ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=232143)

ابوالوليد المسلم 06-04-2020 03:26 AM

رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
 
رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
السيد العربي بن كمال


تقديم:
إن الحمد لله - تعالى - نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صلى على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) 102: آل عمران.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَـقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) 1: النساء.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلً سَدِيدًا * يُصْلِـحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) 71: الأحزاب.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
فإن شهر رمضان من الأزمان التي لها عند المسلمين مكانةٌ عظيمةٌ، هذه المكانة ليست مجرد شجون وتقدير لما لا يرتبطون به، لا بل هي مكانةٌ ترتبط بها القلوب والأبدان لما تجده النفوس من بهجةٍ وفرحةٍ واطمئنان وحب للخيرات وفعل للطاعات وتهيؤ عظيم في القلوب ولين في الأبدان لفعل الخيرات وترك المنكرات، ولاشك أن هذا يشعر به كل مسلم وإن قل إيمانه؛ لأن شهر رمضان هو زمنُ لين القلوب واطمئنانها ولو نسبياً، وزمنُ تعاون الناس على كثير من البر والطاعات، وفعل الخيرات، فأنت ترى الناس تختلف مسالكهم في رمضان عن غيره لوقوع الصيام منهم جماعة مما يجعل لهم صورة جماعية طيبة في بعض الأمور كاجتماع الناس في البيوت للإفطار حتى تخلو الطرقات في القرى والمدن من المارة إلا القليل، والتي لا تكون كذلك في مثل هذه الأوقات في غير رمضان، وغير ذلك من المظاهر الجماعية والتي تحدث في رمضان ولا يمكن أن تحدث في غيره باستقراء الواقع إلا أن يشاء الله شيئا، وذلك -مثلا - مثل اجتماع الناس على قيام رمضان، ومثل امتلاء المساجد في صلاة الفجر على غير عادة الناس في غير رمضان في أزماننا، هذا وغيره كثير يدل دلالة واضحة على تلك المكانة التي هي لهذا الشهر في قلوب العامة والخاصة من المسلمين، وتلك المكانة التي تكون في القلوب تتفاوت في قلوب المسلمين بما يترتب عليه تفاوتا بينا في مسالكهم وعاداتهم في هذا الشهر أفرادا وجماعات، وهذا التفاوت ليس هو فقط في المقدار والأثر والقوة لا بل هو أيضا في نوعه بمعنى أنه ليس فقط تفاوتا في كمه وقوته بل في كيفيته ونوعيته، وصدق ربنا إذ يقول: ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) 4: الليل.
نعم فإن سعى الناس عموما في أمر دينهم ودنياهم لشتى خاصة في مثل تلك الأزمان الفضيلة، فبين مقدر لقدره ومضيع، وكاسب وخاسر، وموفق ومغبون، وضال ومهتد، وتقي وفاجر عافانا الله من التضيع والخسران والغبن والضلال والفسوق والكفران، وجعلنا بفضله ومنه وجوده من المؤمنين الفائزين في الدنيا والآخرة في رمضان وغيره من شهور العام، آمين.
أيها الأخوة الكرام: كيف نستقبل.. ونغتنم.. رمضان؟
وقبل الإجابة أسأل نفسي وإياك أخي الكريم سؤالا يقرب المسألة، وهذا السؤال هو لو أن لك صاحب أو قريب أو رحم عزيز عليك، غاب عنك أحد عشر شهرا ثم علمت بمجيئه إليك زائرا عما قريب، ماذا أنت صانع لملاقاة واستضافة هذا الضيف والجائي الكريم العزيز عليك، ماذا أنت صانع؟، سأترك الإجابة لك، ولكن بشرط أن تجيب بأنصاف وموضوعية.
وإذا وفقك الله لإجابة صحيحة منصفة بما يليق وشأن ضيفك وزائرك الذي افترضنا أنه عزيز، بل عزيز عليك جدا.. جدا فاسأل نفسك ماذا هو الحال إذا كان هذا الزائر هو شهر رمضان المبارك؟
ونحن سوف نستقبل في غضون أيام هذا الضيف، هل تعرفه، وماذا أعددت له وكيف ستستقبله وتتعامل معه؟
أولا: من هو شهر رمضان؟
هـو: الشهر التاسع في ترتيب الشهور التي هي عند الله اثني عشر شهرا من يوم أن خلق الله السموات والأرض، وعلى الترتيب الذي أنشأه عمر رضى الله عنه، قال - تعالى -: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) الآية 36: التوبة.
وهو: الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال - تعالى -: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) الآية 185: البقرة.
وهو: الشهر الذي ابتعث الله فيه نبيه وخليله وخاتم رسله محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وهو: الشهر الذي جعل الله منه إلى رمضان ما بعده كفارة: بوب مسلم في كتاب الطهارة: باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. وفيه: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر.
وهو: الشهر الذي إذا دخلت أول ليلة من لياليه كان ما كان من الخير: اسمع: عند البخاري في كتاب الصوم: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة.
وفي رواية عنه أيضا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين.
وهـو: الشهر الذي جعل الله فيه لأصحاب الذنوب والخطايا المخرج وكذلك لطالبي الجنة والعلو في الدين: فعند البخاري في كتاب التوحيد: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها)، قالوا: يا رسول الله أفلا ننبئ الناس بذلك؟ قال: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة).
وعند مسلم في كتاب صلاة المسافرين: عن أبى هريرة حدثهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
وهو: الشهر الذي جعل الله فيه العمرة كحجة ليس هذا فحسب بل كحجة معه - صلى الله عليه وسلم -: فعند البخاري في كتاب الحج: عن عطاء قال: سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما - يخبرنا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها: (ما منعك أن تحجين معنا؟) قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك ناضحا ننضح عليه، قال: فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة.
وفي رواية: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) متفق عليه. وفي رواية: قال: (( فإن عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي)).
قوله: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض؛ للإجماع على أن الاعتمار لا بجزيء عن حج الفرض، وقال ابن العربي: حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها، وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد.
وهـو: الشهر الذي جعل الله فيه ليلة هي خير من ألف شهر في دين وعمل العبد المؤمن: فعند البخاري في كتاب صلاة التراويح: عن عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: (( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)).
وعند مسلم في كتاب صلاة المسافرين: عن زر قال سمعت أبي بن كعب يقول وقيل له إن عبد الله بن مسعود يقول من قام السنة أصاب ليلة القدر فقال أبي: والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني ووالله إني لأعلم أي ليلة هي هيَ الليلة التي أمرنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
وأنت تعلم قوله - تعالى -: (ليلة القدر خير من ألف شهر).
وهـو: خير الشهور على المؤمنين وشر الشهور على المنافقين: ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله ما مر على المسلمين شهر هو خير لهم منه ولا يأتي على المنافقين شهر شر لهم منه إن الله يكتب أجره وثوابه من قبل أن يدخل ويكتب وزره وشفاءه من قبل أن يدخل ذلك أن المؤمن يعد فيه النفقة للقوة في العبادة ويعد فيه المنافق اغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم فهو غنمٌ للمؤمن ونقمةٌ على الفاجر)) أحمد. والبيهقي، عن أبي هريرة. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
وإذا نظرت لهذا الحديث الجامع ترى أن ذلك وكأنه واقع يراه القاصي والداني، المؤمنون يعدون عدة البر يجهز زكاة ماله لينفقها في رمضان، ويرتبون المال للتوسيع على الأهل والأولاد، ويعدون أسباب إعانة المساكين والفقراء، وكذا إطعام الصائمين، وفي المقابل المنافقون ممن يعدون العدة بالأفلام والتمثليات والفوازير إلخ.. فصدق الصادق المصدوق هو غنمٌ للمؤمن ونقمةٌ على الفجر.
ولو ظللت أعرف بمن يكون هو هذا الضيف العزيز ما وفيت الكلام على مكانته ولكن المقصود هو كيف نستقبل هذا الضيف المكرم؟
كيف؟
ومن ثم لابد أن أذَكِر أولاُ بأمور هامة أولها: نحن المسلمين: لكم أسأنا استقبال هذا الضيف لأنه لطالما يزورنا ويأتينا كل عام في نفس الموعد وهو ضيف كريم يأتي بالهدايا الكثيرة العظيمة النفع التي يحتجها كل أحد من الخلق وخاصة المسلمين ونحن نقابل لك بأن نأخذ من هداياه ما يعجبنا ونرمى في وجهه ما لا يعجبنا ونحن في ذلك من المغبونين، وصدق ربنا إذ يقول: ( إن سعيكم لشتى).
