ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   مقاصد سورة القصص (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=251315)

ابوالوليد المسلم 22-01-2021 02:33 PM

مقاصد سورة القصص
 
مقاصد سورة القصص
أحمد الجوهري عبد الجواد



"نور البيان في مقاصد سور القرآن":
"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، فتركنا صلى الله عليه وسلم على محجةٍ بيضاء وشريعة واضحة لا يزيغ عنها إلا هالك، ثبتنا الله عليها وأقامنا في الدنيا بها حتى نلقاه وهو راضٍ عنا غير غضبان، وصل يا ربنا وسلم وبارك على هذا النبي الكريم جزاء ما علمنا وبيَّن لنا، صلي عليه وسلم وبارك تسليماً وتعظيما وتكريماً وتشريفاً لمقامه الرفيع، وعلى كل من آمن به واتبع هداه، وصلي علينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد..
أيها المسلمون الكرام، فنعيش هذه اللحظات مع سورة القَصص، هذه السورة التي تلي سورة النمل في ترتيب المصحف الذي هو من عند الله تبارك وتعالى، فالله أنزل القرآن كله، ورتب سوره كلها، وسمى كل سورةٍ باسمها، وحدد مطلعها وختامها وفاصلتها، والقرآن كله لا دخل فيه لأحدٍ إلا لمن قرأه وبلَّغه.

سورة القصص بهذا الاسم يسميها الله سبحانه وتعالى، والقَصص غير القِصص، القِصص جمع قِصة، أما القَصص كلمةٌ مصدريةٌ من قص يقص إذا حكى، يحكي حكايةً فهو يقصها على الناس ويحكيها للناس، فالعملية نفسها اسمها قصٌّ، وحينما يقص القاص عدة أشياء يقال له قص القَصص ويقص القصص يعني يتلو الأخبار ويقرأ أشياء مهمة ويذكرها على السامعين[1]، وهذه الكلمة وردت في القرآن أربع مرات، مرةً في سورة آل عمران إذ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ حينما حكى خلق عيسى عليه السلام وأنه كان كخلق آدم من تراب، وفي سورة الأعراف ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، وفي سورة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يقول المولى سبحانه ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾، وفي سورتنا هذه التي سميت بهذا العنوان – القصص – الله تعالى يقول ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾، وهذا هو سيدنا موسى عليه السلام حين فر من مصر إلى أرض مدين والتقى هناك بنبي الله شعيب، أو بالرجل الصالح شعيب وقص عليه قَصَصَه وأخباره وما جاء به من مصر إلى هنا فطمأنه الرجل الصالح والنبي الصالح ﴿ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

لكن فازت هذه السورة بهذا الاسم دون السور الأخرى وإن كان القصص قد ذُكر فيها، قال بعض المفسرين: لأن هذه الآية في هذه السورة نزلت قبل غيرها، فسميت سورة القصص حين افتُتحت قبل غيرها كسورة، سميت بهذا الاسم حيث لم يكن يومها في سورةٍ أخرى كلمة القصص إلا فيها[2].

وهي سورةٌ حينما نستعرض موضوعاتها وننظر في آياتها نلاحظ أنها سورةٌ مكية[3]، فليست فيها تشريعاتٌ ولا تفاصيل أحكام ولا وصف شيءٍ مما كان في المدينة بعد الهجرة، إنما هي الأخرى تشارك في توضيح أمر العقيدة، وفي تصحيح التصور الإنساني والفكرة الإنسانية عن هذا الكون وما فيه وما حوله، غير أن كل سورةٍ كما عرفنا من قبل وإن كانت مكية، وإن كانت تهتم ببناء العقيدة وتجليتها إلا أن لكل سورةٍ شخصيتها واهتمامها وتركيزها على جانبٍ معين، فإن هذه السورة أيضاً مكية نزلت قبل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولذلك تجد موضوعاتها على هذا النحو، بُدئت كمعظم السور المكية، أو كمعظم السور المبدوءة بالأحرف، معظمها مكي، وهذه أيضاً بُدئت ببعض الحروف، بالطاء والسين والميم ﴿ طسم ﴾، وهي مع سابقتيها الشعراء والنمل ثلاثتها يقال لها: الطواسين؛ لأن في كل واحدةٍ منها في أولها طاء وسين فسميت بالطواسين تمييزاً لها[4].

