ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى النحو وأصوله (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=122)
-   -   حرف العطف: أم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=211395)

ابوالوليد المسلم 07-09-2019 01:22 AM

حرف العطف: أم
 
حرف العطف: أم



أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن









الحرف الخامس من حروف العطف: (أم)، وهي نوعان:

1- متصلة.

2- ومنقطعة، أو منفصلة.



أولًا: (أم) المتصلة.

(أم) المتصلة هي المسبوقة بكلام مشتمل على:

همزة التسوية[1]، وعلامة (أم) المتصلة بهمزة التسوية أن تكون متوسطة بين جملتين خبريتين، قبلهما معًا همزة التسوية[2]، وكلتا الجملتين صالحة لأن يحل محلها هي، والأداة التي تسبقها[3] مصدرٌ مؤول مِن هذه الجملة، فهما جملتان في تأويل مفردين، وبين هذين المفردين واو عاطفة تُغني عن (أم)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ[المنافقون: 6]، وقوله عز وجل: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة: 6] [4]، والتقديرُ: استغفارُك وعدمُ استغفارك سواء - إنذارك وعدمه سواء؛ ففي هاتين الآيتين قد توسَّطت (أم) المسبوقة بهمزة التسوية بين جملتين خبريتين، قبلهما معًا همزة التسوية، هما في الآية الأولى: (أستغفرت، لم تستغفر)، وفي الآية الثانية: (أأنذرتهم، لم تنذرهم)[5]، ومعنى هاتين الجملتين اللتين توسَّطت بينهما (أم) في الآيتين مختلف، كما هو واضح، وقبلهما همزة التسوية التي تدل على أن المعنيين المختلفين منزلتهما واحدة عند المتكلم[6]، ففي تقديره: يتساوى عندهم استغفارك لهم، وعدم استغفارك - يتساوى عندهم إنذارك لهم، وعدم إنذارك[7]، ويُلاحظ هنا أنه قد حل محل الجملة الفعلية الأولى في الآيتين (أستغفرت، أأنذرتهم)، ومعها همزة التسوية، مصدر مؤول مِن الهمزة والجملة معًا، هو مصدر الفعل المذكور فيها (استغفر، أنذر) مع إضافته إلى مرفوعه (تاء الفاعل)، فكان التقدير: (استغفارك، إنذارك)، وحل محل الجملة الفعلية الثانية في الآيتين: (لم تستغفر لهم، لم تنذرهم)، ومعها (أم)، مصدر مؤول هو مصدر الفعل المذكور فيهما (تستغفر، تنذر)، مع إضافته إلى مرفوعه، كذلك الضمير المستتر (أنت) في الفعلين، فكان التقدير أيضًا: عدم استغفارك، عدم إنذارك، ثم جاءت الواو بدلًا من (أم)؛ لتعطف المصدر الثاني المؤول على نظيره المصدر الأول المؤول، والتقدير: إنذارك لهم وعدم إنذارك سواء - استغفارك لهم وعدم استغفارك سواء عليهم، وفي هاتين الآيتين تُعرب كلمة (سواء) خبرًا مقدَّمًا، والمصدر المؤول مِن همزة التَّسوية وما بعدها مبتدأ مؤخَّر، أو على همزة يُطلب بها، وبـ(أم) تعيين أحد الشيئين[8]، وذلك كما يُطلب بـ(أي)؛ نحو: أزيد عندك أم عمرو؟[9] أزيدًا لقيت أم عمرًا؟ فالسائلُ هنا عالم يقينًا بأنَّ أحدهما عندك، لكنه جاهل بعينه[10]، وسؤاله بـ(أم) والهمزة عن تعيينه؛ فيُجاب عن ذلك بتعيين واحد مما تشتمل عليه الجملة، فيُقال في الجواب عن السؤال المذكور: زيد، أو يقال: عمرو، ولا يصحُّ أن يُقال في الإجابة: لا، ولا نعم، ولا بلى[11]، ولا أحدهما عندي، ومثال ذلك مِن كتاب الله عز وجل قوله تعالى: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ [النازعات: 27]، وقوله سبحانه:﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا ﴾ [الجن: 25] وقوله عز وجل: ﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا[الجن: 10]، ويُشترط في (أم) هذه أن تتوسَّط بين الشيئين اللذين يُراد تعيين أحدهما، فيقع قبلها واحد منهما، ويقع بعدها الآخر، كما في الأمثلة السابقة.



واعلم - رحمك الله - أنه إذا كان أحد هذين الشيئين منفيًّا تعيَّن تأخيره عن (أم) دون الآخر، كما سبق في (أم) الواقعة بعد همزة التسوية، وسميت (أم) في هذين النوعين متصلة؛ لوقوعها بين شيئين مرتبطين ارتباطًا كلاميًّا وثيقًا، لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا يستقيم المعنى إلا بهما معًا؛ لأن التسوية في النوع الأول، وطلب التعيين في النوع الثاني، لا يتحققان إلا بين متعدِّد، وهذا التعدُّد لا يتحقَّق إلا بما قبلها وما بعدها مجتمعين، وتُسمَّى أيضًا معادلة؛ لمعادلتها - أي: لمساواتها - للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول، وإفادة الاستفهام في النوع الثاني، ألا ترى أنك أدخلت همزة الاستفهام على أحد الاسمين اللذين استوى الحكم في ظنِّك بالنسبة إليهما، وأدخلت (أم) على الآخر، ووسطت بينهما ما لا تشكُّ فيه، وهو قولك في المثال المذكور: عندك[12]، ويجب في النوعينِ: أن يتأخَّر المنفي عن (أم) - كما أشرنا - مثل: سواء عليَّ أغضب الظالم أم لم يغضبْ، ولا يصحُّ: سواء عليَّ ألم يغضب الظالم أم غضب، وفي مثل: أمطر نزل أم لم ينزل؟ لا يصحُّ: ألم ينزل مطر أم نزل؟

وانظر: الهمع 2 / 132، والبرهان 4 / 185، والنحو الوافي 3 / 594.



