رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
|
رد: رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
أولا: من كثرة الذنوب والمعاصي التي لا تنتهي سواء الدائم منها، مثل شرب الدخان وسماع الأغاني والمعازف والتبرج وعرى البنات والاختلاط وحلق اللحى والكسب الحرام من الوظائف المحرمة مثل العمل في البنوك والضرائب والأعمال التي فيها ظلم العباد أو الحكم بغير ما أنزا الله والنظر إلى المحرمات، وظلم الزوجات وإساءة التربية للأولاد وغير ذلك كثير من الذنوب التي يقع فيها الكثير، دائما، ليل نهار، أو ما نأتيه حينا مثل الزنا والغيبة التعاون في بعض المنتديات على الإثم والعدوان كما هو في منكرات الأفراح والأعراس وما شابه، والليالي القبيحة المسامة بالليالي الرمضانية حيث يجتمع البنات والشبات مع الرجال والأولاد، في فعل المنكرات ومشاهدة المحرمات أو قضاء الليل في اللعب والصراخ والمجون والسهرات الملونة.فقد أصبح البر والطاعات وفعل الخيرات وترك المنكرات والتعاون على البر والتقوى، صار ذلك في حياتنا وأحوالنا، أحيانا، أحيانا أحيانا، فلابد إذا من التحول من هذا الحال إلى العكس ولن بكون ذلك بالأماني والتمني، لا لن يكون ذلك إلا بتغيير النفس، والمجاهدة في الخروج من هذا الأسر أسر الدنيا والإخلاد لها، أسر الشهوات وحب المال والرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان لها، فلابد إذا من تغيير النفس لا بد ثم لابد.. قال - تعالى -: (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) 11: الرعد، ولن يكون ذلك إلا أن تبدأ بالتوبة، التوبة من الحال الذي يعرفه كل منا من نفسه، ولا ينبغي أن نتقلل عيوبنا وذنوبنا وكأنها شيء هين لا ثم لا فهذا شأن المنافقين، والعياذ بالله تنبه.. فعند البخاري في كتاب الدعوات: عن الحارث بن سويد حدثنا عبدالله بن مسعود حديثين أحدهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر عن نفسه قال إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق أنفه. أرأيت إياك، إياك أن تفعل ذلك فذنوبنا أهلكتنا أو كادت فلابد من التغيير والهجرة إلى الله - تعالى - دون مكابرة، فإننا عباد الله إن جادلنا عن أنفسنا في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنا في الآخرة؟ قال - تعالى -: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) 109: النساء. فلنجعل من رمضان بما فيه من صنوف البر الكثيرة معسكر توبة نتحول فيه من أصحاب معاصي وسيئات إلى أصحاب طاعات وفعل خيرات وليس هناك من الطاعات طاعة جمعت ما في التوبة من خير وفضل من الله - تعالى - ولذلك أمر الله بها: قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) 8: التحريم. قال - تعالى -: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 74: المائدة. وقال - تعالى -: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) 3: هود. وقال - تعالى -: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) 52: هود. وقال - تعالى -: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) 90: هود. وقد شدد الله - تعالى - على من لم يتب، فقال - تعالى -: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) 11: الحجرات. فيا أخي: إن أردت أن يتوب الله عليك وتنجو من حالك السيئ قبل الموت فتب قال - تعالى -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) 160: البقرة. يا أخي الكريم: إن أردت أن يحبك الله فتب، قال - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) 222: البقرة. يا أخي الحبيب: إن أردت أن يغفر الله لك ويرحمك، وأنت صاحب الذنوب التي كالجبال، والتي لعلها تكون سبب الهلاك والعياذ بالله، إن أردت ذلك فتب، قال - تعالى -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 89: آل عمران. يا