ثم بعد ذكر هذه الحروف يأتي ذكر شرف القرآن العظيم ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾، وهذا غالبٌ في السور التي بُدأت بالأحرف المفردة يأتي بعد هذه الأحرف تنويهٌ وتلميحٌ بشرف القرآن العظيم، مما جعل جمهوراً من العلماء يقولون: إن ذكر هذه الحروف في كثيرٍ من السور المكية وعلى هذا النحو تُقرأ حرفاً حرفاً، عداً وسرداً، لا تُقرأ كلمة واحدة وإنما طسم وإنما طا سين ميم؛ ذلك ليُعجز الله الكافرين الذين ادعوا أن القرآن من عند محمداً صلى الله عليه وسلم افتراه أو علمه بشرٌ آخر، أو أنه تلقاه عن جنيٍّ؛ رأيٍّ له يستحضره ويسمع منه ثم يتلو على الناس، وكل هذا ادعاءٌ وكذبٌ واتهامٌ باطل ﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ﴾، صاحب الحق لا يتردد[5]، لو كانوا على حقٍ ما قالوا هذا كلام محمد ﴿ إِفْكٌ افْتَرَاهُ ﴾، ثم يرجعون فيقولون: ﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾}، ثم يقولون: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾، إذاً هم مترددون في كلامهم لا ينطقون بحقٍ واضح، إنما تلوح أمامهم الشُبَه وتطير بهم الأهواء فيصفونه كل مرةٍ بوصفٍ ولا يشعرون أن كلامهم قد تضارب وتناقض، فالحق إذاً أن القرآن من عند الله.

وهذه بعض حروفه الطاء والسين والميم ونحوها، بعض حروف القرآن، وهي الحروف نفسها التي تركبون منها كلامكم يا عرب، فإن كان القرآن من عند المخلوقين فأنتم من أبلغ المخلوقين ومن أقدر المخلوقين على صناعة الكلام نثراً في الخطب والدروس وشعراً منظوماً موزوناً ﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ﴾، ﴿ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾، ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، فعجزوا ولم يُرفع لهم رأس، ولم يتحرك لهم لسانٌ في هذا المجال، فحق قول الله تعالى ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾.

إذاً تبدأ السورة ببيان أن هذا القرآن من عند الله وهو كلام مُعجز، ثم من الآية الثالثة تبدأ السورة وتشرع في حكاية وفي قصِّ قصة نبي الله موسى عليه السلام، من قبل ميلاده إلى بعثته نبياً وتلقيه الوحي عن الله سبحانه وتعالى، هذه الفترة التي ربما لم تُذكر بهذا التفصيل في سورةٍ أخرى، فليس هذا تكراراً إنما هو تفصيلٌ لم يسبق له مثيل ولم يتكرر له مثال، كيف كان الأمر قبل ميلاد موسى وحين وُلد موسى وخافت أمه عليه ماذا فعلت، وكيف أوحى الله إليها ووجهها، وماذا كان من أمر موسى والإعجاز العظيم الذي أعجزه الله لفرعون..، قصة ما شاء الله في منتهى الحسن، ومنتهى الظرف، ومنتهى البلاغة، ولها هدفها وعبرتها.

وبعدها يتوجه الخطاب إلى هذه الأمة وكأنه يقول لهم: أرأيتم من خلال هذا المشهد الكوني من حياة نبي الله موسى عليه السلام، مع العنيد الطاغية فرعون، أرأيتم كيف فعل الله، وكيف قضى الله، وكيف كانت قدرة الله وإرادته غالبةً على كل شيء، ألا يُؤمن بهذا الإله، ألا يُصدق قوله، ألا يُتبع هديه وشرعه، ألا يُخاف المقام بين يديه يوم القيامة، وذكرت السورة يوم القيامة ذكراً خفيفاً لطيفاً سريعاً، يتناسب مع السياق، وتُذكِّر أيضاً السورة بقدرة الله العظيمة ليس في فرعون فقط وإنما في الدنيا كلها حيث جعل حياة الناس ليلاً ونهاراً متعاقبين متتابعين لمصلحة حياة هذا الإنسان ولو شاء الله ولو أراد الله لفعل، وما منعه مانع، لو شاء الله تعالى أن يجعل الدنيا كلها نهاراً سرمداً إلى يوم القيامة، أو ليلاً دامساً دائماً إلى اليوم القيامة، لا يستطيع أحدٌ أن يمد الناس بالجزء الناقص من ليلٍ يسكنون فيه أو ضياءٍ يبصرون به، لا يستطيع أحدٌ ذلك، ألا تؤمنوا بالله الواحد.