و(أم) المتصلة بكلا نوعيها تعتبر عاطفةً، ويُقال في إعرابها: حرف عطف مبني على السكون، لا محل لها من الإعراب، وفي (أم) المتصلة بنوعيها يقول بن مالك رحمه الله:

وأم بها اعْطِف إثْر همْزِ التَّسويهْ *** أو همزةٍ عن لفظ (أيٍّ) مُغْنيه



قوله: إثر؛ أي: بعدَ، والهمزة المغنية عن لفظ (أي) هي الهمزة التي يُقصد بها وبـ(أم) التعيين على الوجه الذي شرحناه، وهذه الهمزة لا تُغني وحدها عن (أي)، وإنما تغني بشرط انضمام (أم)، فهما معًا يُغنيان عن (أي) التي تسدُّ مسدَّهما، وبهذا ينتهي الكلام على (أم) المتصلة بنوعيها، وذاكم هي بعض الفوائد التي تتعلق بها:

الفائدة الأولى: ذكرنا - فيما سبق - أن (أم) المتصلة بهمزة التسوية تكون متوسطةً بين جملتين خبريتين، وهاتان الجملتان إما أن تكونا:

1- فعليتين، وهو الأكثر، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [يس: 10] فـ(أم) هنا واقعة بين جملتين فعليتين، هما: (أنذرتهم، لم تنذرهم)، وهما - كما سبق - مؤولتان بمصدر، والتقدير: إنذارك وعدمه سواءٌ[13].



2- وإما أن تكونا اسميتين:

كقول الشاعر:

ولست أبالي بعد فقدي مالكًا *** أموتي ناء أم هو الآن واقع

فقد وقعت أم (هنا) بين جملتين اسميتين، هما: موتي ناء، هو واقع، وجملة (لست أبالي) تساوي تمامًا كلمة (سواء) في المعنى؛ ولذلك كان التقدير: لست أبالي نأي موتي ووقوعه الآن.



3- وإما أن تكونا مختلفتين، وذلك بأن تكون:

الأولى - وهي المعطوف عليها - فعلية، والثانية - وهي المعطوفة - اسمية، وقد استشهد لذلك ابن هشام رحمه الله بقوله تعالى عن الأصنام:﴿ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ[الأعراف: 193] [14]، وقد يكون الأمر بالعكس، فتكون الأولى اسمية، والثانية فعلية؛ نحو: لا يبالي المسلم في إنجاز العمل أرئيسه حاضر أم يغيب[15]، ومما سبق يتبيَّن أن (أم) المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية لا تعطف إلا جملة على جملة، وكلتا الجملتين خبرية بمنزلة المفرد؛ لأنها صالحة مع الأداة لأن يحل محلها مصدر مؤول، ولا شأن لها بعطف المفردات إلا نادرًا، لا يقاس عليه، ومن صور هذا النادر القليل الذي لا يُقاس عليه أن تتوسَّط بين مفرد وجملة؛ كقول القائل:

سواء عليك النَّفْر أم بت ليلة *** بأهل القباب من عمير بن عامر



أما أم المسبوقة بهمزة يطلب بها، وبـ(أم) التعيين فإما أن تقع بين:

مفردين متعاطفين بها، وهذا هو الغالب فيها، ومِن ذلك قوله تعالى: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ﴾ [النازعات: 27]، فقد وقعت (أم) هنا بين اسمين مفردين، هما: (أنتم) قبلها، والسماء بعدها، ومن ذلك أيضًا: قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ [الأنبياء: 109]، وقد تقع كذلك (أم) الواقعة بعد همزة التعيين بين جملتين ليستا في تأويل المصدر[16]، وتعطف ثانيتهما على الأولى، وقد تكون هاتان الجملتان فعليتين؛ نحو قول الشاعر:

فقمتُ للطيف مرتاعًا فأرقني *** فقلت أهي سرت أم عادني حلم[17]



ظاهر هذا البيت: أن (أم) وقعت بين جملة اسمية، وهي قوله: هي سرت، وفعلية وهي قوله:

عادني حلم، ولكن الصواب أن الضمير (هي) فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل (سرت)[18]؛ فتكون واقعةً بين جملتين فعليتين[19]، أو اسميتين، ومن ذلك قول الشاعر:

لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا *** شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر[20]



فقد وقعت (أم) في هذا البيت بين جملتين اسميتين، هما: الجملة الاسمية: شعيث ابن سهم، وهي مكونة من مبتدأ (شعيث) وخبر (ابن)، والجملة الاسمية الثانية: قوله: شعيث ابن منقر، وهي أيضًا مكونة من مبتدأ (شعيث)، وخبر (ابن)، وهمزة الاستفهام هنا محذوفة للضرورة، والتقدير: أشعيث ابن سهم... إلخ[21].



أو مختلفتين؛ نحو: أأنت كتبت رسالةً لأخيك أم أبوك كاتبها؟[22]

كما أن (أم) الواقعة بعد همزة التعيين قد تقع بين مفرد وجملة، ومِن ذلك: قوله سبحانه:﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا[الجن: 25][23].



