ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   متى نعود إلى الله تائبين ؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=238350)

ابوالوليد المسلم 14-08-2020 04:48 PM

متى نعود إلى الله تائبين ؟
 
متى نعود إلى الله تائبين ؟



عبد العزيز كحيل


لا أتحدث عن الآخرين، عن أولئك الذين نسمّيهم المفسدين والعصاة والفاسقين ، لا ، إني أتحدث عني وعنك وعنكِ ، متى نعود إلى الله ؟ نحن لا نشرب الخمر لكن لعلّ خمر تزكية النفس والمناداة عليها بالبراءة قد أسكرتنا ونحن لا ندري ، وهي من غير شكّ أخطر من عصير العنب.

هل فعلا أنا أفضل من السياسيين الكذبة ؟ وهل أنت أحسن حالا من التجار الغشاشين ؟ وهل أنتِ أقوم قيلا من المنحرفات ؟ لقد عصمنا الله تعالى من الكبائر والمعاصي الحسية والحمد لله ، فكيف حال قلوبنا ؟ تركنا ظاهر الإثم فهل تركنا باطنه ؟ تُرى هل نحن متاحبّون في الله ؟ هل أحيينا معاني الأخوة في نفوسنا وعملنا بها في حياتنا ؟ هل نحسن الظن ببعضنا كما أُمرنا ؟ هل نحبّ لبعضنا من الخير والتوفيق والسموّ مثل ما نحبّ لأنفسنا ؟ هل تركنا التقاطع والتدابر والحسد فيما بيننا ؟ هل نحن أذلة على المؤمنين نعاملهم بالمسامحة والعفو والتنازل ، ولا شدّة عندنا إلا على الكافرين المعتدين والظَلمة المستبدين ؟

هل نُشفق على العاصي حتى يتوب أم أننا نلعنُه ونحن لا ندري لعلّه يبيت يبكي على ذنبه بينما نبيت مُدلّين فرحين بعبادتنا وكأننا ضمنا لأنفسنا القبول ؟

إني لا أتكلم عن الدروس “المسجدية” والخطب المنبرية والمواعظ الجميلة ، لا ، أقصد سلوكي أنا وأنت وأنتِ ، سلوكنا مع أزواجنا وأبنائنا بعيدا عن أعين الناس ، سلوكنا مع الجيران والزملاء والأقارب خاصة في حال التنازع وأوقات الانفعال ، سلوكنا إذا مارسنا النشاط السياسي والتجاري والنقابي ، سلوكنا في أماكن العمل مع ضغط الواقع ومتطلبات الحضور الفاعل والإتقان في كل أداء عضلي أو ذهني أو تنظيمي ، هل كانت الأخلاق الرفيعة معنا هناك ؟ هل التزمنا أحكام الشرع وخصال الأتقياء وآداب المؤمنين فيما بينهم ؟

نظرت في قلبي فخشيت أن ييبس إذا خلا من ذكر الله وأصابته حظوظ النفس وأصبح ملاذا للشهوات ، إذ هناك تمتنع الأركان عن الطاعة ، مثل الشجرة التي مُنعت الماء فيبست أعضاؤها ، فما أقبح هذا الوضع ، وهل من معنى لحياتي إذا فسد القلب ؟ فهل تعاني مثل معاناتي أيها الأخ المسلم ؟ وصحة القلب ليست في الادعاء – و لو كانت الأمور بالمزاعم لادعى الخليّ حرقة الشجيّ – ولكن في الصلة الدائمة المتجددة بالله تعالى ، ذكرا وأخلاقا وامتثالا للأمر وابتعادا عن النهي وإقبالا بعد إدبار واستغفارا وتضرعا وتوبة نصوحا ، و الله تعالى لا يغترّ بمظهر أو شكل أو طقوس ، لذلك ” قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير ” كما أوصى العارف بالله.

ما بال عيني جافة لا تتغرغر بدمع وما بال قلبي لا يتألم إلا قليلا رغم تقصيري في جنب الله ورغم قلة الزاد وطول السفر ؟ أجل ، المدرسة الحديثة أعطتني معلومات نافعة لكنها لم تعلّم قلبي الخشوع ولا عيني الدموع ، فيسّر ذلك سطو الدنيا عليّ واستسلامي لتبرّجها وزخرفها ، وإني لأنظر يمنة ويسرة أتحسس أصحاب القلوب الرقيقة والمُقَل الدامعة فأجدني غريبا غربة صالح في ثمود ، فهل تحسّ بذلك مثلي ؟ وما بال الدموع تسيل في غير محلّها على مطرب مات أو فريق فاز في مباراة أو أخفق ؟ إذا لم يخشع القلب لذكر الله ولم تنزل عَبرة من خشية الله ، ولا باتت عين ساهرة في سبيل الله فماذا بقي للدنيا من حلاوة ؟ إذا غاب القلب الخاشع والطرف الدامع فقد انتصرت العولمة واستعلى شأن المادة ولم يبق للدنيا المذمومة معارض.

فمتى العودة إلى الله تعالى ؟ المحراب بارد من حرارة الإيمان والصلاة لم تعدْ تنهى عن الفحشاء والمنكر إلا قليلا ، غلبت عليها الحركات والآلية بينما خمدت جذوة الاخلاص ، فمن أين يأتي التوفيق وكيف نثبت على طريق الاستقامة وكيف نستكمل السير إلى الله؟

كعْبتنا لا تتغير والطواف حولها لا ينقطع ، وما أكثر الحجيج والمعتمرين لكن البرودة أدركت الشعائر ، والتلبية يخالجها ريب والذكر تنحرف به الشهوات ، وكادت البقاع تفقد قداستها بما كسبت الأيدي … وماذا أقول عن الصيام الذي طاش في أودية التقاليد والتلاوة المنمقة التي لا يقشعر لها بدن ولا ترفع الإيمان والصدقة الضعيفة والسير المتهاون ؟ هذا ما أشكوه إخوتي ولا أتخلص منه إلا بالعودة الصادقة.

إن العودة إلى الله تعني الانخراط في سلك الصابرين والشاكرين والظفَر بذخيرة هؤلاء وعُدة أولئك ، وتُحيي في النفوس المتعبة معاني الخوف والرجاء ، وتُخلّص المؤمنين من أسر الدنيا حتى تغدو في الأيادي لا في القلوب وحتى يتحكم فيها الربانيون ولا تتحكم فيهم ، وتغمرهم بأمداد من محبة الله والشوق إليه والأنس به والتقلب في أعطاف الرضا والتوكل واليقين.

ما أيسر الرجوع إلى الله تعالى بعد الشرود والاهتداء إلى صراطه بعد الضلال ، وما أصعب العقبة الكؤود التي يخوّفنا منها الشيطان لندبر ولا نقبل ، والسعيد من اقتحم العقبة والشقي من تهيّب وضعُف وتراجع ، الباب مفتوح بالليل والنهار فهل نبادر بالإقبال عليه والارتماء على أعتابه متضرعين نادمين ؟







الساعة الآن : 06:17 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.81 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.19%)]