ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى مشكلات وحلول (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=51)
-   -   أشكُو إليكَ زَوْجي (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=78959)

أم عبد الله 27-07-2009 10:17 PM

أشكُو إليكَ زَوْجي
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




كتاب أشكُو إليكَ زَوْجي




تأليف

عصام بن محمد الشريف


أبـي أحمد رحمه الله


إضغط على الرابط لتحميل الكتاب


http://up4.m5zn.com/download-2009-7-27-11-l4e7960sl.doc


ولمن يريد قرأته هنا سأقوم بنقله كاملاً إن شاء الله





أم عبد الله 27-07-2009 10:18 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
تقديم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ [الفرقان: 74]، ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 16].
أما بعد:
فإن أسعد الناس حظًا من حظي خلال رحلة العمر بحياة زوجية موفقة، ومعطرة بعطر الحب والتراحم والفهم والوفاء والرغبة المشتركة في السعادة.
لذلك فإن المرأة تشعر بالسعادة والاطمئنان والاستقرار إذا ما وفقت إلى الاختيار الصحيح لشريك حياتها، فأنعم الله عليها بزوج يقيها هموم الدنيا وهموم الآخرة. ومن الأخطاء التي نقع فيها كثيرًا ـ رجالاً ونساءً ـ هو عدم تقبل الأخطاء من الغير، وكأننا ملائكة نمشي على الأرض لا نخطئ أبدًا، مهما تحلينا بصفات جميلة أخرى. وهذا مخالف للواقع ولطبيعة البشر، لذا كان لابد من خلق العفو والصفح والتسامح والإيثار بين الزوجين، حتى تسير سفينة الحياة الزوجية هادئة إلى طريقها الصحيح.
وهذه الرسالة التي بين يدي القارئ الكريم هي مجموعة من شكاوى النساء من أزواجهن، نحاول تشخيص المرض وكيفية علاجه، والموفق من وفقه الله تعالى لمعرفة عيوبه وإصلاحها، وعدم التكبر أو العناد في تقبل النصيحة إذ:
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها



كفى بالمرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبه



يا أيها الزوج الحبيب:
ماذا يكلفك لو أنك تلقى زوجتك وأولادك بوجه طَلْق باسم سعيد؟! هل يُضيرك شيء لو قابلت زوجتك عند دخولك البيت بكلمة طيبة وقبلة حانية تسعدها بهما سعادة تهز أركان مشاعرها كلها؟!
هل يشق عليك أن تدلل زوجتك بين الحين والآخر، وتكثر من التبسط معها والنزول إلى مستواها؟!
ماذا عليك لو أنك دائم الثناء على زوجتك في ملبسها وجمالها ورائحتها وطعامها، فإن ذلك له أثر السحر في في قلب أي امرأة؟!
إن الزوج الصالح هو الذي يؤدي ما عليه من حقوق وواجبات تجاه ربه وتجاه أهله ويعطي كل ذي حق حقه بإخلاص وصدق ورغبة عند الله تعالى في الأجر والثواب. والنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم))، إنما يشهد شهادة عظيمة لكل زوج يحسن عشرة زوجته، شهادة له بالخيرية مقرونة بكمال الإيمان وخلق ذوي المروءة الكرام.
فاحرص أيها الزوج المسلم على الانتظام في سلك الصالحين، الخيار الأبرار، وذلك بالسير على نهج خير الأزواج محمد صلى الله عليه وسلم ، كي تحيا حياة طيبة؛ سعادة في الدنيا، ونعيمًا في الآخرة إن شاء الله.


أفكر في موتي وبَعْدُ فضيحتي
وتبكي دمًا عيني وحُقَّ لها البكا
فما لي إلا الله لا أرجُ غيره
وأسأل ربي في وفاتي مؤمنا




فيحزن قلبي من عظيم خطيئتي
على سوء أفعالي وقلة حيلتي
ولاسيما عند اقتراب مَنِيَّتي
على ملة الإسلام أشرفَ ملةِ



والله أسأل أن يعي كل زوج هذه الشكاوي فيتجنبها لله، ويعمل دائمًا على إصلاح عيوب نفسه، فإن العمر قصير، والموت قادم لا محالة، فهلا اتقى الله تعالى كل زوج في أهله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك، وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتبه
عصام بن محمد الشريف
السبت 7 صفر 1423هـ
الموافق 20/4/2002م

أم عبد الله 27-07-2009 10:20 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
لا يحرص على تعليمي أمر ديني،
ولا يراقب عباداتي لله، ولا يذكرني بالله،
ولا يحثني على الطاعة إلا قليلاً

من الثغرات الموجودة في بيوتنا عدم الاهتمام بالعلم الشرعي طلبًا أو دراسة، أو حضورًا لمجالس العلم أو عدم سماع الشرائط الإسلامية المسجل عليها دروس العلم النافع، ولا ريب أن هذه الثغرة من الخلل الوخيم في حياتنا الأسرية ويزداد هذا الخلل سوءًا عندما يكون الزوج من أهل العلم أو طلبته أو المجتهدين على الأقل في قراءة الكتاب الإسلامي وسماع الشرائط الإسلامية، ولا يهتم بتعليم زوجته وأولاده أمور دينهم، ثم بعد ذلك يشكو زوجته أو يتذمر من سلوك أولاده، ولا يدري أنه هو السبب بسبب عدم حرصه على تعليمهم أمور دينهم.
إن المرأة الجاهلة بأمور دينها لن تعرف حق زوجها حق المعرفة، ولن تستطيع أن تربي أولادها التربية الإسلامية الجادة، ولن تستطيع أن ترعى منزلها كما ينبغي، فضلاً عن تخلفها عن القيام بعبادة ربها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل عنها.
(فالواجب على الرجال بمقتضى كفالة الرياسة أن يعلموهن ما يمكنهن من القيام بما يجب عليهن، ويجعل لهن في النفوس احترامًا يعين على القيام بحقوقهن ويسهل طريقه، فكيف يمكن للنساء أن يؤدين تلك الواجبات والحقوق مع الجهل بها إجمالاً وتفصيلاً؟
وكيف تسعد في الدنيا والآخرة أُمَّة نصفها كالبهائم لا يؤدي ما يجب عليه لربه، ولا لنفسه، ولا للناس، والنصف الآخر قريب من ذلك؛ لأنه لا يؤدي إلا قليلاً مما يجب عليه من ذلك، ويترك الباقي، ومنه إعانة ذلك النصف الضعيف على القيام بما يجب عليه، أو إلزامه بما له عليه من السلطة والرياسة؟)([1]).
لهذا كان واجبًا على الزوج أن يعلم زوجته أمور دينها؛ فيعلمها أصول الدين، ويرسخ في قلبها حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وصدق الانتماء لهذا الدين، ويعلمها أحكام الطهارة وأحكام العبادات، ويعلمها نوافل العبادات، ويعلمها حقوق الزوجية ومكارم الأخلاق، ويحذرها من مساوئ الأخلاق.
وكذلك يراقب قيامها بالعبادات من صلاة، وصيام، وأذكار، وغيرها.
كما يحسن به أن يتعاهدها بالموعظة والتذكير، فيوصيها بتقوى الله تعالى ويذكرها بالموت والقبر والآخرة، كما يرغبها في الجنة والأعمال الموصلة إليها.
ولا ينسى أن يمدها بكل ما يعينها على زيادة علمها حسب قدرتها وطاقتها واستيعابها ووقتها من سماع الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب القيمة، وحضور مجالس العلم.
كما ينبغي له أن يبعدها عن كل ما يسبب انحرافها أو فساد أخلاقها، أو بعدها عن ربها، من مسموع أو مرئي أو مقروء أو رفقة السوء.
وإن مما ينفع الزوج من حرص زوجته على تعلم العلم الشرعي أن تكون بارة به، قانتة له، تتقي الله تعالى فيه، تحرص على رضاه، وتتجنب كل ما يسخطه، حافظة لبيتها، مربية لأولادها على المنهج الإسلامي الصحيح.
(ثم إن المرأة شديدة التأثر بسلوك زوجها، فإن رأت منه حرصًا على ستر أو عفة أو خلق أو عبادة، بادرت إلى ذلك استجابة لأمر ربها، وإرضاءً لزوجها. وإن رأت منه إعراضًا، وانفلاتًا من أحكام الدين، وآداب الأسرة، لم تجد بُدًا من الاستجابة له، وفعل ما يرضيه.
وكم يُرى من زوجات خرجن من بيوت آبائهن إلى بيوت الأزواج عفيفات محتشمات عابدات، فما لبثن غير قليل حتى نبذن الحشمة والوقار ظهريًا، بتأثير الزوج وانحرافه وجهالته)([2]).
ولماذا لا يتخذ الأزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العملية الراقية في كيفية تربية الزوجات وتعليمهن أمور دينهن، وحثهن على الطاعات وتذكيرهن بالله تعالى([3]).
عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استيقظ الرجل من الليل، وأيقظ أهله، وصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين كثيرًا والذاكرات))([4]).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: ((ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين))([5]). وكذلك لمَّا علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ذكرًا من أذكار الصباح والمساء وهو ((سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته))([6]). فما أعظمه من تعاون على طاعة الله!
ما أسعدها من لحظات عندما تجد الزوجة زوجها يحثها على العبادة، ويعينها عليها ويجلس معها تحت ظلال هذه النفحات الربانية.
وما أسعدها من أسرة مسلمة عينها على الآخرة!
وما أسعد الأوقات التي تجلس فيها الزوجة مع زوجها تسمع كلاما لله فيصحح لها قراءتها، أو يفسر لها آية، أو يعلمها أدبًا من آداب القرآن أو السنة، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة التي يثمرها التعاون على البر والتقوى.
فيا أيها الزوج الكريم... انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]. تدارس مع زوجتك كتابًا نافعًا تقرؤه معها كل يوم ـ إن لم تستطع وضع منهج علمي بسيط([7]) حسب ظروفها واستيعابها. واحرص أن تجعل في بيتك مكتبة إسلامية ولو بسيطة محدودة، على أن تنوع مصادر التعليم ما بين كتاب أو شريط لمحاضرة إسلامية، أو شريط فيديو لندوة نافعة وغير ذلك من الوسائل الحديثة المشروعة التي تصقل فيها الزوجة علميًا وعمليًا إن شاء الله.
وكذلك اصحبها معك إلى دروس العلم النافع، ولا تمنعها ـ قدر الإمكان ـ من حضور دروس النساء، فإن في ذلك استقرارًا لحياة الأسرة وسعادتها.
فائدة:
يقول الإمام أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ: "فإن كان الرجل قائمًا بتعليمها، فليس لها الخروج لسؤال العلماء، وإن قصر علم الرجل، ولكن ناب عنها في السؤال، فأخبرها بجواب المفتي فليس لها خروج، فإن لم يكن ذلك، فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصي الرجل بمنعها، ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها، فليس لها أن تخرج إلى مجلس الذكر، ولا إلى تعلم فضل إلا برضاه، ومهما أهملت المرأة حكمًا من أحكام الحيض والاستحاضة، ولم يعلمها الرجل، حرج الرجل معها، وشاركها في الإثم([8]).
وهذه زوجة تعاتب زوجها في رسالة فتقول له: "يا زوجي الحبيب... بيتنا يخلو من الجلسة الإيمانية، أريدك أن تقرأ علينا حديثًا من رياض الصالحين كل يوم، أو نسمع صوتك الجهوري يروي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من كتب السيرة، فمتى تبدأ؟ لا تقل غدًا، بل اليوم سوف أهيئ لك الكتاب ودعنا نسمع صوتك ونأنس بجلوسك ويفرح أطفالنا جميعًا بأبوتك"([9]).
فيا أيها الزوج المسلم...
كيف لا تهتم بتعليم أهلك وأولادك العلم الشرعي، بأي صورة من صوره؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها، فأحسن تعليمها، وأدَّبها، فأحسن تأديبها، ثم أعتقها، وتزوجها فلها أجران))([10]).
فقرن صلى الله عليه وسلم ثواب العتق من رق العبودية بثواب العتق من رق الجهل بفرائض الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كيف لا تجعل عائشة رضي الله عنها قدوة مشرقة أمام زوجتك، تُعلي من همتها في طلب العلم. فعن عروة بن الزبير قال: "ما رأيت أحدًا أعلم بفقه، ولا بطب، ولا بشعر، من عائشة رضي الله عنها".
وكيف لا تهتم بإزالة الجهل عن زوجتك، والله تعالى يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، فالذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، وأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم.
وكيف لا تحرص على خشية زوجتك لله عز وجل، فيثمر ذلك لك زوجة صالحة قانتة داخل البيت، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية أعظم وأكثر"([11]).
والمقصود من ذلك: أن زوجتك كلما كان عندها حرص على تحصيل العلم الشرعي، كلما تعرفت على الله أكثر، فرزقها الله تعالى خشيته، فاتقت الله تعالى مع كل الخلق، وأنت فيهم.
ألا تريد لها الخير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين))([12]).
وكيف لا تحرص على أن تتعلم زوجتك أمور دينها، وهذه بعض آثار سلفنا الصالح:
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "تعلموا العلم؛ فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة".
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه، وصلاح من بَعده أفضل من عبادة حول".
وقال الشافعي: "ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم".
وقال سفيان الثوري: "ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت النية".

