ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   الأندلس من الفتح إلى السقوط (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=212721)

ابوالوليد المسلم 24-09-2019 06:33 AM

الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :
(1) سبب تسمية الأندلس



راغب السرجاني



https://static.islamway.net/uploads/...9%84%D8%B3.jpg
الاسم المعاصر للأندلس، ومن أول من سكنها، وسبب تسمية الأندلس:

أما الأندلس فتسمى الآن أسبانيا والبرتغال، أو ما يسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية، ومساحتها ستمائة ألف كيلو متر مربع، أي: أقل من ثلثي من مصر، ثم تناقصت الأرض عليهم مع مرور الزمان، أما مساحة فرنسا فهي حوالي نصف مليون كيلو متر مربع، وإن شاء الله سيكون للمسلمين أيضاً فتوحات مرتبطة بفرنسا، وفرنسا في ذلك الزمن كان اسمها مملكة الفرنجة، أو مملكة غاليا.


سكن الأندلس منذ القرن الأول الميلادي بعض القبائل الهمجية التي جاءت من شمال اسكندنافا من بلاد السويد والدنمارك والنرويج وما إلى ذلك، وهجمت على منطقة الأندلس وعاشت فيها فترة من الزمان، ويقال: إن هذه القبائل جاءت من ألمانيا، وهذه القبائل كان اسمها قبائل الفندال، وباللغة العربية تحرف أحياناً إلى الوندال، فسميت هذه البلاد بفندلسيا لأن قبائل الفندال عاشت فيها فترة من الزمان، ثم حُرّف الاسم بعد ذلك إلى أندلسيا، وهذه القبائل كانت وحشية حتى يعلم الناس كيف انصلح الحال في هذه البلاد بعد دخول الإسلام،

وفي اللغة الإنجليزية فإ، كلمة فندلزم تعني همجية أو وحشية أو أسلوب غير حضاري أو بدائي في الحياة، فقبائل الفندال عاشت فترة من الزمان فسميت هذه البلاد بفندلسيا، ثم خرجت هذه القبائل وحكم الأندلس طوائف أخرى من النصارى عُرفت في التاريخ باسم القوط الغربيين، وهي التي كانت تعيش فيها حتى دخول المسلمين.

واتجه المسلمون لفتح بلاد الأندلس في ذلك الوقت، لأنهم وصلوا في الفتح إلى المغرب الأقصى، أي: أنهم فتحوا الشمال الأفريقي كله: مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، والناظر إلى خريطة هذه المنطقة يجد أنه بعد دولة المغرب مباشرة المحيط الأطلسي، فإما أن تصعد شمالاً وتعبر مضيق جبل طارق وتدخل في بلاد أسبانيا والبرتغال التي كان اسمها الأندلس، وإما أن تنزل جنوباً في الصحراء الكبرى، والمسلمون ليس من همّهم جمع الأراضي والممتلكات -والصحراء الكبرى قليلة السكان جداً- وإنما يبحثون عن البشر حتى يعلموهم دين الله سبحانه وتعالى، فلما انتهوا من المغرب انتقلوا إلى الدولة المجاورة مباشرة التي هي دولة الأندلس، وعندما انتهوا من الأندلس انتقلوا إلى الدولة المجاورة التي هي فرنسا، وكان عندهم العزم -لو ربنا سبحانه وتعالى فتح عليهم وأكملوا الفتوح- أن يفتحوا الدول المجاورة التي هي: إيطاليا وألمانيا وهكذا، فالمسلمون كانوا قد وصلوا إلى الأندلس واستتب لهم الأمر أواخر الثمانيات من الهجرة، كما سيأتي بالتفصيل إن شاء الله في شرح الطريق إلى الأندلس.


والله سبحانه وتعالى يقول لنا في كتابه الكريم: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]، ومعنى: {الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} [التوبة:123] أي: البلاد المجاورة لكم.


وقد دار حوار لطيف بين معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ملك الروم قبل موقعة اليرموك عن طريق المفاوضات بين الفريقين والرسل، فسأل ملك الروم معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال له: ما الذي دعاكم إلى الولوغ في بلادنا، وبلاد الحبشة أسهل عليكم؟ فالعالم القديم كان مقسماً بين الروم وفارس، أي: أنها القوة العظمى في ذلك الزمن.


فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه: قال لنا ربنا في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]، وأنتم البلاد التي تلينا، ثم بعد الانتهاء من بلاد الروم سنفتح الحبشة وغيرها من البلاد، فالمسلمون كانوا قد وصلوا إلى المغرب الأقصى، وأول بلاد مجاورة هي بلاد الأندلس، وهي الخطوة التالية للفتح مباشرة.



ابوالوليد المسلم 24-09-2019 06:37 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :

(2) زمن فتح الأندلس



راغب السرجاني



https://static.islamway.net/uploads/.../hqdefault.jpg
وقد فتحت الأندلس في سنة (92 هـ) في الدولة الأموية، خصوصاً في خلافة الوليد بن عبد الملك رحمه الله الخليفة الأموي الذي حكم من سنة 86 هـ إلى سنة 96 هـ، أي: أن فتح الأندلس كان في منتصف خلافة الوليد بن عبد الملك رحمه الله.