أخي في الله: إن أردت أن يأتيك الله الأجر الذي يمكن أن يكون سببا للخلاص من ورطة الذنوب فتب قال - تعالى -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) 146: النساء. يا أخي الحبيب: إن أردت الخير كل الخير فتب، قال العلى الكبير: (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) 74: التوبة.. واعلم أخي أن الله - تعالى - الغنى الحميد القائل في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) 15: فاطر. وقال - تعالى -: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) 97: آل عمران. وقال - تعالى -: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) 133: الأنعام. وقال - تعالى -: (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) 6: العنكبوت. ومع هذا كله فانه - جل وعلا - يطلب منك الرجوع إليه - تعالى -، ويفتح لك بابا من أوسع الأبواب لترجع منه، وحتى لا تجد الطريق ضيقا فقد وسع الله في باب التوبة وجعله مفتوحاً على مصراعيه للعبد طيلة حياته ما لم يغرغر، أو تطلع الشمس من مغربها [يعنى وقت الساعة]، وليس هذا فحسب بل إن الغنى عنك وعن العالمين - سبحانه -، من يفتقر له كل من في السموات والأرض، يفرح بتوبة عبده التائب ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض فلاة، دوية، مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه، فالله - تعالى - أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته)) متفق عليه من حديث ابن مسعود وأنس. زاد مسلم في حديث أنس، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" ورواه مسلم بهذه الزيادة من حديث النعمان بن بشير، أرأيت أخي كيف يفرح الله بتوبة العبد من أن العبد هو المحتاج والله هو الغنى، ياللعجب الفقير العاجز دائم الحاجة لا يفرح بالتوبة وهو في أشد الحاجة إليها، كن أخي من الفرحين بالتوبة التي لعل وراءها رحمة رب العالمين - سبحانه -. قال - تعالى -: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) 58: يونس. فهذا من أول ما ينبغي أن نجعله من أعمالنا في استقبال شهر رمضان لنكون ممن يستقبله استقبالا حسنا. وثانـيا: أن تجعل من رمضان سببا لنيل الشرف وأن تكون من أهل الشرف خروجا من قهر الذل ذل المعاصي والانهزامية وهذا الشرف ليس في عضوية مجلس الشركاء فهذا مزيد من الذلة ليس الشرف والعز في مثل ذلك، وليس الشرف كذلك في جمع الأموال والاستكثار من التجارات؛ لأنه موسم، نعم هو موسم، ولكن للبر والحسنات لا للجنيهات والريالات، نعم هو موسم، للبر والطاعات لا للمكاسب والتجارات، الشرف الذي أقصده هنا هو قيام الليل ففي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس))، أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن سهل بن سعد البيهقي في شعب الإيمان عن جابر، وقال الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع. حسن برقم: 73). وفي الحديث: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). القيام وما أدراك ما القيام ذلك البر الذي لما تركه المسلمون تركوا معه سبباً عظيماً من أسباب عزهم فالعز طريقه في أمرين: الأول: الأنس بالله ليلا والترهب له، وجمع القلب عليه والانكسار ليلاً فيورث ذلك الإخبات والإخلاص. والثاني: البذل والجهاد في الله نهاراً في طلب العلا علماً وعملاً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وهذا يورث الفداء والإباء، قيام الليل لا تضيعه واغتنم ما وعد الله به على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه فهذا ثانيا. وثالثا: إدخال السرور على أخيك: إن دخول شهر رمضان على المسلمين هو بمثابة دخول الغوث عليهم في دينهم ودنياهم، فأبواب الفرج تتفتح وفي الحديث: (( إذا كان رمضان فتحت أبواب الخير)) ولم يقيد أو يستثن، وهذا معناه أن كل أبواب الخير الدنيوية والأخروية تفتح، وكلنا يشهد بذلك ويحسه، حتى أن الناس تقول (رمضان الرزق فيه واسع)، ومن هذا المنطلق لابد أن تجعل من رمضان باب خير عليك وعلى أهل بيتك، فلا مانع من التوسيع على أهل بيتك بلا تكلف وإسراف، والتوسيع على أخوانك من أرحامك ومن جيرانك ومن أصحابك هو من أفضل الأعمال، ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزا)) .أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة وابن عدي في الكامل عن ابن عمر، وقال الألباني في صحيح الجامع حسن، برقم: 1096، وقال أيضا: " من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن: تقضي عنه دينا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة" . أخرجه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنكدر مرسلا، وفي صحيح الجامع برقم.: 5897، صحيح. أرأيت أخي كيف أن إدخال السرور على أخيك من أفضل الأعمال وهذا الفضل يزداد أذا كان جارا ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ليس المؤمن الذي لا يأمن جاره بوائقه))، أخرجه الطبراني في الكبير عن طلق بن علي، وفي صحيح الجامع برقم: 5380، صحيح. وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم -: (( ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه)) أخرجه البخاري في الأدب والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن ابن عباس، وفي صحيح الجامع برقم: 5382، صحيح. فيا ليتنا نخرج من سوء نفوسنا ونستقبل هذا الضيف العزيز بإدخال السرور على الأهل والجيران والأصحاب ونجعل من رمضان ملتقى الأحبة في الله نطعمهم ونخفف عنهم ونشاركهم في قضاء حوائجهم ولو بالدعاء ممن لم يجد ولنتذكر في هذا المقام قول الهادي البشير - عليه الصلاة والسلام - وهو يقول: ((ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)) البخاري ومسلم.. وبناءً على هذا فلنستقبل رمضان من منطلق تحولنا عن الإساءة لإخواننا إلى التواد والتعاطف والتراحم، لنستقبل هذه الأيام الفضيلة ونحن جسد واحد، جسد الإسلام والمسلمين هذا ثالثا، ورابعا: حسن الخلق ولين الجانب والألفة: فلنجعل من رمضان نقطة تحول من سوء الخلق والفظاظة الأحقاد والغل وسوء الطوية وسوء معاشرة الأزواج والإساءة لهن، والنشوز على الأزواج وعدم طاعتهم، والخروج من كبر النفس، والتعالي بعضنا على بعض، وتقطيع الأرحام والسعي في الأرض فسادا، وفحش اللسان والكذب والخيانة والغيبة والنميمة، وغير ذلك.. من السوء فلنتحول من ذلك كله ومن كل خلق سيء، نجعل من أيام هذا الشهر معسكرا تربويا، نقيم أنفسنا فيه على الأخلاق الحسنة وهى فرصة عظيمة لتحصيل ذلك الخير الكثير ففي الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: (( إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم)) أبو داود وابن حبان في صحيحه عن عائشة. وقال الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع برقم: 1932 صحيح. وعنه أيضا - صلى الله عليه وسلم -: ((أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء)) البيهقى. عن أبي الدرداء، وقال في صحيح الجامع برقم: 135، صحيح. ويكفي أن تعرف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى ووصف البر بأنه حسن الخلق كما في الحديث: (( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)). أخرجه البخاري في الأدب وصحيح مسلم والترمذي عن النواس بن سمعان أن يأمنك الناس وتهجر المعاصي فذلك ثمرة حسن الخلق: وفي الحديث: (( المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهـم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب)) ابن ماجة عن فضالة بن عبيد، وقال الألباني في صحيح الجامع برقم: 6658، صحيح. واعلم أن الألفة من شيم المؤمنين: ففي الحديث: (( المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس)) أخرجه