فملخص ما يقال في (أم) المتصلة أنها تنحصر في قسمين:

قسم مسبوق بهمزة التسوية، ولا تعطف فيه إلا الجمل التي هي في حكم المفرد؛ لأن كل جملة منها مؤولة بالمصدر المنسبك، وقسم مسبوق بهمزة استفهام، يطلب بها، وبـ(أم) التعيين، وتعطف فيه المفردات حينًا، والجمل حينًا آخر، أو المفرد والفعل.



الفائدة الثانية: الفرق بين قسمي (أم) المتصلة:

تختلف (أم) الواقعة بعد همزة التسوية عن (أم) التي يراد بها وبهمزة الاستفهام التعيين في أربعة أمور؛ هي:

1- أن أم الواقعة بعد همزة التسوية لا تحتاج إلى جواب[24]، بخلاف الواقعة بعد همزة التعيين، فإذا قلت مثلًا: سواء علي أحضرت أم لم تحضر، لا يحتاج هذا الكلام إلى جواب، لكن إذا قلت: أمحمد عندك أم علي؟ فإنَّ الكلام هنا يحتاج إلى جواب يُعيِّن أحدهما عندك؛ لأن المعنى معها استفهام، ويُجاب عنه بالتعيين، فيقال: محمد أو علي، ولا يُقال: لا، ولا: نعم، ولا: بلى، كما تقدم.



2- الكلام مع (أم) الواقعة بعد همزة التسوية خبر يحتمل الصدق والكذب، ولكن الكلام مع (أم) الواقعة بعد همزة التعيين إنشاء، لا دخل للتصديق والتكذيب فيه؛ لبقاء الاستفهام على حقيقته.



3- (أم) الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين[25]، ولكن (أم) الواقعة بعد همزة التعيين تقع بين مفردين غالبًا[26]، وقد تقع بين جملتين.



4- الجملتان السابقة واللاحقة على (أم) المسبوقة بهمزة التسوية تؤولان بمصدر، فهما في تأويل مفردين، على خلاف الجملتين اللتين تقع بينهما (أم) المسبوقة بهمزة التعيين فإنهما لا تؤولان بمفرد.



الفائدة الثالثة: الأفضل والأفصح أن يكون الذي يلي همزة التعيين مباشرةً هو أحد الأمرين المطلوب تعيين واحد منهما، وأن يلي الآخر (أم) ليفهم السامع من أول الأمر نوع الشيء الذي يطلب المتكلم تعيينه، أما الذي لا يتَّجه إليه الاستفهام فيتوسَّط أو يتأخَّر؛ تقول إذا استفهمت بالهمزة عن تعيين المبتدأ دون الخبر: أعلي قائم أم سعيد؟ وإن شئت قلت: أعلي أم سعيد قائم؟ فقد توسط الخبر (قائم)[27]، أو تأخر[28]؛ بسبب أنه غير المسؤول عنه بالهمزة؛ لأنك إنما تسأل عن أحد الاسمين، ولا تسأل عن فعلهما[29].



وتقول إذا استفهمت عن تعيين الخبر دون المبتدأ: أقائم سعيد أم قعد؟ وإن شئت قلت: أقائم أم قاعد سعيد؟ فقد توسَّط المبتدأ (سعيد) أو تأخَّر بسبب أنه غير المسؤول عنه[30].



وهذا الحكم هو الأكثر والأولى والأفصح، ولكنه ليس بالواجب، فليس من المحتم أن يلي الهمزة أحد الأمرين اللذين يتَّجه إليهما الاستفهام لطلب التعيين، بل يصح - عند أمن اللبس - أن يقال مثلًا: أكتاب العقد الفريد غالٍ أم رخيص؟ وهذا - بالرغم من صحته - قليل، ودرجته البلاغية ضئيلة، ومراعاة الأكثر هي الأحسن.



الفائدة الرابعة: حذف همزة التسوية وهمزة التعيين من الأسلوب المشتمل على (أم) المتصلة: يصحُّ في الأسلوب المشتمل على (أم) المتصلة الاستغناء عن الهمزة بنوعيها (همزة التسوية، وهمزة التعيين) بشرط أن يكون المعنى واضحًا غير مُلبس:

فمثال حذف همزة التسوية أن تقول: سواء على المسلم الحق راقبه الناس أم لم يراقبوه؛ فلن يرتكب إثمًا، ولن يقع في محظور، والأصل: أراقبه الناس، ومن ذلك قراءة ابن محيصن: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ[البقرة: 6]، بإسقاط الهمزة من (أأنذرتهم)[31]، ومِن ذلك أيضًا حذفها مِن قوله تعالى:﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ[المنافقون: 6][32].



ومثال حذف همزة التعيين قول الشاعر:


لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا *** بسبع رمين الجمر أم بثمان؟



يريد: أبسبع أم بثمان؟ وهذا في الشعر كثير.

وتظلُّ حالات (أم) وأحكامها بعد حذف الهمزة، كما كانت قبل حذفها[33].
يتبع



ابوالوليد المسلم 07-09-2019 01:24 AM

رد: حرف العطف: أم
 

حرف العطف: أم



أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن




ثانيًا: من أنواع (أم): (أم) المنقطعة، وأم المنفصلة.