ثم ضرب الله للناس وقص عليهم قصة أخرى تدل على مدى قدرته، أو تدل على عظمة قدرته التي لا مدى لها ولا نهاية لها، وذلك من خلال قصة رجلٍ من أقارب سيدنا موسى عليه السلام، رجل من بني إسرائيل ويقال كان ذا قرابةٍ لموسى وهو اللعين قارون، حيث آتاه الله تعالى كنوزاً ما تكلم الله عما فيها من ذهبٍ أو فضةٍ أو غيرهما، إنما وصف الله الكنوز فقط، بل لم يصف الله الكنوز إنما وصف مفاتيح الكنوز ليفهم أولوا الألباب، إذا كانت هذه هي المفاتيح فما بالك بالكنوز، وإذا كانت الكنوز فكيف يكون ما فيها، أي أن فيها شيئاً عظيماً جداً لا يكفي الكلام لوصف ما في الكنوز ولا لوصف الكنوز نفسها إنما يكفيكم فقط أن أشير إليكم إلى وصف مفاتيح كنوز قارون، وكل ذلك من عند الله ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾، هذا الوصف للمفاتيح فقط، مفاتيح الكنوز كانت من الثقل ومن الكثرة بدرجةٍ يعجز عندها عصبة الرجال عن حملها وقيل عصبة الخيل، الخيول تعجز عن حمل مفاتيح الكنوز، هذا أو ذاك يجعل الإنسان يندهش مما وراء هذه المفاتيح وما فيما وراء هذه المفاتيح داخل الكنوز، أي أنه شيءٌ كبير ربما لا يكفي الكلام لوصفه، ولو وُصف لما اتسعت عقول المخاطبين لإدراكه وإحصائه وفهمه، وربما هذا نراه في الدنيا، لو سمع الأولون أن الآن عندنا ورقة مالية بمائة جنيه بمائتي جنيه قالوا لا يمكن في مائتي جنيه في حد معاه مائتين؟!! كانوا يستكثرون هذا المبلغ ربما ينظرون إليه على أنه خيال وأغنى أغنياء العالم كان هو من يملك هذا المبلغ أو بعض مئات قليلة، الآن بالمليون والمليارات ما شاء الله أرقام لا تُصدق عند من سبقنا، فربما كان المخاطبون لا يُصدقون ما كنوز قارون لو أخبرنا الله بها، فرحمةً بعقولنا أجملها وأغلق الكنوز عليها وقال: من أراد أن يستدل على ما في الكنوز وحجمه فلينظر إلى مفاتيح الكنوز، هذا الرجل بهذا المال ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ ﴾.

ثم تلتفت السورة إلى هذه الأمة ختاماً لتقول لهم ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾، إلى أن تُختم هذه السورة بما يعتبر عصارة وخلاصة وزُبدة، وكأنه هو الهدف والنهاية المقصودة من هذه السورة ﴿ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾، وهذه الآية تعتبر من الآيات الجوامع في القرآن الكريم، وهي عدة آيات جمعت أموراً كثيرة، فالله تعالى جمع في هذه الآية النهي عن الشرك به، إذاً أمر بتوحيده كما يصرح بذلك في قوله ﴿ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ فنهى عن الشرك أولاً من باب التخلية والتنظيف والتطهير ليقوم التوحيد على طهارة قلب، وعلى نقاء نفس، وعلى صفاء سريرة، وعلى استسلام بدن، فليس عنده بعد هذا التطهير إلا الله لا إله إلا هو.

