ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة . (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=125456)

أبو الشيماء 23-06-2011 12:08 AM

الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد :
- فإنه قد سألني بعض طلبة العلم أن أبين لهم قاعدة سد الذرائع في الشريعة الإسلامية ، وأن أذكر لهم أنواع الذرائع ، والأدلة عليها ، وما يلحق بها من الفروع المخرجة عليها ، وأن أبين لهم حدود ما يدخل تحت هذه القاعدة من التعامل ، وما لا يدخل ، فأجبته إلى ذلك ، مع كثرة الأشغال ، ولكن لأهمية هذه القاعدة الطيبة ، فرغت لها شيئا من وقتي ، لأنني أعلم كبير أهميتها وكبير تأثيرها في الفروع ، وأشترط أن لا أطيل ، ولكن أذكر ما أراه أنه موضح لهذه القاعدة ، فالله أسأل أن ينفع بهذه الكتابة اليسيرة ، وأن يبارك فيها ، وأسميتها ( الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة ) فيا رب أسألك باسمك الأعظم أن تيسر إتمامها على الوجه الكامل ، وأن تعين عبدك الضعيف العاجز على الوصول لما يصبوه من الكتابة فيها ، إنك خير مسئول ، وأنت على كل شيء قدير ، وإلى مقصود الكتابة ، وبالله التوفيق ، فيقول العبد العاجز الفقير لربه العلي الكبير القدير :- أولا نذكر لك نص القاعدة التي سنبني عليها هذه الوريقات وهو كما يلي :-
{ كل ذريعة تفضي إلى الممنوع عن يقين أو غلبة ظن ، فالواجب سدها }
أقول :- اعلم رحمك الله تعالى أن المحرمات التي نص الدليل على تحريمها لا تخرج عن قسمين :- ما حرم تحريم مقاصد ، وما حرم تحريم وسائل ، وهذه القاعدة التي نحن بصدد شرحها لا تعلق لها بما حرم تحريم مقاصد ، وإنما لها تعلق بما حرم تحريم وسائل ، ويوضح ذلك ، لأن هذه الشريعة متفق على كمالها في أصولها وفروعها ، كما قال تعالى } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ { ومن أوجه كمالها أنها إن حرمت شيئا من الأفعال ، فإنها تسد كل الطرق والذرائع التي تفضي إلى هذا الشيء وتوصل إليه ، ولا يمكن أبدا أن تحرم الشريعة شيئا ، وتفتح باب الوصول إليه على مصراعيه ، هذا لا يكون أبدا ، لأن هذا من عدم الحكمة في التشريع ، والله تعالى هو الحكم العدل ، وهو الحكيم الخبير العالم بمصالح عباده ، ومن مقتضيات حكمته ، أن يمنع كل الطرق التي توصل إلى هذا الممنوع ، وقد اتفق عامة أهل السنة رحمهم الله تعالى على أن من أسمائه الحكيم ، ومن صفاته الحكمة ، فهو الحكيم العليم في تشريعه ، فلا يشرع شيئا إلا وله الحكمة البالغة في الحال والمآل ، وهذا من مقتضيات وصفه بالكمال ، بل إن هذا من الكمال البشري أيضا ، ألا ترى أن ملوك الدنيا إن منعوا شيئا فإنهم يمنعون الطرق التي توصل له ، والأب إن منع في بيته شيئا فإنه يمنع ما يوصل إليه ، ففي الغالب أنك لا تجد شيئا من المحرمات تحريم مقاصد إلا وله تحريم حوله يكون مانعا من الوقوع فيه ، وذلك لأن سلوك الطرق التي تفضي إلى الحرام هي في حقيقتها أول منازل الوقوع في الحرام ، فلا يتم كمال مجانبة الحرام إلا بمجانبة طرقه ووسائله ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه )) متفق عليه ، وهذا واضح لكل ذي فهم ، أن من كمال التحريم أن يمنع العبد من الوسائل التي توصل إلى الحرام ، وهذه القاعدة التي معنا هي في الحقيقة ربع الدين ، وبيان هذا أن يقال :- إن الدين لا يخرج عن كونه مأمورا به أو منهيا عنه والمأمور به إما مأمور مقاصد أو مأمور وسائل ، فهذه قسمان ، الأول :- ما أمر به أمر مقاصد والثاني :- ما أمر به أمر وسائل ، وهذه القاعدة التي معنا لا تعلق لها بباب المأمورات ، لا في مقاصده ولا في وسائله ، وأما المنهيات فهي قسمان :- منهي عنه نهي مقاصد ، ومنهي عنه نهي وسائل ، فلو جمعت هذين القسمين إلى القسمين السابقين ستكون الأقسام أربعة ، وهي كما يلي الأول :- ما أمر به أمر مقاصد ، الثاني :- ما أمر به أمر وسائل ، الثالث :- ما نهي عنه نهي مقاصد ، الرابع :- ما نهي عنه نهي وسائل ، وقاعدتنا هنا عبارة عن القسم الرابع ، وهي فيما نهي عنه نهي وسائل ، فهي إذاً ربع الدين ، فلا تستهل بها ، فإنها من القواعد الكبيرة المهمة في شريعة الله تعالى ، ولأنها من قواعد كمال الشريعة ، فلا بد أن توليها بزيادة العناية ، ويبين لك أهميتها أيضا أنها جعلت كالسياج المانع من الوقوع في الحرام ، وأن اختراقها والتساهل بها أول منازل الوقوع في الحرام ، ويبين لك أهميتها أيضا أن أهل العلم نصوا على أن التساهل بها من اتباع خطوات الشيطان كما قال تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ { وخطواته هي تلك الوسائل التي يكون بمتابعتها الوقوع في الحرام ، فالزنا له وسائل توصل إليه ، وهذه الوسائل هي من خطوات الشيطان التي يكون في سلوكها الوقوع في الزنا ، والربا له وسائل ، وهذه الوسائل هي من خطوات الشيطان التي توقع في حقيقة الربا ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق له وسائل ، وهي من خطوات الشيطان التي يكون بسلوكها واقتحامها الوقوع في القتل ، والشرك الأكبر المخرج عن الملة له وسائل ، وهذه الوسائل هي من خطوات الشيطان التي يكون بسلوكها الوقوع في الشرك وهكذا ، فقوله تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ { هي في الحقيقة ناصة على تحريم الوسائل والذرائع التي يكون بسلوكها الوقوع في عين المحرم ، ومن اتقى هذه الوسائل فإنه إن شاء الله سيكون في منعة عظيمة وفي حصن حصين من الوقوع في الحرام ، فوالله الذي لا إله غيره إن غالب من وقع في المحرم تحريم مقاصد ، إنما هم أولئك الذين وقعوا في المحرم تحريم وسائل ، ولو سبرت حال الناس لوجدت ما ذكرته لك صحيحا ، ثم أقول :- إن المأمورات قسمان :- مأمورات مقاصد ومأمورات وسائل ، كما ذكرنا ، وإنك لتجد في الغالب أن الشيطان لا يأمر العباد بترك المأمور أمر مقاصد إلا بعد أن يملي عليه ويجلب بخيله ورجله على أن يترك المأمور أمر وسائل ، لأن الخبيث يعلم علم اليقين أن من كان محافظا على المأمور أمر وسائل فإنه في منعة وحصن حصين من ترك ما أمر به أمر مقاصد ، ولكن من تساهل في المأمور أمر وسائل فإنه سيكون فريسة سهلة في حبائل الشيطان في ترك المأمور أمر مقاصد ، وبالجملة :- فإن الشيطان إنما يأتي إلى النفس أولا في التساهل بما نهي عنه نهي وسائل ، ومن ثم يأتي لها في أمرها بفعل المنهي عنه نهي مقاصد ، ألا ترى أن السارق إن وجد الباب والنوافذ موصدة ، فإنه ييأس من سرقة ما في الدار بل لا بد أولا أن يكسر هذه الأقفال حتى يصل إلى مقصوده بغاية اليسر والسهولة ، فسبحان الله حتى السُراق واللصوص قد تقررت عندهم هذه القاعدة ، فهي في الحقيقة قاعدة تقتضيها الفطرة كما اقتضاها العقل ، وأيد ذلك اقتضاء الشرع لها ، فهي قاعدة فطرية عقلية شرعية ، فباب الوسائل هو القفل على المنهيات ، فإن كسر القفل سهل تناول المنهيات وهان على النفس اقترافها ولعلك بهذا التوضيح قد فهمت ما نريد إثباته لك في هذه الوريقات ، وعلى ذلك وردت الشريعة وقررت أدلة الدين ، وأنا أذكر لك الأدلة إن شاء الله تعالى على أنها أدلة وفروع ، فأقول وبالله تعالى التوفيق ، ومنه أستمد العون والفضل :-
( فمنها) لقد تقرر في الشرع أن أعظم المنهيات في الدين هو الشرك الأكبر ، قال تعالى } إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا { وقال تعالى } وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ { وقال تعالى } وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا { وقال تعالى } قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا { وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( حق الله على العبيد أن يعبوه ولا يشركوا به شيئا )) والنصوص في تحريم الشرك لا تكاد تحصر إلا بكلفة ، وتحريم الشرك لا يخفى على الجميع أنه تحريم مقاصد ، وقد سد الله تعالى كل ذريعة تفضي إلى الشرك الأكبر أحكم سد ، ومنع كل طريق يوصل إليه ، ونحن قررنا في ذلك قاعدة مهمة غاية الأهمية تقول ( كل ذريعة تفضي إلى الشرك الأكبر فالواجب سدها ) وعلى ذلك فرع الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى أبوابا كثيرة في كتاب التوحيد كلها تدخل تحت ما حرم تحريم وسائل ، وسيأتي طرقها في الفروع والأدلة إن شاء الله تعالى, والمهم أن تحفظ هذه القاعدة في باب وسائل الشرك الأكبر ، فأي وسيلة توصل إلى الوقوع في الشرك الأكبر فهي محرمة ، بل وبعض أهل العلم رحمهم الله تعالى قد أطلق عليها ( الشرك الأصغر ) فقال (وسائل الشرك الأكبر شرك أصغر) وليس هذا ببعيد ، فالواجب على المرء الناصح لنفسه أن يبتعد عن الشرك كله ، ويجانبه المجانبة الكاملة ، ويحذر منه مقصدا ووسيلة
فمن وسائل الشرك الأكبر :- تعظيم القبور التعظيم المفضي إلى إخراجها عن الجائز شرعا إلى الممنوع فيها أو عندها شرعا ، كالبناء عليها ، فالشريعة ما حرمت البناء على القبور إلا لأن البناء عليها يوصل إلى تعظيمها التعظيم الشركي ، ولذلك لا تجد قبرا من القبور التي عبدت من دون الله تعالى إلا وهي مبني عليها ، بل بعضها بني عليها البناء الفخم الكبير ، وزوقت تزويقا لا مزيد عليه ولذلك فالمتقرر في الشريعة تحريم البناء على القبور ، قال الإمام مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ .. وهذا نهي ، والمتقرر في القواعد أن النهي يقتضي التحريم ، إلا لصارف ، وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِىِّ قَالَ قَالَ لي عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بعثني عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ . والمراد بالقبر المشرف ، أي القبر المرتفع بالبناء ، وهذا النهي إنما هو لسد ذريعة اتخاذ هذا القبر وثنا يعبد من دون الله تعالى
ومن ذلك أيضا :- النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، وهذا من أعظم الذرائع التي تفضي إلى الشرك الأكبر ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأَبِى بَكْرٍ - قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِى أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النجراني قَالَ حدثني جُنْدَبٌ قَالَ سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ (( إِنِّى أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لي مِنْكُمْ خَلِيلٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتخذني خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أمتي خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إني أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ )) وقال في صحيحه أيضا :- وحدثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِي وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَرْمَلَةُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ هَارُونُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أخبرني يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أخبرني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالاَ لَمَّا نَزَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ (( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )) يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا.... وقال في صحيحه أيضا :- وحدثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أخبرني أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ - فِيهَا تَصَاوِيرُ - لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( إِنَّ أُولَئِكِ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
ومن هذه الذرائع الكبيرة الخطيرة التي سدت من أجل اجتناب الوقوع في الشرك الأكبر:-تحريم الصلاة في القبور ، فالصلاة في القبور لا تجوز ، ولا تصح ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا حَسَنُ ابْنُ الرَّبِيعِ الْبَجَلِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( لاَ تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (ح) وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ مُوسَى في حَدِيثِهِ فِيمَا يَحْسَبُ عَمْرٌو أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبُرَةَ )) فالصلاة في المقبرة لا تصح ، إلا صلاة الجنازة خاصة ، لورود الدليل الخاص بها ، والصلاة في مسجد فيه قبر لا تجوز ولا تصح ، ما دام القبر داخل حدود المسجد ، وكل ذلك من أجل إقفال باب الوقوع في الشرك الأكبر فهذا كله محرم من باب تحريم الوسائل .
ومنها أيضا :- تحريم اتخاذ القبر عيدا ، أي مكانا يجتمع الناس عنده في أوقات معلومة ، كما يجتمع الناس في العيد ، وروى مالك في الموطأ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قبري وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )) ولسعيد بن منصور في سننه عن سهيل قال:- رآني الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى ، فقال:- هلم إلى العشاء ، فقلت:- لا أريده , فقال:- مالي رأيتك عند القبر؟ فقلت:- سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا دخلت المسجد فسلم) ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم )) وهو مرسل قوي ، فاتخاذ القبور أعيادا من وسائل الشرك الكبيرة التي لا بد من سدها ، وإغلاق بابها الإغلاق الكامل .
ومن هذه الذرائع أيضا :- تجصيص القبور وتزويقها بالرخام ، أو دفنها في الأماكن العامة في البلد والنهي عن تجصيصها قد ذكرنا الدليل الناهي عنه ،ومنها أيضا :- الطواف حولها ، فإنه إن طاف حولها لله تعالى لا تقربا لأصحابها ، ولكن ظنا منه أن مما يقربه إلى الله تعالى الطواف حول هذا القبر فهذا لا جرم أنه محرم ، وهو من الشرك الأصغر ، لأنه من الوسائل للشرك الأكبر ، وهو الطواف حولها تقربا وتعظيما للساكنين بها .
ومنها:- الذبح عندها لا تقربا لأصحابها ، ولكن لظنه حلول البركة في ذبيحته عند قبورهم وهذا لا شك أنه محرم وهو من الشرك الأصغر ، لأنه ذريعة للشرك الأكبر ، وهو الذبح لأصحابها تقربا وتعبدا لهم من دون الله تعالى ، قال تعالى } قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ { وقال تعالى } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( لعن الله من ذبح لغير الله )) رواه مسلم ، وأجمع أهل السنة على حرمة الذبح عند القبور ، لكن يكون من الشرك الأصغر إن كان قصده التعبد لله تعالى بهذا الذبح ويكون من الشرك الأكبر إن نوى صرف الذبح لغير الله تعالى .
ومنها :- الدعاء للنفس عند القبور ، فهو لا يدعو صاحب القبر ، ولا يرجو منه استجابة الدعوات ، ولكنه ظن أن الدعاء عند قبور الأولياء من مظان الاستجابة ، وهذا محرم ولا شك وتحريمه تحريم وسائل ، لأنه من أكبر الوسائل الموصلة للشرك الأكبر ، والذي هو دعاء أصحاب القبور من دون الله تعالى ، في تفريج الكربات وتنفيس الملمات ، وقد أجمع العلماء على حرمة قصد القبور للدعاء للنفس عندها ، ولم يقل أحد من أهل العلم رحمهم الله تعالى أن الدعاء عند القبور للنفس من مظان استجابة الدعوات ، فانتبه لهذه الذرائع ، فإنه ما وقع الشرك في الأمة ، بل في الأمم كلها إلا بسبب تعظيم الأموات الصالحين ،كما روى البخاري في صحيحه قال :- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما صَارَتِ الأَوْثَانُ التي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ في الْعَرَبِ بَعْدُ ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِى غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَا ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ ، لآلِ ذِى الْكَلاَعِ . أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ التي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا ، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ ... ففتن القبور من أعظم الفتن التي أوجبت وقوع الشرك في الأمة ، ولأهميتها فقد أفردها كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى بالتأليف والبيان ، ومن باب التشبه بهم أفردتها بالتأليف في كتابي ( تنوير الصدور في التحذير من فتنة القبور ) والمهم هنا أن تعرف الآن :- أن المتقرر في القواعد أن كل وسيلة تفضي إلى الوقوع في الشرك الأكبر فإنها من المحرم شرعا ، وأن هذه القاعدة العقدية الكبيرة ، تتفرع عن قاعدة ( سد الذرائع ) والله يتولانا وإياك .

يتبع إن شاء الله

أبو الشيماء 23-06-2011 01:36 AM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 

{ فصل }

ومن ذرائع الشرك الأكبر التي تدخل تحت هذا الأصل الكبير أيضا:-باب التبرك بما لم يرد الدليل بجواز التبرك به ، من الأزمان والأمكنة والأعيان ، فإن المتقرر أن باب التبرك مبناه على التوقيف ، فلا يجوز ادعاء البركة في عين ، أو زمان أو مكان إلا وعلى ذلك دليل من الشرع ، فلا يجوز ادعاء البركة فيما لم يرد الدليل به ، فمن طلب البركة مما لم يرد به الدليل فلا يخلو :- إما أن يعتقد أن الله تعالى هو واضع البركة ، ولكنه ظن أن هذا الشيء مما يتبرك به فهذا أقل أحواله أن يكون شركا أصغر ، لأنه اعتقد سببا ما ليس بسبب لا شرعا ولا قدرا ، ولأنه ذريعة للشرك الأكبر والمتقرر أن كل ما كان ذريعة للشرك الأكبر فهو محرم ، وقد اهتم أهل السنة رحمهم الله تعالى بهذا الباب اهتماما كبيرا ، فقرروا فيه القواعد المستقاة من الكتاب والسنة ، فقالوا :- المتقرر أن الأصل في باب التبرك التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأعيان التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأزمنة التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأمكنة التوقيف على الأدلة، وقالوا :- كل شيء ثبت جواز التبرك به ، فإنه لا يجوز أن يتجاوز به حدود التبرك المشروع فيه، وقالوا :- إن وضع البركة في الشيء من صفات الله تعالى الفعلية ، فواضع البركة هو الله تعالى ، ولا يقدر أحد أن يضع البركة لا في عين ولا في زمن ولا في مكان ، بل هو من فعل الرب جل وعلا ، فقرروا هذه القواعد والأصول لسد ذريعة الشرك ، فسد باب التبرك الممنوع أثر من آثار قاعدة ( سد الذرائع) ولذلك منع أهل السنة رحمهم الله تعالى التبرك بالأموات والصالحين ، وبتراب القبور وبالسياج الموضوع عليها ، أيا كان صاحب القبر علما ودينا وتقى ، فلا يجوز التبرك بأي شيء ، إلا بما ثبت الدليل بجواز التبرك به هذا لمن أراد السلامة في دينه ، وإلا فإن من تبرك بشيء لا دليل عليه فلا يخلو :- إما أن يتعقد أنه هو واضع البركة الذي بيده النفع والضر ، فهذا من الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية ، وإما أن يكون يعتقد أن البركة من الله تعالى وأن الله تعالى هو واضع البركة ولكنه ظن أن هذا الشيء فيه بركة ، فهذا من الشرك الأصغر ، فانتبه لهذا بارك الله فيك ، فإننا لا نريد أن تعتقد إلا ما دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وسار عليه سلفنا الصالح ، لأننا نرجو لك الصلاح والهدى والتوفيق لكل خير ، ومما قرره أهل السنة رحمهم الله تعالى في هذا الباب ضرورة التفريق بين البركة الذاتية المنتقلة ، والبركة المعنوية اللازمة ، وقالوا :- إن البركة العينية لا تكون إلا في ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، فذاته صلى الله عليه وسلم ذات مباركة ، ولذلك فقد ثبت في الأحاديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بعرقه وثيابه ووضوئه وبقية شرابه صلى الله عليه وسلم ، لأن ذاته صلى الله عليه وسلم ذات مباركة ، وبركتها تنتقل لما لامسها ، وهذا باتفاق أهل السنة رحمهم الله تعالى ، بل ويجوز على قول أهل السنة رحمهم الله تعالى التبرك بآثاره ولو بعد مماته صلى الله عليه وسلم ، ولكن اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن آثاره كلها قد فقدت فلم يبق منها شيء ، وأما ما يذاع هنا وهناك من أن من أثر النبي صلى الله عليه وسلم فهو كذب وافتراء يراد به ابتزاز أموال الناس وإفساد عقيدتهم ، واتفق عامة أهل السنة رحمهم الله تعالى على أنه ليس في الأمة من بركته بركة ذاتية منتقلة غيره صلى الله عليه وسلم ، فليس شيء من أجزاء الأرض بركته بركة ذاتية منتقلة ، ولم يبق في الأمة إلا ما بركته بركة معنوية لازمة ، أي أنها لا تنتقل عن محلها ، كبركة رمضان ، وعاشوراء ، وعشر ذي الحجة ، وغيرها مما ثبتت فيه البركة من الأزمنة وكبركة المسجد الحرام ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، وماء زمزم ، وبركة القرآن ونحوها مما ثبتت فيه البركة بالدليل الصحيح الصريح ، فبركة هذه الأشياء إنما هي بركة معنوية لازمة ، لا ذاتية منتقلة ، وقد أوجب الخلط بين نوعي البركة فسادا كبيرا في الاعتقاد ، وبدعا كثيرة لا عد لها ولا حصر ، فالواجب على أهل العلم أن يبينوا للناس الفرق بين هذين النوعين ، ولعلنا نفرد فيها رسالة خاصة إن شاء الله تعالى ، والمهم هنا أن تعلم أن الأصل في باب التبرك بالأعيان والأزمنة والأمكنة التوقيف على الأدلة ، وما قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى ذلك إلا ليسدوا باب البدع والإحداث ، وباب الشرك والوثنية ، فسد هذا الباب من أهم المهمات ، وهو الذي تفيده قاعدة (سد الذرائع) فانظر كيف بركة هذه القاعدة ، وانظر كيف حرص الشريعة على تقريرها ، واطلع كيف اهتم أهل العلم رحمهم الله تعالى على بيانها البيان الكامل ، والله يتولانا وإياك .

{ فصل }

ومن الأمور المهمة التي قررتها الشريعة تفريعا على هذه القاعدة الطيبة( سد باب الأقوال التي قد توهم أو تفضي إلى مشاركة الرب جل وعلا فيما هو من خصائصه ) وعلى ذلك أمثلة :-

فمنها :- سد باب التسمي بملك الأملاك ، وقاضي القضاة ، ونحوها من الأسماء التي تضفي على العبد الفقير العاجز الضعيف أوصافا لا تتناسب مع عبوديته لله تعالى ، قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ )) وقال رحمه الله تعالى *َقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ (( رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ )) قَالَ سُفْيَانُ يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ .... وقال مسلم في صحيحه:- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ - قَالَ الأَشْعَثِىُّ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ )) زَادَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ في رِوَايَتِهِ (( لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ )) قَالَ الأَشْعَثِىُّ قَالَ سُفْيَانُ مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ فَقَالَ أَوْضَعَ .... وقال رحمه الله تعالى :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ )) وللطبراني (( اِشْتَدَّ غَضَب اللَّه عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَلِك الْأَمْلَاك )) فهذه السماء وأمثالها لا تجوز ، لأنها توهم المشاركة مع الرب تعالى فيما هو من خصائصه جل وعلا ، ولأنها عبء على العبد الحقير فملك الأملاك هو الله تعالى ، وللحافظ ابن حجر في الفتح كلام جيد حول شرح هذا الحديث فارجع إليه إن شئت .

ومن هذه الأقوال أيضا:- تغيير النبي صلى الله عليه وسلم لاسم ( الحكم ) لما روقب فيه معنى الصفة ، وذلك فيما رواه النسائي رحمه الله تعالى في سننه قال :- أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ { عَنْ أَبِيهِ } عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَهُ وَهُمْ يَكْنُونَ هَانِئًا أَبَا الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ )) فَقَالَ إِنَّ قومي إِذَا اخْتَلَفُوا في شيء أتوني فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فرضي كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ قَالَ (( مَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوُلْدِ )) قَالَ لي شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ, قَالَ (( فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ )) قَالَ شُرَيْحٌ, قَالَ (( فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ )) فَدَعَا لَهُ وَلِوَلَدِهِ . فانظر كيف غير النبي صلى الله عليه وسلم كنيته لما روقب فيها معنى الصفة ، سدا لذريعة توهم أنه ممن يجب الحكم بقوله مطلقا ، وذلك هو الله تعالى ، فهو الحكم العدل ، جل وعلا ولذلك اشترط أهل السنة رحمهم الله تعالى في التسمي بشيء من أسماء الله تعالى أن لا يكون من الأسماء الخاصة به جل وعلا ، وأن يكون مجردا عن ( أل ) وأن لا يراقب فيه معنى الصفة ، وكل هذا لسد ذريعة المشابهة بالله تعالى.

ومن ذلك أيضا :- قول ما شاء الله وشئت ، وهذا مما لا يجوز ، قال النسائي رحمه الله تعالى في سننه :- أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ قُتَيْلَةَ - امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ - أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا (( وَرَبِّ الْكَعْبَةِ )) وَيَقُولُونَ (( مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ )) فلا يجوز أن يقرن مع الله تعالى غيره في المشيئة بـ ( واو ) العطف ، لأنها تفيد في اللغة مطلق الجمع وهذا لسد ذريعة مساواة غير الله تعالى بالله تعالى فيما هو من خصائصه ، وهذا كله لحماية جناب التوحيد ، ولسد أبواب الشرك والتنديد .

ومن ذلك أيضا:- ما نص عليه أهل العلم رحمهم الله تعالى من منعهم لقول ( لولا الله وفلان ) وقول ( لولا كليبة فلا لأتانا اللصوص ) وقول ( لولا البط في الدار لأتانا اللصوص ) ونحو هذه الأقوال التي فيها الجمع بين الله تعالى وغيره بواو الجمع ، كل ذلك مما لا يجوز لسد ذريعة الشرك والتنديد ، وهو كثير في كلام الناس ، ولكن يجب بيان هذه المسائل لهم ليحذروا منها ، والمخرج من ذلك أن تقول ( لولا الله ثم فلان ) أو لا تجعل فيها فلانا أصلا ، فتقول ( لولا الله وحده ) وتقول ( ما شاء الله وحده ) أو تقول ( ما شاء الله ثم شئت ) فهذا الباب قد سدته الأدلة ، وما ذلك إلا لسد الذرائع الموصلة إلى الوقوع في الشرك ، والله يتولانا وإياك .

{ فصل }

ومن هذه الأبواب أيضا ( باب الحلف بغير الله تعالى ) فإن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أنه لا يجوز الحلف إلا باسم من أسماء الله تعالى ، أو صفة من صفاته ، وأما الحلف بغيره فإنه من الشرك ، ولكن يكون من الشرك الأصغر إن لم يصاحبه تعظيم ، وأما إن صاحبه تعظيم كتعظيم الله تعالى فإنه يتحول إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية ، فلا يجوز الحلف لا بالآباء ولا بالأمهات ولا بالأنداد ولا بالطواغيت ، ولا بالأمانة ، ولا بالعمر ولا بالحياة ، ولا بالعيش والملح ولا بالوجه ، ولا بأي شيء من المخلوقات ، فالحلف بغير الله تعالى منع كله لأنه يفضي إلى التنديد الكامل الذي يحصل به الخروج من الملة ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ ((أَلاَ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ)) فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا ، فَقَالَ (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ )) وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( لاَ تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلاَ بِآبَائِكُمْ )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلاَ بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلاَ بِالأَنْدَادِ وَلاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلاَّ وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ )) وقال ابن ماجه في سننه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ )) وقال أحمد في المسند :- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بني هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في رَكْبٍ فَقَالَ رَجُلٌ لاَ وَأَبِى فَقَالَ رَجُلٌ (( لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ )) فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم . وقال البخاري في صحيحه :- حدثني إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ حَدَّثَنَا الزهري عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ في حَلِفِهِ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى , فَلْيَقُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ ، فَلْيَتَصَدَّقْ )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلاً يَحْلِفُ لاَ وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الطائي عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا )) وكل ذلك إنما هو لسد ذريعة الشرك الأكبر ، لأن الحلف من العبادات ، والمتقرر أن العبادة لا تكون إلا لله تعالى ، فانتبهوا لهذا رحمكم الله تعالى ، لا يدخلن عليكم الشيطان في شيء من ذلك ، فأحكموا في وجهه إغلاق الأبواب جعلت فداكم ، والله يتولانا وإياكم .

{ فصل }

ومن هذه الأبواب التي سدت خوفا من الوقوع في الشرك ( باب التمائم ) فإن باب التمائم إنما حرم لسد ذريعة الشرك ، فأما التمائم الشركية فاتفق العلماء رحمهم الله تعالى على منعها ، وأما التمائم من القرآن ففيها نوع خلاف ، والأصح فيها المنع ، ومما علل به المانعون عدة أشياء ، ومن ذلك :- سد الذريعة ، وهو تعليل معتبر صحيح ، فمن علق تميمة فقد وقع في الشرك ، لكنه لا يخلو من حالتين :- إما أن يعتقد أن الله تعالى هو الذي بيده جلب الخيرات ودفع المضرات ، وأن هذه التميمة سبب من الأسباب فقط ، فهذا هو الشرك الأصغر ، لأنه اعتقد سببا ما ليس بسبب لا في الشرع ولا في القدر ، ولأنه وسيلة للشرك الأكبر ، وأما إن اعتقد أن التميمة هي بذاتها التي تجلب الخير وتدفع الشر فإنه قد وقع في الشرك الأكبر ، فهذا الباب كله حرام ، قال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ يَحْيَى ابْنِ الْجَزَّارِ عَنِ ابْنِ أخي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ )) قَالَتْ قُلْتُ لِمَ تَقُولُ هَذَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عيني تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلاَنٍ اليهودي يرقيني فَإِذَا رقاني سَكَنَتْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّمَا ذَاكِ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخَسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تقولي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشافي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا )) وفي الحديث (( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللَّهُ لَهُ )) وفي الحديث (( من تعلق تميمة فقد أشرك )) وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرويفع (( يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَراً أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ )) وقال البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأنصاري رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ في مَبِيتِهِمْ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً (( أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ )) وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأنصاري أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ:- فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ في مَبِيتِهِمْ - (( لاَ يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ )) قَالَ مَالِكٌ أُرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ . فباب التمائم كله لا يجوز ، لأنه من الأبواب التي توصل صاحبها إلى الشرك ، وسدا لذريعة الوقوع في الشرك تمنع التمائم كلها ، من القرآن ، وغير القرآن ، والله يتولانا وإياك

{ فصل }

ومن هذه الأبواب التي سدت خوفا من الوقع في الشرك ( باب الطيرة ) فإن الأصل منع التطير بالشيء إلا بدليل ، وذلك لأن التطير بالشيء قد يكون جارا صاحبه إلى اعتقاد أن هذا الشيء هو الذي جلب الشر أو دفع الشر بذاته ، وهذا هو الشرك الأكبر ، فمن تطير بشيء ، أي تشاءم منه فلا يخلو :- إما أن يكون يعتقد أن الله تعالى هو الذي بيده النفع والضر وأن أحدا لا يملك مع الله تعالى شيئا ، ولكن هذا المرئي أو هذا المسموع من أسباب التطير فقط فهذا هو الشرك الأصغر وأما إن اعتقد أن هذا الشيء المتطير به هو الذي أوجب الشر بذاته فهذا هو الشرك الأكبر المحرج لصاحبه من الملة ، فباب التطير كله ممنوع لسد ذريعة الوقوع في الشرك ، قال البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ ، ويعجبني الْفَأْلُ الصَّالِحُ ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ )) وقال مسلم في صحيحه: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزهري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( لاَ طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ )) قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ قَالَ (( الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ )) وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَوْفٌ حَدَّثَنَا حَيَّانُ قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ حَيَّانُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (( الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ )) وقال في سننه أيضا :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَاَصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ )) ثَلاَثًا (( وَمَا مِنَّا إِلاَّ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ )) وقال أيضا :- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ الْمَعْنَى قَالاَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَحْمَدُ الْقُرَشِىُّ قَالَ ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (( أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لاَ يأتي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ )) فالطيرة كلها لا تجوز ، إلا ما ورد به النص ولبحثه موضع آخر ، حتى لا نكدر عليك صفو الاستدلال ، فليتق الله تعالى هؤلاء الذين يتشاءمون مما يرونه أو يسمعونه ، فإن الطيرة شرك ، وهي من أخطر ما يحبط الهمم والعزائم عن المصالح, وهي من اعتقادات الجاهلية التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم بسد أبوابها ، والله يتولانا وإياك .