نعم إن سعى العباد في الدين لشتى، وخاصة في رمضان، فمضيع ومستهتر ومغبون ومفتون وغير ذلك من مسالك الباطل والتضييع، ولكن هناك أهل الحكمة وشكر النعمة.. جعلنا الله منهم.. أهل تقدير العطايا والمنح الربانية- الذين يرجون ثواب ربهم ويخافون عذابه ويتقون سخطه بطلب مرضاته - نعم هم من يطلبون النجاة ويسلكون مسالكها فيعرفون لرمضان قدره ويستقبلونه بالتوبة وفعل الخيرات وترك المنكرات، يحكى عن السلف أنهم كانوا يظلون ستة أسهر يدعون ربهم أن يبلغَهم رمضان، فإذا جاء أحسنوا استقباله، فإذا رحل عنهم ظلوا ستة أشهر بعده يسألون الله قبول ما قدموا فيه من الصيام والقيام والصدقة وغير ذلك مما قدموا من البر أرأيت كيف كان حالهم، وكيف صار حالنا، نسأل الله أن يصلحنا ويصلح بنا ويحسن مآلنا ويجعلنا في شهر رمضان من الفائزين، كان السلف أذا انقضى رمضان يقولون رمضان سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر.
نحن يا سادة: كم من مرات ومرات جعلناه يرحل عنا وهو حزين لا يرى منا إلا الوكسة والجري وراء الدنيا الحقيرة والرضا بالدنية في الدين، والميل مع الذين يتبعون الشهوات ميلا عظيما، والتولي عن العمل لله، ويري كذلك زهدنا في أخرتنا وعدم نصرتنا لربنا، ففعل المنكرات، وسهرٌ أمام التلفاز في الليالي الرمضانية - هكذا يسمونها من يقيمونها - وهى في الحقيقة ليالي شيطانية لا رمضانية، فالليالي الرمضانية هي ليالي القيام واجتماع الناس في المساجد والتسحر استعدادا لصيام يرضاه الله - جل وعلا - وغير ذلك من الذكر والتلاوة هذه هي الليالي الرمضانية، وكذلك لكم رحل عنا رمضان وهو يرى حال المسلمين المتردي الذين هم في أشد الحاجة لما جاءهم به من الخير الكثير الذي جعله الله لعباده التائبين المقبلين الذين يبحثون عن مخرج من ورطة الذنوب وتخفيفا لثقلها عن عاتقهم.
نحن أيها الأخوة: يأتينا هذا الشهر هذه المرة وهناك متغيرات كثيرة الشيشان وما أدراك ما الشيشان وتدنيس بيت المقدس والتعدي عليه من أبناء القردة والخنازير، والهوان والاستضعاف الذي تعيش فيه الأمة دولا وجماعات وأفراد حكاما ومحكومين، فقتل وتشريد وهدم للبيوت وتحريق للممتلكات، قتل للأطفال والكبار والنساء والرجال إبادة هنا وهناك، ومسح للدول الإسلامية من على خريطة العالم كما يحدث في فلسطين والشيشان، وغطرسة كافرة تعربد بحقد أسود وجبروت طاغي في كل حدب وصوب، وإذلال للقادة والملوك والممكنين قبل المستضعفين، ووصف للإسلام والمسلمين بالإرهاب وغير ذلك، فانا لله وانأ إليه راجعون.
إن رمضان ذلك الضيف الكريم يأتي هذه الزيارة ونحن نعانى من انهزامية يزرعها فينا دعاة السلام، عفوا بل دعاة الاستسلام والذلة لغير الله مع الإعراض عن الله، انهزامية يزرعها فينا دعاة العلمانية، ويدعمها حبنا للدنيا الذي هو من أعظم أسباب تلك الانهزامية ففي الحديث الصحيح من حديث ثوبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل يا رسول الله: فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت)) . أخرجه أحمد وأبو داود.
* يأتي علينا هذا الضيف يا سادة ونحن نلعق مرار تسلط اليهود على بيت المقدس وتكبرهم علينا حكاما ومحكومين، دولا وجماعات وأفراد، نلعق مرارة إبادة الروس الملاحدة الملاعين للمسلمين في الشيشان انتهكوا حرماتهم وهدموا وخربوا أرضهم وانتهكوا أعراضهم ومسحوا دولة معترف بها في المجتمع الدولي مسحوها أو هكذا يحاولون ولن يمكن الله لهم، فانا لله وإنا إليه راجعون.
خلاصة القول: أن هذا الضيف العزيز الكريم بما كرمه به الله - تعالى - يأتي علينا ونحن أزلة مستضعفين أنهكتنا ذنوبنا وشهواتنا وحرمنا طلب المقامات العلية، مقامات الجهاد والمجاهدة مقامات البذل لله - تعالى - مقامات عز الطاعة والإنابة إلى الله - تعالى -، خلاصة القول أن هذا الضيف سوف يجيء ليجد فينا ومنا حالا لا يسر حبيب ولكن يسر عدو، يسر الشيطان الذي يقعد للمسلم بكل صراط، يسر اليهود الذين برون منا الانهزامية أمام تصلفهم وكبرهم، فاجتماعات ولجان، ومؤتمرات لا تتمخض إلا عن زيادة ذل وهوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.
حالٌ لا يسر إلا دعاة الاستسلام لليهود؛ لأنهم قُهروا نفسيا أمام الدولة العظمى كما يحلوا لهم أن يسموها للغطرسة الأمريكية، تلك الأسطورة التي هي إلى زوال تقريبا خاصة بعد ما أوضح مدى خوار الأسطورة التي لا تقهر والأمن الذي لا يخترق، ها قد أخذ الله القرية الظالمة بعض الأخذ، وهو على كل شيء قدير، وإن هلاكهم قريب، ألم تر تلك الآية التي ظهرت في عقر دارهم، فنحن نخور ونركع في محراب الطغيان الأمريكي.. واليهودي، وغيره، وطبعا لا يجر ذلك إلا إلى الصغار والذل لا العز والكرامة.. فحسبنا الله ونعم الوكيل، فحالنا يا سادة يسر كل عدو قل أو كثر، بعد أو قرب، والى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
* هذا بعض ما ينبغي أن نعرفه ابتداء، وذلك قبل أن نتكلم عن كيفية استقبال هذا الضيف العزيز،
* ولابد هنا أيها الأخوة الكرام من معرفة أن هذا الضيف: يأتي ومعه كثير من أسباب الإعانة والتغيير التي يمن الله بها على عباده المؤمنين الذين يؤمنون أنهم لا ينبغي لهم أن يهنوا ولا ينبغي أن يحزنوا، ولا ينبغي بحال أن ينهزموا أو يضعفوا أو يصيبهم الخور أمام عدوهم، ولا ينبغي كذلك أن يذلوا لغير الله - تعالى - المعز المذل الكبير المتعال الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وذلك لأنه - سبحانه - قد وعدهم بأنهم الأعلون إن كانوا مؤمنين، قال - تعالى -: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)39: آل عمران، وكذلك هم يستبشرون بوعد الله - تعالى - حيث قال: (وَعَـدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنـُوا مِنْكُمْ وَعَمِلـُوا الصَّالِحـَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) 55: النور.
ولذلك لابد، ثم لابد أن أردنا الخلاص مما نحن فيه من الغبن وقلة الإيمان وكثرة الشرور، أن نكون من أولئك الذين يقدرون هذا الضيف قدره ويحفظون عليه مكانته التي أنزلها الله إياه، ويتنعمون بكثير الفضائل والكرائم والهبات والهدايا والنعم الربانية التي يبعث بها الله - تعالى - مع هذا الضيف العزيز، أليس كذلك، لابد أن نجعل استقبالنا لهذا الضيف الكريم نقطة تحول كبيرة في حياتنا الإيمانية وفي أنفسنا، نقطة تحول نتحول بها:
يتبع

ابوالوليد المسلم 06-04-2020 03:27 AM

رد: رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
 

أولا: من كثرة الذنوب والمعاصي التي لا تنتهي سواء الدائم منها، مثل شرب الدخان وسماع الأغاني والمعازف والتبرج وعرى البنات والاختلاط وحلق اللحى والكسب الحرام من الوظائف المحرمة مثل العمل في البنوك والضرائب والأعمال التي فيها ظلم العباد أو الحكم بغير ما أنزا الله والنظر إلى المحرمات، وظلم الزوجات وإساءة التربية للأولاد وغير ذلك كثير من الذنوب التي يقع فيها الكثير، دائما، ليل نهار، أو ما نأتيه حينا مثل الزنا والغيبة التعاون في بعض المنتديات على الإثم والعدوان كما هو في منكرات الأفراح والأعراس وما شابه، والليالي القبيحة المسامة بالليالي الرمضانية حيث يجتمع البنات والشبات مع الرجال والأولاد، في فعل المنكرات ومشاهدة المحرمات أو قضاء الليل في اللعب والصراخ والمجون والسهرات الملونة.فقد أصبح البر والطاعات وفعل الخيرات وترك المنكرات والتعاون على البر والتقوى، صار ذلك في حياتنا وأحوالنا، أحيانا، أحيانا أحيانا، فلابد إذا من التحول من هذا الحال إلى العكس ولن بكون ذلك بالأماني والتمني، لا لن يكون ذلك إلا بتغيير النفس، والمجاهدة في الخروج من هذا الأسر أسر الدنيا والإخلاد لها، أسر الشهوات وحب المال والرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان لها، فلابد إذا من تغيير النفس لا بد ثم لابد.. قال - تعالى -: (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) 11: الرعد، ولن يكون ذلك إلا أن تبدأ بالتوبة، التوبة من الحال الذي يعرفه كل منا من نفسه، ولا ينبغي أن نتقلل عيوبنا وذنوبنا وكأنها شيء هين لا ثم لا فهذا شأن المنافقين، والعياذ بالله تنبه..
