ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   ضعف الإيمان وعلاجه (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=246349)

ابوالوليد المسلم 23-11-2020 10:54 PM

ضعف الإيمان وعلاجه
 
ضعف الإيمان وعلاجه


عبدالعزيز كحيل





الشكوى من ضعف الإيمان شيءٌ معتاد عند الملتزمين بدينهم، وتلك ظاهرةٌ صحيَّة إذا تجاوزتْ حالة التشكي إلى تشخيص الداء، وتحديدِ أعراضه، ومواجهتِه بالدواء المناسب.



والإيمان حقيقة مركبة من القول والفعل الظاهر والباطن، فإذا قام بالقلب لزم ضرورة انفعال البدن بالأعمال الظاهرة، وهو تبعًا لذلك يَزيد وينقص، ويقوى ويضعُف، ويحيا ويموت، وهذا ثابتٌ بالقرآن والسنة والتجرِبة.

قال الله - تعالى -: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124، 125].

فالآية صريحة في زيادة الإيمان، وفي أن محلَّه القلب، فدلَّ ذلك بداهةً على أن الزيادة يقابلها النقصانُ بسبب "مرض القلوب".

وهذه أهم الأعراض والمظاهر التي يستطيع المؤمن أن يعرف من خلالها أن في إيمانه ضعفًا، فيبادر إلى تقويته وتغذيته.

التمادي في المعاصي والإصرار على الذنوب:
لا تكمن المشكلة في ارتكاب الخطأ، والوقوع في الخطيئة؛ فهذا شيءٌ ملازم للبشر، الإنسان خطَّاء، والله - تعالى - عفوٌّ غفور رحيم؛ لكنَّها تكمن في استمراء مخالفة أمرِ الله - تعالى - ونهيِه، والتعوُّد على ذلك، والتمادي في الانحراف، والإصرار على الذنب، وهذا دليل على ضعف الإيمان، المستند إلى قلب مريض؛ لأن قويَّ الإيمان كلما استدرجه الشيطان إلى شرود عن صراط الله المستقيم، استفاق وسارع إلى الرجوع إلى حياض الدين تائبًا منيبًا مستغفرًا؛ قال الله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].


وقال عن المتَّقين ذاكرًا بعض صفاتهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

إن المتعامل بالرشوة مثلاً يألف هذه المعصيةَ، ويعايشها يوميًّا؛ فلا يحسُّ بوخز النَّدم، أو تأنيب الضمير؛ فيُصاب في إيمانه الذي لا يجد حينذاك ما يتدارك ضعفه ويقوِّيه، ويحدث نفس الشيء للمرأة غير المحجَّبة التي تعتاد التبرُّجَ، حتى تنسى أنه حرام، فماذا يفيد هؤلاء الصلاةُ أو الصيام أو الصدقة؟!

التكاسل في أداء العبادات:
من المفروض أن المؤمن يتلذَّذ بعبادة ربِّه، فهو يسارع إليها بهمَّةٍ ونشاط، ممتثلاً أمرَ الله - تعالى -: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133].
{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21].


لكنَّ ضعيف الإيمان يقوم إلى العبادة كأنها عبءٌ ثقيل ينوء بحملها؛ {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء: 142].

فليعلم من وجد هذا التكاسلَ في نفسه أنه قد أصيب في إيمانه، فليبادر إلى معالجة الوضع، وتجديد الإيمان.

عبادات لا تأثير لها:
للعبادات المختلفة تأثير نفسيٌّ وسلوكيٌّ على المؤمن، لها حلاوة يجدها في قلبه، كما أنها تغيِّره نحو الأحسن في علاقته بالله والناس، فإذا ضعُف الإيمانُ، تلاشى هذا التأثير، وأصبحتِ العبادات طقوسًا باردةً، وأشكالاً لا حياة فيها، فالصلاة - في هذه الحالة - لا تقرِّبه من الله، ولا تنطبق عليه الآية الكريمة: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]، كما أنها لا تمنعه من الوقوع في أنواع المعاصي الخبيثة؛ لأنها فقدتِ الفعاليةَ التي أشارتْ إليها الآية: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].


وقد يصوم صاحبُ هذا الإيمان الضعيفِ الفريضةَ والنافلة، لكنه لا يحصِّل التقوى التي هي مقصد الصيام؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وإنما يكون نصيبه من الصيام الجوعَ والعطش.

وقد يزكِّي ماله، لكن بطريقة آليَّة لا روح فيها، فلا ينال بذلك طهرًا ولا تزكيةً، كما أشار إليهما قول الله - تعالى -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].

فلا بد أن يحرص المسلم على العلاقة التفاعليَّة بين العبادات، وتقوية الإيمان؛ حتى ينتفع بالقُرُبات، فيتلذَّذ بها في قلبه، وتقوده إلى الاستقامة والصلاح في حياته.