سميت (أم) هذه منقطعة؛ لأنها تقع غالبًا بين جملتين مستقلتين في معناهما، فلكل منهما معنًى خاصٌّ يخالف معنى الأخرى، ولا يتوقَّف أداء أحدهما وتمامه على الآخر[34]، فليس بين المعنيين ما يجعل أحدهما جزءًا من الثاني[35]؛ فهذا هو السبب في تسمية (أم) بالمنقطعة أو بالمنفصلة، وفي أن يكون معناها الإضراب دائمًا، فتكون في هذا بمعنى (بل)، وقد تفيد مع معنى (بل) معنًى آخرَ أحيانًا، على ما سيأتي بيانه بالتفصيل قريبًا، إن شاء الله، ومثال (أم) المنقطعة قوله سبحانه: ï´؟ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ï´¾ [الأحقاف: 7، 8]، أي: بل يقولون: افتراه، فقد وقعت (أم) هنا بين جملتين، هما: (هذا سحر مبين)، و(يقولون افتراه)، وكل واحدة منهما مستقلة بمعناها عن الأخرى، فلا تتوقف إحداهما على الأخرى، ومن الممكن عند الاكتفاء بها أن تُؤدِّي معنًى كاملًا، وعلامة (أم) المنقطعة ألا تقع مطلقًا بعد همزة التسوية، ولا بعد همزة الاستفهام التي يطلب بها، وبـ(أم) التعيين[36]، وإنما تقع بعد نوع مما يأتي:

1- الخبر المحض؛ نحو قوله تعالى في الكفار: ï´؟ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ï´¾ [الأحقاف: 7، 8]، فقد وقعت (أم) هنا بعد جملة خبرية، وهي قوله سبحانه: ï´؟ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ... ï´¾، والتقدير: بل يقولون افتراه[37].



2- وقد تقَع (أم) المنقطعة بعد أداة استفهام غير الهمزة؛ نحو قوله تعالى: ï´؟ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ï´¾ [الرعد: 16]؛ أي: بل هل تستوي الظلمات والنور، وقد جاءت (أم) المنقطعة هنا بعد أداة الاستفهام (هل)[38].



3- وقد تقع (أم) المنقطعة بعد همزة ليستْ للتسوية، ولا لطلب التعيين، وإنما هي لنوع من الاستفهام غير الحقيقي، معناه: الإنكار والنفي؛ نحو قوله تعالى:ï´؟ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ï´¾ [الأعراف: 195]؛ إذ همزة الاستفهام في ذلك للإنكار، فهي بمنزلة النفي، و(أم) المتصلة لا تقع بعده[39]، ومعنى (أم) المنقطعة الذي لا يفارقها هو - كما تقدم - الإضراب الإبطالي، وهو إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه، والانتقال عنه إلى حكم آخر يجيء بعدها؛ أي: إنها تكون بمعنى (بل)[40]، لكنها قد تفيد مع معنى الإضراب: استفهامًا طلبيًّا؛ أي: استفهامًا حقيقيًّا[41]، وقد تفيد معنى الإضراب استفهامًا إنكاريًّا[42].

وقد تتجرَّد (أم) المنقطعة للإضراب المحض الذي لا يتضمَّن استفهامًا مطلقًا؛ لا حقيقيًّا، ولا إنكاريًّا.



أولًا: ما أفادت فيه (أم) المنقطعة الإضراب والاستفهام الحقيقي معًا:

قد تفيد (أم) المنقطعة الإضراب والاستفهام الحقيقي معًا من غير وجود همزة استفهام معها؛ كأن ترى كوكبًا يضطرب ويهتزُّ، فتقول: هذا كوكب المريخ، ثم تعدل عن هذا الرأي لسبب يداخلك، فتقول: هذا كوكب المريخ أم هو كوكب سهيل؛ فإن هذه أمارات سهيل التي تعرفها أنت؟ فقد قررت أولًا أن هذا هو المريخ، ثم عدلت عنه إلى كوكب آخر أردت أن تستوثق من اسمه، فكأنك قلت: بل أهو كوكب سهيل؟ ومثل هذا: قول العربي حين رأى أشباحًا بعيدة، فغلب على ظنِّه أنها إبل، فأخبر بحسب ما غلب على ظنه، فقال: إنها لإبل، ثم شكَّ في كونها شاء[43]، فأضرب عن الأول، وسأل عن الثاني، وأراد أن يستوثق منه؛ فقال: إنها لإبل، أم شاء؟ يريد: أنها لإبل، بل أهي شاء؟



فـ(أم) هنا بمعنى (بل)؛ ولأنها تقتضي الاستفهام قدرت الهمزة[44]، وهذه الهمزة داخلة على مبتدأ محذوف؛ لأن (أم) المنقطعة لا تدخل في الغالب إلا على جملة، كما أسلفنا، قال في (شرح المفصل) 8/ 98، قوله: إنها لإبل، إخبار، وهو كلام تام، وقوله: أم شاء، استفهام عن ظن وشك عرض له بعد الإخبار، فلا بد من إضمار (هي)؛ لأنه لا يقع بعد (أم) هذه إلا الجملة؛ لأنه كلام مستأنف؛ ا هـ. ومثال ذلك من كتاب الله تعالى: قوله سبحانه:ï´؟ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ï´¾ [النمل: 20]، قال الزمخشري: نظر إلى مكان الهدهد، فلم يبصره؛ فقال: ما لي لا أرى الهدهد، على معنى أنه لا يراه - وهو حاضر - بساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب، فأضرب عن ذلك: وأخذ يقول: أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له؛ ا هـ.