{ فصل }

ومن هذه الأبواب أيضا ( تحريم الغلو ) وهو تجاوز الحد ، وهو أس البلاء وبوابة الشرك الكبرى وهو مصيدة الشيطان التي لا يكاد يسلم منها إلا القليل ، وهو الذي أوقع من قبلنا من اليهود والنصارى فيما وقعوا فيه من الشرك والوثنية ، بل هو أصل الشرك وبذرته الأولى ، وهو أوسع الذرائع الموصلة إليه ، وقد وردت الأدلة بالتحذير منه ، قال تعالى }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ {وقال النسائي في سننه :- أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ (( هَاتِ الْقُطْ لِى )) فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ في يَدِهِ قَالَ بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ (( وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ في الدِّينِ )) وهذا الحديث وإن ورد على سبب خاص ، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وكل دليل يدل على وجوب التزام الوسطية في العقيدة والعمل فإنه دليل على الأمر بمجانبة الغلو ، لأن الوسطية طريق بين هاويتين ، وهدى بين ضلالتين ، وهي ضد الغلو في الجهتين ، في جهة الإفراط ، وفي جهة التفريط ، والمتقرر أن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِى حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النبي صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النبي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ , قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فإني أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا , وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ , وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا , فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (( أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إني لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سنتي فَلَيْسَ مِنِّى )) وهذا أمر بالوسطية ومجانبة الغلو ، وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ دَخَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ (( مَا هَذَا الْحَبْلُ )) قَالُوا هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ , فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (( لاَ ، حُلُّوهُ ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ )) وهذا أمر بالوسطية ، ويتضمن النهي عن الغلو في الدين ، وقال رحمه الله تعالى :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أخبرني أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ (( مَنْ هَذِهِ )) قَالَتْ فُلاَنَةُ . تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا قَالَ (( مَهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا )) وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ . وهذا أمر بالوسطية ويتضمن النهي عن الغلو ، وقال رحمه الله تعالى :- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِى لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ )) فإن تكلف الصلاة وقهر النفس عليها حال الرغبة الشديدة للنوم من الغلو المنهي عنه ، وأعني بذلك صلاة النافلة ، والأدلة في هذا المعنى كثيرة ، ولنا رسالة خاصة في شرح قاعدة الوسطية عند أهل السنة رحمهم الله تعالى ، وما وقع الشرك في بني آدم إلا بسبب الغلو في الدين ، لاسيما الغلو في محبة الأولياء والصالحين ، كما قدمنا لك ذكره في سياقنا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ، والغلو هو الطامة الكبرى ، وهل وقع الممثلة فيما وقعوا فيه من تمثيل صفات الله تعالى بخلقه إلا بالغلو ، وهل وقع المعطلة فيما وقعوا فيه من تعطيل الصفات إلا بسبب الغلو ، وهل وقع القدرية فيما وقعوا فيه من إنكار القدر إلا بسبب الغلو ، وهل وقع الجبرية فيما وقعوا فيه من إنكار قدرة العبد وإرادته إلا بسبب الغلو ، وهل عبدت القبور إلا بالغلو ، وهل طيف بها وذبح لها ونذر لها ودعي أصحابها من دون الله تعالى واستغيث بهم إلا بسبب الغلو في الدين ، وهل أطيع الأمراء والعلماء في معصية الله تعالى من تحليل الحرام أو تحريم الحرام إلا بسبب الغلو فيهم وفي طاعتهم ، وهل حلف بغير الله إلا بسبب الغلو ، وهل وقع الرافضة في الصحابة سبا وتجريحا وتكفيرا إلا بسبب الغلو ، وهل خرج الخوارج ومرقت المارقة إلا بسبب الغلو ، وهل رفع آل البيت إلى مراتب الألوهية إلا بسبب الغلو ، وهل كفر مرتكب الكبيرة أو قيل لا تأثير لكبيرته في إيمانه إلا بسبب الغلو ، وهل قتلت الأنفس البريئة المعصومة إلا بسبب الغلو ، وهل ... وهل ... وهل ، الخ ، فهو أساس البلاء ، وأصل المخالفة ، فالحذر الحذر أيها الناس من الغلو في الدين ، فإنه بوابة الشرك ، ومهيع الخسارة ، وقرين الهلاك ، وأكبر خطوات الشيطان، وأول الفساد في العلم والعمل ، ومفتاح دار الأحزان ، ودمار البلاد والعباد ، ومهلك الحرث والنسل ، فما حل الغلو في بلاد إلا هلك أهلها ، ولا في عقيدة إلا أفسدها ، ولا في عبادة إلا وجعلها في مصاف البدع في الأغلب ، ولا في قلب عبد إلا أفسد عليه انشراحه ونكد عليه سروره وشدد عليه أموره ، فالحذر الحذر يا عباد الله منه، فما تنصر النصارى إلا بسببه ولا تهود اليهود إلا عن طريقه ، وما تفرعن فرعون إلا به ، ولا أشرك من أشرك من الثقلين إلا وكان هو المقدمة والدليل ، فهو دليل الشرك ومحيي الوثنية ، نعوذ بالله تعالى من الغلو في الدين ، نعوذ بالله تعالى من الغلو في الدين ، نعوذ بالله تعالى من الغلو في الدين ، فانظر كيف سدت الشريعة باب الغلو كله أوله وآخره ، لأجل سد أبواب الفساد ، لا سيما باب الشرك الأكبر ، وهذا كله متفرع تحت القاعدة الكبرى (سد الذرائع) فالله أكبر ، ما أعظم هذه القاعدة ، وما أكبر تأثيرها في الفروع ، والله المستعان على من يزهد الناس في دراسة القواعد، والله يتولانا وإياك .


أبو الشيماء 23-06-2011 07:06 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
{ فصل }
ومن هذه الأبواب التي سدت وأحكم غلقها لسد ذريعة الشرك باب ( الإحداث في الأسباب) ذلك لأن المتقرر أن السبب والمسبب والرابط بينهما إنما هو من فعل الله تعالى ، فالله تعالى هو الذي خلق السبب وأثره ، وعليه :- فالمتقرر أنه لا يجوز اعتقاد سبب ما ليس بسبب لا شرعا ولا قدرا لأن هذا الاختراع تدخل في باب الربوبية ، وهذا أقل أحواله أن يكون من الشرك الأصغر ، إلا إن كان يعتقد أن هذا السبب بعينه هو الفاعل فهذا شرك أكبر ، فانظر كيف سدت الشريعة باب الإحداث في الأسباب سدا لذريعة الشرك الأكبر .
وعلى ذلك :- ما جاءت به الأدلة من تحريم نسبة المطر إلى النوء ، أعني نسبة سببية لا نسبة توقيت فقط ، فلا يجوز أن يقال :- مطرنا بنوء كذا وكذا ، أي بسبب نوء كذا وكذا ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ (( هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ )) قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ (( أَصْبَحَ مِنْ عبادي مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ )) والكفر هنا يحتمل أنه يراد به الكفر الأصغر فيما إن كان يقصد نسبة التسبب فقط ، أي أن هذا المطر الذي نزل سببه النوء الفلاني ، فهذا من الكفر الأصغر والشرك الأصغر ، وأما إن كان يقصد أن النوء الفلاني هو الذي أحدث وأوجد هذا المطر فهذا من الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية ، فسد باب الاعتقاد في الأنواء أنها من أسباب الخير والنعم لسد باب الشرك ، وهذا كله يتفرع على القاعدة الكبرى ( سد الذرائع )
ومن ذلك أيضا :- سد باب التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ، لأن الدليل قد قرر أن تعليق التميمة من الشرك ، لكنه يكون من الشرك الأصغر إن اعتقد أن النافع والضار هو الله تعالى وإنما التميمة من أسباب دفع البلاء ، لا أن التميمة هي التي تجلب الخير بذاتها أو تدفع الشر بذاتها فيكون من الشرك الأكبر ، وقد قدمنا الأدلة على هذا .
ومن ذلك أيضا :- سد باب التطير ، كما ذكرناه لك سابقا .
ومن ذلك أيضا :- سد باب إتيان الكهان والسحرة ، لأنه يفضي بالعبد إلى تصديقهم فيما يدعونه من علم الغيب فيفضي به ذلك إلى الوقوع في الشرك الأكبر المخرج عن الملة ، والحق أنه لا يجوز حل السحر بالسحر كما شرحناه في رسالة مستقلة في هذا الشأن بينا فيها الأدلة والقواعد المتقرر في تحريم إتيان الكهان والسحرة للعلاج عندهم ، وكل هذا قد سدت الشريعة بابه لأنه يفضي بالعبد إلى الوقوع فيما لا تحمد عقباه من الشرك الأكبر ، ولذلك فإن المتقرر في الأسباب أنها مؤثرة لكن لا بذاتها ، بل بجعل الله تعالى لها مؤثرة ، والمتقرر أن من اعتقد سببا لم يدل عليه شرع ولا قدر فقد وقع في الشرك الأصغر ، وإن اعتقد أن السبب هو الفاعل بذاته فقد وقع في الشرك الأكبر .
{ فصل }
ومن هذا الباب أيضا سد أهل السنة والجماعة ( باب البحث عن كيفية صفات الله تعالى ) فإن المتقرر عند أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى أن نصوص الصفات مما يعلم معناه ، وأما كيفيتها على ما هي عليه في الحقيقة والواقع فهذا أمر لا يعلمه إلا الله تعالى ، ولا يجوز البتة البحث في كيفية شيء من صفات الله تعالى ، لأن كيفية الشيء لا تعلم إلا برؤيته ، أو رؤية نظيره ، أو إخبار الصادق عنه ، وكلها منتفية في حق صفات الله تعالى ، ولذلك قال تعالى }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{ وقال }وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ وقال } فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ { وأنه لا بد من قطع الطمع في التعرف على كيفية صفات الله تعالى ، مع الاعتقاد الجازم أن لها كيفية ، ولكن لا يعلم أحد كيف الله تعالى إلا الله تعالى ، وأهل السنة سدوا هذا الباب حتى لا يقع العبد في تمثيل صفات الله تعالى بصفات شيء من خلقه ، فيوقعه هذا في التمثيل الموصل بالعبد لدائرة الكفر والعياذ بالله ، ولذلك قرر أهل السنة رحمهم الله تعالى أن من شبه الله تعالى بخلقه فقد كفر ، وهذا التشبيه الكفري لا يصل العبد إليه إلا بفتح باب البحث عن كيفية الصفة ، فسد باب البحث فيها حتى يسد باب الكفر ، لأن التشبيه هو الذي أوقع أهل التمثيل في الكفر ، وأوقع أهل التعطيل في الكفر ، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله تعالى به نفسه فقد كفر ، وهذا كله باب مسدود وسده لا يكون محكما إلا بسد باب البحث عن الكيفية ، ولذلك ما سلم في دينه من فتح لعقله البحث عن كيفية شيء من صفات الله تعالى ، فانظر كيف دخلت هذه القاعدة في أبواب العقيدة دخولا كبيرا ، لأن من أبواب العقيدة ما تكون العلة في سده أنه مفض إلى الوقوع في الكفر أو الشرك , والله المستعان .
{ فصل }
ومما يفرع على هذه القاعدة أيضا أنه ( لا يجوز النظر في التوراة والإنجيل ، ولا يجوز النظر في كتب أهل البدع ) حتى لا يقع في قلب الناظر شيء من الريب والشك فيهلك ، فإن الشبه خطافة والسلامة منها في ترك النظر فيها ، أو سماعها ، فلا بد من حماية القلب والعقل مما قد يكون سببا في ضلاله وهلاكه ، ولا بد من حماية العقيدة مما يكون سببا في فسادها ، وهذا لا يكون إلا بسد هذا الباب السد المحكم ، ولذلك فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر صحيفة من أهل الكتاب ، فقد روى أحمد في المسند قال :- حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِىَِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ وَقَالَ (( أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ والذي نفسي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شيء فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِى نفسي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يتبعني )) فلا يجوز النظر في كتب أهل البدع ولا كتب أهل الكلام المذموم ، والذي مبناه على مخالفة المنقول ومناقضة المعقول ، وهل أفسد على كثير من المسلمين عقيدتهم إلا لما نظروا في هذه الكتب قبل التضلع من علوم الكتاب والسنة ، وأما من كان عالما بالكتاب والسنة وعقيدة سلف الأمة وأخذ منها الحظ الوافر والنصيب الأكبر ، ثم طالع شيئا من كتب أهل البدع ليتعرف على عقيدتهم من كتبهم للرد عليها ولكشف عوارها فلا حرج ، لكن الباب ليس مفتوحا لكل أحد سدا لذريعة فساد العقيدة والعمل والله المستعان .
{ فصل }
وأما في مسائل الفقه فقد كان أهل العلم رحمهم الله تعالى يعللون بهذا الأصل كثيرا - أعني بسد الذرائع - وهي من القواعد المقررة في الفقه ، وأنا أضرب لك أمثلة كثيرة جدا على ذلك وأذكر لك الأدلة عليها حتى يطمئن قلبك لهذه القاعدة وتفهمها فهما جليا فأقول :-
منها:- أن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أن ( كل وسيلة تفضي إلى الوقوع في الفاحشة فهي حرام ) وعليه :-
فالصحيح:- أنه لا يجوز سفر المرأة بلا محرم ، لأنه من هذه الوسائل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم )) والأحاديث في اشتراط المحرم كثيرة.
ومن ذلك :- أنه يحرم الخلوة بامرأة أجنبية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما )) وقال عليه الصلاة والسلام (( إياكم والدخول على النساء )) فقال رجل :- يا رسول الله ، أرأيت الحمو ؟ فقال (( الحمو الموت )) وعاملة المنزل أجنبية عنك فلا يجوز لك الخلوة بها .
ومن ذلك :- أنه لا يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية ، لأن النظر لها من أعظم أسباب قيام داعي الفاحشة ، فإن النظر بريد القلب ، قال الله تعالى }قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ{ وقال }وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ { فقد تبين أن غض البصر دليل على حفظ الفرج ، لأن من لا يحفظ بصره فإنه غير قادر على حفظ فرجه من باب أولى ، وهذا من باب سد الذريعة .
ومن ذلك :- أنه أوجب على المرأة أن تحتجب ، والصحيح أن الحجاب لا يكون من الحجاب الشرعي إلا إن كان ساترا لكل تفاصيل جسمها ، لا سيما وجهها ، فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها وقد بدا منها أي شيء ، حتى ظفرها ، قال تعالى } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ { وقال تعالى } وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ { إلى أن قال تعالى } وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ{ والأدلة في الأمر بالحجاب كثيرة جدا ، ودعك ممن يقول:- إن الوجه ليس مما يجب تغطيته ، فإن هذا القول وإن قال به بعض الأئمة ولكنه خطأ لا بد من تصحيحه ، بل الحق الحقيق بالقبول والاعتماد هو أن وجه المرأة من زينتها المأمورة بستره ، بل هو من أعظم زينتها ، ولا يمكن أن تأمر الشريعة بستر خلخالها الذي في رجلها وهي في الغالب ليست محط النظر ، وتجيز لها كشف وجهها الذي هو محط الجمال والزينة .
ومن ذلك :- نهيها عن الخضوع في القول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض ، قال تعالى }فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ{ والمرض هنا مرض الشهوة ، فإن صوت المرأة ليس بعورة في ذاته ، ولكنه يكون عورة إن تأنثت فيه التأنث المفضي إلى ميل قلوب الرجال ، وهو الذي عبر عنه القرآن بالخضوع ، وهو التكسر في الكلام بحيث يشعر الرجل أنها ذات ملاحة وجمال ودلال ، فإن الأذن تعشق قبل العين أحيانا ، كما قيل .
ومن ذلك :- أن الشريعة نهت المرأة أن تصف امرأة أخرى لزوجها أو أحد محارمها كأنه يراها رأي العين ، حتى لا تتعلق نفسه بها ، فيحصل الممنوع شرعا ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (( لاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا ، كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا )) وما ذلك إلا لأن نفسه ستتعلق بهذه المرأة الموصوفة وسيكون هذا من فتح أبواب الشيطان عليه ، ومن ذلك أن الشريعة نهت أن يفضي الرجل للرجل في الثوب الواحد ، وأن تفضي المرأة للمرأة في الثوب الواحد ، خشية من وقوع المحذور بملامسة الأجساد ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (( لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلاَ يُفْضِى الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلاَ تفضي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ )) .
ومن ذلك :- أن الشريعة أمرت بالتفريق بين الأولاد في المضاجع إن بلغوا عشر سنين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع )) وكل ذلك لسد ذريعة الوقوع فيما لا تحمد عقباه ، ومن ذلك تحريم الخلوة بالغلام الأمرد ، فإن فتنته أعظم وأشد من فتنة النساء ، قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وكذلك مقدمات الفاحشة عند التلذذ بقبلة الأمرد ولمسه والنظر إليه هو حرام باتفاق المسلمين كما هو كذلك في المرأة الأجنبية ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك إذا مس الأمرد لشهوة والتلذذ بمس الأمرد كمصافحته ونحو ذلك حرام بإجماع المسلمين كما يحرم التلذذ بمس ذوات المحارم والمرأة الأجنبية ) وقال رحمه الله تعالى ( والنظر إلى وجه الأمرد بشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو كانت شهوة التلذذ بالنظر كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلوما لكل أحد أن هذا حرام فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة ) وقال رحمه الله تعالى ( وكذلك المردان الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة إلا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب ولا من رقصه بين الرجال ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس والنظر إليه كذلك ) وقال رحمه الله تعالى ( ولهذا كان النظر الذي قد يفضى إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لحاجة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز ومن كرر النظر إلى الأمرد ونحوه وأدامه وقال إني لا أنظر لشهوة كذب في ذلك فإنه إذا لم يكن له داع يحتاج معه إلى النظر لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ) وكلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة كثير لا يكاد يحصر ، ولذلك فإنه لا يجوز تصوير النساء في الأفراح على القول الصحيح ، والصحيح أنه لا يجوز سفر المرأة بلا محرم حتى للحج والصحيح أن كف المرأة يجب ستره ، والصحيح أنه لا يجوز لها أن تكون إمامة للرجال في الصلاة والصحيح أن الأمرد الجميل الذي يخاف منه وعليه الفتنة يعامل معاملة المرأة في خروجه وسفره والخلوة به ، ولا يصلح الناس إلا هذا ، وأما دعوى أن هذا من التشديد والتنطع والفقه الجديد فهو الذي فتح باب الشر على الناس ، فإن التساهل في مثل ذلك أوجب فسادا كبيرا وشرا مستطيرا.
ومن ذلك:- أنه لا يجوز للمرأة الخروج وهي متعطرة ، سدا لذريعة الافتتان بها ، حتى ولو للصلاة قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ حدثني بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا )) فإذا كان هذا في شأن حضور الصلاة ومكان التعبد فكيف بالأسواق وتجمعات الرجال ؟ فاللهم رحماك ، ومن ذلك سد أبواب الزنا الأصغر ، أعني به الموضح فيما رواه البخاري في صحيحه قال :- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ . حدثني مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّي وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ )) وقال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّي وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ )) فإن من أحكم إغلاق هذه الأبواب الخطيرة فإنه يسلم في الأعم الأغلب من الفاحشة الكبرى ، وفي الجملة فإن كل وسيلة تفضي إلى الفاحشة الكبرى فإنها فاحشة صغرى ، لا بد من سدها وإحكام سد الباب فيها ولا يجوز التغاضي أو التساهل فيها بوجه من الوجوه ، ولا استماع الرأي الآخر المخالف للمنصوص عليه من الكتاب والسنة ، بل الحق هو الذي يتكلم ، وأما الباطل فليس له إلا أن يسكت ، وهل حصل البلاء في أمتنا إلا لما أمدت للباطل جسور الكلام ، وفتح له المجال على موائد الحوار ، والله المستعان على هذا الزمان الذي كثرت فيه الدعاوى للحوار في مسائل هي من المسلمات بدلالة الكتاب والسنة .
والصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة .
والصحيح أنه لا يجوز التعليم المختلط ، ومن الذي تطيب نفسه بأن يفتي بجواز ذلك ؟ لا والله, هو حرام ، وحرام ، وحرام .
والصحيح أنه لا يجوز للمرأة الداعية أن تخرج في وسائل الإعلام المرئية المفتوحة ، وغيرها من الرجال يكفونها مؤنة ذلك ، وأنا أعلم أن بعض من سيطلع على هذا الكلام سيصفني بالتأخر والرجعية ، ولكن هذا لا يهم ، فقد قيل في النبي صلى الله عليه وسلم الأوصاف الكثيرة المستهجنة ولم يثنه هذا عن إتمام مسيرته ، والمهم :- أن كل وسيلة تفضي إلى الفاحشة فهي محرمة، والله أعلم.
{ فصل }
ومما يفرع على هذه القاعدة أعني قاعدة سد الذرائع ( تحريم كل طريقة توصل إلى شرب الخمر فالخمر حرام كلها ، وكل طريق يوصل إليها حرام مثلها ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه )) حديث صحيح ، فانظر كيف حرم النبي صلى الله عليه وسلم الخمر وحرم كل طريق يوصل إلى شربها وتعاطيها ، وما ذلك إلا لسد الذرائع الموصلة لها ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:- لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها وأكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له. حديث حسن صحيح ، فلا يجوز حينئذ أن تباع ولا أن تشترى ولا أن تحمل ولا أن تعصر ولا أن يؤكل ثمنها ، ولا أي طريق يوصل لها ، فالباب أمام تناولها مسدود ، وفي الحديث (( أتاني جبريل فقال : يا محمد ! إن الله عز و جل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستقيها )) حديث صحيح .
ومن ذلك:- أن الفقهاء رحمهم الله تعالى حرموا بيع العصير لمن يتخذه خمرا ، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان .
ومن ذلك:- أن الشريعة حرمت استعمالها في الدواء ، قال الإمام أحمد في المسند :- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الحضرمي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم (( إِنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ )) .
ومن ذلك :- أن الشريعة حرمت إبقاءها للتخليل ، ولو كانت خمر أيتام ضعفاء ، فلا يجوز إبقاء الخمر مطلقا ، قال مسلم في صحيحه :- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مهدي (ح) وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلاًّ فَقَالَ (( لاَ )) وقال أبو داود في سننه:- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّىِّ عَنْ أَبِى هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ (( أَهْرِقْهَا )) قَالَ أَفَلاَ أَجْعَلُهَا خَلاًّ قَالَ (( لاَ )) وكل ذلك من باب سد الذرائع التي تفضي إلى شربها .
ومن ذلك :- أن الشريعة نهت النهي الجازم عن بقاء الخليطين من العصير بعد ثلاث ، وذلك لسد ذريعة انقلابه إلى خمر ، قال مسلم في صحيح :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثقفي عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سِقَاءٍ يُوكَى أَعْلاَهُ وَلَهُ عَزْلاَءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً. وقال النسائي في سننه :- أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ قُدَامَةَ الْعَامِرِىِّ أَنَّ جَسْرَةَ بِنْتَ دَجَاجَةَ الْعَامِرِيَّةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ سَأَلَهَا أُنَاسٌ كُلُّهُمْ يَسْأَلُ عَنِ النَّبِيذِ يَقُولُ نَنْبِذُ التَّمْرَ غُدْوَةً وَنَشْرَبُهُ عَشِيًّا وَنَنْبِذُهُ عَشِيًّا وَنَشْرَبُهُ غُدْوَةً , قَالَتْ لاَ أُحِلُّ مُسْكِرًا وَإِنْ كَانَ خُبْزًا وَإِنْ كَانَتْ مَاءً. قَالَتْهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ . فانظر كيف سدت الشريعة أبواب الخمر كلها ، فلا يحل شربها بأي طريق من الطرق .
والحق:- أن سائر المخدرات المنتشرة في هذا الزمان ،كلها تأخذ حكم الخمر ، فالحبوب المخدرة والمفترة والتي تسمى بالحبوب الحمراء والبيضاء ، كلها لها حكم الخمر ، بل هي أخبث من الخمر وأشد تأثيرا على العقل منه ، وأسرع لتلف الجسد والروح من الخمر ، وما يسمى بالحشيشة ، أيضا هي محرمة ، بل هي أشد تحريما من الخمر ، لقوة أثرها وسرعة إذهابها للعقل ، ولله در أبي العباس رحمه الله تعالى لما جعل الخمر بمنزلة البول ، والحشيشة الجامدة بمنزلة العذرة ، بل أقول :- كل وسيلة توجب ذهاب العقل بتخميره فإنها محرمة ، فالخمر كلها بكافة أنواعها ، ومختلف أشكالها محرمة لا يحل منها شيء ، وأما تسميتها بأم الأرواح ، فإنها تسمية مضللة ، بل الحق أن تسمى بأم الخبائث ، التي تتلف الأرواح ، وتهلك العقول ، وتغضب الرب عز وجل ، وكل حيلة توصل إليها فهي محرمة ، وكل ذلك يتضمنه هذا الأصل الكبير ( سد الذرائع ) فهي في الحق قاعدة ينبغي الوقوف عندها وفهمها حق فهمها ، والإشادة بها ، فإنها من قواعد كمال هذا الدين ، وحصن حصين تحمى به الشريعة ، والله أعلم .

يتبع إن شاء الله...