الدار قطني في الأفراد والضياء عن جابر، وفي صحيح الجامع برقم: 6662، وقال حسن. وفي الحديث أيضا: (( المؤمن يألف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) أخرجه أحمد في مسنده عن سهل بن سعد، وفي صحيح الجامع برقم: 6661، وقال صحيح. وفي الحديث: (( المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم)) أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة. وفي صحيح الجامع برقم: 6653، وقال: حسن. قال في لسان العرب: وفي الحديث: (( المؤمِنُ غِرٌّ كريم)) أَي ليس بذي نُكْر، فهو ينْخَدِع لانقياده ولِينِه، وهو ضد الخَبّ. يقال: فتى غِرٌّ، وفتاة غِرٌّ، يريد أَن المؤمن المحمودَ منْ طَبْعُه الغَرارةُ وقلةُ الفطنة للشرّ وتركُ البحث عنه، وليس ذلك منه جهلاً، ولكنه كَرَمٌ وحسن خُلُق. وقال ابن الأثير في النهاية: والخبُّ بالفتح: الخدَّاعُ، وهو الجُزْبُرُ الذي يسعى بين الناس بالفَسَاد. واعلم أن الصبر على آذى الناس من الإيمان لا أنه من عظيم حسن الخلق: ففي الحديث: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم)) أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر، وفي صحيح الجامع برقم: 6651، وقال: صحيح. أرأيت أخي هذا بعض ما في حسن الخلق من فضائل وخيرات وبركات، فلما لا نجبر النقص ونسد الخلل ونحصل ذلك الخير الكثير ونذوق الحُسنَ بعد السوء والحلو بعد المر والإحسان في المعاشرة بدلا من الإساءة والتعدي، ما أحلى حسن الخلق وما أحلى مذاقه، فلنجعل من رمضان بداية عهد جديد، فلنستقبل رمضان بحسن الخلق ولين الجانب وحسن الطوية ومحاولة الإتلاف فيما بيننا عسى ربنا أن يرحمنا. فهذا يا أخي رابعا مما نحاول أن نجعله من مقتضيات استقبال شهر رمضان ذلك الضيف الكريم. وخامسا: المؤمن عف اللسان: إن سوء اللسان من سوء الخلق ولكنه أخطره ولذلك ينبغي أن نعرف هذه الخطورة ونحذرها، ولعل كثير الشقاق بيننا وعدم الألفة والتفرق بين أصحاب النهج الواحد، بل إن من أعظم ما يخلق العداوة بين الأولياء والأرحام والأصهار حتى بين الرجل وامرأته كثير منها إن لم تكن كلها، بسبب اللسان، نعم إن للسان خطورة شديدة ومن أعظمها خطورة بعد التكلم بالكفر والعياذ بالله، سب المؤمن، ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة)) الطبراني في الكبير عن ابن عمرو، وفي صحيح الجامع برقم: 3586، وقال حسن. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (( ليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة، ومن حلف بملة سوى الإسلام كاذبا فهو كما قال، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله)) متفق عليه، وفي الحديث: (( ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي)) أحمد في مسنده والبخاري في الأدب وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود، وفي صحيح الجامع برقم: 5381، وقال صحيح. وفي الحديث: (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) . ولهذا ينبغي أن نعلم أن فرقة الصف، وتفرق الجمع، وفك حزمة المسلمين، يرجع سبب ذلك إلى أمور، لعل من أعظمها التلاعن بين المسلمين، فكل جماعة تلعن أختها ولو من طرف خفي، وكل فرد يلعن من ليس في حزبه أو جماعته فتزداد بذلك الفرقة، وتتعمق به الغربة بين المسلمين، وهذا لا يُرضى إلا أعداء الإسلام الذين يسعون في المسلمين منذ أمد بعيد بمبدأ فرق تسد، وقد نجحوا في ذلك مع الأسف، وما ذلك إلا بسبب بعد المسلمين عن هدى نبيهم وشريعة ربهم، وباتوا يلهثون وراء الغرب الكافر الذي هو موطن أعدائهم، ومحل مبغضيهم وحاسديهم، باتوا يتخذونهم أولياء ويتبعونهم في كل صغيرة وكبيرة حتى فرقوهم وجعلوهم شرازم متباغضين متناحرين، حتى قامت بين المسلمين الحروب، فبدلا من أن يتوجه المسلم بسلاحه وقوته وضربته إلى أعدائه الحقيقيين من الكفار والملحدين ومن