ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ ( قراءة في الخطاب المنزل ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241118)

ابوالوليد المسلم 23-09-2020 02:11 AM

كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ ( قراءة في الخطاب المنزل )
 
كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ ( قراءة في الخطاب المنزل )


شريف محمد جابر




تأتي هذه القراءة الموجزة في الخطاب المنزّل (الكتاب والسنّة) لتعالج قضيّة مهمّة يعيش آثار الخلل في فهمها وتطبيقها العالمُ العربيّ والإسلاميّ بأسره.



فحين تشعّبت الأهواء، وتعدّدت الأطروحات والخطابات التي تخالفُ بشكل مباشر ما جاء في الخطاب المنزّل، كان لا بدّ من العودة إلى هذا الخطاب؛ ليرى القارئ الكريم كيف تتناسق النصوص القرآنيّة والحديثيّة وتتآلف بشكل يبعثُ على التقدير والامتنان الكبيرين لحملة هذا الدين ممّن نقل لنا تلك الأحاديث الشريفة من علماء الأمة رحمهم الله وجزاهم خير الجزاء؛ حيث لا يجد القارئ أيّ تصادم في معاني هذه الأحاديث، بل يراها تسير منسجمة في ركاب واحد، ووجهة واحدة، وطبيعة واحدة!



وحين تتعدّد الأطروحات البدعيّة التي تصبّ في عقل القارئ المسلم عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتتشعّب الأهواء وتتتابع الفتن في هذا العصر = يكون في التمسّك بهذا الخطاب المنزل مع تفعيل منهج أصول الفقه - كما هو عند أهل السنة والجماعة وكما أشرنا في أواخر المقال - خير عصمة للمسلم المعاصر من الزلل والافتتان، ومن الوقوع في أعيان البدع وغوايات الأطروحات المضلّلة التي تعتمد التزييف والاجتزاء؛ بحيث تُبنى الأطروحة البدعيّة على نصّ واحد أو سياق من النصوص يُفهم بخلاف ما هو عليه، وبخلاف منهج أصول الفقه المعتبر، ويتمّ إسقاط النصّ على مناط مغاير للمناط الذي جاء فيه!



ومن ثمّ كان لا بدّ من العودة إلى الأصول، إلى الخطاب المنزّل كما جاء في الكتاب والسنّة؛ كي نحقّق البصيرة في الواقع، ونسير في درب الرشاد بعلم وهدى وكتاب منير.



• • •




جاء في صحيح البخاري باب "كيف الأمر إذا لم تكن جماعة": عن حذيفة بن اليمان: «كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر فجاءنا اللهُ بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم»، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن»، قلت: وما دخنه؟ قال: «قومٌ يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر»، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها»، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا»، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».



لقد قال الدجّالون المحرّفون للناس خلافًا لأمر الله ورسوله: اسمعوا لهذه "الفرق" التي حلّت بعد الخلافة وأطيعوها، واعتزلوا كل عمل إسلامي يسعى إلى إعادة وضع "الجماعة" المأمور به شرعًا! بل زعموا أنّ هذا الخطاب هو خطاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لأمّته، ولم يكتفوا بذلك، بل جعلوا الاعتزال مناقضا لأي عمل آخر نحو تغيير هذه الأوضاع رغم الأمر الربّاني الواضح في ذلك!



والحديث واضح في أنه أمرٌ للفرد المسلم: "فاعتزل تلك الفرق كلّها"، والاعتزال إسقاطٌ لشرعية الفرق الخارجة عن الجماعة، كما يعضد ذلك روايات أخرى سيأتي ذكرها، لكن نقول هنا: إنّ الأمر "بالاعتزال" لا يتناقض مع العمل للتغيير؛ فالمسلم يعتزل أوضاع "الفرقة"، ويعمل مع إخوانه المسلمين لإعادة أوضاع "الجماعة" المأمور بها شرعًا، فليس ثمّة تناقض بين الأمرين!



فالآيات تأمر بذلك:

قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]فأمر بالاعتصام على هيئة "الاجتماع" على الإسلام، ولم يأمر بمجرّد الاعتصام الفردي بالدين كلًّا على حدة، وإنّما بالاجتماع على ذلك وإنهاء حالة الفرقة، فهذا تكليف واضح لإنشاء شرعية "الجماعة".