ويعطي الله تعالى المبرر لهذا التوحيد، والسبب الذي يعيننا عن الانتهاء عن الشرك ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ الكل يفنى وينقضي إلا الله وحده لا شريك له، هو فقط الذي يبقى ولا يبقى معه شيء، الكل يفنى والله يبقى سبحانه، إذاً الغلبة لمن؟ للأبقى، الولاء لمن؟ للأبقى، الأمن لمن، أن آمن على نفسي، وأن أضع ما أخاف عليه من نفسي وديني وحياتي، عند من أضعها، عند من يموت ويتركني؟! الأمل والرجاء يكون في من؟ في الأبقى ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ سبحانه وتعالى، وبالتالي طالما هو الأبقى إذاً هو الذي يحكم، هو الذي يأمر وينهى، هو الذي يُشرع ولا تشريع لغيره {لَهُ الْحُكْمُ} أي لا لغيره، قضيةٌ عقليةٌ لا ينكرها عقلٌ سليم، ذلك هو الأبقى بعد فناء الكل يوماً بعد يوم وجيلاً بعد جيل، فمن يحكم العالم، من يموت اليوم أو من يموت غداً أو من يموت بعد عام، أو من يموت بعد قرن، أو من يبقى فلا تأخذه سنةٌ ولا نوم فضلاً عن موت.

إذاً ﴿ لَهُ الْحُكْمُ ﴾ والحكم ليس عبثاً، الله لا يشرِّع عبثاً ولا قهراً لعباده ولا تعذيباً لهم﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾، ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ أي من ضيق، ولكن تشريعه سبحانه وتعالى لحكمة، تشريعه لكي يسعد الناس في الدنيا، والتشريع والأمر عادةً يستقبله المكلف بطاعةٍ أو عصيان، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ هناك يومٌ يحاسب كل إنسان فيه على استقباله أو رفضه لحكم الله، يُحاسب من اتبع ويحاسب من أعرض وتولى ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾، وهذا هو ختام السورة ختامٌ عظيم، ختامٌ جليل يربطنا بسورة النمل ويذكرنا بها، حيث إن سورة النمل انتهت أيضاً إلى درسٍ كهذا، ولكن الدرسين متكاملان، كانت خواتيم سورة النمل ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا ﴾ العبادة، لكن كيف تكون العبادة صحيحةً عندنا، وكيف تكون العبادة مقبولةً عند الله تبارك وتعالى، لابد أن تكون من حكم الله وتشريعه، لا أخترع العبادة من عندي، ولابد أن تكون خالصةً لوجه الله لا إله إلا هو، العبادة التي يجتمع له هذان الأمران الإخلاص والموافقة لما شرع الله فإنه يظفر بعبادةٍ صحيحةٍ في الأداء مقبولةٍ عند الله يوم العرض والحساب، فكأن ختام سورة القصص يُكمِّل ختام سورة النمل ويعضده ويقويه، كما أن فاتحة السورتين من نوعٍ واحد وهو من نوع الطواسين، كما أن السورتين ذكرتا جملةً من القَصص، والقصص الذي ذُكر في سورة القصص مخالفٌ للقصص الذي هناك، فلم تُذكر قصة قارون عليه اللعنة إلا في هذه السورة – سورة القصص -، وأما ذكر موسى في سورة القصص فكان مغايراً أيضاً حيث جاء بمشهدٍ لم يذكر في غيرها بمثل هذا التفصيل وهذا التوضيح؛ كونه لم يرضع إلا من أمه، هذا لم يُذكر إلا في هذه السورة، وحي الله لأم موسى عليه السلام بهذا التفصيل ذُكر في سورة أخرى لكن غير مفصل ﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ﴾، لكن ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي ﴾ وهكذا، هذا التفصيل لم يُذكر إلا في هذه السورة.

وبهذا ترتبط السور وتتعانق سورةً بعد سورة مما يجعل القرآن العظيم كله بسوره المائة وأربع عشرة سورة كأنه عقدٌ منظوم الحبات في سلكٍ واحدٍ يمسك بكل حبة، ولا غرابة في ذلك لأن القرآن كله كلام الله وحده لا شريك له، ليس فيه حرفٌ ولا نَظْمٌ ولا تركيبٌ لأحد غير الله عز وجل، فلا عجب أن ينسجم كلام المتكلم الواحد في نظمٍ واحد، وفي سياق واحد ولاسيما أو خاصةً إذا كان الكلام لله الذي لا يضل عن مستقبل ولا ينسى ماضياً، بخلاف أحدنا ربما ينسى ما كتبه في أول كتابه، وما قاله في أول كلامه فيغاير بعد ذلك أو يناقض أو يعارض، تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيرًا.