فعند البخاري في كتاب الدعوات: عن الحارث بن سويد حدثنا عبدالله بن مسعود حديثين أحدهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر عن نفسه قال إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق أنفه.
أرأيت إياك، إياك أن تفعل ذلك فذنوبنا أهلكتنا أو كادت فلابد من التغيير والهجرة إلى الله - تعالى - دون مكابرة، فإننا عباد الله إن جادلنا عن أنفسنا في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنا في الآخرة؟ قال - تعالى -: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) 109: النساء.
فلنجعل من رمضان بما فيه من صنوف البر الكثيرة معسكر توبة نتحول فيه من أصحاب معاصي وسيئات إلى أصحاب طاعات وفعل خيرات وليس هناك من الطاعات طاعة جمعت ما في التوبة من خير وفضل من الله - تعالى - ولذلك أمر الله بها:
قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) 8: التحريم.
قال - تعالى -: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 74: المائدة.
وقال - تعالى -: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) 3: هود.
وقال - تعالى -: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) 52: هود. وقال - تعالى -: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) 90: هود.
وقد شدد الله - تعالى - على من لم يتب، فقال - تعالى -: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) 11: الحجرات.
فيا أخي: إن أردت أن يتوب الله عليك وتنجو من حالك السيئ قبل الموت فتب قال - تعالى -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) 160: البقرة.
يا أخي الكريم: إن أردت أن يحبك الله فتب، قال - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) 222: البقرة.
يا أخي الحبيب: إن أردت أن يغفر الله لك ويرحمك، وأنت صاحب الذنوب التي كالجبال، والتي لعلها تكون سبب الهلاك والعياذ بالله، إن أردت ذلك فتب، قال - تعالى -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 89: آل عمران.
يا أخي في الله: إن أردت أن يأتيك الله الأجر الذي يمكن أن يكون سببا للخلاص من ورطة الذنوب فتب قال - تعالى -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) 146: النساء.
يا أخي الحبيب: إن أردت الخير كل الخير فتب، قال العلى الكبير: (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) 74: التوبة..
واعلم أخي أن الله - تعالى - الغنى الحميد القائل في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) 15: فاطر. وقال - تعالى -: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) 97: آل عمران. وقال - تعالى -: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) 133: الأنعام. وقال - تعالى -: (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) 6: العنكبوت.
ومع هذا كله فانه - جل وعلا - يطلب منك الرجوع إليه - تعالى -، ويفتح لك بابا من أوسع الأبواب لترجع منه، وحتى لا تجد الطريق ضيقا فقد وسع الله في باب التوبة وجعله مفتوحاً على مصراعيه للعبد طيلة حياته ما لم يغرغر، أو تطلع الشمس من مغربها [يعنى وقت الساعة]، وليس هذا فحسب بل إن الغنى عنك وعن العالمين - سبحانه -، من يفتقر له كل من في السموات والأرض، يفرح بتوبة عبده التائب ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض فلاة، دوية، مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه، فالله - تعالى - أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته)) متفق عليه من حديث ابن مسعود وأنس. زاد مسلم في حديث أنس، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" ورواه مسلم بهذه الزيادة من حديث النعمان بن بشير، أرأيت أخي كيف يفرح الله بتوبة العبد من أن العبد هو المحتاج والله هو الغنى، ياللعجب الفقير العاجز دائم الحاجة لا يفرح بالتوبة وهو في أشد الحاجة إليها، كن أخي من الفرحين بالتوبة التي لعل وراءها رحمة رب العالمين - سبحانه -. قال - تعالى -: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) 58: يونس.
فهذا من أول ما ينبغي أن نجعله من أعمالنا في استقبال شهر رمضان لنكون ممن يستقبله استقبالا حسنا.
وثانـيا: أن تجعل من رمضان سببا لنيل الشرف وأن تكون من أهل الشرف خروجا من قهر الذل ذل المعاصي والانهزامية وهذا الشرف ليس في عضوية مجلس الشركاء فهذا مزيد من الذلة ليس الشرف والعز في مثل ذلك، وليس الشرف كذلك في جمع الأموال والاستكثار من التجارات؛ لأنه موسم، نعم هو موسم، ولكن للبر والحسنات لا للجنيهات والريالات، نعم هو موسم، للبر والطاعات لا للمكاسب والتجارات، الشرف الذي أقصده هنا هو قيام الليل ففي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس))، أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن سهل بن سعد البيهقي في شعب الإيمان عن جابر، وقال الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع. حسن برقم: 73).
وفي الحديث: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)).
القيام وما أدراك ما القيام ذلك البر الذي لما تركه المسلمون تركوا معه سبباً عظيماً من أسباب عزهم فالعز طريقه في أمرين:
الأول: الأنس بالله ليلا والترهب له، وجمع القلب عليه والانكسار ليلاً فيورث ذلك الإخبات والإخلاص.
والثاني: البذل والجهاد في الله نهاراً في طلب العلا علماً وعملاً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وهذا يورث الفداء والإباء، قيام الليل لا تضيعه واغتنم ما وعد الله به على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه فهذا ثانيا.
وثالثا: إدخال السرور على أخيك: إن دخول شهر رمضان على المسلمين هو بمثابة دخول الغوث عليهم في دينهم ودنياهم، فأبواب الفرج تتفتح وفي الحديث: (( إذا كان رمضان فتحت أبواب الخير)) ولم يقيد أو يستثن، وهذا معناه أن كل أبواب الخير الدنيوية والأخروية تفتح، وكلنا يشهد بذلك ويحسه، حتى أن الناس تقول (رمضان الرزق فيه واسع)، ومن هذا المنطلق لابد أن تجعل من رمضان باب خير عليك وعلى أهل بيتك، فلا مانع من التوسيع على أهل بيتك بلا تكلف وإسراف، والتوسيع على أخوانك من أرحامك ومن جيرانك ومن أصحابك هو من أفضل الأعمال، ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزا)) .أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة وابن عدي في الكامل عن ابن عمر، وقال الألباني في صحيح الجامع حسن، برقم: 1096، وقال أيضا: " من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن: تقضي عنه دينا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة" . أخرجه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنكدر مرسلا، وفي صحيح الجامع برقم.: 5897، صحيح.
أرأيت أخي كيف أن إدخال السرور على أخيك من أفضل الأعمال وهذا الفضل يزداد أذا كان جارا ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ليس المؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه))، أخرجه الطبراني في الكبير عن طلق بن علي، وفي صحيح الجامع برقم: 5380، صحيح.
وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم -: (( ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه)) أخرجه البخاري في الأدب والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن ابن عباس، وفي صحيح الجامع برقم: 5382، صحيح.
فيا ليتنا نخرج من سوء نفوسنا ونستقبل هذا الضيف العزيز بإدخال السرور على الأهل والجيران والأصحاب ونجعل من رمضان ملتقى الأحبة في الله نطعمهم ونخفف عنهم ونشاركهم في قضاء حوائجهم ولو بالدعاء ممن لم يجد ولنتذكر في هذا المقام قول الهادي البشير - عليه الصلاة والسلام - وهو يقول: ((ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)) البخاري ومسلم..
وبناءً على هذا فلنستقبل رمضان من منطلق تحولنا عن الإساءة لإخواننا إلى التواد والتعاطف والتراحم، لنستقبل هذه الأيام الفضيلة ونحن جسد واحد، جسد الإسلام والمسلمين هذا ثالثا،
ورابعا: حسن الخلق ولين الجانب والألفة: فلنجعل من رمضان نقطة تحول من سوء الخلق والفظاظة الأحقاد والغل وسوء الطوية وسوء معاشرة الأزواج والإساءة لهن، والنشوز على الأزواج وعدم طاعتهم، والخروج من كبر النفس، والتعالي بعضنا على بعض، وتقطيع الأرحام والسعي في الأرض فسادا، وفحش اللسان والكذب والخيانة والغيبة والنميمة، وغير ذلك.. من السوء فلنتحول من ذلك كله ومن كل خلق سيء، نجعل من أيام هذا الشهر معسكرا تربويا، نقيم أنفسنا فيه على الأخلاق الحسنة وهى فرصة عظيمة لتحصيل ذلك الخير الكثير ففي الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: (( إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم)) أبو داود وابن حبان في صحيحه عن عائشة. وقال الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع برقم: 1932 صحيح.
وعنه أيضا - صلى الله عليه وسلم -: ((أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء)) البيهقى. عن أبي الدرداء، وقال في صحيح الجامع برقم: 135، صحيح.
ويكفي أن تعرف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى ووصف البر بأنه حسن الخلق كما في الحديث: (( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)). أخرجه البخاري في الأدب وصحيح مسلم والترمذي عن النواس بن سمعان أن يأمنك الناس وتهجر المعاصي فذلك ثمرة حسن الخلق: وفي الحديث: (( المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهـم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب)) ابن ماجة عن فضالة بن عبيد، وقال الألباني في صحيح الجامع برقم: 6658، صحيح.