([1]) نداء للجنس اللطيف، السيد محمد رشيد رضا ص32، 33.

([2]) من أخطاء الأزواج، محمد بن إبراهيم الحمد ص30.

([3]) للمؤلف رسالة بعنوان "سبيل المتقين في تربية الزوجة على الدين" فلتراجع لأهميتها.

([4]) رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (333).

([5]) رواه النسائي وغيره، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (5820).

([6]) رواه مسلم.

([7]) لمزيد من الفائدة، راجع: "الكلمات النافعات للأخوات المسلمات" للمؤلف.

([8]) الإحياء (2/48).

([9]) رسائل متبادلة بين زوجين، عبد الملك القاسم ص27.

([10]) رواه البخاري ومسلم.

([11]) تفسير القرآن العظيم (3/554).

([12]) رواه البخاري ومسلم.



أم عبد الله 27-07-2009 10:22 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
وقال عمر بن عبد العزيز: "من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح".
لا يعاشرني بالمعروف؛ فلا يُقدرني، ولا يحترمني،
ويستهين بي، حتى يشعرني بأنني لا أساوي شيئًا،
بل إنني من سقط المتاع

(توارد القول الكريم من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في محاسنة الزوجات وموادعتهن، ولبُسهن على بعض ما فيهن، مما يفيض رفقًا ورحمة، ورعاية وعناية، وحسبك أن الله عز وجل جعل المرأة من آيات الله ومنته على الرجل، وجعل المودة والرحمة والألفة عقدة الصلة بينهما، فذلك حيث يقول جل وعلا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم:21]، ولقد كفى وشفى في الأمر بحسن المعاشرة آية جليلة جامعة، بها تنزل الوحي الإلهي يتلى في المحاريب، ويتقرب به المتعبدون إلى الله سبحانه، فمن ذا الذي يستمع قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ [النساء: 19]. ثم يجفوا امرأته، أو يتسخطها بعد ذلك؟
قلِّب بين أعطاف هذه الآية بصرك، واملأ منها يدك، ورَوِّ من معينها قلبك، ثم انظر هل تقيم على وجدانك، أو تقر على عاطفتك، فيما تكره من امرأتك؟ وما ظنك بأمر تكرهه ثم تظل على لجاجك فيه بعد أن منَّاك الله بالخير الكثير من ورائه؟ وأين ذلك من حسن وتمام الإيمان بالله؟
ولقد شبَّه الله تعالى حسن القيام على الزوجة بحسن القيام على الوالدين، فقال تعالى في حق الوالدين: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ [لقمان: 15]، وقال تعالى في حق الزوجات: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
وقوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ﴾. قال السدي: "وخالطوهن"، وقال ابن جرير: (كذا قال محمد بن الحسين، وإنما هو "خالقوهن")([1]). ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ وهو ما لا ينكره الشرع والمروءة، والمراد هنا النصفة في القسم والنفقة، والإجمال في القول والفعل.
قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، قال القرطبي: (أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والخطاب للجميع، إذ لكل أحدٍ عِشْرة، زوجًا كان أو وليًا، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج، وهو مثل قوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: 229]. وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون مُنطَلِقًا في القول لا فظًّا ولا غليظًا ولا مُظهرًا ميلاً إلى غيرها)([2]) اهـ.
وقيل: هو أن يتصنع لها كما تتصنع له، واستدل بعمومه من أوجب لهن الخدمة إذا كُنَّ ممن لا يخدمن أنفسهن، قال ابن كثير: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيآتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228].
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ [النساء: 19]، قال القرطبي رحمه الله: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ﴾ أي لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز، فهذا يُندب فيه إلى الاحتمال، فعسى أن يؤول الأمر إلى أن يرزق الله منها أولادًا صالحين. قلت: ومن هذا المعنى ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفْرَك مؤمن مؤمنةً إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر)) أو قال: ((غيره))، والمعنى: أي لا يُبْغِضها بغضًا كُليًا يحمله على فراقها، أي لا ينبغي ذلك بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب.
وقال مكحول: سمعت ابن عمر يقول: "إن الرجل ليستخير الله تعالى فَيُخَار له، على ربه عز وجل، فلا يلبث أن ينظر في العاقبة، فإذا هو قد خِيرَ له".
وذكر ابن العربي بسنده عن أبي عبد الرحمن: كان الشيخ أبو محمد بن أبي زيد من العلم والدين في المنزلة والمعرفة، وكانت له زوجة سيئة العشرة، وكانت تُقَصِّر في حقوقه، وتؤذيه بلسانها؛ فيقال له في أمرها ويُعذَلُ بالصبر عليها، فكان يقول: "أنا رجل قد أكمل الله عليَّ النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني، فلعلها بُعثت عقوبة على ذنبي، فأخاف إن فارقتُها أن تنزل بي عقوبةٌ هي أشد منها" قال علماؤنا: في هذا ـ أي ما تقدم من الآية والحديث ـ دليل على كراهة الطلاق مع الإباحة)([3]) اهـ.
(قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ﴾ أي: إن كرهتم صحبتهن وإمساكهن بمقتضى الطبيعة من غير أن يكون من قِبَلهن ما يوجب ذلك ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً﴾ كالصحبة والإمساك ﴿وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ كالولد والألفة التي تكون بعد الكراهة، والمعنى: فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن، ولا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها، فلعل (لكم) فيما تكرهونه (خيرًا كثيرًا) فإن النفس ربما تكره ما يحمده، وتحب ما هو بخلافه، فليكن مطمح النظر ما فيه خير وصلاح، دون ما تهوى الأنفس، ونكر "شيئًا" و"خيرًا" ووصفه بما وصفه مبالغة في الحمل على ترك المفارقة، وتعميمًا للإرشاد، ولذا استدل بالآية على أن الطلاق مكروه)([4]) اهـ.
(وعن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ قال: "الخير الكثير أن يعطف عليها فيُرزق الرجلُ ولدها، ويجعل الله في ولدها خيرًا كثيرًا").
(وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: فإذا وقع بين الرجل وبين امرأته كلام، فلا يعجل بطلاقها وليتأن بها، وليصبر، فلعل الله سيريه منها ما يحب، وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: عسى أن يمسكها وهو لها كاره، فيجعل الله فيها خيرًا كثيرًا)([5]).
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها، ونبهت على معنيين:
أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محمودًا، ومحمود عاد مذمومًا.
والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبًا ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما يُحب، وأنشدوا في هذا المعنى:


