ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   أليس الله بأحكم الحاكمين (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241347)

ابوالوليد المسلم 26-09-2020 02:31 AM

أليس الله بأحكم الحاكمين
 
أليس الله بأحكم الحاكمين
محمد عبدالرحمن صادق






﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [التين: 8]












قال تعالى: ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾‏ [التين 7 - 8].



الحكمة هبة ربانية يمنحها الله تعالى لمن ارتضى من عباده - نبياً كان أو غير نبي - ومفادها هو وضع الشيء - قولاً كان أو فِعلاً - في موضعه المناسب، في وقته المناسب، بأسلوب مناسب يضمن تحقيق النتيجة المناسبة المرجوة منه. ولكي يصل الإنسان إلى هذه الحكمة فهو يحتاج إلى جُهد ومُجاهدة، وصبر ومصابرة في علاقته بربه سبحانه وتعالى لأنها مُنتهى ما يصل إليه العبد فمتى وصل إليها فقد أصابه الخير بل الخير الكثير. قال تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].







ومتى أوتي الإنسان الحكمة فاضت على كل تصرفاته وأفعاله فما تجده إلا عبداً تقياً ورعاً لله ذاكراً وله سبحانه على نعمه شاكراً ولعباده نافعاً من كل أوجه النفع التي تقربهم من الله تعالى فيجلس الخلق بين يديه لينهلوا من علمه وحكمته فتراهم له موقرين ولقدره هيابين.







عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: " سمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: لا حسدَ إلا في اثنتينِ: رجلٍ آتاه اللهُ مالًا، فسلَّطه على هلكتِه في الحقِّ، ورجلٍ آتاه اللهُ حكمةً، فهو يقضي بها ويعلِّمُها " (رواه البخاري).







أولاً: معنى اسم الله تعالى الحكيم: الحكيم (جل جلاله) إسم من أسماء الله تعالى الحسنى لا ينبغي لغيره سبحانه أن يُسمى به ولا يُكنى، وهو: " المتصف بكمال الحكمة في الأقوال والأفعال والأحكام والخلق والأمر سبحانه، فلا يقول ولا يفعل إلا الحق والصواب الذي لا يدخل في تدبيره وخلقه خلل، ولا زلل ولا نقص ولا عيب ".







الحكيم (جل جلاله) أيضاً: هو الذي يحكم بين عباده بما أراد، يحكم بينهم بالحكم الكوني وهو واقع فلا راد لحكمه، وله الحكم الشرعي التكليفي الذي هو صالح لكل زمان ومكان.







عن هانئ بن يزيد بن نهيك أبو شريح رضي الله عنه قال: " لما وفَدَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سمعهُ وهم يكنُّونَ هانئًا أبا الحكمِ، فدعاهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال لهُ: إنَّ اللهَ هو الحكَمُ وإليهِ الحُكمُ، فلمِ تُكنىَّ أبا الحكمِ. فقال: إنَّ قومي إذا اختلفُوا في شيءٍ أتَوْني فحكمتُ بينهُم، فرضِيَ كلا الفريقَيْنِ. قال: ما أحسنَ هذا! فما لك من الولدِ؟ قال: لي شُريحٌ، وعبدُ اللهِ، ومسلمٌ. قال: فمنْ أكبرُهم؟. قال: شُريح قال: فأنت أبو شُريحٍ فدعا له ولولدِهِ " (رواه النسائي).







قال ابن القيم - رحمه الله - وهو يتحدث عن الحكمة في كتاب " مدارج السالكين " قال: " وله سبحانه الحكمة البالغة في كل ما قدره وقضاه من خير وشر، وطاعة ومعصية، وحكمة بالغة تعجز العقول عن الإحاطة بكنهها، وتكل الألسن عن التعبير عنها ".







ثانياً: التكامل بين اسم الله تعالى (الحكيم) وصفته سبحانه (حكيم) وبين بعض أسمائه وصفاته تعالى الأخرى في القرآن الكريم: إن اسم الله تعالى (الحكيم) وصفة (حكيم) لم يردا في القرآن الكريم منفردين فلقد لازم الاسم اسماً آخر ولازمت الصفة صفة أخرى.







مثل قوله تعالى: [﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ - ﴿ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ - ﴿ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ - ﴿ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ - ﴿ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ -﴿ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ - ﴿ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ - ﴿ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ - ﴿ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ - ﴿ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾].







ومن الملاحظ اختلاف الأسماء والصفات من حيث التعريف والتنكير ومن حيث التقديم والتأخير ومن حيث التنوع يكون بما يتوافق مع الموقف الذي تذكر فيه الآية. (والله أعلى وأعلم).







1- من أسمائه سبحانه وتعالى أنه (العزيز الحكيم):قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (29 مرة).







ومن صفاته سبحانه وتعالى أنه عزيز حكيم: قال تعالى: ﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 209].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (13 مرة).







العزيز (جل جلاله): " هو المنيع فلا يرام جنابه، ولا يناله سوء، وهو الغالب الذي لا يغلب، والقاهر الذي لا يقهر، وهو عديم النظير والشبيه، الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء متى شاء ".







2- من أسمائه سبحانه وتعالى أنه (الحكيم العليم - العليم الحكيم): قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 84].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (مرتان).







قال تعالى: ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (4 مرات).







ومن صفاته سبحانه وتعالى أنه عليماً حكيماً: قال تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (10 مرات).