واعلم أن الألفة من شيم المؤمنين:
ففي الحديث: (( المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس)) أخرجه الدار قطني في الأفراد والضياء عن جابر، وفي صحيح الجامع برقم: 6662، وقال حسن.
وفي الحديث أيضا: (( المؤمن يألف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) أخرجه أحمد في مسنده عن سهل بن سعد، وفي صحيح الجامع برقم: 6661، وقال صحيح.
وفي الحديث: (( المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم)) أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة. وفي صحيح الجامع برقم: 6653، وقال: حسن.
قال في لسان العرب: وفي الحديث: (( المؤمِنُ غِرٌّ كريم)) أَي ليس بذي نُكْر، فهو ينْخَدِع لانقياده ولِينِه، وهو ضد الخَبّ.
يقال: فتى غِرٌّ، وفتاة غِرٌّ، يريد أَن المؤمن المحمودَ منْ طَبْعُه الغَرارةُ وقلةُ الفطنة للشرّ وتركُ البحث عنه، وليس ذلك منه جهلاً، ولكنه كَرَمٌ وحسن خُلُق.
وقال ابن الأثير في النهاية: والخبُّ بالفتح: الخدَّاعُ، وهو الجُزْبُرُ الذي يسعى بين الناس بالفَسَاد.
واعلم أن الصبر على آذى الناس من الإيمان لا أنه من عظيم حسن الخلق:
ففي الحديث: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم)) أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر، وفي صحيح الجامع برقم: 6651، وقال: صحيح.
أرأيت أخي هذا بعض ما في حسن الخلق من فضائل وخيرات وبركات، فلما لا نجبر النقص ونسد الخلل ونحصل ذلك الخير الكثير ونذوق الحُسنَ بعد السوء والحلو بعد المر والإحسان في المعاشرة بدلا من الإساءة والتعدي، ما أحلى حسن الخلق وما أحلى مذاقه، فلنجعل من رمضان بداية عهد جديد، فلنستقبل رمضان بحسن الخلق ولين الجانب وحسن الطوية ومحاولة الإتلاف فيما بيننا عسى ربنا أن يرحمنا.
فهذا يا أخي رابعا مما نحاول أن نجعله من مقتضيات استقبال شهر رمضان ذلك الضيف الكريم.
وخامسا: المؤمن عف اللسان: إن سوء اللسان من سوء الخلق ولكنه أخطره ولذلك ينبغي أن نعرف هذه الخطورة ونحذرها، ولعل كثير الشقاق بيننا وعدم الألفة والتفرق بين أصحاب النهج الواحد، بل إن من أعظم ما يخلق العداوة بين الأولياء والأرحام والأصهار حتى بين الرجل وامرأته كثير منها إن لم تكن كلها، بسبب اللسان، نعم إن للسان خطورة شديدة ومن أعظمها خطورة بعد التكلم بالكفر والعياذ بالله، سب المؤمن، ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة)) الطبراني في الكبير عن ابن عمرو، وفي صحيح الجامع برقم: 3586، وقال حسن.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (( ليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة، ومن حلف بملة سوى الإسلام كاذبا فهو كما قال، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله)) متفق عليه، وفي الحديث: (( ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي)) أحمد في مسنده والبخاري في الأدب وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود، وفي صحيح الجامع برقم: 5381، وقال صحيح. وفي الحديث: (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) .
ولهذا ينبغي أن نعلم أن فرقة الصف، وتفرق الجمع، وفك حزمة المسلمين، يرجع سبب ذلك إلى أمور، لعل من أعظمها التلاعن بين المسلمين، فكل جماعة تلعن أختها ولو من طرف خفي، وكل فرد يلعن من ليس في حزبه أو جماعته فتزداد بذلك الفرقة، وتتعمق به الغربة بين المسلمين، وهذا لا يُرضى إلا أعداء الإسلام الذين يسعون في المسلمين منذ أمد بعيد بمبدأ فرق تسد، وقد نجحوا في ذلك مع الأسف، وما ذلك إلا بسبب بعد المسلمين عن هدى نبيهم وشريعة ربهم، وباتوا يلهثون وراء الغرب الكافر الذي هو موطن أعدائهم، ومحل مبغضيهم وحاسديهم، باتوا يتخذونهم أولياء ويتبعونهم في كل صغيرة وكبيرة حتى فرقوهم وجعلوهم شرازم متباغضين متناحرين، حتى قامت بين المسلمين الحروب، فبدلا من أن يتوجه المسلم بسلاحه وقوته وضربته إلى أعدائه الحقيقيين من الكفار والملحدين ومن اليهود والنصارى وأشياعهم من دول الغرب الكافرة، بدلا من هذا يجعل قوته ورميته في صدر أخيه المسلم، فانا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فلهذا أخي الكريم ينبغي أن نتفطن لما أوقعنا فيه عدونا، وقد ذقنا مرارة التفرق والتلاعن والسب والمقاتلة حتى كدنا نستنزف لصالح أعدائنا، لنتنبه إلى مثل هذه الأمور العظام ونخرج أنفسنا من ورطة الغفلة التي وضعنا فيها بعدنا عن ديننا هذا واحد، وتربص ومكر أعدائنا الثاني، قد تكون هناك أسباب أخر لكن الكل يكاد يتفق على هذين السببين، وينبغي أن يكون أخوك هو أخوك يشد عضدك يحوطك من ورائك، وهكذا، فينبغي أن يكون:
* المؤمن مرآة أخيه:
ففي الحديث: (( المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن: يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه)) .أخرجه البخاري في الأدب وأبو داود عن أبي هريرة، وفي صحيح الجامع برقم: 6656، وقال حسن وليس الأمر يقف عند حد النصح والتعاون على الخير، بل مجتمع المسلمين مجتمع مسئول، للمسلم على المسلم حقوق، وعليه كذلك حق
يتبع


ابوالوليد المسلم 06-04-2020 03:28 AM

رد: رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
 
* حق المؤمن على أخيه:
في الحديث: (( للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد)) الترمذي والنسائي عن أبي هريرة. وفي صحيح الجامع برقم: 5188، وقال صحيح.
وفي الحديث: (( المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر)) أخرجه مسلم، عن عقبة بن عامر.
وفي الحديث: (( الْمُؤمِنُ للْمُؤمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهَ بَعْضَاً)) أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى.
* أرأيت أخي كيف ينبغي أن نجعل من رمضان منطلق لربط الأوصال بين جمع الجماعة الحق التي لا يحب الله غيرهم ويده - سبحانه - فوق أيديهم، فلنجعل من استقبالنا للشهر الفضيل
مقاطعة للسب والتلاعن والتهاجر، ونجعل من دخول رمضان علينا نقطة تحول إلى الوحدة والتماسك والترابط كالبنيان، ونذر كل سبب للفرقة والشرذمة ولنتخذ من عفة اللسان وحسن الكلام سبيلا إلى ذلك والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
خامسا، وسـادسـا: رحمة الصغير واحترام الكبير: إننا نعانى من أزمة احترام وتقدير لكل صاحب شأن سواء كان كبير في السن أو ذو مقام أو ما شابه، وكذلك يستشعر المخالط لفريق الملتزمين بنوع قسوة وشدة في غير موضعها، بعبارة أخرى نقص أو قل فقد رحمة وتراحم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)) أخرجه أحمد في المسند والحاكم في مستدركه، وفي صحيح الجامع برقم ? 5443) وقال: حسن. ويقول: ((من لا يرحم لا يرحم)) ويقول أيضاً: (( الرحماء يرحمهم الرحمن)).
ولهذا ينبغي أن نلوم أنفسنا بقدر كبير في عدم نجاحنا في مقامات الدعوة مع عامة المسلمين، ومن هم من أهل المعاصي والبدع، فهم مسئوليتنا ولعلنا نُسأل عن هذه المسئولية في الآخرة، فالفظاظة والغلظة وعدم الرحمة والتراحم وانعدام العطف والاحترام في محله وبضوابطه، هو سبب كبير ومؤثر في دعوتنا سلبا، وكذا في مسالكنا وآدابنا وديننا بل والأخطر وإيماننا، وتذكر قول الله - تعالى -: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) 159: آل عمران.
فهذا يا أخي بيان من الله - تعالى - يبين فيه أن من أعظم أسباب نجاح الدعوة إلى الله واجتماع رباط المسلمين حول قائدهم الحق هو الرحمة والاحترام والتقدير لكل ذي منزله، واللين الباعث على الألفة والترابط، وأن الغِلظة والفظاظة تبعث على الفرقة والعداوة والانفضاض عن من الانفضاض عنه هلاك، فتنبه أخي لذلك ولنجعل من هذا منطلقاً لاستقبالنا لرمضان ومبعث حنو واحترام وتقدير وتراحم بيننا وبين كل من نملك أن نفعل معه ذلك، عسى أن يكون ذلك مبتدأ خير علينا كأفراد بما ينعكس على جماعةِ ومجتمع المسلمين بالصلاح والإصلاح، فهو ولى ذلك والقادر عليه وحده - جل وعلا -هذا يا أخي سادس أمر من الأمور التي ينبغي أن تكون ركائز نرتكز عليها في استقبالنا واغتنامنا لشهر رمضان.
