ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=232746)

ابوالوليد المسلم 16-04-2020 02:50 AM

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(1)
محمود العشري
1 - التمـهيد
لقد أجمع العُقلاء على أن أنفسَ ما صُرِفتْ له الأوقات، هو عبادة ربِّ الأرض والسموات
والسَّير في طريق الآخرة، وبذل ثَمن الجنة، والسعاية للفكاك من النار.
ولما كان هذا الطريقُ - كغيره من الطُّرق والدروب - تكتَنِفُه السُّهول والوِهَاد والوِدْيان والجبال والمَفاوز ويتربَّص على جنباته قُطَّاع الطُّرق ولصوص القلوب؛ احتاج السَّائر إلى
- الدليل الحاذق في معرفة الطرق والمسالك -
يُبَصِّرُهُ الدروب الآمنة، والمسالك النافذة، ويُعَرِّفُهُ مكامن اللُّصوص، وأفضل الأزمنة للسَّير، وأنسب الأوقات للجدِّ في السفر، - في طريق الآخرة - هو منهج سلَفِنا الصالح في النُّسك، وطرائقهم في السير إلى الله - تعالى - وعباراتهم في الدلالة عليه، فهذه - بحقٍّ - خيرُ معوان على انتحاء جهة الأمان، وهذا النسك السَّلفي العتيق والمنهج السُّني الرشيد في التزكية، لا غِنى عنه لكلِّ طالب طريق السلامة، فلا عصمة لمنهجٍ في مُجْمله
إلا المنهج السَّلفي.
ولما كانت الأزمنة الفاضلة من أنسب أوقات الجدِّ والاجتهاد في الطاعة
وكان شهر رمضان من مواسم الجود الإلهيِّ العميم، حيث تُعتَق الرِّقاب من النار، وتوزَّع الجوائز الربَّانية على الأصفياء والمُجتهدين؛ كان لزامًا أن تتواصى الهِممُ على تحصيل الغاية من مرضاة الربِّ في هذا الشهر، وهذا من التواصي بالحقِّ المأمور به في سورة العصر.
وإذا كان دُعاة الباطل واللَّهو والفجور تتعاظم هِممُهم في الإعداد لغواية الخَلْق في هذا الشهر بما يُذِيعونه بين النَّاس من مسلسلاتٍ ورقص، ومُجونٍ وغِناء، فأَخْلِقْ بأهل الإيمان أن يُنافسوهم في هذا الاستعداد، ولكن في البِرِّ والتَّقْوى!
ولقد صامَتْ أمَّتُنا دهورًا، غير أنَّ صومها لهذا الشهر ما كان يَزِيدُهَا إلاَّ بعدًا عن ربِّها ومليكها وحاكمِها الحقيقي، فصار رمضان موسِمًا مُفَرَّغًا من مضمونه، مُجَرَّدًا عن حقائقه، بل صار ميدانًا للعربدة، وشَغْل الأوقات بما يغضب الكريم المتعال - سبحانه وتعالى، وعزَّ وجلَّ.
ولو تجهَّزَت الأمة لهذا الشهر الفضيل، وأعدَّت له عُدَّته، وشَمَّر الناس جميعًا سواعد الجِدِّ، وشَدُّوا مآزرهم في الطاعة، لرأَيْنا أمَّة جديدة تُولد ولادةً شرعيَّة، وذلك بعد استعداد جادٍّ ومَخاض، عولِجَت فيه الهمم والعزائم؛ لِتَدخل في الشهر وهي وثَّابة إلى الطاعات.
وهذا التمهيد نصيحةٌ لعامَّة المسلمين، بَثَثْتُهَا غَيْرةً على حالهم مع الله - تعالى - في هذا الشهر، وجُهدُ مُقلٍّ أبذله تَأَثُّمًا، ويعلم ربِّي ما هنالك، هي منهاجٌ في كيفية الاستعداد لشهر رمضان، وبيانٌ لبعض الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها سالك طريق الآخرة لاستثمار رمضان، إرشادات نَفِيسة من أئمَّة التربية والتزكية من السَّلف الصالح، تقود المرءَ قيادةً حثيثةً للوصول إلى درب القبول، حرَصْتُ فيها أن تكون واقعيَّة وعمَلية، وقبل ذلك: سلَفِيَّة سُنِّية، بيَّنت فيها طرق الاستعداد للشهر الكريم بعزيمة قويَّة قادرة على الاجتهاد الحقيقيِّ في الطَّاعة، بدلاً من الأمانيِّ والأحلام.
وأنا لك ناصحٌ - أخي يا بن الإسلام -:
إذا أردتَ الاستفادة من هذا السِّفْرِ فلا تَمُرَّ على ألفاظه مرَّ الكرام، بل جُلْ بخواطرك حول المعنى ومعنى المعنى
فلقد استلَلْت لك النقي، وانتقيتُ لك الأطايب، فإذا استدللتُ بآيةٍ فَحُمْ حول حِماها، ثم طُفْ في أعماق مداها، وإذا ذكرتُ لك حديثًا فتمثَّل نفسك جالسًا بين يدي النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَسْمعُه وتتدبَّر عنه، وإذا رَويتُ لك سيرة عبقريٍّ من السَّلف فهَبْ نفسك ترمقه عن كثب، كأنَّك في حضرته تشتار من رحيق كلماته، وبدون ذلك فلا تَتَعَنَّ، فإنما جمَعتُه لك ورتَّبته لتتذوَّق، لا لتقول للناس: قرأتُه!
واعلم أخيرًا أنَّ ما ذكرتُه لك في هذا التمهيد ما هو إلاَّ محاولة لتكوين صورةٍ عن الشخصية الربَّانية ذات العلاقة العامرة بإله الكون، والمهيَّأة لسيادة البشريَّة، وإنقاذها من وهدتها.
القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
القاعدة الأولى: بعث الشوق إلى الله واستثارته:
فعلى مرِّ الأيام والليالي يخْلَقُ الإيمان في القلب - يَبْلَى - وتَصْدأ أركان المحبَّة، فتحتاج إلى مَن يهَبُك سربالاً إيمانيًّا جديدًا تستقبِلُ به شهر رمضان، وأصل القدرة على فعل الشيء معونة الله، ثم مؤونة العبد، وأعني بالمَؤُونة: رغبتَه وإرادته، فعلى قدْرِ المَعُونة تأتي المَؤونة، والبداية حتمًا من العبد، ثم التَّمام من الله - تعالى - فلا بد من إثارة كوامنِ شوقك إلى الله - عزَّ وجلَّ - حتَّى تلين لك الطاعات، فتؤديها؛ ذائقًا حلاوتَها ولذَّتَها، وأية لذَّة يمكن أن تحصِّلها من قيام الليل، ومكابدة السَّهر، ومُراوحة الأقدام المتعبة، أو ظمأ الهواجر، أو ألم جوع البطون، إذا لم يكن كلُّ ذلك مبنيًّا على معنى:
﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى
[طه: 84]
ومن لبَّى نداء حبيبه بدون شوقٍ يَحْدوه، فهو باردٌ سمج - قبيح - دعوى محبَّتِه لا طعم لها!
لا جرم أنَّه كان من دعاء النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صلاته - كما روى النَّسائيُّ
بسند صحيح -:
((وأسأَلُك الرِّضا بعد القضاء، وبَردَ العيش بعد الموت، ولذَّة النظرِ إلى وجهك، والشوقَ إلى لقائك))...
وشوقك لربِّك ولإرضائه أفناه رَيْن الشُّبهات والشهوات، وأهلكته جوائِحُ المعاصي، ومرور الأزمنة دون كدحٍ إلى الله، فتحتاج يا بن الإسلام إلى بعث هذا الشَّوق من جديد لو كان ميتًا، أو استثارته إن كان موجودًا كامِنًا.
فما هي أهمُّ العوامل التي تُساعدك على هذا الأمر العظيم؟!
• مطالعة أسماء الله الحُسْنى وصفاته العُلَى
وتدبُّر كلامه، وفَهْم خطابه؛ فإنَّ مِن شأن هذه المطالعة والفهم والتدبُّر فيها أن يَشْحذ من القلب همَّةً للوصول إلى تجليات هذه الأسماء والصفات والمعاني، فتتحرك كوامن المعرفة في القلب والعقل ويأتي عندئذٍ المدد، وراجِعْ لزامًا كلام ابن القيِّم في الفائدة: 36 من فوائد الذِّكر من كتابه:
"الوابل الصيب"، وتأمَّل قصة أبي الدَّحْداح - رضي الله عنه - في فهمه كلام ربِّه، كيف حرَّك أريحته، وألبسه حُبَّ البَذْل؛ فعن عبدالله بن مسعودٍ قال: لمَّا نزلَت هذه الآية:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ
[البقرة: 245]
قال أبو الدَّحداح الأنصاريُّ
وإن الله يريد منَّا القرض؟
قال: ((نعَم يا أبا الدحداح))
قال: أرنِي يدَك يا رسول الله
قال: فناولَه رسولُ الله يده
قال: فإنِّي أقرضتُ ربِّي حائطي
قال: حائطه له ستّمائة نخلة
وأمُّ الدحداح فيه وعيالها
قال: فجاء أبو الدحداح
فنادى: يا أمَّ الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرُجي من الحائط؛ فإنِّي أقرضتُه ربِّي - عزَّ وجلَّ.
وفي روايةٍ أخرى أنَّها لما سَمِعته يقول ذلك، عمدَتْ إلى صبيانها تُخرج ما في أفواههم، وتنفض
ما في أكمامهم، فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((كم من عِذْقٍ رَدَاح في الجنَّة لأبي الدحداح))
والعِذْق من النخل كالعنقود من العنب، "رَداح"؛ أيْ: ثقيل؛ لكثرة ما فيه من التَّمر، والقصة في
"الإصابة" و"صِفَة الصفوة".
وتأمَّل - رعاك الله من عَطَنِ الشُّبهات - كيف فَهِم الصحابيُّ من كلام الله - عزَّ وجلَّ - المعنى الظَّاهر بدون أن يكون في قلبه تردُّد أو تهيُّب؛ وذلك لأن شجرة إيمانه قامت على ساق التَّنْزيه، ولابن القيِّم - رحمه الله - مقالاتٌ رائقة حول كثيرٍ من الأسماء والصفات، جمعَها بعضُهم في كتابٍ مستقل، وللغزاليِّ رسالة اختصرها النبهانيُّ في "مختصر المقصد الأسني" لا تخلو من هَناتٍ تَظهر لممارِس الكتاب والسُّنة، والله المستعان.
• مطالعة مِنَن الله العظيمة وآلائه الجسيمة
فالقلوب مَجْبولة على حُبِّ من أحسن إليها؛ ولذلك كَثُر في القرآن سَوْق آيات النِّعم على الخلق والفضل؛ تنبيهًا لهذا المعنى، وكلَّما ازددْتَ علمًا بنعم الله عليك ازددتَ شوقًا إلى شكره على نعمائه.
• التحسُّر على فوات الأزمِنة في غير طاعة الله
بل على قضائها في عبادة الهَوى، وهذا اللَّحظ - كما يقول ابن القيِّم - يؤدِّي به إلى مُطالعة الجناية، والوقوف على الخطر فيها، والتَّشمير لتداركها والتخلُّص من رقها، وطلب النَّجاة بتمحيصها.
• تذكُّر سَبْق السابقين مع تخلُّفك مع القاعدين
يورثك هذا تحرُّقًا للمسابقة والمسارعة والمنافسة
وكلُّ ذلك أمر الله به:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
[آل عمران: 133]
﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
[الحديد: 21]
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
[المطففين: 26]...
واعلم - أخي يا بن الإسلام - أنَّ بعث الشوق وظيفةٌ لا ينفَكُّ عنها السائرُ إلى الله، ولكن ينبغي مُضاعفة هذا الشوق قبل رمضان؛ لِتُضاعف الجهد فيه، وهذا الشوق نوعٌ من أنواع الوَقود الإيمانيِّ الذي يحفِّز على الطاعة
ثم به يذوق المتعبِّدُ طعم عبادته ومناجاته.
ومجالات الشوق عندك كثيرة؛ أعظمها وأخطَرُها الشوق إلى رؤية وجه الله - تعالى - ويمكنك أن تتمرَّن على قراءة هذا الحديث، مع تحديث نفسك بِمَنْزلتها عند الله، وهل ستَنال شرف رؤيته أوْ لا؟
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلمٌ:
((إذا دخل أهل الجنَّةِ الجنةَ يقول الله - تعالى -: تريدون شيئًا أَزِيدكم؟ فيقولون: ألَم تبيِّضْ وجوهنا؟ ألم تُدْخِلنا الجنة، وتُنجِّنا من النَّار؟ فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النَّظر إلى ربِّهم)).
وفي مجالات الشوق:
الشوق إلى لقاء الله وإلى جنَّتِه ورحمته، ورؤية أوليائه في الجنَّة، وخاصة الشوق إلى لقاء النبيِّ
- صلَّى الله عليه وسلَّم - في الفردوس الأعلى.
واعلم أنَّ لهذا الشوق لصوصًا وقُطَّاعًا يتعرَّضون لك، فاحذر الترَفُّه - وخاصَّة في رمضان - واحذر فتنةَ الأموال والأولاد والأزواج، خَلِّفْهم وراءك ولا تلتفِت، وامضِ حيث تُؤمَر
واجعل شعارك في شهر رمضان:
﴿ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى
[طه: 84].
قال الشاعر
فَحَيَّهَلاَ إِنْ كُنْتَ ذَا هِمَّةٍ فَقَدْ
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حَدَا بِكَ حَادِي الشَّوْقِ فَاطْوِ الْمَرَاحِلا

وَلاَ تَنْتَظِرْ بِالسَّيْرِ رُفْقَةَ قَاعِدٍ
وَدَعْهُ فَإِنَّ العَزْمَ يَكْفِيكَ حَامِلاَ


ابوالوليد المسلم 18-04-2020 03:41 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(2)
محمود العشري
القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
القاعدة الثانية:
معرفة فضل المواسم، ومِنَّة الله فيها، وفرصة العبد فيها:
قال ابن رجب - رحمه الله -: وجعَل الله - سبحانه وتعالى - لبعض الشُّهور فضلاً على بعض، كما قال - تعالى -:
﴿ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ
وقال - تعالى -:
﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ
[البقرة: 197]
وقال - تعالى -:
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
[البقرة: 185].
كما جعل بعض الأيَّام والليالي أفضلَ مِن بعض، وجعل ليلة القَدْر خيرًا من ألفِ شهر، وأقسم بالعشر، وهي عَشْر ذي الحجة على الصَّحيح، وما في هذه المواسم الفاضلة موسمٌ إلاَّ ولله - تعالى - فيه وظيفةٌ من وظائف طاعتِه، يُتقرَّب بِها إليه، ولله فيه لطيفةٌ من لطائف نفحاته، يُصيب بها مَن يعود بفضله ورحمته عليه؛ فالسَّعيد مَن اغتنم مواسم الشُّهور والأيام والساعات، وتقرَّب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطَّاعات؛ فعسى أن تصيبه نفحةٌ من تلك النفحات، فيَسْعدَ بها سعادةً يأمن بعدها من النار وما فيها من اللَّفحات.
وقد خرَّج ابنُ أبي الدُّنيا والطبرانيُّ وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا:
((اطْلُبوا الخير دهْرَكم كلَّه، وتعرَّضوا لنفحات ربِّكم؛ فإنَّ لله نفحاتٍ من رحمته يُصيب بها مَن يشاء من عباده
وسَلُوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم))
وهو في "ضعيف الجامع".
وفي "الطَّبراني" من حديث محمد بن مَسْلَمة مرفوعًا:
((إنَّ لله في أيام الدهر نفحاتٍ فتعرَّضوا لها؛ فلعلَّ أحدَكم أن تُصِيبه نفحةٌ فلا يشقى بعدها أبدًا))
والحديث في "صحيح الجامع".
وفي "مسند الإمام أحمد" عن عقبة بن عامر عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((ليس مِن عملِ يومٍ إلاَّ يُختم عليه))
والحديث في "صحيح الجامع".
روى ابن أبي الدُّنيا بإسناده عن مُجاهد، قال: "ما من يومٍ إلاَّ يقول: ابْنَ آدم، قد دخلْتُ عليك اليوم، ولن أرجع إليك بعد اليوم، فانظر ماذا تعمل فِيَّ، فإذا انقضى طواه، ثم يختم عليه، فلا يفكّ حتى يكون الله هو الذي يَفُضُّ ذلك الخاتم يوم القيامة، ويقول اليوم حين ينقضي: الحمد لله الذي أراحني من الدُّنيا وأهلها! ولا ليلة تدخل على الناس إلاَّ قالت كذلك"، وبإسناده - أي: ابن أبي الدُّنيا - عن مالك بن دينار.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وعن الحسن قال: "ليس يومٌ يأتي من أيام الدُّنيا إلا يتكلَّم، يقول: يا أيُّها الناس، إنِّي يوم جديد، وإنِّي على ما يُعمل فيَّ شهيد، وإنِّي لو قد غربَت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة"، وعنه أنه كان يقول: "يا بْنَ آدم، اليوم ضيفك، والضيف مرتَحِل، يَحْمدك أو يذمُّك، وكذلك ليلتك"، وبإسناده عن بكرٍ المُزني أنه قال: "ما من يومٍ أخرجه الله إلى أهل الدُّنيا إلا ينادي: ابن آدم، اغتنِمني؛ لعلَّه لا يومَ لك بعدي، ولا ليلةٍ إلاَّ تنادي: ابن آدم، اغتنمني، لعلَّه لا ليلة لك بعدي"، وعن عمر بن ذرٍّ أنه كان يقول: "اعمَلوا لأنفسكم - رَحِمكم الله - في هذا اللَّيل وسوادِه؛ فإنَّ المغبون من غُبِن خير الليل والنَّهار، والمَحْروم من حُرِم خيرهما، وإنما جُعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربِّهم، ووبالاً على الآخَرين للغفلة عن أنفسهم، فأحْيُوا لله أنفُسَكم بذِكْره؛ فإنَّما تَحيا القلوب بذِكْر الله".
واعلم يا بن الإسلام - رحِمَني الله وإيَّاك - أنَّ معرفة فضل المواسم يكون بِمُطالعة ما ورد فيها من فضلٍ، وبما يحصل للعبد من الجزاء إذا اجتهد، ويمكنك مطالعةُ هذه النُّصوص والآثار في الكتب المَعنيَّة بالفضائل؛ كـ"رياض الصالحين" للنووي، و"الترغيب والترهيب" للمنذري، و"لطائف المعارف" لابن رجب.
القاعدة الثالثة:
تمارين العزيمة والهمة.
فإذا كان الأصوليُّون يعرِّفون العزيمة بأنَّها ما بُنيت على خلاف التيسير، كالصوم في السَّفَر لمن أطاقه، وعدم التلفُّظ بكلمة الكفر وإن قُتل، فإنَّ العزيمة عند أهل السُّلوك لها حظٌّ من هذا المعنى؛ فالعزيمة أو العزم عندهم هو استجماعُ قوى الإرادة على الفعل، وكأنَّ صاحب العزيمة لا رُخْصة له في التخلُّف عن القيام بالمهمَّة، بل هو مُطالَب باستجماع قوَّته، وشحذها، حتَّى يطيق الأداء.
وغالب مَن تكلَّم في هذا الباب لم يُشِر إلى أهمية تمارين العزيمة؛ أيْ: تحفيز الهِمَّة؛ لِتَقْوَى على المُجاهدة في الأزمنة الفاضلة، مع أنَّ الشرع أشار إلى ذلك باستحباب صوم شعبان لتتأهَّب النفس، وتَقْوى على صيام رمضان بسهولة، وكان من هَدْي النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قيام الليل أن يبدأ بركعتين خفيفتين؛ حتى تتريَّض نفْسُه ولا تضجر، وأشار الشاطبِيُّ في "الموافقات" إلى أن السُّنن والنوافل بمثابة التَّوطئة، وإعداد النَّفس للدخول في الفريضة على الوجه الأكمل.
وكثيرٌ من الناس يَعْقد الآمال بفِعْل جملة من الطَّاعات في شهر رمضان؛ فإذا ما أتى الشَّهر:
((أَصبح خبيثَ النفْسِ كَسْلان))؛ وذلك لأنَّه لم يحلَّ عقدة العادة والكسل والقعود.
والعزيمة لا تكون إلاَّ فيما لا تألَفُه النُّفوس أو لا تحبُّه، فتحتاج النَّفْسُ إلى المُجاهدة في معرفة فضل ذلك العمل المكروه إليها، ثم في مجاهدة وارِدَات العجز والكسل؛ ولذلك قال الله - تعالى - عن الجهاد:

https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
[البقرة: 216].
وتَمارين العزيمة من صميم القِيام بحقِّ شهر رمضان، وتحصيل المغفرة فيه؛ لأنَّه لا قوة للنَّفْس ما لم تُعِدَّ العدة للطاعة؛ قال - تعالى -:
﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ
[التوبة: 46]
وهاك أمثلةً من هذه التَّمارين؛ لِتَقيس عليها، والله يوفِّقك.
التَّمرين الأول:
التدريب على تجديد التوبة:
فأوَّل واجبٍ للاستعداد لرمضان: التوبة؛ وذلك لأنَّ التوبة وظيفة العمر، تَلْزم العبدَ في كلِّ لحظة من لحظات حياته، قال - تعالى -:
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
[النور: 31]
وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَسْتغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرَّة، وكان يُسمَع منه في
المجلس الواحد مائة مرَّة يقول:

https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png

((ربِّ اغفر لي وتب عليَّ؛ إنَّك أنت التواب الرحيم))
كما أخرجه الترمذيُّ وصححه الألبانيُّ.
وليست التوبة كما تُفعَل دائمًا، تقول: "تبتُ - بلسانك - أستغفر الله"، وقلبك لاهٍ غافل، أو تظنُّ أن التوبة هي التوبة من النَّظر إلى المتبرِّجات، أو التوبة من الكذب والغيبة والنميمة فقط لا غير، لا يا بن الإسلام!
إنني أريد التوبة هذه المرَّة من حياتك: أن نتوب إلى الله - تعالى - من نمط الحياة التي نعيشها، ومن نمط التَّفكير الذي نفكِّر به، توبة من الآمال العريضة التي نعيش لها، توبة من حياتنا كلِّها، أريد أن نتوب حقًّا، وأن نجوِّد التوبة، أريد أن نتدرب عمَلِيًّا على توبة جديدة جيِّدة.
أخي يا بن الإسلام، قبل دخول شهر رمضان جدِّد التوبة، وحسِّنها، وأتقِنْها، واصدقها، إنَّنا جميعًا بحاجةٍ إلى أن نتوب؛ لا من الذُّنوب والمعاصي فحسب - وإن كانت هي الأُولى والأَوْلى - ولكنَّنا بحاجة إلى توباتٍ أُخَر، نعم؛ أريد بعد التَّوبة من الكبائر الظاهرة والباطنة، والتوبة من المعاصي الملازمة والعارضة: أن نتوب من أشياء أُخَر، منها:
أولاً:
التوبة من تضييع الأوقات:
قال - تعالى -:
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا
[النبأ: 10 - 11]
وقال - تعالى -:
﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
[الذاريات: 17 - 18].
وحين وصَف الله - تعالى - عباد الرَّحمن قال عنهم:
﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا
[الفرقان: 64]
فهذه وظيفة اللَّيل في الإسلام: السُّكون والراحة، والخلوة مع الله - تعالى - للتعبُّد، هذا هو ليل المسلمين، ولكن - مع شديدِ الأسف!
- انظر إلى ليل المسلمين هذه الأيَّام: يا حسرةً على العباد! تحوَّل ليلُ المسلمين إلى لعبٍ ولهو، ومعاصٍ وغفلة، وحوَّل بعضُهم
ليلَه نهارًا، ونهاره ليلاً، وضاع اللَّيل، ضمن الأوقات الضائعة!
ضاع الليل بساعاته الغالية، وأوقاته النَّفيسة، ضاع اللَّيل بِفُرَصِه الذهبيَّة، وفتوحاته الربَّانية، ضاع الليل وهم يقولون:
شهر رمضان شهر السَّهَر!
هذه فرصتُك - يا بن الإسلام - فتقرَّب إلى الله - تعالى - وتُبْ مِن تضييع ليلك في المعاصي واللَّهو، وأثبِت صدق توبتك هذه بقيامك بين يدَيْه تُناجيه وتَسْتجديه أن يغفر لك، واللهِ - يا بن الإسلام - فرصة، فلا تضيِّعها.
2 - الشُّرود الذِّهني في الفراغ:
أخي يا بن الإسلام، هل تمرُّ عليك أوقات تجلس صامتًا لا تفعل شيئًا؟! فقط تجلس شاخصًا ببصرك إلى الفراغ، وتفكِّر في لا شيء؟! هذا هو التَّجسيد الحقيقيُّ للغفلة، غفلة مُطْبِقة على القلب، على العقل، غفلة مستحكِمة، وكلَّما ازداد شُخوصك هذا زاد تمكُّنها منك، فتب إلى الله من ذلك، ولا تجلس فارغًا، اشغل لسانك وقلبَك بذِكْر الله، واشغل عقلك بالتفكُّر في هذا الذِّكْر، توبة يتبعها عملٌ صالِح.
3 - مأساة المواصلات:
كم من الوقت يضيع منك يوميًّا في المواصلات أخي يا بن الإسلام؟! على الأقلِّ ثلاث ساعات يوميًّا، وكلها تضيع في معصية الله؛ من الاختلاط بالنِّساء، وإطلاق البصَر، وغيرها، ولو شئت في هذه الساعات لذكَرْت الله، فاغتنم هذا الوقت ولا تضيِّعه؛ فإنه يكفيك لآلافٍ من الذِّكر يوميًّا.
أيضًا: جوِّد هذه التوبة بيقينك أنَّ هذه الفترة فرصة سانحة لذِكْر الله - تعالى - والانشغال به.
4 - النوم:
كثيرًا ما أكرِّر معك - يا بن الإسلام - أنَّ هذا الشَّهر يحتاج إلى هِمَّة عالية، وأصحاب العَشْر الساعات نومًا يوميًّا ليسوا ذوي هِمَّة عالية، بل أهل البطالة والكسل، فإذا قُلْتَ لي - كما يقول كثيرٌ غيرك -: إنني أحتسب نومي هذا لله، قلتُ لك: تحتسب عشر ساعات! بل وثمان أيضًا! كيف تحتسبها؟! الاحتساب أن تقول: يا رب، سأرقد فقط لأتقوَّى على طاعتك، وهل تتقوَّى على طاعة الله بعشر ساعات نوم؟!
أنا لن أحدِّد لك عدد ساعات نومك، ولكن أذكِّرك أن معظم هذا الوقت ضائعٌ من عمرك، فحدِّد أنت ما يكفيك، والتوبة من ذلك أن تتوب من الخِدَاع؛ بأن تعلم أنَّ الله الذي يُراقبك يعلم - سبحانه - ما يَكْفيك، فجوِّد التوبة ولا تُخادِع.
ثانيًا: التوبة من اللِّسان:
قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عند التِّرمذي وصحَّحه الألبانيُّ:
((وأعوذ بك مِن شرِّ لساني))
وفي حديث معاذٍ المشهور
((وهل يكبُّ الناسَ على وجوههم في النَّار إلاَّ حصائدُ ألسنتهم))
وهو في "مسند أحمد" وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع".
فهل يجرُّ عليك لسانُك إلا كلَّ شر؟! فأنت إن تركتَه أهلكَك: كذب، غيبة، نميمة، بُهْتان، رياء، عُجْب، احتِقار، زنا... فاللَّهم إنا نعوذ بك من شرور ألسنتنا، ومن مآسي اللِّسان في عصرنا:
1 - مأساة التليفونات:
لا شكَّ أن ثورة الاتِّصالات التي حدثت في هذا العصر لها فوائد، ونفع الله بها المسلمين في جوانب، وخدمت الدَّعوة الإسلامية في نواحٍ متعدِّدة؛ لكن مأساة (التليفونات) في عصرنا عجيبةٌ، ولا بد لها من وقفة شرعيَّة، أيُّها الإخوة؛ فأكثر الناس اليوم يحمل أكثر من (تليفون) في جيوبه، والسُّؤال لك أيُّها الأخ المسلم الملتزم السُّنِّي، يا طالب الآخرة، ويا حريصًا على رضا الله: ماذا تصنع بهذا (التليفون)؟!
دعونا من المراوغة، وتعالوا نتكلم في الصَّميم: إنَّ وجود (التليفون) في يد كثيرٍ من الناس مجرَّد (مَنْظرة)، مِثل الناس، تقليد أعمى، فليس صاحبنا رجلَ أعمالٍ خطيرًا، ولا شخصيَّة مهمة، ولا يمثِّل (التليفون) بالنسبة له أيَّ دور ولا أثر، فما الذي كان؟!
الآفات الثلاثة التي يكرهها الله: ((قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال))، كما في الصَّحيحين، اجتمعَتْ تلك الآفات الثلاثة في (التليفون)، فليس في هذه الاتصالات إلا القيل والقال، وفواتير (التليفونات)، وثمن (الكروت) صار إرهاقًا للميزانيَّة يُقتَطع من فم الأولاد، فتُبْ أخي يا بن الإسلام، وألق عنك هذا الجهاز قبل دخول رمضان، تستجمع شمل قلبك، وتفرِّغ هَمَّك للطاعة، ويقلُّ الانشغال.
2 - القصص والحكايات والمنامات، وكرة القدم والفن:
اعلم أخي - يا بن الإسلام - أنَّ الكلام شهوة، حتَّى إنك تجد بعض الناس لا يكفُّ عن الكلام، وإنك إذا جلَسْت في مجلسٍ - وجرِّب ذلك - ساكتًا صامتًا تتأمَّل، نقِّل بصرك وأُذنك لتسمع الأطراف المتحاورة، تجد كلامًا فارغًا، وحواراتٍ سقيمةً، وحكايات عقيمة، قصصًا وحكاياتٍ، أخبارًا وروايات، كلها لا قيمة لها، تضرُّ ولا تنفع.
ومما زاد الطينَ بِلةً كثرة الافتراءات في ذِكْر المنامات، فتجد الكلَّ يؤلِّف ويحكي أنَّه رأى، والآخر يفتي ويؤوِّل، ومثله الكلام عن كرة القدم والفن... وأكثره زورٌ وبُهتان.
فتب إلى الله - أخي يا بن الإسلام - من القصص والحكايات قولاً وسمعًا، واغتنم الوقت بذِكْر الله - تعالى.
3 - الوصف والمبالغات والنفاق والمجاملات:
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذيُّ وصححه الألباني:
((مِن حُسْنِ إسلام المرء تَرْكه ما لا يَعْنيه))
وآفة الاختلاط بالنَّاس، وبدافع الفضول البشريِّ، والاستشراف للاطِّلاع على أسرار الخلق؛ يجعل كل ذلك شغف الناس بكثرة الكلام، ولكن المصيبة الأكبر أن يَحْصل نوعٌ من المبالغات أو التوسُّع في الوصف الدَّقيق لموضوعات لا تَحْتاج ولا تحتمل، والأبشع من كلِّ ما مَرَّ: المُجاملات الزائفة الكاذبة، والنِّفاق الاجتماعي المتبادَل، فهل من توبةٍ من هذا الخطر المستطير الذي يهدِّد بخسفٍ ومسخ وقذف؟!
4 - التَّهريج والمزاح، والفحش والبذاء:
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذيُّ وصححه الألباني:
((ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان، ولا الفاحش ولا البذيء))
وقال فيما رواه ابن ماجهْ وصححه الألباني:
((لا تُكْثِروا الضحك؛ فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب)).
صار من سِمات الباطل في عصرنا خفَّة الدم - زعموا! - وليس أثقل من كذوبٍ فاحش، يستضحك الناس بالباطل، والأخبَثُ في الموضوع أن يُشارك في هذا الأمر مَن يلتزمون بالدِّين، ويُظهرون حبَّ اللهِ ورسولِه، فيحوِّلون أكثرَ المواقفِ جديةً إلى مزاح!
فاتَّقوا الله يا قوم، ونزهوا ألسنتكم عن فضول الكلام، فضلاً عن الفحش والبذاء، والتهريج والمزاح.

https://dl.dropbox.com/u/63580683/a494.png

ابوالوليد المسلم 19-04-2020 04:12 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(3)
محمود العشري
القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
ثالثًا: التوبة من العلاقات:
1 - معارف للظروف:
كثيرًا ما تسأل أحدهم: كم جزءًا قرأتَ من القرآن اليوم؟ ويكون الجواب: أنا أتمنَّى والله أن أقرأ؛ ولكن المشكلة، ليس هناك وقت! وحين تتساءل: أين ضاع الوقت؟ وكيف ضاع؟ فإنَّك ستجد أنَّ مِن أخطر ما يُضيع الوقت كثرةَ الاختلاط بالناس، إنَّنا نستهين بِمُكالمة لمجرَّد المجاملة، قد يضيع فيها نصف ساعة، ومصافحة و(كلمتين ع الماشي) بعد الصلاة أمام المسجد يضيع فيها نصف ساعة أخرى، وهكذا تضيع الأوقات بغير فائدة، والعبد مسؤولٌ عن عمره فيمَ أفناه؟!
فالرجاء - أخي يا بن الإسلام - قبل دخول رمضان أن تُحجِّم علاقاتك، أن تَختصر معارفك؛ فليس هناك مجال لأداء حقوق كلِّ هؤلاء.
والتوبة من هذا تكون بتحقيق الإخلاص في العلاقات، بإقامة صرح الحبِّ في الله
((وأن يُحِبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله))، فتنضبط العلاقات بضابط الحبِّ في الله، والبُغْض في الله، فتكون عبادة.
2 - مجاملات بالحرام:
في العلاقات الكثيرة المتشعِّبة لا بد من المُجاملة، وأحيانًا لا مجال للمجاملة إلاَّ بالكذب، أو على حساب الآخرين، وكلاهما حرام، فلا بدَّ من التوبة من المُجاملات: قل الحق ولو كان مُرًّا، والساكت عن الحقِّ شيطان أخرس، فلا تُجامِل بالحرام، وكُفَّ لسانَك.
3 - الاختلاط المحرَّم:
أكبر آفات العلاقات أن تكون العلاقةُ آثمةً بين رجل وامرأة، مهما زعَموا أنَّها علاقة بريئة، دعونا نكون صُرَحاء: ليست هناك علاقةٌ بريئة، كلها علاقات محرَّمة.
إننا يا قوم عبيد!
يحكمنا دينٌ يقوم على أمرٍ ونَهْي، وليس الحاكم في ذلك العادات والتقاليد، أو الهوى والشَّهوات، فتجب التوبةُ قبل دخول رمضان من كلِّ علاقةٍ آثِمة؛ حتى يطهر القلب.
رابعًا: توبة القلب:
1 - التوبة من الخواطر:
أحلام اليقظة مُتْعة بعض الناس، فإيَّاك أخي يا بن الإسلام أن يقتلك الوهم، عِشِ الحقيقة، وإيَّاك وأحلامَ اليقظة، إيَّاك من الخواطر الرديئة، اجعل خواطرك تحت السيطرة، لا تدَعْها تخرج من تحت يدك؛ إنَّك إذا تركْتَ الخواطر ترعى في قلبك وعقلك بغير ضابطٍ ولا رابط، فستعيش الوهم وتصدِّقه، كم من أناسٍ عاشوا وَهْمَ المشيخة، وهُم ليسوا على شيء، وآخَرون قتلَهم وهْمُ طلب العلم، وعاشوا أحلام اليقظة في ثياب فضفاضةٍ ليست من ثيابهم.
أخي يا بن الإسلام، قبل رمضان عشِ الحقيقة، وانْسَ الوهم، وتُبْ إلى الله - تعالى - واعلم أن انشغالك بالعمل يُخْرجك من هذا الوهم.
2 - التوبة من التعلُّق بغير الله:
قال - تعالى -:
﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا
[مريم: 81 - 82]
فإياك أخي يا بن الإسلام والتعلُّقَ بغير الله - تعالى - فالكلُّ سيَخْذلك، ويتخلَّى عنك، إلا الله العظيم، فلا تنشغِل بالآخرين، واجعل انشغالك به، تب من التعلق بالأسباب، والتعلُّقِ بغير الله، وتعلَّقْ به - سبحانه.
3 - التوبة من الأماني والتسويف وطول الأمل:
قال الحسن البصريُّ - رحمه الله -: "ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلِّي، ولكن ما وقرَ في القلب وصدَّقه العمل، وإنَّ قومًا غرَّتْهم أمانِيُّ المغفرة حتى خرجوا من الدُّنيا ولا حسَنة لهم، قالوا: نُحْسِن الظنَّ بالله، وكذَبوا؛ لو أحسَنوا الظنَّ لأحسَنوا العمل"؛ فاحذر أخي يا بن الإسلام مِن التَّسويف، واحذر من الاغترارِ بالأماني.
4 - التَّوبة من العُجْب والكِبْر والغرور ورؤيةِ النفس:
وهذه الأمراض أيضًا تقتل الإيمان، وتَذْهب بالعبد إلى الجحيم، فالمُعجب مُحْبطٌ عمَله، ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبْر، والغرور قتَّال، ورؤية النَّفْس تجعلك تَخْتال، فاحذر يا مسكين؛ فإنَّك لا تدري بمَ يختم لك، تب من كلِّ ذلك، وانكسر واخضع، وذلَّ لربك؛ لعلَّ أحد هؤلاء الذين تزدريهم قد سبَقك إلى الجنَّة بِمراحل، ولله في خلقه شؤون، فاحذر؛ عجِّل بالتوبة، ومن تواضع لله رفعه.
خامسًا: التوبة من الكسل:
1 - كم بين العلم والعمل:
ونحن على أبواب رمضان، والكلُّ - بلا استثناءٍ - يعرف فضائل رمضان، ويَحْفظ الوعودَ على الأعمال، ولكن ماذا أفاد هذا العِلم؟! وبمَ نفع الحفظ؟! أين العمَل؟!
تُبْ أيُّها المسكين من الكسل؛ فقد استعاذ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - منه، فقالَ كما في الصَّحيحين:
((اللَّهم إنِّي أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعجز والكسَل، والبُخل والجبن، وضلَع الدَّين، وغلَبة الرِّجال)) فاستعِذ بالله، وانتفض قائمًا، واعْمَل بما علِمْت، هذه توبة.
2 - ضعف اليقين في الوعد والوعيد:
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذيُّ وصححه الألباني:
((من قال: سبحان الله وبحمده، غُرِسَت له نخلةٌ في الجنَّة))
إنَّ هذه الكلمة لا تستغرق أكثرَ من ثانيةٍ واحدة، فلو ثبت يقينُك في هذا الوعد، وأنَّك تَكْسب بالثَّانية الواحدة نخلةً في الجنة، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذيُّ وصححه الألباني أيضًا:
((ما من نخلةٍ في الجنَّة إلا وساقُها من ذهب))
فوَزْنُ ساق نخلةٍ من ذهب مئات الكيلوات، هذا ثمن كلِّ ثانية من عمرك، وأنت تضيعه شذرَ مذَر! ولا تُبالي ولا تذَر! وإنما أُتِيتَ من ضعفِ يقينك، فلو ثبتَ يقينُك في ذلك الوعد ما ضيَّعت لحظةً من عمرك، وما ركَنْتَ إلى الكسل، وترْكِ العمل.
3 - التَرَخُّص المهين:
بعض الناس يريد التفلُّت من الدِّين، ولكن بِدين! فهو يبحث عن الرُّخص، ويتَّخِذ الخلاف بين العلماء مسوِّغًا للهروب، فكلُّ المسائل عنده فيها خلافٌ بين العلماء، وهو يرجِّح فيها بِهَواه، ويَخْتار ما يوافق شهوته، ويظنُّ أنه على شيءٍ:
﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ
[المجادلة: 18 - 19]
فتُبْ أخي يا بْنَ الإسلام من هذا الترخُّص المَهِين، واستعن بالله على الأخذ بالعزائم، والعمل الجادِّ المُثْمِر، والله المستعان.
وقد جعلت الكسل آخرَ هذه العناصر؛ حتى لا نكسل في التَّوبة، فلْنُسارع الآن، حالاً، ونَتُبْ إلى الله، فهذه توبةٌ لازمة، ليست لرمضان فحسب، ولكنها لازمةٌ استعدادًا للموت، فقد تموت الآن، في هذه اللحظة، إذًا: فتب يا عبد الله، ولا تسوِّف.
التمرين الثانِي:
التدريب على تهدئة نمط الحياة:
تخفيف سرعة حركة الحياة؛ تمهيدًا للتوقُّف في رمضان، والتخفيف من أعباء الدُّنيا، ومحاولة إزالة همومها العارضة، والحذر من الانشغال بها، والتلهِّي بها عن طاعة الله - تعالى - لا بد من رَوِيَّة، ولا بدَّ من دقَّة في التوفيق بين أعمال الآخرة التي هي خير وأبقى، وبين أعمال الدُّنيا التي هي ذاهبة زائلة.
إنَّنا نعيش في هذا الزمان حياةً مليئة بالحركة والسُّرعة، نعيش في هذه الأيام سرعة التَّغيير، ودوام التغيير، ومفاجأة التغيير؛ فلا توجد فرصة حقيقيَّة للإنسان للتفكير قبل التغيير، وهذه أكبر أخطاء هذا العصر؛ لذلك قبل رمضان نحتاج أن يُمْهِل الإنسانُ نفْسَه، يعطي نفسه فرصةً للهدوء الذِّهني والقلبي، فرصة لِمُراجعة نمط الحياة، وتهدئة هذه السُّرعة؛ ليحصل التروِّي والتعقُّل في أخذ القرار بإيثار الآخرة على الدُّنيا، فيكون الاستمرار؛ لأنَّ القرارات السريعة تتغيَّر بنفس السُّرعة، فهيَّا - أخي يا بن الإسلام - هيا أيها الحبيب، الهدوءَ الهدوءَ، والسكينةَ السكينةَ.
أخي يا بن الإسلام
قال الله - تعالى -:
﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
[البقرة: 185]
وقال جابرٌ - رضي الله عنه -:
"لا تَجْعَل يوم صومِك كيوم فِطْرِك"
لا تجعَلْهُما سواءً، لا بُدَّ من التَّغيير، إنَّه بمجرد ظهور هلال رمضان في السَّماء، تُفتح أبواب الجنَّة، وتغلَّق أبواب النار، وتُصَفَّد الشياطين، ويُنادي المنادي.
سبحان الله:
تغيُّر جذري عجيبٌ في الكون كلِّه، يجب أن يستشعره المؤمنُ صاحبُ العقل اليقظ والقلب الحي، ويحصل منه استقبالٌ لِهذا الشهر استقبالاً حقيقيًّا، فيظهر أثرُ ذلك الاستقبال في تغيير نمط الحياة؛ لأنَّه يتعامل مع الكون، فإذا تغيَّر الكون يجب أن يتغيَّر هو أيضًا؛ ولذلك فإنَّ أول ما تستقبل به هذا الشهر الكريم لِتُحْسِن استثماره على الوجه الأكمل: فكُّ الشدِّ العصبي في العراك مع الحياة لتحصيل المُصالحة، لا بُدَّ من عقد هدنة بين جميع الأطراف خلال هذا الشهر؛ لتصل إلى الهدف المنشود بسلامٍ: "العتق من النِّيران".
فاحرص - أخي الحبيب يا بن الإسلام - على:
(1) هُدْنةمع المناقشات والجدال:
في المَنْزل مع الزَّوجة والأولاد، واجتهد في تَهْيئة بيئةٍ رمضانيَّة إيمانية، قال - تعالى -:
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا
[النحل: 80]
ويكون ذلك بما يَلي:
* محاولة فضِّ جميع المشاكل والمنازعات قبل دخول الشَّهر؛ حتَّى لا تُعَرقل طاعتك التي تريد القيامَ بِها، وحتَّى لا تعكِّر عليك جوَّك الإيماني.
* إجراء مَحاضر صُلْح بين جميع أفراد الأُسْرة، حتى تُنَقِّي البيئة من حولك من شائبة الاختلافات والخصومات، واعمل على أن توجِد جوًّا من المحبَّة والتوادِّ والتَّقارُبِ بينؤ أفراد الأُسْرة؛ فإنَّ ذلك مما يُيَسِّرُ السبيل أن يطيعوك ويطيعوا ربَّهم:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ
[الإسراء: 53].
* عَقْد اجتماعٍ طارئ وعاجل مع جميع أفراد الأسرة؛ للاتِّفاق على المبادئ والأصول التي سيتمُّ السير في ظلالها خلال شهر رمضان، ومن هذه المبادئ:
* التخلِّي عن التليفزيون ومشاهدته، وإقناعهم أنَّهم لن يخسروا شيئًا إذا فعلوا، وتعالوا نجرِّب أن نستبدل بذلك أعمالاً إيمانيَّةً، وقرباتٍ نافعة، وانتفع من مادَّة هذه الكتاب في هذه الأعمال والقربات.
* إيقاف سيول الأغاني الجارفة التي تَقْتل الإيمان.
* ضَبْط اللِّسان، والحذر من انحرافه إلى ما يغضب الله.
* إلغاء جميع السَّهرات والعزومات والدعوات، أو التَّقَلُّل منها قدر الإمكان.
* اتِّخاذ السُّبل الجادة لإنقاذ جميع أفراد الأسرة من النَّار؛ قال - تعالى -:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
[التحريم: 6].
يتبع