ثانيًا: ما أفادت فيه (أم) المنقطعة الإضراب والاستفهام الإنكاري معًا:

قد تفيد أم المنقطعة الإضراب والاستفهام الإنكاري معًا، بغير أن تسبقها أداة استفهام؛ نحو قوله تعالى:ï´؟ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ï´¾ [الطور: 39]، فـ(أم) هنا هي المنقطعة: وهي بمعنى (بل)، وفيها استفهام إنكاري، والتقدير والله أعلم: بل أله البنات ولكم البنون؟ إذ لو قدرت (أم) في هذه الآية للإضراب المحض من غير تضمن معنى الإنكار لزم المحال[45]، وهو إثبات البنات له، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.



ثالثًا: ما أفادت فيه (أم) المنقطعة الإضراب المحض:

قد تتجرَّد (أم) المنقطعة للإضراب المحض الذي لا يتضمَّن استفهامًا مطلقًا؛ لا حقيقيًّا، ولا إنكاريًّا؛ نحو قوله تعالى: ï´؟ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ï´¾ [الرعد: 16]؛ أي: بل هل تستوي الظلمات والنور، فلا تعني (أم) في هذه الآية إلا الإضراب المحض، ولا يصحُّ أن يكون التقدير: بل أهل تستوي الظلمات والنور؛ لأن أداة الاستفهام لا تدخل على أداة الاستفهام[46]، ومثال ذلك أيضًا قوله تعالى: ï´؟ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ï´¾ [الزخرف: 51، 52]، فـ(أم) في هذه الآية أفادت الإضراب المحض، والمعنى: بل أنا خير منه[47].



والراجح أن (أم) المنقطعة ليست من حروف العطف، وإنما هي حرف ابتداء، مبني على السكون، يفيد الإضراب[48]، ولا تدخل إلا على الجمل[49].





[1] سُميتْ همزة التسوية؛ لوقوعها بعد لفظ (سواء)، أو (لست أبالي)، أو ما يشبههما في دلالته على أن الجملتين المذكورتين بعده متساويتان في حكم المتكلم - أي: في تقديره لأثرهما - لا فرق عنده بين أن يتحقَّق معنى هذه، أو معنى تلك؛ إذ لا تفضيل لأحدهما على الآخر، فالأمران سيَّان عنده، كما سيتَّضح بالأمثلة التي سنذكرها، إن شاء الله تعالى.

هذا، ولا شأن لهمزة التسوية بالاستفهام؛ فقد تركته نهائيًّا، وتمخَّضت للتسوية.




[2] إذا كانت إحدى هاتين الجملتين منفية وجب تأخيرها عن (أم)، كما يتضح من الآيات التي سنُمثِّل بها، إن شاء الله تعالى.




[3] الأداة هنا هي: الهمزة في الجملة الأولى، و(أم) في الجملة الثانية.




[4] ويُلاحظ هنا أنه في هاتين الآيتين قد أتت همزة التسوية بعد لفظ (سواء)، وليعلم أن همزة التسوية قد وقعت بعد (سواء) في ست آيات من القرآن، ذكرنا منها اثنتين، والأربعة الباقية هي: قوله تعالى: ï´؟ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ï´¾ [إبراهيم: 21]، وقوله عز وجل: ï´؟ قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ï´¾ [الشعراء: 136]، وقوله سبحانه: ï´؟ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ï´¾ [الأعراف: 193]، وقوله تبارك وتعالى: ï´؟ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ï´¾ [يس: 10]، كما يُلاحظ هنا أيضًا أن الجملة الفعلية التي جاءتْ بعد لفظة (سواء) في هذه الآيات الست كان فِعْلُها ماضيًا؛ نحو: سواء عليَّ أقمت أم قعدت، كما استُهجن وقوع المضارع بعدها؛ نحو: سواء عليَّ أتقوم أم تقعد.

قال أبو علي الفارسي: ومما يدل على ما قال الأخفش أن ما جاء في التنزيل مِن هذا النحو جاء على مثال الماضي؛ اهـ.

وقال الفَرَّاء في معاني القرآن 1 / 401: وعلى هذا أكثر كلام العرب أن يقولوا: سواء عليَّ أقمت أم قعدت؛ اهـ.

وقد ذكرنا مِن قبل أن همزة التسوية قد تقع كذلك بعد (لست أبالي)، ومن ذلك: قول الشاعر:

ولستُ أبالي بعد فقْدي مالكًا *** أموتي ناءٍ أم هو الآن واقع

فإنَّ جملة (لست أبالي) تساوي تمامًا كلمة (سواء) في المعنى؛ ولذلك كان التقدير: يستوي عندي بُعد موتي وقربه.




[5] ويُلاحظ هنا أنَّ الجملة المنفية في الآيتين: لم تستغفر، لم تنذرهم - قد تأخرت، وهذا على سبيل الوجوب، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك صـ600.




[6] ولذلك كان المراد من الكلام في هذه الحالة استواء أمرين متقابلين: (الجملة) السابقة لـ(أم)، والجملة اللاحقة لها في الجملة.




[7] وليعلم أن هذه التسوية إنما هي مستفادة من كلمة (سواء)، أو مما يدل دلالتها؛ مثل: (لا أبالي)، وليست مستفادةً من الهمزة، وإنما فائدة الهمزة هي تقوية التسوية وتوكيدها.




[8] ولذلك تُسمَّى همزة الاستفهام هنا همزة التعيين.




[9] فالمعنى هنا، أيهما عندك؟ أيهما لقيت؟ ولذلك فقد ذكر النحاة أن معنى همزة الاستفهام و(أم) في مثل هذا التعبير هو: أي الاستفهامية؛ ولذلك أيضًا فإن هذه الهمزة تُسمَّى بالمغنية عن كلمة (أي)؛ لأنها مع (أم) يُغنيان عن كلمة (أي) في طلب التعيين، وليست الهمزةُ وحدَها.