سـابعا: الصدقة: وما أدراك ما الصدقة وما أثرها في القلوب والأبدان والأموال والأجر، وخاصة في شهر الصدقات والجود والكرم، والصدقة في القرآن جاء ذكرها بما يدل على عظيم قدرها:
قال - تعالى -: ( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) 263: البقرة.
وقال - تعالى -: ( تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) 271: البقرة
وقال - تعالى -: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 261: البقرة، وقال - تعالى -: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) 18: الحديد، وقال - تعالى -: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) 280: البقرة
وقال - تعالى -: ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) 276: البقرة.
فهذا بعض شأن الصدقة في القرآن والسنة بينت أن الصدقة باب عظيم لكثير من الخير في الدنيا والآخرة:
فالصدقة من أعظم أسباب فكاك النفس من قيد الشيطان وإخراجها من سلطانه وهى من أعظم ما يصد عنه الشيطان والعياذ بالله - تعالى -: ففي الحديث الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما يخرج رجل شيئاً من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا)) أخرجه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك عن بريدة، وفي صحيح الجامع برقم: 5814، وقال: صحيح.
وذلك لأن الصدقة على وجهها إنما يقصد بها ابتغاء مرضاة اللّه والشياطين بصدد منع الإنسان من نيل هذه الدرجة العظمى فلا يزالون يأبون في صده عن ذلك والنفس لهم على الإنسان ظهيرة لأن المال شقيق الروح فإذا بذله في سبيل اللّه فإنما يكون برغمهم جميعاً ولهذا كان ذلك أقوى دليلاً على استقامته وصدق نيته ونصوح طويته والظاهر أن ذكر السبعين للتكثير لا للتحديد كنظائره.
والصدقة من أعظم أسباب التداوي ففي الحديث الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( داووا مرضاكم بالصدقة)) أخرجه أبو الشيخ في الثواب عن أبى أمامة، وفي صحيح الجامع برقم: 3358، وقال حسن.
والمراد: من نحو إطعام الجائع، واصطناع المعروف لذي القلب الملهوف، وجبر القلوب المنكسرة كالمرضى من الغرباء والفقراء والأرمل والمساكين الذين لا يؤبه بهم، وكان ذوو الفهم عن اللّه إذا كان لهم حاجة يريدون سرعة حصولها كشفاء مريض يأمرون باصطناع طعام حسن بلحم كبش كامل ثم يدعون له ذوي القلوب المنكسرة، قاصدين فداء رأس برأس، وكان بعضهم يرى أن يخرج من أعز ما يملكه فإذا مرض له من يعز عليه تصدق بأعز ما يملكه من نحو جارية أو عبد أو فرس يتصدق بثمنه على الفقراء من أهل العفاف.
قال الحليمي: فإن قيل: أليس اللّه قدر الأعمال والآجال والصحة والسقم فما فائدة التداوي بالصدقة أو غيرها، قلنا: يجوز أن يكون عند اللّه في بعض المرضى أنه إن تداوى بدواء سلم، وإن أهمل أمره أفسد أمره المرض فهلك.
* ثم الصدقة سهلة ميسورة والكل يمكنه التصدق مهما كان حاله فالتصدق نوعان:
الأول: صدقة الاحتساب: ويدل عليها الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة)) أخرجه أحمد في المسند والطبراني عن المقدام بن معد يكرب، وفي صحيح الجامع برقم: 5535، وقال صحيح.
والثاني: صدقة البذل: ويدل عليها ما جاء من مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)) أخرجه مسلم.
والمعنى: أي ما بقيت لك بعد إخراجها كفاية لك ولعيالك واستغناء كقوله - تعالى -: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو).
ومن هنا نعرف أن التصدق سهل على كل واحد منا، ومن المهم أن نعرف بعض ما يعظم أجر الصدقة فمن ذلك: ما جاء في الحديث الصحيح: (( أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان)) متفق عليه، وفي الحديث أيضا: (( أفضل الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول)) أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، وفي صحيح الجامع برقم: 1112، وقال صحيح.
وانظر معي إلى ما جاء في هذا الحديث الصحيح: (( أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح)) أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن أبي أيوب، وفي صحيح الجامع برقم: 1110، وقال: صحيح. والكاشح: العَدُوُّ الذي يُضْمِر عَداوَته ويَطْوي.
يعني: أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجراً منها على الأجنبي لأنه أولى الناس بالمعروف.
وأحرص أخي في أمر التصدق على ذوى الأرحام ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة الرحم)) أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن سلمان بن عامر، وفي صحيح الجامع برقم: 3858، وقال صحيح.
* والكلام على الصدقة سيل لا ينقطع فهذا يا أخي الحبيب غيض من فيض وقطرة من سيل ولعل فيه الكفاية لمن أراد الهداية فاحرص أيها المريد للخير أن تجعل من استقبالك لرمضان نقطة انطلاق إلى رحابة البذل خروجا من قيد الشح والبخل وتذكر قول الله - تعالى -: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) 38: محمد.
فلعل ذلك يكون سببا في الانتصار على هوى النفس الأمارة بالسوء وإخراجها من ظلماتها، وذلك مع ورود أنوار رمضان فيكون نور فوق نور.
ثامنا: المجاهدة، مجاهدة النفس التي هي طريق الجهاد بالنفس!: إن الذين تتوق نفوسهم للجهاد في سبيل الله - جل وعلا -.
ويتكلمون في ذلك الأمر كثيرا، لعلهم لا يعلمون إن في رمضان فرصة كبيرة لتربية النفس، وإقامة معسكر لإعداد من يريد أن يكون من المجاهدين، لأن الجهاد بالنفس يبداء بجهاد النفس وتربيتها أولا، نعم بجهاد النفس أولا، ولابد للمؤمن، الذي تتوق نسه بصدق إلى الجهاد في سبيل الله، لابد له من تربية النفس وتخليصها مما يهلكها، لابد أن يجعل من الدنيا سجن عما حرم الله وعما يفسد الدين وينقص الإيمان، وهى كذلك للمؤمن ولابد ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)) أخرجه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة..
أرأيت أخي كيف هي الدنيا للمؤمن، ولذلك فالله لا يصطفي أهل المعاصي والتولي عن الحق ونصرته، المنهزمون في أنفسهم والذين ذلوا لشهواتهم، الله لا يتخذ ولا يأتي بهؤلاء بل يأتي بمن يجاهدون أنفسهم بتربيتها على الحق والتخلص من أسر وقيود الشهوات والأهواء، حتى تخلص لربها ثم يختارهم ويأتي بهم لشرف الجهاد بالنفس، قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 54: المائدة.
ثم إذا أفلح العبد في مجاهدة نفسه لعله يفلح بإذن الله في الجهاد سواء بالسيف أو باللسان ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه)) أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن كعب بن مالك وفي صحيح الجامع برقم: 1934، وقال صحيح.
أيها الأخوة: الشباب جاهدوا أنفسكم لأنفسكم أولا حتى تستمروا في المسيرة بلا فتن أو انقطاع أو انقلاب، وهنيئا لمن شاب في الإسلام هنيئا.. ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: (( الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة، ورفع بها درجة)) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو، وفي صحيح الجامع برقم: 3748، وقال حسن.
فلنجعل نحن معشر المسلمين، من رمضان وصيامه، وقيامه، والتصدق، والتلاوة القرآنية التي لا تنقطع إلا لنوم أو خلاء أو طعام، ولا مانع أن تقرأ الحائض والجنب مما يحفظ حتى يطهر فيقراء من المصحف، وهكذا الذكر الدائم وبذل المعروف، وإفطار الصائمين من المال الحلال ولو تمرة، وإدخال السرور على الضعفاء والمساكين والأرامل والفقراء وخيرهم من كان يتيما وخاصة من كان من أهل الصلاح وعمل الخير، وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران، وحسن الخلق مع الأهل والأصحاب والعشيرة، والأزواج والذرية، وغيرهم، والعفو في أيام العفو، وإنظار ذوى الإعسار، وإسقاط الدين عمن لا يجد وأنت تقدر ولو من زكاة المال، والأمر بالمعروف برفق ومعروف وإصلاح، والنهى عن المنكر بما لا يترتب عليه منكر أكبر، وكذلك ما هو أعظم من الإخلاص لله في كل قول وعمل، والمحافظة على الصلوات في وقتها جماعة للاستكثار من الأجر، وبر الوالدين وخفض جناح الرحمة لهم، كل ذلك يكون مع مجاهدة النفس في ترك المنكرات سواء ما كان دائما أو عرضا، فإن من أعظم أسباب الإعانة على فعل الخيرات ترك المنكرات. كل هذا وغيره ينبغي أن يستقبل به العبد شهر رمضان، ويغتنمه ليكون معسكر إعداد للجهاد، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
تـاسـعا: الطريق القصد السنة علما وعملا:
قال - تعالى -: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) 153: الأنعام.
