اليمين على الشمال في الالتفاف الخشوع في الصلاة.
والمرأة فيما تقدم كالرجل؛ الا أنها لا يسن لها المجافاة السابقة في الركوع والسجود، بل السنة لها أن تجمع نفسها وتجلس مسدلة رجليها عن يمينها وهو الأفضل، وتسر القراءة وجوباً إن كان يسمعها أجنبي، والخنثى المشلك كالأنثى) .

ابوالوليد المسلم 03-06-2020 11:30 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 227 الى صــــــــ
234
الحلقة (40)

مبحث شرح بعض سنن الصلاة وبيان المتفق عليه؛ والمتختلف فيه
رفع اليدين
رفع اليدين عند الشروع في الصلاة سنة، فيسن للمصلي أن يرفع يديه عند شروعه في الصلاة باتفاق، ولكنهم اختلفوا في كيفية هذا الرفع، فانظره مفصلاً تحت الخط (1) .

حكم الإتيان بقول: آمين
من سنن الصلاة أن يقول المصلي عقب الفراغ من قراءة الفاتحة: آمين، وإنما يسن بشرط أن لا يسكت طويلاً بعد الفراغ من قراءة الفاتحة، أو يتكلم بغير دعاء، وهو سنة للإمام والمأموم والمنفرد، وهذا القدر متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة، فاتفق الشافعية والحنابلة على أنه يؤتى به سراً في الصلاة السرية، وجهراً في الصلاة الجهرية، فإذا فرغ من قراءة الفاتحة جهراً في الركعة الأولى، والثانية من صلاة الصبح والمغرب والعشاء، قال: آمين جهراً، أما في باقي الركعات التي يقرأ فيها سراً فإنه يقول: آمين في سره أيضاً، ومثل ذلك باقي الصلوات التي يقرأ فيها سراً، وهي الظهر، والعصر، ونحوهما، مما يأتي بيانه، أما المالكية والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنفية قالوا: يسن للرجل أن يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام إلى حذاء أذنيه، مع نشر أصابعه - فتحها. ومثله الأمة، وأما المرأة الحرة فالسنة في حقها أن ترفع يديها إلى الكتفين - المنكبين - ومثل تكبيرة الإحرام تكبيرات العيدين والقنوت، فيسن له أن يرفع يديه فيها، كما سيأتي مفصلاً في مباحثه.
الشافعية قالوا: الأكمل في السنة هو رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، والركوع والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول حتى تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وتحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه؛ وتحاذي راحتاه منكبيه؛ للرجل والمرأة، أما أصل السنة فتحصل ببعض ذلك.
المالكية قالوا: رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام مندوب، وفيما عدا ذلك مكروه، وكيفية الرفع أن تكون يداه مبسوطتين. وظهورهما للسماء وبطونهما للأرض، على القول الأشهر عندهم

(2) الحنفية قالوا: التأمين يكون سراً في الجهرية والسرية، سواء كان ذلك عقب فراغه من قراءة الفاتحة، أو بسبب سماعه ختام الفاتحة من الإمام أو من جاره ولو كانت قراءتهما سرية.
المالكية قالوا: التأمين يندب للمنفرد والماموم مطلقاً، أي فيما يسر فيه، وفيما يجهر فيه، وللإمام فيما يسر فيه فقط، وإنما يؤمِّن المأموم في الجهرية إذا سمع قول إمامه: "ولا الضالين": وفي السرية بعد قوله هو: "ولا الضالين"

****************************
وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت السرة أو فوقها
يُسن وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت سرته أو فوقها، وهو سنة باتفاق ثلاثة من الأئمة،
وقال المالكية: إنه مندوب، أما كيفيته فانظرها تحت الخط (1) .

