ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   التمسك بالطريق القويم والصراط المستقيم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240805)

ابوالوليد المسلم 19-09-2020 03:47 AM

التمسك بالطريق القويم والصراط المستقيم
 
التمسك بالطريق القويم والصراط المستقيم
د. سيف صفاء عبدالكريم الدوري



ذكرنا فيما سبق أنَّ الشيطان لمَّا أعلن عن خطَّته في حرب الإنسان، بيَّن أنه سيكمن لهم على الصِّراط المستقيم؛ لذلك وجب على الإنسان أن يكون دائمًا على حذر وتشبُّثٍ بالصِّراط، وقد جاءت النصوص القرآنية مبيِّنة لهذا الأمر.



قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]؛ أي: هو المنهج القويم والدِّين المستقيم، الذي ارتضاه الله تعالى لعباده المؤمنين، فوجب اتِّباعه جملة وتفصيلًا، ثم جاء النَّهي عن اتِّباع السبل؛ وهي الشرائع والعقائد والمِلَل والنِّحل المخالفة لدِين الإسلام؛ لأنَّها تميل بالمتَّبِع لها عن الصِّراط المستقيم، كما قال تعالى: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32]، فللحقِّ طريق واحد، وللباطل طُرق كثيرة متفرِّقة متشعبة؛ لكثرة الأهواء واختلافها، وإنَّ الشيطان عامل على صَرف الناس عن هذا الصِّراط المستقيم إلى هذه الشُّعَب المتفرقة[1].


فاتِّباع ما جاءنا من عقائد وأعمال وأقوال، وعبادات وتشريعات، وترك كل ما نهى عنه - يجعل العبدَ في حِرز من الشيطان[2]؛ لذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208]، يقول الله تعالى آمرًا عبادَه المؤمنين به المصدِّقين برسوله، أن يَأخذوا بجميع تعاليم الإسلام وشرائعِه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره، واجتناب ما يأمر به الشيطان وطرائقِه التي يزيِّن بها المعاصي[3]، وقد جاء التعبير عن هذا المعنى بواسطة التصوير الفنِّي؛ إذ عبَّر عن الالتزام بجميع شرائع الإسلام (بالدخول في السِّلم)، والدخول إلى رحاب الشيء يَعني: الاستقرار والثَّبات في ذلك المكان، مع ما يواكب هذا الاستقرار والثبات من مشاعر الطمأنينة، والأمن، والتوازن النفسي.


إذًا؛ الدخول في السِّلم يعني استعارة بما هو آمِن ومطمئن ومتوازن؛ وهذا قمَّة ما يتطلع إليه الإنسان، وهذه الاستعارة قد تبعَتها في النصِّ استعارة أخرى، كمَّلَت لنا أجزاء الصورة الفنيَّة؛ حيث عبَّر عن طاعة الشيطان بـ (اتباع خطواته)، وكان يمكن للنصِّ أن يقول: (لا تتبعوا الشيطان)، ولكنَّه خلع على هذه الظاهرة صفة (الخطوات)؛ أي: جعل للشيطان خطوات أو أرجلًا تخطو، وفي إكساب السلوك الشيطاني صِفة (المشي) أو (الخطوات)، ثمَّ اتباع الإنسان لتلكم الخطوات، سوف يكسب المعنى المقصود مزيدًا من العمق؛ لأنَّ اتباع خطوات الآخرين دون أن يفكِّر الإنسان في الجهة التي يتحرَّك إليها - يعني تعطيلًا لفكر الإنسان وسلخه من دائرة العقل أساسًا؛ وهذا ما يستهدف النصُّ الإشارةَ إليه عن طريق هذه الاستعارة، فالنصُّ عن طريق هاتين الاستعارتين: (الدخول)، و(اتباع الخطوات)، قد بيَّن أن الدخول في رِحاب الإسلام يَعني الاستقرار والثبات، أما إطاعة الشيطان، فتقود إلى التعَب؛ لأنَّها تَشِي بما تواكبه من مَشاعر التمزُّق والتوتر والقلق؛ نتيجة الجهل بالجِهة التي يتحرَّك إليها الشيطان؛ وهذا ما أفصحَت عنه أيضًا صيغة ﴿ تَتَّبِعُوا ﴾، التي تُشعِر بالجهد والتعَب في اتِّباع خطوات الشيطان[4].


إذًا، المنهج الأقوم في صدِّ عدوان الشيطان هو في التمسُّك بالصِّراط المستقيم، وعدم الحَيدة عنه، وهذا الصِّراط الحق يتمثَّل في الالتزام بكتاب الله، واتِّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، وليعزم على سلوك هذا الطَّريق عزيمةَ مَن لا يشك أنه على الصراط المستقيم[5].


[1] ينظر: جامع البيان - ج (8)، ص (87)، والتفسير الكبير؛ الرازي ج (14)، ص (3)، والتفسير الوسيط؛ محمد سيد طنطاوي - ج (5)، ص (299).

[2] ينظر: عالم الجن والشياطين؛ عمر سليمان الأشقر - ص (115، 116).

[3] ينظر: تفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير - ج (1)، ص (248)، وصفوة البيان لمعاني القرآن؛ الشيخ حسنين محمد مخلوف، ص (49)، وتيسير الكريم الرحمن - ص (94).

[4] ينظر: دراسة فنية في صور القرآن؛ د. محمود البستاني - ص (52، 53)، ودلالات الترتيب والتركيب في سورة البقرة؛ د. زهراء خالد سعد الله العبيدي، ص (259).

[5] ينظر: إغاثة اللهفان؛ ابن قيم الجوزية - ج (1)، ص (112).



الساعة الآن : 05:34 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.83 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.05%)]