وقال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) 108: يوسف.
فهذا بيان من الله - تعالى - لهداية من أراد الهدى وشدد - سبحانه - على المُعرِض عن طريق السنة والحق بالوعيد الشديد.
فقال - تعالى -: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) 146: الأعراف.
فاحرص أخي على طلب الهدى واتباعه فهو سبيل مرضات الله - تعالى -، ومن كان يحب الله فليأت بالبرهان وهو اتباع الرسول وهديه، ومن كان يطلب محبة الله فالطريق إليها هو اتباع الرسول وهديه:
قال - تعالى -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 31: آل عمران.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( قد تركتكم على البيضاء: ليلها كنهارها، لا يزيع عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)) أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن عرباض. وفي صحيح الجامع برقم: 4369، وقال: صحيح.
فعليك أخي أن تنطلق في رمضان، ونفسك طيعة تلين لك في فعل البر لينا لا تجده منها في غير رمضان، أغتنم هذا اللين وانطلق في معسكر البر والخير إلى ما ينبغي أن تنطلق إليه وهو تربية النفس، وهذا الأمر العظيم يبدأ من العلم والتعلم، نعم قد يكون الإنسان ذو همة وإخلاص ولكنه جاهل، فعندئذ قد يفسد في دينه أكثر مما يصلح، فالطريق القصد المستقيم الذي يوصل إلى الحق وإقامة النفس على ما يرضى الرب ويبعث على محبته هو إتباع السنة علما وعملا، اجعل من رمضان انطلاقة علم وعمل من خلال السنة تعلمُها والعمل بها لتكون من أهل الحق، والسنة، لا من أهل الضلال والبدع،نسأله - سبحانه - أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا في الدنيا والآخرة.
العـاشر: الفرق بين المؤمن والمنافق: عرفنا فيما سبق أن شهر رمضان هو خير الشهور على المؤمنين، وشر الشهور على المنافقين، ومن أعظم علامات النفاق هي الانكسار أمام الفتن، كما تنكسر الأزرة أمام الريح، بينما المؤمن مثل السنبلة تميل مع الريح ثم تعود قائمة لا تنكسر، عفانا الله من النفاق وشؤمه، وجعَلنا من أهل الإيمان الصادقين المخلصين.
ففي الحديث: (( مثل المؤمن كمثل خامة الزرع: من حيث أتتها الريح كفتها، فإذا سكنت اعتدلت؛ وكذلك المؤمن يكافأ بالبلاء، ومثل الفاجر كالأرزة: صماء معتدلة حتى يقصمها الله - تعالى - إذا شاء)) متفق عليه. وفي الحديث: (( مثل المؤمن مثل السنبلة: تميل أحيانا، وتقوم أحيانا)) أخرجه أبو يعلى في مسنده والضياء عن أنس، وفي صحيح الجامع برقم: 5845، وقال: صحيح.
وفي الحديث: (( مثل المؤمن مثل السنبلة: تستقيم مرة، وتَخِر مرة. ومثلُ الكافر مثل الأرزة: لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر)) أخرجه أحمد في مسنده والضياء عن جابر، وفي صحيح الجامع برقم: 5844، وقال صحيح.
يتبع

ابوالوليد المسلم 06-04-2020 03:28 AM

رد: رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
 

ولذلك ينبغي أخي أن تجعل من رمضان وما فيه من صنائع المعروف بداية عهد جديد وباب عظيم لمراجعة النفس طلبا للخلاص من النفاق، حتى يكون رمضان لك من خير الشهور، ولأن الفوز مع الإخلاص، والهلاك مع النفاق، عافانا الله بفضله وجوده وكرمه.
ولابد أن تعلم أخي أمرا هام في هذا المقام وهو أن كل ما تقدم لنفسك من خير تجده في الآخرة لا يضيع أبدا، لا يضع لا يضيع أجر المؤمن عند الله أبدا:
قال - تعالى -: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 20: المزمل.
وفي الحديث: (( إن الله - تعالى - لا يظلم المؤمن حسنة: يعطى عليها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا)) أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن أنس.
والله يستر المؤمن في الآخرة:
ففي الحديث: (( إن الله - تعالى - يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يُعطى كتاب حسناته بيمينه. وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين)) متفق عليه
ولكن الفتن يرقق بعضها بعضا: ففي الحديث: (( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدُل أمته على ما يعلمه خيراً لهم وينذرهم ما يعلمه شراً لهم وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاءٌ شديد وأمورٌ تنكرونها وتجئُ فتن فيرقق بعضُها بعضا وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهلكتي ثم تنكشف وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب منكم أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأتيه مَنيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يُؤتَى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخَر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)) أخرجه أحمد في المسند ومسلم والنسائي عن ابن عمرو.
بل كيف أنت في فتنة الدجال عفانا الله ووقانا شر الفتن: ففي الحديث: (( يخرج الدجال فيتوجه قِبله رجل من المؤمنين فيلقاه المشايخ مشايخ الدجال يقولون له: أين تعمد؟ فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا فيقول: ما بربنا خفاءٌ فيقولون: اقتلوه فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأمر الدجال به فيُشَج فيقول: خذوه وشجوه فيوسع بطنه و ظهره ضربا فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فيُنشر بالمنشار من مِفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم فيستوي قائماً ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول ما ازددتُ فيك إلا بصيرة ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يُفعل بعدي بأحد من الناس فيأخذه الدجال فيذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه في النار وإنما ألقي في الجنة هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين)) .أخرجه مسلم عن أبي سعيد.
ولذلك القوة في الدين: ففي الحديث: (( المؤمن القوي خيرٌ وأحبُ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، لكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)) أحمد، مسلم، عن أبي هريرة.
العمل للآخرة هو الهم: ففي الأثر: (( أعظم الناس هما المؤمن، يهتم بأمر دنياه وبأمر آخرته)) ابن ماجة عن أنس، ولعله لا يصح مرفوعاً.
ولا تتمنى الموت مهما كانت الفتنة أو المصيبة: ففي الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (( لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَـوْتَ مِنْ ضُرّ أصَابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلاً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِني ما كانَتِ الحَياةُ خَيْراً لي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتِ الوَفاةُ خَيْراً لِي)) أخرجه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: (( لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا)) أخرجه أحمد في المسند ومسلم عن أبي هريرة.
وهذه الفتن البلايا وراءها مع الإيمان الأجر أو حط الخطايا وتكفير الذنوب: فعند مسلم في كتاب البر والصله: عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة)) وفي رواية: عن عائشة قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة)) وفي رواية: عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته)).
والثأر الرباني:
* من آذى لي وليا:
في الحديث: (( إن الله - تعالى - قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذتي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن: يكره الموت، وأنا أكره مساءته)) صحيح البخاري عن أبي هريرة.
وهكذا ينبغي أن يكون رمضان وما فيه من نفحات ربانية، هو سبيل الصلاح والإصلاح، فالنفس لينه بفضل الله وبسبب الصيام، والناس بينهم شعور جماعي بأن هذه الأيام ليست كسائر الأيام، والوقت لا ينبغي أن تكون فيه برحة بغير طاعة، فالنهار صيام وذكر وتلاوة، والليل قيام وسماع القرآن، ورؤية الناس مجتمعين على طاعة، ذلك كله يبعث على انكسار لهيب الشهوات، وميل النفس لفعل الخيرات، وتهيؤ النفوس للطاعات بما لا تكون مهئية عليه في غير رمضان، هذا وغيره كثير تعد بمثابة عوامل بفضل الله - تعالى - مساعدة على أن نجعل من شهر رمضان معسكر إيماني كبير.
وإياك أخي الكريم أن تستقبل رمضان على حال المغبونين المفرطين المضيعين، الذين كادوا أن يهلكوا من شدة الظمأ ثم يردون الماء ويعدون أشد ظمأً فتلك فرصةٌ عظيمة لا تضيعها، فمن أحياه الله إلى رمضان فقد من عليه منة كبيرة، تستوجب الشكر، فمن شكر نجا ومن كفر النعمة هلك نعوذ بالله من الهلاك.
وفي الحديث: (( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة)) أخرجه الترمذي والحاكم عن أبى هريرة، وفي صحيح الجامع برقم: 3510، وقال: صحيح.
و" رغم" : بكسر الغين، وتفتح و بفتح الراء قبلها: أي لصق أنفه بالتراب، وهو كناية عن حصول غاية الذل والهوان، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا.
مختصر لبعض أحكام الصيام:
* الصـيام: الصيام لغة: الإمساك وفي الشرع: " إمساك مخصوص" وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها مما ورد به الشرع " في النهار على الوجه المشروع" ويتبع ذاك الإمساك عن اللغو والرفث وغيرهما من الكلام المحرّم والمكروه، لورود الأحاديث بالنهي عنها في الصوم زيادة على غيره، في وقت مخصوص بشروط مخصوصة.