التحميد والتسميع
يُسن التحميد، وهو أن يقول: اللهم ربنا ولك الحمد عند الرفع من الركوع، أما التسميع فهو أن يقول المصلي: سمع الله لمن حمده عند الرفع من الركوع أيضاً، وهذا القدر متفق عليه في التسميع والتحميد، وإنما الخلاف في الصيغة التي ذكرنا.
فانظره تحت الخط (2) .
__________
(1) المالكية قالوا: وضع اليد اليمنى على اليسرى فوق السرة، وتحت الصدر مندوب لا سنة، بشرط أن يقصد المصلي به التسنن - يعني اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله - فإن قصد ذلك كان مندوباً. أما إن قصد الاعتماد والاتكاء، فإنه يكره بأي كيفية. وإذا لم يقصد شيئاً. بل وضع يديه هكذا بدون أن ينوي التسنن فإنه لا يكره على الظاهر بل يكون مندوباً أيضاً. هذا في الفرض أما في صلاة النفل فإنه يندب هذ الوضع بدون تفصيل.
الحنفية قالوا: كيفيته تختلف باختلاف المصلي. فإن كان رجلاً فيسن في حقه أن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كف اليسرى محلقاً بالخنصر والإبهام على الرسغ تحت سرته. وإن كانت امرأة فيسن لها أن تضع يديها على صدرها من غير تحليق.
الحنابلة قالوا: السنة للرجل والمرأة أن يضع باطن يده اليمنى على ظهر يده اليسرى ويجعلها تحت سرته.
الشافعية قالوا: السنة للرجل والمرأة وضع بطن كف اليد اليمنى على ظهر كف اليسرى تحت صدره وفوق سرته مما يلي جانبه الأيسر. وأما أصابع يده اليمنى بهو مخير بين أن يبسطها في عرض مفصل اليسرى وبين أن ينشرها في جهة ساعدها. كما تقدم إيضاحه في مذهبهم قريباً

(2) الحنفية قالوا: الإمام يقول عند رفعه من الركوع "سمع الله لمن حمده". ولا يزيد على ذلك على المعتمد. والمأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد. وهذه أفضل الصيغ، فلو قال: ربنا ولك الحمد. فقد أتى بالسنة، وكذا لو قال: ربنا لك الحمد، ولكن الأفضل هي الصيغة الأولى ويليها ربنا ولك الحمد، ويليهما ربنا لك الحمد. أما المنفرد فإنه يجمع بين الصيغتين فيقول: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد. أو ربنا لك الحمد. إلى آخر ما ذكر. وهذا سنة عند الحنفية، كما ذكرنا.
المالكية قالوا: التسميع. وهو قول: سمع الله لمن حمده سنة للإمام والمنفرد والمأموم. أما التحميد وهو قول: اللهم ربنا ولك الحمد، فهو مندوب لا سنة في الحنفية قالوا: المنفرد والمأمةم. أما الإمام فإن السنة في حقه أن يقول: سمع الله لمن حمده كما ذكرنا، ولا يزيد على ذلك. كما لا يزيد المأموم على قول: اللهم ربنا ولك الحمد، أو ربنا ولك الحمد ولكن الصيغة الأولى أولى.
الشافعية قالوا: السنة أن يجمع كل من الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد، فيقول كل واحد منهم: سمع الله لمن حمده. ربنا لك الحمد، ولكن على الإمام أن يجهر بقوله: سمع الله لمن حمده. أما المأموم فلا يسن له أن يجهر بها. الا إذا كان مبلغاً. أما قول ربنا لك الحمد فيسن لكن منهم أن يأتي بها سراً، حتى ولو كان المأموم مبلغاً، كما تقدم بيانه في مذهبهم.
الحنابلة قالوا: يجمع الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد. فيقول: سمع الله لمن حمده. ربنا ولك الحمد، وهذا الترتيب في الصيغة واجب عند الحنابلة، فلو قال: من حمد الله سمع له. لم يجزئه. ويقول: ربنا ولك الحمد عند تمام قيامه. أما المأموم، فإنه يقول: ربنا ولك الحمد بدون زيادة في حال رفعه من الركوع ولو قال ربنا لك الحمد، فإنه يكفي، ولكن الصيغة الأولى أفضل: وأفضل من ذلك أن يقول: اللهم ربنا لك الحمد بدون واو. ويسن أن يقول بعد الفراغ من قول: ربنا ولك الحمد: ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد
****************************
جهر الإمام بالتكبير والتسميع
ويسن: جهر الإمام بالتكبير، والتسميع، والسلام كي يسمعه المأمومون الذين يصلون خلفه، وهذا الجهر سنة باتفاق ثلاثة.
وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة.