عدم التأثُّر بالقرآن الكريم:
عندما يتلو المؤمن كتابَ الله، أو يستمع إليه منصتًا، فإن آياته تحرِّك قلبَه بالخشوع والخشية، والرغبة والرهبة، وأنواع المشاعر الإيمانية، فإذا كان إيمانه ضعيفًا، فإنَّه يفقد الحسَّ المرهف؛ فلا يتفاعل مع الذِّكر الحكيم ولا يتجاوب معه، يمرُّ بآيات الوعد والوعيد، والأمر والنهي وكأنه غير معنيٍّ بها؛ لأن ضعف الإيمان نسج على قلبه غشاوةً حوَّلتْه إلى جلمود صخرٍ لا يؤثِّر فيه ذكر الجنة والنار، والنعيم والعذاب، والمأمورات والمحظورات، والرقائق والعظات، ولو كان إيمانه قويًّا لاقشعرَّ جلدُه، وخفق قلبه، وارتعدتْ فرائصه، وسالت دموعه، وانطلقت زفراته؛ رغبًا في رحمة الله التي تبشِّر بها هذه الآيات، ورهبًا من عذاب الله الذي تنذر بها آيات أخرى.


فهذا مقياس آخر لتقويم مستوى الإيمان.

عدم التأثّر بالموت والمواعظ:
تكمن قمَّة الموعظة في رحلة الموت، من احتضار المحتضَر، وبلوغ الروح الحلقوم، إلى تغسيله وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه وإهالة التراب عليه، وكلُّها مواقفُ جديرةٌ بخلخلة المؤمن الذي يشاهدها؛ لأنها تذكِّره بمصيره القريب، فيكون أدنى إلى رقَّة القلب والرجوع إلى الله، فإذا أصيب إيمانُه بالضعف، مرَّ بهذه المشاهد باهتًا - ولعلَّه يضحك - كأنه غير معني بها، أو هي بعيدة عنه، وقد قيل: "من لم يتَّعظ بالموت، فستكفيه جهنم واعظًا".


وقريب من هذا ما يسمعه من دروس دينية تحرِّك القلوب والأحاسيس، وتدفع دفعًا إلى الوثبة الإيمانية، والتوبة النصوح؛ قال - تعالى -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].

إذا لم يتفاعل المسلم مع عظة الموت والدرس، فليسأل نفسه: أحيٌّ هو أم أنه في عداد الموتى؟ ولو كان يدبُّ على الأرض.

الغفلة عن الله:
مما يضعِف الإيمانَ في القلوب، ويكاد ينسفه نسفًا: الانغماسُ في المشاغل الدنيويَّة، واللهث وراء الغايات المادية، إلى درجة الغفلة عن الله - تعالى - وحقوقه ويوم لقائه، هذه العبودية للحياة الدنيا سببٌ لضعف الإيمان من جهة، ونتيجةٌ له من جهة أخرى، يترتَّب عليها التحوُّل من عبدٍ لله إلى عبد للعاجلة؛ {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، والتعلُّق بالدنيا غيرُ الاشتغال بها؛ فهذا ضروريٌّ وواجب للفرد والمجتمع، بينما التعلق هو حصر الاهتمام في الدنيويات، وتغافلٌ عن الدين والمصير، ونستطيع ملاحظة ذلك في تعلُّق القلب - وليس اليد - بالمناصب، ومزيد من المشروعات التجارية، وبكرة القدم، ونحو ذلك، بحيث لا يذكر الإنسان ربَّه - إن ذَكَره - إلاَّ عرَضًا وقليلاً، كأداء صلاة الجمعة مثلاً، ولهذا أمرَنا الله - تعالى - بالإكثار من الذِّكر؛ ليحدث التوازن المحمود في أنفسنا ودنيانا بين المطالب الحياتية والواجبات الدينية؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42].


عدم الاهتمام بأمر المسلمين:
يترتَّب على ضعف الإيمان التقوقعُ على الذات، وعدمُ المبالاة بأمور المسلمين، فلا يهتمُّ حينئذٍ بمعاناة إخوانه المسلمين من الاحتلال الأجنبي، والتسلُّط الصهيوني، والظلم السافر، والفقر المنتشر، ونحو ذلك من المصائب، لا يلتفت إلى معاناة المسجد الأقصى - فضلاً عن أن يفكِّر في تحريره - ولا حصار غزة، ولا دماء الأبرياء في أكثر من مكان، إلى جانب قضايا المسلمين المصيرية.



هذا؛ وبعلاج هذه المظاهر يقوى الإيمان في القلوب، وتستقيم حياة المسلم، ومن ثَم أمر الله عباده بالمسارعة إلى مغفرته؛ فقال - سبحانه -: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]





الساعة الآن : 07:14 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 14.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.49 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.64%)]