والدولة الأموية مظلومة في التاريخ الإسلامي، فقد أشيع عنها كثيراً من الذين شوهوا التاريخ الإسلامي فقالوا: إنه ما كان تاريخ إلا في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى أن كثيراً من الناس يطعنون في تاريخ أبي بكر وعمر مع علم الجميع بفضلهما،

وغرضهم في ذلك عدم إقامة دولة إسلامية، فإذا كان السابقون القريبون من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم دولة بني أمية والدولة العباسية وغيرها من الدول لم تستطع أن تقيم حكماً إسلامياً صالحاً ناجحاً، فكيف بالمتأخرين؟
وهذه الرسالة يريدون أن يصلوا بها إلى كل المسلمين، فالدولة الأموية كانت دولة لها كثير من الأيادي البيضاء على المسلمين، فقد دخلت كثير من البلاد في الإسلام في عهد بني أمية، كشمال أفريقيا ابتداء من ليبيا إلى أواخر المغرب، نعم بدأت الفتوحات لهذه البلاد في عهد عثمان بن عفان ثم انتقضت وارتدت على عاقبها، وفُتحت من جديد في عهد بني أمية، وأفغانستان وجمهوريات جنوب روسيا دخلت في الإسلام في عهد بني أمية، وكثير من البلاد وكثير من الناس دخلوا في الإسلام في عهد هذه الفترة الناجحة جداً في تاريخ الأمة الإسلامية، ودوّنت السنة في عهد بني أمية، ورُغّب في الجهاد في عهد بني أمية حتى صار الجهاد أمراً طبيعياً،
وأنه في كل سنة سيكون جهاد في الصيف وجهاد في الشتاء فالمجاهدون كانوا يخرجون للجهاد كما يخرجون إلى أعمالهم، والشرع كان مطبّق في عهد بني أمية، ولا نقول أنهم كانوا بلا أخطاء ولا عيوب، ومن المؤكد أن كل البشر يخطئون، ومن المؤكد أن هناك أخطاء كثيرة في تاريخ بني أمية، لكن بلا شك أن هذه الأخطاء تذوب في بحر حسناتهم وأفضالهم على المسلمين.

حكمت دولة بني أمية من سنة (40 هـ إلى سنة 132 هـ) أي: أنه استمر الحكم في بني أمية 92سنة، ومؤسس دولة بني أمية الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكثير من الناس يطعنون في خلافة معاوية بن أبي سفيان وفي تاريخه وكذبوا، وليتهم يصلون إلى معشار ما فعله معاوية بن أبي سفيان للإسلام والمسلمين، وإن شاء الله تكون بيننا محاضرات وجولات مع تاريخ معاوية بن أبي سفيان وتاريخ الدولة الأموية، وليس المجال الآن في الخوض والحديث بالتفصيل عن تاريخ بني أمية لكن نذكر مقدمة قد تفيد إن شاء الله في الحديث عن الأندلس.


تتابع الحكام بعد معاوية بن أبي سفيان وأشهرهم عبد الملك بن مروان رحمه الله، وتبعه من أولاده: الوليد وسليمان ويزيد وهشام، ثم الخليفة الخامس الراشد المشهور عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، الذي ملأ الأرض عدلاً ورحمة وأمناً ورخاء، وآخر سبع سنوات فقط في بني أمية هي التي كانت فيها الكثير من المآسي والاختلافات عن المنهج الإسلامي، وكسنة من سنن الله سبحانه وتعالى قامت دولة أخرى لما فسد الأمر في بني أمية وهي دولة بني العباس، لكن فتح الأندلس حسنة من حسنات بني أمية.


ابوالوليد المسلم 01-10-2019 12:55 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :

(3) حال أوروبا أثناء الفتح الإسلامي للأندلس



راغب السرجاني


https://static.islamway.net/uploads/...es/9242206.jpg
سؤال آخر قد يخطر على الذهن وهو:
كيف كان الوضع في بلاد الأندلس وأوروبا؟ وكيف تغيرت بعد دخول المسلمين إليها؟

الواقع أن أوروبا في ذلك الوقت كانت تعيش في فترة من فترات الجهل العظيم المنتشر في كل الأرض، وبعد كبير جداً عن كل مناهج العدل التي نشرها الإسلام بعد ذلك، وظلم بيّن من الحكام للمحكومين فالأموال الكثيرة والخيرات في يد الحكام أما الشعوب فهي تعيش في بؤس كبير.

والحكام اهتموا كثيراً ببناء القصور والقلاع والحصون بينما يعيش عامة الشعب في فقر شديد، وعموم الناس يزرعون الأراضي وكانوا يباعون ويشترون كالمتاع في هذا الزمان، وهناك انتهاك للحرمات وأخلاق متدنية، وبعد حتى عن مقومات الحياة الطبيعية، فالنظافة مختفية بالمرة، لدرجة أن الناس كانوا يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم ولا يقصونها، ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين، ويظنون أن هذه الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي صحة لهذا الجسد، وهي خير وبركة لهذا الجسد!

والمشكلة الكبيرة جداً هي عندما يذهب أحدهم ليغتسل، والرحالة المسلمون الذين دخلوا إلى اسكندنافا وجدوا الناس يتفاهمون بالإشارة، أي: ليست لهم لغة منطوقة فضلاً عن أن تكون مكتوبة، فهذه البلاد كانت تعيش في جهل وفي ظلم وفي فقر،
وكان في هذه البلاد بعض أفعال الهنود والمجوس من حرق للمتوفى عند موته، وحرق لزوجة المتوفى معه وهي حية، أو الحرق لجاريته، أو من يحبه من الناس معه وهو حي والناس تشاهد وتعلم هذا الأمر، وكانت هذه البلاد تعيش في ظلم وفقر وضياع كبير جداً عن أي وجه من وجوه الحضارة، ثم لننظر ماذا فعل الإسلام في هذه البلاد؟
كانت هذه مقدمة لدراسة تاريخ الأندلس، وبإذن الله من المقال القادم نتحدث عن تاريخ الأندلس بالترتيب الزمني منذ الفتح سنة 92 هـ إلى السقوط في سنة 897 هـ.
وكما ذكرنا نؤكد ونعيد ونقول أن هذه المقالات ما هي إلا فتح الطريق لدراسة تاريخ الأندلس وليست هي كل تاريخ الأندلس، فتاريخ الأندلس يضم أكثر من 800 سنة كما ذكرنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً كثيراً.