[10] لأنك إذا قلت: أيهما في الدار؟ وأيهما لقيت؟ فإن المسؤول قد لقي أحدهما، أو أن عنده أحدهما، إلا أن علمك قد استوى فيهما، لا تدري أيهما هو.




[11] فلا يصح أن يكون الجواب هنا بحرفٍ مِن أحرف الجواب؛ لأنَّ الإجابة بأحد هذه الأحرف لا تُفيد تعيينًا، ولا تحديدًا، وإنما تُفيد الموافقة على الشيء المسؤول عنه أو المخالفة، وهذه الموافقة أو المخالفة لا تُحقِّق الغرض المقصود مِن استعمال (أم) المتصلة المسبوقة بهمزة الاستفهام على الوجه الذي شرحناه مِن تعيين أحدهما.

قال ابن القيِّم رحمه الله في (بدائع الفوائد) 1/ 353: وسرُّ المسألة أنَّ (أم) هذه مشربة معنى (أي)، إذا قلت: أزيد عندك أم عمرو؟ كأنك قلت: أي هذين عندك؟ ولذلك يتعين الجواب بأحدهما، أو بنفيهما، أو بإثباتهما، ولو قلت: (نعم، أو: لا) كان خلفًا من الكلام، وهذا بخلاف (أو)؛ فإنك إذا قلت: (أزيد عندك أو عمرو؟) كنت سائلًا عن كون أحدهما عنده غير معين، فكأنك قلت: أعندك أحدهما؟ فيتعيَّن الجواب بـ(نعم)، أو (لا)؛ ا هـ.




[12] ولماذا جعلت (أم) هنا معادلة لهمزة الاستفهام دون ما سواها من أدوات الاستفهام؟

يجيب عن هذا ابن القيم رحمه الله في (بدائع الفوائد) 1 / 352، فيقول رحمه الله: وإنما جعلوها - أي: (أم) المتصلة المسبوقة بهمزة التعيين - معادلةً للهمزة دون (هل، ومتى، وكيف)؛ لأن الهمزة هي أم الباب، والسؤال بها استفهام بسيط مطلق، غير مقيد بوقت ولا حال، والسؤال بغيرها استفهام مركَّب مُقيَّد؛ إما بوقت كـ(متى)، وإما بمكان: كـ(أين)، وإما بحال؛ نحو (كيف) وإما بنسبة؛ نحو: (هل زيد عندك؟)، ولهذا لا يقال: كيف زيد أم عمرو؟ ولا: أين زيد أم عمرو؟ ولا: من زيد أم عمرو؟

وأيضًا فلأن الهمزة و(أم) يصطحبان كثيرًا؛ كقوله تعالى: ï´؟ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ï´¾ [يس: 10]، ونحو قوله تعالى:ï´؟ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ï´¾ [النازعات: 27]، وأيضًا فلأنَّ اقتران (أم) بسائر أدوات الاستفهام غير الهمزة يُفسد معناها؛ فإنك إذا قلت: كيف زيد؟ فأنت سائل عن حاله، فإذا قلت: أم عمرو؟ كان خلفًا مِن الكلام، وكذلك إذا قلت: من عندك؟ فأنت سائل عن تعيينه، فإذا قلت: أم عمرو؟ فسد الكلام، وكذلك الباقي، وأيضًا فإنما عادلت الهمزة دون غيرها؛ لأن الهمزة من بين حروف الاستفهام تكون للتقرير والإثبات؛ نحو: ألم أحسن إليك؟ فإذا قلت: أعندك زيد أم عمرو؟ فأنت مقرٌّ بأن أحدهما عنده، ومُثبت لذلك، وطالب تعيينه، فأتوا بالهمزة التي تكون للتقرير دون (هل) التي لا تكون لذلك، إنما يستقبل بها الاستفهام استقبالًا؛ اهـ.




[13] ومن وقوع (أم) المتصلة بهمزة التسوية بين جملتين فعليتين كذلك؛ قوله تعالى: ï´؟ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ï´¾ [إبراهيم: 21]، والتقدير: جزعنا وصبرنا سواء، وقوله سبحانه: ï´؟ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ï´¾ [المنافقون: 6]، وقوله عز وجل: ï´؟ قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ï´¾ [الشعراء: 136].

قال الزمخشري رحمه الله في (الكشاف) 3/ 123: فإن قلت: لو قيل: أوعظت أم لم تعظ، كان أخصر، والمعنى واحد؟

قلت: ليس المعنى بواحد، وبينهما فرق؛ لأن المراد: سواء علينا فعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ، أم لم تكن أصلًا من أهله ومباشريه، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك: أم لم تعظ؛ ا هـ. وانظر: البحر 7 / 33.




[14] فقد وقعت (أم) في هذه الآية بين الجملة الفعلية (أدعوتموهم) المكونة مِن: الفعل الماضي (دعا)، والفاعل (الضمير تاء الفاعل)، والمفعول به (الضمير الهاء)، وبين الجملة الاسمية (أنتم صامتون) المكونة من: المبتدأ (أنتم)، والخبر (صامتون)، والتقدير: سواء عليكم دعاؤكم إياهم وصمتكم، قال الزمخشري رحمه الله 2/ 110: فإن قلت: هلا قيل: أم صمتم، ولم وضعت الجملة الاسمية موضع الفعليَّة؟

قلت: لأنهم كانوا إذا ضربهم أمر دعوا الله دون أصنامهم؛ كقوله: ï´؟ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ ï´¾ [الروم: 33]، فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم، فقيل: إن دعوتموهم لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم، وبين ما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم؛ ا هـ. وانظر: البحر 4/ 442.