* معرفة أنواع الصيام: الصوم الشرعي منه واجب، ومنه مندوب إليه.
والواجب ثلاثة أقسام: منه ما يجب للزمان نفسه، وهو صوم شهر رمضان بعينه. ومنه ما يجب لعلة، وهو صيام الكفارات. ومنه ما يجب بإيجاب الإنسان ذلك على نفسه، وهو صيام النذر.
(1) صيام شهر رمضان:
هو فرض عين على كل مكلف قادر على الصوم، وقد فرض في عشر من شهر شعبان بعد الهجرة بسنة ونصف، ودليله الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا كتِبَ عليكم الصيام) إلى قوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن).
وأما السنة فمنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر، وأما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فرضيته، ولم يخالف أحد من المسلمين، فهي معلومة من الدين بالضرورة، ومنكرها كافر، كمنكر فرضية الصلاة، والزكاة، والحج.
(2) أركان الصيام.
إن للصيام ركنين (منهم من جعلهم ثلاثة): أحدهما: الإمساك، وهذا متفق عليه، أجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب والجماع لقوله - تعالى -: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)، (وهذا بخلاف من جعل الزمن الذي هو محل الصوم ركن، فيكون الكلام على ركنين دون الزمن).
ثانيهما: النية وهذا مختلف فيه والحق أنه ركن لأن الحديث دل عليه ويجب تجديدها لكل يوم صامه؛ ولا بد من تبييتها، أي وقوعها ليلاً قبل الفجر، ولو من بعد المغرب مع التعيين بأن يقول بقلبه لا بلسانه: نويت صوم غد من رمضان، وعن حَفْصةَ أُمِّ المُؤمنين - رضي الله عنها - أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (( منْ لَمْ يُبَيّت الصِّيامَ قَبْلَ الفجر فلا صيام لهُ)) رواهُ الخمْسةُ، (( لا صيام لمن لَم يْفَرضْه منَ الليل)) ، والحديث عام للفرض والنفل والقضاء والنذر.
(3) شروط الصيام.
تنقسم شروط الصيام إلى: شروط وجوب، وشروط صحة.
* أما شروط وجوبه فأربعة:
أحدها البلوغ، فلا يجب الصيام على الصبي، ولكن يؤمر به لسبع سنين إن أطاقه.
ثانيها: الإسلام، فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة.
ثالثها: العقل، فلا يجب على المجنون.
رابعها: الإطاقة حساً وشرعاً، فلا يجب على من لم يطقه لكبر أو مرض لا
يرجى برؤه لعجزه حساً، ولا على نحو حائض لعجزها شرعاً،
* وأما شروط صحته، فأربعة أيضاً:
الأول: الإسلام حال الصيام، فلا يصح من كافر أصلي، ولا مرتد كتارك الصلاة أو من يسب الله ورسوله وكتابه.
الثاني: التمييز، فلا يصح من غير مميز، فإن كان مجنوناً لا يصح صومه،
الثالث: خلو الصائم من الحيض والنفاس والولادة وقت الصوم وإن لم تر الوالدة دماً،
الرابع: أن يكون الوقت قابلاً للصوم. فلا يصح صوم يومي العيد وأيام التشريق، فإنها أوقات غير قابلة للصوم.
* المفطرون في الشرع على ثلاثة أقسام:
(أ). صنف يجوز له الفطر والصوم بإجماع.
وهو المريض باتفاق، والمسافر باختلاف، في الحديث عنْ حمزةَ بنِ عَمْرو الأسلمي - رضي الله عنه - أنّهُ قال: (( يا رسول الله أَجدُ بي قوَّةً على الصيام في السّفر فَهَلْ عليَّ جُناحٌ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هي رُخْصةٌ من الله فمنْ أَخذ بها فحسنٌ، ومَنْ أَحَبَّ أَنْ يصوم فلا جناحَ عليه))
رواهُ مُسلمٌ وأَصلهُ في الْمُتّفق عليه)، والحامل والمرضع والشيخ الكبير. (والحامل والمرضع إذا أفطرتا، يطعمان ولا قضاء عليهما، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس، ولعله أصح الأقوال مع الخلاف، وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان لا يقدران على الصيام فإنهم أجمعوا على أن لهما أن يفطرا، عليهما الإطعام مد عن كل يوم، وقيل إن حفن حفنات كما كان أنس يصنع أجزأه، ولعل هذا هو الحق مع الخلاف في ذلك، )
(ب). وصنف يجب عليه الفطر على اختلاف في ذلك بين المسلمين كالحائض والنفساء. وفي الحديث قال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أليسَ إذا حَاضَتِ المَرْأَةُ لم تُصَلِّ ولمْ تَصُمْ؟)) مُتّفقٌ عليه، في حديثٍ طويلٍ.
(ج). وصنف لا يجوز له الفطر، وهو من كان من غير هؤلاء.
(4) ثبوت شهر رمضان:
* يثبت شهر رمضان بأحد أمرين:
الأول: رؤية هلاله إذا كانت السماء خالية مما يمنع الرؤية من غيم أو دخان أو غبار أو نحوها.
الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا لم تكن السماء خالية مما ذكر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) رواه البخاري عن أبي هريرة، ومعنى الحديث: أن السماء إذا كانت صحواً أمر الصوم متعلقاً برؤيته الهلال، فلا يجوز الصيام إلا إذا رئي الهلال، أما إذا كان بالسماء غيم، فإن المرجع في ذلك يكون إلى شعبان، بمعنى أن نكمله ثلاثين يوماً. بحيث لو كان ناقصاً في حسابنا نلغي ذلك النقص، وإن كان كاملاً وجب الصوم، ويجب على من رأى الهلال، وعلى من صدقه الصيام.
* إذا ثبت الهلال بقطر من الأقطار:
إذا ثبت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم، ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً، عند ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الشافعية، والحق مع الجمهور، وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا رأيتموهُ فصُوموا وإذا رأَيتموهُ فأَفطروا، فإن غُمَّ عليكمْ فاقْدرُوا له)) متّفقٌ عليه، ولمسلمٌ: (( فإن أُغمَى عليكم فاقُدُرُوا له ثلاثين)) وللبخاري (( فأَكْملوا العِدة ثلاثين)).
* هل يعتبر قول المنجم (الفلكيين)؟
لا عبرة بقول المنجمين، فلا يجب عليهم الصوم بحاسبهم، ولا على من وثق بقولهم، لأن الشارع علق الصوم على أمارة ثابتة لا تتغير أبداً، وهي رؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين يوماً أما قول المنجمين فهو إن كان مبنياً على قواعد دقيقة، فإنا نراه غير منضبط، بدليل اختلاف آرائهم في أغلب الأحيان، وهذا هو رأي ثلاثة من الأئمة،
وقد قال الباجي: في الرد على من قال إنه يجوز للحاسب والمنجم وغيرهما الصوم والإفطار اعتماداً على النجوم، قال إن إجماع السلف حجة عليهم، وقال ابن بزيزة: هو مذهب باطل قد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع.
والجواب الواضح عليهم ما أخرجه البخاري عن ابن عمر أنه صلى - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إنا أمّة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا)) يعني تسعاً وعشرين مرة وثلاثين مرة، ولهُ في حديث أَبي هُريرةَ: (( فأَكملوا عدة شعْبان ثلاثين)).
وهذه الأحاديث نصوص في أنه لا صوم ولا إفطار إلا بالرؤية للهلال أو إكمال العدة.
(6) ما يفسد الصيام
ينقسم مفسدات الصيام إلى قسمين: قسم يوجب القضاء والكفارة، وقسم يوجب القضاء دون الكفارة، وما لا يوجب شيء، وإليك بيان كل قسم:
* ما يوجب القضاء والكفارة:
مفسدات الصيام التي توجب القضاء والكفارة: أن يقضي شهوة الفرج كاملة،فلو أفطر ناسياً أو مخطئاً تسقط عنه الكفارة، ففي الحديث عَنْ أَبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: جاءَ رجُلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (( هَلَكْتُ يا رسول الله قال: وما أَهْلَكك؟ قال: وقعْتُ على امرأَتي في رمضان فقال: هلْ تَجدُ ما تُعتقُ رقبة؟: قال: لا، قال: فهل تَسْتَطيعُ أَن تَصومَ شهرين مُتتابعين؟: قال: لا، قال: فهل تَجدُ ما تُطعمُ ستِّين مسْكيناً؟ قال: لا، قال: ثمَّ جلس فأَتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعَرَقٍ فيه تمرٌ فقال: تَصَدَّقْ بهذا، فقال: أَعلى أَفْقَر مِنّا؟ فما بيْنَ لابَتَيها أَهل بيت أَحْوج منّا فَضَحك النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتى بدتْ أَنيابهُ، ثم قالَ: اذهب فأَطعمهُ أَهلك)) رواهُ السبّعة واللفظ لمسْلمٍ، والحديث دليل على وجوب الكفار على من جامع في نهار رمضان عامداً، وذكر النووي أنه إجماع، وأما المرأة التي جامعها فقد استدل بهذا الحديث أنه لا يلزم إلا كفارة واحدة وأنها لا تجب على الزوجة وهو الأصح من قولي الشافعي وبه قال الأوزاعي ولعله هو الصواب، مع الخلاف في المسألة.