التبليغ خلف الإمام
ويتعلق بذلك بيان حكم التبليغ، وهو أن يرفع أحد المأمومين أو الإمام صوته ليسمع الباقين صوت الإمام وهو جائز بشرط أن يقصد المبلغ برفع صوته الإحرام للصلاة بتكبيرة الإحرام.
أما لو قصد التبليغ فقط، فإن صلاته لم تنعقد، وهذا القدر متفق عليه في المذهب أما إذا قصد التبليغ مع الإحرام، أي نوى الدخول في الصلاة.
ونوى التبليغ. فإنه لا يضر.
أما غير تكبيرة الإحرام من باقي التكبيرات، فإنه إذا نوى بها التبليغ فقد فإن صلاته لا تبطل، ولكن يفوته الثواب (1) .
__________
(1) الشافعية قالوا: تبطل صلاة المبلغ إذا قصد التبليغ فقط بتكبيرة الإحرام، وكذا إذا لم يقصد شيئاً، أما إذا قصد بتكبيرة الإحرام التبليغ والإحرام للصلاة، أو قصد الإحرام فقط، فإن صلاته تنعقد، وكذلك الحال في غير تكبيرة الإحرام، فإنه إذا قصد بها مجرد التبليغ، أو لم يقصد شيئاً بطلت صلاته، أما إذا قصدر التبليغ مع الذكر، فإن صلاته تصح، الا إذا كان عامياً، فإن صلاته لا تبطلن ولو قصد الإعلام فقط.
الحنفية قالوا: يسن جهر الإمام بالتكبير بقدر الحاجة لتبليغ من خلفه، فلو زاد على ذلك زيادة فاحشة، فإنه يكره، لا فرق في ذلك بين تكبيرة الإحرام وغيرها، ثم إذا قصد الإمام أو المبلغ الذي يصلي خلفه بتكبيرة الإحرام مجرد التبليغ خالياً عن قصد الإحرام فإن صلاته تبطل، وكذا صلاة من يصلي بتبليغه إذا علم منه ذلك، وإذا قصد التبليغ مع الإحرام فإنه لا يضر، بل هو المطلوب.
هذا في تكبيرة الإحرام، أما باقي التكبيرات، فإنه إذا قصد بها مجرد الإعلام فإن صلاته لا تبطل، ومثلها التسميع والتحميد، ما لم يقصد برفع صوته بالتبليغ التغني ليعجب الناس بنغم صوته فإن صلاته تفسد على الراجح

*****************************
تكبيرات الصلاة المسنونة
ومن سنن الصلاة التكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، وهي تكبيرة الركوع، وتكبيرة السجود، وتكبيرة الرفع من السجود، وتكبيرة القيام، فإنها كلها سنة، وهذا الحكم متفق عليه بين المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) .