ابوالوليد المسلم 19-04-2020 04:12 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
(2) هدنةٌ في العمل مع الزملاء والمسؤولين:
وذلك يكون بالتَّجاوز عن الخصومات، ومصالحة الجميع، ونسيان الخلافات، والبَدْء بصفحة نقيَّة بيضاء، لا نريد زوبعة المشاكل في العمل، ولا نريد الانشغال بقيل وقال، لا نريد ضياع الأوقات في فُضول الكلام، ولا بدَّ من الإصلاح بين المُتخاصمين، والوصول إلى حلٍّ وسط لإرضاء جميع الأطراف، بشرط ألاَّ يكون في معصية الله، قال - تعالى -:
ï´؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ï´¾
[الأنفال: 1].
نريد أن يكون تعامُلُك مع الزملاء في العمل مبنِيًّا على حصول المكاسب لك في الدِّين، وإن خسرْتَ الدُّنيا، ولا بدَّ كذلك من إتقان العمل وإحسانه، ولا سيَّما وأنت صائم تُراقب الله، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو يَعْلى، والطَّبَراني، وصحَّحه الألبانيُّ:
((إن الله يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتْقِنه)).
(3) إقامة هدنة مع نفسك؛ للتخلُّص من سموم القلب:
وسموم القلب خمسة: فضول الطَّعام، وفضول الكلام، وفضول النَّوم، وفضول الاختِلاط، وفضول النظر.
* فلْتَعقد هدنةً مع الطعام؛ فإذا أكل المرءُ كثيرًا، شرب كثيرًا، فنام كثيرًا، وخسر كثيرًا
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بِحَسْبِ ابنِ آدم لقيمات يُقِمن صلبَه، فإن كان لا بدَّ فاعلاً، فثُلثٌ لطعامه، وثلُث لشرابه، وثلث لِنَفَسِه))
كما روى ابن ماجهْ وصحَّحه الألباني.
وقال - تعالى -:
ï´؟ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ï´¾
[طه: 81]
فلتكتَفِ بلقيماتٍ كما أُمِرت.
* ولتعقد هدنةً مع الكلام: رجاءً، أغلق فمَك في رمضان، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فلْيَقُل خيرًا أو لِيَصمت)).
وانتبه؛ فكلُّ كلمة تخرج من فمِك فهي إمَّا لك وإما عليك؛ إما ثواب وإما عقاب، قال - تعالى -:
ï´؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ï´¾ [ق: 18]
وكثرة الكلام مَدْعاة للخطأ؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وصححه الألباني:
((من صمتَ نَجا))
فلا تتكلَّمْ إلا لطاعةٍ، وأحجم لسانَك عن قول ما لا يُرضي الله، فقد سُئل النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أكثرِ ما يُدْخِل النَّاسَ النارَ، فقال:
((الفَمُ والفرْج))
كما رواه أحمد، وصحَّحه الألباني.
وهما أيضًا سببٌ لدخول الجنَّة؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح البخاري":
((من يضمن لي ما بين لَحْييه وما بين رِجْليه، أضمَنْ له الجنَّة)).
وهذا يدلُّك على خطر اللِّسان، وخطر ما يخرج منه، فلا تتكلَّم - أخي يا بن الإسلام - إلاَّ إذا ترجَّحت المصلحة، أمَّا إذا تساوَت المصلحة مع المفسدة فلا تتكلَّم، فضلاً عن أن المفسدة إذا زادت فلا تتكلَّم.
* ولْتَعقد هُدنةً مع السَّرير: دعْه يستَرِح منك شهرًا، نحن نعترف أنَّ النوم نعمةٌ من الله - عزَّ وجلَّ - على عباده، لكن إذا أساء العبْدُ استخدامها، وتعدَّى بها إلى حدِّ الإفراط، أفسدَتْ قلبه؛ فاحذر كثرةَ النَّوم؛ حتَّى لا يضيع عمرُك، ويضيع دينك وقلبك.
كلَّما حدَّثتْك نفْسُك بالنَّوم والتكاسل في العبادة، فأغمِض عينك، وتخيَّل الجنَّة، وقل لنفسك: أترضَين أن نخسر الجنة؟! أتنامين وهناك من يسبقنا إلى الجنَّة؟! أما علمتِ أنَّ فلانًا يتلو القرآن الآن، وفلانًا يصلِّي من الليل الآن، فماذا سيفيدك النوم إذا سبقَكِ هؤلاء إلى الجنَّة بدرجاتٍ؟! ولذلك أنصحك - أخي يا بن الإسلام - أن تجعل لك صديقًا مخلصًا ذا همَّة عالية، تتنافس معه في العبادات
ï´؟ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ï´¾
[المطففين: 26].
* ولْتَعقد هدنة مع النَّاس: فأنفاسُ الناس دُخَان القلوب، ومُخالطة الناس بلاء، ولا سيَّما هذه الأيَّام، قال بعض السَّلَف: "هذا أوان السُّكوت، ولزوم البيوت"، فاحْذَر مُخالطة أهل الدُّنيا؛
فَإِنَّ خَلاَئِقَ السُّفَهَاءِ تُعْدِي
فإن كان لا بدَّ من المُخالطة، فلتكن يسيرةً، ولتكن بالصَّالحين، وعليك بِذَوي الهمم العالية منهم.
* ولْتَعقد هدنة مع العين: أرِحْ بصرك حتى تنطلقَ بصيرتُك، وسبيل ذلك أن يسَعَك بيتُك، ولا تنطلق في الشَّوارع، اشْغَل نفسك ببعض الطاعات، لا تَجِدْ وقتًا للخروج، واشغل بصرك بالنظر إلى المصحف لا ترَ أحدًا.
(4) هدنة مع الوالدين والأرحام:
إن مجرَّد شعورك أن كلَّ الناس يحبُّونك، ويُعجبون بك، وأنه ليس لك أعداء، ولا أحد يَحْقِد عليك، هذا الشُّعور بِمُفرده يجلب راحة نفسيَّة، وهدوءًا قلبيًّا، وراحةَ ضمير، وراحة بالٍ، وكلها مطلوبةٌ يَحْتاج الإنسان إليها.
إنَّنا نطلب ذلك لا لنُعجَب بأنفسنا وراحتنا فقط، ولكن لنستطيع أن نَجْمع الهمَّ؛ كي نَعْبد ربَّنا كما ينبغي، فأحسن أخي إلى الجميع، وأرِح الجميع ولو على حساب نفسك، سامِح الكلَّ، وتنازل عن الحقوق، وأدِّ جميع الواجبات تُجَاه الجميع، ابْذل كلَّ ما تستطيع لعقد هدنة مع كلِّ مَن حولك من الأقارب.
(5) هدنة مع نفسك لِتَرك الذنوب والمعاصي:
هدنة في الحرب مع الله، قال - تعالى -:
ï´؟ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾
[البقرة: 229]
ابدأ فورًا بإقامة العهد مع النفس بالإقلاع عن الذُّنوب، والتوبة إلى الله، والعَزْمِ على عدم العودة بنيَّة حقيقيَّة صادقة.
(6) هدنة مع طول الغياب خارج المنزل، وكثرة الارتباطات والمواعيد واللقاءات:
تفرَّغ في رمضان لعبادة ربِّك، لِمُعالجة نفسك، والعمل على تهذيبها، أنت في فترة عنايةٍ مركَّزة للقلب، فلماذا تُكْثِر الخروج من البيت لغير فائدة؟! تشتري كذا! وتزور فلانًا! وتكلِّم فلانًا!
يُمْكِنُك أن تشتري حاجيات رمضان قبل دخوله؛ حتَّى لا تنشغل بغير العِبادة، يُمْكنك أن تشتري ملابس العيد قبل دخول رمضان، وتتركها حتَّى العيد، والأشياء الأخرى التي تُرِيدها في العيد اشتَرِها من الآن.
سأل عقبةُ بن عامر رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن النَّجاة، فقال:
((أمسِكْ عليك لسانَك، ولْيَسعْك بيتُك، وابْكِ على خطيئتك))
رواه الترمذيُّ، وصححه الألباني.
(7) هدنة مع كثرة الإنفاق والتبذير:
شُرع الصيامُ للتقليل من الطَّعام والشراب، ولكن - للأسف الشديد - تجد النَّاس يُنْفِقون مِن الطعام والشَّراب في رمضان ما لا يُنْفِقونه في غيره، والتَّبذير ليس من صفات المؤمنين، بل من صفات الشياطين، ويمكنك أن تتَّفِق مع الأسرة على أمورٍ، منها: الاتِّفاق على:
* الصَّدقة؛ فهي دليلٌ على صِدْق المرء في إيمانه، فاتَّفِق على أن تتصدَّق كلَّ يوم ولو بشيءٍ قليل؛ فإنَّ الله يضاعفه، تصدَّقْ أنت مرَّة، وأعط زوجتَك هي الأخرى تتصدَّق مرَّة، وأعط ولدَك يتصدَّق؛ ليتعوَّد الجميعُ على العطاء والبذل، والله يُضاعف لمن يشاء.
* الاجتهاد في تَفْطير صائمٍ، أو صائمين، أو ثلاثة، أو عشرة كلَّ يومٍ قدر استطاعتك؛ فإنَّ لك مثْلَ أجْرِه كلَّ يوم.
* إطعام المساكين ومساعدة المُحتاجين.
(8) هُدْنة مع العقول والقلوب من التَّفكير والتدبير للدنيا:
فالدُّنيا لا تستحِقُّ أن تفكر فيها؛ فهي أهون من ذلك، وأحقَرُ من أن تنشغل بها وتدبِّر لها، لذلك اجعل تفكيرك كلَّه في الآخرة:
* فكِّر في حسنةٍ جديدة تعمَلُها، ابحث عن عبادةٍ مهجورة لتقوم بها، ابحث عن ذِكْرٍ مهجور لا يقوله كثيرٌ من الناس، أو لم تَقُله أنت أبدًا، واذْكُر الله به، فكِّر كيف تجمع الحسنات، وتدَّخِر الأجر عند الله.
* فكِّر في خدمة المسلمين، كيف تخدمهم وتبذل الخير لهم؟
* فكِّر في خدمة الدِّين، كيف تخدم دينَك؟ وكيف تبذل في سبيله؟ تعطي شريطًا هديَّة، تقوم بإلقاء موعظة، تُهدي كتيبًا، تدعو رجلاً لترك التدخين، وتدعو آخَر للمحافظة على الصلوات، تقوم بعمل مجلَّة حائط، تقوم على حلقةٍ لتحفيظ القرآن وتجويدِه، تفكِّر في خدمة دينك، فدينُنا يحتاج إلى كلِّ يد تكتب عنه، وتُدافع عنه، وإلى كل لسان يُبَيِّنُ حقيقته وعظمته للناس، وإلى كل قلب ينبض بحبِّه، وأنصحك بكتاب "33 وسيلة لخدمة الدِّين" لشيخنا/ "رضا صمدي" - حفظه الله - فإنَّه ينفعك كثيرًا - إن شاء الله تعالى.
* فكر في لذَّةٍ أخروية، فكر كيف تفوز غدًا بالجنة؟ كيف تستشعر قرب الله إذا ذكَرْتَه؟ كيف تحقِّق الخشوع في الصَّلاة؟ كيف تخلو بربِّك في ساعة النُّزول الإلهيِّ؟ كيف تبكي بين يديه، وتفزع إليه، فتَشْعر بِقُربه منك، وقربك منه، وحبِّه لك؟ فكِّر دائمًا في الآخرة، كيف تَحْظى برضا الله عنك، وحُبِّه لك؛ فإنَّ ذلك أدعى إلى الوصول إلى كلِّ مأمول، والله - تعالى - المُسْتعان.
(9) هُدْنة مع استهلاك الأعضاء:
ففي رمضان أرِح عينيك بعدم التطلُّع إلى الدنيا وما فيها من شهوات، وأرِح أُذنيك من ضجيج الكلام وصخب الهموم والغموم والمُحرَّمات، وأرح رجليك من كثرة الانتقال هنا وهناك من غير فائدة، وأرح عقلَك من هموم الدُّنيا ونكدِها، وانشغل بالطاعات، وأرح معدتَك بعدم دسِّ الطعام فيها على الدوام، وأرح أمعاءك كذلك، وأرِح قلبك من التعلُّق بالبشر، والتعلُّق بالأسباب، اجمع هَمَّك - أخي يا بن الإسلام - وأرح جوارحك، تستَمْتِعْ بحبِّ الله - تعالى.
(10) هدنة مع الهموم:
أريدُك أن تطرح الهمومَ عن صدرك، لا تشغل ذِهْنَك بها؛ فهذا رجلٌ طلب منه أولادُه ملابس المدرسة، وكتب المدرسة، وكراريس المدرسة، فلم يَدْرِ من أين يأتي بالمال؛ لكي يشتري لأولاده ما يريدون، وظل الهمُّ في صدره، ونام وعقْلُه مشغولٌ بذلك، ولكنه استراح من ذلك الهمِّ فجأة! أتدرون ماذا حدث؟! مات! راحة أبديَّة من هذه الدنيا!
لذلك أقول لك: والله إن هذه الدُّنيا لا تستحقُّ أن تقتل نفسك من أجْلِها، ولذلك أيضًا: اجعل الهمَّ هَمًّا واحدًا، وهو رضا الله، اجعل هذا هَمَّك: أن تُرضي الله وحده، فلو رَضِيَ عنك، لنالك كلُّ بِرٍّ وخير، وبرَكةٍ وفضل.
هذا الهمُّ لا يُؤَجَّل، وجميع الهموم تُؤَجَّل، فليكن هَمُّك في رمضان هو عِتْقَ رقبتك من النَّار، والفوز برضوان الله العزيز الغفَّار - تبارك وتعالى.
فيا ابن الإسلام:
إذا كانت هذه الهدنة تامَّة، كانت الراحة التامَّة، فكان الاستقبال لرمضان بحفاوةٍ بالغة، وبداية مُوَفَّقة، وعناية مركَّزة، فتعيش رمضان حقيقةً كما ينبغي، وتحافظ دائمًا على إشراقتِه الإيمانيَّة، والله الموفق.
التمرين الثالث:
التدريب على تعظيم الشعائر:
غفلة القلب من أضرِّ الأشياء على العبد؛ ولذلك لا بدَّ في الاستعداد لرمضان من التدريب على يقظة القلب، ولا شكَّ أن من يقظة القلب أن يُراعي شعائر الله، وأن يعطيها حظَّها من التوقير والتعظيم وحِفْظ الحرمة، وهذا مطلبٌ خطير، يجب أن يُراعَى في رمضان.
يجب أن نكون من داخلنا خائفين قلقين أن يفوتنا رمضانُ من غير أن نُعتق من النار، ونُكتبَ من أهل الجنة؛ أصحابُ السبت لَمَّا لم يُعظِّموا أمْرَ الله في عدم الصَّيد يوم السبت مسخَهم الله قردةً:
ï´؟ فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ï´¾
[الأعراف: 166]
والله - تعالى - يقول:
ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾
[البقرة: 183]
فهذا أمرٌ وفَرْض، وشعيرة عظيمة، مَن عظَّمَها فهو التقيُّ؛ قال - تعالى -:
ï´؟ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ï´¾
[الحج: 32].
التَّمرين الرابع:
التدريب على استقامة القلب:
لكي نستعد لرمضان؛ لا بُدَّ من استقامة القلب، بأن يكون الله أحبَّ إلينا من كلِّ شيء، فنُقَدِّم محبَّتَه على كلِّ شيء، وأن نعظِّم أمره ونهيه؛ لأنَّ تعظيم الأوامر والنواهي من تعظيم الآمِر والنَّاهي، وأن نقوم بعمليَّة تطهيرٍ ظاهري وباطني، ويكون ذلك بأمورٍ، منها:
1- التعلُّق بالله:
أن يتعلَّق القلب بالله وحده، وإنَّ من أكبر عوامل فساد القلب التعلُّقَ بالأسباب، لا تظنَّ أنك بهذه الأسباب وحْدَها ستُوَفَّق لطاعة الله؛ بل لا بدَّ من عون الله لك، لا بدَّ أن يتعلق قلبُك بالله؛ فأنت لا حول لك ولا قوَّة، والحول والقوة لله وحده، ومن أخطر نتائج التعلُّقِ بالأسباب أن يَحُول الله بينك وبين قلبك: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ï´¾ [الأنفال: 24]، لا بدَّ لك من شوقٍ مُحْرق، يأخذ بيدك إلى ربِّك، وقد تناولتُ هذه المسألة من قبل.
2 - استيعاب القلب لأسرار الطاعات، واستلهام حلاوة الإيمان:
فإذا فَقِه القلبُ أسرار الطاعة، وذاق لذَّتَها، انصلح حالُه، وآفة أعمالنا أنَّها تجري على الشكليَّات والمناظر، وما يبدو في الظاهر، هكذا نشَأْنا؛ نؤدِّي العبادات كما رأينا آباءنا وأجدادنا يفعلون، دون دراسةٍ لأسرارها، أو فقهٍ لِرُوحها، ومن ثَمَّ ضاع أثرُها، فعُدْتَ ترى صلاةً بغير خشوع، وقرآنًا بغير تدبُّر، وصيامًا بغير تبتُّل، وحجًّا وعمرة بغير حبٍّ وشغَفٍ وشوق... كلُّ العبادات تؤدَّى شكليًّا أداءً للواجب؛ ولكن دون وعيٍ صحيحٍ بأسرار العبادة؛ فكانت النتيجة أن تجد أعمالاً بغير نتيجة، ولا أثر لها على شخصيَّة العبد، وعلى حاله مع الله!
إنَّنا - يا بن الإسلام - إذا أرَدْنا أن نذوق طعم العِبادة، ولذَّة الطاعة، فلا بُدَّ من معرفة حقيقيَّة لأسرار العبادة، ورمضانُ له أسرار، وأسرار الصِّيام أعظم، وسأَذْكُر لك - أخي يا بن الإسلام - طرَفًا من أسرار بعض العبادات فيما بعد - إن شاء الله تعالى.
التمرين الخامس:
التَّرويض على الانكسار لله - عزَّ وجلَّ:
قال - تعالى -: ï´؟ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ï´¾
[العلق: 6 - 7]
إنَّ رؤية الإنسان لنفسه بعين الغِنَى تجرُّه إلى الطغيان ومجاوزة الحدِّ، فلا يليق بالمؤمن إلاَّ الفقر، وهو أصْلُ خِلْقته، ولكن هذا الفقر الداخليَّ يحتاجُ إلى استشعار حقيقيٍّ؛ لِيَظهر أثَرُه على الجوارح وفي الفكر والتعبُّد.
ومعلومٌ أن الفقر وصفٌ ذاتي لكلِّ مخلوق، وصفٌ لازم له، كما أن الغِنَى وصْفٌ ذاتِيٌّ للخالق - جلَّ وعلا -:
ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ï´¾
[فاطر: 15]
فلا بد أن تُظهر فقرَك وذُلَّك وانكسارَك بين يديه - سبحانه وتعالى - والطاعات مدَدٌ وأرزاق، وحينما تدخل على المَلِك وأنت فقيرٌ يعطيك، وإذا دخَلْتَ عليه وأنت مُسْتعلٍ طردَك؛ لا بُدَّ أن تدخل بفقرك وضعفك وحاجتك ومسكنَتِك.
وهذا الباب - باب الذُّل - بابٌ عظيم يوصل إلى رضا الربِّ الكريم - جلَّ جلاله - كما قال بعض السَّلَف: أتيتُ الله من الأبواب كلِّها، فوجدْتُها ملأى، فأتيتُه من باب الذُّل، فوجدتُه خاليًا.
إنَّ إظهارك الافتقار لله يستجلب لك رحمته وعفْوَه؛ فأنت فقيرٌ إلى الله، والله غنيٌّ عنك وعن عمَلِك، وكل ما تعمل من عملٍ إنَّما هو لِنَفع نفسك:
ï´؟ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ï´¾
[يونس: 108]
فالله - تعالى - لا تنفعه طاعةٌ، ولا تضرُّه معصية، ولو أنَّ خلْقَه كلهم؛ أوَّلَهم وآخرهم، وإنسهم وجِنَّهم كانوا على أتقى قلب رجلٍ منهم، ما زاد ذلك في مُلْكِه شيئًا، ولو أن أولهم وآخرهم وإِنْسهم وجِنَّهم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئًا.

ابوالوليد المسلم 21-04-2020 02:11 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(4)
محمود العشري
القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
القاعدة الرابعة:
نبذ البطالة والبطَّالين ومصاحبة ذوي الهمم:
ليس هناك أشأَمُ على السائر إلى الله من البطالة وصُحْبة البطَّالين؛ فالصاحب ساحبٌ، والقرين بالمقارن يقتدي، "والبُرْهان الذي يعطيه السَّالكون - علامةً لصدقهم - أنَّهم يأبون إلاَّ الهجرة والانضمامَ إلى القافلة، ويَذَرون كلَّ رفيق يثبِّطهم ويزين لهم إيثار السلامة، ينتَفِضون ويهجرون كلَّ قاعد، ويهاجرون مع المهاجرين إلى الله، ويَطْرحون أغلال الشَّهوات وحُبَّ الأموال عن قلوبهم".
ولما أراد قاتِلُ المائة أن يتوب حقًّا، قيل له: اُتْرُك أرضك؛ فإنَّها أرض سوء، واذهب إلى أرض كذا وكذا؛ فإنَّ بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم - وقصَّته في الصحيحين - فلا بُدَّ لمن أراد تحصيل المغفرة من شهر رمضان أن يترك المُخلِدين إلى الأرض، ويُزامل ذوي الهمم العالية، كما قال الجُنَيد: سيروا مع الهِمَم العالية.
وقد أمر الله خير الخلق - صلَّى الله عليه وسلَّم - بصحبة المُجِدِّين في السَّير إلى الله وترك الغافلين
فقال - عزَّ من قائلٍ -:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
[الكهف: 28]
وقال: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان: 15]
وقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ﴾ [التوبة: 119].
فلو صحب الإنسانُ من يظنُّون أنَّ قيام ساعة من الليل إنجازٌ باهر، فهو مغبون لن يعدو قدْرَه، بل سيظَلُّ راضيًا عن نفسه، مَانًّا على ربِّه بتلك الدقائق التي أجهد نفسه فيها، ولكنَّه لو رأى الأوتاد من حوله تقف الساعات الطِّوال في تهجُّد وتبتُّلٍ وبكاء - وهم مُتَقالُّوها - فأقلُّ أحواله أن يظل حسيرًا كسيرًا على تقصيره.
ونبْذُ البطالةِ هِجِّيرى الناسكِ - دأبُه وشأنه وعادتُه - في كلِّ زمان، وقد قيل: طلَبُ الراحة للرِّجال غفلة، وقال شُعْبة بن الحجَّاج البصريّ - أميرُ المؤمنين في الحديث -: "لا تقعدوا فراغًا؛ فإن الموت يطلبكم"، وقال الشافعيُّ: "طلب الراحة في الدُّنيا لا يصحُّ لأهل المروءات؛ فإنَّ أحدهم لم يزل تعبان في كلِّ زمان"، وقيل لأحد الزُّهَّاد: كيف السبيل ليكون المرءُ من صفوة الله؟ فقال: "إذا خلع الرَّاحةَ، وأعطى المَجْهود في الطاعة"، وقيل للإمام أحمد: متى يَجِدُ العبْدُ طعم الرَّاحة؟ فقال: "عند أوَّل قدمٍ يضعُها في الجنَّة".
أما البحث عن ذوي الهمم والمروءات، وأصحاب السرِّ مع الله، فهي بُغية كلِّ مُخْلِص في سيره إلى الله، قال زين العابدين: "إنَّما يجلس الرَّجلُ إلى من ينفعه في دينه"، وقال الحسن البصري: "إخواننا أحبُّ إلينا من أهلنا وأولادنا؛ لأن أهلنا يُذكِّروننا بالدُّنيا، وإخواننا يُذَكِّروننا بالآخرة"، قال شاعر:
لَعَمْرُكَ مَا مَالُ الفَتَى بِذَخِيرَةٍ

https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَكِنَّ إِخْوَانَ الثِّقَاتِ الذَّخَائِرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وكان من وصايا السَّلف انتقاءُ الصُّحبة، فاجتهد أيُّها الأريب باحثًا عن أعوان المسير أصحاب الهمم العالية، ابحث عنهم في المساجد بالضَّرورة، اسأل عنهم في مجالس التُّقاة، لا تستبعد المفاوز لتصل إليهم.
مع هذه الصُّحبة تتعاونون على تَدارُك الثَّواني والدقائق، تُحاسِبون أنفسكم على الزَّفرات والأوقات الغاليات، لو فرَّط أحدُكم في صلاة الجماعة وجد من يستحِثُّه على عقاب نفسه كما كان يفعل ابن عمر.
ترى البطَّالين يصلُّون التراويح سويعة، ثم يسهرون ويسمرون ويسمدون، وتضيع عليهم صلاة الفجر:
﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
[الكهف: 104]!
لا أيها الرَّشيد؛ تعال أُخْبِرْكَ بحال مَن اجتمعوا على السَّيْر إلى الله: أوقاتهم بالذِّكْر وتلاوة القرآن معمورة، مساجدهم تهتزُّ بضجيج البكاء من خشية الله، تراهم ذابلين من خوف الآخِرَة، وعند العبادة تراهم رواسِيَ شامخاتٍ كأنَّهم ما خُلِقوا إلا للطَّاعة، ليس في قاموسهم: فاتَتْني صلاة الجماعة، دَعْ عنك أصل الصَّلاة، تراهم في قيامهم وقعودهم خاشعين، كأنَّهم على حياءٍ من الله يقولون: سبحانك ما عبَدْناك حقَّ عبادتك!
ليلهم، وما أدراك ما ليلهم؟! نحيب الثَّكالى يتوارى عند نشيجهم:
﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
[الأنفال: 6]
صلاتُهم في الظَّلام تُجَلَّل بأنوار الكرامة، فهُم في حُلَلها يتبخترون، وببهاء مُناجاتهم لربِّهم يتيهون، مَحَا استغفارُ الأسحار سخائمَ - أحقادَ - قلوبِهم، فهم في نعيم الأنس يتقلَّبون، وبلذيذِ الخِطَاب يستمتعون.
واعلم أيُّها النبيه أنَّ مِن تمام سعيك لتحصيل المغفرة من شهر رمضان أن تبحث لك عن شيخٍ مُرَبٍّ أريب، قد يكون ظاهرًا أو خفيًّا، قد يكون عالِمًا أو طالب علم، ولكنَّك من لَحْظِه ولفظه تعلم أنَّه صاحب سرٍّ مع الله، ومثل هؤلاء يشتهر أمرهم غالبًا بين الناس، وإن بالغوا في التخفِّي؛ فلن تعدم من يدلُّك عليهم إذا أكثرت التَّسْآل عنهم، وشرط انتفاعك بهم أن يكونوا من أهل السُّنة، والنُّسك السَّلفي، فهؤلاء هم أمَنة الأمَّة وهُداتها.
ومثل هؤلاء تنتفع بِهَديهم ودَلِّهم وسَمْتِهم، وبِفعالهم قبل أقوالهم، تراهم في الصَّلاة نَمُوذجًا للتبتُّل والتنسُّك، تكبيرتهم في الصَّلاة - وإن خفتَتْ بها أصواتهم - فكأنَّها صرخة في مجرَّات الكون بحقيقة أكبريَّة الله - عزَّ وجلَّ - ركوعهم وسجودهم رمز السُّجود لكلِّ الكائنات، إذا أبصرَتْ عيناك عبادتَهم ودِدْتَ لو سبَّحَت الخليقة كلُّها بتسبيحهم، ولعلَّها تفعل! أَمَا قال الله - تعالى - عن داود:
﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ
[ص: 18 - 19]
فاللَّهم إنا نسألك صحبة الصَّالِحين، وألْحِقنا بهم يا ربَّنا في جنات النعيم.
القاعدة الخامسة:
إعداد بيانٍ عن عيوبك وذنوبك المستعصية، وعاداتك القارَّةِ في سُوَيداء فؤادك:
لتبدأ علاجها جديًّا في رمضان، وكذا إعداد قائمة بالطاعات التي ستجتهد في أدائها؛ لِتُحاسب نفسك بعد ذلك عليها، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه البخاري:
((إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبَل، يخاف أن يقع عليه، وإنَّ الفاجر
يرى ذنوبه كَذُباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا))
لأن هِمَّة أبناء الآخرة تأبى إلاَّ الكمال، وأقل نَقْص يعدُّونه أعظمَ عيب، قال الشاعر:
وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ عَيْبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كَنَقْصِ القَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وعلى قدْرِ نفاسة الهِمَّة تشرئبُّ الأعناق، وعلى قدر خساستها تثَّاقل إلى الأرض، قال الشاعر:
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِي العَزَائِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ الْمَكَارِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وهذا ردٌّ على من يقول: ومن لنا بِمَعصوم عن عيبٍ غير الأنبياء، ويردِّد:
وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْجَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كَفَى الْمَرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنَّ هذه القاعدة في التعامل مع الناس، أمَّا معاملة النَّفس - أيُّها الأريب - فهي مبنيَّة على التُّهمة، وعلى طلب الكمال، وعدم الرِّضا بالدُّون:
فَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الأَجْسَامُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فذاك السَّالك دومًا يستكمل عناصر الإيمان، كلَّما علم أنَّ ثَمَّة ثلمة، يعزم لذلك عزمة - تأمَّل - فإذا شرع في الاستكمال، أدرك ضرورة الصَّفاء فيه، وأن يرفأ ويَرتُق بجنس ما وهبه الله مِن خير آنفًا؛ لئلاَّ يفضحه النَّشاز - وجود العيب مع خصال الحُسن - فيعزم لذلك عزمةً أخرى، فثالثة، تستدعي رابعة... في نهضات متواليةٍ حتَّى يصيب مُراده - أي: استِكمال عناصر الإيمان.
هذه العزمات المتوالية تستحِثُّها في كلِّ زمان، ولكن قد يتسرطَنُ عيب، ويتجدَّر ذنب، وتتأصَّل عادة، ولا يُجْدِي مع مثل هذا أساليبُ علاجٍ تقليديَّة، إنما هي عمليَّة جراحية استئصالية، تتطلَّب حِمْيَةً متوفرة في شهر رمضان، وهِمَّةً شحذْتَها قُبيل هذا الزمان المُبارك، فما بقي إلاَّ أن تضع مبضع العزيمة الحادَّ - وبِجَلَدٍ وصبرٍ - على آلام القطع تستأصل تلك الأورام النَّاهشة في نسيج إيمانك وتَقْواك، لا تستعمل أي مخدِّر؛ فإنَّ شأن المخدِّر أن يسافر بك في سمادير السَّكارى، وأوهام الحيارى، فتُفيق دون أن تدري بأيِّ الورم لم يُستأصل بكامله، بل بقيَتْ منه مُضغةٌ متوارية ريثما تتسرطن ثانية، فإذا كنت مدخِّنًا أو مبتلًى بالنَّظر أو الوسوسة أو العشق، فبادِرْ إلى تقييد كلِّ هذا البلاء، وابدأ العمليَّات الجراحية في شهر رمضان، ولا تتذرَّع بالتدرُّج الذي سميناه مخدِّرًا، بل اهجر الذَّنب، وقاطع المعصية، وابتُر العادة، ولا تجزع من غزارة النَّزيف وشدَّة الآلام؛ فإنَّه ثَمن العلاج الناجح، وضرورة الشِّفاء الباتِّ الذي لا يغادر سقمًا - إن شاء الله تعالى.
ووَجْه كون شهر رمضان فرصةً سانحة لعلاج الآفات والمعاصي والعادات: أنَّه شهر حِمْيَة؛ أي: امتناع عن الشَّهوات - طعامٍ وجِماع - والشهوات مادَّة النُّشوز والعصيان، كما أنَّ الشياطين فيه تُصفَّد - وهم أصل كلِّ بلاء يصيب ابنَ آدم - أضف إلى ذلك: جماعيَّة الطاعة، حيث لا يبصر الصائم في الغالب إلاَّ أُمَّةً تصوم، وتتسابق إلى الخيرات، فتضعف هِمَّتُه في المعصية، وتَقْوى في الطاعة، فهذه عناصر ثلاثة مهمَّة، تتضافر مع عزيمة النفس الصادقة للإصلاح، فيتولَّد طقسٌ صحِّي، وظروفٌ مناسبة لاستئصال أي داء.
يتبع

ابوالوليد المسلم 21-04-2020 02:11 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 

وقبل كلِّ ذلك وبَعْدَه: لا يجوز أن ننسى ونغفل عن ديوان العُتَقاء والتائبين والمَقْبولين الَّذي يفتحه الربُّ - جلَّ وعلا - في هذا الشهر، وبنظرةٍ عابرة إلى جمهور المتديِّنين تجد بداياتهم كانت بِعَبرات هاطلة في سكون ليلةٍ ذات نفحاتٍ من ليالي رمضان.
وما لم تتحفَّز الهمم لعلاج الآفات في هذا الشهر؛ لن تبقى فرصةٌ لأولئك السالكين أن يَبْرؤوا، فمن حُرِم بركة رمضان ولم يبْرَأ من عيوب نفسه فيه، فأي زمان آخر يستظلُّ ببركته؟!
وفي "صحيح ابن خُزَيمة" أنَّ جبريل قال:
((مَن أدرك شهر رمضان فلم يُغفَر له فدخل النَّار، فأبعده الله، قل: آمين، فقلتُ - أي: النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال -: آمين))
والحديث صحيح، وروى الطَّبراني بسندٍ ضعيف عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((بُعْدًا لمن أدرك رمضان فلم يُغفَر له، إذا لم يغفر له فمتَى؟))
وروى الطبرانيُّ بإسنادٍ فيه نظر عن عُبَادة بن الصامت مرفوعًا:
((أتاكم رمضان، شهر برَكة، يغشاكم الله فيه، فيُنْزِل الرَّحمة، ويحُطُّ الخطايا، ويستجيب فيه الدُّعاء، ينظر الله - تعالى - إلى تَنافُسِكم فيه، ويباهي بكم ملائكتَه، فأروا الله من أنفسكم خيرًا؛ فإن الشقيَّ من
حُرِم فيه رحمة الله))
أما استِحْضار أنواع الطَّاعات وتقييدها وتَوْطين العزيمة على أدائها في رمضان، فهو من أهمِّ ما يُستعدُّ له في هذا الشهر، وعلى هذا الأصل تُحْمَل كلُّ النصوص الواردة في فضل رمضان والاجتهاد فيه، فمعظمها صريحٌ أو ظاهر في أنه قيل قبل رمضان، أو في أوَّله.
ويُمَنِّي بعض الخياليِّين نفسه بأمانيِّ العزيمة التي لا تَعْدو أن تكون سرابًا يحسبه الظَّمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجِدْه شيئًا، فنراه يحلم أحلامًا ورديَّة بأن يجتهد في هذا الشهر اجتهادًا عظيمًا، وتراه يرسم لنفسه صور الحلال، وأُبَّهة الولاية، فإذا ما هجم الشَّهر، قال المسكين: اليوم خمر، وغدًا أمر، ولو أنَّ هؤلاء كانت لهم قبل شهر رمضان جولاتٌ في ميادين الاجتهاد في الطاعة لأَنِسُوا من نفوسهم خيرًا، لكنهم طمعوا في نوال القُرب ولَمَّا يستكملوا زاد المسير، كمثَل من ذهب إلى السوق بلا مال، فلا يجهد إذًا نفسه في المساومة، بل يُقال له: تَنكَّب؛ لا يقطرك الزَّحام.
لما قال أنس بن النَّضر لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد غزوة بدر: يا رسول الله، غبت عن أول قتالٍ قاتَلْت فيه المشركين، والله لئن أشهدَني الله قتالَ المشركين ليَرَيَنَّ الله ما أصنع، ثم روَوْا لنا أنَّهم وجدوه في أُحُد صريعًا به بضعٌ وسِتُّون ضربة؛ ما بين ضربةٍ بسيف، أو طعنةٍ برمح، أو رمية بسهم، فعَلِمنا ما أضمر الرَّجُل.
ولَمَّا قال ذلك الصحابيُّ: يا رسول الله، ما بايعتُك إلاَّ على سهم يدخل هاهنا، فأدخل الجنَّة، قال له الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إن تَصْدُق الله يَصْدُقكَ))
ثم رووا أن السَّهم دخل من موضع إشارته، فعلمنا ما عزَم عليه الرجل.
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِي العَزَائِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ الْمَكَارِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ العَظِيمِ العَظَائِمُ

https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

القاعدة السادسة:
الإعداد للطاعة ومحاسبة النفس عليها:
وهما وظيفتان متبايِنَتان، لكنَّهما متداخِلتان؛ أيْ: يتعاقبان، ويتوارد أحَدُهما على الآخَر؛ أمَّا الإعداد للعمل، فهو علامة التوفيق، وأمَارة الصِّدق في القصد:
ï´؟ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ï´¾
[التوبة: 46]
والطاعة لا بدَّ أن يُمَهَّد لها بوظائفَ شرعيَّةٍ كثيرة حتى تؤتِيَ أُكلها، ويُجتَنى جَناها، وخاصَّة في شهر رمضان؛ حيث تكون الأعمال ذات فضلٍ وثواب، وشرَفٍ مُضاعف لفضل الزَّمان، فصلاة الجماعة لا بدَّ أن تُسبق بإحسان الوضوء، ونيَّةٍ صادقة حسَنة في تحصيل الأجر، وزيارة الله - عزَّ وجلَّ - في بيته، وتعظيم أمره، والبِدار في تلبية ندائه: "حي على الصَّلاة"، والمسارعة في سماع خطابِه، والالتذاذ بِمُناجاته ولقائه.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((صلاة الرَّجل في جماعة تَضعُفُ صلاتَه في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا؛ وذلك أنَّه إذا توضَّأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يُخرِجه إلا الصلاةُ، لم يَخْطُ خطوة إلاَّ رُفِعت له بِها درجةٌ، وحُطَّت عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى لم تزَل الملائكة تصلِّي عليه ما دام في مُصلاَّه ما لم يُحدث، تقول: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحَمْه، ولا يزال في الصَّلاة ما انتظر الصلاة))
والحديث متَّفق عليه.
ويَحتفُّ بهذا الإعداد - في التطهُّر والنِّيات - إعدادٌ نفسي للُقْيا الله - عزَّ وجلَّ - ويكون ذلك بأمورٍ، منها: ترداد الأذكار الشرعيَّة الواردة عند الخُروج من البيت والمَشْي إلى المسجد؛ فإنَّها مهمَّة في حضور القلب، ومنها عدم فِعْل ما يتَنافى مع الوقار والطُّمَأنينة أثناء المَشْي إلى المسجد؛ كتشبيكِ الأصابع، وكثرة التلفُّت والتطلُّع إلى المارَّة، وزخارفِ وزهرة الدنيا - وخاصة في هذه العصور - وعدم الإسراع والسَّعي؛ وذلك أن المشي إلى الصلاة جزءٌ هامٌّ ممهِّد للخشوع في الصلاة؛ لذا قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إذا أُقِيمت الصَّلاة فلا تأتوها وأنتم تسعَوْن، وأْتُوها وأنتم تَمْشون وعليكم السَّكينة))
والحديث متَّفَق عليه، وفي رواية لمسلمٍ:
((فإنَّ أحدَكم إذا كان يعمدُ إلى الصلاة فهو في صلاة))
ولا ينبغي أن يُكْثِر من الضَّحك قبل الصلاة وبعدها؛ فإنَّه يذهب لذَّة الخشوع، ويقسِّي القلب، ويَحُول بينه وبين الشُّعور بثمرة الطَّاعة.
وعند دخول المسجد لا بُدَّ أن يَدْخله معظِّمًا، مُظهِرًا الوجَل من مهابة المكان وصاحبه؛ فإنَّ المساجد منازِلُ الرحمة، ومهابط البَركات؛ لذا شرع أن يقول الدَّاخلُ إلى أيِّ مسجد: أعوذ بالله العظيم، وبوجهِه الكريم، وسُلْطانه القديم من الشيطان الرَّجيم.
فإذا دخل المسجدَ شَرع في السُّنة الراتبة أو النافلة، ريثما يُقام للصلاة، وأهمِّية هذه السُّنة أو النافلة تَكْمُن في تهيئتها وتمهيدِها للفريضة لكمال الحضور فيها.
ثم يَشْرع في صلاة الفريضة، مستحضرًا ما سأذكره عن وسائلِ تحصيل لذَّة الطَّاعة في الصلاة عند الكلام عن وسيلة المُحافظة على الصلاة - إن شاء الله.
ومن جنس هذا: الاستعدادُ لصلاة التراويح؛ فإنَّها من أعظم العبادات في ليالي رمضان؛ ففي الصحيح أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه))
وعن أبي ذرٍّ قال: صُمْنا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رمضان فلم يَقُم بنا شيئًا من الشهر حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب ثُلث اللَّيل، فلما كانت السادسة لم يَقُم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلتُ: يا رسول الله، لو نفلتنا قيام هذه الليلة - أيْ: قُمْت بنا الليلة كلَّها - قال: فقال:
((إن الرجل إذا صلَّى مع الإمام حتَّى ينصرف حُسِب له قيام الليلة))
والحديث رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح.
ويشكو كثيرٌ من المواظبين على قيام الليل في رمضان من عدم لَمْسهم لثمرة هذه الصَّلاة، مع اعتقادهم بأهميتها، وسَعْيِهم لبلوغ الغاية من أدائها، والحقُّ أن هذه الصلاة المهمَّة - كغيرها - تحتاج إلى إعدادٍ وتَهْيئة، فيَلْزم الراغب في الانتفاع من صلاة التراويح إقلالُ الطَّعام للغاية، ويُحبَّذ أن يأتي المسجد وفي بطنه مسٌّ من جوع؛ فإنه مُثْمِر جدًّا في حضور القلب، ويَنْبغي عليه أن يتطهَّر جيدًا، ويلبس أحسن الثِّياب، ويأتي الصلاة مبكرًا، وقبيحٌ جدًّا أن تفوته صلاة العشاء، فهذا دليلُ الحرمان وعدم الفقه في الدِّين؛ فإنَّ صلاة العشاء في جماعةٍ تَعْدِل قيام نصف ليلة، كما في الحديث، فوق كونِها فريضةً، والله - عزَّ وجلَّ - يقول في الحديث القدسيِّ الذي رواه البخاريُّ:
((وما تقرَّب إليَّ عبدي بأحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه)).
ثم يَسْتحضر القدومَ على الله، والوفادة إليه، وانتهاز فرصة التعرُّض لرحمته والعتقِ من النَّار، ويذهب إلى المسجد يدفعه الشَّوق والرغبة في الفضل، ويكدِّره الحياء من الله، وخوف الردِّ والإعراض، ويطلب مساجد أهل السُّنة حتى يُوهَب للصالحين إن كان من غير المقبولين، ثم يَسْتحضر ما ذكرتُه من وظائف عند الدُّخول في الصلاة وأثناءَها.
وأما مُحاسبة النفس على الطاعات، فهذا من أنفع الوظائف التي يقوم بها العابدون في شهر رمضان، والأصل أنَّ المُحاسبة وظيفةٌ لازمة لسالك طريق الآخرة، ولكنَّها تتأكَّد وتزداد في هذا الشهر.
والمُحاسبة معناها: فَحْصُ الطاعة ظاهرًا وباطنًا، وأولاً وآخِرًا؛ بحثًا عن الثَّمرة؛ ليعرف مأتاها فيحفظَه، وقدْرَها فينمِّيه، ووصولاً للنقص سابقًا؛ ليتداركه لاحقًا.
والمُحاسبة تكون قبل العمل وأثناءه وبَعده؛ أما قبله فبالاستعداد له، واستحضارِ ما قصَّر فيه؛ حتَّى يتلافاه، وأثناءه: بمراقبة العمل ظاهرًا وباطنًا، أوَّله وآخره، والمحاسبة بعد العمل: بإعادة ذلك العمل.
وهذه المُحاسبة إذا واظب عليها المرءُ صارت مسلكًا لا يحتاج إلى تكلُّفٍ ومعالجة، وسيجد غِبَّ هذه المُحاسبة وثمرتَها تزايدًا في مقام الإحسان الذي سعى إليه كلُّ السالكون: أن يعبد الله كأنَّه يراه.
ومثلُ هذه المُحاسبة ينبغي أن تكون في الخَفاء، يحاور نفْسَه وهواه، ويعالِجُ أيَّ قصورٍ بِلوم نَفْسِه وتقريعها، وعقابِها على كسَلِها وخمولها.
ولا يُنصح بِمُداومة الاعتماد على أوراد المُحاسبة الشائعة، وقد اختلف فيها الناس على طرفَيْن، فمنهم من جعلَها وسيلةً دائمة للتَّربية، وطريقةً ناجحة لتقويم النَّفْس، ومنهم من بالغ ومنَع منها مطلقًا، واصفًا إيَّاها بالبدعة، والحقُّ التوسُّط، نعم هي وسيلةٌ لم تَرِد عن سلف هذه الأمَّة، لكن تشهد لها نظائر في الشَّرع؛ مثل: عدِّ التسبيح بالحصى، ونحو ذلك مما ثبتَ عن الصحابة والتابعين، ثم إننا لا نقول بجواز الاعتماد على تلك الأوراد في كلِّ الأحايين، بل ننصح بها في بداية السير، وأيضًا لا نُلزم بها أحدًا، ولكن من عوَّل عليها في بداية سيره - لكون نفسه متمردةً شَمُوسًا - فنرجو ألاَّ يكون ثَمَّةَ حرَج؛ شرطَ عدمِ توالي اعتمادِه عليها.
والصَّواب تنشئة النَّفس على دوام المُحاسبة الذاتيَّة والمراقبة الشخصيَّة، وتعويدها على العقاب عند الزَّلَل؛ فإن هذا من شأنه أن يُنقِّي العبادة من أيِّ حافز خارجي، دخيلٍ على النِّية الصالحة كرغبةٍ في تسويد ورقة المحاسبة أو نحو ذلك، وقال الحفظيُّ:
شَارِطِ النَّفْسَ وَرَاقِبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لاَ تَكُنْ مِثْلَ البَهَائِمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ثُمَّ حَاسِبْهَا وَعَاتِبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَعَلَى هَذَا فَلاَزِمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ثُمَّ جَاهِدْهَا وَعَاقِبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هَكَذَا فِعْلُ الأَكَارِمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


لَمْ يَزَالُوا فِي سِجَالٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لِلنُّفُوسِ مْحَارِبِينَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فَازَ مَنْ قَامَ اللَّيَالِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِصَلاَةِ الْخَاشِعِينَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif




ابوالوليد المسلم 22-04-2020 04:46 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(5)
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
محمود العشري
القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
القاعدة السابعة:
مُطالَعة أحكام الصَّوم وما يتعلَّق بشهر رمضان:
وهذا مِن آكَدِ الواجبات؛ فمفتاح السَّعادة ومنشورُ الولاية مرهونٌ بالعلم الصحيح النافع، المُمَهِّد للعمل الصَّالِح، وليس ثَمَّة عملٌ صالح بدون عِلْمٍ نافع، والعلم النافع يُنادي على العمل الصالح، فإن أجابه وإلا ارتحَل، فيقبح قبحًا شرعيًّا أن يتعرَّض الناسك لأجلِّ مواسم الطاعات، وهو مُفْلس من طرائق المنافسة، فقيرٌ في زاد المعاملة.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


ولا بُدَّ من معرفة أحكام الصَّوم وأعذاره، وأركانه، ومُبطِلاته، ومُباحاته، وأحكام صلاة التَّراويح والاعتكاف، وفي حقِّ المرأة أن تتعلَّم أحكام الصوم؛ في حقِّ الحائض والمستحاضة، والنُّفَساء، والصوم في حقِّ الحامل والمرضع، وأنصح بالكتب الآتية في تحصيل أحكام الصِّيام منها، مع عدم الامتناع عن سؤال أهل العلم ومراجعتهم عند المشكلات:

1 - "زاد المعاد في هَدْي خير العباد" لابن القيِّم (باب: هَدْيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصَّوم).