أبو الشيماء 24-06-2011 01:55 AM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
{ فصل }
ومما يفرع على هذه القاعدة الطيبة الكبيرة أيضا جمل كبيرة من مسائل العبادات في كتاب الطهارة والصلاة والصوم والحج والسلوك والمعاملات وغير ذلك من أبواب الشريعة ، وأنا أذكر لك الفروع التي نص عليها الفقهاء أنها ممنوعة لسد الذريعة ، عسى أن ينشرح صدرك بالنظر فيها ، لتعلم كيف تأثير هذه القاعدة العظيمة في فروع الشرع :-
فمنها :- تحريم البول في الماء الدائم والاغتسال فيه من الجنابة ، فإنه لا يجوز للعبد أن يبول في الماء الذي لا يجري ولا يغتسل فيه من الجنابة ، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ،ثم يغتسل فيه )) وفي لفظ (( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب )) وفي لفظ في غير الصحيح (( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة )) وكل ذلك لسد ذريعة إفساده وتقذيره على الناس ، فإن المتقرر أنه لا يجوز إيذاء المسلمين ، فأي سبب ووسيلة تتضمن إيصال الأذى لهم بغير وجه الحق فإنها محرمة ، ومن هذه الوسائل البول في موارد مياههم التي يشربون منها ويستقون منها فإن الناس إن علموا أن فلانا قد اغتسل في هذا الماء الدائم القليل الذي لا يجري أو بال فيه ، فإن النفوس تعافه ، فيفضي هذا إلى تركه ، وهذا عين إفساده عليهم ، وقد نص على هذه العلة أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره رحم الله الجميع رحمة واسعة ، وفي حديث أبي سعيد الحميري عن معاذ رضي الله عنه قال :- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ الْبَرَازَ في الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ )) والمراد بالموارد :- أي مياه الناس ، ولذلك قرر الفقهاء رحمهم الله تعالى قاعدة هي متفرعة على قاعدة سد الذرائع ، تقول هذه القاعدة ( لا تقضى الحاجة في كل مكان للناس فيه منفعة مباحة ) ومن هذه الأماكن التي للناس فيها منفعة مباحة موارد الناس ، وفي الصحيح عن جابر قال :- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد . والله أعلم .
ومنها :- النهي عن قضاء الحاجة في طريق الناس المسلوك أو ظلهم ، لأن هذا الفعل يفضي إلى التضييق على الناس في أماكن راحتهم واستجمامهم ، ولأن لهم في ذلك منفعة مباحة ، وهي منفعة الاستطراق والاستظلال ، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال النبي صلى الله عليه وسلم (( اتقوا اللاعنين )) قالوا :- وما اللاعنان يا رسول الله ؟ قال (( الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم )) فلا يجوز هذا الفعل ، لما فيه من الضرر على الناس ، والمتقرر في قواعد الشرع:- أنه لا ضرر ولا ضرار ، فانظر إلى كمال هذا الدين العظيم ، زاده الله شرفا ورفعة .
ومنها:- النهي عن البول في الجحر ، فإن هذا منهي عنه لسد ذريعة الضرر على المتخلي ، إما لأن هذا الجحر قد يكون من مساكن الجن ، فيؤذيهم ، فيعودون عليه بالرد بالمثل فيؤذونه ، وإما خشية من أن يكون مسكنا لبعض دواب الأرض فتخرج فتؤذيه بسمها أو عضها ، والمهم أن كلا العلتين تفيدك أنه منهي عنه لسد الذريعة ، روى أبو داود في سننه قال :- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حدثني أَبِى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُبَالَ في الْجُحْرِ . قَالَ قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ في الْجُحْرِ قَالَ كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ . ولا بأس بسنده ، فمراعاة هذا الأصل الكبير الذي هو سد الذريعة أوجب النهي عن هذا الفعل .
ومنها:- النهي عن افتراش جلود السباع والجلوس عليها ، وهو حرام في حق الذكور والإناث وما ذلك إلا لأنه يكسب القلب هيئة منافية للهيئة المطلوبة منه من الانكسار والذل والخضوع لربه جل وعلا ، فإن العبودية المطلوبة من القلب تتنافى مع هذا الفعل ، ولذلك صار هذا الفعل من أفعال الجبابرة الذين لا حظ لهم في التعبد ، فالقلب لا بد أن يكون منكسرا لله تعالى ، وخاضعا له ومنطرحا بين يديه ، وهذا الفعل ينفي هذا المطلوب الشرعي عن القلب ، فنهت الشريعة عنه سدا لذريعة التسلط والتكبر والتجبر والتعالي على الخلق ، فعن أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال :- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع . رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ، وزاد :- أن يفترش . وعن معاوية رضي الله عنه أنه قال لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :- هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود النمور أن يركب عليها ؟ قالوا:- اللهم نعم . رواه أحمد وأبو داود ، ولأحمد :- أنشدكم الله ، أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ركوب صفف النمور ؟ قالوا :- نعم ، قال :- وأنا أشهد . وعن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه أنه قال لمعاوية رضي الله عنه :- أنشدك الله ، هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال :- نعم . وعنه رضي الله عنه قال :- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرير والذهب ومياثر النمور . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر )) رواه أبو داود ,فكل ذلك منهي عنه لسد ذريعة فساد القلب بالأوصاف المنافية لهيئة العبودية ، والله أعلم .
ومنها :- النهي عن الاستجمار باليمين ، فإنه من المعلوم أن اليمين هي اليد التي يتناول بها الإنسان أشياءه وهي اليد التي يأكل بها ، وهي اليد التي يسلم بها ، فلا بد من المحافظة عليها من أن يعلق بها ما يكون سببا للضرر ، من الروائح الكريهة ، أو الميكروبات التي لا تراها العين المجردة ، فلا بد من حمايتها من ملامسة النجاسات ، دفعا للضرر وحماية للصحة ، وسدا لذريعة الإضرار بالغير ، فنهت الشريعة أن تكون اليد اليمنى آلة للاستجمار والاستنجاء ، ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ، ولا يتنفس في الإناء )) وفي صحيح مسلم عن سلمان رضي الله عنه أنه قيل له :- هل علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة ؟ قال :- أجل ، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ، أو أن نستنجي باليمين ، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو نستنجي برجيع أو عظم . وقال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ حدثني عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ أَبِى مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى . فبالله عليك أي شريعة في هذا الوجود تتصف بهذه العظمة والكمال ؟ لا والله إنه الإسلام فقط ، دين النظافة والنزاهة ، ودين الصحة والعافية ، فالحمد لله تعالى على هذه النعمة الكبيرة التي والله مهما شكرنا الله عليها فإننا لن نوفيها حقها ، وهي نعمة الهداية لهذا الدين الكريم ، والله أعلم .
ومنها :- وجوب العمل باليقين والأصل في باب المياه وعدم إعمال الشك ، فالشك مطرح ، فكل ماء شككت في طهوريته فإن الأصل فيه الطهورية ، والواجب عليك هو العمل بهذا الأصل ، وإلغاء الشك ، فالشريعة سدت باب العمل بالشك في باب المياه حتى لا تفسد على الناس مواردهم وذلك حتى لا يكون فتحه معينا للشيطان على الوسوسة في المياه ، وهذا من باب سد الذرائع .
ومنها:- سد باب الشك في الطهارة ، فمن سمع قرقرة في بطنه وشك في الحدث فإنه يبني على يقين طهارته ، لأن فتح باب الشك في الطهارة من الأشياء التي تفسد على المرء كثيرا من عباداته وتدخله في باب عظيم من الوسوسة لا يكاد يغلق ، ويترقى به الشيطان منها إلى أبواب الاعتقاد فالشك من الأبواب الشيطانية الخطيرة التي لا بد أن تعامل بما قرره الشرع ، وإلا فإنه سيكون نارا مضطرمة في القلب لا يطفئها شيء ، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا وجد في بطنه شيئا ، فأشكل عليه أخرج منه شيء أو لا ، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )) رواه مسلم ، وفي الصحيحين من حديث عباد بن تميم عن عمه عبدالله بن زيد رضي الله عنه أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال (( لا ينصرف ، أو لا ينفتل حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )) متفق عليه ، فسدت الشريعة باب الوساوس في الطهارة ، حتى لا يكون للشيطان مدخل على القلب والروح والعقل في التشكيك ، والوسوسة ، فالحمد لله تعالى على هذه النعمة الكبيرة ، فلا شك ولا وسوسة في الإسلام ، وقد رأينا ورأى غيرنا الكثير من أصحاب الوساوس يتصرفون تصرف الأطفال والمجانين ، نسأل الله تعالى لهم العافية ، والله أعلم .
ومنها :- تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله ، وذلك لأن الشريعة قد سدت باب التشابه بين الرجال والنساء ، فأي فعل يتضمن التشبه فإنه ممنوع سدا للذريعة ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:- لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ . والمتقرر في قواعد الشريعة أن كل لبسة اختص بها النساء فإنها لا تجوز للرجال ، وكل لبسة اختص بها الرجال فإنها لا تجوز للنساء ، ومن ذلك أن الشريعة خصت المرأة بجواز لبس الحرير ، وأما الرجل فإنه يحرم عليه ذلك ، وعلة التحريم أن الرجل كامل برجولته فلا تحتاج رجولته إلى تكميل ، وأما المرأة فإنها تحتاج إلى ما يجملها ، كما قال الله تعالى }أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ {فمن طبيعة المرأة أن تكون في الحلية وأنواع الزينة والتجمل ، فلا يجوز للرجل التشبه بها فيما هو من خصائصها ، ومن ذلك لبس الحرير ، فلا يجوز للرجل أن يلبس الحرير ، والأدلة في هذا واضحة ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز أن يتخذ الرجل من الحرير بمقدار أربع أصابع ، قال البخاري في صحيحه :- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي ذِبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ :- قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ )) وقال النسائي في سننه :- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ((أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا)) حديث جيد ، والمهم أن تعلم أن العلة في التحريم إنما هي سد الذريعة , والله أعلم .
ومنها:- قال البركوي رحمه الله تعالى في كتابه زيارة القبور (الذي شرعه النبي عليه السلام عند زيادة القبور إنما هو تذكر الآخرة والاتعاظ والاعتبار بحال المزور والإحسان إليه بالدعاء له والترحم عليه حتى يكون الزائر محسناً إلى نفسه وإلى الميت فقلب هؤلاء الأمر وعكسوا الدين وجعلوا المقصود بالزيارة الشرك بالميت ودعاءه وسؤاله الحوائج واستنزال البركات منه ونحو ذلك فصاروا مسيئين إلى أنفسهم وإلى الميت فإنه عليه السلام لسد ذريعة الشرك نهى أصحابه في أوائل الإسلام عن زيارة القبور لكونهم حديثي عهد بالكفر لم لما تمكن التوحيد في قلوبهم أذن لهم في زيارتها وبين فائدتها وعلمهم كيفيتها تارة بقوله وتارة بفعله وذلك في الأحاديث الكثيرة لكن نذكر عدة منها في الإذن وبعضها في التعليم وفي ضمنها بيان الفائدة … أما التي في الإذن : فمنها حديثا أبي سعيد أنه عليه السلام قال (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا )) رواه الإمام أحمد والنسائي ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( زوروا القبور فإنها تذكر الموت )) رواه مسلم … وأما التي في التعليم: فمنها حديث سليمان بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا (( السلام على أهل الديار )) وفي لفظ مسلم (( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية )) … ومنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلتي منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول (( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد )) رواهما مسلم ، ومنها : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهة فقال ((السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر)) رواه الأمام أحمد والترمذي وحسنه … فإنه صلى الله عليه وسلم بين في هذه الأحاديث أن فائدة زيارة القبور إحسان الزائر إلى نفسه وإلى الميت أما أحسانه إلى نفسه فيذكر الموت والآخرة والزهد في الدنيا والاتعاظ والاعتبار بحال الميت وأما إحسانه إلى الميت فبالسلام عليه والدعاء له بالرحمة والمغفرة وسؤال العافية … فينبغي لمن يزور قبر ميت أي ميت كان , سواء كان من أولياء الله تعالى أو من غيرهم من المؤمنين أن يسلم عليه ويسأل له العافية ويستغفر له ويترحم عليه كما تقدم في الأحاديث ثم يعتبر في حال من زاره وما صار إليه حاله وماذا سئل عنه وبماذا أجاب وهل كان قبره روضة من رياض الجنة أو حفرة من النيران ثم يجعل نفسه كأنه مات ودخل في القبر وذهب عنه ماله وأهله وولده ومعارفه وبقي وحيداً فريداً وهو الآن يسأل فماذا يجيب وما يكون حاله ويكون مشغولاً بهذا الاعتبار مادام هناك ويتعلق بمولاه في الخلاص من هذه الأمور الخطيرة العظيمة ويلجأ إليه ) فانظر كيف ذكر رحمه الله تعالى أن العلة في النهي عن زيارة القبور أولا إنما كان لسد الذريعة ، أي سد ذريعة الشرك ، لأن القوم كانوا حديثي عهد بكفر ، وهذا من اعتبار أهل العلم رحمهم الله تعالى لهذا الأصل العظيم ، وفهمهم له من كثير من النصوص .
ومنها :- النهي عن الصلاة النافلة التي لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها ، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :- شهد عندي رجالٌ مرضيون أرضاهم عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب . وفي الحديث (( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب )) متفق عليه ، وفي حديث عقبة رضي الله عنه قال :- ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب . رواه مسلم ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن العلة من هذا النهي إنما هو سد ذريعة المشابهة بالمشركين ، وذلك فيما رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن عمرو بن عبسة كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان قال فسمعت برجلٍ بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً حراءٌ عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له ما أنت قال (( أنا نبيٌّ )) فقلت وما نبيٌّ ؟ قال (( أرسلني الله )) فقلت بأي شيءٍ أرسلك؟ قال (( أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله ولا يشرك به شيءٌ )) قلت له فمن معك على هذا الأمر؟ قال (( حرٌّ وعبدٌ )) قال ومعه يومئذٍ أبو بكر وبلال فقلت إني متبعك قال ((إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني)) قال فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهل يثرب من أهل المدينة فقلت ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟ فقالوا:- الناس إليه سراعٌ وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني قال (( نعم أنت الذي لقيتني بمكة فقلت يا رسول الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذٍ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة ٌ حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ... الحديث )) فقول النبي صلى الله عليه وسلم (( وحينئذ يسجد لها الكفار )) دليل على أنه إنما نهى عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة المشابهة بالمشركين في عبادتهم للشمس ، وهو أصل في اعتبار سد الذرائع ، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك، لئلا يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها، كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها، كان معلوماً أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم في نفسه أعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها؛ لئلا يفضي ذلك إلى دعاء الكواكب )
ومنها :- أن أهل العلم رحمهم الله تعالى قد أفتوا بأنه لا مجاز في القرآن ، وما ذلك إلا لسد أبواب التحريف والتعطيل في باب الأسماء والصفات ، وفي المسألة بحث ، لعلي أذكره في آخر الرسالة ولا أنساه .
ومنها:- تحريم الجمع بين الأختين في النكاح في قوله تعالى }وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ {وتحريم نكاح البنت على عمتها أو خالتها الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم (( لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها )) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا كله من باب سد ذريعة تفرق الأقارب ، وانزراع البغضاء والتدابر والشحناء والهجر بينهم ، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العلة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تزوج المرأة على العمة وعلى الخالة وقال (( إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم )) وهذا أصل في هذه القاعدة ، وعليه فنقول :- كل سبب يفضي إلى افتراق الأقارب وبث البغضاء بينهم فإنه ممنوع شرعا، لأن الشريعة أمرت بصلة الرحم ، وحرمت القطيعة ، فما كان سببا في صلة الأرحام فالأصل أنه مطلوب في الشرع إلا فيما خالف النص ، وما كان سببا للهجر والقطيعة فإنه ممنوع في الشرع إلا بدليل . وكل هذا من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- أن الأصل في باب التصوير المنع ، إلا ما دعت إليه الضرورة ، فالتصوير كله لا يجوز وأعني التصوير الذي من طبيعته الثبوت ، فحكمه الشرع أنه لا يجوز ، سواء منه التصوير المسمى بتصوير النحت ، أو المسمى بالتصوير الفوتوغرافي ، كل هذا محرم ، والعلة من التحريم إنما هي لسد ذريعة المضاهاة بخلق الله تعالى ، ولسد ذريعة الشرك ، فإن التصوير والشرك مرتضعان من ثدي واحد ، ولذلك فإن أول الشرك في قوم نوح إنما كان سببه الغلو في الصالحين ، بتصويرهم لهم, كما في حديث ابن عباس ، وقد ذكرناه سابقا ، والأدلة في هذا الشأن كثيرة ، ولنا فيها رسالة خاصة فعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصورين . وعن أبي الهياج حيان بن حصين الأسدي قال :- قال علي ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفا إلا سويته )) وفي رواية (( ولا صورة إلا طمستها )) وعن ابن عباس أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة ٌ )) وفي رواية (( ولا تماثيل )) وفي رواية (( ولا تصاوير )) وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ )) وعن أبي زرعة قال دخلت أنا وأبو هريرة دار مروان فرأى فيها تصاوير وفي حديث جرير داراً تبنى بالمدينة لسعيد أو لمروان - فرأى مصوراً يصور في الدار فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( قال الله عز وجل :- ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرةً أو ليخلقوا حبةً أو ليخلقوا شعيرة )) وكل هذه الأحاديث في الصحيح وهذا الباب إنما سد بابه سدا للذريعة التي ذكرتها لك قبل قليل ، فهو أصل في وجوب سد الذرائع والله أعلم .
ومنها:- تحريم بيع المسلم على بيع أخيه أو شرائه على شرائه ، أو خطبته على خطبته على يترك الأول أو يأذن ، وكل هذا ممنوع لسد ذريعة الاختلاف والتقاطع والتهاجر المنهي عنه ، واشتحان القلوب بالبغضاء والشحناء ، وهذا الباب مسدود كله ، فكل سبب يفضي إلى التهاجر بين المؤمنين فإنه ممنوع شرعا ، فعن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا - عباد الله – إخواناً )) زاد ابن عيينة وغيره (( ولا تقاطعوا )) وفي حديث مالك وغيره عن الزهري (( ولا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث )) وأخرجه مسلم من حديث شعبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً )) وعن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يبع أحدكم على بيع بعض )) وأخرجه البخاري من حديث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن نافع عن ابن عمر قال :- نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يخطب . وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له )) وأخرجه مسلم أيضاً من حديث أيوب والليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب بعضكم على خطبة بعضٍ )) فاستفدنا من ذلك قاعدة في السلوك كبرى تقول (كل ذريعة تفضي إلى التباغض والتدابر والتقاطع بين المسلمين فهي ممنوعة) والله أعلم .
ومنها :- وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى في شرح كتاب التوحيد على قول النبي صلى الله عليه وسلم (( إنه لا يستغاث بي ، وإنما يستغاث بالله )) قال ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استنكر هذه اللفظة، فقال "إنه لا يستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله عزّ وجلّ" مع أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قادراً على أن يَرْدَع هذا المنافق؟ وأن يُغيث المسلمين من شرّه؟، بلى، هذا من الاستغاثة الجائزة، لأنه استغاثة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يقدر عليه، لكن الرسول تأدُّباً مع الله سبحانه وتعالى، وتعليماً للمسلمين أن يتركوا الألفاظ التي فيها سوء أدب مع الله عزّ وجلّ، وإن كانت جائزة في الأصل، فقال "إنه لا يُستغاث بي" وهذا من باب التعليم وسدّ الذرائع لئلا يُتَطَرَّق من الاستغاثة الجائزة إلى الاستغاثة الممنوعة، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع من شيء جائز خوفاً أن يُفضي إلى شيء غير جائز، مثل ما منع من الصلاة عند القبور، والدعاء عند القبور، وإن كان المصلي والداعي لا يدعو إلاَّ الله، ولا يصلِّي إلاَّ لله، لكن هذا وسيلة من وسائل الشرك، كذلك هنا فالرسول أنكر هذه اللفظة سدًّا للذرائع، وتعليماُ للمسلمين، أن يتجنّبوا الألفاظ غير اللائقة ) فانظر كيف علل الشيخ قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنه لا يستغاث بي ، وإنما يستغاث بالله " بأن هذا من باب سد الذرائع ، فيكون هذا الدليل من جملة ما يستدل به على هذا الأصل الكبير .
ومنها:- تحريم بناء القباب على القبور ، هو من هذا الباب أيضا ، أي أن القول بتحريمها هو الحق وأن العلة في ذلك هي سد ذريعة التعظيم المفضي إلى الشرك الأكبر ، وهي من أخطر أنواع البناء على القبور فالواجب على ولاة الأمور هدم كل القباب التي على القبور ، أيا كان صاحب هذا القبر ، ونحن لا نقر القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الواجب هدمها ، ولكن التصرف في الهدم لا يكون في هذه المسألة لآحاد الناس بل لا بد من أن يكون القائم على هذا ولاة الأمر ، وما أصاب والله من بناها على قبره صلى الله عليه وسلم ، فالقباب كلها لا بد من هدمها ولا يجوز إبقاء شيء منها ، فإنها من أعظم ما يكون سببا للافتتان بالقبر ، وعلى أهل العلم أن يهدموها من قلوب من يعظمونها بالحجة والبيان المبني على الشفقة والرحمة والنصح بكمال الإخلاص ، فإنها إن هدمت من الصدور هدمت بإذن الله تعالى عن القبور والله المستعان .
ومنها :- تحريم شد الرحال إلى قبور الأولياء والصالحين ،فإنه مما لا يجوز ، أيا كان صاحب هذا القبر ، وذلك سدا لذريعة تعظميه وفعل ما لا يليق عند قبره من الأمور الشركية أو البدعية ، فلا يجوز شد الرحال إلى القبور ، ولو لقبور الأنبياء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى )) والحديث رواه عدد كبير من الصحابة ، رضي الله عنهم ، وهل عبدت القبور من دون الله تعالى إلا لما فتح باب شد الرحال إليها ، وأذكر أنني كنت وبعض الدعاة في ألبانيا ، نريد الرجوع إلى أهلنا ، فأشكل علينا أمر الحجز لكثرة من يريد السفر إلى مصر ، فسألنا عن السبب ، فإذا هو يوم السيد البدوي ، والناس من هناك يأتون ليحضروا الاحتفال به من كل مكان ، وهذه الطامة الكبرى ، وهذا أوجبه تجويز شد الرحال إلى القبور ، وقد أخطأ من أفتى به ، ولا حجة في فعل أحد من الخلق مع نص النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه نص واضح لا يحتمل النزاع ولا المناقشة ، فالواجب منع هذا ، وتنبيه الناس إلى خطورة الأمر ، وأنه مفتاح الوقوع في البدع والشرك ، ولو تأمل من أفتى بجوازه كبير المفاسد التي أنتجتها هذه الفتوى لبادر إلى منعه، فغفر الله لمن جوزه وعفا عنه , ما كان قصده فتح باب الشر على الأمة - حاشا وكلا - ولكنه اجتهد فأخطأ ، فلن يعدم الأجر إن شاء الله تعالى ، وأما من أجازها وهو من أهل البدع القبوريين فلا والله لا ندعو له ، بل ندعو عليه أن يكفي الأمة شره وشر فتواه ، والله المستعان .
ومنها :- ما حكاه ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله ( وأما ربا الفضل فتحريمه من باب سد الذرائع كما صرح به في حديث أبي سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإني أخاف عليكم الرماء )) هو الربا, فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة ، وذلك أنهم إذا باعوا درهماً بدرهمين ، ولا يفعل هذا إلا للتفاوت الذي بين النوعين , إما في الجودة ، وإما في السكة ، وإما في الثقل والخفة وغير ذلك تدعو بالربح المعجل فيها إلى الربح المؤخر ، وهو عين ربا النسيئة ، وهذه ذريعة قريبة جداً فمن حكمة الشارع صلى الله عليه وسلم أن سد عليهم هذه الذريعة ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقداً أو نسيئة ، فهذه حكمة معقولة مطابقة للعقول وهي تسد عليهم باب المفسدة ) والله أعلم .
ومنها:- أن المتقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وأنه إن تعارض مفسدتان روعي أعلاهما بتفويت أدناهما ، وأنه إن تعارض مفسدتان روعي أشدهما بارتكاب أخفهما ، ومن أدلة هذه الأصول قوله تعالى }وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {فالله تعالى حرم سب آلهة المشركين ، لأن المشرك إن سمع ذلك ، فإنه سينتقم لها ، ولو كان بسب الله تعالى ، انتقاما ممن سب آلهته التي يعظمها ، فإن مفسدة سب الله تعالى أعظم فمنع من ذلك من مصلحة سب آلهة المشركين ، سدا لذريعة سب الله تعالى ، فإن مفسدة سب الله تعالى أعظم من المصلحة المرجوة من سب آلهة المشركين ، وهذا أصل في باب سد الذرائع .
ومنها:- أن من الصحابة رضي الله عنهم من أفتى بأن قاتل النفس لا توبة له ، كابن عباس رضي الله عنه ، ولكن حمل كلامه بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى على أنه إنما يريد سد الذريعة وعدم التوسع في القتل ، لأن من استفتاه كان شاهرا سيفه والتمس ابن عباس منه أنه إنما يريد القتل إن علم أن له توبة ، فأفتاه بأن لا توبة له ، وإلا فالمذهب المعروف عن ابن عباس رضي الله عنهما أن القتل من جملة الذنوب التي لا تخرج عن قوله تعالى }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا {وهذا فيه دليل على اعتبار الصحابة للعمل بأصل سد الذرائع .
ومنها:- ما نص عليه الفقهاء رحمهم الله تعالى من أن المكاري الجاهل يحبس ، وأن المتطبب الجاهل يعزر ويحبس ، وأن المفتي الجاهل الذي يفتي الناس بغير علم يمنع ويعزر بما يراه الإمام رادعا له ، فأما المكاري فمنعه من دخول السوق يراد به سد ذريعة أكل أموال الناس بالباطل ، والشريعة جاءت بحفظ المال ، وأما المتطبب الجاهل فلسد ذريعة فساد الصحة وهلاك الأنفس ، لأن الشريعة جاءت بحفظ النفس ، وأما الحجر على المفتي الجاهل فلسد ذريعة فساد الدين ، لأن الشريعة جاءت بحفظ الدين ، وعليه فهنا عدة قواعد , الأولى :- كل ذريعة ومن شأنها فساد الدين فالواجب سدها ومنعها , الثانية :- كل ذريعة من شأنها إهلاك المال بغير وجه الحق فهي ممنوعة , الثالثة :- كل ذريعة من شأنها إهلاك النفوس وإتلاف الأطراف والاعتداء على الصحة بغير وجه حق فهي باطلة وكل هذا يدخل تحت هذا الأصل المبارك ( سد الذرائع ) .
ومنها :- ما قرره الفقهاء رحمهم الله تعالى بجواز قتل من تترس بهم الكفار من المسلمين إن تترس بهم العدو في حال هجومه على الدولة الإسلامية ، فإن لم نجد بدا من رميه إلا برميهم معهم فلا حرج ،لأن المتقرر أنه إن تعارض مفسدتان روعي أشدهما بارتكاب أخفهما، ولأن ترك العدو وما يريد مراعاة لمصلحة المسلمين الذين معه يوجب هلاك المسلمين أهل البلد ، واستباحة ديارهم وانتهاك أعراضهم ، فإن العدو الكافر لا يرحم عرض المسلم ولا توسله إن تغلب عليه ، فلما كان ترك العدو يوجب هذه المفاسد كان لا بد من سد جميع ذرائعها ، فنحن نقول :- بجواز رمي الكفار وإن تترسوا بمسلمين سدا لذريعة هلاك أهل الإسلام واستباحة أموالهم وأعراضهم وأرواحهم ولأن المتقرر أن الضرر الخاص يحتمل من أجل الضرر العام .
ومنها:- ما نص عليه الفقهاء رحمهم الله تعالى من أن من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه فإن هذه القاعدة تدخل تحت هذا الأصل المبارك ( سد الذرائع ) وبيان ذلك ، أن من أوصى لك بشيء ، ولكنه طال عمره ، والوصية لا تنفذ إلا بعد الموت ، واستبطأت موته ، وكان الموصى له قليل الديانة ، فاستعجل تنفيذ الوصية فقتل الموصي ، فهو هنا قد استعجل الشيء قبل أوانه ، وفي هذه الحالة فإنه لا بد وأن يعاقب بحرمانه ، لأن هذا يسد ذرائع القتل بغير وجه حق ، والدين جاء بحفظ النفوس ، فسدا لذريعة القتل منعت الشريعة القاتل من حق الوصية ، وكذلك نقول :- إن المتقرر أن القاتل ليس له حق في الميراث ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يرث القاتل شيئا )) وذلك لسد ذريعة القتل أيضا ، فإن الوارث إن كان قليل الدين وتأخر موت مورثه فقد تسول له نفسه أن يقتله ليستعجل الإرث ، فسد هذا الباب سدا لذريعة القتل ، وكذلك نقول :- إن الفقهاء رحمهم الله تعالى قد أفتوا بأن الرجل إن كان قد طلق زوجته في مرضه المخوف عليه من الموت فيه فإن طلاقه هذا لاغ غير معتبر ، لأنه لو فتح هذا الباب لضاعت حقوق النساء في أموال أزواجهن فسدا لضياع الحقوق لا سيما حق المرأة لم تعتبر الشريعة الطلاق في المرض المخوف عليه منه شيئا وهذا والله العظيم هو عين الكمال ، فالحمد لله تعالى على أن جعلنا من أهل هذه الشريعة المباركة زادها الله شرفا ورفعة .


يتبع إن شاء الله....