وقال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13]، فأمر بإقامة الدين، وخاطب بذلك الجماعة كما في الآية السابقة، فهو خطابٌ جماعيٌّ للأمة في الآيتين يأمر بإقامة الدين من خلال الجماعة، وينهى عن الفرقة ويأمر بإسقاط شرعيّتها.


وفي ذم الفرق والتفرّق عن الجماعة جاءت هذه الروايات الصحيحة:


عن عبدالله ابن عباس عن الرسول - صلّى الله عليه وسلّم -: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلا مات ميتة جاهلية" (صحيح البخاري،وفي مسلم بألفاظ قريبة جدا).



وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خرج عن الجماعة ومات، مات ميتة جاهلية» (حديث صحيح، رواه مسلم).



وعن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات فميتته جاهلية! ومن خرج من أمتي يضرب برها وفاجرها، لا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدها، فليس من أمتي! ومن قتل تحت راية عِمِّيَّةٍ، يدعو لِلْعَصَبَةِ، أو يغضب لِلْعَصَبِيَّةِ، أو يقاتل للعصبية، فقتلة جاهلية» (حديث صحيح، أخرجه أحمد).



وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه ومات عاصيًا، إلخ»، (حديث صحيح، رواه ابن أبي عاصم، وابن حبان، والحاكم، ورواه البخاري، بنحوه، في الأدب المفرد بإسناد صحيح).



وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: «من نزع يده من الطاعة، فلا حجة له يوم القيامة، ومن مات مفارقاً للجماعة، مات ميتة جاهلية» (حديث صحيح، رواه أحمد، وابن أبي عاصم).



قلت: هذه الأحاديث كلّها تدلّ على وجوب وجود الجماعة، كما دلّت الآيات السابقة عليها، ولمّا كانت القاعدة أنّه "ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب" = كان العمل لإيجاد "الجماعة" بمفهومها الشرعي واجبًا شرعيّا.


فالخلاصة: أنّ الحديث الأول أعلاه أمر بالتزام الجماعة، فإن لم تكن جماعة أمر باعتزال كل ما يحلّ مكانها من "الفرق"، فهو خطاب فردي واضح باعتزال كل الأوضاع التي تحول بين الأمة وبين الاجتماع على الإسلام وإقامة الدين،، ومن ثم كان من مفهومًا جدّا أمره باعتزال فرق الباطل؛ لأنّ العمل لإقامة الدين من خلال الجماعة لا يتحقق في ظل بقاء هذه الفرق، فوجب إسقاط شرعيّتها.




لقد أوهم فقهاءُ الضلالة الناسَ بأنّ التعامل مع هؤلاء الحكام يكون بناء على: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع" كما جاء في رواية مسلم، ولم يدركوا أن هذا متعلق بالإمام الذي معه وصف "الجماعة" كما جاء وصف نفس الحالة في رواية البخاري: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم".



فمن خلال الجمع بين ثلاث روايات صحيحة للحديث نجد أنّ الحالة التي أمر بالتزام السمع والطاعة بها جاءت على النحو التالي:

في رواية مسلم: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع".



في رواية أبي داود: "إن كان لله خليفة في الأرض، فضرب ظهرك، وأخذ مالك، فأطعه وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة".



في رواية البخاري: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم".



فنفهم أنّ السمع والطاعة هو لخليفة المسلمين، ولمن معه وصف "الجماعة"، فهل هذه الفرق التي تجتمع اليوم على القوميّة العربية (كحزب البعث العربي نموذجا) وتقود الأمة بغير كتاب الله معها وصف الجماعة؟!



ويعضد ذلك كما قدّمنا تمام رواية البخاري؛ إذ سأله حذيفة: "فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»، ففي حال عدم وجود إمام للمسلمين ولا "جماعة" كان وصف الأنظمة القائمة مكانها بأنّها "فرق"، وكان الأمر باعتزالها، ثم كان الأمر - كما تبيّن الآيات والأحاديث التي أوردناها - بإنهاء حالة الفرقة وإقامة الجماعة التي تقيم الدين.



وثمّة فائدة مهمّة أخرى من روايات الخروج عن الجماعة التي ذكرناها في سياق واحد أعلاه، فقد جاء في الحديث الصحيح: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلا مات ميتة جاهلية" (صحيح البخاري، وفي مسلم بألفاظ قريبة جدا)، فكان الأمر بالصبر معلّلا بأن هذا الأمير معه صفة "الجماعة"، دلّ على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "فإنّه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية"، ومن ثم كان من العبث الأمر بالصبر وإعطاء السمع والطاعة لفرق خرجت هي عن الجماعة، واستباحت دماء المسلمين وأموالهم، وتولّت الكفار، وضيّعت أمن المسلمين ومقدّراتهم!