2 - "صَفْوة الكلام في مسالك الصِّيام"، لأبي إدريس محمد عبدالفتاح (رسالة مختصرة).

3 - "فقه السُّنة" للشيخ سيد سابق، مع "تمام المنة في التعليق على فقه السُّنة" للشيخ الألباني.

وتجنَّبْ أيها الأريب التصدُّرَ للفتيا، والتبَرُّع بالإفادات حال كونِك لست من أهل هذا الشَّأن؛ فإنَّه مشأمة لك، ومظلمة لغيرك، ومما تتأكَّد مطالعتُه: ما يتعلَّق بفقه المعاملة مع الربِّ، وما ينبغي فعله في المواسم، وأنصح بكتاب "لطائف المعارف" للحافظ ابن رجب - رحمه الله.
https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
القاعدة الثامنة:
إعداد النفس لتذوق عبادة الصبر:
قال - تعالى -:
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
[فصلت: 35]
فبعض الخَلِيقة تجعل من مواسم الطَّاعة مرتعًا لِنَيل اللذَّات بكلِّ أنواعها، وهو مرتعٌ وخيم على صاحبه؛ إذْ به يَخْرج من الشهر كما دخل، بل أفسد، وتزداد المسافة بينه وبين حقيقة قصد الآخرة، وتتكاثف غيوم الشَّهوات حائلةً بينه وبين الوصول إلى الله - تعالى.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وإذا كان شهر رمضان هو شهْرَ الصوم والصبر، فما أحْرَانا أن نتذوَّق حقيقة الصَّبر، أن نتذوَّق حقيقة الصوم، وأمامَك - أيُّها الساعي إلى الخيرات في هذا الشهر - صبْرٌ عن المَحارم، وصبرٌ على الطاعات، وبعد ذلك كلِّه صبرٌ على كل بليَّة تنالك، وأنواع الصبر هذه هي أوسمة الولاية، وقلادات الإمامة في الدِّين، كما قال شيخُ الإسلام: "إنَّما تُنال الإمامة في الدِّين بالصبر واليقين"، واستدلَّ بقوله - تعالى -:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
[السجدة: 24].

قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "فإنَّه لا خلاف بين أهل العلم أنَّ أظهر معاني الصَّبر: حَبْسُ النَّفْس على المَكْرُمة، وأنَّه من أصعب المنازل على العامَّة، وأوحَشِها في طريق المَحبَّة، وإنَّما كان صعبًا على العامَّة؛ لأن العامِّي مبتدئٌ في الطريق، وليس له دُرْبةٌ في السُّلوك، وليس تَهذيبُ المرتاض بقطعِ المنازل، فإذا أصابَتْه المِحَن أدركَه الجزَع، وصعب عليه احتمال البلاء، وعزَّ عليه وجدان الصبر؛ لأنَّه ليس في أهل الرِّياضة، فيكون مستوطنًا للصبر، ولا من أهل المحبَّة فيلتذّ بالبلاء في رضا مَحْبوبه".
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


مما نقلتُه لك تَعْلم - أيُّها الحريص على النَّجاة - أن شهر رمضان ميدانك الرَّحب؛ لِتُمارس رياضة الصَّبر، وأنت مُعانٌ في كلِّ فجٍّ: فعين الله تصنَعُك، والأبالسة في أصفادها ترمُقك، ونفسك ستَراها إلى الخير وثَّابة، وعن الشر هيَّابة، فلم يبق إلاَّ أن تُعالج الخطرات، والوساوسَ الوالجات في حنايا قلبِك، ليت شعري: ما أشبه قلبَك بالمريضِ في غرفة العناية المركَّزة! إنَّه محرومٌ من كلِّ طعام يفسد دورة علاجه، بل محرومٌ من مُخاطبة أقرب الأقربين لتتفرَّغ أجهزة جسمه للانتعاش، واستردادِ العافية، ثم إنَّه يتنفس هواءً معقَّمًا، خاليًا من كل تلوُّث، وتدخل في شرايينه دماء نقيَّة؛ لِتمدَّه بأسباب القوة، ويُقاس نبضه ودرجة حرارته كلَّ حين؛ ليتأكَّد الطبيب من تحسُّن وظائف جسمه، فما أحرى هذا القلب السَّقيمَ الذي أوبقَتْه أوزارُه، وتعَطَّن بالشَّهوات، وتلوَّث بالشُّبهات، وترهَّل بمرور الشهور والدُّهور دون تزكيةٍ وتربية - ما أحراه أن يدخل غرفة العناية المركزية في شهر رمضان، فتكون كلُّ إمدادات قوته مادَّة التقوى، وإكسير المَحبَّة لله ورسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وطاعتِهما.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


فلْتُصدر مرسومًا على نفسك أن تَلْزم جناب الحِشْمة في هذا الشَّهر أمام شهوة البَطْن وغيره، فإن أعلنَتْ عليك التمرُّدَ فلا تتردَّد في فرض الأحكام الاستثنائيَّة، وأصدِرْ قرارًا باعتقال هذه النَّفْس الناشِز، وأدخِلْها سجن الإرادة؛ حتَّى تنقاد لأوامرك إذا صدَرَت، فإن ازداد تَمرُّدُها وتجرَّأت في ثورتِها، فألهب ظهرها بسياط العزيمة، وعنِّفْها على مُخالفتها أمْرَك، وعصيانِها إرادتَك، فإن أبَتْ إلاَّ الشرود فلوِّح لها بحكم الإعدام، وأنَّها ليست عليك بعزيزة.

فإن تمنَّعَت دَلالاً وطمَعًا في عطفك، فلا بُدَّ من تنفيذ حكم الإعدام في ميدان العشر الأواخر؛ بِحَبسها في معتكَف التهذيب؛ حتَّى تتلاشى تلك النفس المتمرِّدة وتفنى، وتتولَّد في تلك الليالي والأيامِ نفسٌ جديدة، وادعة مطمئنَّة، تلين لك عند الطاعات إذا أمرتَها، وتثور عليك عند المعاصي إذا راودْتَها، فقد وُلدت ولادة شرعيَّة في مكانٍ وزمان طاهرَيْن، ونشأت وتربَّت في كنفِ الصالحين، فلن تراها بعد ذلك إلاَّ على الخير - إن شاء الله - إنَّها ولادةٌ لنفسٍ ذات إمامة في الدين، تَنَشَّأَتْ على مهد الولاية، وترقَّت في سلك الرَّهبوت والتبتُّل.
https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif

القاعدة التاسعة:
معرفة كيفيَّة تحصيل حلاوة الطَّاعات:
أمَّا كون الطاعة ذاتَ حلاوة، فيدلُّ له قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد ومسلم:
((ذاق طعْمَ الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم – رسولاً))
وقولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "الصحيحين":
((ثلاثةٌ من كُنَّ فيه، وجد حلاوة الإيمان: مَن كان الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، ومَن كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، ومَن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذْ أنقذَه الله منه كما يكره أن يُلقَى في النَّار)).
ولما نَهى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصحابَه عن الوِصال، قالوا: إنَّك تُواصل؟ قال:
((إنِّي لَسْت كهيئتِكم، إنِّي أُطعَم وأُسقَى))
رواه البخاريُّ ومسلم، وفي لفظٍ في "الصحيحين" أيضًا:
((إنِّي أظَلُّ عند ربِّي يُطعمني ويسقيني))
وفي لفظٍ عند البخاري وأبي داود:
((إنَّ لي مُطعمًا وساقيًا يسقيني))
قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "وقد غلُظَ حجابُ من ظنَّ أن هذا طعامٌ وشراب حسِّي للفم"، ثم قال: "والمقصود أنَّ ذوق حلاوة الإيمان والإحسان أمرٌ يَجِده القلب، تكون نسبتُه إليه كنسبة ذوق حلاوة الطَّعام إلى الفم".
واعلم أوَّلاً أيُّها السَّالك في مرضاة إلهك: أنَّ كلمات القوم في هذا الباب رُسوم، وإرشاداتِهم في هذا الباب عموم، ولا تبقى إلاَّ الحقيقة الثابتة في نفسها، وهذه لا يَنالها إلاَّ من أناله الله - تعالى - إيَّاها، ومن ذاق عرَف، فكُن مِن هذا على ذُكْر؛ لأنَّني سأسوق إليك كلامًا لا يفهمه غليظُ الحجاب، كثيف الرَّيْن، فإن استعصى عليك الفهم فلن أُبادر إلى اتِّهام صلتك بالله، بل أَتْممنَّ قراءة هذه السُّطور، ونفِّذ ما سأوصيك به، ثم أعِد القراءة، فإن وجَدْت الأمر كما وصَفْت، فاحمد الله الذي أذاقك طعم الإيمان وحلاوة الطاعة.
يتبع

ابوالوليد المسلم 22-04-2020 04:46 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
بدءًا يجب أن تَعْلم أنَّ الفكر لا يُحدُّ، واللِّسان لا يَصْمت، والجوارح لا تسكن، فإن لم تَشْغلها بالعظائم شُغلت بالصَّغائر، وإن لم تُعملها في الخير عملت في الشرِّ، إنَّ في النفوس ركونًا إلى اللَّذيذ والهيِّن، ونفورًا عن المكروه والشاقِّ، فارفع نفسك ما استطعتَ إلى النافع الشاقِّ، وروِّضها وسُسْها على المكروه الأحسن، حتَّى تألف جلائل الأمور، وتطمح إلى معاليها، وحتَّى تنفر عن كلِّ دنِيَّة، وتربأ عن كلِّ صغيرة، علِّمها التحليق تَكرَه الإسفاف، عرِّفها العزَّة تنفِرْ من الذُّل، أذِقْها اللذَّات الرُّوحيةَ العظيمة تحقِّر اللذَّاتِ الحسِّيةَ الصغيرة.
ودومًا يكون الإلحاحُ على علوِّ الهمة باعتبارها عنصرًا جوهريًّا في أيِّ سعي عظيم، وأي سعيٍ
أعظم من سعي الآخرة؟!
ï´؟ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ï´¾
[الإسراء: 19].
ثُمَّ اعلم - علمت كلَّ خير - أنَّ حلاوة الطاعة مِلاكُها في جمع القلب والهمِّ والسر على الله - تعالى - ويفسِّرُه ابن القيِّم قائلاً: هو عكوف القلب بِكُليَّتِه على الله، لا يلتفت عنه يَمْنة ولا يسرة، فإذا ذاقت الهِمَّة طعم هذا الجمع، اتَّصل اشتياقُ صاحبها، وتأجَّجَت نيرانُ المَحبَّة والطلب في قلبه، ثم يقول: فللَّه هِمَّةُ نفسٍ قطعت جميع الأكوان، وسارت فما ألقَتْ عصا السَّير إلاَّ بين يدي الرحمن - تبارك وتعالى - فسجدَتْ بين يديه سجدة الشُّكر على الوصول إليه، فلم تزَل ساجدةً حتَّى قيل لها:
ï´؟ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ï´¾
[الفجر: 27 - 30]
فسبحان من فاوَت بين الخلق في هِمَمهم حتى ترى بين الهِمَّتين أبعد ما بين المشرقين والمغربين، بل أبعد مِمَّا بين أسفل سافلين وأعلى علِّيين، وتلك مواهب العزيز الحكيم:
ï´؟ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ï´¾
[الحديد: 21].
ثم يقول: "وهكذا يجد لذَّةً غامرة عند مناجاة ربِّه، وأنسًا به، وقربًا منه، حتى يصير كأنه يُخاطبه ويسامره، ويعتذر إليه تارةً، ويتملَّقه تارة، ويُثْنِي عليه تارة حتى يبقى القلب ناطقًا بقوله: "أنت الله الذي لا إله إلا أنت" من غير تكلُّفٍ له بذلك، بل يبقى هذا حالاً ومقامًا، كما قال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((الإحسان أن تَعْبد الله كأنَّك تراه))
وهكذا مخاطبته ومناجاته له، كأنَّه بين يدَيْ ربِّه، فيسكن جأشه، ويطمئنّ قلبه، فيزداد لهجًا بالدعاء والسؤال، تذللاً لله الغني - سبحانه - وإظهارًا لفقر العبوديَّة بين يدي عزِّ الربوبية.
فإن الربَّ يحبُّ مِن عبْدِه أن يسأله ويرغب إليه؛ لأنَّ وصول بِرِّه وإحسانه إليه موقوفٌ على سؤاله، بل هو المتفضِّل به ابتداءً بلا سببٍ من العبد، ثم أمره بسؤاله والطَّلب منه؛ إظهارًا لمرتبة العبوديَّة والفقر والحاجة، واعترافًا بعز الربوبيَّة وكمال غنى الربِّ، وتفرُّده بالفضل والإحسان، وأن العبد لا غِنى له عن فضله طرفةَ عين، فيأتي بالطَّلب والسؤال إتيانَ مَن يعلم أنه لا يستحقُّ بطلبه وسؤاله شيئًا، ولكن ربَّه - تعالى - يحب أن يُسأل ويُرغب إليه ويُطلب منه".
ثم قال: "فإذا تَمَّ هذا البذل للعبد، تم له العلم بأنَّ فضل ربِّه سبق له ابتداءً قبل أن يخلقه، مع علم الله - تعالى - به وتقصيره، وأنَّ الله - تعالى - لم يمنعه عِلمُه بتقصير عبدِه أن يقدِّر له الفضل والإحسان، فإذا شاهد العبدُ ذلك اشتدَّ سرورُه بربِّه، وبِمَواقع فضله وإحسانه، وهذا فرح محمودٌ غير مذموم؛ قال - تعالى -:
ï´؟ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ï´¾
[يونس: 58].
وهذا كلام راقٍ يحتاج إلى تردادٍ لفهمه، وتجوالٍ في حنايا نظمِه:
فَأَدِمْ جَرَّ الْحِبَالِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَقْطَعِ الصَّخْرَ الثَّخِينَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ولكنَّني لا أدعك للرُّسوم والإشارات، وعموم تلك العبارات، بل ألِجُ بك - بإذن الله - إلى واقعٍ عمَلي تُكابد به حقائق الخدمة، وتتجلَّى لك من ورائه دقائقُ علم السُّلوك، فتستغني - أيُّها النابه العابد - بالمثال الواحد عن ألف شاهد، فهاك جملةً من الطاعات التي يؤدِّيها كلُّ الناس، أَذْكرها لك الآن إجمالاً، وأُرْجئك إلى مكانِها في الوسائل لِتَنظر كيف يجب أن تُؤدَّى وتُقام:
• ذِكْر الله - تعالى - ووسائِلُ تحصيل لذَّتِه.
• وسائل تحصيل لذَّة الصِّيام.
• وسائل تحصيل لذة الصَّلاة.
• وسائل تحصيل لذة التِّلاوة وقراءة القرآن.
• وسائل تحصيل ثمرة الدُّعاء.
https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
القاعدة العاشرة:
إحياء الطَّاعات المهجورة والعبادات الغائبة:
فشأن التِّجارة الرَّابحة مع الله: أن تتناول كلَّ مَراضيه، والذي يفتِّش عن مُرادات إِلَهه ومَحابِّه فيأتيها، هو الحاذق في تِجارته مع ربِّه - عزَّ وجلَّ.
وقد اعتاد الناسُ عباداتٍ معيَّنةً ظَنُّوها هي وَحْدها الأبواب المفتوحة إلى الله، لكن ينبغي أن يكون السَّاعي في مرضاة ربِّه بحَّاثًا عن المَسالك المهجورة، والأبواب البعيدة، ذات الطُّرق الوعرة التي تنكَّبَت عنها إرادات الناس كسلاً أو عجزًا، فمِن تلك الطَّاعات التي غفل النَّاسُ عنها، وأهْمَلوها، ولم نَجِد من يُحافظ عليها إلاَّ القليل: الاستغفار بالأسحار، وهي عبادة الصَّادقين؛ قال تعالى:
ï´؟ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ï´¾
[آل عمران: 15 - 17].
والسَّحَر هو آخر الليل، وهو وقت السُّحور؛ لذا استُحِبَّ أن يَطعَم مريدُ الصَّوم في هذا الوقت، ثم يُستَحبُّ له أن يُبقي وقتًا يسيرًا قبل الفجر للاستغفار، وطلب العَفْو والصفح، والعتقِ من النار، وهذا الوقت زبدة الأوقات العامرة، وخلاصة الأزمنة السَّائرة، تتَّصل الأرض بالسَّماء، ويعبق ليلُ المتهجِّدين بأنفاس الملائكة المُنَزَّلة، والألطاف الهاطلة، ويكون النُّزول الإلهيُّ المهيب في الثُّلث الأخير من الليل؛ حيث الأقدامُ مصفوفةٌ في مَحاريب التَّبجيل، والمآقِي مُغرَوْرِقة فرحًا بقرب الكبير الجليل، والأيادي مرفوعة بالأدعية والتَّراتيل، والألسنة لَهِجَة بالذِّكر وتلاوة التَّنْزيل.
ملاحظة:
في "صحيح البخاري ومسلم" عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه
- أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((يَنْزِل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلة إلى السماء الدُّنيا حين يَبْقى ثلث اللَّيل الآخر، يقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأُعْطيه؟ من يستغفِرُني فأغفر له؟)).
ومِن تلك العبادات المَهْجورة:
عبادة التأمُّل والتفكُّر في مخلوقات الله وعجائب قدرته، والتدبُّر في أسمائه وصفاته وآلائه ونعمته، قال - تعالى -:
ï´؟ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ï´¾
[آل عمران: 190 - 191].
وقال - تعالى -:
ï´؟ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَï´¾
[البقرة: 164].
وقال - تعالى -:
ï´؟ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ï´¾
[الأنعام: 97 - 99].
وقال - تعالى -:
ï´؟ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ï´¾ [النحل: 68 - 69]...
وغير ذلك من الآيات الدالَّة على قدرة الله - عزَّ وجلَّ - الداعية إلى التفكُّر، والتدبر، والتأمُّل فيها.
واعلم أنَّ هذه العبادة هي أصلُ طريق اليقين في الله - عزَّ وجلَّ - وبهذا التدبُّر يَثْبت بالضَّرورة في الذِّهن وجودُ الرَّب الخالق المدبِّر، ومن ثمَّ إِلَهيَّة هذا الربِّ المدبِّر، واستحقاقه للعبادة دون غيره، وبِهذا التقرير خاطبَ الله - عزَّ وجلَّ - المشركين، مُطالبًا إيَّاهم بأن يتفكَّروا في هذه الحقائق
قال - تعالى -:
ï´؟ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ï´¾ [سبأ: 46]
وقال - تعالى -:
ï´؟ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ï´¾
[يونس: 31].
واعلم أيضًا أنَّ هذه العبادة مِن أعظم ما يقرِّب الإنسانَ من ربِّه، ويوقفه على جلاله وعظَمتِه، بل هي العلم الذي أشار الله - عزَّ وجلَّ - إليه باعتباره موصِّلاً لخشية الله
قال - تعالى -:
ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ï´¾
[فاطر: 27 - 28].
وكذلك عبادة التبتُّل؛ أي: الانقطاع إلى الله تعالى، قال - تعالى -:
ï´؟ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ï´¾
[المزمل: 8]
والتبتُّل: الانقطاع، وهو تَفعُّل من البَتْل وهو القَطْع، وسُمِّيت مَرْيم: البَتُول؛ لانقطاعها عن الأزواج، وعن أن يكون لها نُظَراء من نِساء زمانِها، ففاقَتْ نساء الزمان شرفًا وفضلاً، وقُطعت منهن.
ومَصْدر بتَّل: تبتُّلاً، كالتعلُّم والتفهُّم، ولكن جاء على التَّفعيل مصدر تفعّل؛ لسِرٍّ لطيف؛ فإنَّ في هذا الفعل إيذانًا بالتدريج والتكلُّف والتعمُّل والتكثُّر والمبالغة، فأتى بالفعل الدالِّ على أحدِهما، وبالمصدر الدالِّ على الآخر، فكأنه قيل: بَتِّل نفسك إليه تبتيلاً، وتبتَّلْ إليه تبتُّلاً، ففُهِم المعنيان من الفعل ومصدره، فالتبتُّل الانقطاع إلى الله بالكُلِّية.
ومِثْل هذه العبادة تُلازم الإنسانَ في كلِّ زمان ومكان، لا تنفكُّ عنه، فهو بَيْن الناس بِجِسمه، ولكن روحه تَطُوف حول العرش، يكلِّمهم بمحيَّاه ولِسانه، لكن مُشاهدة عظَمة الله وجَلاله في سُوَيداء جنانِه؛ يَفْرح مع الناس لفرحهم، لكن قلبه قد مُلئ وجلاً وخوفًا وخشية من ربِّه، يحزن مع الناس لحزنهم، ولكن فؤاده قد ملئ أنسًا ورِضًا وحبورًا بما قَضى الله وقدَّر، إنه ذلك الحاضر الغائب، الموجود المفقود بين الهَياكل والصُّوَر، والأجسام والغِيَر.
وأيضًا: عِبادة الصَّدَقة والإنفاق، وهي من أرْجَى الطَّاعات عند السَّالكين، والفقه فيها عظيمٌ أثرُه في النَّفْس، في "الصحيحين" عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: "كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يَلْقاه جبريلُ، فيُدارسه القرآن، فلَرسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخير من الرِّيح المُرْسَلة".
قال الشافعيُّ - رحمه الله -: أُحبُّ للرجل الزيادةَ بالجُود في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولحاجة الناس فيه إلى مَصالحِهم، وتَشاغُل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصلاة عن مَكاسبِهم.
وليس المقصودُ كثرة المُنفَق، بل كثرة الإنفاق؛ أيْ: فعله وإن قلَّ المال، ورُبَّ درهمٍ يُنفقه امرؤٌ من درهمين يَمْلكهما أحبُّ إلى الله من مائةٍ ينفقها مَن يملك الآلاف، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الحسَن الذي رواه النَّسائيُّ:
((سبَق درهمٌ مائة ألف درهم؛ رجلٌ له درهمان أخذ أحدَهما فتصدَّق به، ورجل له مالٌ كثير، فأخذ من عُرْضِه مائة ألف فتصدَّق بها))
وقد خرج أبو بكرٍ من ماله كلِّه، وترك لأهله الله ورسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وخرج عُمَر من نصفِ ماله، وتصدَّق عبدُالرحمن بن عوف بقافلة قدِمَت المدينة بأحلاسها وأقتابِها.
وأدبُ المتصدِّق أن يعلم منَّةَ الله عليه؛ إذْ رزَقه المال، ثم وفَّقه للصَّدَقة، ويسَّر له مَن يقبل منه صدقتَه، ثم تلقَّاها منه ربُّه، وقبِل منه ما رزقه، وأن يتصدَّق بأفضل ما عنده:
ï´؟ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ï´¾
[آل عمران: 92]
وأن يتلطَّف في إعطائها للفقير أو المُحتاج؛ حتَّى لا يشعر بِمنَّة العبد فيها، فيعمل على إخفائها، أو إرسالها مع قريبٍ له، أو نحو ذلك.
وكان بعض السَّلَف إذا أعطى الصَّدَقة وضعَها على كفِّه، وناولها للفقير على يده مبسوطةً، حتى يتَناولها الفقيرُ بنفسه، فقيل له في ذلك، فقال: حتَّى تكون يدُه هي اليدَ العليا؛ يُشير إلى قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((واليَدُ العليا خيرٌ من اليد السُّفلى))
وهذا من لطيف ما يَقوم به أولئك الأكابر، والله الموفِّق.
ومن الطاعات المهجورة، بل مِن أعظمها:
تحديثُ النَّفْس بالغَزْو والجِهاد، وخاصَّة في شهر رمضان، شهر المعارك الكُبْرى، كبَدْر وفَتْح مكَّة وغيرهما، بل إنَّ المتبادر من الحديث أنَّ هذه الطاعة واجبة، لا يجوز الانفِكاك عنها؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلمٌ وأحمد:
((من مات ولم يَغْزُ، ولم يحدِّث نفسه بالغزو، مات على شُعْبة من نفاق))
فالظَّاهر وجوب أحَدِ الأمرين حتى يَبْرأ من هذا النفاق.
وفائدة تحديث النفس بالغَزْو:
إحياء معاني الجهاد والعِزَّة، والولاء والنُّصرة للدِّين، والبَراءة من الكفر والشِّرك، ومُعاداة أهله، والوصول بالنَّفس إلى أعلى مراتب البَذْل، وهو بذل الأرواح والمُهَج في سبيل الله.
ولقد هُجِرَت هذه المعاني حتَّى صارت بين الملتزِمين - فضلاً عن عامَّة المسلمين - نسيًا منسيًّا! وما أجدرَنا أن نُعاود إحياء هذه المعاني في هذا الشَّهر المبارك؛ شهر الصَّبر والبذل وجهاد النَّفس.
فهذه بعض نماذج من العبادات المهجورة الغائبة، ولو تأمَّلت قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((الإيمان بضعٌ وسِتُّون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة))
لعرَفْت كم ضيَّع الناس من شُعَب الإيمان العمَلِيَّة، وطرق الخير المُوصلة لرضا الربِّ - تبارك وتعالى - والله المُستعان.
وهذه العبادات - وكثيرٌ غيرها - ستأتي معَنا - إن شاء الله.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a494.png




ابوالوليد المسلم 23-04-2020 05:33 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(6)
محمود العشري
القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
القاعدة الحادية عشر:
معرفة قُطَّاع الطريق إلى الله - تعالى -:
فهأنت قد شَمَّرت عن ساعد الجدِّ، وحثَثْت الهِمَّة الخاملة، وأوقدت نارَ العزيمة الخامدة، وألجَمْت هواك بلِجام الإرادة، وجمعتَ رقاب الأماني بزمام التوكُّل على الله في الفِعْل، وبدأت السَّيْر إلى الله - تعالى - لِتَصل إلى شهر رمضان وقد توقَّدَت عزيمتُك، وانقادت لك إرادتُك، وأذعنَتْ لك هِمَّتُك، لقد بدأت المعركة الحقيقيَّة مُذْ تمحَّض اختيارك لله وجدَّ سيرك إليه، ويممَّت القلب والقالب في الإقبال عليه، فاحذر حينئذٍ قُطَّاع هذا الطريق الوعر؛ فإنَّه طريق الجنَّة، وهو محفوف بالشهوات والهَوى والشياطين والنَّزغ والشُّبهات، وكلُّها أنواع لجِنس واحد، وهو العائق عن الوصول لِدَرب القبول، المُؤْذِن لشمس عزمك بالأفول، فتعال معًا نتذاكَرْ صفات بعض هؤلاء القُطَّاع ومكامِنهم وخدعهم؛ فبذلك تتعلَّم صفة الشرِّ؛ لتتجنَّبه، والمقصود بيان نماذج من هؤلاء القُطَّاع؛ ليُستدل بهم على غيرهم.
فمن هؤلاء القُطَّاع:
الفُتور والسَّآمة والملل، وهو مِن أعظم ما يعتري السَّالكين، وقد يتَعاظم أمْرُه ويستفحل، حتى يكون سببًا للرِّدة والنُّكوص، والعياذ بالله! وغالب شأنِ هذا الفتور مِن كثرة الفرَح بالطاعة، وعدم الشُّكر عليها، وعدم رؤية مِنَّة الله فيها، ومشاهدة النَّفس في أدائها.
قال ابن القيِّم - رحمه الله - واصفًا ومحلِّلاً ومُعالجًا لهذا الدَّاء: فإذا نَسِي السَّالكُ نفْسَه، وفَرِح فرحًا لا يُقارنه خوف، فلْيَرجع إلى السَّير إلى بدايات سُلوكه وحِدَّة طلبه؛ عسى أن يعود إلى سابقِ ما كان منه من السَّيْر الحثيث الذي كانت تسوقه الخشية، فيترك الفُتور الذي لا بُدَّ أن ينتج عن السُّرور.
فتخلُّل الفترات للسَّالكين أمرٌ لازم لا بُدَّ منه، فمن كانت فترتُه إلى مُقارَبةٍ وتسديدٍ، ولم تُخْرِجه مِن فرض، ولم تُدْخِله في محرَّم: رُجِيَ له أن يعود خيرًا مما كان، قال عمر بن الخطاب: إنَّ لهذه القلوب إقبالاً وإدبارًا، فإذا أقبلَتْ فخُذوها بالنَّوافل، وإن أدبرَت فألزِموها الفرائض.
وفي هذه الفترات والغيوم والحجُب التي تَعْرِض للسَّالكين - من الحِكَم ما لا يَعْلم تفصيلَه إلاَّ اللهُ، وبهذا يتبيَّن الصادق من الكاذب، فالكاذب ينقلب على عقِبَيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق ينتظر الفرَج، ولا يَيْئس من رَوْح الله، ويُلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلاً، مِسكينًا مُستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه ألبتَّة، ينتظر أن يضع فيه مالِكُ الإناء وصانِعُه ما يصلح له، لا بسببٍ من العبد - وإن كان هذا الافتقارُ من أعظم الأسباب - لكن ليس هو منك، بل هو الذي منَّ عليك به، وجرَّدَك منك، وأخلاك عنك، وهو الذي:
﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
[الأنفال: 24]
فإذا رأيتَه قد أقامك في هذا المقام فاعلَم أنَّه يريد أن يرحَمك، ويملأ إناءك، فإن وضَعْت القلب في غير هذا الموضع، فاعلم أنه قلب مُضيَّع، فسَلْ ربَّه ومن هو بين أصابعه أن يَردَّه عليك، ويجمع شملك به.
وقد أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ لكل عامل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَترة))
فالطالب الجادُّ لا بدَّ من أن تَعْرِض له فترة، فيشتاق في تلك الفترة إلى حالِه وقْتَ الطلب والاجتهاد، وربما كانت للسَّالك بدايةٌ ذات نشاط، كان فيها عالِيَ الهمة، فيفيده عند فتوره أن يَرْجع إلى ذكريات تلك البداية، فتتجدَّد له العزيمة، ويعود إلى دأبه في الشُّكر.
وكان الجُنَيد - رحمه الله - كثيرَ الذِّكْر لبداية سَيْره، وكان إذا ذكَرها يقول:
"واشَوْقاه إلى أوقات البداية"
يعني لذَّة أوقات البداية، وجمع الهمَّة على الطلب والسير إلى الله، والإعراض عن الخَلْق.
أمَّا إذا راودَتْك السَّآمةُ في عبادتك - كصلاةٍ أو ذِكْر أو تلاوة قرآن - فلا تُرسل زمام هواك للشيطان، محتجًّا بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:


https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png

((فوالله، إنَّ الله لا يَملُّ حتى تملُّوا))
وقد ذكَرْتُ لك في تمارين العزيمة فقْهَ هذا الحديث ونحْوِه عن الأئمَّة الأعلام، فحريٌّ بمن ملَّ العبادة أن يعود إلى نفسه؛ هلعًا وخوفًا من أن يكون ذلك من إعراض الله عنه، ولْيَستحضر في قلبه سوء أدبه مع الله، وعدمَ تعظيمه وقَدْرِه حقَّ قدره؛ إذْ تَطِيب نفسه مع شهوات الدُّنيا، ومُعافسة الأولاد والزَّوجات للساعات الطِّوال، ثم هو يُبتلى في عبادته بالملل بعد لُوَيحظات معدودات، وما رُوِي عن بعض السَّلَف من أنَّهم كانوا يتكدَّرون لطلوع الفجر؛ لأنَّه يحول بينهم وبين لذيذ المُناجاة فيُحمَل على أنهم يحزنون لعدم تواصل لذَّة المناجاة، لا أنَّهم كانوا يكرهون طلوع الفجر، ويقدِّمون قيام الليل على الفريضة، فهذا أبعَدُ ما يكون عن هَدْيِهم، ومُتواترِ سيرتهم، كيف وهم يَعْلمون أنَّ قرآن الفجر مشهود، تحضره الملائكة، وترفع أمره إلى الله؟!
ومن قُطَّاع الطَّريق إلى الله:
الوساوِسُ والخواطر الرَّديئة التي تَرِد على السَّالك طريقَ الآخرة، وتشمل هذه الخواطرُ الرديئة ما يَرِدُ على المبتلَيْن بالشَّهوات من التفكير في الصُّوَر، وفيما يعشقون، ومن يَهْوون... وكذا أصحاب الحِقْد والحسد، والأمراض القلبيَّة، والآفات النَّفْسية، وكلُّها انحرافات سلوكيَّة؛ أيْ: في السَّالك طريق الآخرة.
ومِن أعظمها خطرًا:
وساوس الشُّبهات في وجود الله، وذاته، وصفاته، وهذا مما ابتُلِي به كثيرٌ من شباب هذه العصور؛ لِغَلبة الأفكار الإلحاديَّة والعلمانيَّة، المبنيَّة على المادَّة والتفسير العِلْمي لكلِّ الظواهر الكونيَّة، وشيوع الفَحْشاء والشهوات الصارفة للقلوب عن مُمارسة عبوديَّتِها في التسليم والإذعان.
وتحليلاً للخواطر؛ يُمكِنُنا تقسيمُها إلى ثلاثة أنواع:
الأوَّل:
خواطر الشُّبهات؛ وهي العارضة في شأن وجود الله وذاته وصفاته، وفي قُرآنه، وأنبيائه ورسله، وقضائه وقدَرِه.
والثاني:
خواطر الشَّهَوات؛ وهي وارِداتُ الذِّهْن من الصُّوَر ونماذج المعشوقات.
والثالث:
خواطر القلب من آفاتٍ وأمراض نفسية؛ كالكبرياء والعُجْب والحِقْد.
يتبع


ابوالوليد المسلم 23-04-2020 05:34 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
وعلاج النَّوع الأول:
باستحضار اليقين، وكلامُنا مع مَن اعتقد وجودَ الله؛ أمَّا المُلْحد فلا خطابَ معه، وعندي: أنَّ الإلحاد هو النَّوع الوحيد من الجُنون الذي يُؤاخَذ الإنسان به، فمَن أيقن وجود الله وربوبيَّته، وهيمنتَه وتصرُّفَه، وعدْلَه وحِكْمَته - مثَّل هذا اليقين بالشمسِ يراها، ثم يستعرض الشُّبهات ويمثِّلها بمن يُماريه في رؤيته للشمس، ويُجادله في الدليل المفيد لطلوعها، حينئذٍ يردِّد قولَه - عزَّ وجلَّ -:
ï´؟ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ï´¾
[إبراهيم: 10]
ويردِّد قوله: آمنتُ بالله، ويستعيذ بالله من نزغ الشيطان، معتَصِمًا بالله، لائذًا بحفظه وكَلاءته، متعجِّبًا من تفاهة شُبهتِه:
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وأما النوع الثانِي:
فهو الأعمُّ الأفشى بين الناس، وعلاجه من أصعب العلاجات، لكنَّنا نأتي على ذِكْر جملةٍ من الفوائد المهمَّة، المُجتثَّة لهذا المرض من جذوره.
فاعلم - أيُّها الأريب - أنَّ الشهوات في أصلها فطريَّة قدَرِيَّة، لا فكاك للعبد منها، فهو مَفْطور على الغضب واللَّذة، وحُبِّ الطعام والشَّراب، غير أنَّ هذه الشهوات رُكزت في الجبِلَّة لغاياتٍ، هي: حفظ النَّفس بالطعام، وردُّ الاعتداء وصيانة الذَّات بالغضب، وحفظ النَّسل باللذَّة - أعني شهوة الفَرْج - فإذا تعدَّت هذه الشَّهوات غاياتها، كانت وبالاً على أصحابها؛ ولذلك جاء عن النبيِّ - عليه السَّلام - التنبيهُ على حِفْظ الفَرْج والبطن واللِّسان، وأنَّه مِن أعظم أسباب النجاة والفوز.
فإذا علمتَ ذلك، تبيَّن سلطانُك على هذه الشَّهوات، وأنَّ الله - تعالى - قد أَمَّرَك في الحقيقة عليها، وأعطاك زمام قيادتها، فما عليك إلا ممارسةُ هذه الإمارة دون خوفٍ أو تباطؤ.
وحسم مادة الشهوات يكون بِحَسم موارد حياتِها، وأهمُّ تلك الموارد حبُّ الدنيا، والرغبة في نوال كلِّ ما يراه من جميلٍ فيها، فقَطْعُ شجرة الدنيا من القلب كفيلٌ بِصَرف الهمة مطلقًا عن الدنيا، والاهتمام بما تحصل به النَّجاة.
وهاك بعضَ الفوائد المُعِينة على حسم مادة الشهوات، وصَرْفِ واردات الخواطر الشيطانيَّة:
أوَّلاً:
التبَرُّؤ من حول النفس وقوَّتِها، والالْتِجاء والاعتصام والاستعاذة بالله تعالى، ومن جليل ما ينبغي ترداده في حقِّ المبتلى بالشهوة: "لا حول ولا قوَّة إلا بالله"، ومعناها: لا تحوُّل عن معصيةٍ إلاَّ بمعونة الله - عزَّ وجلَّ - ولا قوَّة على طاعةٍ إلاَّ بتوفيقٍ من الله - تبارك وتعالى.
ثانيًا:
تذكُّر المنغِّصات: سكرات الموت، ونزع الرُّوح، والقبر وأهواله، وسؤال الملَكَين، والبعث والنُّشور، وأهوال يوم القيامة، والمُثول بين يدي الله عاصيًا مذنِبًا، والنار وأهوالها.
ثالثًا:
تذكُّر المشوقات: كلذَّة المناجاة، وتوفيق الله للطاعة، وشرف الولاية، والانتساب إلى حِزْب الله، والكرامات اللاَّئقة لأوليائه عند موتهم، ودخولهم الجنَّة وما فيها من الحور العين، اللائي لا تُقارَن الدُّنيا كلها بأنملة من أنامل الواحدة منهنَّ، ورؤية الله يوم القيامة، ورضوانه على أهل الجنة.
رابعًا:
تذكُّر جمال خالق الجمال البشريِّ، الذي سماه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - جميلاً، فكلُّ جمال فُتِن به المرء لو تذكَّر معه جمال الله - تعالى - لتلاشَتْ كلُّ خواطره الرَّديئة.
خامسًا:
تذكُّر مثالب الصور المعشوقة وآفاتها وأمراضها، وفساد بواطنها وظواهرها.
سادسًا:
البُعْد عن المُثِيرات؛ كالسَّيْر في الطُّرقات العامة - وخاصَّة في هذه الأزمنة - وفي أماكن الفجور والفسوق، أو مشاهدة التليفزيون والفيديو، والمجلاَّت والجرائد السَّاقطة، التي تهدف غواية النُّفوس المطمئنَّة، وتحبُّ أن تشيع الفاحشةُ في الذين آمنوا، ومن هذا القبيل عدَمُ المكوث في خلوة إذا طرأ عارض الشَّهوة، بل يشتَغِل بالصَّوارف التي تلهيه عن تلك الخواطر؛ كذِكْر الله، وزيارة الصَّالحين، وحضور مجالس العلم، أو خدمة الأهل والمسلمين.
ويَنصح ابنُ القيِّم بما يلي:
• العلم الجازم باطِّلاع الرَّب - سبحانه - ونظره إلى قلبك، وعِلمه بتفصيل خواطرك.
• حياؤك منه.
• إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في البيت الذي خلَقه لتُسْكِنَه معرفته ومحبَّته.
• خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
• إيثارك له أن تُساكن قلبك غير محبته.
• خشيتك أن تتولَّد تلك الخواطر، ويستعر شرَرُها، فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبَّة الله، فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
• أن تعلم أن هذه الخواطر بِمَنْزِلة الحَبِّ الذي يُلقى للطائر ليُصاد به، فاعلم أن كلَّ خاطر منها فهو حبَّة في فخٍّ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
• أن تَعْلم أنَّ الخواطر الرَّديئة لا تجتمع مع خواطر الإيمان ودواعي المحبَّة أصلاً، بل هي ضِدُّها من كلِّ وجه.
• أن تعلم أنَّ الخواطر بحرٌ من بحور الخيال، لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه، وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص، فلا يجد إليه سبيلاً، فيكون بعيدًا عن الفلاَح.
• أن تعلم أنَّ الخواطر وادي الحَمْقى، وأماني الجاهلين، فلا تُثْمر إلاَّ الندامةَ والخِزْي، وإذا غلبَتْ على القلب أورثَتْه الوساوس وعزلَتْه عن سلطانها، وانسدَّت عليه عينُه، وألقَتْه في الأَسْر الطويل.
أما النوع الثَّالث
وهو آفات القلب؛ كالحِقْد والحسَد، والكبرياء والعُجْب - فهو باطن الإثم، قال - تعالى -:
ï´؟ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ï´¾
[الأنعام: 120]
وجِمَاع دواء هذه الآفات رؤية عَجْز النَّفس، وقيامها بالله، ومشاهدة حِكْمة الله - تعالى - وتصرُّفِه في الخلق، فمِثْل هذا الاستحضار يَحُول بينه وبين الاعتراض على تقسيم الرِّزق والنِّعَم، ويحول بينه وبين رؤية النَّفس وقدرتها، ويؤول به الحال إلى التسليم بِمنَّة الله وعدله وحكمته.
وقد تكلَّم الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - كلامًا نفيسًا عن هذه الآفات في كتابه: "الطب الرُّوحاني"، فراجِعْه هناك؛ تجِدْ علاجاتٍ تفصيليةً لكلِّ آفة ومرض، وحَسْبُنا من الألْف شاهد مثالٌ واحد.
لكن ابن القيِّم - رحمه الله - يَلْمس مَكمن الداء، ويَصِفه وصفًا دقيقًا، ثم يقترح العلاج المناسب، فيقول: "واعلم أنَّ الخطرات والوساوس تؤدِّي متعلّقاتها إلى الفكر، فيأخذ الفِكْرُ فيؤدِّيها إلى التذكُّر، فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة إلى الجوارح والعمل، فتستحكم، فتصير عادة، فردُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوَّتِها وتمامِها، ومعلومٌ أنه لم يُعطَ الإنسان إماتة الخواطر، ولا القوَّة على قطعها وهي تَهْجم عليه هجوم النفس، إلاَّ أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومُساكنته له، على رفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إنَّ أحدنا يجد في نفسه ما لأَنْ يحترق حتى يصير حممةً أحبُّ إليه من أن يتكلَّم به، فقال: ((أوَقدْ وجدتُموه؟)) قالوا: نعَم، قال: ((ذاك صريح الإيمان))
وفي لفظ: ((الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة)).
وفيه قولان:
أحدهما: أنَّ ردَّه وكراهته صريحُ الإيمان.
والثاني:
أنَّ وجوده وإلقاء الشيطان له في نفسه صريح الإيمان؛ فإنه إنَّما ألقاه في النَّفس؛ طلبًا لِمُعارضة الإيمان، وإزالته به، وقد خلق الله - سبحانه - النَّفس شبيهة بالرَّحى الدَّائرة التي لا تَسْكن، ولا بُدَّ لها من شيءٍ تَطْحنه، فإن وُضع فيها حيٌّ طحنَتْه، وإن وضع فيها تراب أو حصًى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنْزِلة الحَبِّ الذي يوضع في الرَّحى، ولا تبقى تلك الرحى معطَّلة قطُّ، بل لا بدَّ لها من شيءٍ يوضع فيها، فمن الناس من يَطْحن رَحاه حَبًّا يخرج دقيقًا، ينفع به نفسَه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصًى وتِبنًا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبيَّن له حقيقة طحنه".
فهذه نماذج من قُطَّاع طريقك إلى الله، وسفَرِك في درب الآخرة، وسعيك في عتق رقبتك من النار، وبَذْل ثَمن الجنة، فاحذر مثل تلك الصَّوارف وأعِدَّ لها عُدَّتها، والله الموفِّق.