قراءة السورة أو ما يقوم مقامها بعد الفاتحة
قراءة شيء من القرآن بعد قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والمغرب والعشاء، وفي ركعتي فر الصبح، مطلوب باتفاق، ولكنهم اختلفوا في حكمه، فقال ثلاثة من الأئمة: إنه سنة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وكذا مقدار المطلوب
__________
(1) الحنابلة قالوا: إن كل هذه التكبيرات واجبة لا بد منها، ما عدا تكبيرة المسبوق الذي أدرك إمامه راكعاً، فإن تكبيرة ركوعه سنة، بحيث لو كبر للإحرام، وركع، ولم يكبر صحت صلاته.
الحنفية قالوا: إن جميع هذه التكبيرات سنة، كما يقل الشافعية والمالكية، الا في صورة واحدة، وهي تكبيرة الركوع في الركعة الثانية من صلاة العيدين، فإنها واجبة، وقد عرفت أن الواجب عندهم أقل من الفرض، وقد عبر عنه بعضهم بأنه سنة مؤكدة
(2) الحنفية قالوا: حكم قراءة السورة أو ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة هو الوجوب. فتجب قراءة ذلك في الركعتين الأوليين من صلاة الفرض، وقد ذكرنا معنى الواجب عندهم
************************
قراءته، فقد اتفق الشافعية والمالكية على أنه يكتفي بقراءة سورة صغيرة، أو آية، أو بعض آية، فمتى أتى بهذا بعد الفاتحة فقد حصل أصل السنة؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) وقراءة السورة بعد الفاتحة في الفرض سنة للإمام والمنفرد والمأموم إذا لم يسمع قراءة الإمام، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
هذا في صلاة الفرض، أما صلاة النفل، فإن قراءة السورة ونحوها مطلوبة في جميع ركعاته، سواء صلاها ركعتين أو أربعاً، بتسليمة واحدة، أو أكثر من ذلك، وهذا الحكم فيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (3) .
__________
(1) الحنفية قالوا: لا يحصل الواجب الا بما ذكر من قراءة سورة صغيرة، أو آية طويلة، أو ثلاث آيات قصار.
الحنابلة قالوا: لا بد من قراءة آية لها معنى مستقل غير مرتبط بما قبله ولا بعده، فلا يكفي أن يقول: "مدهامتان" أو "ثم نظر" أو نحو ذلك
(2) الحنفية قالوا: لا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف الإمام مطلقاً، كما تقدم، وقد عرفت حكم الإمام، والمنفرد في ذلك في الصحيفة التي قبل هذه.
المالكية قالوا: تكره القراءة للمأموم في الصلاة الجهرية، وإن لم يسمع أو سكت الإمام
(3) المالكية قالوا: إن قراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة مندوب في النفل لا سنة. سواء صلى ركعتين أو أكثر.
الحنفية قالوا: قراءة السورة أو ما يقوم مقامها من الآيات التي ذكرنا واجب في جميع ركعات النفل لا سنة ولا مندوب، كما يقول غيرهم.
الشافعية قالوا: إذا صلى النفل أكثر من ركعتين. فإنه يكون كصلاة الفرض الرباعي. فلا يسن أن يأتي بالسورة الا في الركعتين الأوليين. أما ما زاد على ذلك فإنه يكتفي فيه بقراءة الفاتحة.
الحنابلة قالوا: قراءة سورة صغيرة أو آية مستقلة لها معنى مستقل بعد الفاتحة في صلاة النفل سنة في كل ركعة من ركعاته، سواء صلاها ركعتين أو أربعاً
*************************
دعاء الافتتاح ويقال له: الثناء
دعاء الافتتاح سنة عند ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية.
فقالوا: المشهور أنه مكروه.
وبعضهم يقول: بل هو مندوب.
أما صيغة هذا الدعاء وما قيل فيه، فانظره تحت الخط (1) .
__________
(1) الحنفية قالوا: نص دعاء الافتتاح هو أن يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" ومعنى: سبحانك اللهم وبحمدك، أنزهك تنزيهك اللائق بجلالك يا الله، ومعنى وبحمدك، سبحتك بكل ما يليق بك، وسبحتك بحمدك، ومعنى: وتبارك اسمك، دامت بركته، ودام خيره، ومعنى تعالى جدّك، علا جلالك؟ واترفعت عظمتك، وهو سنة عندهم للإمام والمأموم والمنفرد في صلاة الفرض والنفل، الا إذا كان المصلي مأموماً وشرع الإمام في القراءة؛ فإنه في هذه الحالة لا يأتي المأموم بالثناء، وإذا فاتته ركعة وأدرك الإمام في الركعة الثانية، فإنه يأتي به قبل أن يشرع الإمام في القراءة؟ وهكذا، فلا يسن في الحنفية قالوا: المأموم بعد شروع إمامه في القراءة في كل ركعة سواء كان يقرأ جهراً أو سراً وإذا أدرك الإمام وهو راكع أو ساجد؟ فإن كان يظن أنه يدركه قبل الرفع من ركوعه، أو سجوده؛ فإنه يأتي بالثناء؟ وإلا فلا.
الشافعية قالوا: دعاء الافتتاح هو أن يقول المصلي بعد تكبيرة الإحرام: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين؛ لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين} والحنفية يقولون إن هذه الصيغة تقال قبل نية صلاة الفرض، كما تقال بعد النية، والتكبيرة في صلاة النافلة، وقد اشترط الشافعية للإتيان بهذا الدعاء شروطاً خمسة، ذكرناها مع بيان كل ما يتعلق به في "سنن الصلاة" في مذهبهم؛ فارجع إليه.
الحنابلة قالوا: نص دعاء الافتتاح هو النص الذي ذكر في مذهب الحنفية، ويجوز أن يأتي بالنص الذي ذكره الشافعية بدون كراهة، بل الأفضل أن يأتي بكل من النوعين أحياناً، وأحياناً.
المالكية قالوا: يكره الإتيان بدعاء الافتتاح على المشهور، لعمل الصحابة على تركه، وإن كان الحديث الوارد به صحيحاً على أنهم نقلوا عن مالك رضي الله عنه أنه قال بندبه، ونصه: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً"، إلى آخر الآية؛ وقد عرفت أن الإتيان به مكروه على المشهور
****************************
التعوذ
التعوّذ سنة عن ثلاثة من الأئمة، خلافاً للمالكية؛ فانظر ما قيل في التعوذ عند كل مذهب تحت الخط (1) .