ثم تأتي الأحاديث الصحيحة دالة على إسقاط السمع والطاعة بالكليّة عن كل من تجاوز حالة الإتيان بالمعصية إلى حالة تعريف الأمة ما تنكر وإنكار ما تعرف، أي تعريفها الكفر وإنكار الإسلام عليها وتنحيته عن حياتها، فالحالات التي جاء الأمر بالتزام السمع والطاعة لها كما في حديث حذيفة أعلاه (بالإضافة إلى كونها "خلافة" و"جماعة") جاء في وصفها: "تعرف منهم وتنكر"، وكانت لها مناط السمع والطاعة، ولكن الحالات الأخرى هنا لها وصف آخر تماما وهو: "يعرّفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون" وكذلك: "يأمرونكم بما لا تعرفون، و يعملون بما تنكرونفالوصف هنا وصف آخر، وهو ليس مجرّد معصية يأتيها الحاكم فنكرهها، بل فيه معنى إضلال الأمة وحرفها عن مسارها في الدين؛ إذ يكون المعروف منكرًا ويكون المنكر معروفًا عند هؤلاء! بل جاء في رواية صحيحة عن عوف بن مالك الأشجعي أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: "تفترق أمّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمّتي قوم يقيسون الأمور برأيهم؛ فيحلّون الحرام ويحرّمون الحلال" (أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ورجاله رجال الصحيح)، فمن تكون هذه الفرقة إن لم يكن هؤلاء الذين يعرّفون الأمة ما تنكر وينكرون عليها ما تعرف من دين الله؟! (كالعلمانية والقومية واللبرالية وغير ذلك من الفرق الحاكمة)، نأتي إلى الروايات:

عن عبادة بن الصامت من رواية طويلة قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبا القاسم محمدًا يقول: إنه سيلي أموركم بعدى رجال يعرّفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله، فلا تعتلوا بربكم" (صحّحه الألباني في صحيح الجامع، والسيوطي في الجامع الصغير بألفاظ متقاربة وذكره ابن كثير في جامع المسانيد والسنن).



عن عبادة بن الصامت عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: "ستكون عليكم أمراء من بعدي، يأمرونكم بما لا تعرفون، و يعملون بما تنكرون، فليس أولئك عليكم بأئمة" (حسّنه السيوطي في الجامع الصغير).



عن عبدالله بن مسعود عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: "إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها قال ابن مسعود: يا رسول الله كيف بي إذا أدركتهم؟ قال: ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصى الله، قالها ثلاث مرات" (ذكره أحمد في مسنده بسند صحيح، وصحّحه أحمد شاكر، والألباني في السلسلة الصحيحة، والذهبي في المهذّب).



وإسقاط الطاعة في الروايات مطلقٌ؛ دلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام: "فلا طاعة لمن عصى الله"، فهي مطلقة، بخلاف قوله مثلا: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، فهنا قُيّد نزعُ الطاعة بالمعصية، ولكن يطاع في المعروف، أما في رواية عبادة فإسقاط الطاعة جاء مطلقا، أي إسقاط الشرعية عن الحاكم، دلّ عليه أيضا قوله في الرواية الثانية: "فليس أولئك عليكم بأئمة"، وهو واضح في إسقاط الشرعيّة، وإسقاطُ الشرعية وإنْ لم يكن يعني الخروج بمفهومه الذي حدّده الفقهاء وهو الخروج بقوة السلاح، فهو يعني دون أدنى شك ضرورة إسقاط شرعيّة الفرقة الحاكمة من خلال كل ما تستطيعه الأمة، ببيان عدم شرعيّتها، وبالعمل الحثيث الجادّ على إيجاد شرعيّة بديلة تحلّ مكانها، وتحقّق مفهوم "الجماعة" الشرعي بأنسب السبل وأقلها ضررا على الأمة.



ثم تأتي الأحاديث التي تشترط للصبر على الأمراء والتزام السمع والطاعة لهم شروطًا معيّنة مثل: "ما قادكم بكتاب الله"، أو: "ما أقاموا الدين"، وأنّهم لو نكصوا عن ذلك كان الواجب إسقاط شرعيّتهم، وكانت معاداتهم مشروعة:

عن أم حصين الأحمسيّة عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "إن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله" (صحيح ابن ماجة، وصحّحه الإمام الألباني).