https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif

ابوالوليد المسلم 25-04-2020 07:22 PM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(7)
محمود العشري
نصائح كلِّية للاستفادة من الحياة في تحصيل رضا الله- تعالى -:
أخي - يا بن الإسلام -:
إذا ما أحسنتَ استقبال رمضان، سَهُل عليك العمل على استثماره، والاستفادة مما يكون فيه من الخَيْرات، وأَذْكُر لك الآن بعض النَّصائح الكلية في حياتك عمومًا، وفي رمضان على وجه الخصوص، فأقول وبالله - تعالى - التوفيق، وعليه التُّكلان:
1- آمِن بالله - تعالى - وملائكته، وكتُبِه ورسله، واليوم الآخر، وآمِن بالقدَرِ خيره وشرِّه؛ قال - تعالى -:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
[البقرة: 177]
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
ولَمَّا سُئل - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الإيمان قال - كما في "صحيح مسلم" -:
((أن تؤمن بالله وملائكته، وكتُبِه ورسله، واليوم الآخِر، وأن تؤمن بالقدَر خيره وشرِّه)).
وهذا الإيمان المطلوب تحتاج أن تتعلَّمه جيدًا كما تعلَّمه الصحابةُ الكرام؛ لأنه سبيلك إلى الجنَّة، ولهذا فإنِّي استعنت ربِّي - سبحانه - وبدأتُ في بعض البحوث المتعلِّقة بمسائل العقيدة والإيمان، أسأل الله - تعالى - أن يُتِمَّها عليَّ بخير، وأن ينفع بها، وأن يجعلَها خالصةً لوجهه، آمين.
2- أخلِص النِّية لله، واحذر الرِّياء في القول والعمل؛ فإنَّ عليك من الله عَينًا ناظرة، قال - تعالى -:
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
[البينة: 5].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكل امرئٍ ما نوى))
وفي "مسند أحمد" و"صحيح ابن حبان" و"مستدرك الحاكم":
((بَشِّر هذه الأُمَّة بالسَّناء والتَّمكين في البلاد، والنصر والرِّفعة في الدِّين، ومَن عَمِل منهم بعمل الآخرة للدُّنيا، فليس له في الآخرة من نصيب))
والحديث صححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع".
فانظر - أخي يا بْنَ الإسلام - إلى هذا الرَّبْط الخطير بين التَّمكين والإخلاص، فبِه تعرف ما سبب تأخُّر التمكين؛ فإنَّ من أخطر الأسباب التي تحول بين هذه الأمة وبين التمكين في هذا العصر الذي يعاني فيه المسلمون من الهوان: فسادَ النِّية.
فيا أيُّها العاملُ لنصر الدِّين، الآملُ حصولَ التمكين، أخلص النِّية لله - تعالى - وإلا فالنارَ النارَ، أخلص نيتك، وطهِّر قلبك من الرِّياء، واقصد وجه الله بتوجُّهك، تكسِبْ خيرَيِ الدنيا والآخرة، وإلا فالخسار والدمار وخراب الديار، واعلم أنك تطلب ما عند الله - تعالى - وما عند الله لا ولن يُنال إلاَّ بطاعته.
فالنِّية هي الأصل - يا بن الإسلام - والله الحسيب والرَّقيب، مطَّلِع على السرائر والضمائر، لا تَخْفى عليه خافية، وكم من عملٍ يتصوَّر بصورة أعمال الدُّنيا، فيصير بِحُسن النية من أعمال الآخرة! وكم من عمل يتصور بصورة أعمال الآخرة، فيصير بِسُوء النية من أعمال الدنيا! فلْتَحذر.
قال عبدالله الأنطاكيُّ: مَن طلب الإخلاص في أعماله الظاهرة، وهو يُلاحظ الخلق بقلبه، فقد رام المُحال؛ لأنَّ الإخلاصَ ماءُ القلب الذي به حياتُه، والرياء يُمِيته.
فلا بد إذًا - للنجاة في الآخرة، وللانتِفاع بما تتعلَّم في الدنيا، والنَّفع به - من الإخلاص - رزقَنا الله جميعًا إيَّاه.
ولكن الإخلاص عزيز؛ ولذلك لا بدَّ من إعداد العُدَّة لتحقيقه؛ بالبحث عن أسبابه، ومُجاهدة النفس، وأُحِيلُكَ - أخي باغي الخير - على كتب الرَّقائق والتَّزكية؛ ففيها العون من الله لمن يريد أن يُعان.
3- اتَّبِع السُّنةَ النبوية في جميع أقوالك وأفعالك ونياتك؛ قال - تعالى -:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
[الحشر: 7]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح البخاري":
((كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلاَّ من أبَى))
قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال:
((من أطاعني دخل الجنَّة، ومن عصاني فقد أبى)).
4- اتَّقِ الله حيثما كنتَ، واعزِم على فعل جميع الأوامر، وترْكِ جميع المناهي؛ قال - تعالى -:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16]
وكان النبيُّ - صلى الله عيه وسلم - يقول - كما عند "مسلم" -:
((اللهم إنِّي أسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغِنَى)).
5- تُبْ إلى الله توبة نصوحًا، وأكثِرْ من الاستغفار؛ قال - تعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
[التحريم: 8]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم":
((يا أيها النَّاس، توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنِّي أتوب إليه في اليوم مائة مرَّة)).
6- راقب الله في جميع حركاتك وسكناتك، واعلم أنَّ الله يراك ويسمعك، ويعلم ما يُكِنُّه صدرك، فاحذَرْه، قال - تعالى -:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
[الحديد: 4]
وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
[آل عمران: 5]
وقال: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم" - لما سُئل عن الإحسان:
((أن تَعْبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)).
7- كن مُسارِعًا إلى فعل الخيرات من غير تردُّد، قال - تعالى -:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ
[البقرة: 148]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح مسلم":
((بادروا بالأعمال الصَّالحة؛ فستكون فِتَن كقطع الليل المُظْلِم، يصبح الرجل مؤمنًا ويُمْسي كافرًا، ويصبح كافرًا ويمسي مؤمنًا، يبيع دينه بِعَرَضٍ من الدنيا)).
8- اصبر على طاعة الله، وعن مَعْصيته، وعلى أقداره المُؤْلِمة؛ قال - تعالى -
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
[آل عمران: 200]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصَّحيحين:
((من يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر)).
9- اصْدُق مع الله في أقوالك وأفعالك ونيَّاتك، واصدق مع الناس، وإيَّاك والكذب؛ قال -تعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].
وفي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إن الصِّدق يهدي إلى البِرِّ...)).
10- عليك باليقين في الله، والتوكُّلِ عليه؛ فهو كافيك، قال - تعالى -:
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
[الطلاق: 3]
وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول - كما في الصحيحين -:
((اللَّهم لك أسلمتُ، وبك آمنت، وعليك توكَّلت، وإليك أنبتُ، وبك خاصمت، اللَّهم أعوذ بعِزَّتك لا إله إلاَّ أنت أن تضِلَّني، وأنت الحيُّ الذي لا يموت، والجنُّ والإنس يموتون)).
11- استَقِم كما أمرَك الله ورسوله، قال - تعالى -:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
[هود: 112]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم:
((قل: آمنتُ بالله، ثم استَقِم)).
12- تفكَّر في عظيم مخلوقات الله، وفناء الدُّنيا، وأهوال الآخرة، قال - تعالى -:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
[آل عمران: 190]
وقال: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
[يوسف: 109].
13- جاهِدْ نفسك على طلب معالي الأمور، ولا تركن إلى الرَّاحة والدَّعة، فتخسر الدنيا والآخرة
قال - تعالى -:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
[العنكبوت: 69]
وفي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفَعُك، واستعن بالله ولا تَعجِز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أنِّي فعلتُ كذا، كان كذا، ولكن قل: قدَرُ اللهِ وما شاء فعل؛ فإنَّ (لو) تفتَحُ عمل الشيطان)).
14- عليك بالقصد، وإيَّاك الغلو والتشدُّد، وتحميل النفس فوق طاقتها، قال - تعالى -:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
[البقرة: 185]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصحيحين:
((عليكم بما تُطِيقون، فوالله لا يملُّ الله حتى تَملُّوا، وكان أحب الدِّين إليه ما داوم عليه صاحِبُه)).
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هلكَ المُتنطِّعون))؛ قالها ثلاثًا، كما روى مسلمٌ، وهم المتعصِّبون المتشدِّدون.
15- احذَرْ من البدع ومُحْدَثات الأمور؛ فإنَّ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، قال - تعالى -:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
[الأنعام: 153].
وفي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ)).
16- ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة، قال - تعالى -:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
[النحل: 125]
وفي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((من دَلَّ على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله))
وقال لعليٍّ - رضي الله عنه -: ((لأَنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمر النَّعَم))
والحديث متَّفق عليه.
17- تعاوَنْ مع الناس على البِرِّ والتَّقْوى، ولا تتعاوَنْ على الإثم والعدوان، قال - تعالى -:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
[المائدة: 2]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((من جهَّز غازيًا في سبيل الله، فقد غزا، ومن خلَفَ غازيًا في أهله بخير، فقد غزا))
والحديث متفق عليه.
18- أدِّ الأمانة لمن ائتمنك، ولا تَخُن من خانك؛ قال - تعالى -:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المتفق عليه:
((آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمِن خان)).
19- أحسِنْ إلى جارك، وارْعَ حقَّه، واستوصِ به خيرًا، قال - تعالى -:
﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
[النساء: 36]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المتَّفَقِ عليه:
((ما زال جبريلُ يوصيني بالجار حتَّى ظننت أنه سَيُورِّثه)).
20- عليك بالرِّفق والأناة والحِلْم، واحذر من الغفلة والعجلة، قال - تعالى -:
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
[الأعراف: 199]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأشجِّ عبدالقيس - كما عند مسلم -:
((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم والأناة))
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المتفق عليه
((إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفق في الأمر كلِّه)).
فاجتهد أن تتحلَّى بالحلم والأناة والرِّفق؛ لتحظى بحبِّ الله - عزَّ وجلَّ.
21- ازْهَد في الدُّنيا، وتقلَّل منها ما استطعت، وارغب في الآخرة؛ فهي الدار الحقُّ، قال - تعالى -:
﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
[العنكبوت: 64]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح مسلم":
((ما الدُّنيا في الآخرة إلاَّ مثل ما يجعل أحدكم إصبعَه في اليمِّ - البحر - فلينظر بِمَ يرجع))
وقال كما في البخاري:
((كن في الدُّنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل)).
22- عليك بالقناعة والعفاف والاقتصاد في العيشة، وإياك وسؤال الناس من غير ضرورة مُلِحَّة
قال - تعالى -:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا
[البقرة: 273]
وقال - تعالى -:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا
[الفرقان: 67]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الصحيح الذي رواه أهل السُّنن:
((من تكفَّل لي ألاَّ يسأل الناس شيئًا، أتكفَّل له بالجنَّة))
وقال - كما عند مسلم -:
((قد أفلح مَن أسلم ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه)).
23- أكثِر من ذِكْر الموت وزيارة القبور؛ فإنَّ ذلك أدعى أن تقف على حقيقة الدُّنيا الَّتي لا تُساوي عند الله جناح بعوضة، وأن تُضاعِف من جهدك وهِمَّتِك في الوصول إلى رضا الرَّحمن، ونَيْل الجنان في الآخرة، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((كنت نَهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها؛ فإنَّها تذكِّركم الآخرة)).
24- تَواضَعْ للناس، واخفض الجناحَ لهم، وإياك - يا بن الإسلام - والكِبْرَ والتعالي عليهم، قال - تعالى -:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
[الشعراء: 215]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ الله أوحَى إليَّ أن تواضَعوا، حتَّى لا يَفْخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحد على أحد))
رواه مسلم، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((لا يدخل الجنَّةَ من كان في قلبه مثقالُ ذرَّة من كِبْر))
رواه مسلم، فاجتهد - يا بن الإسلام - في التواضع؛ فمن تواضعَ لله رفعه.
25- أطِعْ وُلاة الأمر - وهم العُلَماء والأمراء - في غير معصية الله، وادْعُ لهم بالصلاح والمعافاة
قال - تعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
[النساء: 59]
وفي المتفق عليه:
((على المرء المسلم السَّمعُ والطاعة فيما أحبَّ وكَرِه، إلاَّ أن يُؤمَر بمعصية، فإذا أُمِر
بمعصية فلا سَمْع ولا طاعة)).

https://dl.dropbox.com/u/63580683/a494.png

ابوالوليد المسلم 26-04-2020 10:53 PM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(6)
محمود العشري
القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
القاعدة الحادية عشر:
معرفة قُطَّاع الطريق إلى الله - تعالى -:
فهأنت قد شَمَّرت عن ساعد الجدِّ، وحثَثْت الهِمَّة الخاملة، وأوقدت نارَ العزيمة الخامدة، وألجَمْت هواك بلِجام الإرادة، وجمعتَ رقاب الأماني بزمام التوكُّل على الله في الفِعْل، وبدأت السَّيْر إلى الله - تعالى - لِتَصل إلى شهر رمضان وقد توقَّدَت عزيمتُك، وانقادت لك إرادتُك، وأذعنَتْ لك هِمَّتُك، لقد بدأت المعركة الحقيقيَّة مُذْ تمحَّض اختيارك لله وجدَّ سيرك إليه، ويممَّت القلب والقالب في الإقبال عليه، فاحذر حينئذٍ قُطَّاع هذا الطريق الوعر؛ فإنَّه طريق الجنَّة، وهو محفوف بالشهوات والهَوى والشياطين والنَّزغ والشُّبهات، وكلُّها أنواع لجِنس واحد، وهو العائق عن الوصول لِدَرب القبول، المُؤْذِن لشمس عزمك بالأفول، فتعال معًا نتذاكَرْ صفات بعض هؤلاء القُطَّاع ومكامِنهم وخدعهم؛ فبذلك تتعلَّم صفة الشرِّ؛ لتتجنَّبه، والمقصود بيان نماذج من هؤلاء القُطَّاع؛ ليُستدل بهم على غيرهم.
فمن هؤلاء القُطَّاع:
الفُتور والسَّآمة والملل، وهو مِن أعظم ما يعتري السَّالكين، وقد يتَعاظم أمْرُه ويستفحل، حتى يكون سببًا للرِّدة والنُّكوص، والعياذ بالله! وغالب شأنِ هذا الفتور مِن كثرة الفرَح بالطاعة، وعدم الشُّكر عليها، وعدم رؤية مِنَّة الله فيها، ومشاهدة النَّفس في أدائها.
قال ابن القيِّم - رحمه الله - واصفًا ومحلِّلاً ومُعالجًا لهذا الدَّاء: فإذا نَسِي السَّالكُ نفْسَه، وفَرِح فرحًا لا يُقارنه خوف، فلْيَرجع إلى السَّير إلى بدايات سُلوكه وحِدَّة طلبه؛ عسى أن يعود إلى سابقِ ما كان منه من السَّيْر الحثيث الذي كانت تسوقه الخشية، فيترك الفُتور الذي لا بُدَّ أن ينتج عن السُّرور.
فتخلُّل الفترات للسَّالكين أمرٌ لازم لا بُدَّ منه، فمن كانت فترتُه إلى مُقارَبةٍ وتسديدٍ، ولم تُخْرِجه مِن فرض، ولم تُدْخِله في محرَّم: رُجِيَ له أن يعود خيرًا مما كان، قال عمر بن الخطاب: إنَّ لهذه القلوب إقبالاً وإدبارًا، فإذا أقبلَتْ فخُذوها بالنَّوافل، وإن أدبرَت فألزِموها الفرائض.
وفي هذه الفترات والغيوم والحجُب التي تَعْرِض للسَّالكين - من الحِكَم ما لا يَعْلم تفصيلَه إلاَّ اللهُ، وبهذا يتبيَّن الصادق من الكاذب، فالكاذب ينقلب على عقِبَيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق ينتظر الفرَج، ولا يَيْئس من رَوْح الله، ويُلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلاً، مِسكينًا مُستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه ألبتَّة، ينتظر أن يضع فيه مالِكُ الإناء وصانِعُه ما يصلح له، لا بسببٍ من العبد - وإن كان هذا الافتقارُ من أعظم الأسباب - لكن ليس هو منك، بل هو الذي منَّ عليك به، وجرَّدَك منك، وأخلاك عنك، وهو الذي:
﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
[الأنفال: 24]
فإذا رأيتَه قد أقامك في هذا المقام فاعلَم أنَّه يريد أن يرحَمك، ويملأ إناءك، فإن وضَعْت القلب في غير هذا الموضع، فاعلم أنه قلب مُضيَّع، فسَلْ ربَّه ومن هو بين أصابعه أن يَردَّه عليك، ويجمع شملك به.
وقد أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ لكل عامل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَترة))
فالطالب الجادُّ لا بدَّ من أن تَعْرِض له فترة، فيشتاق في تلك الفترة إلى حالِه وقْتَ الطلب والاجتهاد، وربما كانت للسَّالك بدايةٌ ذات نشاط، كان فيها عالِيَ الهمة، فيفيده عند فتوره أن يَرْجع إلى ذكريات تلك البداية، فتتجدَّد له العزيمة، ويعود إلى دأبه في الشُّكر.
وكان الجُنَيد - رحمه الله - كثيرَ الذِّكْر لبداية سَيْره، وكان إذا ذكَرها يقول:
"واشَوْقاه إلى أوقات البداية"
يعني لذَّة أوقات البداية، وجمع الهمَّة على الطلب والسير إلى الله، والإعراض عن الخَلْق.
أمَّا إذا راودَتْك السَّآمةُ في عبادتك - كصلاةٍ أو ذِكْر أو تلاوة قرآن - فلا تُرسل زمام هواك للشيطان، محتجًّا بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:


https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png

((فوالله، إنَّ الله لا يَملُّ حتى تملُّوا))
وقد ذكَرْتُ لك في تمارين العزيمة فقْهَ هذا الحديث ونحْوِه عن الأئمَّة الأعلام، فحريٌّ بمن ملَّ العبادة أن يعود إلى نفسه؛ هلعًا وخوفًا من أن يكون ذلك من إعراض الله عنه، ولْيَستحضر في قلبه سوء أدبه مع الله، وعدمَ تعظيمه وقَدْرِه حقَّ قدره؛ إذْ تَطِيب نفسه مع شهوات الدُّنيا، ومُعافسة الأولاد والزَّوجات للساعات الطِّوال، ثم هو يُبتلى في عبادته بالملل بعد لُوَيحظات معدودات، وما رُوِي عن بعض السَّلَف من أنَّهم كانوا يتكدَّرون لطلوع الفجر؛ لأنَّه يحول بينهم وبين لذيذ المُناجاة فيُحمَل على أنهم يحزنون لعدم تواصل لذَّة المناجاة، لا أنَّهم كانوا يكرهون طلوع الفجر، ويقدِّمون قيام الليل على الفريضة، فهذا أبعَدُ ما يكون عن هَدْيِهم، ومُتواترِ سيرتهم، كيف وهم يَعْلمون أنَّ قرآن الفجر مشهود، تحضره الملائكة، وترفع أمره إلى الله؟!
ومن قُطَّاع الطَّريق إلى الله:
الوساوِسُ والخواطر الرَّديئة التي تَرِد على السَّالك طريقَ الآخرة، وتشمل هذه الخواطرُ الرديئة ما يَرِدُ على المبتلَيْن بالشَّهوات من التفكير في الصُّوَر، وفيما يعشقون، ومن يَهْوون... وكذا أصحاب الحِقْد والحسد، والأمراض القلبيَّة، والآفات النَّفْسية، وكلُّها انحرافات سلوكيَّة؛ أيْ: في السَّالك طريق الآخرة.
ومِن أعظمها خطرًا:
وساوس الشُّبهات في وجود الله، وذاته، وصفاته، وهذا مما ابتُلِي به كثيرٌ من شباب هذه العصور؛ لِغَلبة الأفكار الإلحاديَّة والعلمانيَّة، المبنيَّة على المادَّة والتفسير العِلْمي لكلِّ الظواهر الكونيَّة، وشيوع الفَحْشاء والشهوات الصارفة للقلوب عن مُمارسة عبوديَّتِها في التسليم والإذعان.
وتحليلاً للخواطر؛ يُمكِنُنا تقسيمُها إلى ثلاثة أنواع:
الأوَّل:
خواطر الشُّبهات؛ وهي العارضة في شأن وجود الله وذاته وصفاته، وفي قُرآنه، وأنبيائه ورسله، وقضائه وقدَرِه.
والثاني:
خواطر الشَّهَوات؛ وهي وارِداتُ الذِّهْن من الصُّوَر ونماذج المعشوقات.
والثالث:
خواطر القلب من آفاتٍ وأمراض نفسية؛ كالكبرياء والعُجْب والحِقْد.
يتبع


ابوالوليد المسلم 26-04-2020 10:53 PM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
وعلاج النَّوع الأول:
باستحضار اليقين، وكلامُنا مع مَن اعتقد وجودَ الله؛ أمَّا المُلْحد فلا خطابَ معه، وعندي: أنَّ الإلحاد هو النَّوع الوحيد من الجُنون الذي يُؤاخَذ الإنسان به، فمَن أيقن وجود الله وربوبيَّته، وهيمنتَه وتصرُّفَه، وعدْلَه وحِكْمَته - مثَّل هذا اليقين بالشمسِ يراها، ثم يستعرض الشُّبهات ويمثِّلها بمن يُماريه في رؤيته للشمس، ويُجادله في الدليل المفيد لطلوعها، حينئذٍ يردِّد قولَه - عزَّ وجلَّ -:
ï´؟ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ï´¾
[إبراهيم: 10]
ويردِّد قوله: آمنتُ بالله، ويستعيذ بالله من نزغ الشيطان، معتَصِمًا بالله، لائذًا بحفظه وكَلاءته، متعجِّبًا من تفاهة شُبهتِه:
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وأما النوع الثانِي:
فهو الأعمُّ الأفشى بين الناس، وعلاجه من أصعب العلاجات، لكنَّنا نأتي على ذِكْر جملةٍ من الفوائد المهمَّة، المُجتثَّة لهذا المرض من جذوره.
فاعلم - أيُّها الأريب - أنَّ الشهوات في أصلها فطريَّة قدَرِيَّة، لا فكاك للعبد منها، فهو مَفْطور على الغضب واللَّذة، وحُبِّ الطعام والشَّراب، غير أنَّ هذه الشهوات رُكزت في الجبِلَّة لغاياتٍ، هي: حفظ النَّفس بالطعام، وردُّ الاعتداء وصيانة الذَّات بالغضب، وحفظ النَّسل باللذَّة - أعني شهوة الفَرْج - فإذا تعدَّت هذه الشَّهوات غاياتها، كانت وبالاً على أصحابها؛ ولذلك جاء عن النبيِّ - عليه السَّلام - التنبيهُ على حِفْظ الفَرْج والبطن واللِّسان، وأنَّه مِن أعظم أسباب النجاة والفوز.
فإذا علمتَ ذلك، تبيَّن سلطانُك على هذه الشَّهوات، وأنَّ الله - تعالى - قد أَمَّرَك في الحقيقة عليها، وأعطاك زمام قيادتها، فما عليك إلا ممارسةُ هذه الإمارة دون خوفٍ أو تباطؤ.
وحسم مادة الشهوات يكون بِحَسم موارد حياتِها، وأهمُّ تلك الموارد حبُّ الدنيا، والرغبة في نوال كلِّ ما يراه من جميلٍ فيها، فقَطْعُ شجرة الدنيا من القلب كفيلٌ بِصَرف الهمة مطلقًا عن الدنيا، والاهتمام بما تحصل به النَّجاة.
وهاك بعضَ الفوائد المُعِينة على حسم مادة الشهوات، وصَرْفِ واردات الخواطر الشيطانيَّة:
أوَّلاً:
التبَرُّؤ من حول النفس وقوَّتِها، والالْتِجاء والاعتصام والاستعاذة بالله تعالى، ومن جليل ما ينبغي ترداده في حقِّ المبتلى بالشهوة: "لا حول ولا قوَّة إلا بالله"، ومعناها: لا تحوُّل عن معصيةٍ إلاَّ بمعونة الله - عزَّ وجلَّ - ولا قوَّة على طاعةٍ إلاَّ بتوفيقٍ من الله - تبارك وتعالى.
ثانيًا:
تذكُّر المنغِّصات: سكرات الموت، ونزع الرُّوح، والقبر وأهواله، وسؤال الملَكَين، والبعث والنُّشور، وأهوال يوم القيامة، والمُثول بين يدي الله عاصيًا مذنِبًا، والنار وأهوالها.
ثالثًا:
تذكُّر المشوقات: كلذَّة المناجاة، وتوفيق الله للطاعة، وشرف الولاية، والانتساب إلى حِزْب الله، والكرامات اللاَّئقة لأوليائه عند موتهم، ودخولهم الجنَّة وما فيها من الحور العين، اللائي لا تُقارَن الدُّنيا كلها بأنملة من أنامل الواحدة منهنَّ، ورؤية الله يوم القيامة، ورضوانه على أهل الجنة.
رابعًا:
تذكُّر جمال خالق الجمال البشريِّ، الذي سماه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - جميلاً، فكلُّ جمال فُتِن به المرء لو تذكَّر معه جمال الله - تعالى - لتلاشَتْ كلُّ خواطره الرَّديئة.
خامسًا:
تذكُّر مثالب الصور المعشوقة وآفاتها وأمراضها، وفساد بواطنها وظواهرها.
سادسًا:
البُعْد عن المُثِيرات؛ كالسَّيْر في الطُّرقات العامة - وخاصَّة في هذه الأزمنة - وفي أماكن الفجور والفسوق، أو مشاهدة التليفزيون والفيديو، والمجلاَّت والجرائد السَّاقطة، التي تهدف غواية النُّفوس المطمئنَّة، وتحبُّ أن تشيع الفاحشةُ في الذين آمنوا، ومن هذا القبيل عدَمُ المكوث في خلوة إذا طرأ عارض الشَّهوة، بل يشتَغِل بالصَّوارف التي تلهيه عن تلك الخواطر؛ كذِكْر الله، وزيارة الصَّالحين، وحضور مجالس العلم، أو خدمة الأهل والمسلمين.
ويَنصح ابنُ القيِّم بما يلي:
• العلم الجازم باطِّلاع الرَّب - سبحانه - ونظره إلى قلبك، وعِلمه بتفصيل خواطرك.
• حياؤك منه.
• إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في البيت الذي خلَقه لتُسْكِنَه معرفته ومحبَّته.
• خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
• إيثارك له أن تُساكن قلبك غير محبته.
• خشيتك أن تتولَّد تلك الخواطر، ويستعر شرَرُها، فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبَّة الله، فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
• أن تعلم أن هذه الخواطر بِمَنْزِلة الحَبِّ الذي يُلقى للطائر ليُصاد به، فاعلم أن كلَّ خاطر منها فهو حبَّة في فخٍّ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
• أن تَعْلم أنَّ الخواطر الرَّديئة لا تجتمع مع خواطر الإيمان ودواعي المحبَّة أصلاً، بل هي ضِدُّها من كلِّ وجه.
• أن تعلم أنَّ الخواطر بحرٌ من بحور الخيال، لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه، وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص، فلا يجد إليه سبيلاً، فيكون بعيدًا عن الفلاَح.
• أن تعلم أنَّ الخواطر وادي الحَمْقى، وأماني الجاهلين، فلا تُثْمر إلاَّ الندامةَ والخِزْي، وإذا غلبَتْ على القلب أورثَتْه الوساوس وعزلَتْه عن سلطانها، وانسدَّت عليه عينُه، وألقَتْه في الأَسْر الطويل.
أما النوع الثَّالث
وهو آفات القلب؛ كالحِقْد والحسَد، والكبرياء والعُجْب - فهو باطن الإثم، قال - تعالى -:
ï´؟ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ï´¾
[الأنعام: 120]
وجِمَاع دواء هذه الآفات رؤية عَجْز النَّفس، وقيامها بالله، ومشاهدة حِكْمة الله - تعالى - وتصرُّفِه في الخلق، فمِثْل هذا الاستحضار يَحُول بينه وبين الاعتراض على تقسيم الرِّزق والنِّعَم، ويحول بينه وبين رؤية النَّفس وقدرتها، ويؤول به الحال إلى التسليم بِمنَّة الله وعدله وحكمته.
وقد تكلَّم الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - كلامًا نفيسًا عن هذه الآفات في كتابه: "الطب الرُّوحاني"، فراجِعْه هناك؛ تجِدْ علاجاتٍ تفصيليةً لكلِّ آفة ومرض، وحَسْبُنا من الألْف شاهد مثالٌ واحد.
لكن ابن القيِّم - رحمه الله - يَلْمس مَكمن الداء، ويَصِفه وصفًا دقيقًا، ثم يقترح العلاج المناسب، فيقول: "واعلم أنَّ الخطرات والوساوس تؤدِّي متعلّقاتها إلى الفكر، فيأخذ الفِكْرُ فيؤدِّيها إلى التذكُّر، فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة إلى الجوارح والعمل، فتستحكم، فتصير عادة، فردُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوَّتِها وتمامِها، ومعلومٌ أنه لم يُعطَ الإنسان إماتة الخواطر، ولا القوَّة على قطعها وهي تَهْجم عليه هجوم النفس، إلاَّ أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومُساكنته له، على رفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إنَّ أحدنا يجد في نفسه ما لأَنْ يحترق حتى يصير حممةً أحبُّ إليه من أن يتكلَّم به، فقال: ((أوَقدْ وجدتُموه؟)) قالوا: نعَم، قال: ((ذاك صريح الإيمان))
وفي لفظ: ((الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة)).
وفيه قولان:
أحدهما: أنَّ ردَّه وكراهته صريحُ الإيمان.
والثاني:
أنَّ وجوده وإلقاء الشيطان له في نفسه صريح الإيمان؛ فإنه إنَّما ألقاه في النَّفس؛ طلبًا لِمُعارضة الإيمان، وإزالته به، وقد خلق الله - سبحانه - النَّفس شبيهة بالرَّحى الدَّائرة التي لا تَسْكن، ولا بُدَّ لها من شيءٍ تَطْحنه، فإن وُضع فيها حيٌّ طحنَتْه، وإن وضع فيها تراب أو حصًى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنْزِلة الحَبِّ الذي يوضع في الرَّحى، ولا تبقى تلك الرحى معطَّلة قطُّ، بل لا بدَّ لها من شيءٍ يوضع فيها، فمن الناس من يَطْحن رَحاه حَبًّا يخرج دقيقًا، ينفع به نفسَه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصًى وتِبنًا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبيَّن له حقيقة طحنه".
فهذه نماذج من قُطَّاع طريقك إلى الله، وسفَرِك في درب الآخرة، وسعيك في عتق رقبتك من النار، وبَذْل ثَمن الجنة، فاحذر مثل تلك الصَّوارف وأعِدَّ لها عُدَّتها، والله الموفِّق.

https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif

ابوالوليد المسلم 01-05-2020 10:45 PM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(8)
محمود العشري


قواعد مهمَّة للوصول إلى الجنة


أخي يا بن الإسلام:
بعد هذه النَّصائح الكليَّة، وقبل أن أَذْكر بعض وسائل استثمار رمضان؛ أحبُّ أن أؤصِّل معك بعض القواعد؛ لتنتبه إليها، وتُوليها فِكْرَك، وأنت تعمل على استثمار رمضان الاستثمارَ الأمثل، فأقول وبالله التوفيق:

https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png

أولاً: لقبول العبادة شرطان: الإخلاص، ومتابعة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد قيل: قولوا لمن لم يَكُن مخلصًا: لا تتعنَّ؛ أيْ: لا تُرهق نفسك في العمل؛ لأنَّه سيكون هباء منثورًا؛ فلذلك حرِّر الإخلاص، واجتهد في ذلك، واحرص على أن يكون عمَلُك لله وحده، لا رياء الناس، ولا شهوة، ولا هوى، ولا حظَّ نفس، ولا لطلب الدُّنيا والعلو فيها، والأمر يحتاج إلى جهادٍ وصبر ومُثابرة.
ثانيًا: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من عمِل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد))؛ والحديث رواه مسلم، فلا تتعبَّد إلا بالوارد عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبِفَهم الصَّحابة لأصول العبادات، ولا تبتدع في دينك؛ فالبدعة شرٌّ من المعصية.
ثالثًا: التدرُّج أصل هامٌّ في دين الإسلام، فأوغل في الدِّين برِفْق، وراعِ فقه النَّفْس، ولا تُحمِّلها فوق طاقتها، فتستَحْسِر وتترك، ولكن لا يكون التدرُّج تكأةً للتَّفريط، ولا مَدْعاة للكسل، ولا سبيلاً لسقوط الهمَّة، وعدم طلب الأعلى والأكمل والأفضل، قال ابن الجوزيِّ: للنفس حظٌّ وعليها حق، فلا تميلوا كلَّ الميل، وزِنُوا بالقسطاس المستقيم.
رابعًا: الصبر أصل آخَر، فلا تظنَّ أنك ستَجِد قُرَّة العين في الصلاة من أوَّل مرة، أو تستشعر حلاوة ولذَّة القيام في البداية، أو تجد الخشوع والدموع عند تلاوة القرآن منذ الآية الأولى، كلاَّ ولا؛ فالأمر يحتاج إلى صبرٍ وصِدق ومعاناة.
قال بعضهم: عالَجْتُ قيام الليل سنَة، ثم تمتَّعت به عشرين سنةً، فاصبر سنة وسنوات؛ لتنال الرُّتَب العالية.
خامسًا: المُجاهدة والمعاناة أصلٌ مع الصبر والاصطِبار، قال بعض العلماء: مَن أراد أن تُواتيه نفسه على الخير عفوًا، فسينتظر طويلاً، بل لا بدَّ من حمل النفس على الخير قهرًا، وهذا هو الحقُّ المطلوب: أن يحمل الإنسان نفسه على الخير حملاً، وقال بعضهم: عوِّدوا أنفسكم على الخير؛ فإن النُّفوس إذا اعتادت الخير ألِفَتْه، فجاهد نفسك لعمل الخير، جاهد نفسك لتحقيق الإخلاص، جاهِد نفسك لتحسين العمل، جاهد نفسك للارتفاع بمستوى إيمانك، جاهد نفسك لتكون من المتَّقين.
سادسًا: تدرَّب ذهنيًّا على العبادات قبل أدائها، بمعنى أنك ينبغي أن تقرأ عن الصَّلاة وفَضْل قيام الليل، وجزاء الصَّائمين القائمين، وعاقبة المتصدِّقين، قبل أداء هذه العبادات، وكذلك قراءة أحوال النبِيِّ والصحابة والصالحين؛ لتكوين صورةٍ لهذه العبادات ذهنيًّا، واستشعارها قلبيًّا، ثم الدُّخول في هذه العبادات بهذا التصوُّر، فيكون الأمر أسلمَ، ويكون ذلك أدعى لتحصيلها على أحسن صُوَرِها، وأكملِ أحوالها.
سابعًا: لا تستخِفَّ بقدراتك، وكن مستعِدًّا للمُجازفة، إنَّ عدم المجازفة - نتيجةَ الخوف من الفشل - عائقٌ للنَّجاح، إن العبد الربانِيَّ هو الذي يعتمد على الله، ويتوكَّل عليه، ثم يحزم أمره، وينطلق في عمَلِه، قال - تعالى -: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159] وقال: ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21].
أنت قويٌّ، فتوكَّل على الله، وأنت تستطيع الكثير، ولست أقلَّ ممن وصلوا إلى المراتب العليا في العلم والعمل، بقي لك الصِّدق والتوكُّل، ثم إذا أخفقت أو فشلت، فأعمِل فكرَك كيف تُجنِّب نفسك الإخفاق مرَّة أخرى.
ثامنًا: اطلب النتيجة لا الكمال، إنَّ المسلم الحكيم هو الذي يطلب النتيجة الصحيحة عبر مقدِّماتها الصحيحة دون أن يُبالغ في مطلبه، فيَنْزع إلى اشتراط الكمال في مواهبِه، فإذا وجد قصورًا في نفسه - وهو لا شكَّ واجدٌ - سارعَ إلى إصلاحه، واجتهدَ في تصحيحه، وليس شرطًا أن يصير صحيحًا مائة في المائة، لا بدَّ من قصور؛ ((فاستمتِع بها على عوج))؛ لأنَّ الانشغال بتحسين نتائج العمل خيرٌ ألف مرَّة من اشتراط الكمال في الأعمال؛ لأنَّ ذلك مثبِّط عن الأعمال، ودافعٌ إلى الانقطاع والاستِحْسار.
تاسعًا: تكامُل الشخصيَّة الإيمانية بتكامُلِ أعمال الإيمان، قالوا: لو أنَّ للنُّفوس بصماتٍ، لكانت أشدَّ اختلافًا من بصمات الأصابع، ومن ثَمَّ فليس كلُّ علاج موصوفٍ يناسب جميع النُّفوس، وقد علم فاطِرُ النُّفوس - سبحانه - أن خلقه هكذا، فجعل مَراضيه - سبحانه - متعدِّدة، تُناسب إمكانات النفوس، وطاقاتِها وقدراتها، فشرع - سبحانه - الصِّيام، والصلاة، والذِّكْر، والصَّدقة، والقرآن، وخدمة المسلمين، وطلب العلم، وتعليم الناس، والحجَّ، والعمرة... كل هذه العبادات وعشرات غيرها، منها فرائض ومنها نوافل، وجعل الفرائض بقدر ما لا يشقُّ على النفوس، ثم فتح الباب في النوافل يستزيد منها من يشاء، ولا حرج على فضل الله، فقُم بالفرائض فأدِّها كما ينبغي، ثم اعمد إلى النوافل فاستزِد مما تجد في نفسك رغبة وهِمَّة إليه، قال - تعالى - في الحديث القدسي الذي رواه البخاريُّ: ((ما تقرَّب إلَيَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه)).
فزِدْ في النوافل قدر ما تستطيع، ولكنَّ لكل نفس بابًا يُفْتَح لها من الخير، تَلِج فيه إلى منتهاه، فإذا وجدت من نفسك هِمَّةً ونشاطًا في جانب من جوانب العبادة فاسلُكْه ولا تتوانَ، وزد فيه، ولا تتأخَّر؛ لعلَّ الله يجعل فيه زكاة نفسك، والتزم جميع الجوانب بقدر الإمكان؛ فإنَّها مكملات لشخصَّيتك الإيمانية.
عاشرًا: المتابعة أمُّ المُداومة، والاستمرار أبو الاستقرار؛ لا بدَّ لك من شيخٍ متابع، أو أخٍ كبير مُعاون، أو على الأقل زميل مُشارك، لا تكن وحدك؛ ((فإنَّما يأكل الذِّئب من الغنم القاصية))؛ كما روى أبو داود، وحسَّنه الألباني.
والنَّفس بطَّالة، وبالسوء أمَّارة، فليكن لك شيخٌ يتابعك إيمانيًّا؛ كان رسول الله يُتابع أصحابه يوميًّا، فيقول: ((مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ من أطعم اليوم مسكينًا؟ من عاد اليوم مريضًا؟)) كما روى مسلم، وقد أمره ربُّه بذلك في أصل أصول التربية، فقال: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ [الكهف: 28].
فابحث لك عن شيخٍ، وبالإخلاص تُرزَق، وابحث عن أخٍ كبير تستشيره، فهو ذو خِبْرة سابقة تنفعك، وائتَلِف مع مجموعة من الإخوة الأقران، يكونون عونًا لك على طاعة الله ورسوله، فتكونون: ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح: 29].
حادي عشر: لا تَمْنُن تستكْثِر: اعلم أخي الكريم أن التحدُّث بالعمل لا يخلو من آفات؛ فإمَّا أن يكون إظهار العمل للرِّياء والفخر والسُّمعة، فيحبط عملُك، أو تُحسَد، فالإيمان يتعرَّض للحسد، فتحصل الانتكاسة، فاكتُمْ عملك، وأَسِرَّ بقرباتك، ولا تُحدِّثْ بطاعاتك تَسْلَم، ونصيحة أخرى: أنت لا تدري أي أعمالك حاز القبول، ونِلْت به الرِّضا، فمهما كثر عملك، فلتكن على وجل خوف الردِّ، وعدم القبول، أو حذر الحسد وإفساد الأحوال، ولا تَفْتُر فتهلك، نعوذ بالله من تكدير الصافي، ونسأل الله السلامة والمُسامحة.
أخي يا بن الإسلام، إنَّ أجمل شيءٍ في هذه الدنيا أن يستعملك الله في طاعته، الشُّعور أن الله يستعملك في طاعته إحساسٌ رائع يتملَّكك، حتى لتكاد تشعر أن يدًا حانية تلمس خدَّك؛ لِتُدير وجهك، وتلفت نظرك إلى ما يُرضي ربَّك، وتشعر بهذه اليد تُمسك بيدك بحنوٍّ بالغ، فيه قوَّة؛ لتقودك وترفعك إلى عبادات وطاعات وقربات لم تكن لك على بال، وتستشعر هذه اليد حانية قويَّة دافئة في ظهرك، تَمْنعك من التَّراجع، وتدفعك إلى التقدُّم، تمنعك من السُّقوط، وتُشعرك أنك مسنود.
يتبع