أبو الشيماء 24-06-2011 08:56 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
الصحيح والرأي الراجح المليح هو أن من طلق زوجته باللفظ الصريح فإننا نوقع عليه مقتضى لفظه هذا ، ولا ننظر إلى نيته وقصده ، خلافا لبعض المذاهب التي تطلب النية حتى في الألفاظ الصريحة ، وهذا فيه خطر كبير ، إذ كل أحد يستطيع التلاعب بأمور المقاصد فيما بيننا وبينه ، لأننا لا نراها ولا نستطيع الاطلاع عليها ، فيكثر التلاعب بأمور الفروج ، ألا ترى أن من يستفتي في أمور الطلاق في الغالب أول ما يقول :- كنت غضبانا ، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون أن الغضب من موانع الحكم بالطلاق ، فيكثر على الناس التلاعب بأمر الطلاق ، وعدم الاهتمام بشأنه فلو فتح لهم هذا الباب لتقحموا فيه تقحم الإبل على الماء من شدة الظمأ في الهاجرة ، فالفقهاء رحمهم الله تعالى نظروا إلى هذا الأمر ، وقرروا قاعدة تقول (الألفاظ الصريحة تترتب عليها آثارها ولا نظر إلى نية أصحابها ) وأما الكنايات التي تحتمل الطلاق وغيره ، فهذه هي التي تفتقر إلى النية والمتقرر عند أهل العلم قاعدة تقول ( الكنايات لا تترتب آثارها إلا بالنيات ) والله أعلم .
ومنها:- قال الشيخ محمد رحمه الله تعالى في الشرح الممتع ( وقوله «ودواعيه» دواعي الوطء كل ما يكون سبباً في الجماع كالتقبيل، والنظر إليها بشهوة، وتكراره، والضم، يقول المؤلف: إنها حرام سداً للذرائع ، وقياساً على المحرم فلا يجوز له أن يجامع ولا أن يباشر ) فالأصل في التحريم الجماع إلا أن من كمال التحريم منع جميع مقدماته من القبلة والملامسة والضم ، وذلك سدا للذريعة ، وهو تخريج صحيح.
ومنها :- استئجار المرأة الأجنبية لخدمة الرجل ، حيث منعه الشافعية مطلقاً سداً للذرائع ، والحنفية قالوا بكراهته للأعزب ، وجوازه بدون الخلوة للمتزوج الذي معه أهله ، ووافقهم المالكية وأضافوا شرطاً آخر وهو كونه مأموناً ، في حين أجازه الحنابلة مطلقاً بشرطين هما عدم الخلوة وعدم النظر إليها، والراجح هو قول المالكية ، لأن الأعزب لا يؤمن من الوقوع في محرم ، وأن اشتراط كون المتزوج مأموناً شرط جيد يدرأ الفساد ، وما هذا إلا لسد ذريعة الفساد ، والله أعلم .
ومنها :- اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في السكران إذا سرق ، هل يقام عليه الحد ؟ والراجح إن شاء الله أنه يقام الحد عليه ، حتى لا يكون الاعتذار عنه ذريعة لمن أراد أن يسرق إن يشرب الخمر قبل سرقته ، ويقول :- الجلد أخف من القطع ، ومما جاءت به الشريعة حفظ الأموال, ولأن السرقة لا يستطيع السكران الطافح أن يديرها ، فإن مبناها على التخطيط وموازنة الأمور والاختفاء والسكران إن كان يفعل هذا فلم يصل إلى حد السكر الطافح الذي يزول معه العقل ، فهو يدري ما يقول وما يفعل ، فيكون مكلفا ، والمهم أن الراجح إن شاء الله تعالى في هذه المسألة هو أن السكران إذا سرق أقيم عليه حد السكر وحد السرقة ، والله أعلم .
ومنها :- تحريم بيع العينة ، وهي أن يشتري سلعة بثمن مؤجل من رجل ، ثم يعود فيبيعها بثمن حال أقل لنفس هذا الرجل ، وهي محرمة ، لأنها ذريعة إلى الربا ، بل هي أخية الربا ، وهي من أكبر الحيل الموصلة إليه ، فتمنع سدا للذريعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )) حديث صحيح , فتحريم العينة من هذا الباب ، أي من باب سد الذرائع ، والحق أنها محرمة ، سواء أكانوا اثنين أو ثلاثة أو أربعة ، فإن تعدد الأفراد فيها لا يخرجها عن كونها عينة محرمة ، والصحيح أن بيوع التقسيط لا حرج فيها ، والصحيح أن التورق لا حرج فيه ، ولكن لا بد من معرفة جوازه وقد ذكرناها في رسالة مفردة ، والمهم هنا أن تعرف أن العينة محرمة ، وأن تحريمها من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- اعلم أن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أن من قصد المحرم فإنه يعامل بنقيض قصده وعليه :- فيحرم التحايل لإسقاط الزكاة كأن يهب المال المزكى لفقير ثم يشتريه منه، أو يهبه لقريب قبل حولان الحول ثم يسترده منه فيما بعد ، ولو أبدل النصاب بغير جنسه كإبدال الماشية بدراهم ، فراراً من الزكاة ، أو أتلف جزءاً من النصاب قصداً للتنقيص لتسقط عنه الزكاة، أو جعل السائمة علوفة ، لم تسقط عنه الزكاة عند الحنابلة والمالكية ، سداً للذرائع، لأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه، ولقوله تعالى } إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ{ فعاقبهم الله تعالى بذلك، لفرارهم من الصدقة قال أبو يوسف: لا يحتال في إبطال الصدقة بوجه ولا سبب ، وقال أبو حنيفة والشافعي: تسقط عنه الزكاة؛ لأنه نقص قبل تمام حوله، فلم تجب فيه الزكاة، كما لو أتلف لحاجته ، والراجح القول الأول ، وذلك سدا لذريعة ضياع حق الفقراء بمثل هذه الألاعيب .
ومنها :- النهي عن تلقي الركبان الوارد في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لا تَلَقَّوا الرُّكْبَان ، ولا يَبيعُ حاضِرٌ لبادٍ )) فقال له طاووس : ما قوله : لا يبيع حاضِرٌ لبادٍ ؟ قال : لا يكونُ له سِمْسارًا. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع . هذه رواية مسلم , وله وللبخاري قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لا تَلَقَّوا السِّلَعَ ، حتى يُهْبَطَ بها إلى السوق )) وأخرجه أبو داود بزيادةٍ في أوله قال (( لا يبع بعضُكم على بيع بعضٍ ، ولا تَلَقَّوا السِّلَعَ... الحديث )) وما هذا إلا سدا لذريعة الغش والغبن وأكل أموال الناس بغير حق ، ولأن هذا الفعل مناف لأخوة الإيمان وللنصح الواجب بين المسلمين ، ولأن الشريعة جاءت بحفظ الأموال ، فحفظها من المقاصد الضرورية العامة ، وأموال الجلب والركبان لا بد من حمايتها من تجار السوق ، فمنعت الشريعة تلقيهم بالخروج إليهم ، بل لا بد أن يهبط صاحب السلعة في السوق ويتعرف على القيمة بنفسه ليكون على بينة من أمره ، ثم بعد ذلك يبيع بما يشاء والمهم أن منع تلقي الركبان إنما قرر في الشرع من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- النهي عن الاحتكار ، أي احتكار السلع لوقت الغلاء ، الاحتكار المضر بالناس ، فهذا خطأ وحرام ، وفي الحديث الذي رواه مسلم قي الصحيح (( لا يحتكر إلا خاطئ )) وهذا التحريم مبناه على سد الذرائع ، فإن هذا الاحتكار يضر بالناس ، ويرفع عليهم الأسعار ، ويوقعهم في الحرج الكبير ، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها ، والاحتكار فيه مراعاة المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة ، والمتقرر أن المصالح العامة هي الأحق بالتقديم ، ولأن الاحتكار من الضرر العام ، وفي الحديث (( لا ضرر ولا ضرار )) والمتقرر أن الضرر يزال ، فالمحتكر ظالم لنفسه ولإخوانه ، فهو أناني جشع قد قتله الطمع ، وعلى ولي الأمر إلزامه بالبيع كما يبيع الناس ، وأن لا يمكنه من نفث سمومه في المستهلكين الضعفاء ، والمقصود أن تعرف أن النهي عن الاحتكار من فروع هذه القاعدة الطيبة ، أعني قاعدة سد الذرائع , والله أعلم .
ومنها :- قال في الفقه الإسلامي وأدلته ( يجب شرعاً باتفاق الأئمة الأربعة قتل الجماعة بالواحد سداً للذرائع، فلو لم يقتلوا لما أمكن تطبيق القصاص أصلاً، إذ يتخذ الاشتراك في القتل سبباً للتخلص من القصاص. ثم إن أكثر حالات القتل تتم على هذا النحو، فلا يوجد القتل عادة إلا على سبيل التعاون والاجتماع, وقد بادر الصحابة إلى تقدير هذا الأمر، فأفتوا بالقصاص الشامل, وأول حادثة حدثت هي في عهد عمر، وهي أن امرأة بمدينة صنعاء، غاب عنها زوجها، وترك عندها ابناً له من غيرها، فاتخذت لنفسها خليلاً، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله، فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام خليل المرأة، ورجل آخر، والمرأة وخادمها، فقطعوه أعضاء وألقوا به في بئر, ثم ظهر الحادث وفشا بين الناس، فأخذ أمير اليمن خليل المرأة فاعترف، ثم اعترف الباقون، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: أن اقتلهم جميعاً، وقال:- والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً. ) وخلاصة الفرع أنه لو أجتمع النفر الكثير على قتل الواحد ، فإن الواجب قتلهم جميعا ، وإيجاب القتل عليهم جميعا لسد ذريعة القتل .
ومنها :- القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن المعسر إن كانت موجوداته بقدر ديونه فإنه مباشرة يتم الحجر عليه ، ولو لم يحكم الحاكم ، لكن لا يكون نافذا إلا بحكم الحاكم ، وللحاكم أن يبطل كل بيع بعد استواء الموجودات مع الديون ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وهو الأليق بالشرع ، فإن المعسر قد يتصرف في بقية موجوداته تصرفا يضيع على أصحاب الحقوق حقوقهم ، فلا يمكن من هذا التصرف ، لأن حق أهل الديون قد تلعق بماله تعلقا يمنعه من التصرف فيه ، فقلنا بمنعه من التصرف فيما بقي من ماله ولو لم يحكم الحاكم سدا لذريعة ضياع الحقوق على أصحابها ، والله أعلم .
ومنها :- قال العلماء ( يَجُوزُ إِرْدَافُ الرَّجُل لِلرَّجُل ، وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى فَسَادٍ أَوْ إِثَارَةِ شَهْوَةٍ ؛ لإِِرْدَافِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَضْل بْنِ الْعَبَّاسِ ، وَيَجُوزُ إِرْدَافُ الرَّجُل لاِمْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا ، لإِِرْدَافِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجَتِهِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَإِرْدَافُ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ ذَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ جَائِزٌ مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ . وَأَمَّا إِرْدَافُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُل الأَْجْنَبِيِّ وَالرَّجُل لِلْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ ، سَدًّا لِلذَّرَائِعِ ، وَاتِّقَاءً لِلشَّهْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ ) فانظر كيف خرج العلماء هذا الفرع على هذه القاعدة الطيبة .
ومنها:- ما قرره أهل العلم في بعض المجامع الفقهية باتفاق بينهم من أنهم لا يرون الاتجار بالشعر الآدمي ولو بغرض إدخاله في صناعة المنسوجات كالدواسات أو لبيوت الشعر سدا للذرائع وخشية فتح باب بيع أعضاء الإنسان ، وهذا هو الحق ، ولأن الإنسان مكرم من قبل الله تعالى فلا تخضع أطرافه ولا فضلاته تحت البيع والشراء ، فانظر كيف خرجوا هذا الفرع على هذه القاعدة الطيبة الكبيرة .
ومنها :- لقد قرر المجمع الفقهي في عدد من الدول الإسلامية ، أن التلقيح الصناعي لا يجوز كله إلا في صورتين فقط ، الأولى :- أن يتم تلقيح البويضة مع بذرة زوجها نفسه تلقيحا خارجيا ثم تزرع البويضة الملقحة في رحم نفس هذه المرأة التي هي زوجته ، فهذا جائز ، والثانية :- أن يتم التلقيح بين بويضة الزوجة وبذرة الرجل تلقيحا داخليا ، وهذا جائز ، ولكن لا بد من أخذ كافة الاحتياطات التي تكفل بإذن الله تعالى حماية التدخل الخارجي ، وأما بقية الصور فهي محرمة ، وهي كما يلي :- أن تؤخذ بويضة المرأة وتلقح مع بذرة رجل آخر ليس هو زوجها ، فهذا محرم كل التحريم ، سواء أكان تلقيحا خارجيا أو داخليا ، ومنعه سدا للذريعة ، لأن الزنا أصلا محرم محافظة على الأنساب ، وهذه العملية تنتج ما حرم الزنا من أجله ، فحرمت سدا للذريعة ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة الرجل وتلقح تلقيحا اصطناعيا مع بويضة المرأة وتزرع في رحم امرأة أخرى ، وهذا محرم سدا لذريعة اختلاط الأنساب ، بل هو الزنا ، لكن بلا إيلاج ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة الرجل وتلقح مع بويضة امرأة أخرى ليست هي زوجته ، ثم تزرع في رحم امرأته ، وهذا محرم أيضا لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب ، ومنها :- أن تؤخذ بذرة رجل آخر ، وتلقح مع بويضة امرأة وليس هو زوجها ، ثم تزرع في رحم الزوجة ، وهذه محرمة أيضا ، والمهم أن القاعدة تقول (إن دخل طرف آخر غير الزوجين في عملية التلقيح فهي حرام) لأنها إن تدخل طرف أجنبي فإنها تكون كالزنا ، ووجه تحريمها أن ذلك من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- هل يجوز إعادة اليد المقطوعة في السرقة ؟ على أقوال :- والراجح منها أنها لا تعاد ، إذ لا فائدة ترجى من تطبيق الحكم مع القول بتجويز رجوعها ، فسدا لذريعة تساهل السراق في حدها وسدا لذريعة العبث بأموال الناس ، نقول :- لا تجوز إعادتها، فيده التي هي يده ، لا يجوز تمكينه من إعادتها ، وأما لو ركب طرفا اصطناعيا فإنه بالخيار فيه ، فهذا الطرف الصناعي لا يتعلق به حكم ، وأما يده التي قطعت في الحد فإنها لا تعاد إليه ، والله أعلم .
ومنها :- ما قرره الحنفية رحمهم الله تعالى من أنه لا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، وبالعكس. فقد ذهب أبو حنيفة إلى عدم قبول شهادة أحد الزوجين للآخر ، وذلك سدًا للذرائع وردًا للتهمة؛ لأن النفع بينهما ، وكل منهما يرث الآخر ويستفيد من ماله .
ومنها:- ما قرره الحنابلة وغيرهم من الفقهاء رحمهم الله تعالى من أن شهادة القريب لقريبه لا تقبل لأن قبولها يفتح باب البر والصلة والتساهل في باب الشهادة بحجة النفع ، لأنه قريبه ، ولأن الدليل قد منعها ، والعلة في المنع وجود التهمة في النفع ولو بالباطل ، فسدا لذريعة النفع الباطل والشهادة بالزور منعت هذه الذريعة ، ومنعها مخرج على هذه القاعدة تخريجا واضحا لا لبس فيه .
ومنها :- تحريم هدايا العمال ، أي الذين لهم معين في الدولة ، فهؤلاء لا يجوز لمن تحت أيديهم ، أو من يتردد عليهم أن يهدي لهم ، وإن أهدى لهم فلا يجوز له قبولها، لأن الهدية تأسر القلوب ، فلا بد من المحاباة فيما بينه وبين المهدي ، ولأن تجويز قبولها يفضي إلى ضياع الحقوق ، وتقديم من حقه التأخير أو تأخير من حقه التقديم ، أو إعطاء من لا يستحق الشيء الذي لا يستحقه ، المهم أنه لا يجوز لما فيه من المفاسد ، فسدا لذريعة هذا الفساد منع الشارع هدايا العمال ، وعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا وتدخل في بيت ثم قال إنك بأرض الربا بها فاش إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا... وروى البخاري في صحيحه من حديث الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ :- اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ (( مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا )) وعن أبى حميد الساعدي مرفوعا (( هدايا العمال غلول )) رواه أحمد، وهو حديث صحيح ، فالقول الصحيح أن ذلك من المحرمات فسدا لذريعة الفساد في أمور الحكم والإدارة منعت الشريعة هذا الباب ، والله أعلم .
ومنها :- ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز للرجل أن يقّبل أخته إذا قدم من سفر بشرط ألا يكون تقبيله لها تقبيل شهوة ، فتقبيل المحارم بشهوة من أغلظ المحرمات ، وقيد الحنابلة جوازه بأن لا يكون في الفم ، وهو تقييد وجيه ؛ لأن التقبيل على الفم مظنة للشهوة، ولو قال قائل الآن بمنع تقبيل المحارم مطلقا لما كان قوله ببعيد، وذلك سداً للذرائع فقد انتشر الفساد حتى بين المحارم، بل ظهرت بعض الدعوات الخبيثة للعلاقة الآثمة بين المحارم من خلال وسائل الإعلام الخبيثة بمختلف أشكالها مرئية أو مسموعة أو مقروءة، وحتى إذا كان الرجل المحرم طيب النفس فقد لا تكون المرأة كذلك وهي تطالع في كل حين وسائل هدم الأخلاق. فلا شك أن الابتعاد عن التقبيل بكل أشكاله أقرب إلى السلامة ، وهو مذهب صحيح ، وهو مخرج على هذه القاعدة أتم تخريج .
ومنها:- الحق أنه لا يجوز للصيدلي أن يقبل الهدية من شركة توزيع الأدوية ، فإن هذه الهدايا في الغالب أنه يراد بها استمالة الطبيب إلى الإقبال على الإكثار من تقديم بيع أدويتهم على منتجات الشركات الأخرى ، فيتحقق الضرر، وقد حدثني بعض الثقات عن أمور محزنة في هذا الأمر ، فقلنا إنه لا يجوز له قبول هذه الهدايا لما في قبولها من الضرر ، فنمنعه سدا للذريعة .
ومنها :- الراجح أنه لا بد من الإشهاد على الرجعة ، فلا تصح الرجعة مع الكتمان ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، قال تعالى } وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ { ولأن الرجعة مع الكتمان تفضي إلى تعدد الطلاق والتلاعب في أمر الفروج ، فلا بد من معرفة كم طلقها؟ ومتى راجعها ؟ وهذا لا يكون مع الكتمان ، فسدا لذريعة هذا التلاعب بهذا الأمر الكبير الخطير قلنا :- لا بد من الإشهاد على الرجعة .
ومنها:- أنه لا يجوز البتة أن تخرج البنت مع خطيبها قبل عقد النكاح بينهما ، لأنها أولا :- لا تزال أجنبية عنه ، ومجرد اختيارها كزوجة لا يعتبر شيئا إن لم يحصل العقد بينهما بالشروط المعتبرة وليست موافقتها عليه كزوج يجعله زوجا ، بل هو أجنبي عنها حتى يعقد عليها ، وثانيا :- سدا لذريعة الفساد ، فوالله لقد حصل الفساد الكبير بسبب تسويغ خروجه معها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )) ولأنه يلزم كمن ذلك أن ينظر لها وتنظر إليه ، ويخلو بها وتخلو به ، وربما حصل بينهما أمور لا تحمد عقباها ، وقد حصل أن امرأة خطبها رجل وخرج معها ، فحصل بينهما ما حصل ، ومن ثم حصل بينهما شيء من الخلاف ففارقها ، وهي تبكي الأمرين ، بعد أن حصل ما حصل ، ولا يقال :- إن خروجها معه فيه فائدة ومصلحة ، وهي أنهما يتعرفان على بعض أكثر ، لأننا سنقول :- نعم ، ولكن هذه المصلحة تحوطها وتحفها مفاسد كثيرة جدا تفوق عليها ، بل هذه المصلحة ليست بشيء يذكر في جانب هذه المفاسد الكبيرة ، والمتقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وإذا تعارض مصلحتان روعي أعلاهما بتفويت أدناهما ، وعليه فسدا لذريعة الفساد نقول :- لا يجوز خروجها معه ، ولا الخلوة بها ، والله أعلم .
ومنها :- الاختلاط بين النساء والرجال في الدراسة على الوضع المعروف في عصرنا منكر في ذاته ويؤدي بدوره إلى كثير من المنكرات التي لا قبل للمرء بها ، ولذا أمر الشرع باجتنابها سداً للذرائع وحسماً للفساد ، فالاختلاط يؤدي إلى النظر المحرم وإثارة الغرائز ، وتشجيع النفوس على الفساد وحال كهذا لا يجوز للمرء أن يعاون على إقامته أو دوامه ، بل الواجب هجره والبعد عنه ، إلا أن يكون المرء مضطراً للعمل فيه ، ولم يجد مجالاً غيره يسد به حاجته الشديدة ، أو يدفع به ضرورته الملجئة ، بشرط أن يبحث عن عمل آخر يكون خالياً من هذا الشر، مع رعاية حق الله تعالى أثناء تواجده في هذا المكان ، بأن يغض بصره ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيأمر البنات بالحجاب والابتعاد عن الرجال، كما يأمر الجميع بغض البصر، والحذر من الخلوة، وما قلناه هنا يقال في تدريسهن دروساً خصوصية ، بل الأمر في الدروس الخصوصية أشد ، لاحتمال حصول الخلوة فيها بصورة كبيرة. وخلاصة الأمر، أنه يجب على الإنسان المبتلى بهذا العمل ترك هذا العمل، فإن لم يجد غيره وكان مضطراً إليه، فلتبق فيه ولتجدَّ في البحث عن عمل آخر، مع الالتزام بالضوابط الشرعية.
والله أعلم .
يتبع إن شاء الله....

أبو الشيماء 24-06-2011 09:05 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 

ومنها :- لعبة الورق المسماة بـ( البلوت ) فإنها محرمة لا تجوز ، وقد سئلت اللجنة الدائمة في المملكة سؤالا هذا نصه ، قال السائل (ما رأيكم في نوع من الألعاب يطلق عليه: البلوت، وهو على شكل قطع من الأوراق، في طول وعرض ورقة الخمسة النقدية، وعليها صور مختلفة وأعداد كذلك وإذا جلس أهلها يلعبونها يرتفع صوت الأذان ولا يتابعونه حسب المتبع، ولا يذكرون الله على الانتهاء، ولا الدعاء الواجب عند سماعه وتروح الناس إلى المسجد للصلاة ويحضرها هؤلاء الناس وبعد العودة من المسجد يدخل عليهم الناس ويسلمون ولا يردون عليهم السلام؛ لكون أفكارهم وقلوبهم مشغولة، ولا يستطيع الإنسان الجلوس في البيت من ريح الدخان وضجيج الأصوات المزعجة والضحك واللعن، والأديان - أي الحلف- بعضها بالله وبعضها بغيره. أرجو إفادتي عن حكم هذه اللعبة وما يلحق لاعبيها منها، وما أثرها على المجتمع؟

فأجابوا رحمهم الله تعالى بقولهم ( اللعب بالأوراق على ما وصفه السائل يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويحدث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين، وقد يكون على مال يدفعه المغلوب للغالب، وهو مصحوب بتبادل اللعن ، وإيقاع الأيمان الفاجرة ، فإذا ترتبت عليه هذه الأمور وما في معناها أو بعضها فإنه حرام ؛ لقوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ {وأما ما يلحق لاعبيها فإنهم قد ارتكبوا أمرا محرما وهم آثمون في ارتكاب ذلك وما يقترن به من ترك واجب ، كترك الصلاة جماعة ، أو فعل محرم كاللعن ، والأيمان الكاذبة ، والحلف بغير الله ، وشرب الدخان, وأما أثر هذه اللعبة على المجتمع فإن روابط المجتمع السليم تتحقق بأمرين اتباع أوامر الله، واجتناب نواهيه وتفكك المجتمع بترك شيء من الواجبات أو فعل شيء من المحرمات وهذه اللعبة من العوامل التي تؤثر على المجتمع، فهي سبب في ترك الصلاة جماعة ، وينشأ عنها التباعد والتقاطع والشحناء والتساهل في ارتكاب المحرمات، كما أنها مورثة للكسل عن طلب الرزق ، هذا إذا لم تكن على عوض، فإن كانت على عوض فالمال الذي يحصل بسبب هذا اللعب هو مال حرام ، وقد سبق دليل ذلك, وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) فانظر كيف علل أصحاب الفضيلة العلماء القول بالتحريم بقاعدة سد الذرائع ، فلأن هذه اللعبة فيها عدد كبير من المفاسد التي ترجع على الفرد والأسرة والمجتمع قالوا بتحريمها , وهذا إعمال منهم لقاعدة سد الذرائع .

ومنها:- القول الراجح والله تعالى أعلم أنه لا يجوز أن تجعل آيات القرآن نغمة من نغمات الجوال وذلك سدا للذريعة ، ويتضح هذا من عدة وجوه , الأول :- أنه يتضمن إخراج القرآن عن أصل مقصود إنزاله ، لأن الله تعالى أنزل كتابه لتلاوته بالألسنة وتدبره بالقلوب ، والعمل به ، وليس منها أن يجعل نغمة من نغمات الجوالات السيارة ، الثاني :- أن فيه امتهانا للقرآن ، لأنه ربما يرن الهاتف وهو في دورات المياه ، أو يقطع الآية بالرد ولا يكملها ، أو يرن وهو ملقى في مكان قذر ، أو يرن وهو في الصلاة أو في المسجد فيغضب الناس ، ويتكلمون ونحو هذا مما فيه امتهان للقرآن ، فسدا لذريعة امتهانه نقول بالمنع ، الثالث:- أنه مفض إلى استبدال القرآن بغيره ، لأنه إن رن ، فالقرآن سيعمل ، فيقوم صاحب الجوال ، ويفتح الرد ، فينطفئ القرآن ليسمع غيره ، وهذا فيه ما فيه ، بل إن من يفعل هذا يكون ممن استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، إذ كيف يغلق كلام الله تعالى ويقبل على سماع كلام غيره ؟ الرابع:- أنه مفض إلى الإيذاء بالقرآن ، فإنه لو رن وهو في الصلاة أو في المسجد فإنه سيكون سببا في الأذى ومن المعلوم أن القرآن لا يؤذي ولا يؤذى به, الخامس:- أن الواجب عند استماع القرآن الإنصات إليه ، ومن المعلوم لدى الجميع أنه لا يستمع أحد لتلاوة من الجوال كنغمة هاتف ، وهذا يتضمن مخالفة شرعية ، ومفض إلى الممنوع ، وما أفضى إلى الممنوع فهو ممنوع ، فلهذه الأوجه وغيرها نقول بالمنع ، ونخرج هذا المنع على قاعدة سد الذريعة والله أعلم .

ومنها :- تحريم باب الحيل كله ، من أوله إلى آخره ، وأعني بها الحيل المحرمة ، والقاعدة عندنا في باب الحيل تقول ( كل حيلة يتوصل بها إلى إحقاق الباطل أو إبطال الحق فهي باطلة ) فباب الحيل المحرمة لا يجوز منه شيء ، لأن فاعل الحيلة إنما يريد بهذه الحيلة أن يتوصل إلى الحرام ، فتمنع هذه الحيلة سدا لذريعة الوصول إلى الحرام ، بل إن الوصول إلى الحرام من باب التحايل أعظم جرما وأشد إثما عند الله تعالى من إتيان الحرام على وجهه ، لما في الحيلة من مخادعة الله والذين آمنوا فالعينة حيلة على الربا فهي محرمة ، ونكاح التحليل حيلة على تحليل الزوجة لمطلقها ثلاثا ، فهو محرم ، وفي الحديث (( لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له )) وسماه التيس المستعار والبطاقات الائتمانية كثير منها إن لم تكن كلها حيلة على أكل الربا ، فما كان منها يتضمن الربا أو التحايل إلى الربا فهي حرام ، والدعاية الإعلانية لمنتج من المنتجات ، إن كانت تفخم أمر هذا المنتج وتصفه بما ليس فيه ، أو تبالغ في وصفه وتكسوه من الأوصاف ما هو كذب وافتراء ، كل هذه الدعايات محرمة لا تجوز ، لما فيها من مخادعة المؤمنين ، وأكل أموالهم بالباطل ، والتزوير عليهم وغشهم ، وفي الحديث (( من غش فليس منا )) ولما فيها من الكذب الصريح ، والأدلة في تحريم الكذب كثيرة ، فلسد ذريعة أكل أموال الناس بالباطل ، نقول :- إن الدعاية المشتملة على شيء من ذلك حرام لا تجوز ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، ولعلي إن شاء الله تعالى أن أفرد لها رسالة مستقلة في بيان كثير مما نص الفقهاء على أنه ممنوع لأنه حيلة على فعل الحرام , والله أعلم .

ومنها :- باب الاستئذان في الفقه الإسلامي كله مبني على سد الذريعة ، وذلك لأن حفظ العرض مما جاء به الشرع ، بل هو أصل من أصوله ، وستر العورات مأمور به شرعا ، فكل ذريعة تفضي إلى هتك ستر العورة فإنها ممنوعة في الشرع فجعل الاستئذان لحفظ هذا الباب, قال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ{وهذا كله لسد ذريعة الاطلاع على ما لا يجوز الاطلاع عليه شرعا ، وقال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ{وكل هذا من أجل أن لا يطلع الإنسان من أخيه الإنسان على ما لا يجوز الاطلاع عليه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر )) أي حتى لا يقع البصر على ما لا يجوز له النظر له من عورات الناس وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم في تتبع عورات الناس فقال (( فإن من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه الله في جوف داره )) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فباب الاستئذان كله مبني على هذه القاعدة الطيبة ، والله أعلم.

أبو الشيماء 24-06-2011 09:18 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 

ومنها :- القاعدة المتقررة عندنا تقول ( كل معاملة تشغل عن حضور الجماعة الواجبة فهي حرام ) وأصل ذلك قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ {،،،، فحرم الله تعالى البيع بعد نداء الجمعة الثاني ، لئلا يكون التشاغل به ذريعة إلى فوات الصلاة ، وهذا أمر قد علمت علته ، وقد اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على هذا التعليل ، فيقاس عليه ما هو في معناه ، من النكاح وغيره من سائر المعاملات ، وإني لأعجب من قول الحنابلة رحمهم الله تعالى من أن هذا الحكم مخصوص بما يسمى بيعا ، فلا يدخل فيه النكاح ولا سائر العقود, وهذا فيه نظر ، وكأنه نوع جمود على الظاهر الذي ليس هو بظاهر الدليل ، بل الصحيح في هذه المسألة أنه يدخل فيه كل ما ألهى عن الصلاة وحضور الجماعة ، من نوم أو لعب أو كلام ، أو معاملة أو غير ذلك ، لأن المتقرر أن الشريعة لا تفرق بين متماثلين كما أنها لا تجمع بين مختلفين ، والمتقرر أن القياس الصحيح حجة ، والمتقرر أن مفهوم الموافقة حجة ، وكل ذلك يدخل تحت قاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- الحق الذي لا محيص عنه هو أنه لا يجوز الاستعانة بالجن المسلمين في العلاج ، لا سيما مع كثرة كذب الجن وقلة الديانة ، وضعف الفهم ، ولتحقيق الاعتماد الكامل على الله تعالى , وإن كنا نقول سابقا إنه لا بأس به ، ولكننا نبهنا أن هذا الحكم لا نعمل به الآن ، بل العمل على أنه من الممنوعات الشرعية ، سدا للذريعة ، وقد فصلنا المسألة في كتابنا المسائل الطبية ، فارجع إليه إن شئت ، ولكن ليشهد الجميع أننا نقول بالمنع ، وليس هذا من باب التراجع عن قول سابق ، ولكن من باب التنبيه على عدم الأخذ إلا بما يقتضيه سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- القول الصحيح الذي لا ينبغي القول بغيره هو منع تأجير الشهادات لمن ينتفع بها في العمل لأن الأصل في الشهادة أنها لصاحبها فقط ، وأنها تعبر عن مدى ما وصل إليه من المستوى العلمي وأن تأجيرها لمن يعمل بها وهو ليس من أهلها من الغش للمسلمين ، والغش كله محرم ، ومن مخادعة المؤمنين ، ومن التحايل على الوصول إلى منصب لا يحل له ، لا سيما إن كان المجال مما يتعلق بالطب أو الأمن أو غيرها من الوظائف التي تمس المصلحة العامة ، فلا يجوز لصاحب الشهادة تأجيرها لما في ذلك من المفاسد العظيمة ، على الفرد والمجتمع بأسره ، فقلنا بالمنع سدا للذريعة . والله أعلم .
ومنها:- ذكر الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله عن أحمد ثلاث روايات فيما يجوز للخاطب أن ينظر إليه من جسم المخطوبة ؛ فقال ( إحداهن : ينظر إلى وجهها و يديها ، والثانية : ينظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما و الثالثة : ينظر إليها كلها عورة و غيرها فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة ) وعليه فإنّ من حصر نظر الخاطب إلى مخطوبته في الوجه والكفّين فقط راعى الأحوط ، و ذَهَب مَذهب جمهور أهل العلم ، و من أباح له النظر إلى سائر جسمها وهي متجرّدة كما قال داوود الظاهري فقد توسّع و أفرَط ، إذ لا فَرق عنده بين المتقدّم للخطبة وبين الزوج بعد الدخول في ما يجوز له النظر إليه , وأوسط الأقوال هو المذهب الوسط عند الحنابلة و هو جواز النظر إلى ما يظهر منها - أمام محارمها و بنات جِنسِها - غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما ، ويدخل في ذلك شعرها ، إذا كان ذلك بمقدار الحاجة وفي حضور وليٍّ أو مَحرَم , والذي أراه درءاً للمفاسد ، وسداً للذرائع ، هو التمسك بالمذهب الوسط وهو مذهب الأئمة الحنابلة، وأما من قال بالنظر لها متجردة فوالله العظيم إن قوله خطأ ، فلابد من الحذر وعدَم التوسّع في هذا الباب خشية الفتنة ، لا سيما في هذا الزمان و الله أعلم .
ومنها:- القول الصحيح أنه لا يجوز للمرأة الركوب في الحافلات المختلطة مع اشتداد الزحام ، لما في ذلك من تعريض نفسها للابتذال والافتتان بها، لا سيما إن كانت متبرجة ، وأنه ليس بُعد مكان العمل بعذر يسوغ لها ذلك ، والمخرج من ذلك لو أراد ولاة الأمر تخصيص حافلات للمرأة والإمكانية المالية موجودة ، ووالله إنها موجودة ، فإن اقتصاد الدول الإسلامية طيب ، ونستطيع وبكل بساطة وأتم راحة ، أن نفعل هذا ، ونرتاح من تلك المفاسد التي تعاني مها أخواتنا النساء في بعض الدول ، وهناك مخرج آخر ، وهو أن لا نبعد المرأة عن مكان عملها ، إن كان ولا بد من خروجها للعمل ، والمخارج لو تدبرنا كثيرة ، ولكن المشكلة في عدم الاهتمام بهذا الأمر ، ووالله ثم والله لو أننا نصرف ربع ما نصرفه على أمور الكرة والتي لا تستفيد الأمة منها مطلق الفائدة لاستطعنا أن نوفر حافلة للمرأة في كل حي من أحياء الدولة الإسلامية ، والمهم أنه لا يجوز للمرأة أن تركب في الحافلات المختلطة سدا لذريعة الفساد ، والله أعلم .
ومنها :- ما ذكره الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد في قوله ( باب لا يذبح لله تعالى بمكان يذبح فيه لغير الله ) فإن هذا الباب مبناه على سد الذرائع ،وذلك بعدة أمور الأول :- سد ذريعة مشابهة الكفار في الظاهر وهذا مقصود من مقاصد الشرع ، فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، وليس منا من تشبه بغيرنا ، ونحن مأمورون بمخالفتهم في أشياء كثيرة جدا ، ثبتت بها الأدلة ، ومن هذا أن لا نذبح في مكان يذبح فيه الكفار لمن يعظمونه من صنم أو وثن ، الثاني :- سد ذريعة إحياء سنة الكفار في هذا المكان ، الثالث :- سد ذريعة التوادد في الباطن ، فإن المتقرر أن الموافقة في الظاهر يوجب تواددا وتماثلا في الباطن ، الرابع :- سد ذريعة نزول العذاب الشامل فإن أمكنة الكفر والمعصية مستحقة أن ينزل فيها وعلى أهلها العذاب ، فحتى لا يشمل المسلم منع من قربانها ولو لفعل عبادة لله تعالى ، الخامس:- سدا لذريعة الشرك ، وحماية لجناب التوحيد السادس :- لسد ذريعة افتتان القلوب المريضة بالموافقة في الصورة الظاهرية ، فإن العامة لا يرون ما في القلب ، وإنما يرون ما يظهر فقط ، فإذا رأوك وأنت تذبح في مكان يذبح فيه لغير الله ، فلا يعلمون إلا أنه مما يسوغ ، وهذا فيه فتح باب شر كبير وفتنة عظيمة ، فسدا لذريعة ذلك كله نقول بالمنع ، بل القاعدة عندنا في هذا الباب تقول ( لا يجوز فعل العبادة لله تعالى في مكان يفعل فيه جنسها لغير الله تعالى ) وقد شرحناها في القواعد المذاعة ، والله تعالى أعلم وأعلى ...
يتبع إن شاء الله....