ومن لم يُغْمِضْ عينه عن صديقه


ومن يتتبع جاهدًا كل عَثْرَةٍ



وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتِبُ


يَجِدْها، ولا يسلمُ له الدَّهْرَ صاحبٌ





([6]))([7])
ومن مظاهر سوء عشرة الرجل لزوجته:
الشك وسوء الظن بها: فمن الأزواج من يُخون زوجته في ماله، فربما أخذت من ورائه بعض النقود ثم يتذكر بعد ذلك أنه قد اشترى بهذه النقود شيئًا أو أقرض شخصًا ونحو ذلك.
وقد يتمادى البعض فيسيء الظن بزوجته في أخلاقها وعرضها، فيراقبها ويراقبُ هاتف المنزل، وربما سجل لها مكالمات، وربما عاد إلى البيت في غير موعده المعروف ليتأكد من أن زوجته لم تسلك سبيلاً محرمًا، ونحو ذلك.
وكل ذلك وغيره للأسف بغير برهان أو بينة، وإنما هو بسبب تسويل الشيطان لبعض النفوس الضعيفة، فكم وقع من قتل أو طلاق أو أذى بسبب سوء الظن؛ لذا فإنه يجب على كل زوج أن لا يسترسل في الأوهام، ولا يفرغ قلبه لأي وسواس بدون بينة واضحة ويقين لا غبار عليه، بل يحسن الظن بزوجته التي ارتبط بها وارتبطت به عن طواعية واختيار، وليتأنَّ وليصبر حتى يتثبت. وإلا فالأصل هو براءة الذمة من التهم وسوء الظن، ولربما كان هناك من شياطين الإنس أو الجن من يريد هدم البيت الآمن.
ولا يعني حسن الظن بالزوجة قلة الغيرة، وعدم القيام بحسن القوامة والتربية للزوجة، بل الاعتدال كل الاعتدال في الغيرة، فلا يتغافل الزوج عما تخشى عواقبه، ولا يبالغ في إساءة الظن، والتعنت، والتجسس، فيهلك وتهلك الأسرة كلها.
قلة الغيرة على الزوجة: فهناك من الأزواج من تبلد حسه، وماتت غيرته، وفقد رجولته وحميته، فتراه لا يبالي باختلاط زوجته بالرجال الأجانب عنها بدعوى أن هؤلاء إخوته أو أقاربه أو زملاءه في العمل، والثقة فيهم جميعًا كبيرة!!
ومنهم من لا يبالي بكشف زوجته لعورتها أمام الرجال الأجانب عنها وربما تكون متحجبة خارج بيتها، متبرجة داخل بيتها أمام الرجال الأجانب.
ومنهم من يترك زوجته تجالس الرجال الأجانب وتصافحهم وتضاحكهم وتتبادل معهم أطراف الحديث، ولا ريب أن هذا التهاون من الدياثة وفقدان الرجولة وخفة الدين وقلة الغيرة على الزوجة. روى البخاري عن المغيرة قال سعيد بن عبادة: "لو رأيتُ رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفِح"([8]). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني)).
والمقصود ألا يبالغ الرجل في الغيرة بلا مسوغ، ولا يجوز له أن يطرح الغيرة تمامًا، فالغيرة المحمودة ما كانت في محلها وفي حدود الاعتدال ومقيدة بالشرع لا بالهوى والوساوس، أما ما جاوز الحد بظنون باطلة واتهامات بدون أدلة فهذا من الغيرة المذمومة التي نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة"([9]).
الاستهانة بالزوجة وعدم احترامها: يخطئ الزوج خطأ فادحًا عندما يظن أنه سيعيش في سعادة ووئام مع زوجته وهو يستهين بها أو يحتقرها ولا يحترمها؛ لأنه رجل ولأن القوامة بيده، وأن المرأة ناقصة عقل ودين، وخلقت من ضلع أعوج فلا يناسبها من المعاملة إلا ما فيه ازدراء أو إهانة أو ذم!
إن السعادة الزوجية ترفرف دائمًا على بيت يحترم كل من الطرفين الآخر، ويقدره ويثني عليه، ويكرمه ولا يسيء إليه.
أما من يسلك طريق الاستهانة وعدم المبالاة بزوجته، فإنه يعيش حياة تعسة، ولا يدري للأسف أن هذا المسلك المشين هو السبب.
إن من الأزواج من لا يعتد بكلام زوجته، ولا يستشيرها في شيء أبدًا فهي لا تستحق، ولا يبالي برأيها إن هي أشارت عليه لأن رأيها دائمًا يجانبه الصواب!
ومن صور الاستهانة بالزوجة أيضًا أن يُحقِّرها بين أبنائهم ويسبها ويضربها ويصفها بالجهل وضعف العقل!
وكذلك من صور الاستهانة بها ذم أهلها من والدين أو أقارب وربما لأتفه الأسباب! وما من شك أن الإسلام ينظر للمرأة على أنها إنسان مكرم، لها عقل ولها رأي، ولها مكانة، وليست هَمْلاً مضاعًا، بل إن بعض النساء ليفوق بعض الرجال بحصافة رأيهن وحسن تدبيرهن؛ والواقع يشهد على ذلك.
وما التأنيث لاسم الشمس عيب

ولا التذكير فخر للهلال


إن الزوج العاقل الكريم الذي يتقي الله تعالى في أهله هو الذي يُعنى بزوجته، ويقدرها ويستشيرها، ويشعرها دائمًا بأنها ذات شأن ومكانة عنده لرجاحة عقلها وحسن تدبيرها سواء في حياتها العامة أو ما يخص المنزل والأولاد ـ حتى وإن لم تكن كذلك ـ حتى يأخذ بيديها لتصل إلى هذه المكانة التي يرغبها فيها.
ثم إن المروءة والدين يقضيان باحترام أهل زوجتك وعدم الإساءة إليهم؛ لأن ذلك يؤذيها، فلا تنسى المعروف ـ يرحمك الله ـ، وإن كان من نقص فيهم أو عيب فالواجب المبادرة بإبداء النصح والتوجيه بدلاً من الثلب والتجريح. واستحضر دائمًا قوله صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرًا))([10]).
أكل مال الزوجة بالباطل: شكت لي إحدى المسلمات زوجها الذي كان يطلب منها مالها الذي ورثته عن أبيها، لكي ينمي به تجارته، وكان هذا الطلب ليس عن حاجة أو ضيق ذات اليد، وإنما طمعًا في مالها ليزيد من تجارته، فلا يدخلها معه شريكة في التجارة لينمي مالها وإنما يأخذه قسرًا عنها؛ لأنه في النهاية ماله ومال أولاده!! وأخذ يكدر عليها عيشها لتأتيه بمالها، وكأنه عزَّ عليه أن يبقي مع زوجته مالها الخاص بها دون أن يتمتع به بأي صورة من الصور.
فعلى أي أساس يطلب هذا الزوج المال من زوجته، وبأي حق يأخذه بدون طيب نفسها ورضائها؟ لاسيما وهي تشعر منه بالطمع في مالها. وهذه صورة سيئة من صور أكل مال الزوجة بالباطل، وكيف يستبيح الزوج لنفسه ذلك، وهو يعلم أنه يأخذ مال زوجته بغير رضاها!!
إن من الأزواج (من قد رقَّ، وقلَّت مروءته، فتراه يأكل مال زوجته بالباطل، ويسلك في ذلك السبيل سبلاً شتى. فقد تكون زوجته مُعلِّمةً تقبض مالاً مقابل تدريسها، وقد تكون ورثت مالاً من أبيها أو غيره، وقد يكون لها مصادر أخرى للرزق.
ومن هنا يجد بعض الأزواج فرصته لأكل مال الزوجة بالباطل، إما بتهديدها بالطلاق إن لم تعطه، وإما بالتملق لها وإظهار الحاجة بين يديها، أو بالاستدانة منها مع تبييت النية بعدم الوفاء، أو بالاشتراك معها في مشروع ما دون كتابة عقد بينهما، ثم يسل يده منها، ويتفرد بالمشروع وحده، إلى غير ذلك من ألوان الأكل لمال الزوجة بالباطل.
وهذا الصنيع تأبه المروءة والدين، فقد حمى الإسلام مال الزوجة؛ فلم يجعل ليد الزوج عليه من سبيل، فأبقى لها حرية التصرف في مالها على ما ترى إذا كانت عاقلة رشيدة، وليس للزوج حق في أن يتناول منه درهمًا واحدًا إلا عن طيب نفسها، وليس له حق في منعها من أن تتصرف في مالها على وجه المعاوضة كالبيع، والقرض، والإجارة ونحوها بإجماع العلماء، وليس له الحق في منعها من أن تنفق منه أو تنفقه على وجه التبرع كالصدقة، والهبة عند جمهور أهل العلم.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن للزوج أن يمنعها من التبرع بأكثر من ثلث مالها([11]). فالخلاف ـ إذًا ـ في كونها تنفق، أما أخذ الزوج مالها بالباطل فلا خلاف في عدم جوازه)([12]).


([1]) تفسير الطبري (4/313).

([2]) الجامع لأحكام القرآن (5/97).

([3]) الجامع لأحكام القرآن (5/98) بتصرف.

([4]) روح المعاني (4/243).

([5]) الدر المنثور (2/133).

([6]) زاد المسير (2/42).

([7]) عودة الحجاب للشيخ محمد إسماعيل (2/218ـ 220).

([8]) أي أراد ضربه بحد السيف لا بعرضه.

([9]) رواه النسائي، وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5905).

([10]) رواه البخاري (3331)، ومسلم (1468).

([11]) انظر: الهداية الإسلامية ص58.

([12]) من أخطاء الأزواج ص24.



