ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   في الترغيب في صلة الرحم والنهي عن قطيعتها (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=217054)

ابوالوليد المسلم 18-11-2019 03:36 AM

في الترغيب في صلة الرحم والنهي عن قطيعتها
 
في الترغيب في صلة الرحم والنهي عن قطيعتها











الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل






الحمدُ لله نحمدُه، ونستَعِينُه ونستهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، الذي أمَر بصلة الرَّحِم ونهى عن قطيعتها، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته المهتدين بهديه، والممتثلين لأوامره، والمجتنبين لنواهيه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.





أمَّا بعدُ:


فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واعلَموا أنَّ للرَّحِم شأنًا عظيمًا، فصِلُوها واحذَرُوا قطيعتها؛ فقد أمر الله بوَصْلِها وحذَّر من قطيعتها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ [الإسراء: 26].





ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].





ويقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22-23].





عباد الله:


إنَّ ممَّا أُصِيب به المسلمون كثرةَ العُقوق وقطيعة الرَّحِم، واستهانة الكثير من الأولاد بالوالدين، وغَفلة الوالدين والأولاد عن تعلُّم ما ينفع في أمر الدِّين والدنيا، والانشغال بالفاني عن الباقي.





في حديثٍ عن أبي أيوب - رضِي الله عنه - أنَّ أعرابيًّا عرَض لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في سفرٍ، فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله، أو: يا محمَّد، أخبرني بما يُقرِّبني من الجنَّة ويُباعِدني من النار، قال: فكفَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -، ثم نظَر في أصحابه ثم قال: ((لقد وُفِّقَ أو هُدِي))، قال: فكيف قلت؟ قال: فأعادَها، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تعبد الله لا تُشرِك به شيئًا، وتُقيم الصَّلاة، وتُؤتي الزَّكاة، وتصلُ الرَّحِمَ دع الناقة))، وفي رواية: ((وتصل ذا رحمك))، فلمَّا أدبر قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنْ تمسَّكَ بما أمرته به دخَل الجنَّةَ))[1].





فانظُروا يا عبادَ الله إلى هذا الأعرابي الذي أتى إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأله عمَّا فيه سَعادته ويُباعده عمَّا فيه شَقاوته، وكيف قرَن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلةَ الرَّحِم بعبادة الله وإقام الصَّلاة وإيتاء الزكاة.





وفي الحديث الذي رواه البخاري: ((ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليَصِل رَحِمَه))[2]، إنَّ لصلة الرَّحِم أثرًا في سَعة الرِّزق وطُول العمر؛ ففي الحديث عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، يقول: ((مَن سرَّه أنْ يُبسَط له في رزقه، وأنْ يُنسَأ له في أثره، فليَصِل رَحِمهُ))[3].





عباد الله:


إنَّ شُؤم قطيعة الرَّحِم عظيم، فاحذَرُوا قطيعتَها؛ ففي حديثٍ عن عبدالرحمن بن عوف - رضِي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((قال الله - عزَّ وجلَّ -: أنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشَقَقتُ لها اسمًا من اسمي، فمَن وصَلَها وصلتهُ، ومَن قطعها قَطَعتُه))، أو قال: ((بَتَتُّه))[4].





وعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله - تعالى - خلق الخلْق حتى إذا فرغ منهم قامت الرَّحِم فقالت: هذا مَقام العائذ بك من القَطِيعة، قال: نعم، أمَا ترضين أنْ أصل مَن وصلك، وأقطع مَن قطعك، قالت: بلى، قال: فذاك لك))، ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقرَؤُوا إنْ شئتم ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22-23]))[5].





ومن المأسوف له أنَّ البعض من الأقارب يُجازِي بالسيِّئة السيِّئة، فإذا أساءَ إليه قريبُه أساءَ إليه هو، والبعض قد يُسِيء إلى مَن أحسن إليه منهم، إمَّا من أجل حُطام دُنيا، أو من أجل نعمةٍ أنعَمَ الله بها على هذا المحسن وحسَدَه قريبه عليها، فينبغي لمنْ أراد وجْه الله والدارَ الآخرة ألاَّ تُؤثِّر عليه إساءة مَن أحسن إليه، ولا تمنعه من الإحسان ومواصلة المعروف؛ فإنَّ إساءة المسيء لن تضرَّه، فعليه أنْ يقصد بعمله وجْه الله والدار الآخِرة ليَنال ثَوابَ الله على عمله ولن تضرَّه إساءة المسيء.