ابوالوليد المسلم 01-10-2019 01:00 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :

(4) نبذة يسيرة عن موسى بن نصير ووالده


راغب السرجاني


https://static.islamway.net/uploads/...es/9242206.jpg

تحدثنا سابقا عن بعض المقدمات الخاصة بفتح الأندلس والآن ندخل في تفصيلات هذا الفتح، واليوم نتحدث عن أول فترات الأندلس ما يسمى: بعهد الفتح الإسلامي الأندلسي الذي بدأ في سنة 92 من الهجرة، ولكي نفهم الفتح الإسلامي للأندلس في سنة 92 من الهجرة لا بد أن نفهم الوضع في الشمال الأفريقي الملاصق للأندلس في ذلك الزمن، فبلاد الشمال الأفريقي دخلها الإسلام عبر سنوات عديدة تصل إلى 70 سنة، ابتداء من سنة 23 من الهجرة، وهناك فتوحات في الشمال الأفريقي، لكن كانت دائمة الارتداد عن دين الله سبحانه وتعالى.


يسكن في هذه المناطق قبائل ضخمة جداً اسمها: قبائل البربر وسنفصل إن شاء الله عنها خلال الحلقات اللاحقة، كانت قبائل البربر كثيرة الارتداد عن الإسلام، حتى دارت بينها وبين المسلمين جولات كثيرة حتى استقر الإسلام فيها في أواخر سنة 85 أو 86 من الهجرة على يد موسى بن نصير رحمه الله،

وموسى بن نصير رحمه الله ذلك القائد المسلم البارع التقي الورع الذي ثبت أقدام الإسلام في هذه البلاد المترامية الأطراف في الشمال الأفريقي.
كان من التابعين، روى عن بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوه نصير كان غلاماً نصرانياً، أسر في موقعة عين التمر، وكان قائد المسلمين خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، وكان نصير يتعلم الإنجيل والدراسات النصرانية في كنيسة من الكنائس، ثم عرض عليه الإسلام، فأعجب بالإسلام ودخل فيه، ونصير هو أبو موسى بن نصير وكان معه أيضاً في نفس الفترة وفي نفس المكان سيرين والد محمد بن سيرين التابعي المشهور.
فانظر كيف فعل الإسلام بهؤلاء؟ فلو كان نصير نصرانياً لظل على ما هو عليه في زمانه، ولأصبح راهباً من الرهبان موجوداً في منطقة في العراق أو في فارس، لكن انظر كيف من الله عليه وعلى ابنه بعد ذلك وأصبح في حسنات خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه،

فبعد وفاته بسنوات فتحت بلاد الأندلس والشمال الأفريقي على يد موسى بن نصير رحمه الله، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
وهذه ثمرة من ثمرات الجهاد الإسلامي في فارس أن فتحت بلاد الأندلس بعد ذلك بعشرات الأعوام، وخالد بن الوليد إن شاء الله مشارك في الأجر لمن فتح بلاد الأندلس، ونصير لما أسلم أخذ يتدرج في الإسلام حتى أصبح عالماً ومجاهداً من المجاهدين، وكان فارساً مغواراً حتى أنه ترقى في المناصب حتى أصبح في زمن الدولة الأموية هو قائد جيوش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه،

فتولى القيادة لمدة سنوات كثيرة حتى أن ابنه موسى بن نصير أصبح يتربى في بيت الخلافة مع أولاد معاوية وأولاد الأمراء والخلفاء، فتربى موسى بن نصير على حياة الجهاد والدين ونشر الإسلام وما إلى ذلك، ثم كبر بعد ذلك وأخذ يتولى المناصب حتى أصبح قائد جيوش الأمويين في منطقة مصر، وكان الوالي على مصر عبد العزيز بن مروان أخو عبد الملك بن مروان، ثم بعد ذلك أصبح والياً على أفريقيا في سنة 85هـ، وهو الذي ثبت أقدام الإسلام في أفريقيا بعد ارتداد الناس عن الإسلام، وقد كانوا دخلوا في الإسلام من قبل على يد عقبة بن نافع رحمه الله.

ابوالوليد المسلم 01-10-2019 01:03 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :


(5) الأخطاء التي وقعت أثناء فتح بلاد المغرب



راغب السرجاني


https://static.islamway.net/uploads/...es/9242206.jpg
الأخطاء التي وقعت أثناء فتح بلاد المغرب العربي والتي تجنبها موسى بن نصير:
ارتد الناس عن الإسلام فترة من الزمان بعد أن اغتيل عقبة بن نافع في القيروان على يد البربر وهو في طريق عودته من المغرب الأقصى، فنظر موسى بن نصير في سبب ارتداد الناس عن الإسلام بصورة متكررة، فوجد خطأين للسابقين وتجنبهما رحمه الله موسى بن نصير ولذلك ثبت الإسلام في عهده في تلك البلاد بعد ذلك.


الأمر الأول: أن عقبة بن نافع ومن معه كانوا يفتحون البلاد فتحاً سريعاً، ولا يحمون ظهورهم في أماكن كثيرة إذا توغلوا فيها، فانقلب عليه الناس وأحاطوا به وقتلوه، فبدأ موسى بن نصير يفتح البلاد في هدوء وفي حذر، وبدأ يتقدم خطوة خطوة ويؤمن ظهره ثم يدخل خطوة أخرى ويؤمن ظهره فتم فتح البلاد في 7 سنوات أو في 6 سنوات، بينما عقبة بن نافع فقد تم له الأمر في شهور معدودة.