العليم (جل جلاله): " هو العالم بما كان وما يكون قبل كونه، وبما سيكون، ولما يكن بعد قبل أن يكون، يعلم ما في السموات السبع، وما في الأرض، وما بينهما وما تحت الثرى ".







3- من أسمائه سبحانه وتعالى أنه (الحكيم الخبير): قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾[الأنعام: 18].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (3 مرات).







الخبير (جل جلاله): "هو الذي أحاط علمه ببواطن الأمور ودقائقها، كما أحاط بظواهرها، المعقولة منها والمحسوسة، فلا تعذب عنه الأخبار الباطنة، فلا تتحرك ذرة ولا تسكن إلا بعلمه تعالى".







4 - من صفاته سبحانه وتعالى أنه (واسعاً حكيماً):قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (مرة واحدة).







الواسع (جل جلاله): " هو الواسع الصفات والنعوت بحيث لا يحصي أحداً ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، فهو واسع العلم، واسع الرحمة، واسع العظمة، إلى ما لا نهاية في السعة والكمال ".







5- من صفاته سبحانه وتعالى أنه (تواب حكيم):قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 10].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (مرة واحدة).







التواب (جل جلاله): "هو الكثير التوبة على من يتوب وينيب من عباده، على طول الزمان، فمهما تكرر الذنب وتاب منه العبد، فإن الله تعالى يتوب عليه".







6 - من صفاته سبحانه وتعالى أنه (حكيم حميد):قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (مرة واحدة).







الحميد (جل جلاله): "هو المحمود في شرعه وأمره ونهيه، وهو المحمود في كل المخلوقات بلسان الحال والمقال في كل الأحوال".







7 - من صفاته سبحانه وتعالى أنه (علي حكيم):قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51].



وقد ذكرت في القرآن الكريم (مرتان).







العلي (جل جلاله) المقصود به علوه سبحانه وتعالى من كل الوجوه على الإطلاق:



علو الذات: فهو العلي بذاته فوق جميع مخلوقاته، فهو سبحانه على وارتفع واستوى على عرشه.



علو القدر والصفات فلا أعلى منها ولا مثيل لها.



علو القهر والغلبة فهو القاهر الذي لا يُقهر، والغالب الذي لا يُغلب.



علوه سبحانه من كل النقائص والآفات والعيوب.







بعد هذا الذكر المُوجز لاسم الله تعالى (الحكيم) وصفته تعالى (حكيم) واقترانهما بأسماء وصفات أخرى نرى وكأن هذه إشارة من الله تعالى بأن العبد الذي يؤتيه الله تعالى (الحكمة) لابد وأن يتحلى بصفات أخرى تؤهله لكي يؤتيه الله تعالى هذه الحكمة فتكون راسخة في وجدانه متأصلة في نفسه. (والله أعلى وأعلم).







ثالثاً: من وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم بالحكمة أو أوصاهم باتباع الحكمة:



لقد ورد في القرآن الكريم وصف بعض الأنبياء بالحكمة.



كما ورد أن الحكمة ليست قاصرة على الأنبياء بل هناك من العباد من جعل الله تعالى لهم نصيباً منها.



وكذلك وصف الله تعالى كتابه بأنه (حكيم).



كما بيَّن الله تعالى بأن تدبيره لكل شئون عباده يكون بحكمة.



وكذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالتحلي بالحكمة في دعوتهم للغير وفي جدالهم لهم وفي كل شئونهم.



وأوصى الله تعالى أهل بيت النبوة باتباع ما يشهدونه في بيوتهم من الحكمة فلقد ميزهم الله تعالى بذلك عن غيرهم.







1- وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة: قال تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].







قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].







قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].







2- وصف نبي الله إبراهيم عليه السلام ومن آمن من ذريته بالحكمة:قال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54].







3 - وصف نبي الله داوود عليه السلام بالحكمة:قال تعالى: ﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251].







قال تعالى: ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ [ص: 17 - 20].







4- وصف نبي الله عيسى عليه السلام بالحكمة:قال تعالى: ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾ [آل عمران: 47، 48].







قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 110].







قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الزخرف: 63].







5 - وصف لقمان عليه السلام بالحكمة: والمشهور عند الجمهورأنه كان حكيماً ولياً ولم يكن نبياً، وقد ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم وأثنى عليه وحكى من كلامه. وقيل أنه قد عاصر نبي الله داود عليه السلام وعُرف بالحكيم، ولد وعاش في بلاد النوبة.







قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12].







6- يمتن الله تعالى على بعض عباده ويؤتيهم الحكمة: قال تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].







7- وصف الله تعالى (القرآن الكريم) بأنه حكيم:قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 58].







قال تعالى: ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ [يونس: 1].



قال تعالى: ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ [يس: 1، 2].



قال تعالى: ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 5].



يتبع



ابوالوليد المسلم 26-09-2020 02:32 AM

رد: أليس الله بأحكم الحاكمين
 


8- ومما وصف أيضاً بالحكمة هو قضاء الله وقدره في أهل الدنيا من أرزاق وآجال وأحداث: قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 3، 4].







9 - أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين باتباع الحكمة في دعوتهم للغير وجدالهم لهم وفي كل شئونهم: قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].







10 - أمر الله تعالى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين - بصفة خاصة - وأهل بيت النبوة - بصفة عامة - أن يكونوا أول من يستفيد وأول من يدعوا لما يشهدونه من الحكمة في بيوتهم: قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 34].