بقيت لنا نقطةٌ حول هذه السورة ألا وهو هدفها، نعيش معه ونلتقطه معاً بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا العبرة من هذا القصص القرآني العظيم وأن ينفعنا بما سمعنا وأن يعلمنا دائماً ما ينفعنا، إنه هو العلم الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.






ابوالوليد المسلم 22-01-2021 02:34 PM

رد: مقاصد سورة القصص
 
مقاصد سورة القصص
أحمد الجوهري عبد الجواد




الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.



أما بعد..

أيها الأحبة الكرام، فإن هدف هذه السورة – كما يبدو أمام عيني – هو إبراز طلاقة قدرة الله تعالى وإرادته، حيث كان الكافرون يعتقدون تحديد قدرة الله وتحديد إرادته، فيفعل أشياء ولا يستطيع أشياء أخرى، ويزعم أحدهم في نفسه أنه يستطيع أن يفعل الشيء بإرادته على خلاف ما أراد الله، فالكفر عمى وجهل نعوذ بالله منه، يُختم على القلب فلا يميز صاحبه شيئاً عن شيء، ومن هنا كان تصور الكافرين عن الله تبارك وتعالى تصوراً ناقصاً قاصراً شططاً، كما ورد ذلك في وصف الشيطان ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴾، وكما قال الله تعالى عن الكافرين ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾، فكانون يظنون في الله عدم طلاقة العلم، وعدم طلاقة القدرة، وعدم طلاقة الإرادة، إنما الله في نظرهم في تصورهم محدودٌ مثلنا تماما، يقدر ويعجز، يعلم ويجهل، يعطي ويبخل، وهكذا إلى آخره، والله على خلاف ذلك، الله تعالى له قدرةٌ مطلقة لا يحدها حد، ولا يمنعها سد، ولا يعجزها أحد، له إرادة لا تقف دونها أية إرادة، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولعل جملةً من كلام الله تُخلص هذا كله ونقرأها كثيراً والكثيرون يحفظونها ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ أي كلما أراد فعل، لا يمنعه أحدٌ من الإرادة، ولا يمنعه شيءٌ من الفعل ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾.




في هذه السورة وقد انطلقت آياتها الكثيرة والغالبة في ذلك الزمان الأول تُصوِّر ما فعل الله في أمر موسى وفي بيت فرعون، حين يقضي الله قضاءً على خلاف هوى البشر، وعلى خلاف أحلامهم وطموحاتهم، وعلى خلاف ما قام من أجله سلطانهم، فإن فرعون كان قد أقام الدولة فوظفها وحشد الجند وشحذ القوة لقتل وذبح كل ذكرٍ من بني إسرائيل، وإذا بموسى وقد انطبقت عليه أوصاف القتلى ووجب – حسب القوانين الوضعية – قتله والآن فوراً، وإذا بالله تعالى يجعل هذا الوليد الصغير الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله، جعله داخل صندوقٌ من الخشب ضعيفٌ أسيرٌ حبيس يغزو بيت فرعون لا دولة فرعون، ولا أسوار فرعون بل بيت فرعون، بل قلب امرأة فرعون، بل قلب فرعون نفسه ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ لمن؟ لكل من نظر إليه، فكان إذا نظر إليه فرعون أحبه فلا يستطيع الإقدام على قتله ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾، ولا يملك فرعون أمام هذا القول لامرأته إلا أن يقول: سمعنا وأطعنا، تمام يا باشا، ويتم الأمر بإذن الله.