الأمر الثاني: أن هؤلاء القوم لم يعرفوا الإسلام حق المعرفة، فبدأ يعلمهم الإسلام، فأتى بالتابعين من منطقة الشام والحجاز ليعلموا الناس الإسلام، فأحب الناس الإسلام ودخلوا في دين الله سبحانه وتعالى أفواجاً، وبدأ يأخذ في صبر شديد يعلم الناس هذا الدين حتى أصبح البربر في المنطقة هم جند الإسلام وأهله.


موسى بن نصير رحمه الله بعد أن استتب له الأمر في شمال أفريقيا فكر في قوله سبحانه وتعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]، فقال: البلاد المجاورة لشمال أفريقيا هي بلاد الأندلس، إذاً: لابد أن أفتح بلاد الأندلس، كان موسى بن نصير رحمه الله قد أتم فتح الشمال الأفريقي كله إلا مدينة سبتة، وهي مدينة من المدن المغربية، تقع على مضيق جبل طارق مباشرة، وبلاد الأندلس يفصل بينها وبين المغرب مضيق جبل طارق، ومضيق جبل طارق ليس مضيقاً هيناً بسيطاً، فإن عرضه في بعض المناطق 13 كيلو ويصل عرضه في بعض المناطق الأخرى 37 كيلو، وعلى ساحله ميناءان شهيران كبيران هما: ميناء طنجة وميناء سبتة.


فتح كل الشمال الأفريقي ما عدا ميناء سبتة، وميناء طنجة فتح في الإسلام، ولخطورة هذا المكان ولى على ميناء طنجة رجل من القواد المهرة المشهورين جداً في التاريخ الإسلامي وهو طارق بن زياد رحمه الله، وطارق بن زياد من قبائل البربر الأصلية التي تعيش في مناطق الشمال الأفريقي أي: أنه ليس بعربي رحمه الله، ونحن لما تأتي في رءوسنا كلمة البربر نظن أن وجوههم سوداء وأنهم من الزنوج أو ما إلى ذلك.


فالبربر شعوب شعورهم شقراء وأعينهم زرقاء وألوانهم أبيض حتى أن بعض المحللين يقول: أنهم من أصول أوروبية لأنهم شديدي الشبه بالأوروبيين، كان طارق بن زياد رحمه الله ضخم الجثة، شعره أشقر، عيناه زرقاوان، ومع ذلك فإن كل هذه الأمور لم تقف في طريق جهاده إلى الله سبحانه وتعالى، فتولى طارق بن زياد رحمه الله ولاية مدينة طنجة القريبة جداً من سبتة التي لم تفتح والقريبة من بلاد الأندلس، وموسى بن نصير رحمه الله لما فكر في فتح الأندلس لم تكن هذه الفكرة فكرة جديدة بل هي فكرة قديمة جداً من أيام سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.


فالقسطنطينية كانت قد استعصت على الحملات الإسلامية في أيام سيدنا عثمان بن عفان عندما وصل الفتح إلى كل آسيا الصغرى، واستمرت القسطنطينية فترات طويلة لم تفتح إلا بعد قدوم الخلافة العثمانية الراشدة، فقد تم فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح رحمه الله، يقول سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر، يعني: يريد أن يفتح المسلمون الأندلس ومن ثم يتجه الفاتحون إلى أقصى غرب أوروبا حتى يفتحوا القسطنطينية من الغرب وليس من الشرق من قبل البحر الأسود في ذلك الوقت.



إذاً: فكرة فتح الأندلس فكرة قديمة راودت المسلمين منذ عهد سيدنا عثمان بن عفان، لكن المسلمون لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هذه المنطقة في المغرب العربي إلا في زمن الدولة الأموية في فترة حكم موسى بن نصير على الشمال الأفريقي.


ابوالوليد المسلم 01-10-2019 01:05 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :

(6) العقبات والعراقيل في فتح بلاد الأندلس


راغب السرجاني


https://static.islamway.net/uploads/...es/9242206.jpg
العقبات والعراقيل التي اعترضت موسى بن نصير في فتح بلاد الأندلس
كانت المشكلة الأولى عند موسى بن نصير: أن المسافة بين المغرب والأندلس 13 كيلو متر على الأقل، وليس عند المسلمين سفن كافية لعبور هذه العقبة المائية الكبيرة، ومعظم فتوحاتهم كانت برية باستثناء بعض المواقع مثل ذات الصواري وفتح قبرص وما إلى ذلك، وليست لهم سفن ضخمة تحمي الجيوش وتعبر بها مضيق جبل طارق في ذاك الوقت.

أما المشكلة الثانية: أن جزر البليار في شرق الأندلس كانت مملوكة للنصارى، ولو أن موسى بن نصير فتح الأندلس ستكون هذه الجزر من وراء ظهره، وهو يريد أن يحمي ظهره حتى لا يقع في أخطاء السابقين، فجزر البليار مشكلة بالنسبة له، لازم أن يحلها قبل أن يدخل على بلاد الأندلس.


المشكلة الثالثة: أن ميناء سبتة الذي يطل على مضيق جبل طارق لم يفتح، ويحكمه رجل اسمه: يوليان أو جوليان، وهو رجل نصراني، وكانت له علاقات طيبة بملك الأندلس الأسبق غيطشة، والذي حدث عليه انقلاب وتولى الحكم في الأندلس من بعده رجل اسمه: لذريق أو ردريكو، لكن العرب كانوا يسمونه لذريق.
ولم يستطع موسى بن نصير أن يعبر إلى منطقة الأندلس ومن خلفه يوليان الذي كان على خلاف مع لذريق لكن الذي يخشاه هو أنه ينقلب عليه ويساعد لذريق في حربه مقابل أجر مادي أو ما إلى ذلك.


المشكلة الرابعة: أن قوات الفاتحين المسلمين التي جاءت من جزيرة العرب والشام واليمن قوات محدودة قليلة منتشرة في كل بلاد الشمال الأفريقي، فكيف يأخذ من هذه القوات وينتقل إلى منطقة الأندلس؟ قد تنتقض عليه بلاد الشمال الأفريقي وقد لا يستطيع أن يفتح بلاد الأندلس بهذا العدد القليل من المسلمين.