رابعاً: بعض المواقف النبوية التي تدل على حكمته صلى الله عليه وسلم:



1 - موقف النبي صلى الله عليه وسلم للفصل في نزاع القبائل فيما بينها لنيل شرف رفع الحجر الأسود إلى موضعه: جاء في "عمدة التفاسير" للشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "... بعد أن فرغت القبائل من بناء الكعبة حتى بلغ البنيان موضع الركن - يعني الحجر الأسود - فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتخالفوا، وأعدوا للقتال. فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسمعوا: لعقة الدم. فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا. ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا. فزعم بعض أهل الرواية: أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم - وكان عامئذ أسن قريش كلهم - قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم فيه. ففعلوا، فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه، قال صلى الله عليه وسلم: هلم إلي ثوبا. فأتي به، فأخذ الركن -يعني الحجر الأسود - فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم: ارفعوه جميعا. ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم، ثم بنى عليه. وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي: الأمين. وكانت الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعا، وكانت تكسى القباطي، ثم كسيت بعد البرود، وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف ".







2- موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد:عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " بينما نحن في المسجدِ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذ جاء أعرابيٌّ. فقام يبولُ في المسجدِ. فقال أصحابُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: مَهْ مَهْ. قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لا تُزْرِمُوه. دَعُوهُ فتركوه حتى بال. ثم إن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دعاه فقال له إن هذه المساجدَ لا تَصْلُحُ لشيءٍ من هذا البولِ ولا القَذَرِ. إنما هي لِذِكرِ اللهِ عز وجل، والصلاةِ، وقِراءةِ القرآنِ، أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. قال فأمر رجلًا من القومِ، فجاء بدَلْوٍ من ماءٍ، فشَنَّهُ عليه "(رواه مسلم) لا تُزْرِمُوه: أي لا تقطعوا عليه بوله - لا تضيقوا عليه.







عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " دخل أعرابيٌّ المسجدَ ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ فقال اللهم اغفر لي ولمحمدٍ ولا تغفر لأحدٍ معنا فضَحِك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وقال لقد احتظرتَ واسعًا ثم ولَّى حتى إذا كان في ناحيةِ المسجدِ فشجَ يبولُ فقال الأعرابيُّ بعد أن فَقِه: فقام إليَّ بأبي وأمي فلم يؤنِّبْ، ولم يَسُبَّ. فقال: إن هذا المسجدَ لا يُبالُ فيه؛ وإنما بُني لذكرِ اللهِ وللصلاةِ. ثم أمر بسَجْلٍ من ماءٍ فأُفرِغَ على بولِه " (رواه ابن ماجه).



احتظرتَ واسعًا: حظَّر الأمرَ شدَّد في منعه.







3- موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي جاءه ليأذن له في الزنا:عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: "إنَّ فتًى شابًّا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ ائذنْ لي بالزِّنا فأقبل القومُ عليه فزجَروه وقالوا: مَهْ مَهْ فقال: ادنُهْ فدنا منه قريبًا قال: فجلس قال: أَتُحبُّه لِأُمِّكَ؟ قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لأُمهاتِهم قال: أفتُحبُّه لابنتِك قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لبناتِهم قال: أفتُحبُّه لأُختِك قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لأَخَواتِهم قال: أَفتُحبُّه لعمَّتِك قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَكَ قال: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لعمَّاتِهم قال: أفتُحبُّه لخالتِك قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَكَ قال: ولا النَّاسُ يحبونَه لخالاتِهم قال: فوضع يدَه عليه وقال: اللهمَّ اغفرْ ذنبَه وطهِّرْ قلبَه وحصِّنْ فرْجَهُ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ" صححه الألباني.







4- موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهودي زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود:عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لما أرادَ هُدَى زيدِ بنِ سَعْنَةَ قال زيدُ بنُ سعنةَ ما مِنْ علاماتِ النبوةِ شيءٌ إلا وقد عرفتُها في وجهِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ نظرتُ إليه إلا اثنتينِ لم أُخْبَرْهُما منه (يَسْبِقُ حلمُهُ جهلَهُ ولا تَزيدُهُ شدَّةُ الجهلِ عليه إلا حِلْمًا) قال زيدُ بنُ سعْنَةَ فخرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا منَ الحُجُراتِ ومعه علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضِيَ اللهُ عنه فأتاه رجُلٌ على راحلَةٍ كالْبَدَوِيِّ فقال يا رسولَ اللهِ لي نَفَرٌ في قرْيَةِ بني فلانٍ قَدْ أسلَمُوا ودخَلُوا في الإسلامِ وكنْتُ حدَّثْتُهم إنْ أسلَموا أتاهم الرزقُ رغَدًا وقَدْ أصابَتْهُم سنَةٌ وشدَّةٌ وقحْطٌ منَ الغيثِ فأنا أخْشَى يا رسولَ اللهِ أنْ يخرجوا من الإسلامِ طمعًا كما دخلوا فيه طمَعًا فإنْ رأيْتَ أن تُرْسِلَ إليهم بشيءٍ تُغْيثُهم به فعلْتَ فنظَرَ إلى رجلٍ إلى جانبِهِ أُرَاهُ عليًّا فقال يا رسولَ اللهِ ما بقِيَ منه شيءٌ قال زيدُ بنُ سَعْنَةَ فدنوتُ إليه فقلْتُ يا محمدُ هل لَّكَ أنْ تَبيعَنِي تَمْرًا معلومًا في حائِطِ بني فلانٍ إلى أجَلٍ معلومٍ إلى أجلِ كذا وكذا قال لَا لَا تُسَمِّي حائِطَ بني فلانٍ قلْتُ نعم فبايِعْنِي فأطلقْتُ هِمْياني فأعطيتُهُ ثمانينَ مثقالًا من ذهبٍ في تمرٍ معلومٍ إلى أجلِ كذا وكذا فأعطا الرجلَ وقال اعدلْ عليْهِم وأغِثْهُمْ بها قال زيدُ بنُ سَعْنَةُ فلما كان قبلَ محِلِّ الأجَلِ بيومينِ أو ثلاثٍ خرجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومعَهُ أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ في نفَرٍ من أصحابِهِ فلما صلَّى على الجنازةِ ودنا إلى الجدارِ لِيَجْلِسَ إليه أتيتُهُ فأخذْتُ بمجامِعِ قميصِهِ وردائِهِ ونظرْتُ إليه بوجْهِ غليظٍ قلْتُ له يا محمدُ ألَا تَقْضِيني حقِّي فواللهِ ما علمتُم بني عبدِ المطلبِ لمُطْلًا ولقدْ كان بمخالَطَتِكُمْ علمٌ ونظرْتُ إلى عمرَ وعيناه تدورانِ في وجهِهِ كالفلَكِ المستديرِ ثم رماني ببصرِهِ فقال يا عدوَّ اللهِ أتقولُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أسمَعُ وتصنَعُ به ما أرى فوالذِي نفْسِي بيدِهِ لولا ما أُحاذِرُ فَوْتَهُ لضربْتُ بسيفِي رأسَكَ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينظرُ إليَّ في سكونٍ وتُؤَدَةٍ فقال يا عمَرُ أنا وهو كنَّا أحوجَ إلى غيرِ هذا أنْ تَأْمُرَنِي بحُسْنِ الأداءِ وتأمرَهُ بحُسْنِ اتِّباعِهِ اذهَب بِه يا عمرُ فأعْطِهِ حقَّهُ وزِدْهُ عشرينَ صاعًا من تمْرٍ مكان ما رُعْتَهُ قال زيدٌ فذهَبَ بي عمرُ فأعطاني حقِّي وزادَنِي عشرينَ صاعًا مِنْ تمرٍ فقلْتُ ما هذه الزيادَةُ يا عمَرُ قال أمرَنِي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ أزيدَكَ مكانَ ما رُعْتُكَ قال وتعرِفُنِي يا عمرُ قال لَا قلْتُ أنا زيدُ بنُ سَعْنَةِ قال الحبرُ قلْتُ الحبرُ قال فما دعاكَ إلى أنْ فعَلْتَ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما فعلْتَ وقلْتَ له ما قلتَ قلتُ يا عمرُ لم يكن من علاماتِ النبوةِ شيءٌ إلَّا وقدْ عرفتُ في وجْهِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ نظرتُ إليه إلا اثنتَيْنِ لم أخُبَرْهُما منه (يَسْبِقُ حلْمُهُ جهلَهُ ولَا تزيدُهُ شدَّةُ الجَهْلِ عليهِ إلَّا حلمًا) وقدْ اختبرتُهما فأُشْهِدُكَ يا عمرُ أني قَدْ رضيتُ باللهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمدٍ نبيًّا وأشهدُكَ أنَّ شطْرَ مالِي فإني أكثَرُها مالًا صدَقَةً على أمةِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عمرُ أوْ علَى بعضِهِم فإنَّكَ لَا تسَعُهم قُلْتُ أو عَلى بعضِهِم فرجعَ عمرُ وزيدُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال زيدٌ أشهَدُ أنْ لَّا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ وآمَنَ بَهِ وصدَّقَهُ وبايَعَهُ وشهِدَ معه مشاهِدَ كثيرةً ثم تُوُفِّيَ في غزْوَةِ تَبَوكَ مُقْبِلًا غيرَ مدبرٍ رَحِمَ اللهُ زيدًا" (رواه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رجاله ثقات).



الهِمْيَانُ: كيسٌ للنَّفقة يُشَدُّ في الوسط.







خامساً: حكمة لقمان عليه السلام: قال ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية: هو لقمان بن عنقاء بن سدون، ويقال: لقمان بن ثاران... وكان نوبياً من أهل الصلاح، ذا عبادة وعبارة وحكمة عظيمة، ويقال: كان قاضياً في زمن داود عليه السلام فالله أعلم. وعن عكرمة عن ابن عباس أنه كان عبداً حبشياً نجاراً من سودان مصر. والمشهور عن الجمهور: أنه كان حكيماً ولياً ولم يكن نبياً، وقد ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم وأثنى عليه وحكى من كلامه.







وجاء في البداية والنهاية أيضاً: وأول ما ظهر من حكمته: أنه كان مع سيده، فدخل سيده الخلاء فأطال الجلوس، فناداه لقمان: إن طول الجلوس على الحاجة تنجع منه الكبد، ويورث الباسور، ويصعد الحرارة إلى الرأس، فاقعد هوينا وقم. فخرج سيده وكتب حكمته على باب الخلاء.