اليهود والنصارى وأشياعهم من دول الغرب الكافرة، بدلا من هذا يجعل قوته ورميته في صدر أخيه المسلم، فانا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فلهذا أخي الكريم ينبغي أن نتفطن لما أوقعنا فيه عدونا، وقد ذقنا مرارة التفرق والتلاعن والسب والمقاتلة حتى كدنا نستنزف لصالح أعدائنا، لنتنبه إلى مثل هذه الأمور العظام ونخرج أنفسنا من ورطة الغفلة التي وضعنا فيها بعدنا عن ديننا هذا واحد، وتربص ومكر أعدائنا الثاني، قد تكون هناك أسباب أخر لكن الكل يكاد يتفق على هذين السببين، وينبغي أن يكون أخوك هو أخوك يشد عضدك يحوطك من ورائك، وهكذا، فينبغي أن يكون: * المؤمن مرآة أخيه: ففي الحديث: (( المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن: يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه)) .أخرجه البخاري في الأدب وأبو داود عن أبي هريرة، وفي صحيح الجامع برقم: 6656، وقال حسن وليس الأمر يقف عند حد النصح والتعاون على الخير، بل مجتمع المسلمين مجتمع مسئول، للمسلم على المسلم حقوق، وعليه كذلك حق يتبع |
رد: رمضان.. كيف نستقبله؟ وكيف نغتنمه؟
* حق المؤمن على أخيه: في الحديث: (( للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد)) الترمذي والنسائي عن أبي هريرة. وفي صحيح الجامع برقم: 5188، وقال صحيح. وفي الحديث: (( المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر)) أخرجه مسلم، عن عقبة بن عامر. وفي الحديث: (( الْمُؤمِنُ للْمُؤمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهَ بَعْضَاً)) أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى. * أرأيت أخي كيف ينبغي أن نجعل من رمضان منطلق لربط الأوصال بين جمع الجماعة الحق التي لا يحب الله غيرهم ويده - سبحانه - فوق أيديهم، فلنجعل من استقبالنا للشهر الفضيل مقاطعة للسب والتلاعن والتهاجر، ونجعل من دخول رمضان علينا نقطة تحول إلى الوحدة والتماسك والترابط كالبنيان، ونذر كل سبب للفرقة والشرذمة ولنتخذ من عفة اللسان وحسن الكلام سبيلا إلى ذلك والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. خامسا، وسـادسـا: رحمة الصغير واحترام الكبير: إننا نعانى من أزمة احترام وتقدير لكل صاحب شأن سواء كان كبير في السن أو ذو مقام أو ما شابه، وكذلك يستشعر المخالط لفريق الملتزمين بنوع قسوة وشدة في غير موضعها، بعبارة أخرى نقص أو قل فقد رحمة وتراحم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)) أخرجه أحمد في المسند والحاكم في مستدركه، وفي صحيح الجامع برقم ? 5443) وقال: حسن. ويقول: ((من لا يرحم لا يرحم)) ويقول أيضاً: (( الرحماء يرحمهم الرحمن)). ولهذا ينبغي أن نلوم أنفسنا بقدر كبير في عدم نجاحنا في مقامات الدعوة مع عامة المسلمين، ومن هم من أهل المعاصي والبدع، فهم مسئوليتنا ولعلنا نُسأل عن هذه المسئولية في الآخرة، فالفظاظة والغلظة وعدم الرحمة والتراحم وانعدام العطف والاحترام في محله وبضوابطه، هو سبب كبير ومؤثر في دعوتنا سلبا، وكذا في مسالكنا وآدابنا وديننا بل والأخطر وإيماننا، وتذكر قول الله - تعالى -: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) 159: آل عمران. فهذا يا أخي بيان من الله - تعالى - يبين فيه أن من أعظم أسباب نجاح الدعوة إلى الله واجتماع رباط المسلمين حول قائدهم الحق هو الرحمة والاحترام والتقدير لكل ذي منزله، واللين الباعث على الألفة والترابط، وأن الغِلظة والفظاظة تبعث على الفرقة والعداوة والانفضاض عن من الانفضاض عنه هلاك، فتنبه أخي لذلك ولنجعل من هذا منطلقاً لاستقبالنا لرمضان ومبعث حنو واحترام وتقدير وتراحم بيننا وبين كل من نملك أن نفعل معه ذلك، عسى أن يكون ذلك مبتدأ خير علينا كأفراد بما ينعكس على جماعةِ ومجتمع المسلمين بالصلاح والإصلاح، فهو ولى ذلك والقادر عليه وحده - جل