المشكلة الخامسة: أن قوات النصارى في الأندلس ضخمة جداً، فقد كانت النصارى تحكم بلاد الأندلس تحت قيادة لذريق، وكانت كميات الجيوش فيها كبيرة، والرجل كان قوياً ومتكبراً، والقوات ضخمة ومعهم عدة كبيرة وقلاع وحصون.


والمشكلة السادسة: أن أرض الأندلس بالنسبة لـ موسى بن نصير ومن معه مجهولة تماماً، فهي أرض لم تعبرها سفن المسلمين من قبل، فلا يعرفون أي شيء عن أرض الأندلس أو جغرافية الأندلس وما إلى ذلك، وإن كانت الأنباء تترامى أن هذه البلاد صعبة جداً في الفتح؛ لأن الأندلس أرض كلها جبال، والجبال شاقة جداً على الجيوش وبالذات في تلك الآونة لأنهم كانوا يعتمدون على نقل عتادهم بالخيول والبغال والحمير وما إلى ذلك، فكان من الصعب جداً حركة هذه الدواب في الجبال، إضافة إلى أن فيها أنهار وبحيرات كثيرة وهذه تعتبر عوائق ضخمة في عبور الجيوش.


ابوالوليد المسلم 01-10-2019 01:08 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :

(7) فتح بلاد الأندلس


راغب السرجاني


https://static.islamway.net/uploads/...es/9242206.jpg
فهذه مشاكل ضخمة جداً أمام موسى بن نصير رحمه الله، ومع ذلك فهو يصر على فتح بلاد الأندلس، فقد واجه كل هذه المشاكل الضخمة التي أمامه، ولم يكسل أبداً عن فتح بلاد الأندلس مع كل هذه العوائق، فبدأ في أناة يرتب الأمور، فأول شيء بدأ ينشئ سفناً ويبني مواني، وهذا أمر قد يطول لكن سبحان الله! كان عنده همة عالية جداً،
فقد بنى أكثر من ميناء في منطقة الشمال الأفريقي أشهرها ميناء القيروان التابع لمدينة القيروان والتي أسسها قبل ذلك عقبة بن نافع رحمه الله، ثم بدأ يعلم البربر الإسلام في مجالس خاصة، ويعطيهم دورات مكثفة لتعليم الإسلام، وبدأ يكون فرقاً من البربر حتى تكون جيش الإسلام.

وسبحان الله! فإن أي دولة من الدول حاربت غير دول الإسلام مستحيل أن تغير من طبائع الناس وولائهم وحبهم حتى يقاتلوا معها بعد سنتين أو ثلاث سنوات فقط من فتح الإسلام حتى أصبح كل هم معتنقيه أن ينصر هذا الدين، فإن فرنسا استمرت 130 سنة في الجزائر وخرجت منها والناس ما زالوا مسلمين وما زالوا متحمسين للإسلام والصحوة الإسلامية، ونسأل الله سبحانه وتعالى لهم العافية في هذه المشاكل التي تقابلهم في هذه الآونة الأخيرة.


أما الإسلام فقد انتشر في البربر وبدأ موسى بن نصير يعلم الناس الجهاد في سبيل الله، وبذل النفس لله سبحانه وتعالى، فكثر المسلمون، وصار معظم الجيش الإسلامي الموجود في الشمال الأفريقي من البربر في مدة تتراوح من خمس إلى ست سنوات، فأصبحوا محاربين لهذا الدين، وأصبحوا عماده وجنده.


الأمر الثالث: ولى طارق بن زياد على قيادة الجيش الإسلامي المتجه إلى فتح بلاد الأندلس، لأنه جمع بين التقوى والورع والكفاءة الحربية والجهاد في سبيل الله والرغبة في أن يموت في سبيل الله، وهو بربري ليس بعربي، فليس لعربي على أعجمي وليس لأعجمي على عربي فضل إلا بالتقوى.


وقد قدمه موسى بن نصير على العرب لما له من الكفاءة والفضل، إذ ليست دعوة الإسلام دعوة عنصرية أو قبلية، إنما هي دعوة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] صلى الله عليه وسلم.
ثم إن طارق بن زياد لكونه كان من البربر يستطيع أن يقود البربر، فليس هناك أي موانع نفسية لديه تجاه الإسلام، ثم إنه يفهم لغة البربر ويتقن الحديث باللغة العربية.


الأمر الرابع: الذي عمله موسى بن نصير والذي يدل على حنكة وحكمة هذا القائد الذي أغفل دوره في التاريخ الإسلامي، هو أنه فتح جزر البليار لأجل أن يأمن ظهره قبل أن يدخل بلاد الأندلس، ففتح جزر البليار وضمها لأملاك المسلمين وأصبح ظهره محمياً من ناحية الشرق إذ أن جزر البليار تقع في شرق بلاد الأندلس في البحر الأبيض المتوسط.


لكن بقيت عنده مشكلة سبتة، وكان يحكمها يوليان، وسبتة ميناء حصين جداً، ومشكلة أخرى هي مشكلة الجيش البربري، ومشكلة السفن فهو يحتاج إلى سفن كثيرة، فبدأ في بناء السفن في سنة 87 أو 88هـ، وهو لا يعرف أرض الأندلس فإنها مجهولة لديه فيريد يحل كل هذه المشاكل، ولما استنفذ موسى بن نصير الوسع والطاقة وفعل كل ما عليه تدخلت عناية رب العالمين سبحانه وتعالى وتدبيره، قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38]، ففي قلب يوليان حقد كبير على لذريق حاكم الأندلس في ذلك الوقت؛ لأن لذريق قتل غيطشة الذي كان قبله وكانت هناك علاقات طيبة بين غيطشة ويوليان، وأولاد غيطشة استنجدوا بـ يوليان لكي يساعدهم في حرب لذريق، إذ ليست لهم طاقة بـ لذريق وكذلك يوليان ليست له طاقة بـ لذريق.