عن معاوية بن أبي سفيان: "أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين" (صحيح البخاري).



عن أبي هريرة عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: "إنّ لي على قريش حقا وإنّ لقريش عليكم حقا ما حكموا فعدلوا وائتمنوا فأدوا واسترحموا فرحموا" (ذكره الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح، وصحّحه أحمد شاكر).



فما لم يقودوا الأمة بكتاب الله (كمن يقودها بالولاء القومي العربي بديلا عن الإسلامي، وبالتشريعات الغربية بديلا عن الشريعة الإسلامية)، وما لم يقيموا الدين = فلا سمع لهم ولا طاعة، وكان واجب الأمة هو العمل لإقامة الدين من خلال إقامة شرعيّة الجماعة التي تحلّ محلّ أوضاع الفرقة تلك، ويكون هذا العمل محكومًا بالنظر في مآلات الأمور، واجتناب أعلى المفسدتين؛ بحيث تتحقّق القدرة على ذلك دون إحداث مفسدة أكبر على الأمة في الدماء أو في الدين أو غير ذلك.

يتبع


ابوالوليد المسلم 23-09-2020 02:11 AM

رد: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟ ( قراءة في الخطاب المنزل )
 

ثم تأتي أهمّيّة الرواية الثالثة، رواية أبي هريرة؛ حيث أسقط الحق الذي لقريش - وهي جهة الحاكم -، وهو حق السمع والطاعة، وذلك بحدوث مناط يسوده الظلم الشديد وارتفاع الرحمة وخيانة الأمانة، وهو يُفَسّر في سياق حديث عُبادة الذي سبقه لتطابق الحكم فيهما، هذا المناط الذي في روايتي حديث عبادة، وحديث أبي هريرة مختلفٌ أشد الاختلاف عن المناط الذي أمر فيه بالصبر، كما جاء الروايات التالية:

عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها!»، قالوا: (يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟!)، قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»، (حديث صحيح، أخرجه مسلم)، فيكون الأمر على الشكل التالي:



وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا"؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية، أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم» (إسناده جيد قوي، أخرجه مسلم).



عن عوف بن مالك الأشجعي عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولى عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة" (صحيح مسلم).



وبالجمع بين الروايات يكون الأمر على الشكل التالي:

الرواية الأولى: المناط: (أثرة وأمور تنكرونها)، الحكم: (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم).



الرواية الثانية: المناط: (يسألونا حقّهم، ويمنعونا حقنا)، الحكم: (اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم).



الرواية الثالثة: المناط: (يأتي شيئا من معصية الله)، الحكم: (فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة).



فنجد هذا التناسق المحكم بين هذه الروايات الثلاث، يتجلّى في تطابق المناط - وإن كان بألفاظ مختلفة - مع تطابق الحكم فيه، وهو الصبر على الأثرة والمعاصي الفردية للحاكم، مع عدم نزع اليد من الطاعة، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال عدم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والأخذ على يده إن اشتدّ انحرافه من خلال أهل الحلّ والعقد كما تدلّ أحاديث صحيحة أخرى، لكنّه أمر هنا بالصبر، ولم يأمر بإسقاط السمع والطاعة أي بإسقاط الشرعية؛ لأنّهم أئمة يقيمون الدين ولكن يأتون شيئًا من المعاصي الفردية وبعض الأثرة سواء في تقسيم الأموال أو غير ذلك.



أمّا الروايات السابقة (روايتي عبادة ورواية ابن مسعود) فقد كان المناط مختلفًا، وبناء عليه كان الحكم مختلفا:

رواية عبادة الأولى: المناط: (يعرّفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون)، الحكم: (فلا طاعة لمن عصى الله، فلا تعتلوا بربكم).



رواية عبادة الثانية: المناط: (يأمرونكم بما لا تعرفون، و يعملون بما تنكرون)، الحكم: (فليس أولئك عليكم بأئمة).



رواية ابن مسعود: المناط: (يطفئون السنة ويحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها)، الحكم: (ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصى الله، قالها ثلاث مرات).



