ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الفتاوى الشرعية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=43)
-   -   تأثير الكبائر في إيمان العبد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=217323)

ابوالوليد المسلم 20-11-2019 09:47 PM

تأثير الكبائر في إيمان العبد
 
تأثير الكبائر في إيمان العبد
فتاوى علماء البلد الحرام









السؤال:


ما حكم ارتكاب بعض المعاصي لا سيما الكبائر؟ وهل يؤثر ذلك في تمسك العبد بالإسلام؟








الجواب:


نعم؛ يؤثر ذلك فإنَّ ارتكاب الكبائر كالزنا وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق وأكل الربا والغيبة والنميمة وغير ذلك من المعاصي يؤثر في توحيد الله والإيمان به ويضعفه، ولكن لا يكفر المسلم بشيءٍ من ذلك ما لم يستحله؛ خلافًا للخوارج فإنهم يكفرون المسلم بفعل المعصية كالزنا والسرقة وعقوق الوالدين وغير ذلك من كبائر الذنوب ولو لم يستحلها، وهذا غلط عظيم من الخوارج، فأهل السنة والجماعة لا يكفرونه بذلك ولا يخلدونه في النار، ولكنهم يقولون: هو ناقص الإيمان والتوحيد، لكن لا يكفر كفرًا أكبر، بل يكون في إيمانه نقصٌ وضعفٌ.



ولهذا شرع الله في حق الزاني الحد بالجلد إذا كان بكرًا يجلد مائة جلدة ويُغرَّب عامًا، وهكذا شارب المسكر يجلد ولا يقتل، وهكذا السارق تقطع يده ولا يقتل. فلو كان الزنا وشرب المسكر والسرقة توجب الكفر الأكبر لقتلوا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»[1].



فدَّل ذلك على أن هذه المعاصي ليست رِدَّةً ولكنها تُضعف الإيمان وتنقصه؛ فلهذا شرع الله تأديبهم بهذه الحدود ليتوبوا ويرجعوا إلى ربهم ويرتدعوا عما حرم عليهم ربهم سبحانه.



وقالت المعتزلةُ: إن العاصي في منزلة بين منزلتين ولكنه يخلد في النار إذا مات عليها، فخالفوا أهل السنة ووافقوا الخوارج في ذلك، وكلتا الطائفتين قد ضلَّت عن السبيل. والصواب هو القول الأول، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو أنه يكون عاصيًا ضعيف الإيمان وعلى خطر عظيم من غضب الله وعقابه، ولكنه ليس بكافر الكفر الأكبر الذي هو الردة عن الإسلام، ولا يخلد في النار أيضًا خلود الكفار إذا مات على شيءٍ منها، بل يكون تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذَّبه على قدر المعاصي التي مات عليها ثم يخرجه من النار. ولا يخلد فيها أبد الآباد إلا الكفار، ثم بعد مضي ما حكم الله عليه من العذاب يخرجه الله من النار إلى الجنة. وهذا قول أهل الحق، وهذا هو الذي تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافًا للخوارج والمعتزلة؛ والله يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النِّسَاء: 48] فعلق سبحانه ما دون الشرك على مشيئته عز وجل.



أما من مات على الشرك الأكبر فإنَّه يخلد في النار، والجنة عليه حرام؛ لقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المَائدة: 72] وقال سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [التّوبَة: 17] والآيات في هذا المعنى كثيرة.



أما العاصي إذا دخل النار فيبقى فيها إلى ما يشاء الله، ولا يخلد خلود الكفار، ولكن قد تطول مدَّتُه. ويكون هذا خلودًا خاصًّا مؤقتًا ليس مثل خلود الكفار؛ كما قال - سبحانه في آية الفرقان لما ذكر المشرك والقاتل والزاني -: ﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفُرقان: 68، 69] فهو خلود مؤقت له نهاية. أما المشرك فخلوده دائم أبد الآباد؛ ولهذا قال عزّ وجل في حق المشركين في سورة البقرة: ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البَقَرَة: 167]، وقال سبحانه في سورة المائدة في حق الكفرة: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [المَائدة: 37].





المفتي: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - مجلة البحوث، عدد رقم (41)، ص 132 – 134





[1] البخاري (3017).








الساعة الآن : 08:52 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.12 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.14%)]