أم عبد الله 27-07-2009 10:24 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
فصل
مسألة مهمة:
اختلف أهل العلم في تصرف المرأة في مالها: فمنهم من منع المرأة من التصرف في مالها إلا بإذن زوجها لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها))([1]). وفي لفظ آخر: ((لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها))([2]).
ومنهم من أجاز لها التصرف في مالها دون إذن زوجها؛ واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)) ([3]). وجعلن يتصدقن من حليهن، فكان هذا تصرفًا بغير إذن أزواجهن.
قال الشوكاني رحمه الله: "وقد استدل بهذا الحديث ((لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)) على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة. وقد اختلف في ذلك؛ فقال الليث: لا يجوز لها مطلقًا لا في الثلث ولا فيما دونه إلا الشيء التافه. وقال طاووس ومالك: إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث لا فيما فوقه، فلا يجوز إلا بإذنه. وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقًا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة، فإن كانت سفيهة لم يجز"([4]).
وبالجملة فالمقصود هو أن أكل مال الزوجة بالباطل حرام، وأن الضغط عليها لأخذه بغير رضاها وطيب نفسها حرام. لكن لا يعني ذلك ألا تقف الزوجة بجانب زوجها إن ضاق به الحال، بل تسارع بمساعدته، ولا تنتظر حتى يطلب منها، فربما الحياء يمنعه من ذلك.
وليس معنى جواز بعض أهل العلم تصدق المرأة من مالها بغير إذن زوجها ألا تستشيره، ولا تأخذ برأيه، بل من الأدب مع الزوج إعظامًا لحقه ولمكانته، ألا تتصرف في مالها إلا بعد استئذانه والاستنارة برأيه، فذلك مما ينمي علاقة المحبة والمودة والألفة بينهما، ويزيد من دعائم السعادة داخل البيت.
قال الألباني رحمه الله: (وهذا الحديث ((ليس للمرأة أن تنتهك شيئًا من مالها إلا بإذن زوجها))، وما أشرنا إليه مما في معناه يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف في مالها الخاص إلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي جعلها ربنا تبارك وتعالى له عليها، ولكن لا ينبغي للزوج ـ إذا كان مسلمًا صادقًا ـ أن يستغل هذا الحكم فيتجبر على زوجته، ويمنعها من التصرف في مالها فيما لا ضير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلى القاضي الشرعي لينصفها، وكذلك الحكم في مال المرأة، إذا جار عليها زوجها، فمنعها من التصرف المشروع في مالها، فالقاضي ينصفها أيضًا، فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما الإشكال في سوء التصرف به فتأمل)([5]).
وقال الشوكاني رحمه الله بعدما رجح: (والأولى أن يقال: يتعين الأخذ بعموم حديث عبد الله بن عمرو ((لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها))، وما ورد من الواقعات المخالفة له تكون مقصورة على مواردها، أو مخصصة لمثل من وقعت له من هذا العموم وأما مجرد الاحتمالات فليست مما تقوم به الحجة)([6]).
إن تجاهل الزوجة لزوجها تمامًا بحجة أن بعض أهل العلم أجاز للمرأة التصرف في مالها دون زوجها من الخطأ، لاسيما إن ترتب على ذلك مفاسد تغلب المصلحة العامة داخل البيت المسلم.
والمرأة العاقلة عندما تجد زوجها زاهدًا في مالها، وحريصًا عليه، وليس طامعًا فيه، فإن ذلك يزيدها ثقة فيه، واحترامًا له، فتبذل له مالها عن طيب خاطر إن كان في حاجة إليه، أو على الأقل ستستشيره إن أرادت التصرف فيه أو في جزء منه.
5ـ ضرب الزوجة بدون سبب شرعي: من النساء من يصل بها الحال لعلاج نشوزها وتمردها على زوجها إلى الضرب، وذلك بالطبع بعد البداءة بالوعظ ثم الهجر، فإن فشل الرجل بعد هاتين الوسيلتين، فمعنى ذلك أن المرأة امرأة غير جديرة بالاحترام والتقدير ولذلك كان لابد أن يكون العقاب لها عقابًا يطعن في كبريائها وعنادها. ومن النساء من تهتدي بمجرد الوعظ، ومنهن من تهتدي بالهجر، قال تعالى: ﴿وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: 34].
ولنا أن نتدبر حال امرأة لم ينفع معها علاج الوعظ ثم علاج الهجر، فما العمل بعد ذلك؟! كان لابد من وسيلة ثالثة تكون أنجع، لاسيما إذا كان الله تعالى ـ خالق النفس والعالم بما يصلحها ويهديها ـ هو الذي شرع هذه الوسيلة، وهي الضرب.
ولكن أن يكون الضرب بشروطه؛ لأن الغرض منه هو التأديب والإصلاح، ومن هذه الشروط:
1ـ تناسب العقاب مع نوع التقصير، فلا يلجأ إلى الضرب إلا بعد فشل وسيلتي الوعظ والهجر.
2ـ تقوى الله تعالى، فلا يضرب رأسًا أو بطنًا أو وجهًا، ولا يكسر عظمًا، أو يشين موضعًا؛ لأن الغرض من الضرب العلاج والزجر وليس التعجيز والإذلال.
3ـ عدم التمادي إن ارتدعت الزوجة، وثابت إلى رشدها.
إن الزوج الذي قد قسا قلبه، وغلظ طبعه، وساء فهم النصوص الشرعية في معاملته الزوجية، فيضرب ضرب الحيوانات، وعند أتفه الأسباب، قد أخطأ الطريق في علاج مشاكله داخل البيت، وحاد عن الطريق الصحيح لتفادي الأخطار.
إن المرأة ليست هملاً مضاعًا، أو حيوانًا داخل البيت، أو إنسان بلا كيان أو روح أو إحساس، حتى يكون الضرب هو أول العلاجات وبطريقة تخالف الشرع. قال صلى الله عليه وسلم: ((إني أُحرجُ عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة))([7]). وقال أيضًا: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها))([8]).
عدم التماس المعاذير للزوجة: فنحن بشر نخطئ ونصيب، وليس من حسن عشرة الرجل لزوجته المسارعة في مؤاخذتها إذا أخطأت، بل يتروى قبل أن يحكم عليها، ويلتمس لها الأعذار ويراعي الظروف والأحوال التي صدرت فيها الأخطاء ـ وما أمكن ـ حتى لا تكبر المشاكل ويعظم الضرر.
ومن هذه الأعذار التي ينبغي للزوج مراعاتها:

( أ ) غيرة النساء:
عن أنس رضي الله عنه قال: أهدى بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم له قصعة فيها ثريد وهو في بيت بعض نسائه فضربت عائشة يد الخادم، فانكسرت القصعة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الثريد، ويرده في فلق القصعة ويقول: ((كلوا غارت أمكم))، ثم حبس الخادم حتى أتى بقصعة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصفحة إلى التي كسرت صفحتها))([9]).
فهكذا كان تصرفه صلى الله عليه وسلم بهدوء وحكمة، والتماس بعض القدر لما صدر من زوجته من خطأ نتيجة الغيرة، ما دام الخطأ ليس فيها انتهاك لحرمة من حرمات الله تعالى.
(ب) التوتر وضيق الخلق أثناء الحيض:
إن أخلاق المرأة ونفسيتها في فترة الحيض، تختلف عنها في فترة الطهر، فضلاً عما يصيب البعض منهن أو الكثيرات من الصداع والتعب وألم العظام وغير ذلك مما يؤثر على نفسية الزوجة وعلاقتها داخل البيت بأفراد الأسرة. لذا فإنه على الزوج أن يتحمل ما يصدر عن زوجته في هذه الفترة من هفوات، ويلتمس لها الأعذار إذا تكاسلت أو فترت أو لم تقم بواجباتها على خير قيام.
(جـ) مراعاة حداثة الالتزام:
(قد يتزوج الأخ المسلم أختًا مسلمة، طيبة الاستعداد للالتزام الطيب بدينها وآدابه الشاملة في مختلف المجالات، لكنها مع هذا الاستعداد لم تجد البيئة التي تحتضنه وتنميه، فضعف التزامها نتيجة الجهالة، فعلى الأخ الزوج المسلم أن يراعي آثار الركام السابق، أثناء ترقيه بها، وأخذه بيدها في سلم الالتزام، كما عليه أن يراعي التدرج في الخطوات، والترتيب في الأولويات، فهناك أصول وهناك فروع والكل مطلوب، وليس هناك فاصل بينهما، نعم، لا نريد أن نهمل الفروع حتى ترسخ الأصول فالكل مترابط، وليست قضية الأصول والفروع كأجزاء آلة مادية يمكن فصلها قطعة قطعة باستقلال... إنما نريد أن يكون الجهد الأكبر موجهًا نحو الأصول والكليات، مع مراعاة جانب الفروع والجزئيات بقدره، واغتنام الظروف والمناسبات لغرس هذا أو ذلك، فنحن نتعامل مع نفس بشرية، لا آلة ميكانيكية.
كما ينبغي أن لا يستفزنا التقصير والأخطاء في تلك الجوانب قبل أن نعطهيا القدر الكافي في الجهد الحكيم المنظم المدروس.
فما دام الاستعداد طيبًا، فالوصول قريب لكن بشيء من الحلم والتروي، والصبر على الحلم والتروي، والتيسير والتبشير لا التعسير والتنفير... فينبغي للأزواج أن يراعوا تلك التوجيهات النبوية: ((بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا)).
فما دام النمو في ازدياد، فأبشر بالنضج في الميعاد، وإياك وعواصف الغضب، فإنها تقتلع النبتة، وتورث الندامة والحسرة. وعليك بالحلم فإنه سياج حامي من الأعاصير الهوجاء، حتى تبلغ النبتة أشدها، وتقوى وتعمق جذورها، وتورف بالظلال فروعها، فحينئذ تقطف أطيب الثمار)([10]).

([1]) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (7502).

([2]) رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (7501).

([3]) رواه البخاري ومسلم.

([4]) نيل الأوطار (5/419)، وهو ما رجحه ابن حزم في المحلى (30918). انظر: أحكام النساء لعدوي (2/120ـ 135)، النووي على شرط مسلم (2/535).

([5]) السلسلة الصحيحة (2/420)، حديث رقم (775).

([6]) نيل الأوطار (6/22)

([7]) أخرجه أحمد وابن ماجه وغيرهما، وحسنه الألباني في "الصحيحة" برقم (1015).

([8]) رواه البخاري ومسلم.

([9]) رواه البخاري. والصفحة: الإناء.

([10]) كيف تسعد زوجتك ص137، 138.



