ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القصة والعبرة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=32)
-   -   وزلزل الندم قلبك (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=243704)

ابوالوليد المسلم 23-10-2020 09:46 PM

وزلزل الندم قلبك
 
وزلزل الندم قلبك


أ. سميرة بيطام






أفهم وأعي وأقدِّر، وأعطيك ألف حق حينما لا تريد أن تصحو على وقع رنة تليفون من صديق لك هجرك في لحظة تكبُّر، وإني أرى في الهاتف وصلة إزعاج لك في هذه اللحظة المفاجئة، أرتِّب نظرتي إلى غضبك وأنت تقف من مجلسك، وأحد الزوار أمام مكتبك من قال لك يومًا ما: لستَ الشخص المناسب لصُحبتي، وإني أرى في دقة بابك دبكةَ حربٍ على عقلك في أنك في فوضى لمشاعرك عن جدوى استقبالك لضيفك، فربما تعتذِر أو تغادر لتتركه وحده، فيومًا ما تركك وحدك دون سابق إنذار، وإني أستحي من دمعك وأنت تتلقى رسالة من أخ لك أو أخت من أبيك وأمك وأحدهما يطلب منك لتحضر حفل زفاف لأحدهم، وحالك الآن في المهجر حال مَن رحل عن الدنيا لكنه حيٌّ في أنه رحل زمنًا بعيدًا من جور المعشر وسوء الظرف لك حين هممتَ بأن تتفرَّد بعمل شريف يَليق بكيانك المفكر؛ لكن العائلة والجيران والمجتمع ضاقوا ذرعًا مِن تميُّزك، ولم يسَعْهم تَحملاً جمال مشيتك على الأرض التي يَمشون هم أيضًا فوقها، وإني أترقب منك تمزيق الرسالة دون إكمال باقي الأسطر؛ لأنك فهمت القصد من العنوان، فكان أن لا داعي منك أن تكمل باقي الخطاب المنمَّق.

أتأسَّف لكل ما أنت فيه، ولستُ أتأسَّف لمن قررت بشأنه هذا العزوف في الرد وفي الاستقبال، ولو أن منطقَ ردِّ الفعل عندي هو أن تُقابل الإساءة بالإحسان، لكنك في هذا الظرف من التذكُّر لست تقوى على شيء منك يبدو لهم صحيحًا بالنسبة لهم، فالكل يريدك أن تَنسى لتبدو وديعًا أمام طلباتهم ورغباتهم، ولكن زلة الماضي نقشَت جرحًا غائرًا في قلبك، وإني أصمت اللحظة أمام عمق هذا الجرح، و لو أني أتمنى إطلالة القمر لك في ليلة كالِحةٍ أمام عينيك الحريصتَين على أن تتخلَّص من عقد وهفوات من عرفت..

وإني أُقدِّر رد الفعل هذا بقول ابن المعتز:
وإني على إشفاق عيني من العِدا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لتجمَح مني نظرة ثم أُطرِقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كما حلِّئتْ عن برد ماء طريدة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تمدُّ إليها جيدها وهي تفرَقُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


أتابع ارتداد زلزال الندم وإلى أي مدى وصل انبعاثه في قلبك، لستُ أقصد الندم ندمك؛ وإنما ندم من أراد استرجاع ودِّك له ووفائك وإخلاصك، وبالأخصِّ طيبتك على النحو الذي كنت عليه في السابق، إليك الكلمة في أن تُفصِح عن إحساسك؛ لأني أتوق أن أستمع لذلك الشجون الذي يسكت رنة التعقيب على ما قلت، فكان أن تكلمت في اختصار للقول الذكي منك:
أقبلتَ يا برد بوجه أجرَدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يفعَل بالأوجُهِ فعل المِبرَدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أظلُّ في البيت كمثل المقعد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مُنقبضًا تحت الكساء الأسودِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لو قيل لي أنت أمير البلَدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهاتِ للبيعة كفًّا تُعقدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لكنتُ كالأقطع لم أُخرِج يَدي[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ربما كان لهم بعد جسِّ النبض فيك أن يودعوا ودائع الندم بعيدًا عنك؛ لأنك لستَ تقدر على أن تبدو أكثر ليونة، ربما ستحتاج إلى وقت حتى يتقلَّب قلبك، ولكن لي سؤال لستُ أظن أنه يَلقى الجوابَ: هل ستُطبِّق ما نصَّت عليه الشريعة في سلوكك معهم؟

إلى أن ألقى الجوابَ، أصارحك بصريح العبارة أني أحس بك كثيرًا حينما يُزلزل الندم منهم قلبك، هم ندموا وأرادوا استرجاع مَلاكٍ غاب عن الأنظار مغبَّة ريح مرسلة فجأة، وقد ضرب الزلزال قلبك حتى انفلت التوازن من تحت قدمَيك، لستُ أريد ارتدادًا آخرَ لموجات زلزال الندم، لكني أهديكَ هذَين البيتَين للسعدي؛ أملاً مني أن ترسل لي جواب سؤالي بداخل ظرف من ذهب مسجى لجميل الجواب منك، وقد يكون هذان البيتان جوابك، ولمَ لا؟!
أخٌ لي كأيام الحياة إخاؤه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تلوَّن ألوانًا عليَّ خطوبُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا عبتُ منه خصلةً فهجرتُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دعتْني إليه خصلة لا أعيبُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


إذًا، نصيحتي لك:
حاول مجاهدة نفسك فيما يُرضي الله، ولك كل الحق في أن تعود لهم على النحو الذي يُرضيك، فكل منَّا له كيل من التحمُّل، وإن زاد التحمُّل عن كيله فاض إلى غير محملِه، وخير المراتب في التُّقى أن تَعفو عمَّن ظلمك، والقرار الأخير يَبقى لك، وإني حدتُ عن إبداء الرأي؛ لأني تخيلتُ نفسي مكانك؛ لذلك انحنى قلمي عن الكتابة في توقف مني؛ لأني في لحظة مساءلة مع ذاتي، ولن يجيب عني قلمي حتى ألقى الجواب منك يا من كنتَ صاحب التجربة.



[1] الأقطع: المقطوع اليد، عن كتاب "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار"؛ من تأليف أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (467 - 538) هـ.




الساعة الآن : 12:10 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 10.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 10.82 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.86%)]