[15] والتقدير: لا يبالي المسلم حضور رئيسه وغيابه، والمصدر المؤول (حضور) مفعول به، والجملة بمعنى: سواء على المسلم أرئيسه حاضر أم غائب....




[16] وذلك لعدم وجود ما يقتضي سبك الجملة، وتأويلها بالمصدر.




[17] الطيف: الخيال الطائف في النوم، وعادني: جاءني بعد إعراضه، والحلم: الرؤيا.

قال السيوطي رحمه الله: قمت من مضجعي للطيف الزائر، وطار النوم عني، وأخذني القلق ووساوس النفس، فمثلث الفكر بين شيئين: زيارتها لنفسها، وحلم نائم اعتادني، فأرنيها، وصرت أراجع نفسي، وأقول: كيف يجوز مجيئه؟! وكنت أعهدها، وقطع المسافة القريبة يشق عليها، ويتعبها ويملها. ا هـ.




[18] وإنما قدرنا هذا الفعل المحذوف؛ لأن الاستفهام بالأفعال أولى؛ لأن الأحداث تتغيَّر، فتُجهل ويُسأل عنها، وانظر: حاشية الأمير 1/ 40، وقال الدماميني: ويجوز في البيت أن تكون (هي) مبتدأ، (وسرت) خبره؛ فتكون الجملتان مختلفتين؛ ا هـ.




[19] ومثال ذلك أيضًا: قولك: أفقهًا ذاكرت، أم قرأت درس النحو؟ ومثال ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: ï´؟ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ï´¾ [النحل: 59]، وقوله سبحانه: ï´؟ لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ï´¾ [النمل: 40]، وقوله عز وجل: ï´؟ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ï´¾ [النمل: 27].




[20] قد أثبتنا همزة (ابن) هنا في الموضعين؛ لأن كلمة (ابن) فيهما خبر، وهمزة (ابن) لا تحذف إلا إذا كانت كلمة (ابن) صفةً بين علمين.




[21] ومثال ذلك أيضًا: أن تقول: أضيفك مقيم غدًا أم ضيفك مسافر؟




[22] ومثال ذلك من كتاب الله تعالى قوله تعالى: ï´؟ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ï´¾ [الأنبياء: 55].




[23] (إن): حرف نفي بمعنى (ما).




[24] لأن المعنى مع همزة التسوية إنما هو على الإخبار، وليس على الاستفهام، فقد تركت همزة التسوية الاستفهام إلى الإخبار بالتسوية.




[25] فـ(أم) التي تقع بعد همزة التسوية تُستعمل في عطف الجُمل؛ سواء أكانت اسميةً أم فعليةً، على حسب التفصيل المذكور صـ 598.




[26] فهي في الغالب تُستعمل في عطف المفردات.




[27] ومن ذلك: قول الله تعالى:ï´؟ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ï´¾[النازعات: 27].




[28] ومن ذلك: قول الله عز وجل: ï´؟ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ï´¾ [الأنبياء: 109].




[29] ولكن إذا قلت: أضربت زيدًا أم قتلته؟ كان الأولى البدء بالفعل؛ لأنك إنما تسأل عن الضرب والفعل.




[30] والحكم على المتقدم أو المتأخر بأنه المبتدأ، وعلى الآخر بأنه الخبر خاضع للقرينة؛ كالتعريف أو التنكير هنا، فما كان منهما معرفة فالأحسن اعتباره هو المبتدأ، ولو كان متأخِّرًا واعتبار النكرة هي الخبر، فإن كانا معرفتين فأقواهما في درجة التعريف هو المبتدأ.




[31] انظر: شواذ ابن خالويه صـ 2، والإتحاف صـ 128.




[32] انظر: الكشاف 4/ 102، والبحر 8/ 273.




[33] وفي حذفها يقول ابن مالك رحمه الله في ألفيته:

وربما أسقطت الهمزة إن *** كان خفا المعنى بحذفها أمن

قوله: أُسقطت: أي: حذفت، ويريد رحمه الله: قد تحذف الهمزة بشرط ألا يؤدي حذفها لخفاء المعنى والوقوع في اللبس.




[34] فالكلام الآتي بعد (أم) المنقطعة لا صلة به بما قبلها، وهذا بخلاف (أم) المتصلة التي تدل على أن ما قبلها وما بعدها يشتركان في الحكم.




[35] فـ(أم) المنقطعة تكون منقطعة بما قبلها، وما بعدها قائم بنفسه، غير متعلق بما قبله.




[36] انظر ما تقدم صـ 598.




[37] وذلك لأن (أم) المنقطعة تكون بمعنى (بل)، كما سبق، وكما سيأتي ذكره بالتفصيل، إن شاء الله تعالى، كما أنه قد قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: (تقولون) بالتاء الفوقية، وعلى هذه القراءة تكون (أم) ها هنا معادلة للهمزة في قوله: (أتحاجوننا)؛ أي: أتحاجوننا في الله، أم تقولون، إن هؤلاء الأنبياء على دينكم؟ وانظر: (فتح القدير؛ للشوكاني 1/ 230)، ومن ذلك أيضًا: قول الله تعالى:ï´؟ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ï´¾[ص: 75]، قرأ الجمهور: (أستكبرت) بهمزة الاستفهام، فـ(أم) متصلة؛ لأنها تقدم عليها همزة يطلب بها، وبـ(أم) التعيين، وقرأت فرقة، منهم ابن كثير وغيره: (استكبرت) بصلة الألف، وهي قراءة مكة، وليست في مشهور ابن كثير، فاحتُمل أن تكون همزة الاستفهام حذفت؛ لدلالة (أم) عليها، واحتُمل أن يكون إخبارًا، خاطبه بذلك على سبيل التقريع، و(أم) تكون منقطعة، والمعنى: بل أنت من العالين عند نفسك، ونسب في (الإتحاف) صـ 374 هذه القراءة إلى ابن محيصن، وانظر: القرطبي 7/ 5672، 5673، وأبو السعود 4/ 297 و(الجمل) 3/ 588، و(دراسات لأسلوب القرآن الكريم) 1/ 355.