أم عبد الله 27-07-2009 10:25 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
بخيل، وكثير الخصام، واللوم والنقد
لا يعفو عن الهفوات، والأخطاء البسيطة

البخل آفة ذميمة، والمرأة التي أصيبت بزوج بخيل امرأة مسكينة كان الله في عونها، وهدى الله لها زوجها.
إن نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة، ويزداد الرجل سوءًا إن كان يُقتِّر على زوجته وهو موسر، أو يُقتِّر في الأمور الواجبة في الوقت الذي ربما يسرف فيه البعض هنا وهناك بلا داع لاسيما على رفاق السوء.
وكم من بيوت يجثم عليها البؤس، وتخيم عليها سحائب الشقاء والنكد والحزن بسبب تقتير الزوج وتقصيره في النفقة.
إن من حق الزوجة على زوجها ـ وليس فضلاً ـ أن ينفق عليها بالمعروف وفي حدود طاقته ووسعه، وليتق الله تعالى فيها وفي أولادها، وإلا ادعى البخيل أن هذه هي طاقته ووسعه، إن لم يكن عنده وازع من دين وخوف من الله تعالى، حيث قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7].
ثم ما هو ذنب هذه المرأة التي كانت لا تعاني في بيتها من أمر الإنفاق عليها شيئًا، حتى تصاب بزوج يُقتر عليها، وإلا فلماذا تزوجها؟!
روى مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: ((اتقوا الله في النساء فإنهن عوان([1]) عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)).
فيا أيها البخيل المسكين، أنفق على أهلك تؤجر إن شاء الله، قبل أن تموت وتأثم بسبب بخلك، ثم يتمتع أهلك، وأولادك بمالك، فماذا كسبت إذن؟!
أما الزوج الذي يكثر من لوم زوجته وانتقادها في كل صغيرة وكبيرة، تستحق أو لا تستحق، فليس هذا بصاحب الخلق الكريم، الذي يعفو ويصفح، بل يزيد من الجفاء بينه وبين زوجته، ويورث النفرة والكراهية.
إن على الزوج الكريم، صاحب القلب النقي أن يلتمس لزوجته المعاذير ويحسن بها الظن، وإذا ما وجد ما يستوجب العتاب عليها، فليعاتب عتاب المحب، وهو العتاب الرقيق دون إسفاف أو بذاءة أو سوء معاملة. وأحسن من ذلك أن يتغافل ويتغاضى، وإلا عاش حياة كلها نكد وتعاسة إن كان ممن يحاسب على كل شيء ولا يترك أي شيء بدون محاسبة.
وإن مما يعين الزوج على سلوك طريق الاعتدال في لوم زوجته وعتابها:
1ـ ألا ينسى أن زوجته بشر، تخطئ وتصيب، لذلك فهو لن يجد فيها كل ما يريد، فيلتمس لها المعاذير كما يلتمس لنفسه، فهو أيضًا يخطئ ويصيب، والكمال لله وحده.
2ـ أن يتحلى دائمًا بحسن الخلق، ويستحضر ثواب حسن الخلق ومكانته عند الله.
3ـ ألا ينسى طبيعة المرأة، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بها إيصاءً شديدًا كما في الحديث: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه))([2]).
4ـ أن يبادر إلى الاعتذار إلى زوجته، إن صاحب عتابه لها لفظًا جارحًا، أو كلمة بذيئة، أو إهدارًا لكرامتها، وليعترف بخطئه دون أن تأخذه العزة بالإثم، فإن ذلك من شيمة النبلاء.
قال ابن حبان رحمه الله: (من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لما يأتون من المحبوب، كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء)([3]).
وعن آداب العتاب يقول الأستاذ محمد عبد الحليم حامد: "فإن كان لابد من العتاب، فعليه أن يتحلى بهذه الآداب:
1ـ عدم تهويل الأمر محل العتاب، بحيث يجعل من الحبة قبة، ويتصعد الأمر، فينبغي أن نعطي الأمر حجمه فلا نجعل من الفرع أصلاً، ولا من الذَّنَب رأسًا... وليتجنب الأخ كثرة التحليلات، واختراع مقدمات لا وجود لها ويبني عليها نتائج عجيبة واستنباطات غريبة.
2ـ البدء بالتلميح قبل التصريح لأن التصريح قد يجرح والنفوس متفاوتة التحمل. ويراعي التلميح إذا كانت الزوجة ستفهمه ومراده، وإلا صرح الزوج وأمره إلى الله لكن بلطف لا بعنف.
3ـ الإسرار بالعتاب، فلا يجعله أمام أحد من الناس حتى ولو كانوا أقارب، ففي ذلك ستر يعين المخطئ على التصحيح، وفي غيره فضيحة.
4ـ اختيار الوقت المناسب، فلا يعاتب عند العراك والغضب، بل يتريث حتى تهدأ الأمور، وتصفو النفوس... حينئذ يوجه عتابه برفق.
5ـ ألا يؤدي العتاب إلى ضرر أكبر، فالقصد من العتاب علاج الخطأ، فإن كان يفتح جرحًا جرحًا أخطر تركه حتى يأتي الوقت المناسب. وتقدير هذا الأمر يحتاج إلى فهم ثاقب، وعقل راشد، وتقوى ونور وبصيرة.
6ـ المحافظة على المعاتَب بحيث لا يحرجه ولا ينتقصه؛ بل يظهر له الحب والتقدير، والحرص على استمرارية الإخاء والصفاء، فإنه يبقى الود ما بقي العتاب.
7ـ البعد عن الاستعلاء والتشفي، والإصرار والعناد.
تلك بعض الآداب الهامة في فقه العتاب، على الزوج أن يراعيها، وينبغي أن يعلم أن العتاب مع الزوجة لا يكون إلا في أمر ذي بال، لا أمر تافه؛ كأن تتأخر في إعداد الطعام قليلاً، أو تنقل كتابًا أو أوراقًا هامة أو غير هامة من مكان إلى جواره، ويسهل إرجاعه بلا جهد، أو تغير في تنظيم الأثاث... أو تعطي جارتها عارية، فيأتي الزوج كثير العتاب فيقول لها معاتبًا: يا فلانة...، الله يهديك!! لماذا نقلت هذا؟ ولماذا غيرتِ هذا؟ ولماذا أعطيت هذه؟ ولماذا تأخرتِ في هذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
وإذا قيل له: لماذا العتاب في هذا الأمر التافه؟!
قال: حتى تتعود الانضباط!!
وإذا رأت بعثرة وتركتها، أو بكرت قليلاً في تجهيز المائدة، أو منعت عن محتاج حاجته حتى تستأذن...، قال لها: لماذا لم تنظمي هذا؟ ولماذا تعجلت في هذا؟ ولماذا منعت عن هذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
وتنهال على المسكينة سيول من الرمي بسوء التصرف!! مع أن الأمر يسير، والاستدراك إن كان ـ غير عسير ـ لا يحتاج إلى هذه العتابات، و"اللماذات": ولماذا ولماذا...
وليعلم الزوج أن كثرة العتاب وبخاصة في الأمور التافهة تنغص على الزوجة عيشتها، فليكن الزوج حكيمًا في إنزاله على منازله، وفي المناسب، بالأسلوب الملائم... والعتاب في الأمور التافهة يصيب المرأة بالتوتر وقلق الأعصاب؛ لأن سياط العتاب تلاحقها، وعصا التأنيب أمام ناظرها، وهي معاتبة على كلا الأمرين؛ إن أقدمت، قال: الإحجام هو الصحيح، وإن أحجمت، قال: الإقدام هو الصحيح.
فيصيبها شلل في التفكير، وتخلف في تدبير الأمور، وقتل لطاقات الإبداع. ومن ثم يكون النفور بدل حب القدوم... فأين هذا من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن أنس رضي الله عنه قال: ((خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلتُه: لمَ فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟))([1]). يا أيها الأزواج، العفو العفو، والصفح الصفح، وإلا فليلتزم بآداب العتاب"([2]).
وينبغي للزوج أيضًا ألا يكثر الخصومة مع زوجته لاسيما إن كان بدون مبرر مقبول، أو يفجر في خصامه بدون ضوابط شرعية ولأسباب تافهة أو بسبب العند أو الكبر.
إن على الزوج العاقل أن يترفع عن السفاسف والمحقرات، وأن يكون واسع الصدر، يسعى في حل مشاكله بتؤدة وسكينة ونظرة عميقة في الأمور دونما تهوين أو تهويل. إن طول مدة الخصام بين الزوجين تسقط الهيبة، وتقتل الاحترام، وتغتال المودة والرحمة، وربما تفاقم الأمر إلى ما لا تحمد عقباه.
وعلى الزوج العاقل أيضًا ألا يعطي الأمور أكثر مما تستحق، ولاسيما وهو يدرك أن الخلافات لا يخلو منها أي بيت، ولكن بالحب وغض الطرف عن الهفوات والأخطاء، والمبادرة بالصلح والإصلاح تزول الشحناء وتقل الخلافات داخل البيت.
ثم ما ذنب الأولاد الذين يعيشون في جو خانق مشحون دائمًا أو غالبًا بالشجار والخصام والسباب والفضائح أمام الجيران؟! ما ذنبهم أن ينشأوا معقدين، أو كارهين للزواج بسبب والديهم أو أحدهما؟!
وعلى الزوج العاقل أيضًا، ألا يطيل النقاش مع زوجته إذا وجدها وصلت إلى درجة من الغضب أو العصبية التي من شأنها زيادة المشاكل وليس حلها. بل يعرض عن الحديث أثناء ذلك، ويصرف النظر إلى موضوع آخر حتى يجد وقتًا مناسبًا آخر للنقاش أو العتاب اللطيف أو النصيحة الجميلة.


([1]) متفق عليه.

([2]) كيف تسعد زوجتك ص152ـ 155.



([1]) عوان: أي أسيرات.

([2]) رواه البخاري ومسلم.

([3]) روضة العقلاء ص72.