ابوالوليد المسلم 01-05-2020 10:46 PM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
سبحان الملك! والله إنَّه لشعور رائع حقًّا؛ إحساس الإنسان أنَّه مدفوع لفعل الخير، مشغولٌ به، تتفتَّح أمامه أبوابُ الطاعات، وتُيَسَّر له، ويُعان عليها، ولك أن تُقارن بين هذا الإنسان وبين آخَر، كلَّما اتَّجه إلى طاعة تعسَّرت عليه وصُرِف عنها، وأينما الْتفَت أخذت قلبَه وعينَه، ويدَه ورجلَه معصيةٌ من المعاصي.
فإن سألتَ: كيف أكون ذاك الأول، وأنجو من ذاك الثاني؟! قلتُ: إنَّ الأمر يحتاج ابتداءً إلى رحمةٍ من الله - تعالى - فيجعلك من هؤلاء المرحومين، وينأى بك عن هؤلاء الخاسرين.
فإن قلتَ: ألا من سبيل للأسباب؟! قلت: بلى، وارد؛ تحتاج ابتداءً إلى هِمَّة عالية، ونيَّة صحيحة، فإذا رأى الله من عبده صِدْق النِّية، ووصل إليه من العبد عملٌ علِيٌّ، أخذ بيده إليه، واعتنى به أشدَّ من عناية الأب الشفيق بولده؛ فدبَّر له الأمور، وأصلح له الأحوال؛ قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ï´¾ [الليل: 4 - 10].
فمَدار الشأن على هِمَّة العبد ونِيَّته، وهُما مطلوبُه وطريقُُه، ولا يتمُّ إلا بترك ثلاثة أشياء:
الأوَّل: العوائد والرُّسوم، والأوضاع التي أحدثها الناس.
والثاني: هجر العوائق التي تعوقه عن إفراد مطلوبه وطريقه، وقطعها.
والثالث: قَطْع علائق القلب التي تَحُول بينه وبين تجريد التعلُّق بالمطلوب.
ثم إنَّك - أيُّها الحبيب المُحِبُّ - إن كنت تستشعر ثقلاً وصعوبة في الأخذ بالأسباب التي ذكرتُها لك؛ فإنَّ من رحمة الله بعباده وإكرامه - سبحانه - لهم أنْ هيَّأ لهم فُرَصًا ومناسباتٍ في أيام زمانهم، يكون الوصول فيها أسهلَ، وتُصْبِح الإعانات مجانيَّة للجميع.
فهناك مواسم ومناسبات يكون الوصول والدُّخول على الله - تعالى - في هذه المواسم بمواهب وهدايا ولطائف في يومٍ أو ليلة بلمحة خاطفة من خفايا لُطْفه - سبحانه - كما روى الطبرانيُّ - وحسَّنه الألباني - أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ لله في أيام الدهر نفحاتٍ فتعرَّضوا لها؛ فلعلَّ أحدكم تصيبه نفحة، فلا يَشْقى بعدها أبدًا))، ومن هذه المواسم شهر رمضان المعظَّم، أنعِم وأكرم بيومٍ واحد منه!
أخي يا بن الإسلام، إن الدنيا قصيرة، وليس لها قدْرٌ عند الله - تعالى - فهي لا تُساوي عند الله جَناح بعوضة؛ ومن ثَمَّ فهي لا تستحِقُّ أن نُفنِيَ أعمارنا في جمْع حطامها الزَّائل، بل علينا أن نملأ قلوبنا رغبةً في الآخرة، وفي لقاء مَن له الآخرة والأُولى - سبحانه وتعالى - فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عند البخاري: ((مَن أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كَرِه لقاء الله كره الله لقاءه)).
ومن المعلوم أنَّ الإنسان لا يحبُّ لقاء الله، ولا يشتاق له إلاَّ إذا تزوَّد من العمل الصالح الذي يرضى الله - تعالى - عنه، ولن يكون ذلك إلاَّ باغتنام كلِّ لحظة من لحظات العمر في طاعة الله، وبخاصَّة في مواسم الطاعات، التي يُضاعِف الله فيها الأجر والحسنات، ويعفو فيها عن الذُّنوب والسيئات.
ولا شكَّ أن شهر رمضان هو أفضل شهور السَّنة على الإطلاق، وهو أفضل موسمٍ من مواسم الطاعة؛ ولهذا كان لزامًا علينا أن نحسن استقباله، وأن نغتنم كلَّ لحظة فيه؛ لنفوز بالرحمة والمغفرة والعتق من النِّيران، ولنسعد في الجنة بالنَّعيم والرضوان، والنظر إلى وجه الرحيم الرحمن.
فما هي أهمُّ وسائل استثمار رمضان؟!
إنَّ وسائل استثمار رمضان كثيرة جدًّا؛ ذلك لأنَّ استثمار رمضان إنما يكون بالاستِزادة من العمل الصالح، والأعمالُ الصالحة من الكثرة بمكان؛ ولهذا فإنِّي - بإذن الله - تعالى - أنتقي بعض الأعمال الصالحة اليسيرة، والتي أُجورها جزيلة جليلة، وأحيل عليك البحث والتنقيب عن غيرها.
وأنصحك - أخي يا بن الإسلام - أن يكون عندك كُنَّاش - كرَّاسٌ - تقيِّد فيه كلَّ عمل صالح جديد تَعْلمه، فتَعْمَل به، وتدعو إليه غيرَك، وتحتفظ به في كناشك؛ لعلَّك تُسْعِف به نفسك وإخوانك يومًا من الأيام، والله المستعان.
وأبدأ هذه الوسائل بحديثٍ جليل، رواه الإمام البخاريُّ - رحمه الله - بسنده عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أربعون خصلةً، أعلاهن منيحةُ العَنْز، ما مِن عامل يعمل بخصلة منها رجاءَ ثوابها، وتصديقَ موعودها، إلا أدخلَه الله بها الجنة)).
والخَصْلة: الفضيلة أو الحالة، وفي "لسان العرب" في مادة خصل: "الخصلة: الفضيلة والرَّذيلة تكون في الإنسان، وقد غلب على الفضيلة، وجمعها: خِصَال، والخصلة: الخَلَّة... وفي الحديث: ((من كانت فيه خصلة من النِّفاق))؛ أيْ: شعبة من شُعَب النفاق، وجزء منه أو حالة من حالاته".
وفي رواية للحديث عند أحمد: ((أربعون حسنة))؛ بدلاً من ((أربعون خصلة))، وعند الطبرانيِّ في "الأوسط" بلفظ: ((أربعون خلقًا))، لكن إسناده ضعيف.
والعَنْز: أنثى المَعِز، ومنيحة العَنْزِ: أن يُعطي صاحب العَنْز عنْزتَه لمن يحلب لبنَها، ويشرب منها، ثم يعيدها إليه، فإذا كانت المُعطاة للحلب شاةً أو بقرة أو جاموسة أو ناقةً مما يُحلب، لكان الثواب أكبر وأرجى.
والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يذكر الأربعين خصلةً، واكتفى بذكر أعلاهنَّ، قال ابن بطَّال ما ملخَّصه: "ومعلومٌ أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان عالِمًا بالأربعين المذكورة، وإنَّما لم يذكرها لمعنًى هو أنفع لنا من ذِكْرِها؛ وذلك خشية أن يكون التعيين لها مُزَهِّدًا في غيرها من أبواب الخير".
وقال ابن المنير: "الأَوْلَى أن لا يُعنى بعدِّها؛ لما تقدَّم"، لكن في زماننا ضعفت هِمَمُ الكثيرين، وتقاعست عن إتيان أبواب الخير كبـيرها وصغيرها، فبعدوا عن الاغتراف من رحمة الله - تعالى - بترك الطاعات الموصلة إليها، فرأيتُ من الأنسب بيانَ هذه الأبواب من الخير اليسيرة، الموصلة إلى رحمة الله - تعالى - ومغفرته الواسعة؛ لعلَّ ذلك يكون دافعًا للكثيرين إلى العودة، والإكثار من أبواب الخير، وقد رأوا سَعة رحمة الله - تعالى - وعظم مغفرته وفضله، وأنَّ نوال الجنة قريب ويسير بقليل العمل، ولله الحمد والمِنَّة.
فإن عادوا إلى الدَّرب وتنافسوا في مضماره، تاقت النُّفوس من جديدٍ لأبواب الخير المختلفة بعد أن أحيت نفوسَهم رحماتُ الله - تعالى - ومغفرته، وبعد أن علموا سعة رحمته - تعالى - وعظيم عطائه الذي لا حدَّ له.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بعضًا ممن تكلَّم في حصر هذه الأربعين.
وأُولى هذه الخصال - كما في الحديث - منيحة العَنْز، وقد ورد في فضل منيحة اللَّبن حديثُ البَرَاء بن عازب - عند التِّرمذي وأحمد وصححه الألبانيُّ - قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((من منح منيحةَ لبن أو وَرِقٍ، أو هَدَى زُقاقًا، كان له مثل عِتْق رقبة))، ومنح الوَرِق؛ أيْ: قَرْض الدراهم، وقوله: "هَدى زقاقًا"؛ أيْ: أرشد ابن سبيل، وهداه إلى الطريق.
وعند مسلم: باب الترغيب في صدقة المنيحة مرفوعًا: ((ألا رجلٌ يمنح أهلَ بيتٍ ناقةً، تغدو بعُسٍّ، وتروح بعُس! إنَّ أجرها لعظيم))؛ ورواه البخاريُّ وأحمد، والعُسُّ هو القدح الكبير، وعند مسلمٍ وأحمد أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: ((من منح منيحة، غدَتْ بصدقة، وراحت بصدقةٍ، صَبوحها وغَبُوقها)).
ضوابط لتعيين هذه الخصال الأربعين:
لَم يعيِّن الحديث النبويُّ الشريف الخصالَ الأربعين، ولكن في الحديث ما يفيد في التعرُّف عليها، فمن ضوابط تلك الخصال:
1- أنَّها أعمالٌ للعبد، أو حالةٌ يكون عليها، أو صفة تنطبق عليه، ينال بها رضا الله وجنَّته، واشتراط أن تكون هذه الخصالُ الأربعون مما يَتعدَّى بها نفْعُ العبد لغيره - كما في منيحة العَنْز المذكور في الحديث - فمحلُّ نظر، وليست بشرط؛ لأنَّ كلمة خصال الواردة في الحديث أعمُّ من ذلك، والخصال في اللُّغة قد تكون صفاتٍ للعبد، أو أحوالاً، أو سلوكيَّات، كما تكون أفعالاً، والصفات والأحوال والسُّلوكيات قد تكون خيِّرةً أو فاسدة، والذي يَعْنينا في الخصال الموجبة للجنة: الصفاتُ، والأحوال، والسُّلوكيات - إلى جانب الأفعال - الحسَنة الخيِّرة.
ويؤيِّد ذلك استعمالُ كلمة الخصال في أحاديثَ نبويَّة عديدة بما يوافق ذلك؛ فمن ذلك حديثُ عبدالله بن عمرٍو في "الصَّحيحين" وسنن أبي داود والترمذي والنسائي و"مسند أحمد" أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أربع خلال مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا: من إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلَف، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجَر، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهن كانت فيه خَصلة من النِّفاق حتى يدَعَها))، فجعل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيانة الأمانة، وكذِبَ الحديث، وغدْرَ العهد خصالاً، وهي خصال مذمومة.
وفي حديث ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - في الصحيحين قال: وقال نبيُّ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأشجِّ عبدالقيس: ((إنَّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله: الحلم والأناة)).
فجعل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذين الخُلقين من الخصال، وهما خصلتان محمودتان، فدلَّ ذلك على أن الخصال المذكورة أعمُّ من كونها محصورةً فيما يعود نفع العبد فيه على غيره، كمنيحة العنز المنصوص عليها في الحديث.
2- أنَّها أقلُّ - في الجهد المبذول والمشقَّة، وفي النفقة والعطاء - من منيحة العنز؛ إذْ إنَّ في الحديث عن هذه الخصال أن: "أعلاهنَّ منيحة العَنْز"، فما دونها أخفُّ منها في المشقَّة، وأقلُّ منها في البذل.
3- أنَّها يكفي ما كان منها عملاً متعديًا نفْعُه للغير - كمنيحة العَنْز - أن يفعله العبد مرَّة واحدة، فيدخل بهذه المرة الجنَّة - ولله المِنَّة - دون حاجةٍ إلى تكرار هذا الفعل مرَّات ومرات، أو المداومة عليه، ولو تكرَّر لكان خيرًا على خير.
4- أنَّ كل عمل منها على حِدَةٍ قد ثبت بخصوصه الدليل الشرعيُّ على أنه يوجب بِمُفرده دخول الجنَّة، أو غفران ما تقدَّم من الذنوب، أو الإنجاء من النار، أو نوال محبَّة الله - تعالى - ورضاه، ونحو ذلك.
فهذه هي الشُّروط التي رأى بعض العلماء مراعاتها في تحديد الخصال الأربعين اليسيرة الموجبة لدخول فاعلها الجنَّة، ولا يخفى عليك أخي يا بن الإسلام اشتراطُ كون الأحاديث المستدَلِّ بها على هذه الخصال مما ثبتت صحَّتُها وبلوغها درجة القبول؛ إذْ لا يصحُّ في تعيين هذه الخصال - ولا غيرها - الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة مما لم يبلغ درجة القبول عند علماء الحديث - أصحاب هذا الشأن - ولكن:
هل هذه الخصال تزيد على الأربعين؟
جاء في الحديث أنَّ هذه الخصال اليسيرة الموجِبة للجنة أربعون، فإنْ وُجد أنَّها أكثر من ذلك بتتبُّع الأحاديث الواردة في هذا الشأن بالضوابط المذكورة، فكيف يُجمع بين الأمرين؟!
والجواب - والله أعلم - أنَّ ذلك ممكِنٌ من وجهين:
1- إمَّا أن يُقال: إنَّ ذِكْر العدد لا يُنافي الزيادة عليه، فيكون هذا العدد هو أقلَّ هذه الخصال، ويزيد عليها غيرها، كما في حديث خصال النِّفاق: ثلاثٌ في رواية، وأربع في أخرى، ومعلومٌ أنَّ هناك صفاتٍ للمنافقين فعليَّةً غير ذلك، فلم يمنع ذِكْرُ أنَّها أربعة في الحديث وجودَ ما يزيد عليها مما دلَّ عليه الدليل الشرعيُّ، ومثله في اجتناب السَّبع الموبقات: الشِّرك، والسِّحر، وقَتْل النفس بغير الحقِّ، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المُحصَنات، الوارد في حديث النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "الصحيحين" وسنن أبي داود والنَّسائي، لكن بلفظ الشُّح بدلاً من السِّحر، ولا يمنع وجودَ كبائر موبقات غيرها؛ كتَرْك الصَّلوات المفروضة، وترك أداء الزَّكاة، وترك صيام رمضان، وإدمان الخمر، وشهادة الزُّور، والزِّنا، واليمين الغموس - الكاذبة - والله أعلم.
2- وإمَّا أن يُقال: إنَّها كانت أربعين عند ذِكْر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لها، ثم زاد الله - تعالى - عليها غيرها، فضلاً منه وكرمًا، مما وردت به الأحاديث الثابتة، ووجب الأخذ بِها؛ للجمع بين تحديد الأربعين، والزيادة عليها بمقتضى أحاديثَ أخرى ثابتةٍ - والله أعلى وأعلم.
ويرى الدكتور "ياسر برهامي" أنَّها أربعون محدَّدة معلومة للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أبهم ذِكْرَها؛ ليجتهد الناسُ فيها كليلة القَدْر، وساعة الجمعة، والتِّسعة والتسعين اسمًا من أسماء الله الحسنى، والزيادة عليها إنَّما هي لأجل الخطأ في الاجتهاد؛ فنحن ليس عندنا ما نَزِن به الهيِّن والأهون، والأدنى والأعلى من الأعمال على وجه الجزم، بل هو مجرَّد اجتهاد حسب اختلاف القدرات والهمم والإرادات، والأزمنة والأمكنة، والله الموفِّق للصواب.
وبعد:
فبَيْن يديك - أخي يا بن الإسلام - مجموعة وسائل طيِّبة لاستثمار رمضان، ولعلَّك تجد بينها - إن شاء الله - بقيَّة الأربعين خصلة، ولسوف أكتفي - إن شاء الله - في غالب هذه الوسائل بذِكْر الأحاديث الواردة - أو بعضها - ما أمكن دون تعليقاتٍ أو شروح أو توضيح؛ تجنُّبًا للإطالة على أخي الحبيب، الذي أراه متشوِّقًا لاغتنام هذه الوسائل، إلاَّ في مواضع قد تكون قليلة، وذلك وفق ما تقتضي الحاجة فيها إلى فوائد أو تنبيهات، أو تفسيرٍ يسير للمعاني؛ لتحقيق الاستفادة الكاملة من العمل، وأدائه على الوجه المطلوب شرعًا، للحصول على أجره وثوابه، ومع ذلك فقد أُسْهِب في مواضع معيَّنة، فتحمَّلني عندها لله، فاللَّهم يسِّر وأعِن، يا كريم.




https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif





ابوالوليد المسلم 01-05-2020 10:50 PM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(9)
محمود العشري

وسائل استثمار رمضان

https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
الوسيلة الأولى: الصِّيام:
الصوم مدرسة، تهذيب وتربية، ذُلٌّ وانكسار، الصَّوم لا مِثْل له، خُمول وخشوع، سكينة وانتظار، الصِّيام زكاة النَّفس، ورياضة الجِسم، ودعوة للبِرِّ، هو للإنسان وقاية، وللجماعة صيانة، ففي جوع الجسم صفاءُ القلب، وشَحْذ القريحة، وإنفاذ البصيرة؛ فإنَّ الشِّبَع يورث البَلادة.

الصِّيام ركنٌ من أركان الإسلام، هو أستاذٌ يعلِّم الرحمة، وينشر المَحبَّة، ويعوِّد التَّضحية والبذل، قيل للأحنف بن قيس - رضي الله عنه -: إنَّك شيخٌ كبير، وإن الصِّيام يُضْعِفك، فقال: "إنِّي أُعِدُّه لسفر طويل، والصبر على طاعة الله أهوَنُ من الصبر على عذابه".
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


فالصَّوم حرمانٌ مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوعٌ لله وخضوع، يستثير الشَّفقة، ويحضُّ على الصَّدقة، ويسنُّ خِلال البِرِّ، حتى إذا جاع مَن ألِفَ الشِّبَع، وعرف المُترَف أسباب المُتَع، عرف الحِرْمان كيف يقع، وألَم الجوع إذا لذَع، فرضَه ربُّنا في كتابه، فقال - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183]، وجعل - سبحانه - أفضل الصِّيام صيامَ رمضان، فقال - تعالى -:
ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ï´¾ [البقرة: 185].

فصار هذا الشهرُ لأمَّة الإسلام شهرَ القرآن، وشهر الإحسان، وشهر الرِّضوان، وشهر الغفران، وشهرَ إغاثة اللَّهفان، وشهر التَّوسعة على الضِّيفان، وشهرًا تُفتَّح فيه أبواب الجنان، ويُصفَّد فيه كلُّ شيطان، فإذا صُمْتَ فليَصُم سمعك وبصرك، ولا تجعل يوم صومك كيوم فِطْرِك؛ ففي الصيام: احْفَظ لسانك، ولْيَكثر ذِكْرُك لله، ولْيَظهر على سَمْتِك الخشوعُ والوقار والإخبات، وإيَّاك والمعاصي، فيَفْسد الصِّيام.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


استشعِر المعاني الإيمانيَّة أثناء الصيام؛ من إقامةِ حاكميَّة الله على النَّفس الأمَّارة بالسوء؛ بالكفِّ عن شهواتها، ومَنْعِها من مَطالبها، وإقامة حُكْم الله عليها، فتعود أمَةً مأمورة غير آمِرة، ومطيعةً غير مُطاعة، وأيضًا كَسْر النَّفس باستشعار ذُلِّ الفقر والحاجة، والضَّعف والفاقة؛ فإنَّ الشِّبَع والرِّيَّ يحملان النَّفس على الأشَرِ والبطَر والغفلة، وكذلك استشعار نعمة الله في المَطْعَم والمشرب، وأيضًا تَخلِّي القلب للفكر والذِّكْر؛ فإن تناول الشهوات يجعل القلب قاسيًا، ويعميه، ويستدعي الغفلة، وخلوُّ البطن من الطعام والشراب يُنير القلب، ويزيل قسوته، ثم إنَّ الصيام يضيِّق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)).

ومن آداب الصيام:
1- الدُّعاء عند رؤية الهلال في صوم رمضان؛ فقد كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهِلَّه علينا باليُمْن والإيمان، والسَّلامة والإسلام، ربِّي وربُّك الله))؛ كما في "صحيح المُسنَد".

2- الاستعداد للصوم بتَبْيِيت النِّية؛ لأن النية تميِّز صيام العادة عن العبادة؛ فعن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من لم يُبيِّت الصِّيام قبل الفجر، فلا صيام له))؛ والحديث في "صحيح سنن النَّسائي"، وذلك في فرض الواجب في رمضان، أو في قضاءِ رمضان، أو في صيام نَذْر إذا لم يَنْوِه من الليل لم يُجْزِه.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وأما صيام التطوُّع، فمباح له أن ينوِيَه بعدما يصبح؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذات يوم: ((يا عائشة، هل عندكم شيء؟))، فقلت: يا رسول الله، ما عندنا شيء! قال: ((فإني صائم))؛ رواه مسلم.

3- الصوم هو غاية الأدب؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصوم جُنَّة، فإذا كان أحدكم يومًا صائمًا فلا يَرْفث ولا يجهل، فإنِ امرؤٌ شتَمه أو قاتله، فلْيَقل: إنِّي صائم))؛ والحديث في "صحيح مسند الإمام أحمد"، وقال جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -: "إذا صُمْت فلْيَصُم سمعك وبصَرُك ولسانك عن الكذب والمَحارم، ودَعْ أذى الخادم، ولْيَكن عليك وقارٌ وسَكِينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم صومك كيوم فِطْرك".

ومعنى الصِّيام لغة: السُّكون، وهو مَطْلب شرعي أيضًا؛ أن يحصل أثناء الصِّيام شيءٌ من السكون والهدوء والانكسار لله - تعالى - وكفِّ طغيان النفس.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


4- تعجيل الفِطْر؛ ففي "صحيح البخاري" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((لا يَزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْر))، فينبغي يا بْن الإسلام أن تُسْرع في الإفطار؛ فبمجرَّد قول المؤذِّن: "الله أكبر" تفطر مباشرةً، ولا تنتظر حتى يتشهَّد، كما يفعل البعض، بل أسرِعْ إلى الخيريَّة بتعجيلك للفطر؛ امتثالاً لأمر نبيِّك - صلَّى الله عليه وسلم.

5- أن يفطر على تمرات أو ماءٍ قبل أن يصلِّي المغرب؛ ففي "صحيح سنن أبي داود" عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُفْطِر على رُطبات قبل أن يصلِّي، فإن لم تكن رطبات فعلى تَمرات، فإن لم تكن حسا حسواتٍ من ماء".

6- الدُّعاء قبل الإفطار؛ فأوقات الإفطار وقبل الأذان بدقائق، لحظاتٌ ثمينة، ودقائق غالية، وهي من أفضل الأوقات للدُّعاء وسؤال الله - تعالى - وهي من أوقات الاستجابة، كما في الحديث الذي رواه البيهقيُّ وصحَّحه الألباني: ((ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصَّائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر))، وأيضًا: ((ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم...))، منهم: ((دعوة الصَّائم حين يفطر))؛ صححه الألباني، فهل لك - أخي يا بن الإسلام - إلى الله حاجة؟!
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


أبْشِر، مسموحٌ لك في ثلاثين حاجة، سبحان الله العظيم! كم يشتهي الإنسان أشياء تُقضى بدعوةٍ عند الإفطار؛ لأنَّ قبل الإفطار في آخر النَّهار يكون الإنسان في أحسن حالات استِشْعار الانكسار، وإظهار الافتقار، ومدِّ يد الضَّراعة، وبظهور الذُّل والحاجة يستجيب الله دعاء الصائم المسكين.

اغتنم الفرصة، واستعِدَّ قبل الغروب بتجهيز كشف المطالب والتبَرُّؤِ من العيوب، واجعل لي نصيبًا في دعائك أيُّها الحبيب المحبوب، ولا تنس أن تجعل من دعائك دعاءً للأمّة جميعًا أن يفرِّج الله عنها جميعَ الكروب.

فالعبد الصَّائم مقبِلٌ على الله، منكَسِرة نفْسُه، ولكن - للأسف - راقب هذه اللَّحظات، وستجد الغفلة العجيبة عند كثيرٍ من الناس، سبحان الله! هذه اللَّحظات الغالية أوقات الدُّعاء والاستجابة والتفرُّغ، يغفل عنها أهل التَّوحيد، وكلُّنا بحاجةٍ إلى الدُّعاء وسؤال الله - سبحانه - فاحرص على هذه اللَّحظات ولا تفرِّط، والموفَّق مَن وفَّقه الله - تعالى.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


7- السُّحور؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمدُ وحسَّنه الألبانيُّ: ((السُّحور أَكْله برَكة، فلا تدَعوه، ولو أن يجرع أحَدُكم جرعةً من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلُّون على المتسحِّرين)).

فبالله عليك: هل مثل ذلك الفضل يضيِّعه عاقل؟! واعلم أنَّ لفظة: ((إنَّ الله وملائكته يصلون على المتسحرين)) صحَّحها الألبانيُّ في "السِّلسلة الصحيحة".

والبَركة هي الزيادة والنَّماء، وذلك بِنُزول الخير الإلهيِّ في الشيء، وثبوتِه فيه، وهي جِماعٌ لكلِّ خير، وطريق موصلة لكثرة النِّعم، فلا غرابة بعد ذلك أن نجدَّ في طلب هذه البركة في شهرٍ قال فيه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رمضان شهرٌ مبارك)) كما في "صحيح الجامع"، وفيه ليلة وصفَها ربُّنا بقوله - تعالى -:
ï´؟ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ï´¾ [الدخان: 3]، بل وعمَّت فيه البرَكةُ كلَّ شيء لتشمل حتَّى الطعام.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


• قال الصنعانيُّ: "والبرَكة المشار إليها فيه: اتِّباع السُّنة، ومخالفة أهل الكِتاب؛ لحديث مسلمٍ مرفوعًا:
((فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكْلة السَّحَر)).

قلتُ: ومن البركة التي في السُّحور: صلاة الله وملائكتِه على المتسحِّرين، والسُّحور ما هو إلاَّ إعدادٌ للصِّيام، فما ظنكُّ بالصوم نفسه؟! ومن البركة فيه أنَّه يُعطي القوَّة على الصِّيام وغيره من الأعمال الصالحة أثناء النَّهار؛ فيجد المتسحِّرُ في نفسه نشاطًا يبعثه على أداء الفرائض والنوافل في هِمَّة وعَزْم، ومن البركة فيه إدراكُ وقت السَّحر؛ وهو وقت التنَزُّل الإلهيِّ والاستغفار المبارَك، ومن البركة فيه أنَّه أضمَنُ لترديد أذان الفَجْر مع المؤذِّن، وإدراك الصلاة في وقتها مع الجَماعة، مع ما في ذلك من فضلٍ، ومن البرَكة فيه أنَّ الصائم إذا تسحَّر لا يشقُّ عليه تكرار الصَّوم، بل يشتاق إليه، خلافًا لمن لم يتسحَّر؛ فإنَّه يجد مشقَّة تثقل عليه العودة للصِّيام، ومن البركة فيه أنَّه يكفي فيه القليل، ولو كان جرعة ماء؛ فقد صحَّح الألبانيُّ في "صحيح الجامع" قولَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تسحَّروا ولو بالماء))، وإن كان: ((نِعْم السَّحور التَّمر))، كما في "صحيح الجامع".
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


فإذا واظبنا على السُّحور استحقَقْنا صلاة الله - وهي الرَّحمة - وصلاة الملائكة - وهي الدُّعاء لنا بالرحمة - فكيف بعد ذلك لا نُرحَم؟! نسأل الله - تعالى - من فضله، واعلم أن السُّحور مندوب إجماعًا، وقد نقله ابن المُنذر فقال: "الإجماع على أن التسحُّر مندوب".

• فاحرص - أخي يا بن الإسلام - على السُّحور في أيِّ وقت من الليل، ولكن المستحَبّ تأخيرُه؛ ففي "الصَّحيحين" أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يَزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْر))، قال الصنعانيُّ: زاد في روايةٍ لأحمد: ((وأخَّروا السُّحور)).

قلت: وهذه الزيادة من حديث أبي ذرٍّ، وإسناده ضعيف، ولكن يدلُّ على استحباب تأخير السُّحور ما رواه الطبرانيُّ وصححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع": ((ثلاثٌ من أخلاق النبوَّة: تعجيل الفِطْر، وتأخير السُّحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة))، وما ورد في "الصحيحين" عن أنسٍ، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنهما - قال: "تسحَّرنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسُّحور؟ قال: قَدْر خمسين آية".
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


ملاحظات، وتنبيهات:
•ما يظنُّه كثيرٌ من الناس من الامتناع عن السُّحور إذا سمعوا ما عُرف بمدفع الإمساك، أو التواشيح في الإذاعات، لا أساس له من الصِّحة، والصحيح أنَّ وقت الإمساك هو وقت الفجر الصادق.

• إذا شكَكْت في طلوع الفجر، فلك أن تأكل وتشرب حتى تتيقَّن؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ï´¾ [البقرة: 187]، قال رجلٌ لابن عباس - رضي الله عنهما -: إنِّي أتسحَّر، فإذا شككتُ أمسكت، فقال ابن عبَّاس: كُلْ ما شكَكْت، حتَّى لا تشكّ.

• واعلم أنَّك إذا سمعت الأذان، وطعامُك وشرابك في يدك، فلك أن تأكل أو تشرب؛ وذلك لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا سمع أحَدُكم النِّداءَ والإناءُ على يده، فلا يضَعْه حتَّى يقضي حاجته منه))؛ والحديث رواه أبو داود والحاكم، وصحَّحه الألباني، ومن باب الأمانة أذكر لك - أخي الحبيب - أنَّه قد أخبرني أحد تلامذة الشيخ/ العدويِّ أن الشيخ - حفظه الله - قد ضعَّف هذا الحديث.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


• احرص على أن يصوم معك أهْلُ بيتك، وشجِّعهم على ذلك، واجتَمِعوا على الإفطار والسُّحور.

8- اغتنام وقت السَّحَر بالذِّكْر والدعاء وقراءة القرآن؛ فوقت السَّحر وقت النُّزول الإلهي، ولا شكَّ أنك ستستيقظ - إن شاء الله - لتحصيل أجر السُّحور، وامتثال أمر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكن أين أنت من ركعتين تركعهما في ظُلْمة اللَّيل، تناجي بهما ربَّك؟! فكثيرٌ من الناس عن هذا الوقت المبارك غافلون، وبعض الناس يتصوَّر أنه إذا صلى التراويح مع النَّاس، وأوتر في أول الليل، انتهت صلاة اللَّيل، واكتفى بذلك، وحَرم نفسه من هذه الأوقات الثمينة، والدقائق الغالية، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَنْزِل الله كلَّ ليلة إلى السماء الدُّنيا، فيقول: هل من سائلٍ فأُعْطِيَه؟ هل من مستغفر فأغفِرَ له؟ هل من تائب فأتوبَ عليه؟ حتى يطلع الفجر))؛ رواه مسلمٌ، والبخاريُّ بمعناه.

وطبعًا أنت أخي لا تعتقد في نزول الله - تعالى - إلا النُّزول الذي يليق بجلاله وعظَمتِه، والذي لا يُماثل نزول المخلوقين؛ لأنه - تعالى - ï´؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ï´¾ [الشورى: 11]، فكذلك ليس كصفَتِه صفةٌ، فأنت تعتقد أن الله يَنْزل إلى السماء الدُّنيا حين يبقى ثلث الليل الآخِر، نزولاً حقيقيًّا يليق بجلاله وعظمته، ولا يُماثل نزول المخلوقين.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


فاللهَ اللهَ في استثمار السَّحَر؛ فإنه من صفات أهل الجنَّة التي ذكَرَها الله - تعالى - في قوله: ï´؟ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ï´¾ [آل عمران: 17]، ولا تَنْس في هذا الوقت أنَّ من السبعة الذين يظِلُّهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظلُّه: رجُلاً ((ذكَر الله خاليًا، ففاضت عيناه)) كما في الصَّحيحين، فاحرِصْ على الخشوع والبكاء من خشية الله في هذه السَّاعات المباركات؛ فإنَّ عينين لا تمسُّهما النار أبدًا؛ كما في الصحيح: ((عينٌ بكَتْ من خشية الله، وعين باتت تَحْرس في سبيل الله)).
يتبع

ابوالوليد المسلم 01-05-2020 10:50 PM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 


ولا تنسَنِي - أخي الحبيب - ساعتَئذٍ من دعوةٍ صالحة؛ ليقول لك الملَك: آمين، ولك بمِثْل، وانتبه - يا بْن الإسلام - إلى أنَّ ذلك مشروع في رمضان وغيرِه.

9- ترك الإفراط في تناول الطعام أثناء الإفطار؛ فالصَّائم إذا شبع ضيَّع على نفسه الحِكْمة من الصوم؛ فالشِّبَع يورث القَسْوة، ويوفر الجفوة، ويثير النَّوم، ويَجْلب الكسل عن الطاعات، والصوم يعالِجُ ذلك، قال بعض السَّلَف: إذا امتلأَت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعَدَت الأعضاء عن العبادة.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


10- كفُّ النَّفْس عما يتنافى مع حقيقة الصِّيام؛ من إطلاق الجوارح في المعاصي والذُّنوب؛ كالغِيبة والنَّميمة، والكذب، والفُحْش، وسوء الخلق، وغير ذلك؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح البخاري":
((من لم يدَعْ قول الزُّور والعمل به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامه وشرابه)).

11- دعوة الصَّائمين إلى طعام الإفطار - من الأرحام والجيران، واليتامى والمساكين - طلبًا للأجر من الله - تعالى - فقد قال - تعالى - في وصف الفائزين بالجنة: ï´؟ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ï´¾ [الإنسان: 8 - 12].
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح سنن الترمذي": ((مَن فطَّر صائمًا كان له من الأجر مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم)).

12- أن لا يُجاهر المسلم المرخَّصُ له بالإفطار بإفطاره؛ كالمريض والمرأة الحائض والنُّفساء؛ احترامًا لشعور الصائمين، ولكي لا يشجِّع المستهترين من المفطرين بالمجاهرة في إفطارهم.

ومن الآداب أيضًا: الاجتهادُ في العبادة في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب طلب ليلة القَدْر، والاعتكاف، وكلُّها ستأتي معنا - إن شاء الله تعالى.

س: هل تحب أن تصوم رمضان مرَّتين في السَّنَة الواحدة؟!
ج: بالتأكيد، كلُّنا يتمنَّى ذلك، ولكن كيف؟!
والإجابة في حديث زيدِ بن خالدٍ الجهنيِّ الذي رواه الترمذيُّ - وصحَّحه الألباني - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا)).
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


فأبشر - أخي يا بن الإسلام - بهذا الفضل العظيم، واعلم أن هناك صورًا متعدِّدة يمكنك من خلالها الحصولُ على هذا الأجر العظيم من تفطير الصائمين، فمنها: تفطير الأقارب والجيران؛ إذْ بِحُسن النية تحصل على الصيام بعددِهم، وكذلك صلة الأرحام، وبِرُّ - وحُسْن - الجوار، ومنها: تفطير الإخوان والأصدقاء، ومنها: تفطير الفقراء، والصدقة عليهم بالإفطار، وكلها تحتاج إلى حُسْن النية، والله المستعان.

كيف تحصل لذَّة الصوم؟!
إنَّ هذا من أعجب الأسرار، وقليلاً ما تجد أحدًا تكلم فيها بما يَشْفي، والمقصود أيُّها السالك: إيقافك على أسرار العبادة، وجمال الخدمة، وشرف القيام بالأمر، فالعبادة اسمٌ جامع لكلِّ ما يحبُّه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، ومقتضى قيامك بأداء العبادة أن تجد ثمرتَها، وثمرة العبادة تكليفٌ شرعي؛ فمثلاً: يقول عن الصلاة: ï´؟ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ï´¾ [العنكبوت: 45]؛ أي: الصلاة الصحيحة الكاملة، ولكنَّه لم يتكلم عن لذة العبادة والمناجاة والخطاب، وحلاوة القيام بتلك الصلاة، وكذلك الصوم حين قال: ï´؟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183]، فالتَّقْوى أيضًا كالانتهاء عن الفحشاء والمنكر، كلاهما مأمور به.

وسِرُّ عدم التعرض للَذَّة العبادة، وجعلها مقصودًا وغاية مباشرة: أنَّ هذه اللذَّة والحلاوة هي مِن صميم مقام الإحسان: ((أن تَعْبُد الله كأنَّك تراه..))، ولو جُعلت مقصودًا وغاية، لعَجز جمهور المكلَّفين عن أن يحصِّلوا هذه اللذَّة؛ ليتأكدوا من حصول ثمرة العبادة، وليَئِس كثيرٌ من السالكين حيث يجتهدون وَلَمَّا يأتهم المدَد، فكان تكليفهم بالقريب الملموس، والسهل اليسير؛ لأنَّ علامات التقوى والانتهاء عن المنكر واضحة.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


أمَّا باطن هذه الغايات وجوهرها، فهو الالْتِذاذ بالخِدْمة، والشُّعور بالنِّسبة - نسبة العبد لربِّه - كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد رجوعه من الطَّائف وأذية أهلها له وإهانتهم لشخصه، قال: ((إن لم يكن بك على غضبٌ فلا أبالي))، وهذا من أجمل الألفاظ النبويَّة الجامعة، الخارجةِ من مِشْكاة خليل ربِّ العالمين؛ ولذلك كان سيِّدُ الاستغفار سيدًا؛ لما فيه من الشُّعور بالنسبة، ولذَّة الخطاب: ((أنت ربِّي، خلقتَني وأنا عبدُك؛ فإنَّه لا يغفر الذُّنوب إلا أنت)).
وَمِمَّا زَادَنِي فَخْرًا وَتِيهًا https://www.alukah.net/Spotlight/0/3...ah30/space.gif
وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا https://www.alukah.net/Spotlight/0/3...ah30/space.gif

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي https://www.alukah.net/Spotlight/0/3...ah30/space.gif
وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا https://www.alukah.net/Spotlight/0/3...ah30/space.gif



وكذلك الصوم؛ تتحصَّل اللذة فيه من الشُّعور بالنسبة والالتذاذ بالخِدْمة، قال - تعالى -:
((الصَّوم لي وأنا أجزي به))، هذه هي النِّسبة، وقال: ((ترَك طعامه وشهوته من أجلي))، وهذه هي حقيقة الالتذاذ بالخدمة.
ولذلك كان يُبْسُ الشِّفاه من العطَش، وقَرْقرة البُطون من الجوع أهنأَ ما لاقاه الصَّائمون، وأمْرَأ ما ظفر به أولئك الجياع العَطْشى، فبينما هو يتألَّم - وقد تلوَّى من جوع البطن - يتوارَدُ على فؤادِه خاطرةُ أنَّ هذا الألم يصبر عليه تعظيمًا لحقِّ الله، ومهابةً لنظره واطِّلاعه، فيرضى عن حاله، ويشبع من رضا الله عنه، ولا يطمع في أيَّة نعمة تَحُول بينه وبين هذا الألم، لكنَّه سرعان ما يُطَأطئ منكسِرًا وجِلاً خائفًا؛ لئلاَّ يقبل الله منه، فيتَضافر ألَمُ البطون مع ألم القلوب، ويتعاظم هذا الألَمُ حتى تتداركه عنايةُ الله وإمداداته، فيفيض عليه من جميل لطفه وإنعامه، فيسكن هذان الألَمان المُتضافران، وينقلبان حلاوةً غامرة، ولذَّة عامرة، بل وشوقًا للقاء الله حتى تتمَّ فرحته التي أخبر عنها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وفرحةٌ عند لقاء ربِّه)).
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وإذا تأمَّلت هذه المعاني أدركتَ سرَّ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه ابن ماجه - وفي صحيح الجامع -: ((رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلاَّ الجوعُ والعطش)).

ورُبَّما ضربتَ كفًّا على كف من اجتماع هذه المُتناقضات؛ ألَم ولذَّة، وجوع وشِبَع، وعطش ورِيّ! ولا يمنعك هذا العَجبُ من ولوج هذا الطَّريق، والسَّير فيه، فمن سلكه رأى من آيات ربِّه الكبرى!

فأحسِن القصد، وولِّد العزم، وتسلَّح بالهمَّة، وابدأ السير، وجدَّ في التّرحال، واطلب الراحة في العناء، وارض عن نفسك إذا كان مَسْعاها في المعالي، ولا تركن إلى غَبْنِ أهل الدُّنيا، ومَنِّ نفسك بالفوز الرَّبيح، وادَّخر الثمن الغالي لسلعة الله: ((ألاَ إن سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة)).
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وأخيرًا: بيان لبعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي اشتهرَتْ
على ألسنة الناس:
1- صوموا تصحُّوا، "ضعيف".
2- كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فِراشَه، واعتزل النساء، وجعل عشاءه سحورًا، "ضعيف".
3- أوَّل شهر رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عِتْق من النار، "منكر".
4- رجَب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، "موضوع".
5- حديث صلاة الرَّغائب، "موضوع".
6- لو يَعْلم العباد ما في رمضان، لتمنَّت أمتي أن يكون السنة كلها، "موضوع".
7- ما من أيام أحبَّ إلى الله أن يُتعبَّد له فيها من عشر ذي الحجة؛ يعدل صيامُ كلِّ يوم منها صيامَ سنَة، وقيامُ كلِّ ليلة منها بقيام ليلة القَدْر، "ضعيف".
8- من صلى في آخر جمعة من رمضان والخميس الصلوات المفروضةَ في اليوم والليلة، قُضِيت عنه ما أخلَّ به من صلاة سنته، "موضوع".
9- مَن أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يَمُت قلبه يوم تموت القلوب، "موضوع".
10- شهر رمضان معلَّق بين السماء والأرض، لا يُرفع إلى الله إلا بِزَكاة الفطر، "ضعيف".
11- أغنُوهم - يعني المساكين - عن الطَّواف في هذا اليوم، "ضعيف".
12- أُعطِيَت أمتي في رمضان خمسًا لم يعطهنَّ نبي قبلي: أمَّا واحدة فإذا كان أول ليلة نظر الله - عزَّ وجلَّ - إليهم، ومن نظر الله - عزَّ وجلَّ - إليه لم يعذِّبه أبدًا، وأما الثانية: فإنَّ خلوف أفواههم حين يُمْسون أطيب عند الله - عزَّ وجلَّ - من ريح المسك، وأما الثالثة: فإنَّ الملائكة تستغفر لهم في كلِّ يوم وليلة، وأما الرابعة: فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يأمر جنته، فيقول: تزيَّنِي، واستعِدِّي لعبادي، وأما الخامسة: فإذا كان آخر ليلةٍ غفر لهم.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


13- حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: خطَبنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - آخِرَ يوم من شعبان، فقال: "يا أيُّها الناس؛ قد أظلَّكم شهرٌ عظيم، جعل الله صيامه فريضة وقيامه تطوُّعًا، من تطوَّع فيه بخصلةٍ من الخير كان كمن أدَّى فريضة فيما سواه، ومن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه؛ الحديث، "منكر".



https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif




ابوالوليد المسلم 09-05-2020 01:35 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(10)
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png
محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif



https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وسائل استثمار رمضان


الوسيلة الثالثة
الصَّدَقة:
أخي يا بن الإسلام، إن المال - لِمَن استعان به على طاعة الله، وأنفقه في سبيل الخيرات المقرِّبة إلى الله - سببٌ موصِّل له إلى الله تعالى، وهو - لِمَن أنفقه في المعاصي، واستعان به على أغراضه المحرَّمة، أو اشتغل به عن طاعة الله - سبب قاطعٌ له عن الله - عزَّ وجلَّ.