وقيل: كان سيده يقامر، وكان على بابه نهر جار، فلعب يوما بالنرد على أن من قمر صاحبه شرب الماء الذي في النهر كله أو افتدى منه! فقمر سيد لقمان، فقال له القامر: اشرب ما في النهر وإلا فافتد منه! قال: فسلني الفداء؟ قال: عينيك افقأهما أو جميع ما تملك؟ قال: أمهلني يومي هذا. قال: لك ذلك. فأمسى كئيبا حزينا، إذ جاءه لقمان وقد حمل حزمة حطب على ظهره فسلم على سيده ثم وضع ما معه ورجع إلى سيده، وكان سيده إذا رآه عبث به فيسمع منه الكلمة الحكيمة فيعجب منه، فلما جلس إليه قال لسيده: ما لي أراك كئيبا حزينا؟ فأعرض عنه فقال له الثانية مثل ذلك، فأعرض عنه ثم قال له الثالثة مثل ذلك فأعرض عنه، فقال له: أخبرني فلعل لك عندي فرجا؟ فقص عليه القصة، فقال له لقمان: لا تغتم فإن لك عندي فرجا، قال: وما هو؟ قال: إذا أتاك الرجل فقال لك اشرب ما في النهر، فقل له أشرب ما بين ضفتي النهر أو المد؟ فإنه سيقول لك اشرب ما بين الضفتين، فإذا قال لك ذلك فقل له احبس عني المد حتى أشرب ما بين الضفتين، فإنه لا يستطيع أن يحبس عنك المد، وتكون قد خرجت مما ضمنت له. فعرف سيده أنه قد صدق فطابت نفسه، فأعتقه.







روى ابن جرير حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا أبي، عن أبي الأشهب، عن خالد الرَّبَعِيّ قال: كان لقمان عبدًا حبشياً نجاراً، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة. فذبحها، فقال: أخْرجْ أطيب مُضغتين فيها. فأخرج اللسان والقلب، فمكث ما شاء الله ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة. فذبحها، فقال: أخرج أخبث مضغتين فيها. فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مُضغتين فيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مُضغتين فيها فأخرجتهما. فقال لقمان: إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خَبُثا.







سادساً: بعض مواقف الحكمة من حياة الصحابة والتابعين:



1- حكمة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ، والنامصاتِ والمتنمصاتِ، والمتفلجاتِ للحسنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ ". قال: فبلغ ذلك امرأةً من بني أسدٍ. يقال لها: أم يعقوبَ. وكانت تقرأُ القرآنَ. فأتتْه فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك؛ أنك لعنتَ الواشماتِ والمستوشماتِ والمتنمصاتِ والمتفلجاتِ للحُسْنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ. فقال عبدُاللهِ: وما لي لا ألعنُ من لعن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ وهو في كتابِ اللهِ. فقالت المرأةُ: لقد قرأتُ ما بين لوحي المصحفِ فما وجدتُه فقال: لئن كنتِ قرأتيهِ لقد وجدتيهِ. قال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]. فقالت المرأةُ: فإني أرى شيئًا من هذا على امرأتكَ الآن. قال: اذهبي فانظري. قال فدخلت على امرأةِ عبدِاللهِ فلم ترَ شيئًا. فجاءت إليه فقالت: ما رأيتُ شيئًا. فقال: أما لو كان ذلك، لم نُجامعها ". وفي روايةٍ: " الواشماتِ والمستوشماتِ ". وفي روايةٍ: " الواشماتِ والموشوماتِ " (رواه مسلم).







2- حكمة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية:جاء في حديث صلح الحديبية الطويل الذي روله البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما: ".... فلما فَرَغَ مِن قضيةِ الكتابِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: قوموا فانحَرُوا ثم احْلِقُوا. قال: فواللهِ، ما قام منهم رجلٌ حتى قال ذلك ثلاثَ مراتٍ، فلما لم يَقُمْ منهم أحدٌ دخَلَ على أمِّ سَلَمَةَ، فذَكَرَ لها ما لَقِيَ مِن الناسِ، فقالت أمُّ سَلَمَةَ: يانبيَّ اللهِ، أَتَحُبُّ ذلك، اخرُجْ لا تُكَلِّمْ أحدًا منهم كلمةً، حتى تَنْحَرَ بُدْنَك، وتَدْعُوَ حالقَك فيَحْلِقَكَ. فخَرَجَ فلم يُكَلِّمْ أحدًا منهم حتى فعَلَ ذلك، نحَرَ بُدْنَه، ودعا حالقَه فحَلَقَه، فلما رأَوْا ذلك قاموا فنَحَرُوا وجعَلَ بعضُهم يَحْلِقُ بعضًا، حتى كاد بعضُهم يُقْتَلُ غمًّا... " (رواه البخاري).