أم عبد الله 27-07-2009 10:26 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
فصل
الخلافات أمور طبيعية([1]):
ينبغي أن يكون المرء واقعيًا فلا يحلق في آفاق المثل الخيالية، فيحلم بحياة لا خلافات فيها ولا مشاكل، ولا أخطاء ولا تقصيرات إن ذلك الحلم وهم وسراب يجافي الواقع البشري، ويصادم الطبع الفطري.
فلابد أن تتعرض الأسرة لهزات داخلية أو خارجية، بحدوث خلافات بين الزوجين، ووقوع تقصيرات من أحد الجانبين، ولا عجب في هذا ولا عيب، إنما العيب في تطور الخلاف، وبُعد الشقاق، والتقيء بسوء الأخلاق، والتمادي في الغي دون محاسبة النفس ومراجعتها.
كذلك قد تتعرض الأسرة إلى عواصف خارجية هوجاء، تثير الأراجيف والإشاعات، وتنشط بالنميمة بين الزوجين، وتجسم العيوب...
فينبغي للزوج المسلم أن يكون حليمًا صبورًا، متأنيًا مترويًا، لا يغتاله الغضب، ولا يدفعه العجل، بل يكظم غيظه ويعالج بلا عنف. ويتأنى في أمره، ويتثبت بلطف، يلتمس المعاذير، ويراعي طبائع النفوس، وإذا آخذ لا محالة، فيؤاخذ بالحق، ويتجرد من هوى النفس، ويلتزم بحدود الشرع. هكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة زوجاته.
لا تغضب لنفسك:
ينبغي للزوج المسلم أن يقتفي أثر رسوله صلى الله عليه وسلم في العشرة الزوجية وغيرها، فيميز بين الإساءات التي وقعت؛ أهي إساءات شخصية في حقه لا تتعداه؟ أم هي إساءات دينية في حق الله، وحق الغير؟ فإن كانت الأولى حلم وصبر، وعفا وصفح، وإن كانت الثانية غضب في الله دون أن يتجاوز الحدود.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط، إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى"([2]).
وإليك هذه المواقف العملية، التي تجلي العظمة النبوية:
حدث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عائشة كلام، حتى دخل أبو بكر رضي الله عنه حكمًا بينه صلى الله عليه وسلم وبينها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تكلمي أو أتكلم؟)) فقالت: تكلم أنت، ولا تقل إلا حقًا، فلطمها أبو بكر رضي الله عنه حتى أدمى فاها، وقال: أَوَ يقول غير الحق يا عدوة نفسها؟!، فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا لم ندعك لهذا، ولم نرد منك هذا))([3]).
وقالت عائشة رضي الله عنها مرة وقد غضبت: "أنت الذي تزعم أنك نبي؟!"، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل ذلك حلمًا وكرمًا. ما أحلمه صلى الله عليه وسلم! وما أعظمه زوجًا!
لقد حلم صلى الله عليه وسلم وصبر، وعفا وصفح؛ لأن الإساءة شخصية لا تتعداه صلى الله عليه وسلم ، فلم يغضب لنفسه، فأين هذا من غضب كثير من الأزواج إذا تأخرت زوجاتهم في إعداد الطعام في أوقاته، أو قصرت قليلاً في إتقانه، أو أهملت شيئًا ما في النظافة، أو أحدثت ضوضاء وقت الراحة، أو قالت له كلمة فيها إساءة شخصية، كأن تقول وقت غضبها: أنت بخيل، أو مسرف، أو لا تحسن عشرتي، ولا ترعى فيَّ حق الإسلام، أو أتزعم أنك داعية؟! أو أنك أناني تحب مصلحتك ولا ترعى شئون غيرك...
فكل ذلك أمور شخصية لا تستدعي ثورة ولا غضبًا، ولا عصا ولا سبًا. أما إذا كانت الإساءات انتهاكًا لحرمات الله، أو جرحًا للغير لزم الغضب بحدوده.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: "حسبك من صفية كذا وكذا". قال بعض الرواة: تعني قصيرة. فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته!))([4]).
ومعنى "مزجته" خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه، لشدة نتنها وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "اعتل بعير لصفية بنت حيي، وعند زينب فضل ظهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب: ((أعطيها بعيرًا)) فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟ فغضب صلى الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر"([5]).
لما كان الخطأ غيبة في حق إنسان، ونهشًا لعرضه، وكبرًا ممقوتًا، واحتقارًا للغير، غضب صلى الله عليه وسلم لحق الله تبارك وتعالى، ودفاعًا عن أعراض المسلمين.
فللزوج المسلم أن يغضب إذا أخرت زوجته الصلاة عن وقتها، أو خاضت في أعراض الناس، فتذم هذه، وتقدح في تلك، وتتعالى على هذه، وتنتقص من شأن تلك، أو شاهدت أفلامًا سقاطة، وملأت سمعها بغناء خليع...

([1]) كيف تسعد زوجتك ص129ـ 133.

([2]) متفق عليه.

([3]) رواه البخاري.

([4]) رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حسن صحيح".

([5]) رواه أبو داود.



أم عبد الله 27-07-2009 10:27 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
لا يهتم بزينة نفسه ولا رائحته

إن الطبائع السوية والفطر المستقيمة تحب الجمال في كل شيء، والله تعالى يحب الجمال كما ورد في الحديث: ((إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس))([1]).
ولذلك فإن المرأة تحب أن ترى زوجها طيب الرائحة، جميل المنظر، مهتم بملبسه كما يحب هو أن يرى منها، ويعجبها منه ما يعجبه منها.
ويخطئ الكثير من الرجال عندما يتجاهل ذلك من زوجته، ويظن أن المرأة يعجبها الرجل في كل أحواله، سواء أكان ثوبه قذرًا، أو رائحته خبيثة، أو غير نظيف، ولكن المرأة كائن حي له ذوقه ونظرته ومتطلباته كما للرجل بل ربما أكثر من الرجل، فلا ينبغي له أن يهدر إحساسها وذوقها بهذا التجاهل السخيف.
إنها تحس كما يحس الرجل، وأكثر مما يحسه في هذه الناحية، ولكن الحياء قد يمنعها من مواجهة الرجل بهذه العيوب التي تباعد بين قلبها وبينه، وتحرمها من متعة الانسجام الجنسي معه.
ولذلك كان سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "إني لأتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي" وهذا عملاً بقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228].
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو أشد الصحابة هديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ويقول: "أفلا تحبه من امرأتك؟".
إن اهتمام الزوج برائحته وحسن مظهره ونظافة بدنه من الأمور التي تحبب الزوجة في زوجها، وتجذبها إليه، وتجعلها تأنس بالجلوس معه، وتسر بالنظر إليه والقرب منه، مما يثمر تقوية وشائج الألفة والمحبة بينهما.
وأين اقتداؤنا برسولنا صلى الله عليه وسلم الذي كان أعطر الناس، وأطيبهم رائحة، وكان يحب الطيب ويأمر أصحابه، ولا يرده أبدًا، وكان ينهى عن رده كما جاء في الحديث: ((من عرض عليه ريحان فلا يرده أبدًا، فإنه طيب الريح، خفيف المحمل)) ([2]). وذلك يعني حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التزين والتطيب والجمال بصفة عامة.
(إن تزيُّن كل من الزوجين للآخر من أهم الأمور في سعادتهما الزوجية إذ يجعل في علاقتهما حيوية ويغمرها بالبهجة والسرور؛ لأن كلاً منهما يرى صاحبه في صورة جديدة وشكل جديد، يطردان بذلك من حياتهما الملل والسآمة لتكون الحياة كلها حركة وعملاً ونشاطًا.
وقد رُوي أنه دخل على الخليفة ـ الفاروق ـ رجل أشعث أغبر ومعه امرأته وهي تقول: لا أنا ولا هذا يا أمير المؤمنين. فعرف عمر كراهية المرأة لزوجها، فأرسل الزوج ليستحم، ويأخذ من شعره، ويقلم أظافره. فلما حضر أمره أن يتقدم من زوجته، فاستغربت ونفرت منه، ثم عرفته فقبلت به ورجعت عن دعواها، فقال عمر: "...وهكذا، فاصنعوا لهن، فوالله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزينَّ لكم".
هكذا ينهج الإسلام بأهله منهج تجديد العواطف والعلاقة الجنسية لاستبقاء الزوجة ريحانة البيت، تنشر في أرجائه البهجة والفرح والسرور، وتتجدد بذلك حيوية الرجل فلا يضعف طول الهجران، وذبول زهرة البيت، فهما من ثم يمد كل منهما الآخر بأسباب الحيوية والبهجة والقوة)([3]).
ومن وسائل النظافة والتجميل للزوجة الحرص على سنن الفطرة من تقليم الأظافر وحلق الإبط والعانة، وكثرة الاغتسال لاسيما في أيام الصيف حتى يزيل رائحة العرق الكريهة، ويقص شعره إلى غير ذلك مما يحبب الزوج إلى زوجته ما لم يخالف الشرع.
وفي حديث أم زرع المشهور قالت المرأة الثامنة مادحة زوجها: زوجي المسُّ مسُّ أرنب، والريح ريح زَرْنب. أي: أن زوجها إذا مسته وجدت بدنه ناعمًا كوبر الأرنب. وقيل: كَنَّت بذلك عن حسن خلقه ولين عريكته، بأنه طيب العرق لكثرة نظافته واستعماله الطِّيب.
فإذا كانت المرأة تصف زوجها بحسن التجمل والتطيب لها، دلَّ ذلك على أن هاتين الصفتين تلعبان دورًا كبيرًا عندها، بل عند كل امرأة؛ لأن الفطر السليمة تحب ذلك.
وهذه رسالة عتاب وحب من زوجة لزوجها تقول له فيها: (يا أبا عبد الله... إنك إنسان جانبت طريق النظافة في ملبسك وفي مظهرك، ولا أراك تستعمل فرشاة أسنان! أما السواك فإنه مفقود من جيبك منذ شهور وهو من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم! فأين النظافة التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ لا تغضب وراجع نفسك! ولو أصبح حالي مثل حالك، ماذا تفعل؟)([4]).

&&&


([1]) رواه البيهقي، وصححه الألباني "صحيح الجامع" برقم (1722)

([2]) رواه مسلم.

([3]) متعة الحياة الزوجية، إسماعيل عبد القادر ص65، 66.

([4]) رسائل متبادلة بين زوجين، عبد الملك القاسم ص22.



أم عبد الله 27-07-2009 10:27 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
يهددني كثيرًا بالزوجة الثانية
فهل هذا من معاشرة الزوجة بالمعروف؟
وغرس شعور الإحساس بالأمن والاستقرار!