وهكذا يسقط السمع والطاعة في هذا المناط الذي هو درجة من الانحراف توجب إسقاط شرعية الحاكم، يضاف إلى هذه الروايات ما ذكرناه من رواية أم حصين الأحمسية التي جاء فيها الشرط واضحًا حاسمًا: "فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله"،فاشترط للسمع والطاعة قيادة الأمة بكتاب الله، ففهمنا من ذلك أنّه حين أمرَ بالتزام السمع والطاعة للإمام كان يتحدّث عن أئمة يقودون الأمة بكتاب الله دون أدنى شكّ، رغم ما يأتونه من معاص فرديّة ومنكرات وبعض الأثرة.



وبالإضافة إلى ما ذكرناه من أدلّة على أنّ نزع السمع والطاعة مطلقًا يعني إسقاط الشرعية عن الحاكم، أي: عدم اعتباره إمامًا شرعيّا مع العمل على تغييره، كما دلّ مفهوم النصوص المباشر، والنصوص الأخرى التي أكّدت المعنى، بالإضافة إلى ذلك فإنّ هناك دليلا ثالثا يؤكّد أن "نزع اليد من الطاعة" معناه إسقاط شرعيّة الحاكم ومشروعيّة منابذته، وضرورة العمل لتغييره بمن يقيم الدين ويحقّق الجماعة، وهو ما مرّ معنا قبل قليل من رواية عوف بن مالك الأشجعي عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولى عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة" (صحيح مسلم).



فقد سألوا الرسول - صلّى الله عليه وسلّم -: "يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك"؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة"، ثم قال: "ألا من ولى عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة"، فهم سألوه عن المنابذة، فبيّن لهم، ثم أمرهم بعدم نزع اليد من الطاعة، فكان مفهومًا أن "المنابذة" تعني "نزع اليد من الطاعة"، وأنه - - صلّى الله عليه وسلّم - - حين يأمر في أحاديث أخرى بنزع اليد من الطاعة، يكون ذلك إسقاطًا واضحًا لشرعيّة الحاكم، وتأكيدًا على ضرورة تغييره!



حقيقة إسقاط الشرعية، واجتيالُ المضلّين:

إنّ إسقاط الشرعية وإن كان مختلفًا عن الخروج على الحاكم بالقوة والسلاح، فهو شيء آخر مختلفٌ عن الصبر والتزام السمع والطاعة، إنّه جهد في سبيل تغيير المؤسّسة الحاكمة من خلال إسقاط شرعيّتها، والعمل على إيجاد شرعيّة بديلة تحقّق مفهوم "الجماعة"، وتقيم دين الله في الأرض، حتّى وإن كان ذلك عملا سلميّا تراكميّا، لا ينزع إلى قوة السلاح، لكن لا يجوز بجميع الأحوال أن تكون صفة "الجماعة" المأمور بها شرعًا معطّلة غائبة، وأن تكون صفة "التفرّق" هي السائدة مكانها، ثم لا يكون للأمة مع ذلك أدنى جهد في العمل لتغيير هذه الأوضاع! لا يوجد شيء في دين الله يسوّغ هذا التنصّل من تكاليف الشرع، ولا يمكن تبرير قول من يقول للأمة: اسمعي وأطيعي للفرق القائمة مكان الجماعة! واصبري ولا تقومي بأي جهد لإقامة دين الله وإقامة شرعية الجماعة! لا يمكن تبرير هذا القول؛ لأنّه مخالف لما أمر به الله عزّ وجلّ في كتابه، ولما ظهر بوضوح في السنّة النبويّة الشريفة.



لقد كان اجتيالُ المضلّين من أصحاب هذه الدعوات المخالفة للسنّة متمثّلا بوضع الأمة بين طرفين لا ثالث لهما: إمّا أن تصبروا وتسمعوا وتطيعوا ولا تفكّروا في شيء اسمه تغيير ولا عمل جماعي إسلامي لإقامة دين الله في الأرض، وإمّا أن تخرجوا بالسلاح، وهذا فيه ما فيه من الدماء والمخاطر على الأمة، فضلا عن كونه مشروطًا بظهور الكفر البواح، ثمّ ضيّقوا دائرة الكفر البواح بحيث لا يظهر عندهم إلا إن صرّح الحاكم بمقولة كفرية صريحة! فحتّى لو حكم النظام بشريعة غير شريعة الله، وبدّل الولاء الإسلامي وأحلّ مكانه الولاء القوميّ الجاهلي، فالكفر البواح عندهم لم يظهر بعد[1]!