[38] كما أن (أم) المنقطعة قد جاءت أيضًا بعد (من) الاستفهامية في قوله تعالى:ï´؟ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ï´¾[النساء: 109]

وجاءت كذلك (أم) المنقطعة بعد (ما) الاستفهامية في قوله عز وجل: ï´؟ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ï´¾ [النمل: 20]، وجاءت أيضًا (أم) المنقطعة بعد استفهامين: (ما، وكيف) في قوله تبارك وتعالى: ï´؟ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ï´¾ [القلم: 36، 37].




[39] وإنما تقع - كما تقدَّم - بعد الاستفهام الحقيقي الذي يُقصد به السؤال عن شيء مجهول للمتكلم حقيقة، ويريد أن يعرفه، ومن أمثلة وقوع (أم) أيضًا بعد الهمزة التي للإنكار، قوله تعالى: ï´؟ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ï´¾[المؤمنون: 68]، وقوله عز وجل: ï´؟ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا ï´¾ [النور: 50].




[40] فيكون المراد بـ(أم) المنقطعة صرف النظر عن الكلام السابق، والالتفات إلى ما بعدها.




[41] سبق أن ذكرنا في الصفحة الماضية أن الاستفهام الحقيقي هو الذي يُقصد به السؤال عن شيء مجهول للمتكلم حقيقة، ويريد أن يعرفه.




[42] الاستفهام الإنكاري ويسمى الإبطالي هو: ما كان مضمونه غير واقع، ولا يمكن أن يحصل، ومدعيه كاذب، وهو بمعنى النفي، فأداته بمنزلة أداة النفي، والكلام الذي دخلت عليه منفي؛ كقوله تعالى:ï´؟ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ï´¾ [النساء: 122].




[43] (شاء) جمع (شاة)، وهي الواحدة من الغنم، تقال للمذكر والمؤنث.




[44] ولا يجوز أن يقدر المثال هنا بـ(بل) وحدها.




[45] لأن التقدير حينئذٍ يكون: بل له البنات ولكم البنون، وهذا كفر محض، فدل هذا على أنها بمنزلة (هل) وهمزة الإنكار، ومثال ذلك أيضًا: قوله تعالى:ï´؟ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ï´¾ [الزخرف: 15، 16]؛ أي: بل اتخذ - بهمزة مفتوحة مقطوعة للاستفهام الإنكاري - ولا يصح أن تكون في التقدير مجردةً من معنى الاستفهام المذكور، وإلا لزم إثبات الاتخاذ المذكور، وهو محال.




[46] وذلك لأن جعل (أم) للاستفهام يقتضي دخولها على استفهام آخر، وهو (هل)، وهذا يعني التوكيد، وهو منافٍ للاستفهام، فلا يصحُّ وقوعه.




[47] ومن ذلك: ما ذكره الفراء: يقولون: هل لك قبلنا حق، أم أنت رجل ظالم؟ يريدون: بل أنت رجل ظالم، على الخبر، وليس استفهامًا، ومن الأمثلة على ذلك أيضًا: قولك: استيقظت في الصباح الباكر، فرأيت ورق الشجر مبتلًّا، فقد سقط المطر ليلًا، أم تكاثر الندى عليه؛ فإني أجد الطرق والمسالك جافة، لا أثر فيها للمطر، فهنا وقعت (أم) بين جملتين: الأولى منهما تفيد أن بلل الورق من سقوط المطر، وتدل الثانية منهما على أن سبب البلل شيء آخر، هو الندى، فعدل المتكلم عن المعنى الأول، وانصرف عنه إلى الثاني، بدليل يؤيده، هو: جفاف الطرق والمسالك، والأداة المستعملة في الإضراب هي (أم)، ومثل هذا يقال في بيت قتيلة بنت النضر ترثي أباها المقتول:


فليسمعن النضر إن نادينه *** أم كيف يسمع ميت لا ينطق




[48] وذلك لأن معناه - كما تقدم - الإضراب عما سبقه، والاتجاه لما بعده؛ ولذلك تعتبر الجملة التي بعده جملة جديدة مستقلة.




[49] وفي (أم) المنقطعة، يقول ابن مالك:

وبانقطاع وبمعنى بل وفت *** إن تك مما قيدت به خلت

يريد: أن (أم) تكون منقطعة إذا خلت مما قيدت به في النوع السابق؛ إذ قيدت فيه بأن يسبقها همزة التسوية، أو همزة مغنية عن لفظ (أي)، فإذا خلت من هذا التقييد وفت بالانقطاع؛ بمعنى: وفت به، وكانت كافيةً فيه، مفيدةً له، وإذا أفادت الانقطاع كانت بمعنى (بل)؛ أي: لزم، وترتَّب على ذلك أن تكون بمعنى (بل).










الساعة الآن : 09:40 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 48.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.30 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.28%)]