(للزوج الحق في الزواج من أربع زوجات حسب منهج الشريعة الإسلامية، ووفق المنهج والضوابط التي أقرت ذلك من حيث القدرة على النفقة والعدالة وتوفر الإمكانيات المناسبة لهذا التعدد. ويتزوج بعض الرجال بزوجة أخرى لأسباب يرجعها إلى زوجته الأولى بأنها لم تحقق احتياجاته الفعلية أو أنها دفعته من حيث تدري أو لا تدري إلى هذا الزواج بسبب أخلاقها وتعاملها أو بسبب إفراطها في الغيرة والاستحواذ عليه ومحاسبته مما يدفعه إلى كره البيت والزوجة والبحث عن بدائل توفر له الراحة والطمأنينة.
وعلى الرغم من أن تلك الزوجة المفرطة في الغيرة أرادت ألا يتزوج عليها زوجها فقد دفعته إلى الزواج بسبب المبالغة في تصرفها. وبعض الرجال يبررون زواجهم من أخرى لأسباب تتعلق بمرض زوجاتهم، أو عدم التوافق في النظرة للحياة والمشاكل الزوجية الكثيرة. وفئة أخرى من الرجال ترى بأنه لا توجد مبررات محددة للتعدد بل طالما أن ذلك أمر مشروع فسوف يسلكه الإنسان رغبة فيما حلل الله واستغناء عما حرم الله. وآخرون منهم يرغبون في كثرة النسل والذرية الصالحة التي تدعو له بجانب العفاف والكفاف. ويلجأ بعض كبار السن إلى الزواج مرة أخرى بسبب إهمال زوجاتهم لهم وانشغالهنَّ مع أولادهن أو عدم قدرتهن على خدمتهم. وإذا انشغلت الزوجة بنفسها أو شغلها أولادها عن زوجها فسوف يصبح الزوج أسير ذكريات الماضي وتعيش معه الهواجس والأماني... نعم من حق الرجل أن يعدد وأن يتزوج أربع زوجات ولكن عليه أن ينهج منهج العدالة التي طلبها رب العالمين. قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا﴾ [النساء:3]([1]).
وتحت عنوان "رسالة من زوجة" تقول أم محمد:
(أعتقد بل أجزم أن كل امرأة مسلمة لا تعترض على مشروعية التعدد للرجل، ولكنها تعترض على طريقة تطبيقه من بعض الرجال واستخدامهم له، حيث أن بعضهم يرى في زواجه الجديد تخلصًا من حياته الأولى ويتغير كثيرًا في تعامله مع زوجته الأولى بل يعاملها معاملة سيئة إن لم يهملها ويتركها. ومثل هذه المواقف الشاذة والسيئة تجاه بيته الأول ومع زوجته الأولى وأولاده تقترن وتصاحب كل مواقف التعدد الزوجي وهذا ما يجعل المرأة قلقة جدًا ومتحفزة لزواج زوجها من أخرى خاصة في ظل معايشتها لتجارب فاشلة حولها جعلتها تكره التعدد ذاته؛ لأن بعض الرجال مع الأسف الشديد أهمل زوجته الأولى وأولادها، وانقاد إلى زوجته الثانية وبيته الجديد. وتردف أم محمد بأن حياتنا الحاضرة التي نعيشها على أرض الواقع فيها من المشاهد والشواهد الصور الواضحة.
فإهمال الرجل لبيته وزوجته الأولى وأولاده يخلف مشاكل كثيرة جدًا، وأنا مدركة ـ والكلام لأم محمد ـ أن للزوجة الأولى دور في سلبية الرجل فربما تدفعه إلى التصرفات الشاذة بسبب سوء تعاملها معه. ولكن على الرجل أن يتقيد بالدين وأن يكون أهلاً للتوفيق بين رغبته وحاجته إلى الزواج الثاني وبين حقوق الآخرين وألا يذر زوجته الأولى كالمعلقة ويهمل أولاده وأمانته.
والإنسان دائمًا مطالب بإعطاء الناس حقوقهم قبل أن يأخذوها منه عنوة في موقف عظيم يفر فيه معظم الناس عن أقرب الناس إليهم. قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: 34ـ 37].
وأنا أعرف رجلاً من أقاربي توفيت زوجته وتزوج بزوجة أخرى لم يحبها بينما هي أحبته من كل أعماقها وفُتِنَتْ به، فلم يطلقها وضحى بمشاعره وأحاسيسه مقابل ما تقدمه له من إكرام وإعزاز ومحبة. وكان يقول لي: ما أصعب عليَّ من اللحظات التي أرغب فيها مغادرة منزلي ثم ترجوني للبقاء معها، وكنت أجلس معها على مضض إكرامًا لمشاعرها... فهل يوجد رجل في مجتمعنا يلبس قيم هذا الرجل وأخلاقه أو شيئًا منها في تعامله مع زوجته؟ ربما جنس هذا الرجل موجود فقط ولكن نسبة وجوده ليست على المستوى المطلوب)([2]).
إن الخلق الطيب وحسن العشرة للزوجة ليس مثلهما شيء في تدعيم أواصر المحبة، والمودة بين الزوجين، وإضفاء المناخ الصحي النقي للسعادة الزوجية داخل البيت المسلم. ينافي ذلك تهديد الرجل زوجته بالزواج عليها بلا مبرر وبلا مقصد شرعي، اللهم إلا إحزانها والانتقام منها لتقصيرها مثلاً في بعض الأمور داخل البيت سواء كانت مستحبة أو واجبة.
ويخطئ الزوج تمامًا إذا اعتقد أن هذا الأسلوب من أساليب تقويم المرأة وإصلاح اعوجاجها.
إن الزوج المسلم الذي يحب الله تعالى ويخشاه، ينبغي أن يكون ذا قلب رقيق، وعاطفة جياشة، وحِسٍّ مرهف، ونفس حساسة، تشعر بآلام الغير حتى لو لم يصرح، فيشاركه في آلامه، ويخفف عنه أحزانه حتى لو لم يطلب، فما بالنا لو كان هذا الغير هو: زوجته حبيبته.
إن على الزوج المسلم أن يدخل السعادة والسرور على زوجته بكل قول أو فعل، لا أن يحزنها أو ينكد عليها، لاسيما إذا كان عامدًا متعمدًا فيأثم بذلك.
إن القلوب التي تهفو للقاء ربها في جنات عرضها السموات والأرض لتنأى بنفسها عن كل خلق ذميم وسلوك مشين، بل تتنافس مع غيرها في طلب مرضاة الله عزَّ وجلَّ، انطلاقًا من صدق المحبة لله تعالى، ومحبة ما يحبه الله تعالى.
فيا أيها الزوج الكريم:
إن كنت ترغب في التعدد، فادرس الأمر، وشاور من تثق به من إخوانك، أو استفت أهل العلم، ثم اعط قرارك وتوكل على الله، أما إن كنت لا ترغب فلا تعصِ الله في زوجتك، ولا تؤلمها فإن ذلك يؤذيها، وأذيتها حرام.
ولعل من أهم الآثار السلبية للتلويح بالتعدد:
1ـ إثارة الحزن والكآبة عند الزوجة.
2ـ غرس الإحساس بعدم الأمن والاستقرار مع الزوج، مما يحملها على بعض أفعال ربما تخالف الشرع، كأن تأخذ من ماله دون أن يأذن، ضمانًا لمستقبلها من أي شيء يحدث فيما بعد.
3ـ ليس هذا هو الطريق الشرعي لتأديب المرأة أو علاج نشوزها، وإلا لَدَلَّنَا عليه الشرع، لذلك فإن الرجل يأثم بهذا السلوك المشين.
4ـ كراهية المرأة للتعدد ـ وذلك بسبب سوء سلوك الرجل ـ؛ لأنه أصبح كالسوط المسلط على رقبتها، والعقوبة الزاجرة لها إن هي خالفت زوجها.
5ـ لا يخفى على كل عاقل لبيب أن ذلك السلوك ينافي المعاشرة بالمعروف ـ حتى وإن كان على سبيل المزاح ـ لما يثيره من الهم والحزن والغم لدى الزوجة([3]).


([1]) الشهد والشوك في الحياة الزوجية، صالح بن عبد الله العثيم ص206.

([2]) المصدر السابق، ص217، 218.

([3]) راجع بالتفصيل ذلك في رسالة "الرسائل التامات في تعدد الزوجات" للمؤلف.



أم عبد الله 27-07-2009 10:28 PM

رد: أشكُو إليكَ زَوْجي
 
كثيرًا ما يهددني بالطلاق،
ويؤلمني ذلك أكثر إذا كان أمام الأولاد
وأخشى أن أعيش معه في الحرام ونحن لا ندري،
وذلك بسبب كثرة التلفظ بالطلاق