أبو الشيماء 26-06-2011 12:22 AM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
ومنها :- أن كل قول في أصله مباح قد يفهم منه ما ليس بمباح ، أو يكون مفتاحا للنيل من الشرع فإنه ممنوع في الشرع ، وهذه قاعدة لا بد من فهمها ، فإن إباحة القول في حد ذاته لا تعني جواز قوله في كل محفل ، بل لابد من مراعاة كونه جالبا للمصلحة ودافعا للمفسدة ، فإن كان ثمة قول مباح يوجب قوله مفسدة فإن الأسلم شرعا السكوت عنه ، والاستعاضة عنه بما هو خير منه مما لا يوجب إلا الخير ، ولا يجد فيه أعداء الملة والدين مدخلا للنيل من الشريعة أو الشارع ، وأصل هذا قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ{فانظر كيف نهاهم عن قول " راعنا " مع أنه قول في أصله مباح لا بأس به ، لأنه من المراعاة والرفق ولكنه يعني في لغة اليهود الرعونة والجفاء والغلظة ، فكان اليهود يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقصدون به إلا النيل من مقامه الشريف ، فأمر المسلمون بأن يستبدلوه بما يحقق منه معناه ولا يكون فيه مدخل لأهل العداوة أن ينالوا من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقسنا عليه كل قول مباح في الأصل ، ولكن يوجب قوله فتح الباب لأهل الأهواء وأعداء الملة أن ينالوا من الشريعة ، فنبحث عن قول آخر يحقق نفس المعنى ولا يكون فيه شيء من المفاسد ، فاحفظ هذا الأصل ، فإنه مبارك في التطبيق ، وله عوائده الطيبة على الدعوة والداعية ، فمنع الله تعالى من قول " راعنا " سدا لذريعة القدح في النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .
ومنها :- لقد تقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى قاعدة طيبة فيما يبلغ من العلم ، تقول هذه القاعدة ( ليس كل ما يعلم يقال ، ولكل مقام مقال ) فلا بد من مراعاة تحقيق المصالح ودفع المفاسد في إبلاغ العلم ، فإن كان إبلاغ هذا العلم المعين في هذا الوقت المعين يوجب شيئا من المفسدة فالمشروع هو السكوت عنه ، وليس كل علم فلا بد من إبلاغه ، بل لا يكون إبلاغ العلم مشروعا إلا حيث كان محققا للمصالح ودافعا للمفاسد ، وعلى ذلك عدة أحاديث الأول :- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :- كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار ، فقال (( يا معاذ )) قلت :- لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال (( أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ )) قلت :- الله ورسوله أعلم ، قال (( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا )) قلت :- يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال (( لا تبشرهم فيتكلوا )) متفق عليه ، فانظر كيف نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن إبلاغ هذا العلم المتعلق بشيء من فضل كلمة التوحيد لما في إبلاغه من المفسدة المقابلة وهي اتكال الناس عليه وترك العمل ، فسدا لهذه الذريعة ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا عن الكلام في هذا الأمر ، وهذا أصل من أصول سد الذرائع ، فإن قلت :- ولماذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم به معاذا ؟ فأقول :ــ لأن معاذا من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن يتطرق له ما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم على عامة الناس ، فإن قلت :- ولماذا حدث به معاذ بعد ذلك ؟ فأقول لأمرين :- لانتفاء المفسدة ، ولقول الراوي في الحديث "" أي فرارا من الإثم الحاصل بكتم العلم ، الثاني :- حديث أبي هريرة رضي الله عنه - في الحديث الطويل - أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحائط ، فقال له (( يا أبا هريرة )) وأعطاني نعليه (( اذهب بنعلي هاتين ، فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة )) فكان أول من لقيت عمر ، فقال :- ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ قلت هاتان نعلا رسول الله بعثني بهن من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله بشرته بالجنة قال:- فضرب عمر بين ثديي ضربة ، خررت لإستي ، وقال :- ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجهشت بكاء ، فقال (( ما لك يا أبا هريرة ؟ )) فأخبره بالخبر قال:- فركبني عمر ، فإذا هو على أثري ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (( يا عمر ، ما حملك على ما صنعت ؟ )) فقال :- بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال (( نعم )) قال :- فلا تفعل ، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ، فخلهم يعملون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( يا أبا هريرة فخلهم )) فانظر كيف رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي عمر واستصوبه ونهى أبا هريرة عن إبلاغ الناس بهذا العلم لسد ذريعة اتكال الناس عليه وترك العمل ، وهذا هو عين العلم ، وعين المصلحة ، فالعلم ليس فتل عضلات ، بل العلم مراعاة المصالح والمفاسد ، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم... قال البخاري البلعوم :- مجرى الطعام ، وهذا من باب مراعاة المصالح والمفاسد, ومن باب تحقيق العمل بسد الذرائع ، ولقد ابتلينا في هذه الأزمنة بأناس تقفروا العلم ، ولبسوا ثياب العلماء ، يصرخون بالعلم صرخا ، ويتشدقونه تشدقا ويلوكون به ألسنتهم ، ولا يراعون فيه لا مصالح ولا مفاسد ، وكم ، وكم ، جروا على الأمة بأسباب ذلك الويلات ، فأفزعوا الدهماء وأيقضوا الفتنة النائمة ، وإن قلنا لهم :- ليس من الحكمة أن يسمع العامة هذا العلم ، قالوا :- أنتم تريدون قتل العلم وتحاربون البلاغ ، وتداهنون الحكام ، ولا نزال مع هذا الصنف من الناس في حيص بيص ، فيا طلاب العلم ، الرفق ، الرفق ، والقصد ، القصد تبلغوا ، ووالله إن سكوت بعض أهل العلم على شيء مما يجول في خواطركم ليس مداهنة ولا مجاملة ، ولا مصانعة بالباطل ، بل هو مراعاة لحال الأمة ، ونظرا في المصالح والمفاسد ، ودفعا لأكبر الشرين وأعظم الضررين بأدناهما وتحصيلا لأعلى المصلحتين وأكبر الخيرين بتفويت أدناهما ، فلا بد من إحسان الظن بالعلماء وإياكم والأصاغر من أهل الأهواء المضلة ، والبدع المخلة ، فإنهم يتربصون بنا وبأمتنا وببلادنا الدوائر فليحرص طالب العلم أن لا يكون مفتاح شر على الأمة ، ولا باب فتنة يلج منه أعداء الملة لنواة أهل الإسلام ، واعلموا أن الشريعة جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، فإن لم يكن إبلاغ العلم في هذه الحالة الراهنة محققا لهذا الأصل فلا تبلغوه ، وأرجئوه إلى حين آخر ويدخل تحت هذا الأصل أن الإنكار على الحكام علنا أمام العامة ممنوع ، وإشاعة أخطاء أهل العلم أمام من هب ودب ممنوع ، وإنكار المنكر إن أوجب منكرا أعظم ممنوع ، وهذا من الفقه في الدين ومن الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا ، وقد بلغت من الحمق والطيش في زمن مضى ما أنا نادم عليه الآن ، وما رأيت كالرفق في أخذ الأمور ولا كالحلم والتأني في فهم المسائل مخرجا من كثير من المآزق التي تحل بالأمة فينة بعد أخرى، بل والله إن الرفق في فهم المسألة والتأني في معالجة الأمور لهو من الرسوخ في العلم ، وأثر من آثاره ، وأما النزق والطيش والحدة ورفع الأصوات وتراشق التهم والحكم بعد سماع الكلام بلا تأن ولا ترو ولا تثبت فهذا يفسد ولا يصلح ،ويهدم ولا يبني ، وبلاؤه أكثر من عافيته ، إن كان فيه أصلا عافية ، ولا شك أن لكبر السن دوره في الترفق والتعقل ، ولا شك أيضا أن التربية على أيدي أهل العلم الراسخين من أعظم ما يوفق له طالب العلم في بداية طلبه ، والمقصود أن المتقرر عندنا في القواعد أن إبلاغ العلم مناطه تحصيل أعلى الخيرين والمصلحتين ، ودفع أكبر الشرين والضررين ، فما كان محققا لهذا فأهلا وسهلا ، وما لا ، فلا ، والسكوت عنه أفضل ، والله أعلم .

أبو الشيماء 26-06-2011 12:28 AM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 



ومنها:- ما قرره العلماء رحمهم الله تعالى من أن ترك السنة من باب تأليف القلوب أولى من فعلها مع تنافر القلوب ، وهذا باب دقيق ، فإن من الناس من لا ينظر إلى أثر تطبيقه للسنة ، وهذا فيه قصور ، والحق أن تطبيق هذه السنة المعينة إن كان يفضي إلى تنافر القلوب وتشاحن النفوس والكلام الذي لا ينبغي ، وكراهة الحق ، وبغض أهله ، فالحكمة تركها في هذه الحال ، ليس الترك المطلق ، لا ، بل مطلق الترك ، حتى يتعلمها الناس ، ويعرفوا دليلها ، وهذا من باب سد الذريعة فإن الشريعة أمرت بالتآلف والتوادد والتراحم وتعليم الناس بالرفق والهوينا ، ونهت عن الاختلاف والتنابز وتراشق التهم بغير وجه حق ، فإن كان فعل هذه السنة المعينة ، في هذه الحال الراهنة يوجب شيئا من المفسدة فلا تفعلها الآن ، سدا للذريعة ، وأضرب لك أمثلة لتفهم ما أريد إثباته الأول :- إن من السنة الجهر بالتأمين ولا شك ، ولكن من الحكمة إن كنت داعية في بلاد قد اعتمد فيها المذهب الحنفي ، وصليت معهم أن لا تجهر بالتأمين في أول الأمر حتى تعلمهم السنة الثابتة في ذلك ، وذلك لأن بعض الحنفية قد يكون عنده تعصب لمذهبه ، فلا يتحمل جهرك به فتكون كارثة ، إما أن يقوموا من المسجد ، أو يتكلموا عليك بكلام لا تحتمله نفسك ، فينقلب الأمر من كونه دعوة إلى كونه انتصارا للنفوس ، وعلى كل حال فهذا يكدر صفو الدعوة ، ولا يحقق لك ما جئت من أجله ، ولا يقال لنا :- كفاكم تمييعا للسنة ، لأننا سنقول :- إننا لم نقل بتركها مطلقا ، بل قلنا بتركها حتى يتعلموها ، ثم نقول :- إننا لم نقل بتركها جزافا ، بل قلنا بتركها إن كان تركها يحقق مصلحة أعظم منها ، كما ذكرت لك مثاله ، وقد حصل أني كنت في بعض البلاد وصلينا وراء إمام حنفي ، فلما قال " ولا الضالين " قلت أنا وصاحبي ( آمين ) بصوت مرتفع ، ولم يجهر أحد من أهل المسجد ، فلما انتهت الصلاة رمانا القوم بأبصارهم ، وأخذوا يتكلمون بينهم بكلام لا نفهمه ، لأنهم من العجم ، وفوجئنا بأهل المسجد يقومون كلهم إلا نفرا يسيرا ، فلم نتمكن من دعوتهم ، والتي جئنا وقطعنا المسافات الطويلة من أجلها ، وهذا ليس من الحكمة ، ولكن جهلنا بما قرره أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه المسألة المهمة هو الذي أوقعنا في هذا الأمر ، وماذا علينا لو تركناها في هذا الوقت ؟ ولكنه الجهل ، والله المستعان ، وقد انتبهنا لهذا الأمر فيما بعد ، وحصل بالانتباه له خير كثير ، الثاني :- لو صليت إمام بقوم من الشافعية ، فمن الحكمة وأنت داعية أن تجهر بالبسملة في الفاتحة ، لأنهم يرون أنها آية من الفاتحة ، حتى يتعلم الناس السنة ، الثالث :- من الحكمة الدعوية إن صليت الوتر بأناس يرون الدعاء فيه ، أعني دعاء القنوت أن تدعو للقنوت ، لا أقول قنوت الفجر الدائم الذي لا أصل له ، بل قنوت الوتر ، والخلاف فيه معروف ، الرابع :- من الحكمة أيها الحبيب إن صليت مع قوم لا يرون حال القيام وضع اليمنى على اليسرى ، أن لا تضع ، واترك هذه السنة تركا مقيدا إلى أن يتعلم الناس ، والأمثلة كثيرة ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك بناء البيت على الصورة التي يريدها لمصلحة التأليف ، ألا ترى أن ابن مسعود وغيره من الصحابة أتموا خلف عثمان في السفر وقالوا :- الخلاف شر ، ألا ترى أن عمر جهر بدعاء الاستفتاح زمنا ليعلم الناس السنة ، مع أن السنة الإسرار به ، فترك السنة من أجل مصلحة أعظم ، ألا ترى أن ابن عباس جهر بالفاتحة في صلاة الجنازة ليعلم الناس السنة مع أن السنة الإسرار بها ، فترك السنة من أجل مصلحة أعظم ، فكذلك نقول هنا إن كان فعل السنة يوجب شيئا من التناحر والسباب والشتائم وتنافر القلوب والتباغض ، فمن الحكمة تركها إلى حين آخر ، قال أبو العباس رحمه الله تعالى في شأن الجهر بالبسملة ( كذلك الأمر في تلاوتها في الصلاة طائفة لا تقرؤها لا سرا ولا جهرا كمالك والأوزاعي وطائفة تقرؤها جهرا كأصحاب ابن جريج والشافعي والطائفة الثالثة المتوسطة جماهير فقهاء الحديث مع فقهاء أهل الرأي يقرءونها سرا كما نقل عن جماهير الصحابة مع أن أحمد يستعمل ما روى عن الصحابة في هذا الباب فيستحب الجهر بها لمصلحة راجحة حتى إنه نص على أن من صلى بالمدينة يجهر بها قال بعض أصحابه لأنهم كانوا ينكرون على من يجهر بها ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما رأى في إبقائه من تأليف القلوب وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما وقال الخلاف شر) وهذا باب من الحكمة والخير ، وهو خاضع لاجتهاد الداعية في حالته الراهنة ، والمهم أنه لا بد من النظر في جلب المصالح ودفع المفاسد ، ونحن مع أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى فيما قال من أن الرجل يستحب له ترك هذه المستحبات من أجل مصلحة التأليف ، فإن فساد القلوب أعظم مفسدة من مجرد ترك هذه السنة إلى حين آخر ولكن لا بد من فهم ضوابط العمل بهذه المسألة وهي كما يلي الأول :- أن لا يتعلق الأمر بشيء من الواجبات ، فالمسألة مفروضة في الأمور المستحبة فقط لا مدخل لها في الأمور الواجبة، الثاني :- أن لا ينوي تركها الترك المطلق ، بل مطلق الترك ، الثالث :- أن تتحقق المصلحة الشرعية المرعية بتركها ، الرابع :- أن تترتب المفسدة على فعلها يقينا أو بناء على الظن الغالب ، الخامس :- أن لا تكون المتابعة على أمر يوجب الوقوع في البدعة ، كالقنوت الدائم في صلاة الفجر ، أو في المكتوبات كلها ، وكضرب الركب بالأكف قبل السلام من الصلاة كما يفعله الرافضة, وكالأوراد التي تقال جماعة بعد الصلاة ، ونحو ذلك ، فانتبه لهذه الضوابط ، وفقك الله تعالى لكل خير والله أعلم .
يتبع إن شاء الله....

أبو الشيماء 26-06-2011 07:13 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..

بعد استراحة قصيرة نعود إن شاء الله لإتمام ما بقي من الموضوع.

في حفظ الله


أم اسراء 27-06-2011 09:52 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خيراً أخى الفاضل أبو الشيماء

وجعله فى موازين حسناتك ولا حرمك الأجر

طالب الرضوان 09-07-2011 03:36 AM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
جزاك الله خير

أبو سلمان عبد الغني 21-07-2011 02:19 AM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
جزاك الله خيرا أخانا الحبيب على الموضوع المهم
الذي يجعله المرء زادا له في حياته وخاصة ما يتلفظ به

وبارك الله فيك

أبو الشيماء 10-12-2011 02:22 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
بارك الله فيكم على المرور.

جزاكم الله خيرا.


هدايه 10-12-2011 03:29 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 

أبو الشيماء 11-12-2011 10:25 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
حياكم الله تعالى و بارك الله فيكم..

ننتقل بإذن الله سبحانه للجزء الأخير من الموضوع.
***************************

ومنها :- الحق الذي لا ينبغي القول بغيره هو أن التعصب للمذهب أمر محرم وقبيح فلا يجوز لأحد أن يتعصب لمذهب إمامه الذي يتبعه ، هذا لا يجوز ، لما في ذلك من عدة مفاسد , الأولى :- أن فيه ادعاء لعصمة هذا الإمام ، وهو وإن لم يقلها بلسانه في إمامه إلا أن أفعاله وتعصبه وأخذه بكل أقواله من غير نظر في الدليل تفيد ذلك ، وهذا أمر لا يجوز ، فإن العصمة على الانفراد ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الثانية :- أن فيه دعوى أنه مشارك للنبي صلى الله عليه وسلم في التشريع ، وهذا أمر من أمور الكفر ، لأن المستقل بالطاعة المطلقة هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأما غيرهما فله مطلق الطاعة ، فمن جعل إمامه يطاع الطاعة المطلقة ، فقد أنزله في منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم وما رأيك أنت في هذا ؟ لا جرم أنك تقول إنه من الكفر فأقول:- هذا صحيح ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله تعالى ، فمن اعتقد أن إمامه الذي يقلده يطاع الطاعة المطلقة ، وأنه يجب على الغير اتباعه في كل ما يقول ، بغض النظر عن موافقة الكتاب والسنة أو مخالفتهما ، فهذا صورة من صور الكفر ، والعياذ بالله تعالى ، وعليه فهذا التعصب للمذاهب من المحرمات التي قد توصل صاحبها في بعض صورها إلى الكفر ، الثالثة :- أنه مفض إلى كثرة النزاع والاختلاف في الدين ، وموجب للتباغض والتدابر والتشاحن ، والتفرق والاعتداء باللسان والفعل ، وهل يخفاك بالله عليك ما أوجبه التعصب المقيت في كثير من أزمنة الجمود التي مرت بها الأمة ؟ حتى إن كان في الحرم الشريف تقام أربع جماعات ، للمذاهب الأربعة لأن بعض أهل العلم في ذلك الزمان أفتى بأنه لا يصلي أهل مذهب وراء أهل مذهب آخر ، بل وتعدى الأمر والتعصب حتى وصل ذروته ، فكان بعض الأحناف يفتي بأن لا يتزوج الحنفي من شافعية ، والعكس ، فانظر كيف وصلت الحال ، وكل هذا بسبب التعصب للمذهب المتبع ، فضلا عن تراشق التهم ، وفساد النوايا ، وامتلاء القلوب على بعض ، والتدابر والوشاية لولاة الأمور على من يخالفك في المذهب ، وقد تقرر في الشريعة أن أي سبب يفضي إلى ذهاب أخوة الإيمان وفساد علائق الدين فإنه ممنوع ، فلما كان التعصب يوجب ذلك صار ممنوعا في الشرع ، الرابعة :- أن التعصب للمذاهب أوجب تحريف الأدلة وتأويلها على غير دلالتها الصحيحة ، ولي أعناقها حتى توافق المذهب ، أو ردها وعدم قبولها ، وهذا في حد ذاته محرم ، والمتقرر أن ما أفضى إلى الحرام فهو حرام ، ومفاسد التعصب كثيرة ، فلما كان التعصب للمذهب يحمل في طياته هذه المفاسد قلنا بأنه محرم , لا يجوز ، سدا للذريعة ، وحماية لجناب الدين ، وإغلاقا لأبواب تحريش الشيطان بيننا والله أعلم .

أبو الشيماء 11-12-2011 10:27 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
ومنها :- أن من السنة الصلاة بين كل أذانين , أي بين الأذان والإقامة ، وهذا من باب الاستنان المطلق ، لكن لا ينبغي المداومة عليها حتى لا يتخذها الناس من السنن الراتبة ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (( بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة ،لمن شاء ، كراهية أن يتخذها الناس سنة )) رواه الجماعة ، فقوله " كراهية أن يتخذها الناس سنة " هذا من باب سد الذرائع ، ولذلك فالقاعدة عندنا تقول ( ما ليس بسنة راتبة ، فالسنة تركه أحيانا ) فلا تنبغي المداومة على ما ليس بسنة راتبة ، من باب سد ذريعة اتخاذه الناس سنة راتبة ، قال الشاطبي ( وبالجملة : فكل عمل أصله ثابت شرعًا ، إلا أن في إظهار العمل به والمداومة عليه ما يُخاف أن يعتقد أنه سنة ؛ فتركه مطلوب في الجملة من باب سد الذرائع ) والله أعلم .
ومنها
:- وهو دليل على عمل الصحابة لهذه القاعدة امتناع عثمان رضي الله عنه عن قصر الصلاة وهو مسافر بمنى ، فيقال له : أليس قصرت مع النبي ? فيقول:- بلى ، ولكني إمام الناس ، فينظر إليَّ الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين فيقولون هكذا فرضت. قال الطرطوشي تعليقًا على ذلك (تأملوا رحمكم الله فإن في القصر قولين لأهل الإسلام :منهم من يقول : فريضة ... ، ومنهم من يقول سنة ...ثم اقتحم عثمان ترك الفرض أو السنة لمّا خاف من سوء العاقبة ، وأنْ يعتقد الناس أن الفرض ركعتان ) والحق وإن كان هو القصر ، لكن نحن نريد بهذا الفرع أن نثبت أن هذه القاعدة من القواعد المعتمدة عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , الله أعلم .
ومنها :- ترك بعض الصحابة رضي الله عنهم الأضحية خشية أن يظن أنها واجبة ، نُقل ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه ( إني لأترك أضحيتي وإني لمن أيسركم ؛ مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة ) قال الطرطوشي تعليقًا على ذلك ( انظروا رحمكم الله فإن القول في هذا الأثر كالقول فيما قبله ؛ فإن لأهل الإسلام قولين في الأضحية أحدهما سنة ، والثاني : واجبة . ثم اقتحم الصحابة ترك السنة ؛ حذرًا أن يضع الناس الأمر على غير وجهه فيعتقدونها فريضة ) وهذا دليل على اعتبار الصحابة لقاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها
:- الحق الحقيق بالقبول هو أنه ليس في الدين شيء يقال له :- بدعة حسنة ، بل البدع في الدين كلها قبيحة ، ليس فيها شيء حسن ، نعم الأمور المحدثة في أمر من أمور الدنيا مما لا تعلق له بالدين لا حرج فيه ، إن لم يخالف دليلا صحيحا ، وأما الإحداث في الدين فإنه كله قبيح ، وضلالة وليس فيه شيء حسن ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( وكل بدعة ضلالة )) ولقد حارب أهل العلم رحمهم الله تعالى من أهل السنة والجماعة القول بالبدعة الحسنة في الدين ، وألفوا فيها الردود ، وما ذلك إلا لسد ذريعة الإحداث في الدين ، فهذا النوع من التأليف والرد إنما يراد به سد الذرائع ، فلا يجوز القول بأن ثمة بدعة وإحداث في أمر الدين يوصف بأنه حسن ، حماية لجناب الدين ، وسدا لباب الإحداث فيه ، والله أعلم .
ومنها
:- ما نُقل عن الإمام مالك رحمه الله تعالى قال ابن وضاح ( وقد كان مالك يكره كل بدعة وإن كانت في خير ، ولقد كان مالك يكره المجيء إلى بيت المقدس خيفة أن يتخذ ذلك سنة, وكان يكره مجيء قبور الشهداء ، ويكره مجيء قباء خوفًا من ذلك ، وقد جاءت الآثار عن النبي ? بالرغبة في ذلك ، ولكن لما خاف العلماء عاقبة ذلك تركوه ) فانظر كيف حرص أهل العلم على تحقيق هذا الأصل ليسد باب الإحداث في الدين ، والله أعلم .
ومنها
:- روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال :- قال النبي صلى الله عليه وسلم (( الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات , لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه... الحديث )) فانظر كيف ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأمور المشتبهة إلى التورع بتركها ، وما ذلك إلا لسد ذريعة الوقوع في المحرم الصريح ، وحتى يكون ذلك أحوط لأمر الدين والعرض ، وهذا أصل في سد الذرائع ، ومثله حديث (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )) ولذلك قرر أهل العلم أن من الورع ترك ما لا بأس به ، خشية من الوقوع فيما فيه البأس ، وأن من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، وأن النفس إن استساغت الوقوع في الأمور المشتبهة ، فإنه سيسهل عليها الوقوع في المحرم الصريح , وكل هذا مفرع على قاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها
:- لقد ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى أن من حكمة تشريع المندوب حماية الفرائض ، فإن من كان على المندوب حريصا ، فلا جرم أنه سيكون على الفرض أحرص , ولا يطمع الشيطان فيمن حافظ على الأمور المندوبة أن يوقعه في ترك الأمور المفروضة ، فصار من حكمة تشريع المندوبات في الشرع سد ذريعة ترك الفرائض ، فالأدلة الدالة على تشريع المندوبات دالة على قاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها
:- أن الحق أنه لا يجوز للسيد أن ينادي رقيقه بقوله ( عبدي ) أو ( أمتي ) بل يقول :- فتاي وفتاتي ، وغلامي , وهذا من باب سد ذريعة المشاركة مع الرب جل وعلا في شيء من الربوبية ومن باب التأدب مع الله تعالى عن أبي هريرة أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يقل أحدكم أطعم ربك، وضّئ ربّك, وليقل سيّدي ومولاي )) وقال (( ولا يقل عبدي وأَمَتي وليقل فتاي وفتاتي وغُلامي )) فلا يجوز استعمالُه لغيره، وإنْ كان المتكلَّم لا يقصد المعنى وإنّما يقصد مجرّد الملكيّة والرِّق، لكن من باب سدّ الذرائع ، وقد قرره الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد ، فهذا الباب ممنوع تفريعا على قاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها
:- المتقرر في القواعد عندنا أن لكل علم رجاله ، فلا يجوز للعبد أن يحدث بكل ما سمع, ولا يجوز له تحديث القوم بما لا تبلغه عقولهم ، لأن ذلك مما يوجب لهم الفتنة ، وفساد الفهم ، فلا بد أن يعطى كل قوم من العلم ما تحتمله عقولهم ، وعلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )) وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:- بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنْ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ . وقال مالك رحمه الله تعالى ( اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ وَلَا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) وقال ابن مسعود رضي الله عنه:- بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنْ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ . وقال عبدالرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى ( لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ ) وقال ابن مسعود رضي الله عنه:- مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً . فلا بد من الانتباه لهذا الأمر ، فإن بعض الناس يحدث القوم بكل حديث سمعه , من غير تمييز ولا تعقل , وهذا غلط بل لا بد أن يختار لكل قوم من الحديث ما يتناسب مع عقولهم ، وإن من الحكمة الإمساك عن بعض الحديث عن بعض العامة وصغار الطلبة ممن لا يحتمل عقله نوع هذا الحديث ، ولذلك كان السلف رحمهم الله تعالى يحرصون على تقسيم الحلقات للمتعلمين ، فحلقة لصغار الطلبة , وحلقة للمتوسطين ، وحلقة للمنتهين, ويعطون كل أفراد حلقة ما يناسبهم من العلم ، حتى لا تختلط عليهم المسائل , ولا ينبو بهم الفهم ، وهذا من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا ، والله أعلم .
ومنها
:- أن أهل السنة رحمهم الله تعالى قد قرروا في كتب العقيدة أن الواجب الكف عن ما شجر بين بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأن الأسلم ، بل الواجب أن لا نعمل فيه ألسنتنا وأن لا نبحث فيه ، ولا نقلب فيه صفحات التاريخ ، مع الاعتقاد الجازم أنهم كانوا فيه مجتهدين فالمصيب له أجران ، والمخطئ له أجر واحد ، فأهل السنة لم يختلفوا في قضية الكلام فيما جرى بين الصحابة ، بل موقفهم فيه واضح ؛ وتحريره : أن ذكر ما جرى بين الصحابة على وجه التاريخ دون طعن على أحد منهم هذا مكروه عندهم ، لأنه لا عمل تحته ، ويخاف أن يجر صاحبه إلى المحذور فنهيهم عنه من باب سد الذرائع ، وهذا وجيه من الناحية الشرعية والعقلية ، فلا يشك شاك أن الإنسان لو كف عن عمل لا ينفعه ، وقد يضره دل كفه على كمال عقله وتورعه لدينه ، وأن فعله له يدل على ضعف في عقله ، وقلة احتياطه لدينه ، فسد أهل السنة البحث في هذا الباب حتى لا يكون سببا للقدح في الصحابة أو إساءة الظن فيهم ، أو الكلام بما لا ينبغي في أحد منهم ، فانظر كيف تأثير العمل بهذه القاعدة المباركة الطيبة ، وكيف يسد عن الأمة أبواب الشر والبلاء ، فالحمد الله تعالى على فهمها واعتمادها والهداية لها .
ومنها :- أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله وأحب لمن صلى إلى عمود أو عود أو شجرة أن يجعله على أحد حاجبيه ولا يصمد له صمدا سدا لذريعة التشبه بالسجود لغير الله تعالى ، إن صح الحديث في ذلك , فهو من باب سد الذرائع