3- حكمة امرأة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:ركِب عمرُ بنُ الخطَّابِ منبرَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمَّ قال: أيُّها النَّاسُ ما إكثارُكم في صُدُقِ النِّساءِ وقد كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، وإنَّما الصَّدقاتُ فيما بينهم أربعُمائةِ درهمٍ، فما دون ذلك، ولو كان الإكثارُ في ذلك تقوًى عندَ اللهِ أو مكرُمةً لم تسبقوهم إليها فلا أعرفنَّ، وما زاد رجلٌ في صداقِ امرأةٍ على أربعِمائةِ درهمٍ، قال: ثمَّ نزل فاعترضته امرأةٌ من قريشٍ، فقالت له: يا أميرَ المؤمنين، نهيتَ أن يزيدوا النِّساءَ في صدُقاتِهنَّ على أربعِمائةِ درهمٍ؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعتَ ما أنزل اللهُ في القرآنٍ؟ قال: وأيُّ ذلك؟ فقالت: أما سمعتَ اللهَ يقولُ ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [النساء: 20] قال: فقال: اللَّهمَّ غفرانَك، كلُّ النَّاسِ أفقهُ من عمرَ، قال: ثمَّ رجع فركِب المنبرَ، فقال: أيُّها النَّاسُ إنِّي كنتُ نهيتُكم أن تزيدوا النِّساءَ في صدُقَاتِهنَّ على أربعِمائةِ درهمٍ، فمن شاء أن يُعطيَ من مالِه ما أحبَّ " (رواه ابن كثير في مسند الفاروق وقال إسناده جيد حسن).







4- حكمة الإمام علي رضي الله عنه:عن بعجةَ بنِ عبدِ اللهِ الجهنيِّ، قال: تزوجَ رجلٌ منا امرأةً من جُهينةٍ، فولدَتْ لتمامِ ستةِ أشهرٍ، فانطلقَ زوجُها إلى عثمانَ رضي اللهُ عنه، فذكرَ له ذلك، فبعثَ إليها، فأُتِيَ بها، فرأتْها أختُها وهي تلبسُ ثيابَها فبكَتْ، فقالَتْ: ما يبكيكِ؟ فواللهِ ما التبسَ بي أحدٌ منَ الخلقِ غيرُهُ، فيفعلُ اللهُ فيَّ ما شاءَ أن يفعلَ، فأمرَ بها عثمانُ أن ترجمَ، فأتاهُ عليٌّ رضي اللهُ عنه فسألَهُ عن ذلك، فقال: إنَّها ولدَتْ لستةِ أشهرٍ تمامًا، وهل يكونُ ذلك؟ فقال: أما تقرأُ القرآنَ؟ قال: بلى، قال: أما سمعْتَ اللهَ يقولُ: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15] وقال: ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14] وقال ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: 233] فلم نجدْ إلا بقيَ ستةُ أشهرٍ، فقال عثمانُ: واللهِ ما فطِنْتُ لهذا، فأمرَ بردِّها، فوجدوها قد فرغَ منها. قال: فنظرَ الرجلُ إلى الولدِ فإذا هو أشبهُ به منَ الغرابِ بالغرابِ ومنَ البيضةِ بالبيضةِ، فقال: ابني واللهِ، قال: فابتلاهُ اللهُ بالقرحةِ قرحةِ الأكلةِ فأكلَتْهُ حتى ماتَ. (رواه ابن حجر العسقلاني وقال موقوف صحيح).

يتبع


ابوالوليد المسلم 26-09-2020 02:33 AM

رد: أليس الله بأحكم الحاكمين
 





5- حكمة الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ذات ليلة خرج الخليفةُ عمر بن عبدالعزيز؛ ليتفقَّد أحوال رَعِيَّته، وكان في صحبته شرطيٌّ، فدخلا مسجدًا، وكان المسجد مُظلمًا، فتعثَّر عمر برَجُلٍ نائم، فرفع الرجل رأسه وقال له: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا، وأراد الشرطيُّ أن يضربَ الرجل، فقال له عمر: لا تفعل، إنما سألني: أمجنون أنت؟ فقلت له: لا.







جاء في " العقد الفريد " لابن عبد ربه رحمه الله: " قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه: يا أبت، مالك لا تنفذ الأمور؟ فو الله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق! قال له عمر: لا تعجل يا بنيّ؛ فإنّ الله ذمّ الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعونه جملة ويكون من ذلك فتنة ".







6- حكمة الشعبي مع ملك الروم:جاء في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان رحمه الله: كان الشعبي، نديم الخليفة عبد الملك بن مروان، كوفيا تابعيا جليل القدر، وافر العلم.‏ ‏ حكى الشعبيّ قال: ‏ ‏ أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم. فلما وصلتُ إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته. وكانت الرسل لا تُطيل الإقامة عنده، غير أنه استبقاني أياماً كثيرة، حتى استحثثتُ خروجي. فلما أردت الانصراف قال لي:‏ من أهل بيت الخليفة أنت؟‏ ‏ قلت: لا، ولكني رجل من عامة العرب.‏ ‏ فهمس لأصحابه بشيء، فدُفعتْ إليّ رقعة، وقال لي:‏ إذا أدّيتَ الرسائل إلى الخليفة فأوصلْ إليه هذه الرقعة.‏ ‏ فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة. فلما خرجت من قصره تذكّرتها، فرجعتُ فأوصلتُها إليه. فلما قرأها قال لي:‏ ‏ أقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك؟‏ ‏ قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت الخليفة أنت؟ قلت لا، ولكني رجل من عامة العرب.‏ ‏ ثم خرجت من عند عبد الملك، فلما بلغتُ الباب ردّني، فلما مثلت بين يديه قال لي: أتدري ما في الرقعة؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: اقرأها.‏ ‏ فقرأتها، فإذا فيها:‏ "عجبتُ من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيرَه!"‏ ‏ فقلت له:‏ والله لو علمتُ ما فيها ما حَمَلتُها، وإنما قال هذا لأنه لم يَرَك.‏ ‏ قال عبد الملك: ‏ ‏ أفتدري لم كتبها؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: حسدني عليك، وأراد أن يُغريني بقتلك.‏ ‏ فلما بلغت القصة مسامع ملك الروم قال:‏ ‏ ما أردت إلا ما قال!.