وهكذا وضع هؤلاء المضلّون الأمة بين طرفين لا ثالث لهما، مع أن الأمر كما بيّنا ليس محصورًا في هذه الثنائيّة، ولقد ظهر خلال هذه القراءة الوجيزة تهافت قولهم بالصبر والتزام الطاعة لهذه الفرق التي خرجت من الجماعة ولم تُقم الدين، أمّا قولهم باستحالة الخروج بالقوة المسلّحة لِما فيه من مضار ومخاطر على الأمة، فهو وإن كان يحمل الكثير من الصحّة بناء على قواعد أصول الفقه كمعيار المصالح والمفاسد، وحدّ الاستطاعة ووجود القدرة وغير ذلك من الاعتبارات الفقهية،، رغم ذلك فهم يجعلونه – تزييفًا للحقّ - الوجه الآخر الوحيد للصبر والسمع والطاعة!



وكأنّما كان من المحتّم على هذه الأمة أن تخضع للتفرّق المنهيّ عنه شرعًا، وتتنازل عن واجب إقامة الدين وتحقيق شرعيّة الجماعة لمجرّد أنّها لا تستطيع الخروج المسلّح على هذه الفرق! وكأنّ الوسائل لإسقاط شرعيّة الحاكم بجهد يطول أو يقصر قد انعدمت، ووسائل العمل الجماعي لإقامة الدين وتحقيق الجماعة قد انعدمت،، ولكن أنّى لهم ذلك وهذا كتاب الله حاضرٌ وتلك سنّة رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - تبيّن لنا معالم الرشاد والهداية؟!



• • •




ثم أخيرًا لا بدّ من التأكيد على الوسائل المشروعة للتغيير - بالإضافة إلى ما مرّ معنا - كما هي في الخطاب المنزّل، فإنكار المنكر بل والعمل لتغييره هو واجب لا يجوز للأمّة أن تنفكّ عنه؛ لكثرة النصوص التي تأمر بذلك، حتى وإنْ كان الحاكم يُقيم الدين ويحقّق مفهوم الجماعة – كما سيأتي معنا - فلا بدّ من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى يعود إلى الجادة، وحتى لا ينحرف أكثر مما هو عليه، ولا بدّ من اعتزاله في حالات؛ لإظهار عدم الرضى عن حاله كوسيلة للضغط نحو التغيير، ولا بدّ من الأخذ على يده وتقويمه في حالات، وليس الأمر إمّا صبر وسمع وطاعة أو خروج بالسلاح كما يروّج المضلّون!



الأمر بالإنكار عليهم لردّهم عن منكرهم:

قال تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].



وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خطب فقال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105] سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنّ الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمّهم الله بعقابه"، (مسند الإمام أحمد، إسناده صحيح، صححه الإمام أحمد شاكر).



عن أم سلمة رضي الله عنها أنّه عليه الصلاة والسلام قال: "إنه سيكون عليكم أئمة تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، فقيل: يا رسول الله أفلا نقاتلهم ؟ قال: لا ما صلوا" (صحيح الترمذي).



عن جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، و رجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه، فقتله" (صحّحه السيوطي في الجامع الصغير، والألباني في السلسلة الصحيحة).



عن أبي قبيل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه صعد المنبر يوم القمامة فقال عند خطبته: "إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه"، فلم يجبه أحد، فلمّا كان في الجمعة الثانية قال مثل ذلك فلم يجبه أحد، فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن حضر المسجد فقال: "كلا، إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا"، فنزل معاوية فأرسل إلى الرجل فأدخله فقال القوم: "هلك الرجل"! ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال معاوية للناس: "إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون بعدي أمراء يقولون ولا يردّ عليهم، يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة"، وإني تكلمت أول جمعة فلم يردّ عليّ أحد، فخشيت أن أكون منهم، ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يردّ عليّ أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم! ثم تكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فردّ عليّ فأحياني أحياه الله"! (مجمع الزوائد للهيثمي: رجاله ثقات، وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة)، الشاهد: استدل الصحابي والخليفة معاوية بن أبي سفيان بقوله عليه الصلاة والسلام: "سيكون بعدي أمراء يقولون ولا يردّ عليهم، يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة" على فعل هذا الرجل الذي ردّ عليه ما قال ليردعه عنه، فارتدع معاوية رضي الله عنه واستجاب واعترف بخطئه وهذا من فضائله!