التسمية في الصلاة
ومنها التسمية في كل ركعة قبل الفاتحة، بأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي سنة عند الحنفية، والحنابلة،
أما الشافعية فيقولون: إنها فرض،
والمالكية يقولون: إنها مكروهة وفي كل ذلك تفصيل ذكرناه تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنفية قالوا: التعوذ سنة، وهو أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والثناء المتقدم، ولا يأتي بالتعوذ الا في الركعة الأولى، سواء كان إماماً، أو منفرداً، أو مأموماً، الا إذا كان المأموم مسبوقاً، كأن أدرك الإمام بعد شروعه في القراءة، فإنه في هذه الحالة لا يأتي بالتعوذ، لأن التعوذ تابع للقراءة على الراجح عندهم، وهي منهي عنها في هذه الحالة.
الشافعية قالوا: التعوذ سنة في كل ركعة من الركعات، وأفضل صيغة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد تقدم تفصيل ذلك في بيان مذهبهم قريباً.
المالكية قالوا: التعوذ مكروه في صلاة الفريضة، سراً كان، أو جهراً، أما في صلاة النافلة فإنه يجوز سراً، ويكره جهراً على القول المرجح.
الحنابلة قالوا: التعوذ سنة، وهو أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وهو سنة في الركعة الأولى
(2) الحنفية قالوا: يسمي الإمام والمنفرد سراً في أول كل ركعة، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية. أما المأموم فإنه لا يسمي طبعاً، لأنه لا تجوز له القراءة ما دام مأموماً، ويأتي بالتسمية بعد دعاء الافتتاح، وبعد التعوذ، فإذا نسي التعوذ، وسمي قبله، فإنه يعيده ثانياً، ثم يسمي، أما إذا نسي التسمية، وشرع في قراءة الفاتحة، فإنه يستمر، ولا يعيد التسمية على الصحيح أما التسمية بين الفاتحة والسورة، فإن الإتيان بها غير مكروه، ولكن الأولى أن لا يسمي، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، وليست التسمية من الفاتحة، ولا من كل سورة في الأصح، وإن كانت من القرآن.
المالكية قالوا: يكره الإتيان بالتسمية في الصلاة المفروضة، سواء كانت سرية أو جهرية، الا إذا نوى المصلي الخروج من الخلاف، فيكون الإتيان بها أول الفاتحة سراً مندوباً؛ والجهر بها مكروه في هذه الحالة أما في صلاة النافلة، فإنه يجوز للمصلي أن يأتي بالتسمية عند قراءة الفاتحة.
الشافعية قالوا: البسملة آية من الفاتحة، فالإتيان بها فرض لا سنة، فحكمها حكم الفاتحة في الصلاة السرية أو الجهرية، فعلى المصلي أن يأتي بالتسمية جهراً في الصلاة الجهرية، كما يأتي بالفاتحة جهراً، وإن لم يأت بها بطلت صلاته.
الحنابلة قالوا: التسمية سنة، والمصلي يأتي بها في كل ركعة سراً، وليست آية من الفاتحة، وإذا سمى قبل التعوذ سقط التعوذ، فلا يعود إليه، وكذلك إذا ترك التسمية، وشرع في قراءة الفاتحة، فإنها تسقط، ولا يعود إليها، كما يقول الحنفية
*****************************
تطويل القراءة وعدمه
ومنها أن تكون القراءة من طوال المفصل، أو أوساطه في أوقات مختلفة مبينه.
وحد المفصل في المذاهب، تحت الخط (1) .