وأيضاً أن أولاد غيطشة كانت لهم ضياع ضخمة في أرض أسبانيا وقد صودرت وأخذها لذريق، الذي أذاق الشعب سوء العذاب، فقد فرض عليهم كثيراً من الضرائب حتى أن شعب أسبانيا كان يكرهه، لأن لذريق كان متنعماً وشعبه في بؤس شديد.


كل تلك الأفكار خالجت ذهن يوليان، فأرسل رسلاً إلى والي طنجة طارق بن زياد رحمه الله من أجل تتفاوض معه، وهذا من تدبير رب العباد سبحانه وتعالى، فعرض عليه ثلاثة أمور وهي:

الأمر الأول: أن يسلمه ميناء سبتة،

الأمر الثاني: أن يمده ببعض السفن لتساعد الجيش في عبور مضيق جبل طارق إلى الأندلس، فـ موسى بن نصير ما كانت عنده سفن كافية،
الأمر الثالث: أن يعطيه معلومات كافية عن أرض الأندلس، فانحلت كل المشاكل التي كانت تعيق طارق بن زياد والي طنجة وكذا

ابوالوليد المسلم 01-10-2019 01:11 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :

(8) معركة وادي برباط الشهيرة


راغب السرجاني


https://static.islamway.net/uploads/...9%8A%D9%84.jpg
ثم بدأ هذا الجيش يعبر مضيق جبل طارق في شعبان سنة 92 من الهجرة، ونزلوا على جبل عرف في التاريخ بعد ذلك بجبل طارق والمضيق جبل طارق، ويعرف بهذا الاسم إلى زماننا الحاضر حتى في اللغة الأسبانية بمضيق جبل طارق، ثم انتقل منه إلى الجزيرة الخضراء وهناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس وجيش النصارى الضخم، وقد كانت هناك حامية في منطقة الجنوب فقابلها طارق بن زياد رحمه الله وعرض عليهم أموراً وهي:

إما أن تدخلوا في الإسلام ولكم ما لنا وعليكم ما علينا ونترك كل أملاككم في أيديكم على أن تدينوا بدين الله سبحانه وتعالى، أو تدفعوا الجزية للمسلمين ونترك لكم أيضاً كل ما في أيديكم، أو أن تدخلوا معنا في قتال ولا نؤخركم إلا ثلاثة أيام، هكذا كانت دعوة المسلمين.

فالنصارى القوط الموجودين في ذاك المكان أخذتهم العزة فتجهزوا لقتال المسلمين، فقاتلهم طارق بن زياد رحمه الله فانتصر عليهم، وقد كانت الحرب إلى حد ما سجالاً بين الفريقين، وقوة النصارى أو قوة القوط في ذاك الزمن لم تكن بالقوة الكبيرة، ولم يكن هو جل الجيش القوطي في هذه المنطقة فانتصر عليهم طارق بن زياد، فأرسل زعيم القوط في تلك المنطقة رسالة سريعة إلى لذريق في طليطلة عاصمة الأندلس في ذلك الزمن، وكانت تقع في منتصف بلاد الأندلس كالقاهرة بالنسبة لجمهورية مصر العربية فإنها تقع في منتصف البلد، فقال في رسالته: أدركنا يا لذريق فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء؟!

والشيء الغريب عند أهل الأندلس أنهم يدخلون في دين الإسلام وأن يترك لهم كل شيء، وما كانوا متعودين على ذلك، فهذه السياسة ليست معروفة عندهم، والمعروف عندهم هو أن الفاتح أو المحتل لبلد ما يأخذ من خيراته وأمواله ثم يترك هذا البلد بعد أن يقتل ويذبح أبناء هذا البلد، أما أن يدخلوا ويترك لهم في دينهم كل شيء أو يدفعوا الجزية لهم ويترك لهم كل شيء فهذا لم يعهدوه من قبل، ثم إن المسلمين في ليلهم من القوام لله سبحانه وتعالى، يعني: أنه وجد طائفة عجيبة جداً من البشر فإنهم في الصلاة وكأنهم من الرهبان، وفي القتال وكأنهم من المحاربين الأشداء الذين تمرسوا على القتال طيلة حياتهم، فلا يدري أهل الأندلس أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء؟
وصلت الرسالة إلى لذريق فجن جنونه وأخذه الغرور وجمع من الناس مائة ألف مقاتل، وجاء بهم من الشمال إلى الجنوب، أما طارق بن زياد فإن عدد جيشه سبعة آلاف رجل ليست معهم إلا خيول قليلة، فأرسل رسالة إلى موسى بن نصير يطلب منه المدد، فأرسل له موسى بن نصير خمسة آلاف رجل آخرين رجالة على رأسهم طريف بن مالك رحمه الله الذي اكتشف أرض الأندلس منذ عام قبل ذلك.