الأمر باعتزالهم كوسيلة للضغط وإظهار عدم الرضى عن حالهم:

عن عبد الله ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه عليه الصلاة والسلام قال: "سيكون أمراء تعرفون و تنكرون، فمن نابذهم نجا، و من اعتزلهم سلم، و من خالطهم هلك" (صححه الإمام الألباني في صحيح الجامع).



عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أنّه عليه الصلاة والسلام قال: "ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، و يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا" (صحّحه الإمام الألباني في صحيح الترغيب).



عن كعب بن عجرة: "خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن تسعة خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم فقال اسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه، وهو وارد علي الحوض" (سنن الترمذي، صحّحه أحمد شاكر والألباني وغيرهم ممّن سبقهم من المحدثين).



عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: "يهلك أمتي هذا الحي من قريش، قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم" (صحيح مسلم، وورد في صحيح البخاري بلفط "يهلك الناس").





والأخذ على أيديهم وتقويمهم لردّهم إلى الجادة ومنعهم من الانحراف أكثر من ذلك واجبٌ في حالات:

عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 78] إلى قوله ﴿ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 81] ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا" (رواه أبو داود وهو صحيح، وصحّحه أحمد شاكر في عمدة التفسير).



عن النعمان بن بشير عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" (صحيح البخاري).



وفي خطبة أبي بكر من رواية أنس بن مالك: "أما بعد، أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإنْ أحسنت فأعينوني، وإنْ أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذلّ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله" (ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وإسناده صحيح)، الشاهد: "فإنْ أحسنت فأعينوني، وإنْ أسأت فقوموني".



عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: "أول من بدأ بالخطبة، يوم العيد قبل الصلاة، مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (صحيح مسلم)، الشاهد: أن الصحابي الجليل أبا سعيد الخدري استدلّ بحديث التغيير باليد واللسان والقلب على مشروعية فعل الرجل، والرجل قد قام لمروان، ومروان خليفة يُقيم الدين لكنه أتى شيئًا منكرًا.



وعن عبدالله بن مسعود أنّه قال: "يكون عليكم أمراء يتركون من السنة مثل هذا، وأشار إلى أصل إصبعه، وإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى، وإنها لم تكن أمة إلا كان أول ما يتركون من دينهم السنة، وآخر ما يدَعون الصلاة، ولولا أنّهم يستحيون ما صلّوا" (أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص)، الشاهد قوله: "وإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى"، فهو دليل واضح أن للأمة دور في ردع انحراف الأئمة وردّهم إلى جادة السنّة.



وهكذا، ظهر لنا دجل المحرّفين المموّهين؛ فقد أوهموا الأمة - كما قلنا - أن واجبها تجاه الحكام أيّا كانوا هو مجرّد الصبر والسمع والطاعة، وأن الوجه الآخر لذلك هو الخروج بالسلاح! فتبيّن لنا أن هناك مناطات أخرى بين "الصبر" وبين "الخروج بالسلاح" وهي كما جاء معنا:

إنكار منكرهم والردّ عليهم لردعهم عمّا هم فيه من انحراف.



اعتزالهم وعدم مخالطتهم كوسيلة للضغط عليهم وإظهار عدم الرضى.



الأخذ على أيديهم بتقويمهم وردّهم إلى جادّة السنة والرشاد.



إسقاط شرعيّتهم بإسقاط حقّ السمع والطاعة.



العمل الجماعي للتغيير كتكليف شرعي، وذلك بإنهاء حالة الفرقة وتنحية الشريعة، وإيجاد شرعية الجماعة لإقامة الدين.



فهذه كلّها واجبات ثابتة راسخة في الكتاب والسنّة ولا يمكن النكوص عنها، حتّى وإنْ لم يكن هناك مجال للخروج المسلّح كما ذكرنا، فكيف غفل - أو تغافل - هؤلاء المضلّون عن هذا الخطاب المنزّل الواضح الناصع؟!




لا يسعُنا إلا أن نقول: صدق الله العظيم، وصدق رسوله الكريم - صلّى الله عليه وسلّم -، وكذب الدجّالون المخادعون!





[1] تحدّثنا عن معنى الكفر البواح وظهوره في دراسة بعنوان "المناطات المختلفة لعلاقة المحكومين بالحكام".






الساعة الآن : 04:00 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 52.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.18 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.26%)]