* ما يوجب القضاء دون الكفارة:
أن يتناول غذاء، أو ما في معناه بدون عذر شرعي، كالأكل والشرب ونحوهما، مما يميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن، (الفطر بعمد بغير الجماع ولو كان بنية فسخ الصوم فقط دون أكل).
* وما لا يوجب شيئاً:
أحدها: أن يغلبه القيء، ولم يبتلع منه شيئاً فهذا صومه صحيح، فعَنْ أَبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ ذَرَعَهُ القيءُ فلا قضاءَ عليه، ومن اسْتقاءَ فعليه القضاءُ" رواهُ الخمسة.
ثانيها: أن يصل غبار الطريق أو الدقيق ونحوهما إلى حلق الصائم كالذي يباشر طحن الدقيق، أو نخله، ومثلهما ما إذا دخل حلقه ذباب، بشرط أن يصل ذلك إلى حلقه قهراً عنه.
ثالثها: أن يأكل أو يشرب ناسيا فيتذكرً، فيطرح المأكول ونحوه من فيه بمجرد تذكره، فإنه لا يفسد صيامه بذلك، فعنْ أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ نسَى وهُو صَائمٌ فَأَكلَ أَوْ شرب فليتمَّ صَوْمَهُ فإنّما أَطعمهُ اللَّهُ وسقاهُ)) مُتّفقٌ عليه، وفي رواية الترمذي (( فإنما هو رزق ساقه الله إليه))، والحديث دليل على أن من أكل أو شرب أو جامع ناسياً لصومه فإنه لا يفطره ذلك لدلالة قوله: (( فليتم صومه)) على أنه صائم حقيقة وهذا قول الجمهور.
رابعها: من غلبه المني أو المذي بمجرد نظر أو فكر دون عمد فإن ذلك لا يفسد الصيام.
خامسها: أن يبتلع ريقه المتجمع في فمه، أو يبتلع ما بين أسنانه من بقايا الطعام.
سادسها: أن يضع دهناً على جرح في بطنه متصلاً بجوفه؛ فإن ذلك لا يفطره، لأن كل ذلك لا يصل للمحل، والحقن وان كانت مغزية، والكحل، والعطر، وما شابه.
* ما يكره فعله للصائم وما لا يكره
يكره للصائم فعل أمور:
* ذوق شيء يتحلل منه ما يصل إلى جوفه.
ولكن يجوز للمرأة أن تذوق الطعام لتتبين ملوحته إذا كان زوجها سيء الخلق، ومثلها الطاهي - الطباخ -، وكذا يجوز لمن يشتري شيئاً يؤكل أو يشرب أن يذوقه إذا خشي أن يغبن فيه ولا يوافقه.
* ومن المكروه مضغ العلك - اللبان - الذي لا يصل منه شيء إلى الجوف، ومنهم من لم يرى به بأس.
* مباشرة الزوجة مباشرة فاحشة.
* جمع ريقه في فمه ثم ابتلاعه، ولكن يحذر من إخراج النخامة الغليظة في جوف الفم ثم يبتلعها،
* وأما ما لا يكره للصائم فعله فأمور:
* القبلة بغير مذى، فعَنْ عائشةَ - رضي الله عنها - قالتْ: " كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَهُو صائمٌ ويُباشرُ وهُوَ صائمٌ، ولكنه كانَ أَمْلَكَكُمْ لإرْبهِ" مُتّفقٌ عليه.
* والحجامة ونحوها إذا كانت لا تضعفه عن الصوم، فعن ابنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما -: " أَنَّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - احْتجمَ وهُوَ مُحْرمٌ واحْتَجَمَ وهُو صَائمٌ" رَوَاه البُخاريُّ.
* والسواك في جميع النهار، بل هو سنة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السواك يابساً أو أخضر؛ مبلولاً بالماء أو لا.
* المضمضة والاستنشاق، ولو فعلهما لغير وضوء بشرط عدم المبالغة.
* الاغتسال، والتبرد بالماء بلف ثوب مبلول على بدنه، ونحو ذلك، وكذلك لو أصبح جنبا من جماع قبل الفجر، يعنى أنهى الوقاع قبل آذان الفجر ثم آذن الفجر المؤذن بدخول وقت الصوم وهو جنب، ففي الحديث عَنْ عائشة وأُمِّ سلَمة - رضي الله عنهما - " أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُصبحُ جُنُباً منْ جماع ثم يغتسل ويصُوم" مُتّفقٌ عَلَيْهِ، وقال النووي: إنه إجماع.
* حكم من فسد صومه في أداء رمضان.
من فسد صومه في أداء رمضان وجب عليه الإمساك بقية اليوم تعظيماً لحرمة الشهر، فإذا داعب شخص زوجته أو عانقها أو قبلها أو نحو ذلك فأمنى، فسد صومه، وفي هذه الحالة يجب عليه الإمساك بقية اليوم، ولا يجوز له الفطر.
الأعذار المبيحة للفطر.
* المرض وحصول المشقة الشديدة.
* خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام.
* الفطر بسبب السفر، خاصة المرتحل.
* صوم الحائض والنفساء.
إذا حاضت المرأة الصائمة أو نفست وجب عليها الفطر، وحرم الصيام، ولو صامت فصومها باطل، وعليها القضاء.
* حكم من حصل له جوع أو عطش شديدان.
فأما الجوع والعطش الشديدان اللذان لا يقدر معهما على الصوم، فيجوز لمن حصل له شيء من ذلك الفطر؛ وعليه القضاء.
* حكم الفطر لكبر السن.
الشيخ الهرم الفاني الذي لا يقدر على الصوم في جميع فصول السنة يفطر وتجب عن كل يوم فدية طعام.
* ما يستحب للصائم
يستحب للصائم أمورٌ منها:
* تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب، وقبل الصلاة، فعن سهِل بنِ سَعْدٍ - رضي الله عنهما - أَنْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا يزالُ الناسُ بخير ما عجّلوا الْفِطْر)) مُتّفَقٌ عَلَيْهِ، ويندب أن يكون على رطب، فتمر؛ فحلو، فماء، وأن يكون ما يفطر عليه من ذلك وتراً، ثلاثة، فأكثر، فعَنْ سلمان بنِ عامر الضَّبِّيِّ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا أَفْطَر أَحَدُكُمْ فَلْيُفطر على تمرٍ، فإن لَم يجدْ فَلْيُفطْر على ماءٍ فإِنّهُ طَهُورٌ)) رواهُ الخمسة، ومنها الدعاء عقب فطره بالمأثور، كأن يقول: اللّهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت، وبك آمنت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر.
* ومنها السحور على شيء وإن قل، ولو جرعة ماء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( تسحروا، فإن في السحور بركة))، فعنْ أَنس بنِ مَالكٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( تَسَحْرُوا فإن في السّحُور بركةً)) مُتّفقٌ عَلَيه.
* ومنها كف اللسان عن فضول الكلام، وأما كفه عن الحرام، كالغيبة والنميمة، فواجب في كل زمان، ويتأكد في رمضان؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّور والعَمَلَ بهِ والجهْلَ فَلَيْسَ للَّهِ حَاجةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشرابَهُ)) رواهُ البُخاريُّ.
* ومنها الإكثار من الصدقة والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين، ومنها الاشتغال بالعلم، وتلاوة القرآن والذكر، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما تيسر له ذلك ليلاً أو نهاراً؛ ومنها الاعتكاف.
* قضاء رمضان
من وجب عليه قضاء رمضان لفطر فيه عمداً أو لسبب من الأسباب السابقة فإنه يقضى بدل الأيام التي أفطرها في زمن يباح الصوم فيه ً، فلا يجزئ القضاء فيما نهى عن صومه، كأيام العيد، ولا فيما تعين لصوم مفروض كرمضان الحاضر، وأيام النذر المعين، كأن ينذر صوم عشرة أيام من أول ذي القعدة، فلا يجزئ قضاء رمضان فيها لتعينها بالنذر، ومن مات وعليه صيام، قبل أن يقضى صام عنه وليه، فعنْ عائشة - رضي الله عنها - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من مات وعليه صيامٌ صامَ عَنْهُ وليّهُ)) متّفقٌ عليه، والمراد في الولي: كل قريب وأولاهم الوارث، بل لو صام عنه الأجنبي بأمره أجزأ كما في الحج وإنما ذكر الولي في الحديث للغالب.
هذا والله - تعالى - أعلى وأعلم.
هذا وما كان صواباً فمن الله وحده وما كان سهوا أو خطأً فمنى ومن الشيطان والحمد والحمد لله رب العالمين.
وصلى اللهم وسلم على محمدٍ وصحبه أجمعين.سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك







الساعة الآن : 05:02 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 98.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 97.80 كيلو بايت... تم توفير 0.22 كيلو بايت...بمعدل (0.22%)]