7- حكمة وذكاء إياس بن معاوية: جاء في كتاب " الطرق الحكمية في السياسة الشرعية " للإمام بن القيم رحمه الله: " قال نعيم بن حماد عن ابراهيم بن مرزوق البصري كنا عند إياس بن معاوية قبل أن يستقضى وكنا نكتب عنه الفراسة كما نكتب عن المحدث الحديث إذ جاء رجل فجلس على دكان مرتفع بالمربد فجعل يترصد الطريق، فبينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلاً فنظر في وجهه ثم رجع إلى موضعه فقال إياس: قولوا في هذا الرجل. قالوا: ما نقول؟ رجل طالب حاجة. فقال: (هو مُعلم صبيان قد أبق له غلام أعور). فقام إليه بعضنا فسأله عن حاجته فقال: (هو غلام لي آبق). قالوا: وما صفته؟ قال: كذا وكذا (وإحدى عينيه ذاهبة). قلنا: وما صنعتك؟ قال: (أعلم الصبيان). قلنا لإياس كيف علمت ذلك؟ قال: رأيته جاء فجعل يطلب موضعا يجلس فيه فنظر إلى أرفع شيء يقدر عليه فجلس عليه، فنظرت في قدره فإذا ليس قدره قدر الملوك، فنظرت فيمن اعتاد في جلوسه جلوس الملوك فلم أجدهم إلا المعلمين فعلمت أنه معلم صبيان. فقلنا: كيف علمت أنه أبق له غلام؟ قال: إني رأيته يترصد الطريق ينظر في وجوه الناس. قلنا: كيف علمت أنه أعور؟ قال: بينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلا قد ذهبت إحدى عينيه فعلمت أنه شبهه بغلامه.







وقال الحارث بن مرة: " نظر إياس بن معاوية إلى رجل فقال: (هذا غريب، وهو من أهل واسط، وهو مُعلم، وهو يطلب عبدا له أبق. فوجدوا الأمر كما قال فسألوه فقال: (رأيته يمشي ويلتفت فلعمت أنه غريب، ورأيته وعلى ثوبه حمرة تربة واسط فعلمت أنه من أهلها، ورأيته يمر بالصبيان فيسلم عليهم ولا يسلم على الرجال فعلمت أنه معلم، ورأيته إذا مر بذي هيئة لم يلتفت إليه وإذا مر بذي أسمال تأمله فعلمت أنه يطلب آبقا).







8- حكمة وذكاء امرأة مع أحد الملوك: جاء في كتاب " ثمرات الأوراق " لابن حجه الحموي رحمه الله: " حُكِي أن بعض الملوك طلع يوماً إلى أعلى قصره يتفرج فلاحت منه التفاتة فرأى امرأة على سطح دار إلى جانب قصره لم ير الراءون أحسن منها فالتفت إلى بعض جواريه فقال لها لمن هذه فقالت يا مولاي هذه زوجة غلامك فيروز قال فنزل الملك وقد خامره حبها وشغف بها فاستدعى بفيروز وقال له خذ هذا الكتاب وأمض به إلى البلد الفلانية وائتني بالجواب فأخذ فيروز الكتاب وتوجه إلى منزله فوضع الكتاب تحت رأسه فلما أصبح ودع أهله وسار طالباً لحاجة الملك ولم يعلم بما قد دبره الملك ثم إنّه لما توجه فيروز قام الملك مسرعاً وتوجه مختفياً إلى دار فيروز فقرع الباب قرعاً خفيفاً فقالت امرأة فيروز من بالباب قال أنا الملك سيد زوجك ففتحت له فدخل وجلس فقالت له أرى مولانا اليوم عندنا فقال جئت زائراً فقالت أعوذ بالله من هذه الزيارة وما أظن فيها خيراً فقال لها ويحك إنني أنا الملك سيد زوجك وما أظنك عرفتيني فقالت يا مولاي لقد علمت أنك الملك ولكن سبقتك الأوائل في قولهم:







سأترك ماءكم من غير وردٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وذاك لكثرة الورّاد فيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



إذا سقط الذبابُ على طعامٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رفعت يدي ونفسي تشتهيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وتجتنب الأسود ورود ماءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا كان الكلاب ولغن فيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ويرتج الكريم خميص بطنٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولا يرضى مساهمة السفيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif










وما أحسن يا مولاي قول الشاعر:







قل للذي شفّه الغرام بنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وصاحب الغدر غير مصحوبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



والله لا قال قائلٌ أبداً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قد أكل الليث فضلة الذيبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif










ثم قالت أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه؟ فاستحى الملك من كلامها وخرج وتركها فنسي نعله في الدار.