وعلا -هذا يا أخي سادس أمر من الأمور التي ينبغي أن تكون ركائز نرتكز عليها في استقبالنا واغتنامنا لشهر رمضان. سـابعا: الصدقة: وما أدراك ما الصدقة وما أثرها في القلوب والأبدان والأموال والأجر، وخاصة في شهر الصدقات والجود والكرم، والصدقة في القرآن جاء ذكرها بما يدل على عظيم قدرها: قال - تعالى -: ( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) 263: البقرة. وقال - تعالى -: ( تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) 271: البقرة وقال - تعالى -: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 261: البقرة، وقال - تعالى -: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) 18: الحديد، وقال - تعالى -: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) 280: البقرة وقال - تعالى -: ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) 276: البقرة. فهذا بعض شأن الصدقة في القرآن والسنة بينت أن الصدقة باب عظيم لكثير من الخير في الدنيا والآخرة: فالصدقة من أعظم أسباب فكاك النفس من قيد الشيطان وإخراجها من سلطانه وهى من أعظم ما يصد عنه الشيطان والعياذ بالله - تعالى -: ففي الحديث الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما يخرج رجل شيئاً من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا)) أخرجه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك عن بريدة، وفي صحيح الجامع برقم: 5814، وقال: صحيح. وذلك لأن الصدقة على وجهها إنما يقصد بها ابتغاء مرضاة اللّه والشياطين بصدد منع الإنسان من نيل هذه الدرجة العظمى فلا يزالون يأبون في صده عن ذلك والنفس لهم على الإنسان ظهيرة لأن المال شقيق الروح فإذا بذله في سبيل اللّه فإنما يكون برغمهم جميعاً ولهذا كان ذلك أقوى دليلاً على استقامته وصدق نيته ونصوح طويته والظاهر أن ذكر السبعين للتكثير لا للتحديد كنظائره. والصدقة من أعظم أسباب التداوي ففي الحديث الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( داووا مرضاكم بالصدقة)) أخرجه أبو الشيخ في الثواب عن أبى أمامة، وفي صحيح الجامع برقم: 3358، وقال حسن. والمراد: من نحو إطعام الجائع، واصطناع المعروف لذي القلب الملهوف، وجبر القلوب المنكسرة كالمرضى من الغرباء والفقراء والأرمل والمساكين الذين لا يؤبه بهم، وكان ذوو الفهم عن اللّه إذا كان لهم حاجة يريدون سرعة حصولها كشفاء مريض يأمرون باصطناع طعام حسن بلحم كبش كامل ثم يدعون له ذوي القلوب المنكسرة، قاصدين فداء رأس برأس، وكان بعضهم يرى أن يخرج من أعز ما يملكه فإذا مرض له من يعز عليه تصدق بأعز ما يملكه من نحو جارية أو عبد أو فرس يتصدق بثمنه على الفقراء من أهل العفاف. قال الحليمي: فإن قيل: أليس اللّه قدر الأعمال والآجال والصحة والسقم فما فائدة التداوي بالصدقة أو غيرها، قلنا: يجوز أن يكون عند اللّه في بعض المرضى أنه إن تداوى بدواء سلم، وإن أهمل أمره أفسد أمره المرض فهلك. * ثم الصدقة سهلة ميسورة والكل يمكنه التصدق مهما كان حاله فالتصدق نوعان: الأول: صدقة الاحتساب: ويدل عليها الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة)) أخرجه أحمد في المسند والطبراني عن المقدام بن معد يكرب، وفي صحيح الجامع برقم: 5535، وقال صحيح. والثاني: صدقة البذل: ويدل عليها ما جاء من مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)) أخرجه مسلم. والمعنى: أي ما بقيت لك بعد إخراجها كفاية لك ولعيالك واستغناء كقوله - تعالى -: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو). ومن هنا نعرف أن التصدق سهل على كل واحد منا، ومن المهم أن نعرف بعض ما يعظم أجر الصدقة فمن ذلك: ما جاء في الحديث الصحيح: (( أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان)) متفق عليه، وفي الحديث أيضا: (( أفضل الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول)) أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، وفي صحيح الجامع برقم: 1112، وقال صحيح. وانظر معي إلى ما جاء في هذا الحديث الصحيح: (( أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح)) أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن أبي أيوب، وفي صحيح الجامع برقم: 1110، وقال: صحيح. والكاشح: العَدُوُّ الذي يُضْمِر عَداوَته ويَطْوي. يعني: أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجراً منها على الأجنبي لأنه أولى الناس بالمعروف. وأحرص أخي في أمر التصدق على ذوى الأرحام ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة الرحم)) أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن سلمان بن عامر، وفي صحيح الجامع برقم: 3858، وقال صحيح. * والكلام على الصدقة سيل لا ينقطع فهذا يا أخي الحبيب غيض من فيض وقطرة من سيل ولعل فيه الكفاية لمن أراد الهداية فاحرص أيها المريد للخير أن تجعل من استقبالك لرمضان نقطة انطلاق إلى رحابة البذل خروجا من قيد الشح والبخل وتذكر قول الله - تعالى -: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) 38: محمد. فلعل ذلك يكون سببا في الانتصار على هوى النفس الأمارة بالسوء وإخراجها من ظلماتها، وذلك مع ورود أنوار رمضان فيكون نور فوق نور. ثامنا: المجاهدة، مجاهدة النفس التي هي طريق الجهاد بالنفس!: إن الذين تتوق نفوسهم للجهاد في سبيل الله - جل وعلا -. ويتكلمون في ذلك الأمر كثيرا، لعلهم لا يعلمون إن في رمضان فرصة كبيرة لتربية النفس، وإقامة معسكر لإعداد من يريد أن يكون من المجاهدين، لأن الجهاد بالنفس يبداء بجهاد النفس وتربيتها أولا، نعم بجهاد النفس أولا، ولابد للمؤمن، الذي تتوق نسه بصدق إلى الجهاد في سبيل الله، لابد له من تربية النفس وتخليصها مما يهلكها، لابد أن يجعل من الدنيا سجن عما حرم الله وعما يفسد الدين وينقص الإيمان، وهى كذلك للمؤمن ولابد ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)) أخرجه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة.. أرأيت أخي كيف هي الدنيا للمؤمن، ولذلك فالله لا يصطفي أهل المعاصي والتولي عن الحق ونصرته، المنهزمون في أنفسهم والذين ذلوا لشهواتهم، الله لا يتخذ ولا يأتي بهؤلاء بل يأتي بمن يجاهدون أنفسهم بتربيتها على الحق والتخلص من أسر وقيود الشهوات والأهواء، حتى تخلص لربها ثم يختارهم ويأتي بهم لشرف الجهاد بالنفس، قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 54: المائدة. ثم إذا أفلح العبد في مجاهدة نفسه لعله يفلح بإذن الله في الجهاد سواء بالسيف أو باللسان ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه)) أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن كعب بن مالك وفي صحيح الجامع برقم: 1934، وقال صحيح. أيها الأخوة: الشباب جاهدوا أنفسكم لأنفسكم أولا حتى تستمروا في المسيرة بلا فتن أو انقطاع أو انقلاب، وهنيئا لمن شاب في الإسلام هنيئا.. ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: (( الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة، ورفع بها درجة)) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو، وفي صحيح الجامع برقم: 3748، وقال حسن. فلنجعل نحن معشر المسلمين، من رمضان وصيامه، وقيامه، والتصدق، والتلاوة القرآنية التي لا تنقطع إلا لنوم أو خلاء أو طعام، ولا مانع أن تقرأ الحائض والجنب مما يحفظ حتى يطهر فيقراء من المصحف، وهكذا الذكر الدائم وبذل المعروف، وإفطار الصائمين من المال الحلال ولو تمرة، وإدخال السرور على الضعفاء والمساكين والأرامل والفقراء وخيرهم من كان يتيما وخاصة من كان من أهل الصلاح وعمل الخير، وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران، وحسن