ويُصوِّر بعض المفسرين هنا تصويراً لطيفاً جداً حيث يقول: انظر إلى مدى قدرة الله العجيبة وطلاقتها، حيث حمى موسى من فرعون الطاغية بسياجٍ أي بغشاءٍ وسورٍ شفافٍ رقراق من المحبة، ليس سوراً مسلحاً، ليس سوراً حديدياً، ليس سوراً مبنياً، ليس قصراً مشيداً، ولا حصناً منيعاً، وإنما شيءٌ رقيق لا يُرى بالعين ولا يُحس باليد، إنه سورٌ من المحبة، جسرٌ من الجمال ألقاه الله على موسى فغزا قلب فرعون، وقلب امرأة فرعون، وقلب ماشطة امرأة فرعون، وقلب من في بيت فرعون، فتربى موسى عليه السلام في بيت فرعون وعلى خلاف فرمان فرعون وقراره ورغم أنفه أعظم تربية وأحسن نشأة، ولكنه فيما يبدو تربى بعيداً عن أمه، أبداً ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ﴾، والله العليم قال لأمه قبل أن تضعه في اليم ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ استعداداً لهذه الرحلة بغير أم وبغير ثدي وبغير رضاعة ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾ فكان ما كان حتى دخل بيت فرعون، وهناك الله تعالى يُحرِّم عليه المراضع، فلا يقبل الطفل الصغير أي ثدي ولا أي لبنٍ يُقدم إليه، وكأنه شخصيةٌ كبيرةٌ لا يأكل إلا بشهوةٍ ولا يأخذ إلا عن اختيارٍ وانتقاء، لا يريد لا يريد لا يريد حتى جاءت أخته متخفيةً عنه فلم يشعروا بها فرأت حيرتهم في إرضاعه قالت لهم ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾، طبعاً فرحوا بهذا السؤال وبهذا العرض، نعم ائتنا بذلك ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ ﴾، الله، يجمع الله بينه وبين أمه وفرعون الغبي لم ينتبه لماذا هذه المرأة؟ لماذا هذه المرأة فقط يرضى لها؟ لم يسأل عنها، لم يبحث عنها إن كانت أمه أو غيرها، سبحان الله، فإذا ما وصلت إليه يفتح فاه ويلتقمها رضاعاً وحباً وحناناً يستلهم ما يستلهمه الطفل من أمه بشغفٍ ونهم ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ حيث قال لها في البداية ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.



وهكذا يتربى موسى عليه السلام إلى أن يكون نبياً وبسببه يموت فرعون ويهلك بسبب كفره، لكن على يدي موسى وأمام ناظري موسى عليه السلام، كما كان يخاف فرعون، وكأن فرعون يصنع نعشه بيده ويصنع قنبلته التي سيموت بها بيديه وفي بيته وأمام عينيه، حيث أعماه الله أن يرى شيئا، قدرة وإرادة.



قارون آتاه الله مالاً كثيراً – كما وصفت لكم وصفاً سريعاً لعله عبر عن شيء – حتى اغتر بماله ونظر إليه الناس بإعجاب وإكبار كعادة أهل الجاهلية، ينظرون إلى أصحابا لأموال في الأرض وكأنهم آلهة يفعلون ما يشاءون، أبداً في لحظة يضيع كل شيء، كما أنه في لحظة ضاع سلطان فرعون في لحظة يضيع مال قارون، وقد ذُكِّر قبل ذلك فلم يتذكر ﴿ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ ﴾ أي لا تفرح الفرح الشديد، فرح البتر والكبر، الفرح في حد ذاته جائز نفرح لما يصيبنا من حسناتٍ في الدنيا ونعم وكذا، هذا شيءٌ فطريٌ وأذن الله به، وأعظم فرحٍ نفرحه أن يُسر المسلم بحسنة يؤديها، وبطاعةٍ يفعلها، ولكن أن يبلغ بنا الفرح أن نقيم سرادقاً في الشوارع العامة وأن نُغلق الطريق العام على المارة فلا يستطيع أحدٌ أن يمر، وندق الطبول بما يزعج كل الناس حولنا غير مراعين بالمريض، ولا بالطالب الذي يذاكر لينجح، ولا لمن أراد الجلوس في بيته دقائق يهدأ فيها، ولا بنائمٍ ولا بأحد، ولا بملتزمٍ يريد أن يكف سمعه عن هذه الأصوات الباطلة التي حرمها الله تعالى، هذا فرحٌ زائد، أفرح لأتزوج نعم الزواج نعمة ونفرح به، ولكن ليس لهذا الحد الطاغي ﴿ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾، الفَرِح الذي يبالغ في الفرح، يفرح فرحاً زائداً عن الحد، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ﴾هذه النعم وظفها لطاعة الله حتى تنتفع بها في الدنيا ويدوم نفعها إلى الدار الآخرة فتستفيد بها أعظم استفادة ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾، فالإسلام لا يحرمنا من نشيء والتدين لا يمنعنا من نتمتع بالدنيا، الحمد لله هذا مباح وذاك أملٌ عظيم، فنفوز نسأل الله ذلك نفوز بثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة، ﴿ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾، أخذه الغرور ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾ هذا المال، هذه الكنوز جمعتها بعلمي بخبرتي بشطارتي بفهلوتي بيدي بكسبي بكدي بتعبي بعرقي... إلى آخر ما يقول الناس، الله تعالى يرد على قوله على علمٍ عندي، عندك علم يا قارون؟! ألم يصل إلى علمك أن الله قد أهلك من قبله من القرون ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾، أما سمعت في التاريخ السابق، أما علمت وتعلمت من أحداث الدنيا السابقة أن الله أهلك من هو أشد منك قوة وأكثر منك مالاً، إذاً قادر على إهلاكك، جمعته على علم عندك بغير علم من عندك الله قادرٌ على الذهاب به، فلم ينتفع بهذا خرج على قومه في زينته فخوراً بتراً، وإذا ببعض المساكين الذين لا يحسنون التقدير لجهلهم ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ الذين ينصحون الناس، ينورونهم، يضيئون لهم الطريق، يميزون بهم بين الأشياء، فاتبعوا أهل العلم ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ﴾ ماذا تقولون، كيف تفهمون ﴿ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾، اصبر هذا كله لا معنى له، بعدها مباشرةٌ فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وقال الذين تمنوا مكانه بالأمس، الذي كانوا يقولون يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ ﴾ فهموا الآن بعد وقوع الحادثة، يقولون ماذا؟ (وي) لا تزال في الصعيد كلمة تعجب ﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ﴾ لأنهم تمنوا مكانه، إذاً كان العدل أن اذهب تحت الأرض يا قارون مع كنوزك، ومعك من تمنى مكانك أيضاً فليذهبوا إلى مكانك، ولكن من رحمة الله ومنته أن أعفاهم، عذرهم بجهلهم {﴿ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾.