وقد امتدح الله المتصدِّقين المنفقين، فقال - سبحانه -:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274]
وبشَّر الله - تعالى - المؤمنين بأنَّه سيُضاعِف لهم الحسنات، ويرفع لهم الدَّرجات، فقال - تعالى -:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ
يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
[البقرة: 261]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح البخاري":
((ما من يومٍ يُصبح العباد فيه إلاَّ ملَكان يَنْزِلان، فيقول أحدهما: اللَّهم أعط منفِقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسِكًا تلَفًا)).
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


فيا بْنَ الإسلام، المال فتنة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه الترمذيُّ وصحَّحه الألباني:
((لكلِّ أمة فتنة، وفتنة أمَّتي المال))، ونحن في زمن الماديات، وصراع النَّاس على الكماليات، وهموم الناس الدَّنيئة التي خرَّبَت قلوبهم وعلاقتهم بربِّهم، في زمن التَّعاسة، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عند البخاري: ((تَعِس عبْدُ الدِّرهم والدِّينار)).

في هذا الزَّمان الحرج يحتاج الإنسان إلى التخلُّص من ربقة المادِّية الطاغية، وذلك ببذل المال، قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]،
وقال - تعالى - في الحديث القدسيِّ المتَّفِق عليه: ((أنفق يا بن آدم يُنفَق عليك))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((اتَّقوا النار ولو بشِقِّ تمرة))
وفي رواية: ((مَن استطاع منكم أن يستَتِر من النار ولو بشقِّ تمرة، فليفعل))، وعند أحمد، وصححه الألباني في "صحيح ابن خزيمة" عن عقبة بن عامر مرفوعًا: ((كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقته حتَّى يُفصَل بين الناس))، أو قال: ((يُحكَم بين الناس))، وفي "صحيح مسلم" أيضًا: ((الصَّدقة برهان))؛ أيْ: دليلٌ على حبِّ صاحبها لله.

فيا أخي يا بن الإسلام، ربِّ نفسك على الزُّهد في الدنيا؛ ألاَّ يكون للدنيا أيُّ قيمة في قلبك، فهي لا تُساوي عند الله جناحَ بعوضة، فلا تفرح بإقبالها، ولا تحزن على إدبارها، ولتستَوِ عندك الحالتان؛ لأنَّك عبدٌ للمعطي المانع، قال - تعالى -:
﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 23]
قيل للإمام أحمد:
الرَّجلُ يملك ألف دينار ويكون زاهدًا؟ قال: نعم، قيل: كيف؟! قال: إذا لم يفرح إذا زادَتْ، ولَم يحزن إذا نقصَت.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


واعلم أخي أنَّ الصدقة في رمضان لها مَنْزلة خاصَّة، وهي من دواعي قبول الأعمال والعبادات، وأنت بحاجةٍ ماسَّة شديدة إلى نَفْعِها وأجرِها وظلِّها يوم القيامة، قال - تعالى -:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]
وقال - تعالى -: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ
وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذي وصححه الألباني:
((ما نقَص مالُ عبدٍ مِن صدقة)).
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وفي "الصحيحين": ((من تصدَّق بعِدْل تمرة مِن كَسْبٍ طيِّب - ولا يقبل الله إلا الطيِّب - فإنَّ الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل))، وروى الترمذي وحسَّنه عن أنس مرفوعًا: ((إن الصدقة لَتُطفئ غضب الربِّ، وتدفع ميتة السُّوء))، وكما أنها تطفئ غضب الرب فهي تطفئ الذُّنوب والخطايا كما يطفئ الماء النَّار، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد:
((إن ظلَّ المؤمن يوم القيامة صدقته)).

فإذا كانت الصدقة من دواعي قبول الأعمال والعبادات، وأنت بحاجة ماسَّة شديدة إلى نَفْعِها وأجرها وظلِّها يوم القيامة، فلِمَ لا تجعل لله مقدارًا من الصدقة؟! ولا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولا بأس أن تنوِّعها؛ تارةً مالاً، وتارة طعامًا، وتارة لباسًا، وغير ذلك.

واعلم كذلك أن صدقة السرِّ أفضلُ من صدقة العلانية، قال - تعالى -:
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ
مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].

لذلك أنصحك - أخي يا بن الإسلام - ألاَّ يعلم عن صدَقتِك أحدٌ غيرك؛ فإنَّك بحاجةٍ إلى عمل السِّر بينك وبين الله؛ فكم من الأجر العظيم ينالك بهذا الفعل! فهذا العمل ينجي صاحبه على يُسْرِه؛ لما فيه من الإخلاص لله - تعالى - من أهوال وكُرَب يوم القيامة، فيُظِلُّ الله به صاحبه في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، ففي "الصحيحين": ((سبعة يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله... ورجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتَّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، فهل تفعل ذلك وتحرص على هذه العبادة العظيمة في السرِّ بينك وبين الله؟!
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


"كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان، حين يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الرِّيح المرسَلة"؛ كما في "الصحيحين"، ولأن الصدقة في رمضان إعانة على أداء فريضة الصَّوم، والصدقة في أوقات الحاجات أفضَلُ منها في غيرها.

فالعاقل مَن يُسابق في ميزان الخيرات، بما يقدِّمه من الصِّلة والإحسان لإخوانه الفقراء، الذين أناخ الفقرُ ببابهم، وعضَّهم البؤسُ بِنابِه، وأوجعهم بكِلابه، فلا مورد له، ولو رأيتهم لظننتَهم من الأغنياء وأهل الثَّروة والمال، والله أعلم بما يقاسون من الدُّيون؛ لِما تحت أيديهم من الصِّغار والكبار، وما يقاسون من آلام الجوع والفقر، والشدَّة والعسر، ولكن يمنعهم الحياء وعزَّة النفس أن يمدُّوا أيديهم للسؤال، وأن يطلبوا الرِّزق إلا من الله الرزَّاق الكبير المتعالي، فهؤلاء هم الذين ينبغي الاعتناء بهم، والبحث عن أحوالهم؛ وذلك عن طريق جيرانهم وأقربائهم، حتَّى تقع الصدقة في موقعها.

واعلم أن الأولويَّة في الصدقة للأقرباء، والجار، وطُلاَّب العلم؛ فالصدقة على ذي الرَّحِم أفضل منها على غيره؛ ولا سيَّما مع العداوة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصَّدَقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرَّحِم ثِنْتان؛ صدقة وصِلَة)) وقال: ((أفضل الصَّدقة على ذي الرَّحِم الكاشح))؛ رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


ثم الصَّدقة على الجار أفضل؛ لقوله - تعالى -:
﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [النساء: 36]
ولِحَديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُحْسِنْ إلى جاره)) وحديث: ((والله لا يؤمن))، قالوا: مَن يا سول الله؟ قال: ((مَن بات شبعان وجارُه جائع وهو يعلم))، ويُستحَبُّ أن يخصَّ بالصدقة من اشتدَّت حاجته؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 15].

واعلم أيضًا أنَّ الصدقة على طالب العلم أفضل؛ لأنَّ في إعطائه إعانة على العلم ونَشْر الدِّين؛ وذلك لتقوية الشريعة، وكون الصَّدقة على صاحب دين أفضل، وكذا على ذي عائلة أفضل عمَّن ليس كذلك، فاحرص أخي أن تكفل طالبَ علم ينفعك الله به دنيا وأخرى.

آداب الصَّدقة:
اعلم - أخي يا بن الإسلام - أنَّ الصدقة - التي يُرجى ثوابُها والنَّجاة بها يوم القيامة - لها شروطٌ وآداب، منها:
1 - أن يُراد بها وجْهُ الله - تعالى - فلا تُعطى مكافأةً على معروف، أو يُرجَى بها المكافأة بمعروف، ولا يُبتغَى بها ثناءُ الناس ومدحهم، أو شكر المتصدَّق عليه وامتنانُه، ولذا كانت صدَقةُ السرِّ أفضلَ من صدقة العلانية.

قال - تعالى -: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 17 - 21].

يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة في قوله - تعالى -: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8 - 9]
ومَن طلب من الفقراء الدُّعاءَ أو الثناء، خرج من هذه الآية؛ ففي الحديث الذي في "سنن أبي داود":
((من أسدى إليكم معروفًا فكافِئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتَّى تعلموا أنكم قد كافأتموه)).
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


ولهذا كانت عائشة - رضي الله عنها - إذا أرسلَتْ إلى قومٍ بهديَّة تقول للرسول: "اسْمَع ما دعَوْا به حتى ندعُوَ لهم بمِثْل ما دعَوا، ويبقى أجْرُنا على الله"، وقال بعض السَّلف: "إذا أعطيتَ المسكين فقال: باركَ الله عليك، فقل: بارك الله عليك"، أراد أنه إذا أثابك بالدُّعاء، فادْعُ له بمثل ذلك الدُّعاء؛ حتَّى لا تكون اعتَضْتَ منه شيئًا".

2 - ألاَّ تُبْطِلها بالمنِّ على من تصدَّقتَ عليه بها، وإيذائه بذلك، قال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ [المدثر: 6]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ﴾ [البقرة: 264]، والمنُّ: أن تَذْكرها وتتحدَّث عنها، أو تستخدمه بعطائك، أو تتكبَّر عليه لأجل إعطائه، والأذى أن تُظْهِرها، أو تعيِّره بالفقر، أو تَنْهره، أو توبِّخه، كان بعض السلف يَبْسط كفَّه ليأخذ الفقير من كفِّه، وتكون يدُ الفقير هي العليا.

وفي حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - المرفوعِ الذي رواه مسلمٌ وأحمد وأصحاب السُّنن: ((ثلاثةٌ لا يكلِّمُهم الله يوم القيامة، ولا يَنظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: المُسْبِل إزارَه، والمَنَّان الذي لا يُعطي شيئًا إلاَّ منَّهُ، والمُنَفِّق سلعتَه بالحلف الكاذب)).
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


3 - أن تكون الصَّدقة من كَسْبٍ حلال طيِّب، لا حُرْمة فيه؛ فإنَّ الله - تعالى - طيِّب لا يقبل إلاَّ طيبًا، فعلى المتصدِّق أن ينتقي من ماله أفضلَه وأجوده؛ قال - تعالى -: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
[آل عمران: 92]، وروى مسلمٌ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((إن الله طيِّب لا يَقْبل إلاَّ طيبًا))، قال ابن رجب: "والطيِّب هنا معناه الطَّاهر"، وفي "الصحيحين" عن أبي هُرَيرة مرفوعًا: ((ما تصدَّق عبدٌ بصدقة من مالٍ طيِّب، ولا يقبل الله إلاَّ الطيب، إلاَّ أخذها الله بيمينه..)) الحديث، قال ابنُ رجَب: "وأما الصَّدقة بالمال الحرام، فغير مَقْبولة".

سُئل ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - عمَّن كان على عملٍ فكان يَظْلم ويأخذ الحرام، ثم تاب فهو يحجُّ ويعتق، ويتصدَّق منه؟ فقال: "إنَّ الخبيث لا يُكفِّر الخبيث"، وكذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن الخبيث لا يكفِّر الخبيث، ولكن الطيِّب يكفِّر الخبيث"، وقال الحسَنُ: "أيُّها المتصدِّق على المسكين ترحمه: ارحم مَن قد ظلَمْت".
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


ومن كان تحت يده مالٌ من حرامٍ، فعليه إعادتُه لصاحبه أو لورثتِه إن مات، فإنْ تصدَّق بهذا المال الحرام يريد بذلك الصَّدقةَ عن نفسه به، فإنَّ هذه الصدقة منه غيرُ مقبولة، ولا يحصل لِمَن أُخِذ منه هذا المال بذلك أَجْرٌ؛ لعدم قصده ونيَّتِه.

أمَّا إن تصدَّق بالمال الحرام عن صاحب المال إذا عجز عن ردِّه إليه، أو إلى ورثته بعد مماته، فهذا جائزٌ عند أكثر العلماء؛ منهم: مالِك، وأبو حنيفة، وأحمد، وغيرهم، كالتصدُّق باللُّقَطة بعد التعريف بها، وانقطاع صاحبها، وليس لهذا المتصدِّق بهذا المال الحرامِ عليه أجرٌ، ولكن يتخلَّص بذلك من عهدته، إنَّما هي صدَقةٌ عن مالكِه؛ ليكون نفعه له في الآخرة حيث يتعذَّر عليه الانتفاع به في الدُّنيا، وإن كنت أرى أن له أجرًا عظيمًا على سعيه في التخلُّص من الحرام؛ ابتغاءَ وجه الله - تعالى - فهذا عمَلٌ من الأعمال الجليلة، والله أعلم.

واحذر أن تقصد الخبيثَ فتتصدَّق به؛ لقوله - تعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
[البقرة: 267].
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


4 - أن تَستصغِر العطيَّة؛ فإنَّك إن استعظمتَها أُعجِبت بها، والعُجْب من المُهلِكات، وهو محبِطٌ للأعمال، ويُقال: إنَّ الطاعة كلما استُصغِرَت عَظُمَت عند الله - تعالى - والمعصية كلَّما استُعظمت صَغُرت عند الله - تعالى.

5 - الإخلاص؛ فإن لم تكن مُخلِصًا تبتغي وجه الله - تعالى - فلا ثواب لك عنده؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم": ((إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلِّه، فأُتِيَ به، فعرَّفه نِعَمه، فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أن يُنفَق فيها إلاَّ أَنفقتُ فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنك فعلتَ لِيُقال: هو جوَاد، فقد قيل، ثم أُمِرَ به، فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار)).

6 - أن تطلب بصدقتك مَن تَزْكو به الصَّدَقة من الأتقياء، أو أهل العلم، أو لِمَن كان مستتِرًا مُخفيًا حاجته لا يُكْثِر البثَّ والشكوى، أو يكون من الأقارب وذَوِي الأرحام، فتكون صدقةً وصلة رَحِم.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


7 - إخفاء الصَّدقة - كلَّما أمكن - أفضلُ من إظهارها؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].

8 - الإكثار من الصَّدَقة والمُداومة عليها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم":
((والصَّدَقة برهان)).

9 - تَخيَّرِ الأطيبَ والأفضل، وأحَبَّ ما تملِكُ، وتصدَّقْ به؛ فقد قال - تعالى -:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].

10 - اجتناب الخبيث؛ تأدُّبًا مع الله - تعالى - وقد قال - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ
[البقرة: 267].

11 - الاهتمام بالقبول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]
فلْتتصدَّق، ولتكثر من الدُّعاء سائلاً الله - تعالى - القبول، قال - تعالى -:
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60].
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وأختم الكلام عن الصَّدقة بفِقْرة من كلام ابن الجوزيِّ - رحمه الله - وهي تستحقُّ - واللهِ - أن تُكتب بماء الذَّهب، قال ابن الجوزيِّ - رحمه الله -: "يَنبغي للإنسان أن يعرف شرفَ زمانِه، وقَدْرَ وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدِّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيَّتُه في الخير قائمةً من غير فتور، فإذا علم الإنسانُ - وإن بالغ في الجدِّ - بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته؛ فإذا كان له شيءٌ في الدُّنيا وقَف وقفًا، وغرس غرسًا، وأجرى نهرًا، ويسعى في تحصيل ذُرِّية تَذْكر الله بعده، فيكون الأجر له، أو أن يصنِّف كتابًا في العلم؛ فإنَّ تصنيف العالِم ولَدُه المخلَّد، وأن يكون عاملاً بالخير عالِمًا فيه، فينتقل من فعله ما يقتدي به الغير، فذلك الذي لم يمت، والله أعلم".



ابوالوليد المسلم 09-05-2020 01:46 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
سلسلة عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(11)
http://ahyaarab.net/images/173.gif
محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif



https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وسائل استثمار رمضان

https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
الوسيلة الرابعة
القاعدة الحادية عشر: معرفة قُطَّاع الطريق إلى الله تعالى:

فهأنت قد شَمَّرت عن ساعد الجدِّ، وحثَثْت الهِمَّة الخاملة، وأوقدت نارَ العزيمة الخامدة، وألجَمْت هواك بلِجام الإرادة، وجمعتَ رقاب الأماني بزمام التوكُّل على الله في الفِعْل، وبدأت السَّيْر إلى الله -تعالى- لِتَصل إلى شهر رمضان وقد توقَّدَت عزيمتُك، وانقادت لك إرادتُك، وأذعنَتْ لك هِمَّتُك، لقد بدأت المعركة الحقيقيَّة مُذْ تمحَّض اختيارك لله وجدَّ سيرك إليه، ويممَّت القلب والقالب في الإقبال عليه، فاحذر حينئذٍ قُطَّاع هذا الطريق الوعر؛ فإنَّه طريق الجنَّة، وهو محفوف بالشهوات والهَوى والشياطين والنَّزغ والشُّبهات، وكلُّها أنواع لجِنس واحد، وهو العائق عن الوصول لِدَرب القبول، المُؤْذِن لشمس عزمك بالأفول، فتعال معًا نتذاكَرْ صفات بعض هؤلاء القُطَّاع ومكامِنهم وخدعهم؛ فبذلك تتعلَّم صفة الشرِّ؛ لتتجنَّبه، والمقصود بيان نماذج من هؤلاء القُطَّاع؛ ليُستدل بهم على غيرهم.

فمن هؤلاء القُطَّاع: الفُتور والسَّآمة والملل، وهو مِن أعظم ما يعتري السَّالكين، وقد يتَعاظم أمْرُه ويستفحل، حتى يكون سببًا للرِّدة والنُّكوص، والعياذ بالله! وغالب شأنِ هذا الفتور مِن كثرة الفرَح بالطاعة، وعدم الشُّكر عليها، وعدم رؤية مِنَّة الله فيها، ومشاهدة النَّفس في أدائها.

قال ابن القيِّم - رحمه الله - واصفًا ومحلِّلاً ومُعالجًا لهذا الدَّاء: فإذا نَسِي السَّالكُ نفْسَه، وفَرِح فرحًا لا يُقارنه خوف، فلْيَرجع إلى السَّير إلى بدايات سُلوكه وحِدَّة طلبه؛ عسى أن يعود إلى سابقِ ما كان منه من السَّيْر الحثيث الذي كانت تسوقه الخشية، فيترك الفُتور الذي لا بُدَّ أن ينتج عن السُّرور.

فتخلُّل الفترات للسَّالكين أمرٌ لازم لا بُدَّ منه، فمن كانت فترتُه إلى مُقارَبةٍ وتسديدٍ، ولم تُخْرِجه مِن فرض، ولم تُدْخِله في محرَّم: رُجِيَ له أن يعود خيرًا مما كان، قال عمر بن الخطاب: إنَّ لهذه القلوب إقبالاً وإدبارًا، فإذا أقبلَتْ فخُذوها بالنَّوافل، وإن أدبرَت فألزِموها الفرائض.

وفي هذه الفترات والغيوم والحجُب التي تَعْرِض للسَّالكين - من الحِكَم ما لا يَعْلم تفصيلَه إلاَّ اللهُ، وبهذا يتبيَّن الصادق من الكاذب، فالكاذب ينقلب على عقِبَيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق ينتظر الفرَج، ولا يَيْئس من رَوْح الله، ويُلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلاً، مِسكينًا مُستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه ألبتَّة، ينتظر أن يضع فيه مالِكُ الإناء وصانِعُه ما يصلح له، لا بسببٍ من العبد - وإن كان هذا الافتقارُ من أعظم الأسباب - لكن ليس هو منك، بل هو الذي منَّ عليك به، وجرَّدَك منك، وأخلاك عنك، وهو الذي: ﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [الأنفال: 24]، فإذا رأيتَه قد أقامك في هذا المقام فاعلَم أنَّه يريد أن يرحَمك، ويملأ إناءك، فإن وضَعْت القلب في غير هذا الموضع، فاعلم أنه قلب مُضيَّع، فسَلْ ربَّه ومن هو بين أصابعه أن يَردَّه عليك، ويجمع شملك به.

وقد أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ لكل عامل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَترة))، فالطالب الجادُّ لا بدَّ من أن تَعْرِض له فترة، فيشتاق في تلك الفترة إلى حالِه وقْتَ الطلب والاجتهاد، وربما كانت للسَّالك بدايةٌ ذات نشاط، كان فيها عالِيَ الهمة، فيفيده عند فتوره أن يَرْجع إلى ذكريات تلك البداية، فتتجدَّد له العزيمة، ويعود إلى دأبه في الشُّكر.

وكان الجُنَيد - رحمه الله - كثيرَ الذِّكْر لبداية سَيْره، وكان إذا ذكَرها يقول: "واشَوْقاه إلى أوقات البداية"؛ يعني لذَّة أوقات البداية، وجمع الهمَّة على الطلب والسير إلى الله، والإعراض عن الخَلْق.

أمَّا إذا راودَتْك السَّآمةُ في عبادتك - كصلاةٍ أو ذِكْر أو تلاوة قرآن - فلا تُرسل زمام هواك للشيطان، محتجًّا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فوالله، إنَّ الله لا يَملُّ حتى تملُّوا))، وقد ذكَرْتُ لك في تمارين العزيمة فقْهَ هذا الحديث ونحْوِه عن الأئمَّة الأعلام، فحريٌّ بمن ملَّ العبادة أن يعود إلى نفسه؛ هلعًا وخوفًا من أن يكون ذلك من إعراض الله عنه، ولْيَستحضر في قلبه سوء أدبه مع الله، وعدمَ تعظيمه وقَدْرِه حقَّ قدره؛ إذْ تَطِيب نفسه مع شهوات الدُّنيا، ومُعافسة الأولاد والزَّوجات للساعات الطِّوال، ثم هو يُبتلى في عبادته بالملل بعد لُوَيحظات معدودات، وما رُوِي عن بعض السَّلَف من أنَّهم كانوا يتكدَّرون لطلوع الفجر؛ لأنَّه يحول بينهم وبين لذيذ المُناجاة فيُحمَل على أنهم يحزنون لعدم تواصل لذَّة المناجاة، لا أنَّهم كانوا يكرهون طلوع الفجر، ويقدِّمون قيام الليل على الفريضة، فهذا أبعَدُ ما يكون عن هَدْيِهم، ومُتواترِ سيرتهم، كيف وهم يَعْلمون أنَّ قرآن الفجر مشهود، تحضره الملائكة، وترفع أمره إلى الله؟!

ومن قُطَّاع الطَّريق إلى الله: الوساوِسُ والخواطر الرَّديئة التي تَرِد على السَّالك طريقَ الآخرة، وتشمل هذه الخواطرُ الرديئة ما يَرِدُ على المبتلَيْن بالشَّهوات من التفكير في الصُّوَر، وفيما يعشقون، ومن يَهْوون... وكذا أصحاب الحِقْد والحسد، والأمراض القلبيَّة، والآفات النَّفْسية، وكلُّها انحرافات سلوكيَّة؛ أيْ: في السَّالك طريق الآخرة.

ومِن أعظمها خطرًا: وساوس الشُّبهات في وجود الله، وذاته، وصفاته، وهذا مما ابتُلِي به كثيرٌ من شباب هذه العصور؛ لِغَلبة الأفكار الإلحاديَّة والعلمانيَّة، المبنيَّة على المادَّة والتفسير العِلْمي لكلِّ الظواهر الكونيَّة، وشيوع الفَحْشاء والشهوات الصارفة للقلوب عن مُمارسة عبوديَّتِها في التسليم والإذعان.

وتحليلاً للخواطر؛ يُمكِنُنا تقسيمُها إلى ثلاثة أنواع:
الأوَّل: خواطر الشُّبهات؛ وهي العارضة في شأن وجود الله وذاته وصفاته، وفي قُرآنه، وأنبيائه ورسله، وقضائه وقدَرِه.
والثاني: خواطر الشَّهَوات؛ وهي وارِداتُ الذِّهْن من الصُّوَر ونماذج المعشوقات.
والثالث: خواطر القلب من آفاتٍ وأمراض نفسية؛ كالكبرياء والعُجْب والحِقْد.

وعلاج النَّوع الأول: باستحضار اليقين، وكلامُنا مع مَن اعتقد وجودَ الله؛ أمَّا المُلْحد فلا خطابَ معه، وعندي: أنَّ الإلحاد هو النَّوع الوحيد من الجُنون الذي يُؤاخَذ الإنسان به، فمَن أيقن وجود الله وربوبيَّته، وهيمنتَه وتصرُّفَه، وعدْلَه وحِكْمَته - مثَّل هذا اليقين بالشمسِ يراها، ثم يستعرض الشُّبهات ويمثِّلها بمن يُماريه في رؤيته للشمس، ويُجادله في الدليل المفيد لطلوعها، حينئذٍ يردِّد قولَه - عزَّ وجلَّ -: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [إبراهيم: 10]، ويردِّد قوله: آمنتُ بالله، ويستعيذ بالله من نزغ الشيطان، معتَصِمًا بالله، لائذًا بحفظه وكَلاءته، متعجِّبًا من تفاهة شُبهتِه:
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ
إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ

وأما النوع الثانِي: فهو الأعمُّ الأفشى بين الناس، وعلاجه من أصعب العلاجات، لكنَّنا نأتي على ذِكْر جملةٍ من الفوائد المهمَّة، المُجتثَّة لهذا المرض من جذوره.

فاعلم - أيُّها الأريب - أنَّ الشهوات في أصلها فطريَّة قدَرِيَّة، لا فكاك للعبد منها، فهو مَفْطور على الغضب واللَّذة، وحُبِّ الطعام والشَّراب، غير أنَّ هذه الشهوات رُكزت في الجبِلَّة لغاياتٍ، هي: حفظ النَّفس بالطعام، وردُّ الاعتداء وصيانة الذَّات بالغضب، وحفظ النَّسل باللذَّة - أعني شهوة الفَرْج - فإذا تعدَّت هذه الشَّهوات غاياتها، كانت وبالاً على أصحابها؛ ولذلك جاء عن النبيِّ - عليه السَّلام - التنبيهُ على حِفْظ الفَرْج والبطن واللِّسان، وأنَّه مِن أعظم أسباب النجاة والفوز.

فإذا علمتَ ذلك، تبيَّن سلطانُك على هذه الشَّهوات، وأنَّ الله -تعالى- قد أَمَّرَك في الحقيقة عليها، وأعطاك زمام قيادتها، فما عليك إلا ممارسةُ هذه الإمارة دون خوفٍ أو تباطؤ.

وحسم مادة الشهوات يكون بِحَسم موارد حياتِها، وأهمُّ تلك الموارد حبُّ الدنيا، والرغبة في نوال كلِّ ما يراه من جميلٍ فيها، فقَطْعُ شجرة الدنيا من القلب كفيلٌ بِصَرف الهمة مطلقًا عن الدنيا، والاهتمام بما تحصل به النَّجاة.

وهاك بعضَ الفوائد المُعِينة على حسم مادة الشهوات، وصَرْفِ واردات الخواطر الشيطانيَّة:
أوَّلاً: التبَرُّؤ من حول النفس وقوَّتِها، والالْتِجاء والاعتصام والاستعاذة بالله تعالى، ومن جليل ما ينبغي ترداده في حقِّ المبتلى بالشهوة: "لا حول ولا قوَّة إلا بالله"، ومعناها: لا تحوُّل عن معصيةٍ إلاَّ بمعونة الله - عزَّ وجلَّ - ولا قوَّة على طاعةٍ إلاَّ بتوفيقٍ من الله - تبارك وتعالى.

ثانيًا: تذكُّر المنغِّصات: سكرات الموت، ونزع الرُّوح، والقبر وأهواله، وسؤال الملَكَين، والبعث والنُّشور، وأهوال يوم القيامة، والمُثول بين يدي الله عاصيًا مذنِبًا، والنار وأهوالها.

ثالثًا: تذكُّر المشوقات: كلذَّة المناجاة، وتوفيق الله للطاعة، وشرف الولاية، والانتساب إلى حِزْب الله، والكرامات اللاَّئقة لأوليائه عند موتهم، ودخولهم الجنَّة وما فيها من الحور العين، اللائي لا تُقارَن الدُّنيا كلها بأنملة من أنامل الواحدة منهنَّ، ورؤية الله يوم القيامة، ورضوانه على أهل الجنة.

رابعًا: تذكُّر جمال خالق الجمال البشريِّ، الذي سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- جميلاً، فكلُّ جمال فُتِن به المرء لو تذكَّر معه جمال الله -تعالى- لتلاشَتْ كلُّ خواطره الرَّديئة.

خامسًا: تذكُّر مثالب الصور المعشوقة وآفاتها وأمراضها، وفساد بواطنها وظواهرها.

سادسًا: البُعْد عن المُثِيرات؛ كالسَّيْر في الطُّرقات العامة - وخاصَّة في هذه الأزمنة - وفي أماكن الفجور والفسوق، أو مشاهدة التليفزيون والفيديو، والمجلاَّت والجرائد السَّاقطة، التي تهدف غواية النُّفوس المطمئنَّة، وتحبُّ أن تشيع الفاحشةُ في الذين آمنوا، ومن هذا القبيل عدَمُ المكوث في خلوة إذا طرأ عارض الشَّهوة، بل يشتَغِل بالصَّوارف التي تلهيه عن تلك الخواطر؛ كذِكْر الله، وزيارة الصَّالحين، وحضور مجالس العلم، أو خدمة الأهل والمسلمين.

ويَنصح ابنُ القيِّم بما يلي:
• العلم الجازم باطِّلاع الرَّب - سبحانه - ونظره إلى قلبك، وعِلمه بتفصيل خواطرك.

• حياؤك منه.

• إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في البيت الذي خلَقه لتُسْكِنَه معرفته ومحبَّته.

• خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.

• إيثارك له أن تُساكن قلبك غير محبته.

• خشيتك أن تتولَّد تلك الخواطر، ويستعر شرَرُها، فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبَّة الله، فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.

• أن تعلم أن هذه الخواطر بِمَنْزِلة الحَبِّ الذي يُلقى للطائر ليُصاد به، فاعلم أن كلَّ خاطر منها فهو حبَّة في فخٍّ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.

• أن تَعْلم أنَّ الخواطر الرَّديئة لا تجتمع مع خواطر الإيمان ودواعي المحبَّة أصلاً، بل هي ضِدُّها من كلِّ وجه.

• أن تعلم أنَّ الخواطر بحرٌ من بحور الخيال، لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه، وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص، فلا يجد إليه سبيلاً، فيكون بعيدًا عن الفلاَح.

• أن تعلم أنَّ الخواطر وادي الحَمْقى، وأماني الجاهلين، فلا تُثْمر إلاَّ الندامةَ والخِزْي، وإذا غلبَتْ على القلب أورثَتْه الوساوس وعزلَتْه عن سلطانها، وانسدَّت عليه عينُه، وألقَتْه في الأَسْر الطويل.

أما النوع الثَّالث - وهو آفات القلب؛ كالحِقْد والحسَد، والكبرياء والعُجْب - فهو باطن الإثم، قال -تعالى-: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ [الأنعام: 120]، وجِمَاع دواء هذه الآفات رؤية عَجْز النَّفس، وقيامها بالله، ومشاهدة حِكْمة الله -تعالى- وتصرُّفِه في الخلق، فمِثْل هذا الاستحضار يَحُول بينه وبين الاعتراض على تقسيم الرِّزق والنِّعَم، ويحول بينه وبين رؤية النَّفس وقدرتها، ويؤول به الحال إلى التسليم بِمنَّة الله وعدله وحكمته.

وقد تكلَّم الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - كلامًا نفيسًا عن هذه الآفات في كتابه: "الطب الرُّوحاني"، فراجِعْه هناك؛ تجِدْ علاجاتٍ تفصيليةً لكلِّ آفة ومرض، وحَسْبُنا من الألْف شاهد مثالٌ واحد.

لكن ابن القيِّم - رحمه الله - يَلْمس مَكمن الداء، ويَصِفه وصفًا دقيقًا، ثم يقترح العلاج المناسب، فيقول: "واعلم أنَّ الخطرات والوساوس تؤدِّي متعلّقاتها إلى الفكر، فيأخذ الفِكْرُ فيؤدِّيها إلى التذكُّر، فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة إلى الجوارح والعمل، فتستحكم، فتصير عادة، فردُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوَّتِها وتمامِها، ومعلومٌ أنه لم يُعطَ الإنسان إماتة الخواطر، ولا القوَّة على قطعها وهي تَهْجم عليه هجوم النفس، إلاَّ أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومُساكنته له، على رفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إنَّ أحدنا يجد في نفسه ما لأَنْ يحترق حتى يصير حممةً أحبُّ إليه من أن يتكلَّم به، فقال: ((أوَقدْ وجدتُموه؟)) قالوا: نعَم، قال: ((ذاك صريح الإيمان))، وفي لفظ: ((الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة)).

وفيه قولان:
أحدهما: أنَّ ردَّه وكراهته صريحُ الإيمان.

والثاني: أنَّ وجوده وإلقاء الشيطان له في نفسه صريح الإيمان؛ فإنه إنَّما ألقاه في النَّفس؛ طلبًا لِمُعارضة الإيمان، وإزالته به، وقد خلق الله - سبحانه - النَّفس شبيهة بالرَّحى الدَّائرة التي لا تَسْكن، ولا بُدَّ لها من شيءٍ تَطْحنه، فإن وُضع فيها حيٌّ طحنَتْه، وإن وضع فيها تراب أو حصًى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنْزِلة الحَبِّ الذي يوضع في الرَّحى، ولا تبقى تلك الرحى معطَّلة قطُّ، بل لا بدَّ لها من شيءٍ يوضع فيها، فمن الناس من يَطْحن رَحاه حَبًّا يخرج دقيقًا، ينفع به نفسَه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصًى وتِبنًا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبيَّن له حقيقة طحنه".

فهذه نماذج من قُطَّاع طريقك إلى الله، وسفَرِك في درب الآخرة، وسعيك في عتق رقبتك من النار، وبَذْل ثَمن الجنة، فاحذر مثل تلك الصَّوارف وأعِدَّ لها عُدَّتها، والله الموفِّق.





ابوالوليد المسلم 09-05-2020 01:50 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
سلسلة عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(12)
http://ahyaarab.net/images/173.gif
محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif



https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


وسائل استثمار رمضان

https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
الوسيلة الخامسة:
بِرُّ الوالدين:
الوالِدان هما أصحاب الفضل الأكبر بعد الله - تعالى - على الإنسان، قال - سبحانه -:
ï´؟ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ï´¾ [لقمان: 14]؛
فهُما سبب وجوده في هذه الدنيا؛ لأنَّهما تحمَّلا من الكدِّ والتعب، والعناء والنَّصَب، ما لا يمكن أن يتحمَّله أحد؛ لأجل هذا أمرَنا الله - تعالى - بِحُسن الأدب معهما، والإحسان إليهما، بل قد جعله الله - تعالى - مقرونًا بعبادته في مواضعَ متعدِّدةٍ من كتابه - تعالى - يقول - سبحانه -:
ï´؟ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ï´¾ [الإسراء: 23]
وقال - تعالى -: ï´؟ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ï´¾ [النساء: 36]
فحَقُّهما أعظم الحقِّ بعد حق الله - تعالى - فلا تُقدِّمْ عليهما أحدًا أبدًا، بل قد جعل الله - تعالى - رضاه في رضا الوالدين.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


من الأدب مع الوالدين:
1 - حبُّهما ومُوالاتُهما، واستشعار فضلِهما، والدُّعاء لهما، كل ذلك على الدَّوام، وإن أساؤوا إليك.
2 - السلامُ عليهما عند الدُّخول عليهما والخروج، والأفضل أن تقرن ذلك بتقبيل يدَيْهما.
3 - حبُّهما ومَدْحُهما بما فيهما.
4 - إدخال السُّرور عليهما بما يُحِبَّان، وأن تمنع عنهما ما يكرهان.
5 - أن يعلم الابن أنَّه مهما قدم لوالديه، فهو قليلٌ في جانب ما قدَّموه، فمهما قدمت من معروف، ومهما فعلت من خير، فلن تستطيع أن تؤدِّي ولو جزءًا يسيرًا مما قدَّماه إليك وأنت طفل صغير.
6 - لِينُ القول لهما، والتأدُّب عند مخاطبتهما؛ فقد قال - تعالى -:
ï´؟ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ï´¾
[الإسراء: 23 - 24]
وقال عبدالله بن عمر لرجلٍ: أتَفْرَق من النَّار، وتحبُّ أن تدخل الجنة؟ قال الرجل: إي والله! قال: أحَيٌّ والِداك؟ قال: عندي أمِّي، قال: فوالله ما ألَنْتَ لها الكلام، وأطعمتَها الطعام، لتدخلنَّ الجنة، ما اجتنَبْتَ الكبائر.
7 - أن لا يرفع صوته بحضرتهما.
8 - القيامُ على خدمتهما، وأداء مصالحهما بإخلاص.
9 - تقديم حقِّهما على حقِّ غيرهما على الدوام.
10 - طاعتهما طاعة مطلَقة في المعروف، إلاَّ أن يأمرا بمعصية.
11 - أن لا يتقدَّم الابنُ والِدَه في المشي إلاَّ لضرورة؛ كإزالة شوك أو نحوه.
12 - تفقُّد مواضع راحتهما، وعدم إزعاجهما.
13 - تجنُّب مدِّ اليد إلى الطعام قبلهما.
14 - عدم الاستئثار بالطيِّبات دونهما، بل إيثارهما وتفضيلهما على غيرهما، ولو زوجة أو ولدًا.
15 - دوام إكرامهما بالمال وغيره؛ فأنت ومالك لأبيك.
16 - الإخلاص في حُبِّهما وخدمتهما، والثناء عليهما في حضورهما وغيبتهما.
17 - القيام بخدمتهما دائمًا، ولزوم أقدامهما، وتسخير ما يستطيع لإدخال السُّرور عليهما.
18 - طاعتهما مطلقًا، إلا في معصية الله ورسوله، وإن أمراك بمعصية فلا تطعهما، ولكن أَلِنْ لهما القول، وانصحهما بالأدب والمعروف.
19 - عدم التعرُّض لسخطهما، فلو سخطا ودعا أحدهما على ابنه، فإنَّ الدُّعاء مستجاب منهما؛ لِما في الحديث الصَّحيح في "سنن الترمذي":
((ثلاث دعوات مستجابات لهنَّ، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولَدِه)).

https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


20 - تجنُّب الأمور المؤدِّية إلى العقوق، ومنها: الغضب منهما، التأفُّف من قولهما أو فِعْلهما، التضجُّر منهما، الحياء من الانتساب إليهما إذا أصبح ذا جاهٍ أو مركز.
21 - الدعاء لهما بعد موتهما، والاستغفار لهما، قال - تعالى -: ï´؟ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ï´¾ [الإسراء: 24].
22 - التصدُّق عنهما بعد موتهما؛ فعن سعد بن عُبادة - رضي الله عنه - أن أُمَّه ماتت، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمي ماتت، فأتصدَّق عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((سَقْي الماء))، قال: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة، والحديث صحيح، وهو في "سنن النسائي".
23 - أن يصل المسلِمُ أقاربهما وأصدقاءهما بعد موتهما، ففي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن أبرَّ البِرِّ صلةُ الولد أهل وُدِّ أبيه)).
24 - زيارة قبرهما، والدُّعاء لهما، والترحُّم عليهما.
25 - ألاَّ يتسبَّب في شتمهما؛ بأن يشتم والِدَيْ أحد، فيشتم هذا الشخص والديه.
26 - إذا رأى الابن من أبيه ما يكره، فعليه أن يكلِّمه بغير عنف ولا إساءة، والأفضل أن يصبر ويحتمل جفاء والديه؛ فلا ينهرهما، بل وإذا بلغه شيءٌ عنهما يتأوَّل لهما، ويُحسن الظنَّ بهما، ويدفع عنهما.
27 - وفي النِّهاية يجب أن يعلم كلُّ إنسان أنه ليس حيٌّ على ظهر الأرض أحقَّ بالمودة وحُسْن الصحبة من الوالدين، فلْيَكن جلُّ اهتمامه برضائهما وتطييب خاطرهما، المهمُّ: أنَّه لا سبيل إلى دخول الجنَّة إذا سخط الوالدان؛ فهما بابٌ من أعظم أبواب الجنَّة، فاحفظ هذا الباب أو ضيِّعْهُ!
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


موعظة:
أيُّها المضيع لأوكد الحقوق، المعتاض عن البِرِّ بالعقوق، الناسي لما يجب عليه، الغافل عمَّا بين يديه: بِرٌّ لوالديك عليك دَيْن، وأنت تتعاطاه باتِّباع الشين؟! تطلب الجنَّة بِزَعمك، وهي تحت أقدام أمِّك؟!

حَملَتْك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حِجَج، وكابدت عند وضعك ما يذيب المُهَج، وأرضعَتْك من ثديها لَبنًا، وأطارت لأجلك وسنًا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرَتْك على نفسها بالغِذى، وصيَّرَت حجرها لك مهدًا، وأنالتك إحسانًا ورفدًا، فإن أصابك ألَمٌ أو شِكاية، أظهرت من الألم فوق النِّهاية، وأطالت الحزن والنَّحيب، وبذلَتْ مالها للطَّبيب، ولو خُيِّرت بين حياتك وموتها، لآثرت حياتك بأعلى صوتها.

هذا؛ وكم عامَلْتَها بسوء الأدب مِرارًا، فدعَتْ لك بالتوفيق سِرًّا وجهارًا، فلما احتاجَتْ عند الكِبَر إليك، جعلتَها مِن أهون الأشياء عليك: فشَبِعْتَ وهي جائعة، ورَوِيت وهي ضائعة، وقَدَّمت عليها أهلك وأولادك في الإحسان، وقابلتَ أيادِيَها بالنِّسيان، وصَعُب لديك أمرها وهو يسيرٌ، وطال عليك عمرها وهو يسيرُ، وهجرتَها وما لها سواك نصير!

هذا؛ ومولاك قد نهاك عن التَّأفيف، وعاتبَك في حقِّها بعتابٍ لطيف، ستُعاقَب في دنياك بعقوق البنين، وفي أُخْراك بالبعد من ربِّ العالمين، يناديك بلسان التَّوبيخ والتهديد:
ï´؟ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ï´¾ [الحج: 10].
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


فاحرص أخي يا بن الإسلام على برِّ الوالدين، والقرب منهما، وقضاء حوائجهما، وطاعتهما في غير معصية الله، ومُحاولة الإفطار معهما، واحذر غضبَهما؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((رضا الربِّ من رضا الوالد، وسخط الربِّ من سخط الوالد))
ولكن احذر أن تتَّخِذ وجوب طاعتهما سبيلاً إلى معصيةِ مَن أوجب عليك طاعتَهما - سبحانه وتعالى - فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أرضى الله بسخط النَّاس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناسَ، ومن أسخط الله برِضَا الناس، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس)).