وإنما تسن الإطالة إذا كان المصلي مقيماً منفرداً، فإن كان مسافراً، فلا تسن عند ثلاثة من الأئمة وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وإن كان المصلي إماماً، فيسن له التطويل بشروط مفصلة في المذاهب
(3) .
__________
الحنابلة قالوا: التسمية سنة، والمصلي يأتي بها في كل ركعة سراً، وليست آية من الفاتحة، وإذا سمى قبل التعوذ سقط التعوذ، فلا يعود إليه، وكذلك إذا ترك التسمية، وشرع في قراءة الفاتحة، فإنها تسقط، ولا يعود إليها، كما يقول الحنفية
(1) الحنفية قالوا: إن طوال المفصل من "الحجرات" إلى سورة "البروج" وأوساطه من سورة "البروج" إلى سورة "لم يكن"، وقصاره من سورة "لم يكن" إلى سورة "الناس"، فيقرأ من طوال المفصل في الصبح والظهر، الا أنه يسن أن تكون في الظهر أقل منها في الصبح؛ ويقرأ من أوساطه في العصر والعشاء، ويقرأ من قصاره في المغرب.
الشافعية قالوا: إن طوال المفصل من "الحجرات" إلى سورة "عم يتساءلون" وأوساطه من سورة "عم" إلى سورة "والضحى" وقصاره منها إلى آخر القرآن، فيقرأ من طوال المفصل في صلاة الصبح وصلاة الظهر؛ ويسن أن تكون في الظهر أقل منها في الصبح، الا أنه يستثنى من ذلك صبح يوم الجمعة، فإنه يسن فيه أن يقرأ في ركعته الأولى بسورة "ألم - السجدة" وإن لم تكن من المفصل، وفي ركعته الثانية بسورة "هل أتى" بخصوصها، ويقرأ من أوساطه في العصر والعشاء، ومن قصار في المغرب.
المالكية قالوا: إن طوال المفصل من سورة "الحجرات" إلى آخر "والنازعات" وأوساطه من بعد ذلك إلى "والضحى" وقصاره منها إلى آخر القرآن، فيقرأ من طول المفصل في الصبح والظهر، ومن قصاره في العصر والمغرب، ومن أوساطه في العشاء، وهذا كله مندوب عندهم لا سنة.
الحنابلة قالوا: إن طوال المفصل من سورة "ق" إلى سورة "عم" وأوساطه إلى سورة "والضحى" وقصاره إلى آخر القرآن، فيقرأ من طوال المفصل في الصبح فقط، ومن قصاره في المغرب فقط، ومن أوساطه في الظهر والعصر والعشاء، ويكره أن يقرأ في الفجر وغيره بأكثر من ذلك لعذر، كسفر، ومرض، وإن لم يوجد عذر كره في الفجر فقط
(2) المالكية قالوا: يندب التطويل للمنفرد، سواء كان مسافراً أو مقيماً
(3) الشافعية قالوا: يسن التطويل للإمام بشرط أن يكون إمام محصورين راضين بالتطويل بأن يصرحوا بذلك، الا في صبح يوم الجمعة، فإنه يسن للإمام فيه الإطالة بقراءة سورة "السجدة" كلها، وسورة، هل أتى، وإن لم يرضوا.
المالكية قالوا: يندب التطويل للإمام بشروط أربعة: الأول: أن يكون إماماً لجماعة محصورين، الثاني: أن يطلبوا منه التطويل بلسان الحال أو المقال، الثالث: أن يعلم أو يظن أنهم يطيقون ذلك، الرابع: أن يعلم، أو يظن أن لا عذر لواحد منهم، فإن تخلف شرط من ذلك، فتقصير القراءة أفضل.
الحنفية قالوا: تسن الإطالة للإمام إذا علم أنه لم يثقل بها على المقتدين، أما إذا علم أنه يثقل فتكره الإطالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بالمعوذتين، فلما فرغ قيل: أوجزت؟ قال: "سمعت بكاء صبي؛ فخشيت أن تفتتن أمه، ويلحق بذلك الضعيف والمريض وذو الحاجة".
الحنابلة قالوا: يسن للإمام التخفيف بحسب حال المأمومين