أبو الشيماء 11-12-2011 10:28 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
ومنها :- أنه صلى الله عليه وسلم أمر إن افتتح الإمام الصلاة جالسا أن يصلي من خلفه كلهم جلوس , ولو كانوا قادرين على القيام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون )) متفق عليه ، وما ذلك إلا لسد ذريعة التشبه بفارس والروم في قيامهم على ملوكهم وهم قعود .
ومنها
:- أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لمن منع من حقه أن يأخذه إن كان سبب الحق ظاهرا معلوما للجميع ، لأن أخذه لحقه حينئذ لا ينسب فيه إلى خيانة ، وأما إن كان سبب الحق خفيا فإنه لا يجوز له أخذه ، فقال لمن سأله عن ذلك (( أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك )) ولأن ذلك ذريعة إلى إساءة الظن به ونسبته إلى الخيانة ولا يمكنه أن يحتج عن نفسه ويقيم عذره مع أن ذلك أيضا ذريعة إلى أن لا يقتصر على قدر الحق وصفته فإن النفوس لا تقتصر في الاستيفاء غالبا على قدر الحق .
ومنها
:- أن الشارع سلط الشريك على انتزاع الشقص المشفوع من يد المشتري سدا لذريعة المفسدة الناشئة من الشركة والمخالطة بحسب الإمكان وقبل البيع ليس أحدهما أولى بانتزاع نصيب شريكه من الآخر فإذا رغب عنه وعرضه للبيع كان شريكه أحق به لما فيه من إزالة الضرر عنه وعدم تضرره هو فإنه يأخذه بالثمن الذي يأخذه به الأجنبي ولهذا كان الحق : أنه لا يحل الاحتيال لإسقاط الشفعة ولا تسقط بالاحتيال فإن الاحتيال على إسقاطها يعود على الحكمة التي شرعت لها بالنقض والإبطال، وفي الحديث:- أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم . فباب الشفعة في الفقه الإسلامي راجع إلى سد الذريعة , وهي ذريعة تضرر الشريك بدخول غير شريكه معه .
ومنها
:- أن السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم وإفراد يوم الجمعة لئلا يتخذ ذريعة إلى الابتداع في الدين بتخصيص زمان لم يخصه الشارع بالعبادة ، قال صلى الله عليه وسلم (( لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين سائر الأيام ولا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين سائر الليالي )) متفق عليه
ومنها
:- أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بقطع الشجرة التي كانت تحتها البيعة وأمر بإخفاء قبر دانيال سدا لذريعة الشرك والفتنة ونهى عن تعمد الصلاة في الأمكنة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل بها في سفره وقال:- أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فلا .
ومنها
:- أن جمع القرآن إنما كان مبنيا على هذه القاعدة الكبيرة الطيبة ، فقد جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه الأمة على حرف واحد من الأحرف السبعة لئلا يكون اختلافهم فيها ذريعة إلى اختلافهم في القرآن ووافقه على ذلك الصحابة رضي الله عنهم .
ومنها
:- ما قرره أهل السنة رحمهم الله تعالى من حرمة الخروج على الحكام ، وذلك حماية للنفوس والأموال من التلف ، ولحفظ الأمن وصد الأعداء وتقوية جانب المسلمين ، واتحاد الصف واتفاق الكلمة ، فنهى عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة وإن ظلموا وجاروا ما أقاموا الصلاة سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكبير بقتالهم كما هو الواقع فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم من الشرور أضعاف أضعاف ما هم عليه والأمة في تلك الشرور إلى الآن .
ومنها
:- ما قرره خلفاء الإسلام على أهل الذمة من الشروط إن أحبوا المقام بين المسلمين فهذه الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمراكب والمجالس لئلا تفضي مشابهتهم للمسلمين في ذلك إلى معاملتهم معاملة المسلمين في الإكرام والاحترام ففي إلزامهم بتمييزهم عنهم سدا لهذه الذريعة .
ومنها
:- منعه صلى الله عليه وسلم من بيع القلادة التي فيها خرز وذهب بذهب لئلا يتخذ ذريعة إلى بيع الذهب بالذهب متفاضلا إذا ضم إلى أحدهما خرز أو نحوه ، والحديث فيها معروف ، والله أعلم .
ومنها
:- أن الله تعالى لما حرم على أبينا الأكل من الشجرة ، حرم عليه قربانها ، بقوله }وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ {وتحريم القربان أبلغ من تحريم الأكل , فإن تحريم قربانها يدل على تحريم أكلها وزيادة فنهاه الله تعالى عن قربانها لأن القرب من المحرم ذريعة للوقوع فيه ، فاعتبروا يا أولي الأبصار .
ومنها
:- أن القول الصحيح جواز القبلة للصائم , إلا في حق من غلب على ظنه أنها تحرك شهوته تحريكا لا يستطيع دفعه ، فتكون حراما في حقه من باب سد الذرائع .
ومنها
:- القول الصحيح أنه يجوز مباشرة الحائض دون الفرج , وإنما المحرم جماعها , وهذا الجواز في حق من أمن على نفسه العنت , وأما من كان غير مالك لإربه فإن المباشرة عليه محرمة ، لأنها ستفضي به عن يقين أو غلبة ظن إلى المحظور ، والمتقرر أن ما أفضى إلى المحظور عن يقين أو غلبة ظن فإنه محظور . والله أعلم .
ومنها
:- أن العبد إن نظر إلى حاله مقارنة بغيره في أمور الدنيا فلا ينبغي له أن ينظر إلا لمن هو أدنى منه ، حتى لا يزدري نعمة الله تعالى عليه ، وإن نظر إلى حاله مقارنة بغيرها في أمور الدين فلا ينظر إلا لمن هو أعلى منه ، حتى يكون ذلك باعثا إلى النشاط والجد وترك الكسل والتواني ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ, وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ, فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وهذا من النظر الصحيح الذي دلت عليه هذه القاعدة الطيبة ، فإن من نظر إلى من هو أعلى منه في أمر الدنيا هانت عليه نعم الله عليه وازدراها وانتقصها وهذا محرم وما أفضى إلى الحرام فهو حرام .
ومنها
:- أن الحق تحريم تعلم المنطق اليوناني الذي يتعلق بمسائل العقيدة والإلهيات ، لما في تعلمه من الأخطار المحقة بعقيدة الأمة ، ولما فيه من الألفاظ المجملة التي تحتمل الحق والباطل ، ولما فيه من القواعد المخالفة للمنقول والمناقضة للمعقول ، ولأن الذين قرروا هذه القواعد الكفرية الفلسفية ليسوا على علم ولا على هدى من نور الكتاب والسنة ، وقد حصل بسبب تعلمه المفاسد الكبيرة الكثيرة الخطيرة ، والتي لا زلنا نعاني منها إلى عصرنا هذا ، وقد نص جمع كبير من أهل السنة على حرمة تعلمه ، من أجل هذه المفاسد ، فسدا لذريعة فساد العقيدة ، ومخالفة الأدلة ، قلنا بأن تعلمه محرم ، والله أعلم .
ومنها
:- أن من الحكمة الكف عن قتل المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يظهر نفاقهم في العلن ، فإن الأمور الباطنية لا يعلمها إلا الله تعالى ، فلو فتح الشرع باب القتل بالمظنة لفسدت الأمور وكثر القتل ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكف عن قتل أهل النفاق ويقول (( أتريدون أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه )) فهذا من باب سد الذرائع, وإغلاق لباب القتل بالظن ، وحماية لجناب النفوس ، وسدا لباب القدح في الدين ، والله أعلم .
ومنها
:- لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين ، والأحاديث فيه معلومة منها أنه كان يقول في الصلاة (( اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم )) وعلل هذا بأن الرجل إذا غرم حدث فكذب ، ووعد فأخلف ، وهذا أصل من أصول سد الذرائع ، فكان يستعيذ من الدين لأن الدين سبب للكذب وإخلاف الوعد ، كما هو حاصل ومشاهد في الناس اليوم ، فتعتبر الاستعاذة من الدين من أصل سد الذرائع ، لأنه في الغالب ما يفضي بصاحبه إلى الوقوع في الحرام من الكذب وإخلاف الوعد ، وما أفضى إلى الممنوع فهو ممنوع ، وعلى ذلك فالقول بكراهة الدين إلا للحاجة الملحة قول له حظ من النظر ، والله أعلم .

أبو الشيماء 11-12-2011 10:29 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
ومنها:- ما في حديث أبي هريرة:- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الإماء. وقد قيل المراد بكسب الأمة جميع كسبها ، وهو من باب سد الذرائع ، لأنها لاتؤمن إذا ألزمت بالكسب أن تكسب بفرجها ، فالمعنى أن لايجعل عليها خراج معلوم تؤديه كل يوم ، فعلى هذا القول يكون هذا الحديث من الأحاديث التي يستدل بها على سد الذرائع .
ومنها
:- أن المشروع للعبد أن لا يخالط أهل الأمراض المعدية ، وأنه يطلب منه الابتعاد عنهم محافظة على الصحة ، وعلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (( فر من المجذوم فرارك من الأسد )) وقوله (( لا يورد ممرض على مصح )) وهذا في العدوى الانتقالية بقدر الله تعالى ، وأما العدوى الابتدائية فإنها منفية في الشرع ، في قوله صلى الله عليه وسلم (( لا عدوى ولا طيرة )) فالمنفي هنا إنما هو العدوى الابتدائية ، والأحاديث الأخرى في العدوى الانتقالية ، فلا تخلط بين الأمرين ويستفاد من هذا ، أنه يجوز لولي الأمر الحجر على أصحاب الأمراض الخطيرة المعدية ، كمرضى (الإيدز) ونحوه ، لما في ذلك من حفظ صحة الناس ، ولا يخفاك أن حفظ النفوس من الأصول التي جاء بها الإسلام ، فالفرار من صاحب المرض المعدي ، والحجر على أصحاب الأمراض الخطيرة مما يستدل له بقاعدة ( سد الذرائع) والله أعلم .
ومنها
:- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى الناس وهو يستقون من بئر زمزم قال (( انزعوا يا بني عبد المطلب؛ فلولا أن يغلبكم الناس لنزعت معكم )) فرغب أن يأخذ الدلو ويسقي نفسه ولكن خاف أن يأتي كل مسلم فيقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نزع بالدلو فأنا أنزع مثله، فإذا أراد جميع الحجاج أن ينزعوا بالدلال فيسغلبون السقاة على زمزم.فكان صلى الله عليه وسلم يترك الشيء الذي يرغب فيه خوفاً مما يترتب عليه، وهذا ما نسميه نحن:- سد الذرائع، وهو ترك الجائز مخافة الوقوع في الحرام . فقوله هذا من الأدلة التي يستدل بها على سد الذرائع .
ومنها
:- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعطي المسلم أخاه السيف مسلولا ، قال أبو داود في سننه :- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسماعيل حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا . وما ذلك إلا لسد ذريعة الأذى ، ولسد ذريعة أن يحرك الشيطان يده نحو أخيه فيدفع السيف في بدنه ، ولخشية أن يدفع من خلفه من أحد آخر ، فيقع السيف على أخيه مسلولا فيؤذيه ، ولخشية أن يسقط السيف من يده نحو أخيه فيحصل له الضرر والمهم أن هذا الحديث مبناه على سد الذرائع .
ومنها
:- أنه لا يجوز ترك النار في البيت مشتعلة في الليل وأهل الدار نائمون ، روى أبو داود في سننه بسنده من حديث ابن عمر قال:- لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون. يعني لا تتركوها مشتعلة، فاعملوا على إطفائها قبل أن تناموا , وهذا من أدلة سد الذرائع ، لأنه نهى عن هذه الوسيلة من أجل أنها تؤدي إلى غاية ضارة أو يخشى أن تؤدي إلى غاية ضارة .
ومنها
:- أنه لا يجوز للإنسان أن يدور بين المسلمين في السوق ولا في المسجد بسيف غير مغمود أو بسهام قد بدا نصالها لما في ذلك من الضرر الظاهر ، فحتى لا يؤذي به نفسه ولا يؤذي به أحدا من المسلمين قلنا :- لا يجوز ذلك ، قال البخاري في صحيحه :- حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا عبد الواحد ، ثنا أبو بردة بن عبد اللَّهِ ، سمعت أبا بردة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (( من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها ؛ لا يعقر بكفه مسلما )) فقوله " لا يعقر به مسلما " أصل من أصول سد الذرائع ، فكل ما من شأنه أن يؤذي أحدا من عباد الله في السوق أو في المسجد فالواجب إبعاده والله أعلم .
ومنها
:- أن المتقرر في القواعد أن الشارع إذا حرم شيئا حرم ثمنه ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ )) رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم ، وهو قاعدة مبناها على سد الذرائع ، وذلك أن فتح باب بيع الشيء المحرم وسيلة إلى طمع النفوس في ثمنه لما حرم عليها الانتفاع به أكلا وشربا ، فلا أقل من بيعه وأكل ثمنه ، وبيعه وشراؤه ذريعة إلى استعماله في الصورة المحرمة ، فسد هذا الباب من باب سد الذرائع التي تفضي إلى الممنوع ، وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه :- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ (( إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ )) فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ (( لَا هُوَ حَرَامٌ )) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ ((قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)) وهذا من الأصول التي يبنى عليها القول بسد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها
:- القول الصحيح أنه لا يجوز لمن في المسجد الخروج بعد الأذان إلا لعذر شرعي ومسوغ مرعي ، فالأذان يمنعه من الخروج ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن المؤذن أذن فقام رجل فخرج من المسجد فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج ، فقال :- أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . والحديث في مسلم ، وحمل الحديث على الكراهة حمل بعيد ، لا سيما وأن الحديث فيه التصريح بأن من فعل هذا فقد عصى النبي صلى الله عليه وسلم والمعصية لا يوصف بها إلا من وقع في المحرم ، ثم هذا فهم الراوي وتفسيره , والمتقرر أن تفسير الراوي مقدم على تفسير غيره ما لم يخالف ظاهر الحديث ، والمقصود أن المنع من الخروج إنما هو لسد ذريعة فوات صلاة الجماعة ، والتشاغل عنها، والله أعلم .
ومنها
:- القول الصحيح أنه لا تجوز تسمية الغلام بأفلح ولا نجيح ، ولا يسار ولا رباح ، وذلك لثبوت النهي عنه كما في قوله صلى الله عليه وسلم (( لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول :- أثم هو ؟ فيقول :- لا )) والعلة في النهي هنا كما هو ظاهر اللفظ هي سد الذرائع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك سدا لذريعة الطيرة المحرمة ، فإن من الناس من تكون عنده حساسية من بعض الألفاظ القبيحة ، فإذا سمع أحدا يقول :- أعندك أفلح ؟ فقال :- لا ، فإن من النفوس من يتأثر بذلك ، ويتخذه من باب التشاؤم المنهي عنه ، وباب التطير محرم ، ومن مقتضى تحريمه تحريم كل الوسائل التي توصل له ، ومن هذه الوسائل التسمية بهذه الأسماء الأربعة ، لأن نفيها يوجب التطير ، فمنعت التسمية بها سدا لباب التطير المنهي عنه ، والله أعلم .

أبو الشيماء 11-12-2011 10:30 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
ومنها :- القول الصحيح أنه لا يجوز النوم قبل صلاة العشاء، أي فيما بين صلاة المغرب وبينها ، في حق من تيقن أو غلب على ظنه أنه لن يستيقظ للصلاة مع الجماعة ، وذلك لحديث أبي برزة:- وكان يكره النوم قبلها - أي صلاة العشاء - والحديث بعدها. والكراهة عند السلف محمولة على التحريم في الأعم الأغلب ، ولأن هذا النوم ربما يكون ذريعة لتفويت الصلاة وإخراجها عن وقتها وما أفضى إلى الممنوع فهو ممنوع فحتى لا يتساهل الناس في أمر الصلاة نهوا عن ذلك ، والله أعلم .
ومنها :- القول الصحيح أنه لا يجوز جمع بهيمة الأنعام أو تفريقها خشية الصدقة ، فمن كانت الخلطة توجب عليه ما لا يوجبه الانفراد فلا يجوز له الانفراد هروبا من الحق الواجب عليه ، ومن كان الانفراد يوجب عليه ما لا يجوز الاختلاط فلا يجوز له الاختلاط مع غيره فرارا من الزكاة الواجبة في ماله ، فمحافظة على شعيرة الزكاة ، وحماية لحق الفقراء فيها ، وسدا لباب الطمع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة )) وهذا أصل من أصول سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- تحريم الرشوة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي والرائش ، وما ذلك إلا لحفظ النظام العام , وحتى تسلم للناس أمورهم ، وحتى لا يقدم غير الأكفأ على الأكفأ ، وحتى لا تتعطل معاملات الناس ، وحتى يسد باب الطمع والجشع والظلم ، وحتى لا يكون للنفوس الضعيفة مطمع في غير المخصص لها من ولي أمر البلاد ، وحتى لا يظلم الضعيف ، ولا يكون المال دولة بين الأغنياء منا ، إلى غير ذلك من المفاسد والتي لا يحصيها على وجه التفصيل إلا الله تعالى فباب الرشوة مسدود كله ، والعلة في سده تحقيق مبدأ سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها:- دل القرآن الكريم على أن الله فضل بعض النبيين على بعض كما قال تعالى }تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ {ومع هذا وردت أحاديث صحيحة تنهى عن تفضيل بعض النبيين على بعض كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:- بينما يهودي يعرض سلعته أُعطي بها شيئًا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدًا، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لم لطمت وجهه؟ فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي في وجهه، ثم قال(( لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه يُنفخ في الصور فيُصْعَق من في السماوات ومن في الأرض إلا ما شاء الله، ثم يُنفخ فيه أخرى فأكون أول من بُعِثَ، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي )) متفق عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متَّى، ونسبه إلى أبيه )) متفق عليه ، وهذه الأحاديث لا تعارض آية التفضيل المذكورة آنفًا، وينبغي أن يحمل النهي الوارد فيها عن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية، سدًا لذريعة الانتقاص من المفضول, قال النووي ( قال العلماء: هذه الأحاديث تحتمل وجهين:- أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس، فلما علم ذلك قال (( أنا سيد ولد آدم )) رواه أبو داود ، والثاني:- أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا زجرًا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئًا من حط مرتبة يونس صلى الله عليه وسلم ) وقد ذكر القرطبي أقوالاً كثيرة لأهل العلم في هذه المسألة منها (إنما نهى عن الخوض في ذلك، لأن الخوض في ذلك ذريعة إلى الجدال، وذلك يؤدي إلى أن يذكر منهم ما لا ينبغي أن يذكر ويقل احترامهم عند المماراة ) وقال ابن حجر ( قال العلماء: إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعًا، إن كان قاله بعد أن أُعْلِم أنه أفضل الخلق، وإن كان قاله قبل علمه بذلك فلا إشكال وقيل: خص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له، فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعة ) وقال شارح الطحاوية بعد أن ذكر حديث أبي هريرة السابق ( فكيف يجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر )) فالجواب: أن هذا كان له سبب، لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذمومًا، بل نفس الجهاد إذا قاتل الرجل حمية وعصبية كان مذمومًا , فإن الله حرم الفخر, وقد قال الله تعالى }وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ{وقال تعالى }تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ {فعلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر، أو على الانتقاص بالمفضول ) وقد جاء في أبحاث اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما يلي (ومن هذا القبيل تفضيل بعض الأنبياء على بعض، هو نفسه جائز، فقد فضل الله بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات، ولكنه يمنع حينما يجر إلى الفتنة والعصبية، وقد تخاصم مسلم ويهودي في العهد النبوي، ولطم المسلم وجه اليهودي، لأنه أقسم بالذي اصطفى موسى على العالمين، وأقسم المسلم بالذي اصطفى محمدًا على العالمين، فلما بلغت الخصومة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم غضب حتى عرف الغضب في وجهه، وقال (( لا تخيروني على موسى )) ثم أثنى عليه بما هو أهله، ونهاهم أن يفضلوا بين أنبياء الله سدًا لذريعة الفتن، وحرصًا على وقارهم صلوات الله وسلامه عليهم وإذا كانت الدول تشدد في سد الذرائع، وترى ذلك ركنًا من أركان السياسة والأمن والنظام والمعاملات الدنيوية، فإنه في العقائد أخلق وفي مقام النبوة أوجب وأحق ) والمهم أن التفضيل على الأنبياء إذا أفضى إلى الممنوع فهو ممنوع ، سدا لذريعة انتقاص جنابهم عليهم الصلاة والسلام .
ومنها :- لقد سألني بالأمس سائل عن حكم ضرب الكؤوس بعضها ببعض قبل الشرب ، وهي ماء فقبل أن يشرب الماء يضرب كأسه في كأس الجالس بجواره ، فأجبت بأن هذا الفعل محرم ، لعدة وجوه , الأول :- أن فيه مشابهة بفعل الكفار ، فإن هذا من هديهم وعادتهم عند شربهم للخمر والمتقرر في قواعد الشرع تحريم التشبه بهم ، بل وقطع العلائق الموصلة لهذه المشابهة ، الثاني :- أن فيه تشبها بأهل الفجور والفسق ، لأن هذه العادة من موروثاتهم إن أرادوا شرب الخمر ، فهو فعل أهل الخنا والخمر والدناءة من سفلة الخلق وخنازير الورى ، والتشبه بهم ممنوع في الشرع ، فإن من مقاصد الشرع التحلي بكل ما هو من الأخلاق الفاضلة العالية السامية ، والتجافي واجتناب ما هو من الأخلاق الرديئة الفاسدة السافلة ، الثالث :- أنه فعل يذكر النفوس بشرب الخمر ولذة شربه فهو قائد وداع لشربها ولا شك ، ولو بعد حين إن استمر الحال على ما هو عليه ، الرابع :- أنه فعل ينبئ عن إعجاب داخلي بما يفعله هؤلاء من شربهم للخمر ، وهذا الإعجاب الباطني سيتحول ولا بد في يوم من الأيام إلى ظاهرة عملية ، إن لم يحارب في مهده ، الخامس :- أن ضرب الكؤوس أصلا من موروثات النصارى العقدية المحرفة ، فإنهم يتوارثونها توارث المعتقدات ، فهم يفعلونها على أنها عبارة عن تقوية للروابط الأخوية الدينية ، وأنها سبب من الأسباب التي يحصل بها تصفية النفوس وراحة البال ، فيأتي هذا المعتوه المسلم فيفعل كما فعلوا من باب التقليد الأعمى ، السادس :- أن من مقاصد الشرع أن لا يكون المسلم إمعة يقلد من هب ودب ، بل الإسلام فرض شخصية للمسلم مستقلة عن هدي الكفرة ، سواء في تعاملاته العامة أو الخاصة من مأكل ومشرب ولباس وهيئة ، ونحو ذلك , وذلك لأن الدين الإسلامي يربأ بأتباعه أن يكون في أواخر الركب ، ممن تبهرهم قذارة الغير من الكفرة وغيرهم ، فالمسلم له استقلاليته في الشخصية ، فهو متبوع لا تابع وقائد لا مقود وأصل لا فرع ، ورأس لا قدم ، فيأتي هذا البعض من الشباب ليدمر تلك الخصيصة التي اكتسبها بالإسلام جهلا منه وحمقا، والمهم أن هذا الفعل محرم ، وفرعنا تحريمه على قاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها :- القول الصحيح أن الإنكار العلني على الحاكم على شكل مظاهرات جماعية في الشوارع فعل محرم ، لا يجوز ، لما فيه من اختلاط الحابل بالنابل ، ولما فيه من فتح باب التساهل في أمر الولايات , ولما فيه من مخالفة منهج السلف رحمهم الله تعالى في مسألة الإنكار على الحكام ، ولما قد يحصل فيه من الضرر العام من رش المياه الحارة على المتظاهرين أو رميهم بالبنادق أو ضربهم بالعصي مما يفضي إلى الضرر العام ، ولما فيه من إغضاب الحاكم فيأخذ بالرد بالحديد والنار فتثور الفتنة النائمة ، فيهلك الحرث والنسل ، ولما فيه من مخالفة الأحاديث الناصة على الأخذ بيد الحاكم ونصحه خفية لا علانية ولما فيه من التشبه بالغرب الكافر في مسألة الإنكار على حكامهم ، والتشبه بهم ممنوع ، ولما فيه من إثارة الرأي العام على الافتئات على حاكم البلد ، ولما فيه من اهتزاز الأمن ولما فيه من إثارة الفوضى العارمة التي لا تكاد تدع أحدا من أهل البلد إلا طالته بالأذى ، وهل كان مقتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه إلا بسبب هذه المظاهرات والإنكار العلني ؟ ولما قد يحصل فيه من إراقة الدماء بغير وجه حق ، فلهذه المفاسد وغيرها مما لم يذكر نقول :- لا تجوز هذه المظاهرات ، لا لأننا نقر أخطاء الحكام ، لا والله ، ولكن لأن الطريق الشرعي الذي لا ضرر فيه إن شاء الله تعالى هو الإنكار عليهم سرا لا علانية ، والخير كل الخير في اتباع من سلف , والشر كل الشر في ابتداع من خلف ، فالحذر الحذر يا إخواني من هذا الطريق المفضي إلى تلك المفاسد ، والله أعلم .

أبو الشيماء 11-12-2011 10:32 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
ومنها :- إنه لا يجوز لأحد أن يمنع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تدخل الأسواق التي يكون فيها اختلاط بين الجنسين ، الذكور والإناث ، لأن في هذا المنع من المفاسد ما الله به عليم والله تعالى قد عصم العامة برجال الهيئة في هذه الأماكن من كثير من الفساد ، فوجودهم فيها مهم جدا ، حتى يكون قاطعا لمادة الفساد من التبرج والسفور والمعاكسات ، والخطأ حاصل من الجميع لكن لا يجوز أن يقضى على الخير كله من أجل خطأ حصل من بعض الأفراد ، بل وإنني أناشد أن لا يعطى صاحب السوق ترخيصا لفتح سوقه إلا ويشترط عليه أن لا يمنع رجال الحسبة من دخوله فيكون السماح لهم بالدخول والإنكار من جملة الشروط الأساسية لافتتاح السوق ، وأقسم بالله العظيم إن في ذلك من الخير ما لا يحصى ، وفيه من البركة التي تعود على الأفراد والمجتمع بأسره ما لا يحصى ، وأقسم بالله العظيم أن في منعهم من دخول الأسواق من الشر والبلاء على الأمة ما لا يحصى ، فهذه كلمة حق نقولها في وقت كثر فيه الكلام على الهيئات وأريد بها الشر ، وأريد إبعاد رجالاتها عن الساحة ، لما حقق الله تعالى بهم من الخير والبركة والمصالح ، ودفع بهم من الفحشاء والسوء الشيء الكثير ، فإعمالا لقاعدة سد الذرائع نقول :- لا يجوز منع رجال الهيئة من دخول الأسواق العامة التي يختلط فيه الذكور بالإناث ، وقد حدثني بعض من هداه الله تعالى من معاكسات النساء بأنهم كانوا يقصدون الأسواق التي لا يسمح للهيئة بالدخول فيها ، لأنهم يجدونها مرتعا خصبا لاصطياد فريستهم من النساء بلا تعب ولا مخالفة ولا مراقبة ، وهذا يؤكد على ما قلته في هذا الأمر ، والله أعلم .
ومنها
:- الميسر كله حرام ، بكل صوره ومختلف أشكاله ، قال تعالى }إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {فالميسر كله حرام ، لا يحل منه شيء ، والعلة في تحريمه أنه ذريعة لأكل أموال الناس بالباطل ، وقد تقرر عندنا أن كل ذريعة تفضي إلى هلاك المال في غير وجه حق فهي محرمة ، ويدخل تحت الميسر تحريم ما يسمى بمسابقة اليانصيب ، ويدخل فيها المسابقات التي يكون العوض من الطرفين جميعا ، ويكون المتسابق فيه دائر بين الغرم والغنم ، فهذا كله من الميسر المحرم ، لأنه من أكل المال بالباطل ، والمتقرر عندنا أن كل مغالبة مبنية على المخاطرة فهي حرام وميسر ، إلا في الخف والنصل والحافر ، لحديث (( لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر )) ويدخل فيها جميع أنواع التأمين التجاري ، على مختلف أنواعه وتباين أشكاله ، وأما التأمين التعاوني فالقول الصحيح فيه أنه لا بأس به ، ولا ينبغي التسهيل في هذه الأمور لأن الناس لا يقفون عند منتهى فيها ، فالقول بسد الذريعة يقضي علينا القول بتحريم كل مغالبة مبنية على المخاطرة , محافظة على المال ، وحماية له من العبث المفضي إلى هلاكه وضياعه ، والله أعلم .
ومنها
:- القول الصحيح الذي لا ينبغي الخلاف فيه هو حرمة افتتاح دور السينما في البلاد الإسلامية ، وأعني بها تلك الدور التي يختلط فيها الرجال بالنساء ، سدا لذريعة الفساد ، وحماية لجناب الأعراض ، ودرأ للفتنة ، وتعطيلا للمفسدة ، والسعيد من وعظ بغيره ، والرقابة في هذه الدور لا تفي بالغرض ، فإغلاق الباب من أصله هو الأسلم ، والوقاية خير من العلاج ، والدفع أقوى من الرفع ، وقد أفتى بذلك جمع من أهل العلم رحمه الله أمواتهم وثبت أحياءهم ، والله أعلم .
ومنها
:- القول الحق أنه لا يجوز تغيير رسم المصحف عن ما هو عليه الآن ، وقد أفتت بذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية في المملكة العربية السعودية ، فلا يكتب القرآن على قواعد الإملاء الحديثة ، لأنها قد تتغير وتتبدل ، والقرآن لا يجوز أن يكون عرضة للتبديل والتغيير ، فلا يجوز أن تتجرأ عليه يد التغيير ولو في كتابة حروفه فقط ، لأن هذا سيكون ولا بد ذريعة للجرأة على التبديل والتحريف ، وإسقاط هيبة التبديل من النفوس ، فالأسلم سد هذا الباب ، قطعا لذريعة امتداد يد التبديل والتغيير في كتاب الله تعالى ، والله أعلم .
ومنها
:- لقد أمر أهل السنة رحمهم الله تعالى بهجر أهل البدع من باب الزجر بالهجر ، ولكن من مقاصد أهل السنة أيضا سد باب تمكين أهل البدع من مخالطة العامة فيفسدوا عليهم عقيدتهم ولذلك شدد أهل السنة رحمهم الله تعالى في مسألة الجلوس عند أهل البدع ، أو مناظرة أهل البدع والدخول معهم في مهاترات الكلام ، من باب سد ذريعة سماع الشبه التي قد تعرض للقلب فتضره ولا تمر بسلام عليه ، لضعف في العلم أو اليقين ، أو لأن هذا المبتدع ليس بليغ في الكلام ، والمهم أن من مقاصد هجر أهل البدع حماية العامة منهم ، وسد ذريعة الاختلاط بهم وسماع الشبه التي قد تكون سببا لفساد العقيدة ، فهذا الباب مفرع على قاعدة سد الذريعة .
ومنها
:- لقد رخص أهل العلم رحمهم الله تعالى للمرأة التي يكون بينها وبين الماء فساق ، لا تصل للماء إلا بالمرور عليهم ، رخصوا لها في التيمم , وذلك لسد ذريعة هتك عرضها ، ومن مقاصد الشرع حفظ الأعراض ، والله أعلم .
ومنها
:- لقد حرم الشرع تخبيب الرجل على امرأته والمرأة على زوجها ، لأن هذا التخبيب يوجب الطلاق ، ولو بعد حين ، قال أبو داود في سننه حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ )) فلما كان التخبيب في الأعم الأغلب يفضي إلى ما لا تحمد عقباه من المشاكل الزوجية التي لا تكاد تنتهي إلى بالفرقة ، حرمه الشارع ، وشدد فيه , وجعله من جملة الكبائر ، لأن المتقرر أن كل ذنب قيل في حق فاعله ( ليس منا ) فإنه من الكبائر ، والله أعلم .
ومنها
:- الأدلة الواردة في تحريم النميمة ، فإنها حرمت لسد ذريعة الفرقة بين المسلمين ، ولسد ذريعة القتل بغير الحق ، ولسد ذريعة الظلم والتطاول في الأعراض بلا وجه حق ، ولذلك فقد عدها الشرع نوعا من السحر ، لأنها تحقق ما يريده الساحر بعقده ونفثه ، فالساحر إنما يريد التفريق والنمام يحقق ذلك بلا كلفة , وإنما بنقل الكلام على وجه الإفساد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يدخل الجنة نمام )) وقال عليه الصلاة والسلام في حديث صاحبي القبرين (( أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله وأم الآخر فكان يمشي بالنميمة )) فهذا الباب مسدود لسد الذرائع والله أعلم .
ومنها
:- اعلم رحمك الله تعالى أن القاعدة المتقررة في الفقه في باب التضمين تقول ( لا يضمن الأمين تلف العين بلا تعد أو تفريط ، والظالم يضمن مطلقا ) وإنما قال الفقهاء :- إن الأمين لا يضمن تلف العين إلا بالتعدي والتفريط سدا لذريعة إغلاق باب الإحسان ، لأن الأمناء إن علموا سيضمنون تلف العين مطلقا ، لانسد باب الإحسان ، ولخاف الأمناء على أنفسهم من الضمان وتهربوا من قبول الأمانات خوفا من ضمانها عند التلف ، فيقع الناس في الحرج والضيق الذي لا يطاق ، فسدا لذريعة الوقوع في الحرج والضيق نفت الشريعة الضمان على الأمناء، إلا في حالة التعدي والتفريط ، والله أعلم .
ومنها
:- الأسلم للعبد في دينه وعياله أن لا يدخل ما يسمى بالدش ، لا للأخبار ولا لغيرها ، لأن من أدخله لهذا المقصد أسفر آخر أمره عن متابعة لقنوات السوء والفساد ، وانقلبت عليه نفسه الأمارة بالسوء إلى ما لا تحمد عقباه ، فسدا للذريعة نقول :- بأنه لا يجوز للمسلم إدخال هذا الجهاز في بيته ، ولأن ما يريد من الأخبار إن كان صادقا فيما يقول يمكنه متابعته في القنوات الإسلامية التي لا يستقبل جهازها إلا هي فقط ، كقناة المجد ونحوها ، والمهم أن التحجج بأنه إنما أدخله لإرادة متابعة الأخبار فقط لا يكون مسوغا لإدخاله لما في ذلك من كبير المفاسد وعظيم الخطر ، والسلامة لا يعدلها شيء ، والله أعلم .
ومنها
:- القول الصحيح أن الرجعة لا تصح مع نية المضارة ، بل لا بد من نية الإصلاح والإحسان قال تعالى }وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ {فسدا لذريعة الاعتداء والظلم حرم الشارع الرجعة مع هذه النية الفاسدة ، والله أعلم .
ومنها
:- القول الصحيح أن وكيل البيع لا يجوز البيع لنفسه , ووكيل الشراء لا يجوز له الشراء من نفسه ، لأن النفس مجبولة على الطمع ، فلو باع لنفسه لبخس ثمن السلعة بخسا ظاهرا ، ولو اشترى من نفسه لزاد في ثمن السلعة زيادة ظاهرة , فسدا لذريعة دخول حظوظ النفوس وبعدا عن الظلم والاعتداء والغش والمحاباة التي تتضمن بخس الموكل ، نقول :- لا يجوز ذلك والله اعلم .
ومنها
:- القول الصحيح أن المحجور عليه لو أقر بدين زائد على ديون الغرماء الذين حجر عليه لحفظ حقوقهم فإن هذا الإقرار لاغ ، إلا ببينة ظاهرة مقبولة في مجلس القضاء ، وذلك حتى لا يكون إقراره ذريعة للتصرف في أموال هذا المحجور بحيلة ، فيتفق مع بعض الناس بأن يقر له عند الحاكم بأن له عليه كذا وكذا من المال ، وبعد استلام المبلغ يرجع عليه فيأخذه منه ، فسدا لهذه الذريعة قلنا :- لا يقبل هذا الإقرار إلا ببينة مقبولة في مجلس التقاضي ، والله أعلم .
ومنها
:- الأفضل والأحسن عندنا لمن أفطر لعذر في نهار رمضان وكان عذره خفيا أن لا يتجاهر بفطره أمام أعين الناس ، وذلك لسد ذريعة أخذ الناس في عرضه واتهامهم له بالسوء ، فإن الناس لا يدرون عن حقيقة هذا العذر ، فالأحسن الاستتار بالفطر والله أعلم .