أحبتي الكرام أرأيتم كيف فعل الله حين أراد، أراد إهلاك فرعون وله سلطانٌ عظيم لم يمنعه سلطانه من سلطان الله، ولم يوقف سلطان فرعون إرادة الله ولا قدرة الله فأغرقه الله في البحر هو ورجال مصر يومها، وانطلقت قدرة الله بعد إرادته لإهلاك قارون الذي لم يتعظ وأفسد في الأرض بماله ولم يحسن وظن أن هذا المال من صنعه هو لا من عطاء الله الكريم، انطلقت إرادة الله وتبعتها قدرته لإهلاك قارون، وقد حدث بالفعل ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ ﴾ حدثٌ عظيمٌ هائل رآه أهل زمانه لم يكن خافياً ولعل بعض علماء الآثار اليوم يشيرون إلى بعض الآثار التي لاحظوها لهذا الخسف، نسأل الله تعالى أن يبصرنا، فقدرة الله مطلقة وإرادة الله مطلقة، لذلك ﴿ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾.

وهذا هو هدف السورة أن انطلق مع الله وانس بقدرة الله واخش قدرة الله، لأنه إذا أراد انطلقت قدرته لتحقيق ما أراد ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾.



ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم آتنا مثل ما آتيت الصالحين، اللهم آتنا مثل ما آتيت الصالحين، واجمعنا يا ربنا في الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا ونعوذ بك من علمٍ لا ينفع، اللهم زدنا علماً نافعاً، اللهم أصلح أحوال أمتنا، اللهم أصلح أحوال أمتنا، اللهم أحيي مواتها، واهدي قلوبها، ووحد صفها، واجمع شملها، وأهلك عدوها، إنك على كل شيء قدير، مكِّن لنا ديننا الذي ارتضيت لنا، أبدلنا من بعد خوفنا أمِّنا، وأمِّنا في أوطاننا، أمِّنا في أوطاننا، وأرخي لنا أقواتنا، ووسع وبارك لنا في أرزاقنا، برحمتك يا أرحم الراحمين، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات.



عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.. وأقم الصلاة.





[1] انظر: لسان العرب (7/ 73)، المعجم الوسيط (2/ 740).




[2] انظر: التجرير والتنوير (21/61).




[3] انظر: تفسير ابن كثير (6/ 220).




[4] انظر: البحر المحيط (7/430).




[5] انظر: زهرة التفاسير، لأبي زهرة: (1/92).





الساعة الآن : 03:36 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 36.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.04 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.38%)]