ولا يهولنك تهديدُ بعض الآباء الجهلاء بالغضب وعدم الرِّضا إذا لم تُنفذ رغباتهم التي ترى فيها معصية الله - تعالى - فالربُّ مطَّلِع عليم، ولا يهولنك أيضًا ما يَذْكرون للنَّاس من عقوقِك وسوء خلقك، ما دُمتَ تعاملهما بما يُرضي الله، وإن كان الأوجبُ عليك أن تسترضِيَهما، ولا تترك لهما بابًا لِذمِّك أمام الناس؛ حتى لا يُشوَّه الإسلام في صورتك، فإن بذلتَ وُسعَك، ولم يَكُفَّا عنك، فسلِّم أمرك لله العليم، وقل:
ï´؟ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ï´¾ [يوسف: 18].
https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
الوسيلة السادسة:
صِلة الرَّحِم:
وهي الإحسان إلى الأقارِب على حسبِ حال الواصل والموصول، فتارةً تكون بالمال، وتارةً تكون بالخدمة، وتارةً بالزيارة والسلام، وغير ذلك، وصِلة الرحم مِن أسْمَى المطالب التي يُعنَى بها الإسلام، ويرغّب فيها، وهى قرابة الرجل مِن جهة أبيه ومِن جهة أمِّه، وهذه مِن الحقوق التي دعتْ إليها الفطرةُ السليمة، وقرَّرتها الشريعة السَّمْحة.
https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
فاحرص أخي، يا ابنَ الإسلام
على أن تصِل رحمك، واحذر أن تقطعَهم حتى ولو قطعوك، قال تعالى:
ï´؟فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْï´¾ [محمد: 22 - 23]
وفي الصحيحين أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِر فليكرم ضيفَه، ومَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِر فليصلْ رحمَه، ومَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِر فليقلْ خيرًا أو ليصمت))
وفيهما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((الرَّحِم معلَّقة بالعرْش، تقول: من وصلني وصلَه الله، ومَن قطعَني قطعَه الله))
وعند البخاري عن أنس قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه، ويُنسأ له في أثرَه، فليصِلْ رحِمَه))
وبسط الرزق - كما قال النووي -: توسيعه وكثرته، وقيل: البَركة فيه، وأما التأخير في الأجل ففيه سؤالٌ مشهور، وهو أنَّ الآجال والأرزاق مقدَّرة لا تزيد ولا تنقص
ï´؟فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَï´¾ [الأعراف: 34]
وقد أجاب العلماء بأجوبة، والصحيح منها: أنَّ هذه الزيادة بالبَركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخِرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


والثاني: أنَّه بالنسبة إلى ما يَظهر للملائكة، وفى اللَّوْح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أنَّ عمره ستُّون سنة إلا أن يصِل رحِمه، فإنْ وصلها زِيد له أربعون، وقد عَلِم الله - تعالى - ما سيقع له مِن ذلك، وهو مِن معنى قوله تعالى: ï´؟يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِï´¾ [الرعد: 39]
فيه النسبة إلى عِلم الله - تعالى - وما سبَق به قدَره، ولا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهَر للمخلوقين تتصوَّر الزيادة، وهو مرادُ الحديث.
والثالث: أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لم يمت، حكاه القاضي... وهو ضعيف أو باطل، والله أعلم.
والأحاديث كثيرة في الحثِّ على صلة الأرْحام، والتحذير من قطعها، فأين نحن من صِلة الأرحام؟! وأين صلةُ الأرحام في هذا الزمان الذي انتشرتْ فيه قطيعة الأرحام وعقوق الوالدين - ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله.

إنَّ حق القرابة قد ضُيِّع في هذا الزمان من قِبل كثيرٍ مِن الناس إلا من رحِم ربُّك، فتجد الواحدَ منهم لا يَصِلُ قرابتَه لا بالجاه، ولا بالمال، ولا بالخُلق.. تمضي الأيام والشهور والسِّنون ما رآهم، ولا زارهم، ولا تحبَّب إليهم بهدية، ولا جلَب لهم منفعة، أو دفَع عنهم مضرَّة، بل ربما - إلى جانب ذلك - أساء إليهم بالقول، أو بالفِعل، أو بهما معًا! يصل البعيد، ويقطع القريب!
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


ومن الناس مَن يعامل قرابته بالمثل؛ إنْ وصلوه وصلهم، وإنْ قطعوه قطعهم، وهذا ليس بواصل في الحقيقة، بل هو مكافِئ للمعروف بمثله، والمكافأة على المعروف يشترك فيها القريبُ وغيره، والواصل حقيقةً هو من يصل قرابته ابتغاءَ وجه الله، ولا يُبالي سواء وصلوه أم لا؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((ليس الواصلُ بالمكافئ؛ ولكن الواصل الذي إذا قُطِعتْ رحِمُه وصَلَها)).

ولقد حثَّنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أداء حقِّ الرحِم، وإنْ عاملونا بالجفوة والغِلظة والشر، في حين أنَّه يطمئننا على مستقبلنا، ويُزيح عن قلوبنا اليأس؛ ففي صحيح مسلم أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأُحسن إليهم ويُسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ! فقال:
((لئن كنتَ كما قلتَ، فكأنَّما تُسفُّهم - تطعمهم وتلقمهم - المَلَّ، ولا يزال معك من الله
ظهير - مُعين ناصِر - عليهم، ما دُمتَ على ذلك))
قال الأزهري: أصل الملَّة: التربة المحماة تُدفن فيها الخبزة، وقال القتيبي: المل: الجمْر، ويقال للرماد الحار - أيضًا - المل، فالملة كوضع الخبزة، يقول: إذا لم يَشكُروك، فإنَّ عطاءَك إياهم حرامٌ عليهم، ونارٌ في بطونهم، ففيه تشبيه لما يلحقهم مِن الإثم بما يلحق آكل الرَّماد الحار مِن الألم.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


حكم صلة الرَّحِم ودرجاتها:
قال القاضي عياض: "لا خِلافَ أنَّ صلة الرحم واجبة في الجُملة، وقطيعتها معصية كبيرة، والأحاديث تشْهَد لهذا، ولكن الصِّلة درجات بعضها أرْفَع من بعض، وأدناها ترْك المهاجَرة بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القُدرة والحاجة؛ فمنها واجِب، ومنها مستحبّ، ولو وصل بعضَ الصِّلة، ولم يصلْ غايتها لا يُسمَّى قاطعًا، ولو قصَّر عما يقدر عليه وينبغي له، لا يُسمَّى واصلاً". اهـ.

وصلة الرحم لها فضائلُ وثمراتٌ كثيرة وعظيمة، أذكر بعضًا منها منبِّهًا على أنه قد ورد في كلِّ ما سأذكُر أحاديث صحيحة، ولكنِّي لم أذكرها اختصارًا، فارجع إليها - إن شئت - في كتاب "حق الرحم" للشيخ المصري:
1- أنَّها عبودية لله تعالى لأمْره بها؛ فإنْ وصلتها أطعتَ ربَّك، وكنت عبدًا لله حقًّا.
2- صلة الرحم شعارُ الإيمان بالله؛ فعند البخاري: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخر، فليصِلْ رحِمَه)).
3- الله تعالى يصِل الواصل في الدنيا والآخِرة، فيمدُّه بالرحمة، وييسِّر له الأمور، ويفرِّج عنه الكربات.
4- صِلة الرحم تجلب للعبد رِضا الله ومحبته.
5- صلة الرحم يُكفِّر الله بها سيئاتِ العبد.
6- صلة الرحم أعجلُ الطاعة ثوابًا، وقطيعة الرحم مِن أعجل المعاصي عقوبةً.
7- الذين يَصِلُون الأرحام هم الصادِقون المتقون.
8- صِلة الرحِم تجعلك في أعْلى المنازل.
9- صلة الرحم أحبُّ الأعمال إلى الله بعدَ الإيمان به.
10- أنها مِن أسباب البَرَكة في العُمر والرزق.
11- الصَّدقة على ذي الرَّحِم أعظم أجرًا من الصدقة على المسكين.
12- صلة الرحم تعمر الدِّيار، وتزيد في الأعمار.
13- صلة الرحم مِن أعظم أسباب دخول الجنة.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png


أسباب قطيعة الرحم:
الأسباب كثيرة جدًّا، لكن أبرزها ما يلي: الجهل بحقوق الأقارب، وضعف التقوى، والكِبر، والانقطاع الطويل الذي يسبِّب الوحشة والنسيان، والتطفل الزائد من قِبل الموصول، ممَّا يجعل الواصلَ لا يحرِص على زيارته؛ لئلاَّ يقع في الحرج، واللامبالاة، وعدم الاكتراث بالزائرين مِن الأقارب، والعتاب الشديد مِن بعض الأقارب مما يُسبِّب النفرةَ منه.

الشح والبُخل ممَّن آتاه الله بسطةً في الرزق، فتراه لا يواصِل قرابته؛ لئلاَّ يخسر عليهم من ماله؛ كاستدانتهم منه، وغير ذلك، ونسيان بعض الأقارب في الولائم، الأمر الذي يُسبِّب سوءَ الظن فيما بينهم، والوشاية والإصغاء إليها، والمزاح الخارج عن حدِّ الاعتدال، والمنّ وتَعداد الأيادي والمطالبة بالمثل، والطلاق بين الأقارب، وتأجيل قسمة المواريث بيْن الأقارب.

فعلى الأقارب أن يُحاولوا اجتنابَ هذه الأسباب - وغيرها - المؤدية للقطيعة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
أضرار قطيعة الرحم:
احذر أخي يا ابنَ الإسلام، مِن مغبَّة قطيعة الرحم؛ فإنها:
• تقطع الصلة بيْن العبد وبين الربّ - تبارك وتعالى.
• تجلب للعبد سخطَ الربّ، وبغض الناس من حوله.
• تقطع الأواصر الاجتماعيَّة في المجتمع الواحد.
• تجعل صاحبها بأخبث المنازل.
• يُعجِّل الله لصاحبها العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخِره له من العقوبة يومَ القيامة.
• قاطِع الرحم يُعرِّض نفسه لعدم قَبول عمله.
• الذي يبخل على أرحامه يعرِّض نفسه للعذاب.
• قطيعة الرحم تخرب الديار.
• قاطع الرحم يعرِّض نفسه لدخول النار.
• قاطع الرحم لا يدخل الجَنَّة مع أول الداخلين.

وهناك أضرارٌ أخرى كثيرة غير ما ذكرت، فلنحذرها جميعًا، والله المستعان.
https://dl.dropbox.com/u/63580683/a496.png
https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif
آداب صلة الرحم:
ينبغي تعلُّم بعض الآداب المتعلِّقة بصلة الرحم، ومنها:
• النية الصالحة والإخلاص؛ فإنَّ الله تعالى لا يقبل إلا العمل الخالص، فيجِب أن نُخلص النية لله تعالى.
• الاحتساب وانتظار الأجْر مِن الله تعالى، فلا تنتظر المقابلَ والمكافأة من الناس.
• تجنُّب قطيعة الرحِم، أو الانشغال عنْ وصلها بمتاع الدنيا.
• زيارتهم في بيوتهم، وتفقُّد أحوالهم، وإدْخال السرور عليهم بتقديم الهدايا لهم.
• البَدء بالأقرب؛ فكلَّما كان ذو الرحم أقربَ، كانت صلته أوْجَبَ، ووجب على الواصِل أن يبدأ به.
• صِلة الرحم بنُصحهم، وإرشاد ضالِّهم، وتذكير غافلهم، وهذا أعظم حقوقهم: إنجاؤهم مِن النار، ودلالتهم على طريقِ الجنة، وإعانتهم على الخير.
• أن يقدِّم في صلته أتْقاهم لله؛ فهو أعظمُ حقًّا، وأزيد أجرًا، هذا مع كون الصلة للقريب الكافر أيضًا، خصوصًا إذا كان بغرَض دعوته للإسلام، كما تكون الصلة للقريب المسلم غير الصالح، ولا سيَّما إذا كانتْ بغرَض نُصحه وإرشاده، ودعوته إلى الخير، وتحبيبه إليه.
• التصدُّق عليهم إنْ كانوا فقراء، فمَن تصدَّق على ذي رحِم، كان له ثوابان؛ ثواب على صَدقته، وثواب صِلته رحمه، كما في الحديثِ الصحيح في مسند الإمام أحمد.
• تعلُّم النسب، وتفقُّد الأقارب الذين يمتُّون للمرء بقرابة بعيدة؛ فإنَّه إنْ أحسن النية في البحْث عنهم وصِلتهم، كان ذلك مِن أفضل أعماله، وهذا مما يَنبغي أن يحرِص عليه المؤمن الراغِب في الخير.
• ألاَّ تكون الصلة على وجْه المكافأة.
• المداومة على وصل ذي الرحِم القاطِع وتحمُّل أذاه.
• تفقُّد أحوالهم، والسؤال عنهم، والدُّعاء لهم، وإكرامهم دائمًا، مع كفِّ الأذى عنهم.
• العفو والصَّفْح عنهم، وهو تجنُّب السيئة بمثلها، والقطيعة بمثلها.
• تجنُّب الخلوة بالأجنبية أو مصافحتها أثناءَ زيارة الأرحام، فإيَّاك أن تفعلَ حسنة بسيئة؛ أي: إنَّه ليس معنى صلة الرحم أن تخالِط النساء وتمازحهنَّ؛ فإنَّ هذا حرام تُذهب سيئاتُه بحسناته، ولتحذر أيضًا من أي مشاركة في المعاصي والمخالفات، ولو هانتْ.

ابوالوليد المسلم 12-05-2020 02:43 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(13)


محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif
وسائل استثمار رمضان

https://img291.imageshack.us/img291/...yscom27es7.gif

الوسيلة العاشرة:
المحافَظة علَى الصلوات الخمس:
أخييا بن الإسلام: أصلِحْ صلاة الفريضة أولاً بالحِرْص على صلاة الجماعة في المسجد؛ فإنَّها واجبة على الرِّجال إلا مِن عذْر، ولا أحبُّ أن أذكرَ هنا الخلاف في المسألة ووجوه ترجيح الوجوب، ولكن إنْ شئت فراجِع في ذلك رسالة صلاة الجماعة للشيخ عبدالله السبت، ووجوب الصلاة في الجماعة للشيخ ابن باز، أما النساء فبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ.

واحرص يا بن الإسلام، على تكبيرة الإحرام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذي وصحَّحه الألباني: ((مَن صلَّى أربعين يومًا في جماعة لا تفوته تكبيرةُ الإحرام، كُتبت له براءتان: براءة مِن النار، وبراءة مِن النفاق))، فلِمَ لا يكون رمضان فرصةً عظيمة لمعاهدة النفس ألا تفوت تكبيرة الإحرام أبدًا خلال هذا الشهر، فإذا نجحت فاستمر على ذلك عشرة أيام بعد رمضان لتُحَصِّلَ الأجر.
إذًا، حاول تحقيق هذا الحديث، وكلما فاتتك تكبيرة الإحرام، فابدأ الأربعين مرة أخرى من جديد.

• احرص على التطهُّر في البيت كما في صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تطهَّر في بيته ثم مشَى إلى بيت مِن بيوت الله؛ ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفَع درجة)).

• احرصْ على الوصولِ للمسجد مبكرًا؛ فإنَّه مهم لصلاحِ القلْب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، خرجتْ خطاياه مِن جسده حتى تخرُجَ مِن تحت أظفاره))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند مسلم أيضًا: ((مَن توضأ فأحسن، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ اجعلْني من التوَّابين ومِن المتطهِّرين، فُتِحت له أبوابُ الجنة الثمانية يدخُل مِن أيها شاء)).

ثم إنَّ التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة، له فوائدُ عظيمة كثيرة، من أهمها:
1- ترديد الأذان والدُّعاء بعده، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ البخاري: ((مَن قال حين يسمع النِّداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامَّة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، وجبتْ له شفاعتي يومَ القيامة)).

2- المحافَظة على صلاةِ الجماعة، وقدْ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((صلاة الجماعة أفضلُ مِن صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درَجة)).

3- المحافَظة على تكبيرة الإحرام.

4- إدراك الصفِّ الأوَّل؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتَّفق عليه: ((لو يعلم الناسُ ما في النِّداء والصفِّ الأوَّل، ثم لم يجدوا إلا أن يستهِموا عليه، لاستهموا عليه، ولو يَعلمون ما في التهجيرِ لاستبقوا إليه، ولو يَعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا))، والتهجير: هو الحضورُ مبكرًا إلى صلاة الظهر وإلى كل الصلوات، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في صحيح مسلم: ((خيرُ صفوف الرِّجال أوَّلُها، وشرُّها آخِرها)).

وسبحان الله! أراك يا بن الإسلام تتساهل، ورغم صلاتك في الجماعة الأولى إلاَّ إنَّك تكون من شرِّ صفوف الرِّجال! فلماذا لا تُسارع أخي إلى الصفِّ الأوَّل؟! قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وصحَّحه الألباني: ((إنَّ الله وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ الأول))، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغفِر للصفِّ المقدَّم ثلاثًا، وللصفِّ الثاني مرَّة - كما رواه أحمد، وصحَّحه الألباني - ثم يسكُت ويلتفت ويُصلِّي.

لذلك أخي يا بن الإسلام، فإنَّ قضية الاحتساب تحتاج إلى بحْث، فابحث عن فضائل الأعمال، وهناك كتابٌ في فضائل الأعمال للمقدسي، ارجعْ إليه تجِد خيرًا كثيرًا - بإذن الله تعالى.

5- مِن فوائد التبكير كذلك: إدراك ميمنة الصفّ؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله وملائكته يصلُّون على ميامن الصفوف))؛ أخرجه ابنُ حبان، وحسنه شعيبٌ الأرناؤوط.

6- إدْراك التأمين وراءَ الإمام في الصلاة الجهريَّة؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((إذا قال الإمام: (ولا الضالين)، فقولوا: آمين؛ فإنَّ مَن وافق قوله قولَ الملائكة غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنْبه)).

يا للخيبة إنْ لم يغفر الله لنا! واللهِ خيبة ما بعدَها خيبة؛ لأنَّها مسألة سهلة جدًّا، بمجرَّد قولك: "آمين" منضبطة خلف الإمام - مع الإمام - يُغفَر لك، فماذا يمنعك؟! ولماذا تتأخَّر في إتيانك وتضيِّع منك المغفرة؟!

إنَّ الوعود بمغفرة الذنوب المتقدِّمة أخي كثيرة جدًّا، فبعد هذا كله إذا لم يُغفر لك، فكيف ومتى؟!

7- التبكير إلى المسجد يمكِّنك مِن الإتيان بالنوافل المشروعة بيْن الأذان والإقامة.

8- التبكير إلى المسجد دليلٌ على أنَّ القلب معلَّق بالمساجد، ومِن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة: ((رجلٌ قلْبه معلَّق بالمساجد))، كما في الصحيحين، فإذا اقترب موعدُ الصلاة فاهْرَع إلى المسجد.

9- التبكير إلى المسجِد وانتظار الصلاة سببٌ لحضور القلْب، وإقبال المرء على صلاته، وهذا الأمرُ هو لبُّ الصلاة، فكلما طال مكثُك في المسجد وذِكرك لله، زالتْ مشاغلُك ومتعلقاتك الدنيويَّة، وأقبلتَ على ما أنت فيه مِن قراءة وذِكر، فمهما كان عندَك مِن الهموم والمشاكِل في العمل، ومع الزوجة والأولاد والأقارِب، فصلِّ ركعتين: (واسجد واقترب) فستُرفَع عنك الهموم الأرضيَّة، وتُحلِّق في سماء الطاعة، أما إذا جئتَ متأخرًا إلى الصلاة، فاتَكَ كلُّ هذا الفضل والخير، أقبِلْ على الصلاة مبكرًا، واقعدْ بين الأذان والإقامة؛ ليمحوَ الله همومَك بالذِّكر والصلاة وإقبالك بكليِّتك على الله.

إن الذي يأتي متأخرًا سيظلُّ قلبه مشغولاً بما هو فيه مِن هموم الدنيا أثناءَ الصلاة؛ ولذلك تلاحظ أنَّ أوَّل الناس دخولاً المسجد هم آخِر الناس خروجًا منه غالبًا، والعكس صحيح، وما ذلك إلا لما ذكرتُه لك، فاحرِص.

10- المبكِّر إلى الصلاة يتمكَّن مِن قراءة القرآن بيْن الأذان والإقامة، فيحصُل على أجر عظيم.

11- المبكِّر إلى الصلاة يتمكَّن مِن الدعاء بين الأذان والإقامة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه أحمد وصحَّحه الألباني: ((الدعاءُ بين الأذان والإقامة لا يُرَدُّ))، وكذلك يتمكَّن من الإتيان بأذكار الصباح والمساء بعدَ الصبح وقبل المغرب.

12- إنَّ مَن يأتي مبكرًا إلى الصلاة يأتي غالبًا بسكينةٍ ووقار، فيكون متمثلاً لأمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيحوز حبَّه؛ ففي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعَوْن، ولكن ائتوها وأنتم تمشُون وعليكم السكينة، فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)) وفي الرواية الأخرى: ((إذا أتيتُم الصلاة ائتوها بسكينةٍ ووقار))، ومَن يأتي إلى الصلاة مبكرًا يأتي ماشيًا، ومَن يأتي متأخرًا يأتي مسرعًا.

وانتبه إلى أنَّك إذا خرجتَ إلى الصلاة لا تُريد إلا الصلاة حصَّلت أجرًا عظيمًا؛ ففي الصحيحين أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ أحدُكم فأحْسَن الوضوء، ثم خرَج إلى المسجدِ لا ينزعه إلا الصلاة، لم تزلْ رِجله اليُسرى تمْحو سيِّئة، وتَكتب الأخرى حسنةً، حتى يدخُل المسجد)).

• اطرُدِ الشواغل وفرِّغ قلبك، واستشعر حلاوة الإيمان، واجعلِ الصلاة قرةَ عين لك.

• أذكار الصلاة مهمَّة، تدبَّرْها، وابحثْ عن معانيها، وافهمْ ما تقول، واستحضر في قلبك معنَى ما تدعو به.

• تدبَّر ما تتلو مِن القرآن في الصلاة؛ فإنَّه أدْعى لحُضور القلْب، واجعلْ قراءتك مِن المحفوظ الجديد، ولا تُصَلِّ بالعادة بسورٍ محدَّدة تُكرِّرها في كل صلاة.

• احرص يا بن الإسلام غايةَ الحرص على مسألة الخشوع في الصلاة عمومًا، وأنصحُك لمساعدتك في تحصيلِ ذلك برسالة "33 سببًا للخشوع في الصلاة" للشيخ المنجد، وكذلك رسالة "الخشوع في الصلاة وحضور القلْب فيها وعلاج الوسوسة" للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين.

• واحرص على كثرة الذَّهاب إلى المسجد؛ فإنَّ لذلك أجرًا عظيمًا؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((مَن غدَا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له نُزُلاً في الجنة كلَّما غدَا أو راح))، وقال: ((مَن توضَّأ ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاَّها مع الإمام، غُفِر له ذنبه))، والحديث صحيح، ورواه ابن خزيمة، وعن أبي هريرة عندَ مسلِم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن تطهَّر في بيْته، ثم مشَى إلى بيتٍ مِن بيوت الله؛ ليقضي فريضةً مِن فرائض الله، كانت خُطواته: إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترْفَع درجة))، وفي صحيح سنن الترمذي عن بريدة الأسلمي عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بشِّرِ المشَّائين في الظُّلم بالنور التام يومَ القيامة))، وفي صحيح سُنن أبي داود عن أبي أُمامة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن خرَج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجْرُه كأجر الحاجِّ المحرِم)).

• ومع الحِرْص على الصلوات عمومًا، احرصْ على صلاة الفجر على وجه الخصوص؛ وإنَّما نصصتُ عليها؛ لأنَّ أثقل الصلوات على المنافقين الفجر والعتمة - العشاء - كما في حديث أبي هريرة المتَّفق عليه، لكن العشاء - العتمة - في زماننا صارتْ في وسط أعمالِ الناس، فأصبح الفجرُ حقًّا هو أشدَّ الصلوات على المنافقين في زماننا؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين ﴾ [هود: 114]، فمَن أراد أن يذكر الله فليحافظْ على الصلوات الخمْس، وإذا حضَر قلبه فيها فهو مِن الذاكرين لله تعالى، وقال تعالى: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]، وقرآن الفجر؛ أي: صلاة الفجر، تشْهَدُها الملائكة، كما في الصحيحين: ((يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاةِ الفجر وصلاة العصر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلمُ بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون))، وقد رَوَى البخاري أنَّ: ((مَن صلَّى البَردين دخَل الجَنَّة)).

آداب الصلاة:
الصلاة، هي المَعين الذي لا ينضَب، والزاد الذي لا يَنفَد، إنها مِفتاح الكَنز الذي يُغني ويفيض، مَن حافظ عليها فهو السعيد الرابح، ومَن أضاعها فهو الشقي الخاسر، هي الشعار الفاصِل بين المسلِم والكافر؛ ففي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترْكَ الصلاة)).

إنَّ الصلاة في الإسلام بمنزلة الرأس مِن الجسد، فكما أنَّه لا حياةَ لمن لا رأس له، فكذلك لا دِينَ لمن لا صلاةَ له، فهي أجلُّ وأعظم مباني الدين بعدَ توحيد رب العالمين.

إنَّها الراحة النفسيَّة للأبدان والأرواح؛ فهي تخفِّف ما في النفوس مِن ضيق، وتزيل ما بها مِن الآلام، وهي قرَّة عيون الموحِّدين، وزادهم الذي يصبِّرهم حتى ينظروا في الجنة إلى وجه ربِّ العالمين.

ولذلك كان للصلاة آداب يَنبغي مراعاتها، وهي كثيرة، ومنها:
1- تعظيمُ قدْر الصلاة؛ كان عمر - رضي الله عنه - يكتُب إلى عمَّاله: إنَّ أهم أموركم عندي الصلاة، فمَن حفظها وحافظ عليها حفظ دِينه، ومَن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حَظَّ في الإسلام لمن ترَك الصلاة، وإنما حظُّهم من الإسلام على قدْر حظِّهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدْر رغبتهم في الصلاة.
2- حُسن الاستعداد لها بالتهيئة النفسيَّة واستشعار الخشوع قبلَ الدخول فيها.
3- الاستحضار الذِّهني لمعانيها وآدابها قبلَ الشروع فيها؛ فذلك عونٌ على الخشوع وحضور القلْب فيها.
4- تحسين الوضوء وإسْباغه، واستشعار معانيه مِن الطهارة الظاهِرة والباطنة استعدادًا لها.
5- إتمام رُكوعها وسجودها، وإعطاء كل رُكن حظَّه مِن الخشوع والاطمئنان.
6- إدراك معاني الذِّكر فيها وكثرته، وكثرة الدُّعاء، واستشعار القُرْب حال السجود.
7- المحافظة على صلاةِ الجماعة في المسجد.
8- تحسين الهيئة قبلَ الدخول في الصلاة؛ لأنَّ المصلِّي مقبِل على مالك الملك وملك الملوك، فأوْلَى أن يتزين له.
9- الإقبال على الصلاة بالسكينة والخشوع.
10- تجنُّب الالتفات والشرود؛ فهو اختلاسٌ يختلسه الشيطانُ مِن صلاة العبد، كما في صحيح البخاري.
11- عدم مجاوزة بصر المصلِّي موضعَ سجوده، وعدم تغميض عينيه، وعدم رفْع بصره إلى السماء؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بال أقوامٍ يرْفعون أبصارَهم إلى السماء في صلاتهم؟!))، فاشتدَّ قوله في ذلك حتى قال: ((لينتهُنَّ عن ذلك أو لتُخطفنَّ أبصارُهم)).
12- التفكُّر والتدبُّر لمعاني الآيات، وتجنُّب الغفْلة والسهو.
13- الاطمئنان في أدائِها، وتجنُّب العَجَلة في أرْكانها.
14- مدافعة التثاؤب ما استطاع، حتى ولو بأخْذ شفتِه السُّفلى بسِنِّه، فإن لم يقدرْ غطَّاه بكمِّه أو بيده اليمنى.
15- تطويل الرَّكعة الأولى عن الثانية.
16- يُندَب للرَّجُل إذا أصابَه في صلاتِه حادِث هام أن يُسبِّح، وللمرأة أن تصفِّق؛ كإنذار أعْمَى، أو تنبيه غافِل، أو لتنبيه الإمام بسهوٍ ما.
17- الإسراع في أداء الصلاة في أوَّل وقتِها وعدم تأخيرها.
18- الجلوس في المصلَّى عقِبَ كلِّ صلاة للاستغفار والذِّكْر والدعاء.
19- انتظار الصلاة بعدَ الصلاة، وهذا مستحب؛ كانتظار صلاة العِشاء بعد صلاة المغرب، أو انتظار طلوعِ الشمس بعدَ صلاة الصبح لأداء صلاةِ الضحى، واغتنام هذه الأوقات في الذِّكْر وتلاوة القرآن.
20- المحافظة على أداء السُّنَن التابعة للفرائض، فلا يَنبغي للمسلِم أن يتهاون بها، ولا يرخص لنفسه في ترْكها، ويستحبُّ أن يصليَها في البيت؛ ليجعلَ لبيته نصيبًا مِن صلاته.
21- السعي في تحصيلِ ثمرات الصلاة؛ مِن خشية الله تعالى، ومراقبته في جميع الأحوال والأوقات، والانتهاء عن الفُحشِ في الأقوال والأفعال.


الوسيلة الحادية عشرة:
المحافظة على صلاة الفجر خصوصًا:
فما أسهل أن ينطق اللسان بكلمة الإسلام، ولكن ما أصعب أن يترسخ الإيمان في قلْب الإنسان:
﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ
[الحجرات: 14]
كثيرًا ما يتنافَى كلام اللِّسان مع إيمان القلْب، كما أنَّ كثيرًا ما يَتنافى كلامُ اللسان مع أفعال الجوارح، والمؤمن الصادِق هو مَن وافق قوله عمله، وهو مَن أظهر بلسانه ما يُخفي في قلْبه، أما المنافقون فظاهرُهم قد يكون حسنًا وطاهرًا، ولكن قلوبهم قاسية كالحجارة، أو هي أشدُّ قسوة.

والله تعالى مطَّلِع على القلوب، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ويعلم المنافِق من المؤمِن، والكاذب مِن الصادق، لكنَّه شاء - سبحانه - أن يفرِض على عباده اختباراتٍ معيَّنةً تكشف سرائرَ القلوب وخبايا النفس، وتوضِّح أولئك الذين قالوا ما لا يفعلون، أو اعتقدوا ما لا يُظهرون، وغرض إظهارهم أن يقيم الله تعالى الحُجَّةَ عليهم؛ فلا يشعر أحدُهم يوم القيامة بظلمٍ ولا هضم، فإنَّه قد وضَع له اختبارًا واضحًا فرسَب فيه، كما أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أراد بهذه الاختبارات أيضًا أن ينقِّي صف المؤمنين مِن المنافقين؛ رحمةً من الله - عزَّ وجلَّ - بالصفِّ المؤمن؛ لأنَّ اختلاط المنافقين بالمؤمنين يُضعِف الصفوف، ويسبِّب الاضطراب، ويجلب الهزائمَ والنكسات.

قال - تعالى - في حقِّ المنافقين: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 47]، فرحمة الله تعالى بالصفِّ المؤمن اقتضتْ أن يَفرض هذه الاختباراتِ للتفرقة بين المؤمنين والمنافقين، وبين الصادقين والكاذبين، هذه الاختبارات سُنَّة إلهية ماضية، وضَعَها الله تعالى لكلِّ البشَر بلا استثناء، منذُ خلق الله آدم - عليه السلام - وإلى يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 1 - 3]، ولهذه الاختبارات خصائصُ معيَّنة:
فأولاً: يجب أن يكونَ الاختبار صعبًا؛ لأنَّه لو كان سهلاً لنجَح فيه الجميع: المؤمن والمنافق، ولم تحدُث التفرِقة المطلوبة.
وثانيًا: يجِب ألاَّ يكون هذا الاختبار مستحيلاً؛ لأنَّه لو كان مستحيلاً لفشِل فيه الطرفان: المؤمِن والمنافق؛ ولذلك فالاختبار لا بدَّ أن يكون متوازنًا، صعبًا بالدرجة التي لا يقوَى فيها المنافقون على النجاح فيه، وغير مستحيل لكي يُعطي الفرصة للمؤمنين أن ينجَحوا.

واختبارات الله - عزَّ وجلَّ - للخلْق كثيرة ومتعدِّدة ومستمرَّة منذُ أول لحظات تكليف الإنسان، وإلى يوم مماته، فالجهاد في سبيلِ الله اختبار، نعمْ هو اختبار صعْب، ولكنَّه ليس بمستحيل، ينْجَح فيه المؤمِن، ويتخلَّف عنه المنافق، والإنفاق في سبيل الله اختبار، اختبار صعْب ولكنَّه ليس مستحيلاً، يقدِر عليه المؤمن، ولا يقدِر عليه المنافق، وحسن معاملة الناس اختبار، وكظْم الغيظ اختبار، والرِّضا بحُكم الله - عزَّ وجلَّ - اختبار، وبِر الوالدين اختبار، وهكذا، الحياة كلها - بهذا المفهوم - اختبار؛ يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2].

وتتفاوت درَجاتُ الصعوبة بيْن الاختبارات المختلفة، ولكنها في النهاية اختبارات، ومطلوب مِن المؤمن أن ينجحَ فيها كلها؛ ليثبتَ صِدق إيمانه، ويتوافَق لسانه مع قلْبه.

ومِن هذه الاختبارات الخطيرة اختبار صلاة الصُّبح، اختبار حقيقي، واختبار صعْب، لكنَّه ليس مستحيلاً، الدرجة النهائية في هذا الاختبار بالنسبة للرجال تكونُ بالمواظبةِ على صلاة الفجْر في جماعة في المسجد، أمَّا بالنسبة للنساء فتكون بالصلاة على أوَّل وقتِها في البيت، والفشل في هذا الاختبار الهام يكون بخروج الصلاة عن موعدِها الذي شَرَعه الله تعالى، وبيْن النجاح بتفوق والرسوب في الاختبار درجاتٌ كثيرة؛ هناك مَن يصلِّي معظم الصلوات في المسجد ويفوته بعضها، وهناك مَن يصلي بعض الصلواتِ في المسجد ويفوته معظمها، وهناك مَن يُصلِّي في بيته قبلَ خروج الوقت، وهناك مَن تفوته الصلاة في بيته ولا يصلِّي إلا بعدَ خروج الوقت، درجات كثيرة متفاوتة؛ ولكن يبقى النجاح المطلوب هو صلاة المؤمن في المسجِد في أوَّل الوقت.

هذا الاختبار هام للدرجة التي جعلتْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستخدمه دائمًا للتفرِقة بيْن المؤمِن والمنافق؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أثقل صلاة على المنافقين صلاةُ العِشاء وصلاة الفجْر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيُصلي بالناس، ثم أنطلِق معي برِجال معهم حزم مِن حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاةَ، فأحرِّق عليهم بيوتَهم بالنار))! ولكم أن تتخيَّلوا عِظمَ المشكلة، وضخامة الجريمة التي تدْفَع رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع رحمته وشفقتِه على أمَّته - لأن يَهُمَّ بتحريق بيوت هؤلاء، ولكني - والله - أرَى أنه مِن رحمته وشفقته قال هذه الكلمات؛ لأنَّه يُريد أن يستنقذَ أمَّته مِن نار الآخِرة بتخويفهم بنار الدنيا، وشتَّان بين نار الآخِرة ونار الدنيا.

وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا شكَّ في إيمان رجُل بحَث عنه في صلاة الفجْر، فإنْ لم يجده تأكَّد عنده الشكُّ الذي في قلبه، رَوى ذلك أحمد والنَّسائي والدارمي عن أُبيِّ بن كعْب - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلاة الصُّبح، ثم قال: ((أشَهِد فلان الصلاة؟))، قالوا: لا.. قال: ((ففلان))، فقالوا: لا.. فقال: ((إنَّ هاتين الصلاتين - الصبح والعِشاء - من أثقلِ الصلاة على المنافقين، ولو يَعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)).

والمنافقون لا يُدرِكون الخير الذي في صلاة الصُّبح في جماعة المسجد، ولو أدْرك هؤلاء هذا الخيرَ لجاؤوا إلى المسجد تحت أيِّ ظرْف، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأتوهما ولو حبوًا))، وأريدك أن تتخيَّل رجلاً كسيحًا لا يقوَى على السير، وليس هناك مَن يُعنيه على الحرَكة، ومع ذلك فهو يصرُّ أن يأتي المسجد يزْحَف على الأرض؛ ليدركَ الخير الذي في صلاة الفجْر في جماعة، فإذا أدركنا هذه الصلاةَ ثم نظرْنا إلى الأصحَّاء الذين يتخلَّفون عن صلاة الفجْر في المسجد، أدركْنا عِظم المصيبة.

وليس معنى هذا بالطَّبْع أن أتَّهِم أولئك الذين لا يُحافظون على صلاة الفجْر في المسجد في زمانِنا هذا بالنِّفاق، فأنا لستُ ممن يقيمون الأحكامَ على غيرهم، والله أعلمُ بظروفِ كلِّ مسلم، ولكني أذكُر ذلك الكلام؛ ليختبر كلٌّ منا نفْسَه، وليختبر أحبابه وأصحابه، وأولاده وإخوانه، إنْ كان المرء يهدر هذه الصلاة بصورةٍ منتظمة، فهذه علامةٌ واضحة من علامات النفاق، ومَن كانت به هذه العلامة فليراجعْ نفْسَه بسرعة، فإنَّه - ولا شكَّ - يُخشَى عليه مِن خاتمة السُّوء، نسأل الله العافيةَ والسلامة وحُسن الخاتمة لنا ولسائرِ المسلمين.

وقت صلاة الصبح:
كنت أتحدَّث عن موضوع صلاة الصُّبح في مجموعة مِن الأصدقاء، فدار بيني وبين أحدهم هذا الحوار:

قال: الحمد لله، أنا لا أنزل من بيتي إلاَّ إذا صليت صلاةَ الصبح، فسألتُه ببراءة: وأنت متى تستيقظ؟! قال: الساعة 7.30 تقريبًا! وأوَّل شيء أفعله أن أتوضأ وأُصلِّي الصبح!

قلت: سبحان الله! لقد فاتَ وقتُ الصبح! قال: كيف؟ أليس وقت كلِّ صلاة مِن أوَّل وقتها إلى وقتِ الصلاة الثانية؟! فيكون بذلك الصبح مِن أول ظهور الفجْر إلى صلاةِ الظهر؟! قلت: هذا الكلام صحيح بالنسبة لكلِّ الصلوات ما عدا صلاة الصبح، فإنَّ وقتَها مِن ظهور الفجْر إلى شروق الشَّمْس فقط، هذا الوقت المحدود الضيِّق الصعْب؛ ولذلك فهي اختبار، ولو كان الوقت مفتوحًا إلى صلاة الظهر، فأين الاختبارُ في ذلك؟!

إنَّ صلاة الصبح هي أقصرُ الصلوات المفروضة، فهي ركعتان فقط، ولكنَّها جعلت مقياسًا للإيمان، واختبارًا للصِّدق؛ لصعوبة وقتها، وعلى قدْر تعجُّبي من صاحبي الذي لا يعلم أمرًا مِن بديهيات هذا الدِّين، على قدْر حُزني من أنَّ الثقافة الإسلامية والعلوم الشرعيَّة وصلتْ إلى هذه الدرجة مِن الانحدار، حتى لا يعلم بعضُ المسلمين أو كثير مِن المسلمين أوقاتَ الصلاة المفروضة!

فأنا لا أتحدَّث عن وقتِ صلاة الضحى، أو وقت صلاة قِيام الليل، إنَّما أتحدث عن وقت صلاة الصبح! ذكَّرني ذلك بأمْرٍ من المضحِكات المبكِيات، وهو أحد معسكرات الشباب التابِع لأحد الأحزاب السياسيَّة؛ حيث كان برنامج المعسكر معلقًا على الجُدران في أكثر مِن مكان، وأول كلمة في هذا البرنامج هي: "الاستيقاظ وصلاة الصبح في الثامِنة صباحًا"! قلت: واللهِ هذه جريمة مع سبْق الإصرار والترصُّد! فالنيَّة مبيَّتة، والعزْم منعقد على تضييع فرْض مِن فروض الله - تعالى - ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله.

مواقيت الصلاة - أيُّها المؤمنون - أمورٌ توقيفية، بمعنى أنَّه ليس فيها اجتهادٌ من البشَر، لقدْ حُددت بدقَّة في أحاديثِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم تترك مجالاً لسوءِ فَهم، روى مسلمٌ عن عبدِالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وقتُ صلاة الصُّبح مِن طلوع الفجْر ما لم تطلعِ الشمس))، فليس هناك شكٌّ في وقتِ صلاة الصبح، وقد أكَّد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على هذا المعْنَى في حديثِ الترمذي عن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - حين قال: ((مَن أدرك ركعةً مِن صلاة الصبح قبلَ أن تطلُع الشمس، فقدْ أدرك الصبح))؛ أي: إنَّه مَن أدرك ركعةً كاملة قبل أن تشرقَ الشمس فقد أدرك صلاةَ الصبح في موعدها، أمَّا مَن لم يدرك - ولو ركعة واحدة - فقد أصبحتْ صلاة الصبح في حقِّه قضاءً، وهذا - ولا شكَّ - أمرٌ خطير.

لكن الأصعب مِن ذلك أنَّ اختبار التفرقة بيْن النفاق والإيمان، وبيْن الصِّدق والكذِب، ليس بمجرَّد الصلاة قبلَ شروق الشمس، ولكن النجاح الحقيقي والمطلوب في هذا الامتحان يكون بصلاة الجماعة في المسجِد، وليس في البيت، وهذا بالطبع في حقِّ الرِّجال، أمَّا في حال النِّساء، فإنَّه - وإنْ كانت صلاتهنَّ في المسجِد مسموحًا بها - إلا أنَّ صلاتها في بيتها أفضلُ وأكثر ثوابًا؛ وذلك لحديث أبي داود الصحيح عن ابن عُمرَ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تمنعوا نِساءَكم المساجد، وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ))، وكذلك لحديث أمِّ حُميد الساعديَّة - رضي الله عنها - في مسنَد أحمد بسَند حسَن، وكذلك في الطبراني أنَّها جاءتْ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسولَ الله، إنِّي أحبُّ الصلاة معك، قال: ((قد علمت، وصلاتُكِ في بيتكِ خيرٌ لك مِن صلاتكِ في حجرتكِ، وصلاتكِ في حجرتكِ خير لكِ من صلاتكِ في داركِ، وصلاتُكِ في داركِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومِكِ خيرٌ لك مِن صلاتكِ في مسجد الجماعة))، وتعظيم أجْر صلاة المرأة في بيتها رحمة مِن الله - عزَّ وجلَّ - بها ورَحْمة بالمجتمع، فهذا أدْعَى لتجنُّب الفِتنة، وأحفظُ للمرأة وأسترُ لها، كما أنَّ فيه حفاظًا على الأطفال بالبيت، وعلى كبار السِّنِّ وغير ذلك مِن المصالِح، وسبحان الله الذي أنْزَل هذا الشَّرْع المحكَم!