فأصبح جيش المسلمين قوامه 12000 مقاتل، فأخذ طارق بن زياد رحمه الله يتجول في المنطقة ويبحث عن أرض تصلح للقتال حتى وصل إلى منطقة عرفت في التاريخ: بوادي برباط، وتسمى في بعض الكتب: وادي لبتة أو وادي لكة أو وادي لكة، فوجد أن هذا المكان مناسب؛ لأن في خلفه وعن يمينه -أي: في الجنوب والشرق- جبلاً ضخماً يحمي خلفه ويحمي الميمنة فلا يستطيع أحد أن يلتف من حوله، وفي ميسرة الوادي بحيرة عظيمة جداً فلا يستطيع أحد أيضاً أن يلتف من جهة اليسار ثم وضع على المدخل الجنوبي لهذا الوادي فرقة لحمايته بقيادة طريف بن مالك حتى لا يدخل أحد عليهم من هذا المدخل الجنوبي فيباغت ظهر المسلمين، وأصبح أمامه الشمال مفتوحاً للنصارى حتى يستدرج قوات النصارى للحرب في هذه المنطقة فلا يلتف أحد من حوله في هذه الأرض التي تعتبر إلى حد كبير مجهولة بالنسبة للمسلمين مهما درسوها أو عرفوها.
جاء لذريق ومعه مائة ألف فارس، جاء ومعه البغال محملة بالحبال، لتقييد المسلمين وأخذهم عبيداً بعد موقعة وادي برباط، وقد جلس على سرير محلى بالذهب يحمل على بغلين، وهو يلبس التاج الذهبي والثياب المغشاة بالذهب، فهو لم يستطع أن يتخلى عن دنياه حتى في لحظات القتال والحروب.


وقد تم اللقاء بينهما في 28 رمضان سنة 92 من الهجرة، والحقيقة أن شهر رمضان شهر معارك أو فتوحات وانتصارات وشهر قيام وصيام وقرآن، ولا يدري الإنسان لماذا تحول شهر رمضان إلى شهر مسلسلات وأفلام جديدة، وفوازير وسهر للفجر، ونوم إلى حد منتصف النهار، وهروب من العمل ومضاربات ومشاكل؟ وأصبحت نفسية الصائم ضيقة، بخلاف المسلمين في ذلك الزمان، فإن رمضان لديهم شهر جهاد، فقد دارت معركة من أشرس المعارك في تاريخ المسلمين وهي موقعة وادي برباط في 28 رمضان لسنة 92هجرية.


وقد يشفق الناظر إلى الجيشين على جيش المسلمين البالغ عددهم 12000 مقاتل في مقابل 100000 مقاتل من النصارى القوط، لكن الناظر المحلل يجد أن الشفقة كل الشفقة على جيش النصارى في تلك الموقعة، قال تعالى: {هَظ°ذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ غ– فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}.


ابوالوليد المسلم 01-10-2019 01:14 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :

(9) مناقشة قضية حرق طارق بن زياد للسفن الحربية


راغب السرجاني


https://static.islamway.net/uploads/...es/9242206.jpg
وقبل الانتقال من موقعة وادي برباط إلى ما بعدها من المواقع في الأندلس نناقش قضية اشتهرت كثيراً في التاريخ الإسلامي والتاريخ الأوروبي وهي قضية حرق طارق بن زياد رحمه الله للسفن التي عبر عليها من المغرب إلى بلاد الأندلس قبل موقعة وادي برباط.

يقولون: إن طارق بن زياد حرق السفن كلها حتى يحمس الجيش على القتال وقال لهم: البحر من ورائكم والعدو من أمامكم فليس لكم نجاة إلا في السيف، هكذا تصور الرواية.


وبعض المؤرخين يصدقون الرواية والبعض الآخر يبطلونها، والحق أن هذه الرواية لا يجب أبداً أن تستقيم، فهذه رواية من الروايات الباطلة التي أدخلت على تاريخ المسلمين، والرد عليها كما يلي: أولاً: أن هذه الرواية ليس لها سند صحيح بالنظر إلى الروايات الإسلامية الأخرى، فهناك علم اسمه: علم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، ولابد أن تكون الروايات عن أناس موثوقين، فهذه الرواية لم ترد أبداً في كتابات المسلمين الموثوق في تاريخهم، إنما جاءت فقط في الروايات الأوروبية التي كتبت عن موقعة وادي برباط، فهذه الرواية ليس لها سند صحيح.


ثانياً: أنه لو حدث حرق لهذه السفن كان سيكون هناك رد فعل من موسى بن نصير أو الوليد بن عبد الملك؛ لأن هذا أمر غريب جداً أن قائداً يحرق سفنه، وقد يكون هنالك حوار بين موسى بن نصير وطارق بن زياد حول هذه القضية، أو يكون هناك تعليق من الوليد بن عبد الملك أو من علماء المسلمين، هل يجوز هذا الفعل أم لا؟ فلذلك خفي تماماً رد الفعل لهذه الحادثة في كتب العلماء مما يعطي شكاً كبيراً في حدوثها.


ثالثاً: أن المصادر الأوروبية أشاعت هذا الخبر لأمر واضح جداً، وهو أن المحللين الأوبيين ما استطاعوا أبداً أن يفسروا كيف ينتصر 12000 من الرجال الذين ليس معهم خيول على 100000 فارس وهم في بلادهم وفي عقر دارهم وفي أرض عرفوها وألفوها، وكيف ينتصر هؤلاء القلة على هذه الكثرة العظيمة جداً من البشر؟ فقالوا: إن طارق بن زياد حرق سفنه وأصبح أمام المسلمين حل واحد فقط للهروب من الموت، ولذلك استماتوا في القتال فانتصروا، أما لو لم يحرق السفن فإنهم قد ينسحبون من البلاد ويرجعون إلى بلادهم، وهذا لأن الأوروبيين لا يستطيعون أبداً أن يفقهوا القاعدة الإسلامية المشهورة والمعروفة والمسجلة في كتابه سبحانه وتعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249].


والناظر إلى صفحات التاريخ الإسلامي يجد أنه من الطبيعي جداً أن ينتصر المسلمون بأعداد قليلة على غيرهم من الجيوش، بل إن الأصل المتكرر في معظم المعارك الإسلامية أن يكون المسلمون أقلة والكافرون كثرة، ويهزم أعداء المسلمين بهذا العدد القليل من المسلمين، بل إنه من العجب العجاب أنه لو زاد المسلمون في العدد كتبت عليهم الهزيمة كما حدث في حنين، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]، وهذا الأمر سوف نتعرض له إن شاء الله في حوادث الأندلس اللاحقة.
إذاً: الأوروبيون يحاولون أن يشيعوا هذه الشائعة حتى يدخلوا في روع الناس أن المسلمين ما انتصروا إلا لظروف خاصة جداً، وليس من الطبيعي أن ينتصروا.


