ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   التحذير من الشيطان (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235640)

ابوالوليد المسلم 04-07-2020 03:21 AM

التحذير من الشيطان
 
التحذير من الشيطان


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم






الحمد لله القائل: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، وأشهد أن لا إله إلا الله قال في مُحكَم كتابه: ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]، ونبَّهنا إلى أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين، فقال: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حذَّرنا دائمًا من نزغات الشيطان ووساوسه؛ حتى لا نقع في الحرام، فقال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم - أي: العروق - فضيِّقوا عليه بالاستغفار))، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، عباد الله المسلمين، يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]، يأمر الله تعالى نبيَّه بأن يَذكُر لأمته شرفَ آدم وفضله، وهو أبوهم، وهم ذريته، وبشرف الأب يَشرُف الولد، إذا أخذ بالسبب الذي شَرُف به أبوه، حيث أمر الملائكة أن يسجدوا له، فيسجدون؛ سمعًا لله تعالى وطاعة وانقيادًا، ويأبى إبليس بغيًا وحسدًا أن يسجد لآدم، واستكبارًا ونفورًا عن أمر الله تعالى، ثم يَستنكِر هذا الأمرَ، كيف يؤمر بالسجود لآدم الذي خُلِق من طين وهو خُلِق من نار؟! ومن زعمه الخاطئ، ووهمه الضائع بأن أصله خير من أصل آدم، وما عَلِم أن تفضيل المخلوقات بيد الله تعالى يُفضِّل مَن يشاء على مَن شاء، ويُكرِّم بعضهم على بعض، لحكمة تقتضي ذلك، وقد كرَّم بني آدم على جميع المخلوقات، وسخَّر لهم ما في السموات والأرض جميعًا منه، إن ذلك لآيات لقوم يتفكرون؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

ولما عصى إبليسُ أمرَ ربه تعالى، حُكِم عليه بالطرد والإبعاد عن رحمته ودخولِ جنته، إلا أنه طلب من ربه الإنظار إلى يوم القيامة، ونَصَب لآدمَ وذريَّته العداوةَ، وأخذ على نفسه العهد بأن يَصرِف بني آدم عن ذِكْر الله تعالى وشُكْره مهما قَدَر واستطاع، وأن يأتيهم من كل جانب وجِهة؛ لجلبهم إلى صفِّه؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17].

ولذا حذَّر الله تعالى آدمَ وذريَّتَه من وسوسته، وأخبرهم أنه لهم عدو مبين؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].

وأخذ الله تعالى على بني آدم العهدَ بألا يُطيعوه ولا يتَّبِعوه، فمَن أخذ بأوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتنَب ما نهاه الله تعالى عنه وما نهاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد وفى بعهد الله تعالى، وأغضب الشيطان عدوَّ الله، ومَن ترَك أوامر الإسلام، وارتكب المحرَّمات، فقد خان عهد الله تعالى، وعرَّض نفسَه لسَخَط الله تعالى وغضبه، حيث أرضى عدوَّ الله إبليس وعدوه؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60].

أيها المسلمون:
لقد أمر الله - عز وجل - إبليسَ بتكريم أبينا آدم عليه السلام، وأقرَّ بذلك إقرارًا واضحًا صريحًا، وأنه من أجْل هذا التكريم أظهر بأن يحاول كلَّ المحاولة، ويجتهد كلَّ الاجتهاد على أن يتغلَّب على ذرية آدم ويحتويهم ويستولي عليهم، إلا من أخذ بأسباب السلامة منه، ومن الوقوع في شِراكه، وهم الأقلون، ومن هنا بدأ بالمحاولة مع أبينا آدم وأمنا حواء قبلنا؛ حيث طلب منهما أن يتناولا من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن ذَوْقها، ابتلاء واختبارًا، هل يُنفِّذان أمرَه، أم يُطيعان عدوَّه حينما وسوس لهما في ذوقهما، وحلف لهما أنه ناصح؟ وصارت هذه طريقة لأتباعه من عُصاة بني آدم؛ بحيث إنهم يُظهِرون النُّصحَ لمن أطاع الله تعالى لإغوائه وإضلاله، حتى يشترك معهم في معصية الله تعالى، فما زال إبليس في وسوسته مع آدم وحواء حتى لانا معه في طاعته، وارتكبا ما نهاهما الله عنه، ولكنهما سرعان ما أقلَعا عن معصية الله تعالى وتابا إليه، حينما تبيَّنت لهما عقوبةُ المعصية، وهي انكشاف عورتهما، قال تعالى: ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 22، 23]، وهكذا أيها المسلمون جرتْ سُنَّة الله تعالى في بني آدم، وهي: أن مَن أذنب وتاب، كان تابعًا لآدم، ومن أذنب واستمرَّ واستنكف واستكبر عن طاعة الله تعالى، كان تابعًا لإبليس، وكذا مَن اعترف بتكريم آدم واتَّبعه والأنبياءَ من ذريَّته، كان مُعترِفًا حقًّا قولاً وفعلاً، ومَن اعترف بتكريمه وخالَف طريقته وطريقة الأنبياء من بعده، كان ممن احتنكه إبليسُ واستولى عليهم؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 62]، فواعجبًا ممن يَعترِف له عدوه بأنه أكرم منه ثم يتَّبِعه، والحق ما شَهِدت به الأعداء.

أيها الأخ المسلم:
ألا تنظر نظرةَ صِدْق ويقين، وجد واجتهاد - عقوبة الله تعالى لآدم وحواء على معصية واحدة، وهي أنهما ذاقا الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن ذوقها، فما بالك بالمعاصي المتتابعة، والجرائم المتراكمة، واحدة تِلْو الأخرى؟ حتى اسودَّت القلوبُ بعد بياضها، وأغفلتها عن التفكير في عقوبتها والخوف من شؤمها، فما هي معذرتنا من الله تعالى حينما يَحِل بنا بأسه، إلا أن يتغمَّدنا برحمته؟ ما العُذْر إذا أكلنا الربا، وفشَتْ فينا وسائل الزنا، والركون إلى الخلاعة والمجون، والكذب والغش والخيانة، وصارت السُّنة بِدعة، والبدعة سنة، والباطل حقًّا، والحق باطلاً؟ حتى ذابت شخصيتنا الإسلامية، وماعت في شخصية أعدائنا، ولم يَعُد من الإسلام إلا اسمه، فإنا لله وإنا إليه لراجعون.

فاتقوا الله عباد الله، وخالِفوا الشيطان دائمًا، واتبعوا ما جاء في كتاب ربكم وسنة نبيكم، تفوزوا بجنة عَرْضها السموات والأرض أُعِدَّت للمتقين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




الساعة الآن : 01:46 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 12.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.98 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.78%)]