أبو الشيماء 12-12-2011 02:35 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 

ومنها:- القول الصحيح والرأي الراجح المليح استحباب أداء صلاة الظهر خفية لمن تخلف عن الجمعة لعذر ، دفعا لتهمة التقصير وضعف الديانة القادحة في العدالة ، وهذا الاستحباب مفرع على قاعدة سد الذرائع .

ومنها :- لقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم خيارا لحبان بن منقذ أسماه أهل العلم من الفقهاء والمحدثين بخيار المسترسل ، وهو الذي يخدع في البيوع بسبب أنه لا يماكس ، أو بسبب علة في رأسه مثلا ، فهذا الخيار ثابت لمدة ثلاثة أيام كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجعل له الخيار ثلاثة أيام ، وأمره إذا بايع أن يقول ( لا خلابة ) أي لا خديعة ولا غش ، فمن كان في حال حبان رضي الله عنه فهو داخل معه في هذا الحكم ، لأن المتقرر أن كل حكم ثبت في حق واحد من الأمة ، فإنه يثبت في حق الأمة تبعا إلا بدليل الاختصاص ، وهذا الحكم ثابت في الشرع من باب سد ذريعة تلاعب التجار وطمعهم في أموال الضعفاء والمساكين في فهمهم وإدراكهم وضعف مماكستهم ، وهذا من كمال هذه الشريعة زادها الله تعالى شرفا ورفعة ، والله أعلم .

ومنها:- القول الصحيح أنه يجوز التطعيم قبل نزول المرض ، إن غلب على الظن الابتلاء به ، فهذا لا بأس به ، من باب دفع الضرر ، فسدا لذريعة لحوق المرض بالأصحاء فلا حرج عليهم أن يحتاطوا لصحتهم بالتطعيم المبكر ، والحافظ على الحقيقة هو الله تعالى ، ولكن الأخذ بالأسباب المشروعة هو من باب كمال التوكل ، والله أعلم .

ومنها :- القول الصحيح أن الدولة يجوز لها انتزاع الملكية الخاصة إن كان في عدم انتزاعها ضرر عام ، كالطريق يمتد على أرض بعض المواطنين ، فيأبى وتكون في مراعاة رأيه انحراف في الطريق ويشكل خطرا على السالكين عليه ، فهنا تنتزع الملكية الخاصة بالتثمين العادل الذي لا وكس فيه ولا شطط ، وذلك سدا للضرر العام وحماية لجانب الأرواح ، وتحملا لأخف المفسدتين ، وأهون الضررين ، والله أعلم .

ومنها :- القول الصحيح أن الشك بعد الفعل غير معتبر , وهكذا لا يعتبر الشك من كثير الشكوك بل هذه قاعدة نسير عليها ، تقول ( لا يعتبر الشك بعد الفعل ومن كثير الشك ) وهي مبنية على سد الذرائع ، ذلك لأننا لو فتحنا باب الاستجابة للشك بعد الفراغ من العبادة لما سلم لأحد تعبده ولبقي كثير من الناس في حيرة من أمرهم ، وذلك لكثرة الوساوس والشكوك ، ولشدة حرص الشيطان على إفساد العبادات ، فسدا لباب الوجع على النفس ، وسدا لكثرة الحيرة والتردد في باب العبادات ، قلنا :- لا يعتبر الشك بعد الفراغ من الفعل ، ولأن الأصل أن المسلم قد أوقع العبادة على الوجه المأمور به شرعا ، وأما عدم اعتباره من كثير الشك فلأن كثير الشك لا يعالج بمثل الالتهاء عن شكه وعدم الالتفات إليه ، فإن مما جاء به الإسلام حفظ الصحة ، والتفاته إلى شكه وعمله به المرة بعد المرة ، كما أنه يفضي إلى الحيرة والتردد في أمر العبادات فكذلك يفضي به إلى ازدياد عليته ، واستحكام مرضه فيه بحيث قد لا يشفى منه بعد ذلك ، فمحافظة على صحته، وسدا لباب الوسوسة عنه قلنا :- لا يعتبر الشك من كثير الشكوك ، لأنه مريض ولا بد أن يراعى، وينظر له نظر المريض لا نظر الصحيح المعافى ، فصارت هذه القاعدة تدور حول باب سد الذرائع ، والله أعلم .

ومنها :- الحق أن ثوب الشهرة محرم ، فلا يجوز للإنسان أن يلبس ثوب شهرة ، سواء الشهرة باعتباره من الثياب الفاخرة الغالية ، أو الشهرة باعتباره من الثياب الدنيئة الساقطة التي لا تليق بمثله والحديث فيها معروف (( من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة )) وما هذا إلا لأن هذه الشهرة توجب التفات الناس له وتعظيمهم له , وهذا من أعظم الأسباب التي تفسد القلوب وتدخل الرياء في القلب ، وتجعل العبد يتطلع منها إلى المزيد ، ولا يكون همه في ارتداء ثوب الشهرة هذا إلا مراءات الناس فقط ، وهذا أمر خطير ، فسدا لهذا الباب الموجب لحبوط العمل والإعجاب بالنفس قال الشرع :- لباس الشهرة لا يجوز ، والله أعلم .

ومنها:- وفي سؤال وجه إلى اللجنة الدائمة في المملكة عن إمكانية الفسح للسجاد في المساجد إن كان مكتوبا عليه لفظ الجلالة ، فقالوا (لا يجوز الفسح للسجاد الذي كتب عليه لفظ الجلالة ، أو اسم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لما يترتب على ذلك من الإهانة بافتراشها والصلاة عليها ، وكونها توضع على الجدران لا يلتزم به كل من كانت عنده هذه السجاد ، بل من الناس من وضعها على الحائط ومنهم من يفرشها في الأرض ، ومن القواعد المقررة في الشريعة سد الذرائع الموصلة إلى انتهاك محارم الله ) ففرعوا هذا المنع على قاعدة سد الذريعة .

ومنها :- وفي بحث لهيئة كبار العلماء في شأن الاستعاضة عن ذبح الهدي بدفع النقود صدر القرار بالمنع مفرعا هذا المنع على قاعدة سد الذرائع ، فقالوا ( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :بناء على ما تقرر في الدورة السابعة لهيئة كبار العلماء المنعقدة في الطائف في النصف الأول من شعبان عام 1395هـ من إدراج موضوع ( هدي التمتع والقران ) في جدول أعمال الدورة الثامنة وإعداد بحث في ذلك فقد اطلعت الهيئة في الدورة الثامنة المنعقدة بمدينة الرياض في النصف الأول من شهر ربيع الثاني عام 1396هـ على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في وقت الذبح ومكانه وحكم الاستعاضة عن الهدي بالتصدق بقيمته وعلاج مشكلة اللحوم , وبعد تداول الرأي تقرر بالإجماع ما يلي : 1- لا يجوز أن يستعاض عن ذبح هدي التمتع والقران بالتصدق بقيمته لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على منع ذلك مع أن المقصود الأول من ذبح الهدي هو التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدماء كما قال تعالى } لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ { ولأن من القواعد المقررة في الشريعة سد الذرائع والقول بإخراج القيمة يفضي إلى التلاعب بالشريعة فيقال مثلا : تخرج نفقة الحج بدلا من الحج لصعوبته في هذا العصر ، ولأن المصالح ثلاثة أقسام : مصلحة معتبرة بالإجماع ، ومصلحة ملغاة بالإجماع ومصلحة مرسلة ، والقول بإخراج القيمة مصلحة ملغاة لمعارضتها للأدلة ، فلا يجوز اعتبارها ) والله أعلم .

ومنها :- القول الصحيح أنه يجوز التسعير عند إغلاء التجار الأسعار وتواطئهم على رفع السعر بقصد ضرر المستهلكين ، فهنا يجب تدخل ولي الأمر لرفع الضرر بالعدل الذي هو من متطلبات وحقوق الرعية على الراعي ؛ فإن التسعير في هذه الحالة مصلحة عامة ، ولأن القول بالتسعير عند تجاوز التجار ثمن المثل في البيع يحقق مصلحة الأمة بإرخاء الأسعار للناس وحمايتهم من جشع التجار واستغلالهم ، ولأن القول بالتسعير فيه سد للذرائع ومن الثابت أن سد الذرائع من الأدلة المعتبرة في الفقه الإسلامي وأصل من أصوله المعتمدة ، وسد الذرائع هو المنع من بعض المباحات لإفضائها مفسدة ، ومن المسلم به أن ما يؤدي إلى الحرام يكون حراما ، فترك الحرية للناس في البيع والشراء بأي ثمن دون تسعير هو أمر مباح في الأصل ، ولكنه قد يؤدي إلى الاستغلال والجشع والتحكم في ضروريات الناس ، فيقضي هذا الأصل الشرعي بسد هذا الباب بتقييد التعامل بأسعار محددة , فإن قيل إن التسعير فيه تقييد لحرية التجار في البيع وهذا ضرر بهم والضرر منهي عنه شرعا , فنقول: إن الضرر الحاصل من منع التسعير أعظم بكثير من الضرر الناتج من إجبار التجار على البيع بسعر, ولا شك أن الضرر الأكبر يدفع بالضرر الأصغر ، وأن المفسدة الكبرى تراعى بارتكاب المفسدة الصغرى ، وأن الضرر يزال ، فالأصل ولا شك عدم التسعير ، إلا في هذه الحالة التي قررناها لك والله أعلم .

ومنها :- قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ضمن سياقه لأدلة سد الذرائع ( أن الله تعالى حرم خطبة المعتدة صريحا ، حتى حرم ذلك في عدة الوفاة ، وإن كان المرجع في انقضائها ليس إلى المرأة ؛ فإن إباحة الخطبة قد تكون ذريعة إلى استعجال المرأة بالإجابة والكذب في انقضاء عدتها ) .

ومنها :- وقال ابن القيم أيضا ( أن الله تعالى حرم عقد النكاح في حال العدة وفي الإحرام ، وإن تأخر الوطء إلى وقت الحل ؛ لئلا يتخذ العقد ذريعة إلى الوطء ، ولا ينتقض هذا بالصيام ؛ فإن زمنه قريب جدا ، فليس عليه كلفة في صبره بعض يوم إلى الليل ) .

ومنها :- أن أهل العلم رحمهم الله تعالى منعوا الرقية بغير الكلام العربي ، لأنه قد يدخل العجمي فيها ما لا يجوز الرقية به لأنه من أمور الشرك ، كالاستعانة بغير الله تعالى أو الدعاء بما لا يجوز الدعاء به ، فسدا لذريعة ذلك قال أهل العلم :- لا يجوز الرقية بغير الكلام العربي .

أبو الشيماء 12-12-2011 02:36 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 

ومنها :- أنقل لك كلام الشيخ عبدالعزيز رحمه الله تعالى في مسألة حكم الأسورة النحاسية التي يراد بها علاج الروماتيزم قال رحمه الله تعالى ( من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ... سلمه الله وتولاه ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد : فقد وصلني كتابكم الكريم وصلكم الله برضاه، وأشرفت على الأوراق المرفقة المتضمنة بيان خصائص الأسورة النحاسية التي حدثت أخيرًا لمكافحة الروماتيزم، وأفيدكم أني درست موضوعها كثيرًا، وعرضت ذلك على جماعة كثيرة من أساتذة الجامعة ومدرسيها، وتبادلنا جميعًا وجهات النظر في حكمها، فاختلف الرأي: فمنهم من رأى جوازها لما اشتملت عليه من الخصائص المضادة لمرض الروماتيزم، ومنهم من رأى تركها لأن تعليقها يشبه ما كان عليه أهل الجاهلية، من اعتيادهم تعليق الودع والتمائم والحلقات من الصفر وغير ذلك من التعليقات التي يتعاطونها، ويعتقدون أنها علاج لكثير من الأمراض، وأنها من أسباب سلامة المُعَلَّق عليه من العين، ومن ذلك ما ورد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ )) وفي رواية (( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ )) وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ (( مَا هَذِهِ؟ )) قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ، قَالَ (( انْزَعْهَا فَإِنَّهَا لا تَزِيدُكَ إِلا وَهْنًا؛ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا )) وفي حديث آخر: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في بعض أسفاره أرسل رسولاً يتفقد إبل الركب ويقطع كل ما علق عليها من قلائد الأوتار التي كان يظن أهل الجاهلية أنها تنفع إبلهم وتصونها. فهذه الأحاديث وأشباهها يؤخذ منها أنه لا ينبغي أن يعلق شيئًا من التمائم أو الوَدَع أو الحلقات، أو الأوتار أو أشباه ذلك من الحروز كالعظام والخرز ونحو ذلك لدفع البلاء أو رفعه .والذي أرى في هذه المسألة: هو ترك الأسورة المذكورة، وعدم استعمالها سدًا لذريعة الشرك، وحسماً لمادة الفتنة بها والميل إليها، وتعلق النفوس بها، ورغبة في توجيه المسلم بقلبه إلى الله سبحانه ثقة به، واعتمادًا عليه واكتفاءً بالأسباب المشروعة المعلومة إباحتها بلاشك، وفيما أباح الله ويسر لعباده غنية عما حرم عليهم، وعما اشتبه أمره. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ )) وقال صلى الله عليه وسلم (( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ )) ولا ريب أن تعليق الأسورة المذكورة يشبه ما تفعله الجاهلية في سابق الزمان؛ فهو إما من الأمور المحرمة الشركية، أو من وسائلها، وأقل ما يقال فيه: إنه من المشتبهات، فالأولى بالمسلم والأحوط له أن يترفع بنفسه عن ذلك، وأن يكتفي بالعلاج الواضح الإباحة، البعيد عن الشبهة. هذا ما ظهر لي ولجماعة من المشايخ والمدرسين وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه، وأن يمن علينا جميعًا بالفقه في دينه والسلامة مما يخالف شرعه؛ إنه على كل شيء قدير، والله يحفظكم ) فالمنع هنا من لبس هذه الأسورة النحاسية ممنوع لسد الذرائع ، والله أعلم .

ومنها :- لقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في سلام الرجل على المرأة ، والقول الصحيح إن شاء الله تعالى هو أنه إن سلم عليهن مجتمعات في مكان فلا حرج ، قالت أسماء بنت يزيد:- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما ، وعصبة من النساء قعود ، فألوى بيده بالتسليم وأشار عبد الحميد بيده . وإن كانت المرأة منفردة ، فلا يخلو :- إما أن تكون من القواعد ، وإما أن تكون شابة ، فإن كانت من القواعد فلا حرج ، وأما إن كانت شابة فالأسلم للمرء في دينه ألا يسلم عليها ، ولا ترد عليه ، خوفا من ثوران داعي الفتنة ، وسدا لذريعة التعلق بها ، والله أعلم .

ومنها:- القول الصحيح أنه لا يجوز للمرأة التي هي حامل من الزنا أن تسقط جنينها ، بل يلزمها أن تبقيه إلى أن تلده ، ولا يجوز لها التعرض له قال الله تبارك وتعالى }وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى { أي لا تتحمل نفس وزر غيرها مما لم يكن لها يد في كسبه أو التسبب فيه ، ولا مسوغ في الشرع للتضحية بحياة بريء من أجل ذنب اقترفه غيره ، والمعروف أن أول شيء تفكر فيه الزانية هو التخلص من هذا الحمل الذي يعرضها للفضيحة والعار والشنار ، ولما رواه مسلم عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني . وأنه ردها ، فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا فوالله إني لحبلى قال (( إما لا فاذهبي حتى تلدي )) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة ، وقالت: هذا وقد ولدته ، قال (( اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه )) فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز ، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها, وأمر الناس فرجموها ، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها ، فقال (( مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له )) ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت . فهذه الواقعة تبين مدى اهتمام الشريعة الإسلامية بذلك الجنين حيث أخر النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على أمه حفاظا على حياته ، ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بأن يولد الولد بل رد أمه مرة أخرى لترضعه حتى يعتمد على نفسه ، ثم دفع به إلى من يقوم بتربيته ورعايته , ولقد أجمع الفقهاء على تأخير إقامة الحد على الحامل حتى تلد وليدها وترضعه استدلالا بهذا الحديث ، ولأن في القول بجواز إسقاط الزانية حملها المتكون من الزنا مناقضة صريحة لما تقضي به قاعدة سد الذرائع ، وذلك لأن من أهم العقبات المانعة للمرأة من ارتكاب الزنا نشوء الحمل الذي يعرضها للفضيحة والعقاب ، فإذا زالت عن طريقها هذه العقبة كان ذلك تشجيعا لها لارتكاب الفاحشة ، وهذا بلا شك مخالف لمقاصد الشريعة التي من أهدافها حفظ الكليات الخمس فيكون الإجهاض في هذه الحالة من أسباب ارتكاب الفاحشة ، وارتكاب الفاحشة حرام ، وما أدى إلى الحرام فهو حرام ، فلهذا حرمت الشريعة الإسلامية الإجهاض ، سواء كان الحمل عن طريق شرعي كالنكاح أو بطريق غير شرعي من سفاح والله أعلم

ومنها :- القول الصحيح أنه لا يجوز الوقوف على الديار التي نزل العذاب من الله تعالى على أهلها إلا في حال كون الإنسان باكيا ، معتبرا بما حصل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وعلل النهي عن ذلك بأن لا يصيب الداخل بغير هذا الشرط ما أصاب القوم المعذبين ، وهو تعليل بسد الذرائع ، فعن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لأصْحَابِهِ يعْني لَمَّا وَصَلُوا الحِجْرَ - دِيَارَ ثَمُودَ - (( لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ المُعَذَّبِينَ إِلاَّ أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، فَإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ ، لاَ يُصِيبُكُمْ مَا أصَابَهُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وفي روايةٍ قَالَ : لَمَّا مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالحِجْرِ ، قَالَ (( لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ، أنْ يُصِيبَكُمْ مَا أصَابَهُمْ ، إِلاَّ أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ )) ثُمَّ قَنَّع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَأسَهُ وأسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أجَازَ الوَادِي ... وعليه :- فلا يجوز البتة أن تجعل هذه الديار التي عذب أهلها مكانا للسياحة العامة ، ومحلا للاستمتاع والفرجة ، لأنه مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل في ذلك الدخول في الأهرامات ، أو زيارة مواضعها استمتاعا وأنسا وسياحة ، أو الدخول على ديار ثمود ، أو الدخول في ديار أصحاب الأخدود ، ونحو هذه الديار ، فإن الدخول في ديارهم ممنوع شرعا إلا في حال كون العبد باكيا متضرعا إلى الله تعالى أن لا يصيبه ما أصابهم ، ولا حق لأحد أن يخالف الأمر الشرعي بحجة النزهة والاستمتاع والفرجة وإحياء الآثار أو السياحة في البلد ، فكل ذلك من تحليل الحرام وتجويز مخالفة الشريعة ، فالحذر الحذر ، ولا تغتر بكثرة الهالكين ، وأما العبرة في الناجي ، كيف نجا ، والحديث وإن كان قد ورد في ديار ثمود ، إلا أن المتقرر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والمتقرر أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، والمتقرر أن الشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين ، والله أعلم .

أبو الشيماء 12-12-2011 02:38 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
ومنها :- القول الصحيح أن الزوجة التي أسلمت وطمعت في إسلام زوجها الذي ظل كافرًا بعدها بأن لا تمكنه من الوطء ولا تساكنه في خلوة سدا لذرائع الفساد ، وهي زوجته ما دامت في العدة وتدعوه إلى الإسلام، وتكون معه كأم حكيم مع عكرمة كلما دعاها إلى الفراش وهما باليمن تأبى وتقول أنت كافر وأنا مسلمة فقال: إن أمرًا منعك مني لأمر كبير، كما روى ذلك ابن مردويه والدارقطني والحاكم وإن لم يسلم حتى خرجت من العدة فإن شاءت تزوجت، وإن أحبت انتظرته بشرط عدم ملامسته لها المجمع على تحريمه , والله أعلم .
ومنها :- القول الحق الذي نقل بعض أهل العلم الإجماع عليه هو حرمة تتبع الرخص ، لما في ذلك من إحياء شهوات النفوس ، ولما فيه من جمع الأقوال الشاذة المخالفة للأدلة ، ولما في ذلك من فتح أبواب الشر والفساد ، ولما فيه من تسخير الدين لنيل مبتغى النفوس ، والحق أنه لا يتحقق إيمان العبد إلا إن كان هواه تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا أن يجهل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو التابع لهواه ، والله أعلم .
ومنها
:- الحق أنه لا يجوز بيع أشرطة الفيديو الماجنة ولا الإعلان عنها لأن الإعلان عن المبيعات يجب أن يخلو من الوجوه المحّرمة، وعن كل وسائل الإثارة والإغراء بالمفاسد وذلك في عباراته وما اشتمل عليه من الصور ، فلا تظهر فيه العورات أو المفاتن أو التصرفات المحرمة المنافية للآداب الإسلامية ، ويجب على الجهات المسؤولة عن الترخيص بالإعلانات أن تمنع عرض مثل هذه الإعلانات ، كما يحرم على صاحب المحل ذلك , ومشاهدة العروض الحية لهذه المشاهد الفاتنة الماجنة حرام ، لأنه نظر إلى العورات وتعرض للفساد ، كما يحرم النظر إلى صورها حيث يتعرض المشاهد للفتنة والوقوع في الفساد ، لأن ما أدى إلى الحرام فهو حرام فيجب الامتناع عن ذلك سداً لذرائع الفساد , والله أعلم .
ومنها
:- قال الشيخ عبدالعزيز رحمه الله تعالى ( فقد نشرت صحيفة الرياض في عددها الصادر في 21 \ 10 \1412 هـ مقالا بقلم : س . د تحت عنوان ( ترميم بيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب بحريملاء ) وذكر أن الإدارة العامة للآثار والمتاحف أولت اهتماما بالغا بمنزل مجدد الدعوة السلفية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في حي غيلان بحريملاء ؛ حيث تمت صيانته وأعيد ترميمه بمادة طينية تشبه مادة البناء الأصلية . إلى أن قال : وتم تعيين حارس خاص لهذا البيت . إلخ وقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية على المقال المذكور ورأت أن هذا العمل لا يجوز , وأنه وسيلة للغلو في الشيخ محمد رحمه الله وأشباهه من علماء الحق والتبرك بآثارهم والشرك بهم , ورأت أن الواجب هدمه وجعل مكانه توسعة للطريق سدا لذرائع الشرك والغلو , وحسما لوسائل ذلك وطلبت من الجهة المختصة القيام بذلك فورا , ولإعلان الحقيقة والتحذير من هذا العمل المنكر جرى تحريره وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ) فمنع الشيخ رحمه الله تعالى من هذا العمل سدا للذريعة ، والله أعلم .
ومنها
:- منع كثير من السلف رحمهم الله تعالى الدخول على السلطان إلا فيما لا بد منه من أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر أو إيصال حاجة من لا يستطيع الدخول عليه ، لا سيما للعالم ، فإن من فتنة العالم الدخول على السلاطين ، فالأسلم للعالم في دينه وعلمه وقوة جانبه أن لا يدخل على السلطان ، وذلك لأن الدخول على السلطان فتنة عظيمة قد تجر إلى السكوت عن أخطائه ، أو الركون إليه فيما يفعله من الظلم ، أو تسويغ ما لا يجوز له شرعا ، وقد يجر ذلك إلى سقوط هيبة العالم عند السلطان ، وذهاب هيبة العلم من قلبه ، وناهيك عن تسلط السلطان إن ذهبت هيبة العلماء من قلبه ، وقد يكون الدخول عليه سببا لقبول شيء من أعطياته للعالم ، فتكون له على أهل العلم منة ، بها يقرر ما يشاء مما يخالف الشرع بلا خوف ولا وجل من أهل العلم ، فإن من وقف عند أبواب السلاطين افتتن ، فلا أسلم للعالم خاصة من مجانبة السلطان إلا في الضرورة أو الحاجة الملحة ، لغيره لا له ، فالعالم لا يزال ذا هيبة عند السلطان ما لم يطأ البساط أو يأخذ المال, والتاريخ فيه عبر وشواهد على أن سد الذريعة في هذه المسألة هو الذي ينبغي للعالم أن يعمل به ، فلسد ذرائع الفساد نقول :- الأسلم للعالم أن يبتعد عن أبواب السلاطين ما استطاع إلى ذلك سبيلا, والله أعلم .
ومنها
:- قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى أنه لا يجوز للمسلم له في عقد السلم أن يبيع المسلم فيه قبل قبضه إلا بما اشتراه به من الثمن فقط ، وذلك سدا لذريعة أن يربح فيما لا يدخل في ضمانه قاله أبو العباس رحمه الله تعالى .
ومنها
:- قرر جمع من أهل العلم رحمهم الله تعالى أنه لا يجوز إبقاء آنية الذهب والفضة في البيت على هيئتها ، إلا إن كسرت وأخرجت عن كونها آنية إلى قطع ذهب وفضة ، وذلك سدا لذريعة استعمالها فيما يستقبل من الزمان ، فإن النفوس قد تضعف عن تطبيق الحكم ، ويزين لها الشيطان الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة ، فسدا لذريعة استعمالها قرروا أنه لا يجوز اتخاذها ، والله أعلم .
ومنها
:- منع الفقهاء رحمهم الله تعالى في عقد السلم اشتراط الأجود أو الأردأ ، لأنه هذا الشرط يفضي إلى التنازع والاختلاف والمخاصمة ، لأنه ما من أجود إلا وفيه أجود منه ، ولا أردأ إلا وفيه أردأ منه ، فلما كان اشتراط الأجود والأردأ يفضي إلى فساد أخوة الإيمان لإفضائه إلى النزاع والخصام منعه الفقهاء رحمهم الله تعالى سدا للذرائع ، والله أعلم .
ومنها
:- لقد منع أهل العلم رحمهم الله تعالى كثرة الخوض في باب القدر ، وما ذلك إلا لأن كثرة الخوض فيه والتعمق فيما لا دليل عليه ، وكثرة طرح الأسئلة التي ما أنزل الله تعالى من سلطان مما يفضي بالعبد إلى كثرة الحيرة والشكوك في هذا الباب ، أو التكذيب أحيانا كثيرة بشيء من مسائل القدر ، فلا يجوز الخوض في باب القدر والتنطع والتعمق فيه لأنه يفضي في الغالب إلى ما لا تحمد عقباه ، فيمنع ذلك من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها
:- قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى أنه لا يجوز ركوب البحر حال هيجانه واضطرابه وشدة الريح ، خوفا من الهلاك ، وذهاب النفوس ، وحصول الضرر ، فمنعوه من باب سد الذرائع ، والله أعلم .
ومنها
:- القول الصحيح منع الجماعة الثانية إن كانت مقصودة ، أعني إقامة جماعة ثانية في مسجد الحي ، لا في مسجد السفر ، فالأصل هو وجوب حضور الجماعة الأولى ، ولا يجوز إقامة الجماعة الثانية إن كان يراد بها التحرر عن الجماعة الأولى ، وأما ما كان عرضا بلا قصد فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى ، ولكن المقصود أن تقام جماعة ثانية في مسجد الحي من باب المضارة بالجماعة الأولى أو بعض أهل الحي لا يريد أن يصلي خلف بعض ، فالجماعة الثانية هذه لا تجوز ، لأنها من الإحداث في الدين ، ولأنها ستكون سببا في الفرقة والتعصب ، واختلاف القلوب ، وفساد أخوة الإيمان ، وتبعثر الصف الإسلامي ، وذهاب الريح ، كما قال تعالى } وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ { فسدا لذلك كله نقول :- لا تجوز إقامة جماعة ثانية في مسجد الحي ، وأعني بها الجماعة المقصودة الدائمة ، لا الجماعة العارضة ، وكان الإمام مالك رحمه الله عليه ومن وافقه من السلف يشددون في الجماعة الثانية من باب سد الذرائع، ومن أصول المالكية سد الذريعة؛ لأن عصورهم كان فيها أهل بدع وأهواء يتخلفون عن جماعة أهل السنة ويحدثون الجماعة الثانية فخشي أن يفتح لأهل البدع والأهواء ما يفعلونه من التخلف عن الجماعة واستحداث جماعة ثانية حتى تكون شعاراً لهم، قالوا: ولأنه لو حدثت الجماعة الثانية لتقاعس الناس عن الجماعة الأولى والله أعلم .

