ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى العلمي والثقافي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=54)
-   -   تجربتي مع الغناء! (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=242636)

ابوالوليد المسلم 11-10-2020 02:29 AM

تجربتي مع الغناء!
 
تجربتي مع الغناء!


علي صالح طمبل







انبعَث صوت مغنٍّ من أولئك المغنين الذين يُفرض عليك سماعُهم في الحافلات العامة والمطاعم، وعند زيارة أحَدِ الأقارب أو الأصدقاء، فأعادني إلى سنواتٍ مضَتْ كان فيها الغناءُ على رأس أولوياتي، وأقرب إلى المسلَّمات في حياتي.

تذكرتُ إخوة لي - أحسبهم من الصالحين - كانوا يناقشونني في حُرمة الغناءِ، فأرُدُّ عليهم مجادلاً في استماتة عن أهمية الغناء، وكونه من الأمور التي لا غنى عنها، وأن الموسيقا فيها شفاءٌ للناس، وربما استدلَلْتُ حينها بقول الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، وبأحاديث مثل: ((إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ))[1]، و(روِّحوا عن أنفسكم، ساعة فساعة)، وغيرها من الآيات والأحاديث التي يتشبَّثُ الكثيرونَ بها في جدالهم الذي يحاولون به عبثًا أن يُقنِعوا أنفسَهم بأن ما يفعلونه هو الصحيحُ، مع أنهم في كثيرٍ من الأحيان قد لا يكونون مطَّلعين على تفسيرِ ما يقولون، وربما استدلُّوا بأحاديث ضعيفةٍ؛ فيقعون في الاستشهاد الخاطئ؛ لتكون المحصلةُ هي الفتوى بغير علم، وقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أجرَؤُكم على الفُتيا أجرَؤُكم على النار))[2].

كنت ألجأ مِثلَ الكثيرين إلى الغناء لأتناسى به همومَ الدنيا ومشاكلها، ولكنني في حقيقة الأمر لَم أزدَدْ إلا همًّا على هم، وغمًّا على غم؛ إذ إن أغلبَ شعراء الأغاني لا عملَ لهم سوى تذكير الناس بالهموم، وإثارة المواجع والأحزان، ويستمرئون إضفاءَ المعاناة على تجارِبِهم؛ ليُعطوها طابعَ المأساة، ويتلذذون بتصوير أنفسهم ضحايا للحرمان والظروف التي حالت دون أحلامِهم الصغيرة، فيستدرّون بذلك عطفَ المساكين وتعاطُفَهم!

ومما يؤسَفُ له أن الغناءَ في كثير من المجتمعات يعتبر أمرًا معتادًا، بل جزءًا من الحياةِ اليومية، فحتى مَن لا يهوى الاستماع يُرغَم عليه عبر المذياع أو المسجِّلات أو التلفاز، حتى كاد الغناءُ يُصبِح من المسلَّماتِ التي يصعُبُ الاستغناءُ عنها؛ لأن الكثيرين نشَؤوا عليه، ووجَدوه أمامهم، وبالمقابل قلَّ أن تجدَ من يستمع إلى شريط للقرآن، أو يفتح قناة إسلامية ليستمعَ إلى محاضرةٍ دينية، وما ذلك إلا للابتعادِ عن دِين الله تعالى.

ولكن دينَنا الحنيفَ علَّمنا أن الحق لا يُعرَف بكثرةِ متَّبعيه، وإنما بموافقته لما جاء به اللهُ - جل وعلا - ورسولُه المعصوم - عليه الصلاة والسلام - فقد قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 116].

ومضت الأيامُ، وتوالت الأشهرُ والسنوات، لتتوثَّق علاقتي بالقرآن - بفضل الله، عزَّ وجلَّ - الذي سخَّر لي بعض الصالحين ليأخذوا بيدي إلى هذا الطريقِ القويم: طريقِ القرآن والسنَّة النبوية، فكان أن وجدتُ في كتاب الله - جلَّ وعلا - وسنَّة رسولِه - صلوات الله وسلامه عليه - ما أغناني عن كلِّ غِناءٍ وكلِّ صخَبٍ، وما أراحني من الهمومِ والغموم والأحزان التي كانت تُلاحِقُني، فلا أستطيع منها فَكاكًا، وكما قال الله - تعالى -: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

وشيئًا فشيئًا وجدتُني أقلِّلُ الاستماع إلى الأغاني، إلى أن تخلَّيْتُ عنها تمامًا في آخر الأمر، بل صرتُ أشمئزُّ من صوت المغني الذي صار يُشعِرُني بالضِّيق والغثيان، وكأنه يمزِّق أحشائي بصوته، فسبحانَ مغيِّر الأحوال! وقد صدَق القائلُ: (اثنان لا يجتمعانِ في قلب مؤمنٍ: القرآنُ والغِناء)، فمَن يستحسن الغناءَ يشمئز من القرآن، والعكس صحيحٌ.

إنها تجرِبةٌ خاصةٌ، أردتُ من القارئِ الكريم أن يستخلصَ منها الدروسَ والعِبَر، ولعلها مؤشِّرات تُعينُ بعضَ مَن ابتُلوا بالغناء؛ لكي يقفوا مع أنفسِهم وَقْفةَ صِدْقٍ ومشافهة، ليبدؤوا خطواتٍ عملية لتوثيقِ علاقتِهم بكتاب الله وسنَّةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - بإخلاصٍ وتدبُّر وحضورِ قلب، فيختاروا بين كلامِ الرَّحمن، ومزمار الشيطان.



[1] رواه البخاري برقم (39).

[2] رواه الترمذي برقم (157).






الساعة الآن : 09:10 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.45 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.10%)]