رابعاً: أن المسلمين ما هم محتاجون للتحميس بحرق السفن، فقد جاءوا إلى هذه الأماكن راغبين في الجهاد في سبيل الله، وطالبين للموت في سبيل الله، فما يحتاج القائد أن يحرق السفن لكي يشجعهم في سبيل الله! وبعض الناس يقولون: هذا الحدث مسبوق بما حدث قبل هذا في فتح الفرس لليمن، فإن القائد الفارسي الذي فتح اليمن حرق السفن لكي يحمس الجنود الفرس،
و
الجواب
هذا ممكن يحصل من القائد الفارسي أن يحمس الناس بحرق السفن، وقد كان الفرس يجبرون جنودهم على الحرب ضد المسلمين بربطهم في سلاسل كما حصل في موقعة ذات السلاسل المشهورة، وقد كان قائد جيش المسلمين خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه.
وهذا ممكن أن يحصل بالنسبة لأهل الدنيا، أما جيش المسلمين فما هو محتاج لهذا التحميس عن طريق هذا الحرق.
خامساً لا يعقل أن قائداً محنكاً مثل طارق بن زياد رحمه الله يحرق سفنه، ويحرق خط الرجعة عليه، وماذا يصنع لو هزم في هذه الموقعة؟ وهذا أمر وارد جداً، فالأيام دول، فقد تحدث الكرة على المسلمين لفترة من الفترات، وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}[الأنفال:15 - 16].


ابوالوليد المسلم 08-10-2019 04:34 AM

رد: الأندلس من الفتح إلى السقوط
 
الأندلس من الفتح إلى السقوط :

(10) بيان القول في الجزية



راغب السرجاني


https://majles.alukah.net/imgcache/2019/09/133.jpg
الجزية: هي ضريبة يدفعها أهل الكتاب بصفة عامة أو يدفعها المجوس أو المشركون في رأي بعض الفقهاء وإن كان هذا هو الرأي الغالب أنهم يدفعونها مقابل أن يدافع عنهم المسلمون، ولا يحمل الذين يدفعون الجزية سلاحاً ليدافعوا به عن أنفسهم، لكن على المسلمين أن يدافعوا عنهم مقابل هذه الجزية، بل إن فشل المسلمون في الدفاع عنهم ردت إليهم الجزية، وقد تكرر ذلك في بعض المواقف في التاريخ الإسلامي وسنتعرض لها إن شاء الله في أحاديث لاحقة.


والجزية تؤخذ فقط من الرجال والبالغين لا النساء والأطفال، وتؤخذ من الأصحاء لا المرضى الغير قادرين على القتال وأصحاب العاهات كالأعمى والكسيح، ولا تؤخذ من المعتكف للعبادة والذي لا يقاتل، ولا تؤخذ إلا من القادرين على القتال والغني لا الفقير، بل إن الفقير الذي هو من أهل الكتاب نصرانياً كان أو يهودياً أو مشركاً قد يأخذ من بيت مال المسلمين إن كان في بلد تحكم بالإسلام، والجزية في مقابل الزكاة التي يدفعها المسلمون ومع ذلك فهي أقل بكثير مما يدفعه المسلمون، إذا أن الرجل الذمي يدفع ديناراً واحداً في السنة الكاملة جزية للمسلمين بينما المسلم يدفع زكاة 2.
5% من إجمالي الدخل الذي عنده إن كان قد بلغ نصاباً وحال عليه الحول.


فالمبالغ التي يدفعها المسلمون في الزكاة أضعاف ما يدفعه أهل الكتاب وغيرهم من الجزية، وفي حالة إذا أسلم الذمي سقطت عنه الجزية، وإذا شارك مع المسلمين في حروبهم دفعوا له أجرة على حربه مع المسلمين، والجزية أقل بكثير من الضرائب التي كان يفرضها عليهم أصحاب الحكم في بلادهم والذين كانوا من أبناء جلدتهم ومن أبناء شعوبهم، والجزية أقل من أي ضريبة في العالم، بل إن الزكاة نفسها أقل من أي ضريبة في العالم، فلا يوجد في الدنيا من يدفع ضريبة 2.
5% فقط، بل الناس إن يدفعون 10 و20 و30 و50% وأحياناً 70% ضرائب، بينما الزكاة والجزية في الإسلام أقل من ذلك، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ألا يكلف أهل الكتاب فوق طاقتهم، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.


فالإسلام دين رحمة، لغير المسلمين فهو يدافع عنهم، وكانوا يستفيدون من كل مقدرات البلد في مقابل هذه الجزية البسيطة التي يدفعونها للمسلمين.
وإن شاء الله في المقال القادم نكمل الفتوح مع طارق بن زياد وموسى بن نصير كيف تم لها فتح بلاد الأندلس؟ وكيف كان رد فعل موسى بن نصير من هذه الانتصارات المتتالية لـ طارق بن زياد؟ وكيف دخل المسلمون بلاد فرنسا وكانت لهم فيها صولات وجولات؟ وكيف وصلوا إلى مسافة 30 كيلو متر فقط من باريس التي هي في أقصى شمال فرنسا؟ وكيف تأسس ما يسمى في التاريخ بعهد الولاة؟ هذا ما نتحدث عنه إن شاء الله في الحلقة القادمة.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وجزاكم الله خيراً كثيراً.


الساعة الآن : 12:14 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 55.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.55 كيلو بايت... تم توفير 0.51 كيلو بايت...بمعدل (0.92%)]