أبو الشيماء 12-12-2011 02:40 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 

ومنها :- قال صاحب زاد المستقنع في مبحث ما لا يجب على العاقلة تحمله من الدية قال رحمه الله [ولا اعترافاً لم تصدقه به] يعني لو اعترف بجناية وقال: أنا قتلت فلاناً خطأً، والعاقلة لا تصدقه بهذا قالوا: إنه لا تحمل العاقلة هذا الاعتراف الذي تنكره، إذا كان لإنكارها وجه؛ لأنه قد يتواطأ هذا الشخص مع أولياء المقتول، في أنه يضغط على جماعته وقرابته وقبيلته، ثم يقتسم ذلك بينه وبين من يدعي زوراً وكذباً أنه اعتدى على صاحبهم أو سفك دمه، وهذا من باب سد الذرائع، والله أعلم .

ومنها :- القول الحق أنه لا يجوز تمثيل الأنبياء في وسائل الإعلام في المسلسلات والقصص التاريخية هذا لا يجوز البتة ، لما فيه من المفاسد الكثيرة ، فيمنع سدا لذريعة الفساد ، فمن مفاسده :- تشكيك المؤمنين في عقائدهم، وتبديد ما وقر في نفوسهم من تمجيد هذه المثل العليا، إذ أنهم قبل رؤية هذه المشاهد يؤمنون حقا بعظمة الأنبياء ورسالتهم، ويتمثلونهم حقا في أكمل مراتب الإنسانية وأرفع ذراها , إذا هم بعد العرض قد هانت في نفوسهم تلك الشخصيات الكريمة، وهبطت من أعلى درجاتها إلى منازل العامة والأخلاط، وقد تقمصهم الممثلون في صور وأشكال مصطنعة مما يتقلص معه ظل الدين والأخلاق ، ومن هذه المفاسد :- إثارة الجدل والمناقشة والنقد والتعليق حول هذه الشخصيات الكريمة وممثليها من أهل الفن والمسرح تارة، ومن النظارة تارة أخرى، وها نحن أولا نرى صفحات للفن والمسرح ومجادلات في التعليق والنقد، وأنبياء الله ورسله مثل كلام الله عز وجل، فوق النقد والتعليق. ومن هذه المفاسد :- التهاب المشاعر، وتحزب الطوائف، ونشوب الخصام والقتال بين أهل الأديان كما وقع بين المسلم واليهودي في العصر النبوي، وما أحوجنا إلى الأمن والاستقرار وإطفاء الفتن وتسكينها لا إثارتها وإشعالها, ومن هذه المفاسد :- الكذب على الله ورسله؛ لأن التمثيل أو التخييل ليسا إلا ترجمة للأحوال والأقوال والحركات والسكنات، ومهما يكن فيهما من دقة وإتقان فلا مناص من زيادة أو نقصان، وذلك يجر طوعا أو كرها إلى الكذب والضلال، والكذب على الأنبياء كذب على الله تعالى، وهو محرم ، وما أفضى إلى الحرام فهو حرام ومن هذه المفاسد :- أنه قد يتقمص شخصية النبي من لا خلاق له من العلم والدين ، وممن يخرج في مسلسلات أخرى في دور من ذهب حياؤه وقل دينه ، وعاشر بالحرام ، ونحو ذلك ، أفهذا بالله عليك يصلح للقيام بدور نبي ؟ ومن هذه المفاسد :- أن تمثيل دور الأنبياء من بعض الممثلين يوجب انطباع صورة هذا الممثل في أذهان الناس عند ذكر اسم النبي الذي تقمص شخصيته ، وهذا أمر محسوس ومجرب ، فإنه قد حدثني البعض أنه إن قرأ عن خالد بن الوليد فإنه لا ينطبع في ذهنه إلا صورة الممثل الفلاني الذي كان رآه في بعض المسلسلات يمثل على أنه هو خالد بن الوليد ، ويقول لي :- وإني أريد أن أخرج هذه الصورة من ذهني إلا أنني لم أقدر ، فما إن يذكر اسم خالد ابن الوليد إلا وتأتي مباشرة في ذهني هذه الصورة ، فكيف والحال أنه مثل دور نبي من الأنبياء ، فلا والله ، إنه فعل محرم ، ووالله إنه لمحرم ، ووالله إنه لمحرم ، ولا يجوز الإفتاء بالجواز أصلا ، ومن عرف أنه يفتي بالجواز فالواجب مناصحته ، وتبيين أوجه الفساد في ذلك الفعل المشين القبيح ، والذي بلغ في القبح غايته ومنتهاه ، ومن المفاسد أيضا :- أن هذا الممثل الفاشل الأحمق سيقول في المسلسل :- أنا رسول الله ، أو نبي الله ، وهذا من ادعاء النبوة ، وقد اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى أن ادعاء النبوة كفر أكبر ، وكونه يقولها من باب التمثيل ، هذا ليس بعذر له في قولها وادعائها ، لأن المتقرر عند أهل العلم أن من وقع في ناقض من نواقض الدين فإنه لا ينفعه أن يكون مازحا أو هازلا أو جادا أو .. أو ...أو .. كل ذلك لا ينفع ، والتمثيل لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، وناهيك بهذه المفسدة للقول بالتحريم ، فكيف وقد كثرت المفاسد وتعددت البلايا ، ومن المفاسد أيضا :- أن الممثلين معه ، لزاما سيقرون له - من باب التمثيل - أنه رسول الله ، أو نبي الله ، ويدعون للإيمان به ، ويتحلقون حوله ليستمعوا منه ما يقرره من الشرع ، وهذا من الكفر البواح ، ولا ينفعهم أنهم كانوا يمثلون ، وأن الناس يعلمون حقيقة فعلهم ، فهذا كله ليس بعذر ، والترخيص في مثل هذا تلاعب بالدين ، والله المستعان ، وبالجملة :- فالمفاسد من تمثيل دور الأنبياء كثيرة لا تكاد تحصر وبناء على ذلك :- لا يجوز هذا الفعل ، ولا يجوز الإفتاء والترخيص فيه ، وأن المرخص فيه معين على هدم الدين ، فسدا لذريعة ذلك كله ، نقول بالتحريم ، والله أعلم .

ومنها:- قرر بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى أن تحريم النكاح بأكثر من أربع من باب سد الذرائع ، وذلك لسد باب الجور ، لأن غالب ما يحتمله الإنسان في العدل أربع زوجات ، ولسد باب زيادة النفقة عليه والتي تؤدي به إلى أكل الحرام من رشوة أو سرقة ونحوهما ، فسدا للذريعة قال الشرع بحرمة النكاح بأكثر من أربع ، وأما حال النبي صلى الله عليه وسلم فإن النكاح بأكثر من أربع من جملة خصائصه صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .
ومنها :- لقد حرم الله تعالى شفاعة السوء ، قال } وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا { وما ذلك إلا لسد ذريعة الفساد ، فمن هذه المفاسد :- تقديم المفضول على الفاضل ، ومن لا يستحق على من هو مستحق ، وهذا ظلم واعتداء على الحقوق ، ومن هذه المفاسد :- التلاعب بالحقوق وضياعها ، ومن المفاسد :- فساد النظام الإداري ، ومن المفاسد :- غش المسلمين في تولية من لا يصلح عليهم في أمورهم بسبب أن عنده واسطة ، ومن المفاسد :- حرمان المسلمين من الأكفأ ، لأنه لا واسطة عنده ، ومن المفاسد :- مخالفة التعاميم والأنظمة الصادرة عن ولي الأمر لأن هذه الشفاعات السيئة إنما يراد بالكثير منها تجاوز النظام ، ومخالفة التعاميم ، وطاعة ولي الأمر واجبة ، إلا في معصية الله ، فكيف إن خولف ولي الأمر بالمعصية ؟ لا شك أنه أعظم إثما وأكبر جرما ، ومن المفاسد :- المداهنة فيما يجب وارتكاب ما لا يجوز من أجل رد هذه الشفاعة ، لأن كثيرا من هذه الشفاعات السيئة إنما هي مبينة على المصالح المتبادلة ، كما يقول العامة ( لا يخدم بخيل ) يعني :- سأشفع لك فيما يخصك في دائرة عملي على أن تشفع لي فيما يخصني في دائرة عملك ، وهذا موجب للفساد وجالب للضرر العام على الأمة ، والمفاسد كثيرة ، فمن أجل ذلك حرمها الله تعالى بنص القرآن ، كما ذكرنا في الآية السابقة ، فالمرجو من ولاة الأمر وفقهم الله تعالى لكل خير الانتباه لمثل هذه الشفاعات السيئة والقضاء عليها في مهدها ، ومعرفة من يتعامل بها ومعاقبته العقوبة البليغة التي تردعه وأمثاله عن معاودة مثل هذا الفعل المشين القبيح ، والله المستعان .

أبو الشيماء 12-12-2011 02:41 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 

ومنها :- إن الاتجار بالمخدرات بيعاً وشراء وتهريباً وتسويقاً أمر حرام كحرمة تناول المخدرات لأن الوسائل في الشريعة تأخذ حكم المقاصد، ويجب سد الذرائع إلى المحرمات بمختلف الإمكانات والطاقات؛ لأن التاجر يسهِّل رواج المخدرات وتعاطيها، فيكون الثمن حراماً، والمال سُحْتاً، والعمل ضلالاً، والاتجار بها إعانة على المعصية، والبيع باطل، قال الله تعالى } وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { ويكون النهي عن بيع الخمر والحكم ببطلانه شاملاً المخدرات لما في ذلك من الإعانة على المعصية، والتواطؤ على إفساد الناشئة والأمة، وتدمير أخلاقها وقيمها وتخريب اقتصادها وإضعافها أمام غيرها, ويكون الربح التجاري المغري سبباً واضحاً في التآمر على وجود الأمة وضعضعة كيانها وتحطيم جهود أبنائها، وخيانتها، والإسهام في تخلفها وهزِّ بنيتها.

ومنها :- لو شهد في مجلس الحاكم دون أربعة من الرجال بزنا أحد الناس يقام عليهم الحد في الأظهر , وذلك لأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أقام الحد على الثلاثة الذي شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا رضي الله عنه كما ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه , ولم يخالفه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم ولئلا يتخذ الناس صورة الشهادة ذريعة إلى الوقيعة في أعراض الناس ولا يقام عليهم الحد فهو من باب سد الذرائع .

ومنها :- الحق أنه يجب على ولي الأمر في البلاد الإسلامية أن يأخذ الحيطة والتدابير الواقية لأهل البلاد من الوقوع في براثن المواقع على الشبكة العنكبوتية والإعلام المرئي ، وذلك باستحداث أجهزة تمنع الوصول إلى مثل هذه المواقع والقنوات الفاسدة التي تدمر الأخلاق وتهلك القيم ، وتنشر الفاحشة في أوساط المسلمين ، فلا بد من منعها بما يراه ولي الأمر محققا للمصلحة ودافعا للمفسدة وإن هذه المملكة وفقها الله تعالى لتبذل قصارى جهدها في صد عدوان المفسدين عن أهل هذه البلاد ، وهذه كلمة حق نقولها ، ونشهد بها ، والكمال لله تعالى ، وجوانب النقص قليلة في جوانب الكمال ، وإذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ، والمقصود أن هذا الوجوب على ولي الأمر مفرع على قاعدة سد الذرائع ، والله أعلم .

ومنها:- قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد على حديث النهي عن الانتباذ في الأوعية ( فيه النّهْيُ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ وَهَلْ تَحْرِيمُهُ بَاقٍ أَوْ مَنْسُوخٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ , وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى نَسْخِهِ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ فِيهِ (( وَكُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا )) وَمَنْ قَالَ بِإِحْكَامِ أَحَادِيثِ النّهْيِ وَأَنّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ قَالَ هِيَ أَحَادِيثُ تَكَادُ تَبْلُغُ التّوَاتُرَ فِي تَعَدّدِهَا وَكَثْرَةِ طُرُقِهَا وَحَدِيثُ الْإِبَاحَةِ فَرْدٌ فَلَا يَبْلُغُ مُقَاوَمَتَهَا وَسِرّ الْمَسْأَلَةِ أَنّ النّهْيَ عَنْ الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ بَابِ سَدّ الذّرَائِعِ ، وَقِيلَ بَلْ النّهْيُ عَنْهَا لِصَلَابَتِهَا وَأَنّ الشّرَابَ يُسْكِرُ فِيهَا وَلَا يُعْلَمُ بِهِ بِخِلَافِ الظّرُوفِ غَيْرِ الْمُزَفّتَةِ فَإِنّ الشّرَابَ مَتَى غَلَا فِيهَا وَأَسْكَرَ انْشَقّتْ فَيُعْلَمُ بِأَنّهُ مُسْكِرٌ فَعَلَى هَذِهِ الْعِلّةِ يَكُونُ الِانْتِبَاذُ فِي الْحِجَارَةِ وَالصّفْرِ أَوْلَى بِالتّحْرِيمِ وَعَلَى الْأَوّلِ لَا يَحْرُمُ إذْ لَا يُسْرِعُ الْإِسْكَارُ إلَيْهِ فِيهَا كَإِسْرَاعِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى كِلَا الْعِلّتَيْنِ فَهُوَ مِنْ بَابِ سَدّ الذّرِيعَةِ كَالنّهْيِ أَوّلًا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ سَدًا لِذَرِيعَةِ الشّرْكِ فَلَمّا اسْتَقَرّ التّوْحِيدُ فِي نُفُوسِهِمْ وَقَوِيَ عِنْدَهُمْ أَذِنَ فِي زِيَارَتهَا غَيْرَ أَنْ لَا يَقُولُوا هَجْرًا . وَهَكَذَا قَدْ يُقَالُ فِي الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ إنّهُ فَطَمَهُمْ عَنْ الْمُسْكِرِ وَأَوْعِيَتِهِ وَسَدّ الذّرِيعَةَ إلَيْهِ إذْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِشُرْبِهِ فَلَمّا اسْتَقَرّ تَحْرِيمُهُ عِنْدَهُمْ وَاطْمَأَنّتْ إلَيْهِ نُفُوسُهُمْ أَبَاحَ لَهُمْ الْأَوْعِيَةَ كُلّهَا غَيْرَ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مُسْكِرًا فَهَذَا فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَسِرّهَا ) والله أعلم .

ومنها :- أن القول الراجح أنه لا بد من الإشهاد على اللقطة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في قوله (( وليشهد عليها )) وما هذا إلا لحفظ المال على صاحبه ، ولسد ذريعة كتمانها من قبل من أخذها ، لكن لو علم أن غيره قد شهد عليها وقد عرف أنها معه ، فإن هذا الإشهاد أدعى إلى الاعتراف بها ، وأدائها إلى أصحابها ، فالإشهاد على اللقطة مبدؤه حفظ المال على صاحبه وسد ذريعة كتمانه ، والله أعلم .

ومنها :- لقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التحديث بالرؤيا المزعجة ، والتي يكرهها الرائي ، والحديث في النهي عنها معروف ، وما ذلك إلا لسد ذريعة انقلاب الرؤيا من عالم المنامات إلى عالم الحقيقة المشاهدة ، لأن الرؤيا على جناح طائر ، فإن أولت وقعت ، فسدا لذريعة وقوع الأمر بالمكروه بالمسلم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التحديث بما يكره من الرؤى ، والله أعلم.

ومنها :- أننا قررنا في كتابنا ( الإفادة الشرعية في المسائل الطبية ) حكم الاستنساخ البشري، وبينا أنه محرم من أوجه كثيرة ، والذي يخصنا هنا هو تفريع التحريم على قاعدة سد الذرائع ، فقلت هناك ( إنه قد تقرر شرعاً أن سد الذرائع المفضية إلى الممنوع أصل من أصول هذا الدين الحنيف فأي وسيلة تفضي إلى الوقوع في الحرام فإنها حرام, والاستنساخ البشري يفضي إلى استئجار الأرحام وهو حرام , ويفضي إلى ضياع النسب وهو حرام ويفضي إلى إهانة الإنسان وهو حرام ويفضي إلى ترك التزوج وليس ترك الزواج من دين الإسلام في شيء ويفضي إلى تعطيل النفقة الواجبة لأن هؤلاء المستنسخين لا يعرفون لهم أباً ولا أماً, فمن الذي سينفق عليهم, وهذا وقوع في إهمالهم وعدم وجود من يراعيهم ولا يتفطن لأحوالهم فيبقون همجاً رعاعاً عالة على المجتمع وهذا كله لا يجوز, ويفضي أيضاً إلى الانتساب لغير الأب وهو محرم التحريم القاطع في شريعتنا ويفضي أيضاً إلى انقطاع العلائق بين الأصول والفروع فلا تراحم ولا توادد ولا شفقة ولا إحسان, ويفضي أيضاً إلى تفكك المجتمع لنشؤ شريحة فيه لا يعرفون لهم أباً ولا أماً, وهذا يفضي إلى تصدع نواة المجتمع الإسلامي ووهنه وضعفه وذهاب هيبته وكلمته, ويفضي أيضاً إلى تعطيل المواريث أو إعطائها من لا يستحقها شرعاً ويفضي إلى انتهاك حرمة المرأة وإهانتها وكشف عورتها لزرع هذه اللقيحات فيها ويفضي إلى افتتان العقول الضعيفة في شأن انفراد الله تعالى بالخلق والإيجاد فهذه بعض ما يفضي له الاستنساخ البشري وحيث كان يفضي إلى هذه الأشياء فلاشك حينئذٍ في تحريمه التحريم المؤكد القاطع ) ومن أراد النظر في بقية الأوجه فلينظرها هناك . والله أعلم .

ومنها :- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد خصص في مسجده بابا للنساء وبابا للرجال ، وما ذلك إلا لسد ذريعة الاختلاط ، وأنت تعرف ما فيه من المفاسد .

ومنها :- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجال بعد الصلاة أن يبقوا في أماكنهم حتى يخرج النساء ، وما ذلك إلا لسد ذريعة الاختلاط ، والله أعلم .

ومنها :- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( قال الله تعالى إن أمتك لا يزالون يقولون ما كذا ما كذا ، حتى يقولوا هذا خلق الله الخلق ، فمن خلق الله عز وجل )) وقال عليه الصلاة والسلام (( لا يزال الناس يتساءلون عن العلم حتى يقولوا :- هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله عز وجل )) وهذا يشبه والله أعلم التنطع في الأسئلة التي هي من وراء الغيب ، والتي لا يجوز السؤال عنها ، فما كان يفضي إليها من الأسئلة فالواجب سده ، وزجر السائل عنها ، فالغلو في كثرة الأسئلة عن أمور الغيب لا تجوز ، كالأسئلة الخاصة بأمور كيفية الصفات ، والأسئلة الخاصة بأمور القدر ، أعني التنطع فيها والغلو فيها بحيث يسأل العبد عن ما لم يخلق له ، فسدا لذريعة انفتاح مثل هذه الأسئلة التي في الغالب تفضي إلى أمور لا تحمد عقباها وهي هذه النهاية الأليمة المخزية وهي السؤال عن من خلق الله عز وجل ، فسدا لذريعة ذلك نقول بالمنع من كل سؤال يفضي بصاحبه إلى الحيرة والشك ، والنظر فيما لا يحل له النظر فيه ، والسؤال عن أمور الغيب بقصد استكشاف حقيقة كنهها ، ونقول بحرمة السؤال عن ما يخص كيفيات صفات الله تعالى ، وأنه لا يجوز إعمال العقل في باب الكيفيات ، لأن مرد ذلك إلى الوصول إلى ما لا تحمد عقباه من أسئلة لا جواب لها إلا التسليم بما وردت به الأدلة بلا كثير مناقشة ولا كبير جدل ، فالله الله أيها الأحباب في سد هذا الباب فإنه باب خطير جدا ، إن فتح على القلب والروح فإنه لا يكاد يغلق إلا بكلفة ، والله أعلم .

ومنها :- أن الإنسان إن كان يمشي في الشارع فسمع صوت غناء فإنه لا يجب عليه سد أُذنه إذا سمع الصوت وهو لا يريد استماعه إذا كان يمشي في الشارع ، فسمع صوت غناء، أو سمع صوت موسيقى وهو لا يريد استماعها، لا يجب عليه سد أذنيه، إلا إذا خاف السكون إليه والإنصات فإنه حينئذٍ يجب عليه سد أُذنيه لتجنب سماعه من باب سد الذرائع .

ومنها :- القول الصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تدرس في تخصص تكون عاقبة وظيفتها بعد إنهاء الدراسة في مكان لا يحل لها البقاء فيه ، كالدراسة التي تخرجها مرشدة سياحية ، أو الدراسة التي تخرجها سكرتيرة ، ونحو ذلك ، فما كان مفض بها إلى مثل هذه النهاية الممنوعة شرعا فإنه ممنوع في الشرع من باب سد الذرائع ، والله أعلم .

ومنها :- لا جرم أن المتقرر في التجارات أن الأصل فيها الحل والإباحة ، إلا ما ورد الدليل بمنعه ولكن بناء على أصل سد الذرائع نقول :- لا يجوز للعبد أن يتاجر بافتتاح وكالة سفريات ، وذلك لأنه يغلب على الظن أن هذه الوكالة ستكون سببا لنقل الناس إلى البلاد الكفرية التي يعاقرون فيها شرب الخمور والفواحش ، ولا يسلم في الغالب مثل هذه الوكالات من أن تكون من الأسباب المعينة لأهل الشر والفساد على تيسير أمورهم ، وقد قال الله تعالى } وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { وكما حرم أهل العلم بيع العصير لمن يتخذه خمرا ، وكما حرموا بيع السلاح في الفتنة ، ولا حجة لصاحب الوكالة أن يقول :- أنا لا أجزم أنه سيرتكب الفساد في تلك البلاد ، لأننا سنقول :- هذا تخف وراء النوايا الحسنة التي لا يساعدها ظاهر الحال ، والأمر دائر مع غلبة الظن ، فمن غلب على الظن أنه لا يريد تلك البلاد إلا لمعاقرة الفساد بأنواعه فإن هذه الوكالة لا يجوز لها إعانته على تلك السفرة ، لأن ما سيرتكبه من الإثم عقوبته عليه ، وعلى كل من أعانه على الوصول إليه ، والأسلم ترك المتاجرة في هذه الوكالات ، لأن الأعم الأغلب فيها أنها لا يرتادها إلا من يريد بالسفر ما لا يرضي الله تعالى ، ولا أعني أنني أشكك في المجتمع ، بل هذه الحقيقة ، وليست مجرد شك ، ولو اطلعت على أحوال هذه الوكالات في الإجازات لأمسكت رأسك من الهم ، ولضاق صدرك ممن يهربون من بلاد الإسلام ومحافظتها إلى البلاد الإباحية الكافرة باسم السياحة ، وهي كلمة تخفي وراءها قلة الحياء وضياع الصلوات عند الكثير ، وخلع الحجاب ومخالطة الأخدان ، وارتكاب الذنوب والآثام عند الكثير ، مع أن السفر إلى بلاد الكفر أصلا ممنوع إلا بشروط قد ذكرناها سابقا ، وليس منها مجرد السياحة والاطلاع على جمال الطبيعة ، فلينتبه أصحاب هذه الوكالات من هذا الأمر ، فإنهم إن يسروا أمور الحرام فهم في حكم الشرع متعاونون مع صاحب المنكر ، وباب الأرزاق أوسع من أن يضطر المسلم إلى الكسب من هذه التجارات المشبوهة ، والله أعلم .

ومنها :- القول الصحيح تحريم العمليات الجراحية التحسينية ، لما فيها من التعرض للأضرار بلا مسوغ شرعي ، ولما فيها من كشف العورات بلا مقتض من الشرع ، ومن أراد المسألة بكمالها فليراجع ( الإفادة الشرعية ) والله أعلم .

******
والفروع كثيرة جدا ، لا تكاد تحصر إلا بكلفة ، ولعل ما ذكرناه فيه الكفاية لمن أراد فهم هذه القاعدة ، فأسأل الله تعالى أن ينفع بها ويبارك فيه ، وأن يشرح لها الصدور ، ويفتح لها الأفهام ويجعلها عملا صالحا نافعا متقبلا مبرورا ، وكم سترى عينك فيها من جوانب النقص ، ولكن أرجو منك العفو والمعذرة ، وأشهد الله تعالى ومن حضرني من عباده الصالحين ، ومن يقرأها من الناس أنها وقف لله تعالى ، لا حظ لأحد فيها ، لا من والد ولا من ولد ، فإنها من العلم المبذول للجميع وقد حرصت على إكثار التفريع حتى قاربت فروعها المائتين ، فيا أخي في الله ، أقسم بالله أنه ما دفعني إلى الإطالة في التفريع إلا إرادة التفهيم والتوضيح ، لما أعلمه من أهمية هذه القاعدة الطيبة وإنني ما أحببت أن أبحثها على طريقة الأصوليين ، وإنما أحببت أن أشرحها على طريقة الفقهاء لأنها أوضح وأقرب في الفهم ، فلا داعي إلى الإطالة في قيل وقال ، واعترض وأجاب ، بل المقصود أن نبين للناس وندربهم على كيفية تخريج الفروع الفقهية عليها ، فأرجو منك أيها الأخ الحبيب إن وجدت فيها ما ينفعك أن تدعو لأخيك بدعوة صادقة في ظهر الغيب ، لعلها أن تنفع عبدا قد كثرت ذنوبه وعظت بلاياه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وقد وقع الفراغ منها بعد صلاة المغرب ليلة الجمعة الموافق للرابع من شهر الله المحرم عام ثلاثين وأربعمائة وألف ، وأستغفر الله تعالى وأتوب إليه ، وأستغفر الله تعالى وأتوب إليه ، وأستغفر الله تعالى وأتوب إليه .

تم بحمد الله تعالى.

منقول لفائدة.

على خطى السلف 09-03-2012 08:16 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
بارك الله فيك اخي الفاضل وفي المجهود الرائع
موضوع قيم اسأل الله ان يثقل به موازينك

أبــو أحمد 12-07-2012 07:20 AM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
جزاك الله خير اخي الكريم
والله يعطيك العافية على جهودك الطيبة
ووفقك الله إلى ما يحب ويرضى
وفي أمان الله

هدي السلف 12-07-2012 12:06 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم اخي ابو الشيماء وزادنا الله وإياك علما وفقها في دينه وسهل علينا الوصول به إلى مراضيه إنه ولي ذلك و القادر عليه .
و أذكر نفسي و إياك بالإخلاص قولا وعملا و ان يجعل هذا العمل خالص لوجهه الكريم ويكون لك دخرا ليوم الدين يوم يقوم الناس لرب العالمين يومها لا ينفع مال ولا بنون إلى من أتى الله بقلب سليب
حقا سعدت بعد غيبة طويلة ان يكون او ما ابدأبه هو موضوعكم المبارك تقبله الله منكم اللهم أمين .

ونظرا لأهمية هذا الباب ألى وهو باب سد الدرائع فهو من ادق أبواب العلم إلا أن البعض أساء إستخدامه وتوسع في العمل به و الله المستعان , بل اصبح يتلاعب بهذه القاعدة على نحو يسيء إلى الاسلام وأهله , ومن هذا المنطلق لي طلب عندكم أخي أبوا الشيماء أن يتم إخراج هذا العمل كمطوية حول قاعدة سد الدرائع تشتمل على التعريف لهذه القاعدة و أراء المذاهب فيها و أقوال العلماء السابقين و الاحقين بخصوصها وعمل بها وحكم التوسع فيها,مع بيان ما يشابهها من قواعد .
والله أسأل ان يجعل ما قلنا زاد الى حسن المصير إليه وعتاد إلى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل هو نعم المولى ونعم النصير

ابو صعلوك 05-09-2012 05:14 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
بارك الله فيك

الامور عمر 30-05-2021 08:20 PM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
الدراسة في اوكرانيا

ياسين احمد 05-09-2021 04:48 AM

رد: الحصون المنيعة في شرح قاعدة سد الذريعة .
 
مشكور كتير على المعلومات الرائعة


الساعة الآن : 05:32 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 279.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 277.71 كيلو بايت... تم توفير 1.40 كيلو بايت...بمعدل (0.50%)]