ففي الحديث عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ لي قَرابة أصِلُهم ويقطعوني، وأُحسِن إليهم ويُسِيئون إليَّ، وأحلمُ عليهم ويجهلُون عليَّ، فقال: ((إنْ كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهُم الملَّ، ولا يَزال معك من الله ظهير عليهم ما دُمت على ذلك))[6].





فيا عباد الله:


تعلَّموا من أمور دِينكم ما تَسعَدون به في دُنياكم وأُخراكم، واحذَرُوا مكايد الشيطان وهوى النفس الأمَّارة بالسُّوء، واعلَموا إنَّه لا بُدَّ من الصَّبر والاحتساب، وهذه الدَّار دار بَلاء وامتحان ومزرعة للدَّار الآخِرة، فاغتَنِموا الأعمالَ الصالحة، واغرِسُوا الأشجار الطيِّبة المثمرة وتعاهَدُوها بالسَّقي وإبْعاد ما يُؤثِّر عليها لتجنوا ثمرَها في الآخِرة، فالسعيد مَن أطاعَ مولاه، والشقيُّ مَن خالَف أمرَه وعَصاه.





بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعَنِي وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكِيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.





أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِرُوه إنَّه هو الغفور الرحيم.





واعلَموا - رحمكم الله - أنَّ حُسن اختيار أمِّ الأولاد له أثَرُه الطيب في صلاح الأولاد وحِفظهم لحقِّ والديهم، فقد حثَّ نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - حين أخبر بمقاصد نكاح المرأة، وأنَّ من ذلك نكاحها لدِينها؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فاظفَرْ بذات الدِّين تربَتْ يَداك))[7].





ثم إنَّ للتربية الحسنة والتعليم النافع والحِفاظ على الأولاد من الشُّذوذ والانحِراف - أثرَه الطيب في صلة الرَّحِم والبُعد عن العُقوق، ورد أنَّ رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - يشكو له عقوقَ ابنه، فأحضَرَه وأنَّبَه أمير المؤمنين على عُقوقه لأبيه، فقال الولد: أليس للولد حقوقٌ على أبيه؟! قال عمر: بلى؛ عليه أنْ ينتقي أمَّه ويحسن اسمه، ويُعلِّمه القُرآن، فقال الولد: أمَّا أمِّي فإنَّها زنجيَّة كانت لمجوسيٍّ، وقد سمَّاني (جُعلان)، ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا، فالتفت عمر - رضِي الله عنه - إلى الرَّجل وقال: لقد عَقَقتَه قبل أنْ يعقَّك، وأسأتَ إليه قبل أن يُسِيء إليك.





فجعل عمر - رضِي الله عنه - الأبَ الذي أهمل تربية ابنه هو السبب في عُقوق ولده له، فلا بُدَّ من الاختيار في وضْع البذور للأرض الصالحة، ولا بُدَّ من تعاهُد النَّبات في الغراس حتى يسلم من الآفات، ويُؤتِي ثمارَه على الوجه المطلوب.





فاتَّقوا الله يا عبادَ الله في أنفسكم وفي أولادكم، تعاوَنُوا معهم على برِّكم وراحتكم، وصِلُوا أرحامَكم.






[1] أخرجه مسلم (13).




[2] أجرحه البخاري رقم (6138) - الفتح: 10/532.




[3] أخرجه البخاري رقم (5985) - الفتح: 10/451.




[4] أخرجه أبو داود (1694) والترمذي (1907).




[5] أخرجه مسلم (2554).




[6] أخرجه مسلم (2558).




[7] أخرجه البخاري رقم (5090) الفتح: 9/132، ومسلم (1466).




الساعة الآن : 02:40 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 12.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.73 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.73%)]