هذا ما كان من الملك وأما فيروز فإنه لما خرج وسار تفقد الكتاب فلم يجده معه في رأسه فتذكر انه نسيه تحت فراشه فرجع إلى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره فوجد نعل الملك في الدار فطاش عقله وعلم أن الملك لم يرسله في هذه السفرة إلا لأمر يفعله فسكت ولم يبد كلاماً وأخذ الكتاب وسار إلى حاجة الملك فقضاها ثم عاد إليه فأنعم عليه بمائة دينار فمضى فيروز إلى زوجته فسلم عليها وقال لها قومي إلى زيارة بيت أبيك قالت وما ذاك قال إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك قالت حبا وكرامة ثم قامت من ساعتها إلى بيت أبيها ففرحوا بها وبما جاءت به معها فأقامت عند أهلها عدّة أشهر فلم يذكرها زوجها ولا ألم بها فأتى إليه أخوها وقال له يا فيروز إما أن تخبرنا بسبب غضبك وأما أن تحاكمنا إلى الملك فقال إن شئتم الحكم فافعلوا فما تركت لها عليَّ حقا فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم وكان القاضي إذ ذاك عند الملك جالساً إلى جانبه فقال أخو الصبية أيَّد الله مولانا قاضي القضاة إني أجرت هذا الغلام بستاناً سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة وأشجار مثمرة فأكل ثمره وهدم حيطانه وأخرب ببئره فالتفت القاضي إلى فيروز وقال له ما تقول يا غلام فقال فيروز أيها القاضي قد استلمت هذا البستان وسلمته إليه أحسن ما كان فقال القاضي هل سلم إليك البستان كما كان قال نعم ولكن أريد منه السبب لرده قال القاضي ما قولك قال والله يا مولاي ما رددت البستان كراهية فيه وإنما جئت يوما من الأيام فوجدت فيه أثر الأسد فخفت أن يغتالني فحرمت دخول البستان إكراماً للأسد قال وكان الملك متكئاً فاستوى جالساً وقال يا فيروز إرجع إلى بستانك آمناً مطمئناً فوالله أن الأسد دخل البستان ولم يؤثر فيه أثراً ولا التمس منه ورقا ولا تمرا ولا شيئاً ولم يلبث فيه غير لحظة يسيرة وخرج من غير بأس، والله ما رأيت مثل بستانك ولا أشد احترازاً من حيطانه على شجره قال فرجع فيروز إلى داره ورد زوجته ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك.







9- حكمة وذكاء فقيه: يحكى أن امرأة جاءت إلى أحد الفقهاء، فقالت له: لقد مات أخي، وترك ستمائة درهم، ولما قسموا المال لم يعطوني إلا درهما واحدا! فكر الفقيه لحظات، ثم قال لها: ربما كان لأخيك زوجة وأم وابنتان واثنا عشر أخا. فتعجبت المرأة، وقالت: نعم، هو كذلك. فقال: إن هذا الدرهم حقك، وهم لم يظلموك: فلزوجته ثمن ما ترك، وهو يساوي (75 درهما)، ولابنتيه الثلثين، وهو يساوى (400 درهم)، ولأمه سدس المبلغ، وهو يساوي (100 درهم)، ويتبقى (25 درهما) توزع على إخوته الاثنى عشر وعلى أخته، ويأخذ الرجل ضعف ما تأخذه المرأة، فلكل أخ درهمان، ويتبقى للأخت- التي هي أنت- درهم واحد.







سابعاً: أقوال الصحابة والتابعين عن الحِكْمَة:



1- قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لحامل القرآن، أن يكون باكيًا محزونًا حكيمًا حليمًا سكينًا".



2- قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن الحكمة هي ضالة المؤمن، فخذوا الحكمة ولو من أهل النفاق".







3- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ضَمَّني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إليهِ وقالَ اللَّهمَّ عَلِّمهُ الحِكمةَ وتأويلَ الكتابِ ". (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).







4- عن عكرمة رضي الله عنه قال: " قال عيسى ابن مريم عليه السلام: " لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير، فإنَّ الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئًا، ولا تعط الحِكْمَة من لا يريدها، فإنَّ الحِكْمَة خيرٌ من اللؤلؤ، ومن لم يردها شرٌّ من الخنزير ".







5- كتب سلمان إلى أبي الدَّرداء رضي الله عنهما قال: " إنَّما العلم كالينابيع، فينفع به الله من شاء، ومَثَلُ حِكْمَة لا يُتَكلَّم بها، كجسد لا رُوح له ".







6- عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: " إذا رأيتم الرَّجل يطيل الصَّمت، ويهرب من النَّاس، فاقْرَبوا منه؛ فإنَّه يُلقَّى الحِكْمَة ".







7- عن هشام بن عروة، عن أبيه رضي الله عنهما قال: " مكتوبٌ في الحِكْمَة، بُنَيَّ لتكن كلمتك طيِّبة، وليكن وجهك بسيطًاً، تكن أحبَّ إلى النَّاس ممَّن يعطيهم العطاء ".







8- عن كثير بن مرَّة قال: " لا تحدِّث الباطل للحُكَمَاء فيمقتوك، ولا تحدِّث الحِكْمَة للسُّفهاء فيكذِّبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهل. إنَّ عليك في علمك حقًاً، كما إنَّ عليك في مالك حقًّاً ".








9- وقال أبان بن سليم: " كلمة حِكْمَة لك من أخيك، خير لك من مال يعطيك؛ لأنَّ المال يطغيك، والكلمة تهديك ".



10- قال وهب بن الورد: "بلغنا ان الحكمة عشر أجزاء تسع منها بالصمت والعاشر في عزلة الناس".







وفي النهاية: لا يسعني إلا أن أختم كلامي بقوله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].








الساعة الآن : 04:46 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 83.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.31 كيلو بايت... تم توفير 0.18 كيلو بايت...بمعدل (0.21%)]