الخلق مع الأهل والأصحاب والعشيرة، والأزواج والذرية، وغيرهم، والعفو في أيام العفو، وإنظار ذوى الإعسار، وإسقاط الدين عمن لا يجد وأنت تقدر ولو من زكاة المال، والأمر بالمعروف برفق ومعروف وإصلاح، والنهى عن المنكر بما لا يترتب عليه منكر أكبر، وكذلك ما هو أعظم من الإخلاص لله في كل قول وعمل، والمحافظة على الصلوات في وقتها جماعة للاستكثار من الأجر، وبر الوالدين وخفض جناح الرحمة لهم، كل ذلك يكون مع مجاهدة النفس في ترك المنكرات سواء ما كان دائما أو عرضا، فإن من أعظم أسباب الإعانة على فعل الخيرات ترك المنكرات. كل هذا وغيره ينبغي أن يستقبل به العبد شهر رمضان، ويغتنمه ليكون معسكر إعداد للجهاد، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى. تـاسـعا: الطريق القصد السنة علما وعملا: قال - تعالى -: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) 153: الأنعام. وقال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) 108: يوسف. فهذا بيان من الله - تعالى - لهداية من أراد الهدى وشدد - سبحانه - على المُعرِض عن طريق السنة والحق بالوعيد الشديد. فقال - تعالى -: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) 146: الأعراف. فاحرص أخي على طلب الهدى واتباعه فهو سبيل مرضات الله - تعالى -، ومن كان يحب الله فليأت بالبرهان وهو اتباع الرسول وهديه، ومن كان يطلب محبة الله فالطريق إليها هو اتباع الرسول وهديه: قال - تعالى -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 31: آل عمران. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( قد تركتكم على البيضاء: ليلها كنهارها، لا يزيع عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)) أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن عرباض. وفي صحيح الجامع برقم: 4369، وقال: صحيح. فعليك أخي أن تنطلق في رمضان، ونفسك طيعة تلين لك في فعل البر لينا لا تجده منها في غير رمضان، أغتنم هذا اللين وانطلق في معسكر البر والخير إلى ما ينبغي أن تنطلق إليه وهو تربية النفس، وهذا الأمر العظيم يبدأ من العلم والتعلم، نعم قد يكون الإنسان ذو همة وإخلاص ولكنه جاهل، فعندئذ قد يفسد في دينه أكثر مما يصلح، فالطريق القصد المستقيم الذي يوصل إلى الحق وإقامة النفس على ما يرضى الرب ويبعث على محبته هو إتباع السنة علما وعملا، اجعل من رمضان انطلاقة علم وعمل من خلال السنة تعلمُها والعمل بها لتكون من أهل الحق، والسنة، لا من أهل الضلال والبدع،نسأله - سبحانه - أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا في الدنيا والآخرة. العـاشر: الفرق بين المؤمن والمنافق: عرفنا فيما سبق أن شهر رمضان هو خير الشهور على المؤمنين، وشر الشهور على المنافقين، ومن أعظم علامات النفاق هي الانكسار أمام الفتن، كما تنكسر الأزرة أمام الريح، بينما المؤمن مثل السنبلة تميل مع الريح ثم تعود قائمة لا تنكسر، عفانا الله من النفاق وشؤمه، وجعَلنا من أهل الإيمان الصادقين المخلصين. ففي الحديث: (( مثل المؤمن كمثل خامة الزرع: من حيث أتتها الريح كفتها، فإذا سكنت اعتدلت؛ وكذلك المؤمن يكافأ بالبلاء، ومثل الفاجر كالأرزة: صماء معتدلة حتى يقصمها الله - تعالى - إذا شاء)) متفق عليه. وفي الحديث: (( مثل المؤمن مثل السنبلة: تميل أحيانا، وتقوم أحيانا)) أخرجه أبو يعلى في مسنده والضياء عن أنس، وفي صحيح الجامع برقم: 5845، وقال: صحيح. وفي الحديث: (( مثل المؤمن مثل السنبلة: تستقيم مرة، وتَخِر مرة. ومثلُ الكافر مثل الأرزة: لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر)) أخرجه أحمد في مسنده والضياء عن جابر، وفي صحيح الجامع برقم: 5844، وقال صحيح. يتبع |
الساعة الآن : 05:02 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour