ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   القسم بالقرآن وعلى القرآن (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=250736)

ابوالوليد المسلم 13-01-2021 09:38 PM

القسم بالقرآن وعلى القرآن
 
القسم بالقرآن وعلى القرآن
د. محمود بن أحمد الدوسري





الحمد لله... من مظاهر عظمة القرآن العظيم أن الله تعالى أَقْسَمَ به وعليه، وقد جاء القَسَمُ بالقرآن وعليه على صفات ثلاث[1]:
الصِّفة الأولى: أقسم الله تعالى بالقرآن في ثلاث سور:
في قوله تعالى: ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [يس: 1-3].
وفي قوله تعالى: ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾ [ص: 1، 2].
وفي قوله تعالى: ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ [ق: 1].

الصِّفة الثانية: أن الله تعالى أقسم على القرآن في ثلاثة مواضع أيضاً، منها قوله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ [الطارق: 11-14].

وقد أقسم الله تعالى على القرآن في موضعين آخَرين: في [سورة الواقعة: 75-80]، وفي [سورة التكوير: 15-27].

الصِّفة الثالثة: أن الله تعالى أقسم بالقرآن وعلى القرآن في موضعين:
في قوله تعالى: ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الزخرف: 1-3] .
وفي قوله تعالى: ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ [الدخان: 1-3].

ومن المعلوم أن المُخاطَب، إن كان على الفطرة التي خُلِقَ عليها، تلقَّى الخَبَرَ بالقَبول والإذعان، فإذا ما اعتراها ما يشوبها، ويكدرها، كانت في حاجة إلى توضيح الخبر وبيانه حتى تُؤمن به وتنقاد له. فإذا أُصيبت بضعف فوق ضعف، فأنَّى لها أن تَسْمَعَ أخباراً أو تُبْصِرَ برهاناً بدون قسم وتأكيد.

والمُقْسِمُ إذا ما أراد تحقيقَ أمرٍ أو تأكيدَ خبرٍ نحو مخاطب مُنكِر أو صوب سامِعٍ مُعرِض، فإنما يُقسم بأمر عظيم - لأنَّ التَّعظيمَ مِنْ لوازم القَسَمِ - وذلك ليزول إنكار المنكِر، وليقبل المُعرِض[2].

واللهُ تبارك وتعالى أقسم - مرةً - على تحقيق إنزال الكتاب، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10] .

فهذا «كلام مستأنف مسوق لتحقيق حقيقة القرآن العظيم، الذي ذَكَر في صدر السُّورة الكريمة إعراضَ الناس عما يأتيهم من آياته واستهزاءهم به، وتسميتهم تارة سحراً، وتارة أضغاث أحلام، وأخرى مفترى وشعراً، ... قد صَدَرَ بالتوكيد القَسَمي لمزيد الاعتناء بمضمونه، وإيذاناً بكون المخاطبين في أقصى مراتب النَّكير؛ أي: واللهِ، لقد أنزلنا إليكم يا معشر قريش ﴿ كِتَابًا ﴾ عظيمَ الشأن نَيِّرَ البرهان»[3].

وأُخرى يُقْسِم - جلَّ شأنه - بكل ما في الوجود من صفات حميدة وآيات عجيبة على صدق القرآن وعظمته، وأنه أعلى من تسميتهم الكاذبة، وأسمى من افتراءاتهم الباطلة. فيقول تبارك وتعالى: ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحاقة: 38-43] .

و«قد جَمَعَ اللهُ في هذا القَسَم كل ما الشأن أن يُقسَم به من الأمور العظيمة؛ من صفات الله تعالى ومن مخلوقاته الدَّالة على عظيم قدرته إذ يجمع ذلك كله الصِّلَتان ﴿ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ ﴾، فَمِمَّا يُبصرون: الأرض والجبال والبحار والنفوس البشرية والسَّماوات والكواكب، وما لا يُبصرون: الأرواح والملائكة وأمور الآخرة»[4].

وثالثة يُقسِم عزّ وجل بالقرآن على أنه المعجز لكونه من لدنه، إذ لو كان من صُنع بشر لما عجزوا عن معارضته، لكونهم أرباب اللغة التي نزل بها، أو يُقْسم على صِدق محمد صلّى الله عليه وسلّم، في دعواه الرسالة. يقول تعالى: ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ﴾ [ق:1، 2].

ويقول - عَزَّ جاهه: ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾ [ص: 1، 2].
فقد أقسم الله تعالى بالقرآن قَسَمَ تنويه وتشريف. ووصفه بـ﴿ ذِي ﴾؛ لأن ﴿ ذِي ﴾ تضاف إلى الأشياء الرفيعة الشأن.

والمختار في جواب القَسَمِ وجهان:
أولهما: أن يكون محذوفاً دلَّ عليه حرف ﴿ ص ﴾، فإن المقصود منه التَّحدي بإعجاز القرآن وعجزهم عن معارضته بأنه كلام بِلُغَتِهم ومُؤَلَّفٌ من حروفها، فكيف عجزوا عن معارضته؟! فالتَّقدير: والقرآنِ ذي الذِّكر إنه لِمَنْ عند الله، لهذا عجزتم عن الإتيان بمثله.

وثانيهما: أن الجواب محذوف - أيضاً - دلَّ عليه الإِضراب الذي في قوله: ﴿ بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾ [ص: 2]؛ أي: يجحدون أنه ذِكْرٌ ويقولون: سِحْرٌ مفترًى وهم يعلمون أنه حق[5].

ولا ريبَ أنَّ القَسَم بالقرآن وعليه، فيه تنويهٌ بشأنه، وإبرازٌ لعظمته وشرفه، ومنزلته الرَّفيعة عند الله تعالى.


[1] انظر: عظمة القرآن الكريم، أ. د. محمود بن أحمد الدوسري (ص80)

[2] انظر: عناية الله وعناية رسوله بالقرآن الكريم أ. د. أبو سريع محمد (ص1-3).

[3] تفسير أبي السعود (6/ 58).

[4] التحرير والتنوير (29/ 130).

[5] انظر: التحرير والتنوير (23/ 108).






الساعة الآن : 03:35 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 12.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.47 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.75%)]