****************************
إطالة القراءة في الركعة الأولى عن القراءة في الثانية، وتقريج القدمين حال القيام
ومنها إطالة القراءة في الركعة الأولى من كل صلاة على الثانية فإن سوّى بينهما في القراءة فقد فاتته السنة، وإن أطال الثانية على الأولى كره له ذلك، الا في صلاة الجمعة، فيسن له أن يطيل الثانية فيها على الأولى، ومعنى الإطالة في الركعة الأولى أن يأتي بآيات أكثر منها في الركعة الثانية إلا في صلاة الجمعة والعيدين، وفي حال الزحام، فإنه يسن تطويل القراءة في الثانية عن الأولى، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، أما المالكية، والحنابلة "فانظر مذهبيهما تحت الخط" (1) .
ومنها تفريج القدمين حال القيام، بحيث لا يقرن بينهما، ولا يوسع إلا بعذر، كسمن ونحوه وقد اختلف في تقديره في المذاهب
(2) .
__________

(1) المالكية، والحنابلة قالوا: يندب تقصير الركعة الثانية عن الركعة الأولى في الزمن، ولو قرأ بها أكثر من الأولى بدون فرق بين الجمعة وغيرها، فإن سوّى بينهما أو أطال الثانية على الأولى، فقد خالف الأولى، على أن المالكية يفرقون بين المدوب والسنة، كما تقدم، بخلاف الحنابلة، وكذلك الشافعية لا يفرقون بين المندوب والسنة ومن هذا يتضح لك معنى الرفاق والخلاف
(2) الحنفية: قدروا التفريج بينهما بقدر أربع أصابع، فإن زاد أو نقص كره.
الشافعية: قدروا التفريج بينهما بقدر شبر. فيكره أن يقرن بينهما أو يوسع أكثر من ذلك كما يكره تقديم إحداهما على الأخرى.
المالكية قالوا: تفريج القدمين مندوب لا سنة، وقالوا: المندوب هو أن يكون بحالة متوسطة،بحيث لا يضمهما ولا يوسعهما كثيراً، حتى يتفاحش عرفاً ووافقهم الحنابلة على هذا التقدير إلا أنه لا فرق عند الحنابلة بين تسميته مندوباً أو سنة


الساعة الآن : 09:20 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 728.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 726.96 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (0.24%)]