من المظاهر المؤسفة والخطيرة في حياتنا الأسرية جَعْلُ الرجل زوجته أداة يمين ليصدقه الناس حين يحلف، وكم من أسرة تشتت شملها بسبب يمين متسرع من الرجل، تطلق زوجته بسببه.
والأخطر من ذلك أن تكون الزوجة طالقًا ويعيش زوجها معها في الحرام، إما لأنه لا يفقه أحكام الطلاق، أو بسبب فتوى جاهل لا يعلم من فقه الطلاق إلا اسمه، لذا فإن التهاون بشأن الطلاق مزلق خطير ونتائجه وخيمة.
ومن مظاهر سوء خلق الرجل: إطلاق العنان للسانه بكثرة الحلف بالطلاق أو تهديد زوجته به بين الحين والآخر، وهذا أيضًا من سوء عشرته لزوجته؛ فهي دائمًا تعيش في قلق تخاف أن تتكلم أو تعمل شيئًا يهددها بسببه بالكلام أو تخشى أن تعيش معه في الحرام وهي لا تدري، فلماذا يجعل الرجل زوجته تعيش في هذا القلق وعدم الاستقرار؟!!
وفي أحيان كثيرة عندما يقع الطلاق، يندم الزوج بعد أن كان يعيش حياة مستقرة ترفرف عليها السعادة والطمأنينة، بسبب نزوة غضب رعناء، أو عندما يعمى بصره، ويطيش بعقله.
وقد يبدأ يبحث عمن يفتيه في إمكانية الرجعة، أو أن الطلاق لم يقع لسبب أو لآخر، ويبدأ في تَلَقُّت الرخص من هنا وهناك، مع أنه كان في غنى عن ذلك من البداية لو أنه اتقى الله تعالى في زوجته، وحكَّم عقله، ولم يجعل للشيطان عليه سبيلاً ويخطئ الرجل كثيرًا عندما يلوك لسانه بلفظ الطلاق كثيرًا لاسيما أمام أولاده، فإما أن يتعلموا منه ذلك الخلق الذميم، أو يحدث عندهم عُقد نفسية من الزواج أو من الرجال بالنسبة للبنات.
ومن النتائج الوخيمة التي تنتج عن كثرة الاستهتار بلفظ الطلاق، وهو وقوعه عند أي موقف غاضب أو مشكلة والطلاق (ليس للتسلية، ولا لتنفيس الغضب، كما يفعل بعض الأزواج الجهلة، الذي يوقع أحدهم "الطلاق" على الزوجة، عند أي خلاف أو غضب، فتثور عصبيته الحمقاء، فلا يرى مهدئًا لها سوى "الطلاق"، أو يريد فرض رأيه على زوجته، وإرغامها على فعل ما يريده، فيحلف عليها يمين الطلاق مُعَلَّقًا، مثل: إن فعلتِ كذا أو ذهبتِ إلى بيت كذا، فأنت طالق.
فهؤلاء أساءوا استعمال حق التطليق، الذي جعله الشرع بيد الزوج، لإزالة عصمة النكاح، عند وجود الحاجة، لا تبعًا للهوى، واستجابة للترفه والجهل والانفعال، وجعلوا من الطلاق وسيلة إرهاب وابتزاز، خلافًا لحكمة الشرع الحنيف، الذي جعل الطلاق علاجًا لمُعضلة الخلاف بين الزوجين، لا سببًا لمعضلات أخرى. وهنا نوصي الأزواج ونذكرهم بتقوى الله عز وجل، وبأن يراعوا حدود الله تعالى فيما شرع من أمر الطلاق، فلا يجعلوا "الطلاق" أُلعوبة على ألسنتهم، أو وسيلة تهديد وإرهاب للزوجة، ولا يتلفظوا بالطلاق، إلا حين الرغبة في التفرق وإنهاء الحياة الزوجية، ويتأكد أن يحصل التطليق ويُسَجَّل في المحاكم الشرعية؛ لأنه أضمن للحقوق، وأحفظ وأثبت)([1]).
وتحت عنوان "كثرة التلويح والتهديد بالطلاق"، يقول الدكتور سعيد عبد العظيم:
"وهذا لون من سوء معاشرة الزوجات؛ فعندما تسمع المرأة كلمة الطلاق على لسان زوجها بلا سبب موجب يهون عليها الأمر، وتستشعر عدم الأمان بل وفي لحظات الطيش والانفعال قد تستفز زوجها وتستثيره لإيقاع الطلاق عليها. الأمر الذي تتخرب بسببه البيوت والأسر ويكون سببًا لضياع الأولاد بسبب الاستهانة بمثل هذه الكلمات التي نرددها في غير موضعها الصحيح.
وقد ذكرنا كيف أن الشيطان يفرح بطلاق وفراق الرجل امرأته بل ويقول لمن آتاه بالخبر من أعوانه أنت أنت.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله فقيل له: يكثر بين الناس عندنا الحلف بالطلاق والحرام فما حكم ذلك؟ فأجاب بقوله: (أما الحلف بالطلاق فهو مكروه لا ينبغي فعله لأنه وسيلة إلى فراق الأهل ـ عند بعض أهل العلم ـ ولأن الطلاق أبغض الحلال إلى الله فينبغي للمسلم حفظ لسانه من ذلك إلا عند الحاجة إلى الطلاق والعزم عليه في غير حال الغضب. والأولى الاكتفاء باليمين بالله سبحانه إذا أحب الإنسان أن يؤكد على أحد من أصحابه أو ضيوفه للنزول عنده للضيافة أو غيرها، أما في حالة الغضب فينبغي له أن يتعوذ بالله من الشيطان، وأن يحفظ لسانه وجوارحه عما لا ينبغي، أما التحريم فلا يجوز سواء كان بصيغة اليمين أو غيرها لقول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] الآية. ولأدلة أخرى معروفة ولأنه ليس للمسلم أن يحرم ما أحل الله له، أعاذ الله الجميع من نزغات الشيطان")اهـ.
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/61): وفي قوله صلى الله عليه وسلم ((إن شاء أمسك وإن شاء طلق))؛ دليل على أنه لا إثم في الطلاق بغير سبب لكن يكره للحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق))([2])، فيكون حديث ابن عمر لبيان أنه ليس بحرام، وهذا الحديث لبيان كراهة التنزيه. قال أصحابنا: للطلاق أربعة أقسام؛ حرام ومكروه وواجب ومندوب، ولا يكون مباحًا مستوى الطرفين.
فأما الواجب: ففي صورتين: وهما في الحكمين إذا بعثهما القاضي عند الشقاق بين الزوجين ورأيا المصلحة في الطلاق وجب عليه الطلاق، وفي المولي إذا مضت عليه أربعة أشهر وطالبت المرأة بحقها فامتنع من الفيئة والطلاق، فالأصح عندنا أنه يجب على القاضي أن يطلق عليه طلقة رجعية.
وأما المكروه: فأن يكون الحال بينهما مستقيمًا فيطلق بلا سبب وعليه يحمل حديث: ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق)).
وأما الحرام: ففي ثلاث صور:
أحدها: في الحيض بلا عوض منها ولا سؤالها.
والثاني: في طهر جامعها فيه قبل بيان الحمل.
والثالث: إذا كان عنده زوجات يقسم لهن وطلق واحدة قبل أن يوفيها قسمها.
وأما المندوب: فهو أن لا تكون المرأة عفيفة أو يخافا أو أحدهما أن لا يقيما حدود الله أو نحو ذلك. والله أعلم.
ولا يصح العبث بهذا اللفظ في أوقات المزاح والمرح؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن طلاق الهازل يقع كما أن نكاحه يصح، لما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث جِدُّهن جِد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة))([3])، كما يحرم عليه التلاعب بكتاب الله والتطليق بالثلاثة دفعة واحدة وتحتسب طلقة واحدة.
والزواج في شريعتنا ليس زواجًا كاثوليكيًا بحيث يجبر الإنسان على معاشرة من يبغض ويكره، ولا يحدث الطلاق إلا إذا اتهم زوجته بالزنا بهتانًا حتى يجيزوا له فراقها، وفي ذات الوقت يجب علينا أن نتقي الله في هذه الرابطة وهذا الميثاق الغليظ ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾ [النساء: 21]. وهو العهد والزواج بين الرجل والمرأة فلا ينبغي الإخلال بها والتهوين من شأنها. وكل أمر من شأنه أن يوهن ويضعف من هذه الصلة فهو بغيض إلى الإسلام، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من خبب (أفسد) امرأة على زوجها))([4]). وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها (أي لتخلي عصمة أختها من الزواج لتحظى بزوجها ولها أن تتزوج زواجًا آخر) ولتنكح: فإنما لها ما قُدر لها))([5]). وعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنة))([6]).
وأحكام الطلاق موجودة ومفصلة في كتب الفقه، وحالات الطلاق التي تحدث لابد من الرجوع فيها لعلماء الأمة المعتبرين حتى يتم التعرف على اللفظ الذي قيل ونية المطلق وحالته وقت إيقاع الطلاق وهل طلق قبل ذلك أم لا.
فلفظ: "أنت طالق" أو "هي طالق" (صريح في إيقاع الطلاق ولا يفتقر لنية). وتعليق الطلاق على شرط كقول الرجل: "أنت طالق" (لو فعلت أو قلت كذا) مرده لنية القائل؛ فإن قصد به الطلاق كان طلاقًا إذا حدث الشرط وإذا كانت نيته التهديد والوعيد ويشق عليه فراقها ولا ينوي طلاقها (فهذا يمين يكفره كفارة يمين بأن يطعم عشرة مساكين فإن لم يستطع يصوم ثلاثة أيام)، ثم الصيغة الثالثة (عليَّ الطلاق أو الطلاق يلزمني) فهو يمين باتفاق العلماء يكفره كفارة يمين. والكنايات تفتقر لنية مثل قول الرجل: الحقي بأهلك أو أنت حرام عليَّ. والمرأة إذا طلقها زوجها طلقات ثلاثة تَبِين منه بَيْنُونة كبرى ولا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ولا يصح نكاح التحليل فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلِ والمحلَّلَ له. وقول الرجل لامرأته: "طالق طالق طالق" لابد من معرفة هل يقصد بتكريره اللفظ تأكيد الطلقة الأولى فتحسب طلقة واحدة، أم أنه يقصد تأسيس طلقة ثانية وثالثة.
وإيقاع الطلاق غالبًا لا ينفك عن الغضب وهذا الغضبان قد لا يتصور ما يقول وبالتالي فلابد من السؤال عن حالته وقت إيقاع الطلاق. يقول ابن تيمية: "حقيقة الإغلاق (يقصد رواية لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)([7]) أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به كأنه انغلق عليه قصده وإرادته. قال: ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون ومن زال عقله بسكر أو غضب، وكل ما لا قصد له ولا معرفة له بما قال. والغضب على ثلاثة أقسام:
1ـ ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقًا بلا نزاع.
2ـ ما يكون في مبادئه حيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده فهذا يقع طلاقه.
3ـ أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية ولكنه يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زاد فهذا محل نظر وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه.اهـ. والمحاكم عندنا في مصر تعمل بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الطلاق)([8]).
وفي الختام ننصح كل مسلم أن يتقي الله تعالى في نفسه أولاً، ثم في أهله، وأن يتعقل عند كل تصرف يريد أن يتصرف فيه لاسيما فيما يتعلق بالطلاق. وليحذر أشد الحذر التساهل في إطلاق الطلاق، وجريانه على اللسان، فإن ذلك أمر خطير، فلا يتعجل في هذه الأمور، وأن يصبر، وينظر في عواقب الأمور من قبل أن يندم.

([1]) أصول المعاشرة الزوجية، القاضي الشيخ محمد أحمد كنعان ص192، 193.

([2]) حديث ضعيف. قال ابن عثيمين رحمه الله: لأنه لا يصح أن نقول حتى بالمعنى "أبغض الحلال إلى الله" لأن ما كان مبغوضًا عند الله فلا يمكن أن يكون حلالاً. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (2/647).

([3]) قلت (المؤلف): حسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (3027).

([4]) رواه أبو داود والنسائي. قلت (المؤلف): وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (5437).

([5]) قلت (المؤلف): رواه البخاري، وأبو داود.

([6]) رواه أصحاب السنن، وحسنه الترمذي. قلت (المؤلف): وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (2706).

([7]) وقد فسر جمع من أهل العلم منهم الإمام أحمد رحمه الله الإغلاق: بأنه الإكراه والغصب. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (2/648).

([8]) وعاشروهن بالمعروف ص68ـ 72.




الساعة الآن : 01:58 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 119.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.60 كيلو بايت... تم توفير 0.52 كيلو بايت...بمعدل (0.43%)]