ابوالوليد المسلم 12-05-2020 02:44 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif
وسائل استثمار رمضان

الوسيلة الأولى: الصِّيام:
الصوم مدرسة، تهذيب وتربية، ذُلٌّ وانكسار، الصَّوم لا مِثْل له، خُمول وخشوع، سكينة وانتظار، الصِّيام زكاة النَّفس، ورياضة الجِسم، ودعوة للبِرِّ، هو للإنسان وقاية، وللجماعة صيانة، ففي جوع الجسم صفاءُ القلب، وشَحْذ القريحة، وإنفاذ البصيرة؛ فإنَّ الشِّبَع يورث البَلادة.
الصِّيام ركنٌ من أركان الإسلام، هو أستاذٌ يعلِّم الرحمة، وينشر المَحبَّة، ويعوِّد التَّضحية والبذل، قيل للأحنف بن قيس - رضي الله عنه -: إنَّك شيخٌ كبير، وإن الصِّيام يُضْعِفك، فقال: "إنِّي أُعِدُّه لسفر طويل، والصبر على طاعة الله أهوَنُ من الصبر على عذابه".
فالصَّوم حرمانٌ مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوعٌ لله وخضوع، يستثير الشَّفقة، ويحضُّ على الصَّدقة، ويسنُّ خِلال البِرِّ، حتى إذا جاع مَن ألِفَ الشِّبَع، وعرف المُترَف أسباب المُتَع، عرف الحِرْمان كيف يقع، وألَم الجوع إذا لذَع، فرضَه ربُّنا في كتابه، فقال - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183]، وجعل - سبحانه - أفضل الصِّيام صيامَ رمضان، فقال - تعالى -: ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ï´¾ [البقرة: 185].
فصار هذا الشهرُ لأمَّة الإسلام شهرَ القرآن، وشهر الإحسان، وشهر الرِّضوان، وشهر الغفران، وشهرَ إغاثة اللَّهفان، وشهر التَّوسعة على الضِّيفان، وشهرًا تُفتَّح فيه أبواب الجنان، ويُصفَّد فيه كلُّ شيطان، فإذا صُمْتَ فليَصُم سمعك وبصرك، ولا تجعل يوم صومك كيوم فِطْرِك؛ ففي الصيام: احْفَظ لسانك، ولْيَكثر ذِكْرُك لله، ولْيَظهر على سَمْتِك الخشوعُ والوقار والإخبات، وإيَّاك والمعاصي، فيَفْسد الصِّيام.
استشعِر المعاني الإيمانيَّة أثناء الصيام؛ من إقامةِ حاكميَّة الله على النَّفس الأمَّارة بالسوء؛ بالكفِّ عن شهواتها، ومَنْعِها من مَطالبها، وإقامة حُكْم الله عليها، فتعود أمَةً مأمورة غير آمِرة، ومطيعةً غير مُطاعة، وأيضًا كَسْر النَّفس باستشعار ذُلِّ الفقر والحاجة، والضَّعف والفاقة؛ فإنَّ الشِّبَع والرِّيَّ يحملان النَّفس على الأشَرِ والبطَر والغفلة، وكذلك استشعار نعمة الله في المَطْعَم والمشرب، وأيضًا تَخلِّي القلب للفكر والذِّكْر؛ فإن تناول الشهوات يجعل القلب قاسيًا، ويعميه، ويستدعي الغفلة، وخلوُّ البطن من الطعام والشراب يُنير القلب، ويزيل قسوته، ثم إنَّ الصيام يضيِّق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)).
ومن آداب الصيام:
1- الدُّعاء عند رؤية الهلال في صوم رمضان؛ فقد كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهِلَّه علينا باليُمْن والإيمان، والسَّلامة والإسلام، ربِّي وربُّك الله))؛ كما في "صحيح المُسنَد".
2- الاستعداد للصوم بتَبْيِيت النِّية؛ لأن النية تميِّز صيام العادة عن العبادة؛ فعن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من لم يُبيِّت الصِّيام قبل الفجر، فلا صيام له))؛ والحديث في "صحيح سنن النَّسائي"، وذلك في فرض الواجب في رمضان، أو في قضاءِ رمضان، أو في صيام نَذْر إذا لم يَنْوِه من الليل لم يُجْزِه.
وأما صيام التطوُّع، فمباح له أن ينوِيَه بعدما يصبح؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذات يوم: ((يا عائشة، هل عندكم شيء؟))، فقلت: يا رسول الله، ما عندنا شيء! قال: ((فإني صائم))؛ رواه مسلم.
3- الصوم هو غاية الأدب؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصوم جُنَّة، فإذا كان أحدكم يومًا صائمًا فلا يَرْفث ولا يجهل، فإنِ امرؤٌ شتَمه أو قاتله، فلْيَقل: إنِّي صائم))؛ والحديث في "صحيح مسند الإمام أحمد"، وقال جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -: "إذا صُمْت فلْيَصُم سمعك وبصَرُك ولسانك عن الكذب والمَحارم، ودَعْ أذى الخادم، ولْيَكن عليك وقارٌ وسَكِينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم صومك كيوم فِطْرك".
ومعنى الصِّيام لغة: السُّكون، وهو مَطْلب شرعي أيضًا؛ أن يحصل أثناء الصِّيام شيءٌ من السكون والهدوء والانكسار لله - تعالى - وكفِّ طغيان النفس.
4- تعجيل الفِطْر؛ ففي "صحيح البخاري" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْر))، فينبغي يا بْن الإسلام أن تُسْرع في الإفطار؛ فبمجرَّد قول المؤذِّن: "الله أكبر" تفطر مباشرةً، ولا تنتظر حتى يتشهَّد، كما يفعل البعض، بل أسرِعْ إلى الخيريَّة بتعجيلك للفطر؛ امتثالاً لأمر نبيِّك - صلَّى الله عليه وسلم.
5- أن يفطر على تمرات أو ماءٍ قبل أن يصلِّي المغرب؛ ففي "صحيح سنن أبي داود" عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُفْطِر على رُطبات قبل أن يصلِّي، فإن لم تكن رطبات فعلى تَمرات، فإن لم تكن حسا حسواتٍ من ماء".
6- الدُّعاء قبل الإفطار؛ فأوقات الإفطار وقبل الأذان بدقائق، لحظاتٌ ثمينة، ودقائق غالية، وهي من أفضل الأوقات للدُّعاء وسؤال الله - تعالى - وهي من أوقات الاستجابة، كما في الحديث الذي رواه البيهقيُّ وصحَّحه الألباني: ((ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصَّائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر))، وأيضًا: ((ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم...))، منهم: ((دعوة الصَّائم حين يفطر))؛ صححه الألباني، فهل لك - أخي يا بن الإسلام - إلى الله حاجة؟!
أبْشِر، مسموحٌ لك في ثلاثين حاجة، سبحان الله العظيم! كم يشتهي الإنسان أشياء تُقضى بدعوةٍ عند الإفطار؛ لأنَّ قبل الإفطار في آخر النَّهار يكون الإنسان في أحسن حالات استِشْعار الانكسار، وإظهار الافتقار، ومدِّ يد الضَّراعة، وبظهور الذُّل والحاجة يستجيب الله دعاء الصائم المسكين.
اغتنم الفرصة، واستعِدَّ قبل الغروب بتجهيز كشف المطالب والتبَرُّؤِ من العيوب، واجعل لي نصيبًا في دعائك أيُّها الحبيب المحبوب، ولا تنس أن تجعل من دعائك دعاءً للأمّة جميعًا أن يفرِّج الله عنها جميعَ الكروب.
فالعبد الصَّائم مقبِلٌ على الله، منكَسِرة نفْسُه، ولكن - للأسف - راقب هذه اللَّحظات، وستجد الغفلة العجيبة عند كثيرٍ من الناس، سبحان الله! هذه اللَّحظات الغالية أوقات الدُّعاء والاستجابة والتفرُّغ، يغفل عنها أهل التَّوحيد، وكلُّنا بحاجةٍ إلى الدُّعاء وسؤال الله - سبحانه - فاحرص على هذه اللَّحظات ولا تفرِّط، والموفَّق مَن وفَّقه الله - تعالى.
7- السُّحور؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمدُ وحسَّنه الألبانيُّ: ((السُّحور أَكْله برَكة، فلا تدَعوه، ولو أن يجرع أحَدُكم جرعةً من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلُّون على المتسحِّرين)).
فبالله عليك: هل مثل ذلك الفضل يضيِّعه عاقل؟! واعلم أنَّ لفظة: ((إنَّ الله وملائكته يصلون على المتسحرين)) صحَّحها الألبانيُّ في "السِّلسلة الصحيحة".
والبَركة هي الزيادة والنَّماء، وذلك بِنُزول الخير الإلهيِّ في الشيء، وثبوتِه فيه، وهي جِماعٌ لكلِّ خير، وطريق موصلة لكثرة النِّعم، فلا غرابة بعد ذلك أن نجدَّ في طلب هذه البركة في شهرٍ قال فيه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رمضان شهرٌ مبارك)) كما في "صحيح الجامع"، وفيه ليلة وصفَها ربُّنا بقوله - تعالى -: ï´؟ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ï´¾ [الدخان: 3]، بل وعمَّت فيه البرَكةُ كلَّ شيء لتشمل حتَّى الطعام.
قال الصنعانيُّ: "والبرَكة المشار إليها فيه: اتِّباع السُّنة، ومخالفة أهل الكِتاب؛ لحديث مسلمٍ مرفوعًا: ((فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكْلة السَّحَر)).
قلتُ: ومن البركة التي في السُّحور: صلاة الله وملائكتِه على المتسحِّرين، والسُّحور ما هو إلاَّ إعدادٌ للصِّيام، فما ظنكُّ بالصوم نفسه؟! ومن البركة فيه أنَّه يُعطي القوَّة على الصِّيام وغيره من الأعمال الصالحة أثناء النَّهار؛ فيجد المتسحِّرُ في نفسه نشاطًا يبعثه على أداء الفرائض والنوافل في هِمَّة وعَزْم، ومن البركة فيه إدراكُ وقت السَّحر؛ وهو وقت التنَزُّل الإلهيِّ والاستغفار المبارَك، ومن البركة فيه أنَّه أضمَنُ لترديد أذان الفَجْر مع المؤذِّن، وإدراك الصلاة في وقتها مع الجَماعة، مع ما في ذلك من فضلٍ، ومن البرَكة فيه أنَّ الصائم إذا تسحَّر لا يشقُّ عليه تكرار الصَّوم، بل يشتاق إليه، خلافًا لمن لم يتسحَّر؛ فإنَّه يجد مشقَّة تثقل عليه العودة للصِّيام، ومن البركة فيه أنَّه يكفي فيه القليل، ولو كان جرعة ماء؛ فقد صحَّح الألبانيُّ في "صحيح الجامع" قولَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تسحَّروا ولو بالماء))، وإن كان: ((نِعْم السَّحور التَّمر))، كما في "صحيح الجامع".
فإذا واظبنا على السُّحور استحقَقْنا صلاة الله - وهي الرَّحمة - وصلاة الملائكة - وهي الدُّعاء لنا بالرحمة - فكيف بعد ذلك لا نُرحَم؟! نسأل الله - تعالى - من فضله، واعلم أن السُّحور مندوب إجماعًا، وقد نقله ابن المُنذر فقال: "الإجماع على أن التسحُّر مندوب".
فاحرص - أخي يا بن الإسلام - على السُّحور في أيِّ وقت من الليل، ولكن المستحَبّ تأخيرُه؛ ففي "الصَّحيحين" أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يَزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْر))، قال الصنعانيُّ: زاد في روايةٍ لأحمد: ((وأخَّروا السُّحور)).
قلت: وهذه الزيادة من حديث أبي ذرٍّ، وإسناده ضعيف، ولكن يدلُّ على استحباب تأخير السُّحور ما رواه الطبرانيُّ وصححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع": ((ثلاثٌ من أخلاق النبوَّة: تعجيل الفِطْر، وتأخير السُّحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة))، وما ورد في "الصحيحين" عن أنسٍ، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنهما - قال: "تسحَّرنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسُّحور؟ قال: قَدْر خمسين آية".
ملاحظات، وتنبيهات:
ما يظنُّه كثيرٌ من الناس من الامتناع عن السُّحور إذا سمعوا ما عُرف بمدفع الإمساك، أو التواشيح في الإذاعات، لا أساس له من الصِّحة، والصحيح أنَّ وقت الإمساك هو وقت الفجر الصادق.
إذا شكَكْت في طلوع الفجر، فلك أن تأكل وتشرب حتى تتيقَّن؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ï´¾ [البقرة: 187]، قال رجلٌ لابن عباس - رضي الله عنهما -: إنِّي أتسحَّر، فإذا شككتُ أمسكت، فقال ابن عبَّاس: كُلْ ما شكَكْت، حتَّى لا تشكّ.
واعلم أنَّك إذا سمعت الأذان، وطعامُك وشرابك في يدك، فلك أن تأكل أو تشرب؛ وذلك لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا سمع أحَدُكم النِّداءَ والإناءُ على يده، فلا يضَعْه حتَّى يقضي حاجته منه))؛ والحديث رواه أبو داود والحاكم، وصحَّحه الألباني، ومن باب الأمانة أذكر لك - أخي الحبيب - أنَّه قد أخبرني أحد تلامذة الشيخ/ العدويِّ أن الشيخ - حفظه الله - قد ضعَّف هذا الحديث.
احرص على أن يصوم معك أهْلُ بيتك، وشجِّعهم على ذلك، واجتَمِعوا على الإفطار والسُّحور.
8- اغتنام وقت السَّحَر بالذِّكْر والدعاء وقراءة القرآن؛ فوقت السَّحر وقت النُّزول الإلهي، ولا شكَّ أنك ستستيقظ - إن شاء الله - لتحصيل أجر السُّحور، وامتثال أمر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكن أين أنت من ركعتين تركعهما في ظُلْمة اللَّيل، تناجي بهما ربَّك؟! فكثيرٌ من الناس عن هذا الوقت المبارك غافلون، وبعض الناس يتصوَّر أنه إذا صلى التراويح مع النَّاس، وأوتر في أول الليل، انتهت صلاة اللَّيل، واكتفى بذلك، وحَرم نفسه من هذه الأوقات الثمينة، والدقائق الغالية، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَنْزِل الله كلَّ ليلة إلى السماء الدُّنيا، فيقول: هل من سائلٍ فأُعْطِيَه؟ هل من مستغفر فأغفِرَ له؟ هل من تائب فأتوبَ عليه؟ حتى يطلع الفجر))؛ رواه مسلمٌ، والبخاريُّ بمعناه.
وطبعًا أنت أخي لا تعتقد في نزول الله - تعالى - إلا النُّزول الذي يليق بجلاله وعظَمتِه، والذي لا يُماثل نزول المخلوقين؛ لأنه - تعالى - ï´؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ï´¾ [الشورى: 11]، فكذلك ليس كصفَتِه صفةٌ، فأنت تعتقد أن الله يَنْزل إلى السماء الدُّنيا حين يبقى ثلث الليل الآخِر، نزولاً حقيقيًّا يليق بجلاله وعظمته، ولا يُماثل نزول المخلوقين.
فاللهَ اللهَ في استثمار السَّحَر؛ فإنه من صفات أهل الجنَّة التي ذكَرَها الله - تعالى - في قوله: ï´؟ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ï´¾ [آل عمران: 17]، ولا تَنْس في هذا الوقت أنَّ من السبعة الذين يظِلُّهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظلُّه: رجُلاً ((ذكَر الله خاليًا، ففاضت عيناه)) كما في الصَّحيحين، فاحرِصْ على الخشوع والبكاء من خشية الله في هذه السَّاعات المباركات؛ فإنَّ عينين لا تمسُّهما النار أبدًا؛ كما في الصحيح: ((عينٌ بكَتْ من خشية الله، وعين باتت تَحْرس في سبيل الله)).
ولا تنسَنِي - أخي الحبيب - ساعتَئذٍ من دعوةٍ صالحة؛ ليقول لك الملَك: آمين، ولك بمِثْل، وانتبه - يا بْن الإسلام - إلى أنَّ ذلك مشروع في رمضان وغيرِه.
9- ترك الإفراط في تناول الطعام أثناء الإفطار؛ فالصَّائم إذا شبع ضيَّع على نفسه الحِكْمة من الصوم؛ فالشِّبَع يورث القَسْوة، ويوفر الجفوة، ويثير النَّوم، ويَجْلب الكسل عن الطاعات، والصوم يعالِجُ ذلك، قال بعض السَّلَف: إذا امتلأَت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعَدَت الأعضاء عن العبادة.
10- كفُّ النَّفْس عما يتنافى مع حقيقة الصِّيام؛ من إطلاق الجوارح في المعاصي والذُّنوب؛ كالغِيبة والنَّميمة، والكذب، والفُحْش، وسوء الخلق، وغير ذلك؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح البخاري": ((من لم يدَعْ قول الزُّور والعمل به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامه وشرابه)).
11- دعوة الصَّائمين إلى طعام الإفطار - من الأرحام والجيران، واليتامى والمساكين - طلبًا للأجر من الله - تعالى - فقد قال - تعالى - في وصف الفائزين بالجنة: ï´؟ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ï´¾ [الإنسان: 8 - 12].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح سنن الترمذي": ((مَن فطَّر صائمًا كان له من الأجر مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم)).
12- أن لا يُجاهر المسلم المرخَّصُ له بالإفطار بإفطاره؛ كالمريض والمرأة الحائض والنُّفساء؛ احترامًا لشعور الصائمين، ولكي لا يشجِّع المستهترين من المفطرين بالمجاهرة في إفطارهم.
ومن الآداب أيضًا: الاجتهادُ في العبادة في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب طلب ليلة القَدْر، والاعتكاف، وكلُّها ستأتي معنا - إن شاء الله تعالى.
س: هل تحب أن تصوم رمضان مرَّتين في السَّنَة الواحدة؟!
ج: بالتأكيد، كلُّنا يتمنَّى ذلك، ولكن كيف؟!
والإجابة في حديث زيدِ بن خالدٍ الجهنيِّ الذي رواه الترمذيُّ - وصحَّحه الألباني - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا)).
فأبشر - أخي يا بن الإسلام - بهذا الفضل العظيم، واعلم أن هناك صورًا متعدِّدة يمكنك من خلالها الحصولُ على هذا الأجر العظيم من تفطير الصائمين، فمنها: تفطير الأقارب والجيران؛ إذْ بِحُسن النية تحصل على الصيام بعددِهم، وكذلك صلة الأرحام، وبِرُّ - وحُسْن - الجوار، ومنها: تفطير الإخوان والأصدقاء، ومنها: تفطير الفقراء، والصدقة عليهم بالإفطار، وكلها تحتاج إلى حُسْن النية، والله المستعان.
كيف تحصل لذَّة الصوم؟!
إنَّ هذا من أعجب الأسرار، وقليلاً ما تجد أحدًا تكلم فيها بما يَشْفي، والمقصود أيُّها السالك: إيقافك على أسرار العبادة، وجمال الخدمة، وشرف القيام بالأمر، فالعبادة اسمٌ جامع لكلِّ ما يحبُّه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، ومقتضى قيامك بأداء العبادة أن تجد ثمرتَها، وثمرة العبادة تكليفٌ شرعي؛ فمثلاً: يقول عن الصلاة: ï´؟ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ï´¾ [العنكبوت: 45]؛ أي: الصلاة الصحيحة الكاملة، ولكنَّه لم يتكلم عن لذة العبادة والمناجاة والخطاب، وحلاوة القيام بتلك الصلاة، وكذلك الصوم حين قال: ï´؟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183]، فالتَّقْوى أيضًا كالانتهاء عن الفحشاء والمنكر، كلاهما مأمور به.
وسِرُّ عدم التعرض للَذَّة العبادة، وجعلها مقصودًا وغاية مباشرة: أنَّ هذه اللذَّة والحلاوة هي مِن صميم مقام الإحسان: ((أن تَعْبُد الله كأنَّك تراه..))، ولو جُعلت مقصودًا وغاية، لعَجز جمهور المكلَّفين عن أن يحصِّلوا هذه اللذَّة؛ ليتأكدوا من حصول ثمرة العبادة، وليَئِس كثيرٌ من السالكين حيث يجتهدون وَلَمَّا يأتهم المدَد، فكان تكليفهم بالقريب الملموس، والسهل اليسير؛ لأنَّ علامات التقوى والانتهاء عن المنكر واضحة.
أمَّا باطن هذه الغايات وجوهرها، فهو الالْتِذاذ بالخِدْمة، والشُّعور بالنِّسبة - نسبة العبد لربِّه - كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد رجوعه من الطَّائف وأذية أهلها له وإهانتهم لشخصه، قال: ((إن لم يكن بك على غضبٌ فلا أبالي))، وهذا من أجمل الألفاظ النبويَّة الجامعة، الخارجةِ من مِشْكاة خليل ربِّ العالمين؛ ولذلك كان سيِّدُ الاستغفار سيدًا؛ لما فيه من الشُّعور بالنسبة، ولذَّة الخطاب: ((أنت ربِّي، خلقتَني وأنا عبدُك؛ فإنَّه لا يغفر الذُّنوب إلا أنت)).
وَمِمَّا زَادَنِي فَخْرًا وَتِيهًا https://www.alukah.net/spotlight/112...ah30/space.gif
وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا https://www.alukah.net/spotlight/112...ah30/space.gif

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي https://www.alukah.net/spotlight/112...ah30/space.gif
وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا https://www.alukah.net/spotlight/112...ah30/space.gif

وكذلك الصوم؛ تتحصَّل اللذة فيه من الشُّعور بالنسبة والالتذاذ بالخِدْمة، قال - تعالى -: ((الصَّوم لي وأنا أجزي به))، هذه هي النِّسبة، وقال: ((ترَك طعامه وشهوته من أجلي))، وهذه هي حقيقة الالتذاذ بالخدمة.
ولذلك كان يُبْسُ الشِّفاه من العطَش، وقَرْقرة البُطون من الجوع أهنأَ ما لاقاه الصَّائمون، وأمْرَأ ما ظفر به أولئك الجياع العَطْشى، فبينما هو يتألَّم - وقد تلوَّى من جوع البطن - يتوارَدُ على فؤادِه خاطرةُ أنَّ هذا الألم يصبر عليه تعظيمًا لحقِّ الله، ومهابةً لنظره واطِّلاعه، فيرضى عن حاله، ويشبع من رضا الله عنه، ولا يطمع في أيَّة نعمة تَحُول بينه وبين هذا الألم، لكنَّه سرعان ما يُطَأطئ منكسِرًا وجِلاً خائفًا؛ لئلاَّ يقبل الله منه، فيتَضافر ألَمُ البطون مع ألم القلوب، ويتعاظم هذا الألَمُ حتى تتداركه عنايةُ الله وإمداداته، فيفيض عليه من جميل لطفه وإنعامه، فيسكن هذان الألَمان المُتضافران، وينقلبان حلاوةً غامرة، ولذَّة عامرة، بل وشوقًا للقاء الله حتى تتمَّ فرحته التي أخبر عنها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وفرحةٌ عند لقاء ربِّه)).
وإذا تأمَّلت هذه المعاني أدركتَ سرَّ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه ابن ماجه - وفي صحيح الجامع -: ((رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلاَّ الجوعُ والعطش)).
ورُبَّما ضربتَ كفًّا على كف من اجتماع هذه المُتناقضات؛ ألَم ولذَّة، وجوع وشِبَع، وعطش ورِيّ! ولا يمنعك هذا العَجبُ من ولوج هذا الطَّريق، والسَّير فيه، فمن سلكه رأى من آيات ربِّه الكبرى!
فأحسِن القصد، وولِّد العزم، وتسلَّح بالهمَّة، وابدأ السير، وجدَّ في التّرحال، واطلب الراحة في العناء، وارض عن نفسك إذا كان مَسْعاها في المعالي، ولا تركن إلى غَبْنِ أهل الدُّنيا، ومَنِّ نفسك بالفوز الرَّبيح، وادَّخر الثمن الغالي لسلعة الله: ((ألاَ إن سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة)).
وأخيرًا: بيان لبعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي اشتهرَتْ على ألسنة الناس:
1- صوموا تصحُّوا، "ضعيف".
2- كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فِراشَه، واعتزل النساء، وجعل عشاءه سحورًا، "ضعيف".
3- أوَّل شهر رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عِتْق من النار، "منكر".
4- رجَب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، "موضوع".
5- حديث صلاة الرَّغائب، "موضوع".
6- لو يَعْلم العباد ما في رمضان، لتمنَّت أمتي أن يكون السنة كلها، "موضوع".
7- ما من أيام أحبَّ إلى الله أن يُتعبَّد له فيها من عشر ذي الحجة؛ يعدل صيامُ كلِّ يوم منها صيامَ سنَة، وقيامُ كلِّ ليلة منها بقيام ليلة القَدْر، "ضعيف".
8- من صلى في آخر جمعة من رمضان والخميس الصلوات المفروضةَ في اليوم والليلة، قُضِيت عنه ما أخلَّ به من صلاة سنته، "موضوع".
9- مَن أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يَمُت قلبه يوم تموت القلوب، "موضوع".
10- شهر رمضان معلَّق بين السماء والأرض، لا يُرفع إلى الله إلا بِزَكاة الفطر، "ضعيف".
11- أغنُوهم - يعني المساكين - عن الطَّواف في هذا اليوم، "ضعيف".
12- أُعطِيَت أمتي في رمضان خمسًا لم يعطهنَّ نبي قبلي: أمَّا واحدة فإذا كان أول ليلة نظر الله - عزَّ وجلَّ - إليهم، ومن نظر الله - عزَّ وجلَّ - إليه لم يعذِّبه أبدًا، وأما الثانية: فإنَّ خلوف أفواههم حين يُمْسون أطيب عند الله - عزَّ وجلَّ - من ريح المسك، وأما الثالثة: فإنَّ الملائكة تستغفر لهم في كلِّ يوم وليلة، وأما الرابعة: فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يأمر جنته، فيقول: تزيَّنِي، واستعِدِّي لعبادي، وأما الخامسة: فإذا كان آخر ليلةٍ غفر لهم.
13- حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: خطَبنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - آخِرَ يوم من شعبان، فقال: "يا أيُّها الناس؛ قد أظلَّكم شهرٌ عظيم، جعل الله صيامه فريضة وقيامه تطوُّعًا، من تطوَّع فيه بخصلةٍ من الخير كان كمن أدَّى فريضة فيما سواه، ومن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه؛ الحديث، "منكر".




ابوالوليد المسلم 16-05-2020 01:18 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif



الوسيلة الثانية: القرآن: قال بعضهم: كلُّ ما شغلك عن القرآن فهو شُؤْم عليك، واليوم ترى كثيرًا من المسلمين قد هجروا كتاب الله - تعالى - حتَّى إن بعضهم ليقول: والله ما قرأتُ في كتاب الله منذ أكثر من خمس سنوات - ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم - وآخر يقول: لم أُمْسك المصحف إلاَّ في رمضان.ولأنَّ شهر رمضان - أخي - هو شهر نزول القرآن، فسأقف عند القرآن وقفةً قد تطول شيئًا ما، قال الله - تعالى -: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان: 30 - 31].فيا ليتنا نعرف قدْرَ كلام الله - تعالى - قال - سبحانه -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: 29]، وفي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))، وقال أيضًا كما روى ابن حبَّان والبيهقيُّ والطبراني وصححَّه الألباني: ((القرآن شافع مشفَّع، وماحِلٌ مصدّق، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار))، وقال كما عند الطبرانيِّ في "الأوسط"، وحسنه الألباني: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتَقِ ورتِّل، كما كنت ترتِّلُ في الدنيا؛ فإنَّ مَنْزلتك عند آخر آية تقرؤها)).اعْلَم - أخي يا بن الإسلام - أنَّ القرآن العظيم - كلام الله - من أكبر عوامل التَّثبيت؛ لأنَّه يزرع الإيمان، ويزكِّي النفس بالصِّلة بالله، ولأن آياته تَنْزل بردًا وسلامًا على قلب المؤمن، فلا تعصف به رياح الفتنة، بل يَطْمئن قلبه بذكر الله - تعالى - ولأنه يزوِّد المسلم بالتصوُّرات والقِيَم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يقوِّم الأوضاع من حوله، وكذا الموازين التي تهيِّئ له الحُكْم على الأمور، فلا يضطرب حكمه، ولا تتناقض أقواله باختلاف الأحداث والأشخاص، ولأنه - كذلك - يردُّ على الشُّبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين والذيول.ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الَّذين ربطوا حياتهم بالقرآن، وأقبلوا عليه تلاوةً وحِفظًا، وتفسيرًا وتدبُّرًا، منه ينطلقون، وإليه يفيئون، وبين من جعلوا كلام البشر جلَّ هَمِّهم وشغلهم الشاغل.قال - تعالى -: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 51 - 52].جاهِدْهم بماذا؟! بالقرآن، كأنَّ الله - تعالى - يشير في هذه الآية إلى أنَّ هذا القرآن بديلٌ من إرسال الرسل؛ فقد كفل الله به مهمَّة جميع الرسل؛ بأن يصنع القرآنُ رجالاً كالرسل.يقول ربِّي - وأحقُّ القولِ قولُ ربِّي -: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [العنكبوت: 50]، فقال - تعالى -: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت: 51]، فهم يَطْلبون آية، فعرَّفهم أعظم آية؛ وهي القرآن.وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((ما من نبيٍّ قبلي إلاَّ وأوتي ما على مِثْله آمنَ البشَر، وكان الذي أوتيتُه كتابًا يتلى، وأرجو أن أكون أكثرَهم تابعًا يوم القيامة)).هذه هي القضيَّة، قضية كلِّية؛ أنَّ ديننا كلَّه مردُّه إلى القرآن والسُّنة، القرآن هو الأصل، والسُّنة متمِّمة ومكمِّلة ومفسِّرة؛ ولذلك لا بدَّ أن تتذكَّر دومًا: "كل ما شغلك عن القرآن فهو شُؤْم عليك".بعض الناس طيلة الوقت يستمع إلى الأشرطة والأسطوانات، ويَحْضر للمشايخ، ويقرأ في كتب العلم، وهو هاجرٌ للقرآن، كلُّ هذا لن ينفعك، أخي، القرآنُ هو الذي يَصْنعك، القرآن يربِّيك، القرآن ينفعك، فعليك بالقرآن حفظًا وتلاوة، وتدبُّرًا وتفسيرًا ومذاكرة، تَفْهم معنى كلمة مذاكرة؟!القرآن فيه علم العقيدة والفقه، والسِّيرة والتفسير، والتاريخ، واللُّغة، والبلاغة، والرَّقائق... كل شيء، القرآن كلام الله، كتابٌ مبارَك، يربِّيك على العلم والعمل والدَّعوة، القرآن هو طريقك لأن تكون رجلاً!نعم، القرآن هو الذي يصنع الرِّجال، وسيظل يصنعهم إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، القرآن يفرخ الأبطال في حظيرة العبوديَّة.وأهل القرآن هم أهل الله وخاصَّتُه، فهل أنت من أهل الله وخاصته؟! هل أنت من أهل القرآن؟! هل وهَبْتَ كلَّ حياتك للقرآن؟! وهل وضعته على قمَّة أولوياتك؟! هل فكَّرت مرة أن تُذاكره كما تذاكر الكتاب الدراسيَّ بجدٍّ واجتهاد؟!أخي يا بن الإسلام، إذا كنت بعيدًا عن القرآن، فاعلم أنَّك محروم كلَّ الحرمان، ولو ذُقْت لَما ابتعدت، تعالَ إلى الله، واعكف على القرآن لتُصنع، وإلاَّ فما أبعد الدَّواء عن تلك الأدواء.قال - تعالى -: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد: 31]، كان المشركون يَطْلبون من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - آياتٍ حسِّية: تسيير الجبال، أو تقطيع الأرض، أو تَكْليم الموتى؛ فأنزل الله هذا القرآن، وكأنَّ الآيات تُشير إلى أنَّ هذا القرآن ليس من شأنه ذلك، بل أعظم من ذلك، وهو صياغة النُّفوس، وصناعة القلوب، وإيجاد الإنسان الذي يرضاه الله له عبدًا.لقد تربَّى الصحابة - رضي الله عنهم - أفضلُ جيلٍ عرَفَه التاريخ، على يدِ أعظم مُربٍّ عرفَتْه البشريَّة، تربَّوْا بالقرآن، فكان منهم ما تسمع وتقرأ، إيمان وثبات تزول دونه الجِبال، ولَيْتك - أخي - تقرأ مقدِّمة "في ظلال القرآن"، وتأمَّل ماذا يقول مَن ذاق نعمة القرآن، فرَبَّاه القرآنُ، وسرى بألفاظه ومعانيه في دمِه.ولذلك أنصحك - أخي يا بن الإسلام - أن تُربِّيَ أولادك على القرآن، دَعْهم للقرآن يربِّيهم، رَبِّهِمْ وتربَّ معهم على مائدة القرآن، فالقرآنَ القرآنَ، القرآنُ أصلٌ، ومن سلك طريق القرآن فقد بلغ مرادَ الله منه.قال - تعالى -: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، قال العُلماء: حَبْل الله: القرآن، فاجعل القرآن معك، وكن مع القرآن، لا تنسَه أبدًا؛ فإنَّه القائد والحادي والسَّائق إلى الله.مطلوبٌ منَّا أن نسلم زماننا للقرآن، أن يربِّينا القرآن، وأن يصنَعنا الله بالقرآن، وأن يقودنا القرآنُ، وأن يَحْكم القرآنُ حياتَنا؛ لنكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصَّته، فاللَّهم وفِّقنا إلى ما فيه رضاك عنَّا، واجعلنا وأهلينا وذرِّياتنا من أهل القرآن الَّذين هم أهلك وخاصتك.قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصَّحيحين": ((إنَّ الأمانة نزلَت في جذر قلوب الرِّجال، ثم نزل القرآن، فعَلِموا من القرآن، وعلموا من السُّنة)).وتلاوة القرآن من أفضل القربات، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلمٌ: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ وقال ابن مسعود: إنَّ الله أنزل هذا القرآنَ لِيُعمل به، فاتَّخذوا تلاوته عملاً.ولذلك اجتهِد في تلاوة القرآن ليلك ونهارك، فشهر رمضان هو شهر القرآن، قال ابن رجب: كان السَّلف يَتْلُون القرآن في شهر رمضان في الصَّلاة وغيرها.كان الأسودُ يختم القرآن في رمضان كلَّ ليلتين، وكان يختم في غير رمضان في كل ستِّ ليالٍ، وكان قتادةُ يختم في كلِّ سبع ليالٍ مرَّة، فإذا جاء رمضان ختم في كلِّ ثلاث ليالٍ مرة، فإذا جاء العشر الأواخر ختم في كلِّ ليلة مرة.قال النوويُّ: روى ابن أبي داود بإسناده الصَّحيح، أن مجاهدًا كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء، وكانوا يؤخِّرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع اللَّيل.وقال ابنُ الحكم: كان الإمام مالكٌ إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث، ومُجالسةِ أهل العلم، وكان سفيان الثوريُّ إذا دخل رمضانُ ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن، وكانت أمُّنا عائشة - رضي الله عنها - تقرأ في المصحف أوَّل النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامَتْ.وقال أبو الحسن بن عليٍّ صاحب الجُنَيد: صحبت أبا العبَّاس بن عطاء عدَّة سنين متأدِّبًا بآدابه، وكان له في كل يوم ختمة، وفي كلِّ شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات.فأين نحن - إخواني - مِن هؤلاء؟
فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ http://tzswadl.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرَامِ فَلاَحُ http://tzswadl.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ليستحوِذَ القرآنُ على غالب وقتك بالنَّهار قراءةً وتدبُّرًا وترتيلاً، وبالليل قيامًا ومُناجاة، ولتحرص على الختمة دائمًا، فلا تترك المصحف أبدًا، وأما إذا كنت في عملك فالْزَم الذِّكر، ولا تَفْتُر مطلقًا، فإذا فرغت فاهرع إلى كلام ربِّك - جلَّ وعلا.قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه البيهقيُّ وحسَّنه الألباني: ((من سرَّه أن يحبَّ الله ورسوله، فلْيَقرأ في المصحف))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد والطبرانيُّ وصححه الألباني: ((الصِّيام والقرآن يَشْفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أيْ ربِّ، منعتُه الطعام والشهوة؛ فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النوم بالليل؛ فشفِّعني فيه، فيشفعان)).فأكثِر من تلاوة القرآن قدْرَ ما تستطيع.وأمَّا النهي عن القراءة في أقلَّ مِن ثلاث، فقد قال ابن رجب: إنَّها على المداومة على ذلك، فأمَّا في الأوقات المفضَّلة كشهر رمضان - وخصوصًا الليالي التي يُطْلَب فيها ليلة القدر - والأقاليم المفضَّلة - كمكَّة لِمن دخلَها من غير أهلِها - فيُستحَبُّ الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتنامًا لفضيلة الزَّمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرِهما من الأئمَّة، ويدلُّ عليه عملُ غيرهم.قلت: في "الصحيحين" وسنن أبي داود وابن ماجه و"مسند أحمد" قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعبدالله بن عمرٍو لما بلَغَه أنه يقرأ القرآن كلَّ ليلة، قال: ((بلَغني أنك تقرأ القرآنَ كل ليلةٍ، فلا تفعل، اقرأ القرآن في كلِّ شهر))، قال: إنِّي أطيق أفضلَ من ذلك، قال: ((اقرأه في كلِّ عشرين))، قال: إنِّي أطيق أفضل من ذلك، قال: ((اقرَأْه في كلِّ عشر))، قال: إنِّي أُطِيق أفضل من ذلك، قال: ((اقرأه في كلِّ سَبْع))، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((لا أفضل من ذلك))، وفي روايةٍ: ((اقرأه في ثلاث))، وفي حديث آخَر، رواه الترمذيُّ وابن ماجه وأحمد، وصححَّه الألباني: ((لم يَفْقه مَن قرأ القرآن في أقلَّ مِن ثلاث)).فلْنَجعل الحد الأدنى من ذلك أَمْر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعبدالله بن عمرو بن العاص: ((اقرأ القرآن في كلِّ شهر))، لو واظَبْت على ذلك لكان من أعظم الأجر، وإنَّ المرء ليمرُّ بالآية ويتدبَّرُها، ويقول في نفسه: أظلُّ أمكث شهرًا كاملاً، حتَّى أقرأ هذه الآية ثانية؟!والذي يقرؤه كلَّ يوم، فهذا خلاف الأَوْلى، أما أن يجعله أفضل مِمَّا شرعه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهذا مما لا ينبغي أن يقول به أحدٌ، والظاهر - والله أعلم - أنَّ عبدالله بن عمرو كان يقرؤه في صلاة القيام، وظلَّ مواظِبًا على ذلك إلى أن لقي الله، وكان يراجع حزبه بالنَّهار ليسهل عليه باللَّيل، بل نقل الإمام النوويُّ أن عامَّة الصحابة كانوا يختمون القرآن كلَّ أسبوع في صلاة القيام، لا في رمضان فقط، وأمَّا ما نُسِب لبعض الأئمة من قراءة القرآن في اليوم مرَّتين أو ثلاثًا، فهذا لم يثبت، وإن ثبت فهو خلاف السُّنة؛ فلذلك لا يُشرع، ولو كان ذلك في شهر رمضان.وأقلُّ وقتٍ أَذِن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن تُختَم فيه قراءة القرآن هو ثلاثة أيام، فما ورَد عن غيره - صلَّى الله عليه وسلَّم - من ذلك فهي أحوالٌ مفضولة، لا فاضلة، والله أعلى وأعلم.وإذا كان الأمر كذلك، فهاك منهجَك - أخي يا بن الإسلام - في التِّلاوة: 1 - التلاوة أهمُّ من الحفظ، والجمع بينهما هو المتحتِّم لمن يريد أن يتربَّى.2 - خَتْم المصحف كلَّ جمعة هو غالِب هدْيِ السَّلف - رضوان الله عليهم أجمعين - وذلك بأن تتعوَّد أن تقرأ جزءًا من القرآن كلَّ صلاة فريضة، إمَّا قبلها، وإما بعدها، أو يتم قِسْمته ما بين الصلاتين؛ تبدأ من عصر الجمعة، وتنتهي عصر الخميس، ولليلة الجمعة وظائفُها.إن لَم تستطع فعلى الأقلِّ جزأين كلَّ يوم؛ في الصباح جزءًا، وفي المساء مثله، أدنى الأحوال أن تقرأ كلَّ يوم جزءًا، فلك في كلِّ شهر ختمة، وهذا فِعْلُ ضعيفِ الهمَّة، فلا تَدُم عليه، وإنَّما زِدْ وِرْدَك بالتدرُّج؛ لتختم كل أسبوع.3 - عند التِّلاوة اجتهد في التدبُّر؛ فإنَّ رمضان يمرُّ علينا تِلْو رمضان، وربما ختَمْنا القرآن كثيرًا، وربَّما كان هَمُّ أحدنا متى يصل إلى نهاية السُّورة، ومتى يصل إلى نهاية القرآن، ولا شكَّ أن في ذلك أجرًا عظيمًا؛ فقد كان سلَفُنا الصالح يُكثرون من ختمه في شهر رمضان - كما ذكَرْت طَرَفًا من فِعْل بعضهم - ولكن لماذا لا تضع خُطَّة خلال هذا الشهر كي تقرأ القرآن بتدبُّر، وتقف مع آياته بالرجوع إلى كتب التفسير، وتقييد الفوائد منها؟!كان شيخُ الإسلام يقول: "رُبَّما طالعت على الآيةِ الواحدة مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم، وأقول: يا معلِّم آدم علِّمني"؛ ولذلك فعند التلاوة اجتهد في التدبُّر، وذلك يحصل بما يلي:أ - حضور القلب عند التِّلاوة، وتفريغه من الشواغل بقدر الإمكان؛ حتى تستولي آياتُ الله - تعالى - على الفكر، وتشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكانَ الخواطر من قلبه، وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزَعُه وملجؤه، تمكَّن حينئذٍ من قلبه، وجلسَ على كرسيِّه، وصار له التصرُّف، وصار هو الأميرَ المُطاعَ أمْرُه، فحينئذٍ يستقيم له سَيْرُه، ويتَّضِح له الطريق، وتراه ساكنًا وهو يباري الرِّيح.ب - استشعار أنَّ القرآن كلام الله العظيم، فاخشَعْ.ج - اجمع أهلك على التِّلاوة معك - حتَّى ولو في بعض ما تَتْلو - وتَدارَسْ معهم القرآن.د - الأمر يحتاج إلى صبرٍ، فليس أوَّل مرَّة يحصل لك الخشوع، فلا تعجَلْ، واصبِرْ ولا تَجْزع.هـ - مصحف يشتمل على معاني الكلمات على الأقل، فتنظر فيما تريد فَهْمَه.مثالٌ إمام لتدبُّر كلام العلاَّم:فإن قلتَ: إنَّك قد أشرت إلى مقامٍ عظيم، فافتَحْ لي بابه، واكشف لي حجابَه، وكيف تدبُّرُ القرآن وتَفهُّمُه، والإشرافُ على عجائبِه وكنوزه؟ وهذه تفاسيرُ الأئمَّة بأيدينا، فهل في البيان غير ما ذكروه؟!
قلت: سأضرب لك مثالاً تحتذي به، وتجعله إمامًا لك في هذا المقصد؛ قال الله - تعالى -: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ [الذاريات: 24 - 30].فعهدي بك إذا قرأت هذه الآيات، وتطلَّعْتَ إلى معناها وتدبَّرتَها، فإنَّما تطَّلِع منها على أنَّ الملائكة أتَوْا إبراهيم في صورة الأضياف؛ يأكلون ويشربون، وبشَّروه بغلامٍ عليم، وأنَّ امرأته عجِبَت من ذلك، فأخبَرَتْها الملائكة أنَّ الله - تعالى - قال ذلك، ولم يتجاوَزْ تدبُّرك هذا الحد.فاسمع الآن بعضَ ما في هذه الآيات من أنواع الأسرار، وكم قد تضمَّنَت من الثَّناء على إبراهيم - عليه السَّلام - وكيف جمعَت الضِّيافة وحقوقها، وما تضمَّنت من الردِّ على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطِّلة، وكيف تضمَّنَت عَلَمًا عظيمًا من أعلام النُّبوة، وكيف تضمَّنَت جميع صفات الكمال التي مرَدُّها إلى العلم والحكمة، وكيف أشارت إلى دليل إمكان المعاد بألطفِ إشارةٍ وأوضَحِها، ثم أفصحَتْ بوقوعه، وكيف تضمَّنت الإخبار عن عدل الربِّ وانتقامه من الأُمَم المكذِّبة، وتضمَّنَت ذِكْرَ الإسلام والإيمان، والفرْقَ بينهما، وتضمنت بقاء آيات الربِّ الدالَّة على توحيده وصدق رسله، وعلى اليوم الآخر، وتضمَّنت أنه لا ينتفع بهذا كلِّه إلا من في قلبه خوف من عذاب الآخرة - وهم المؤمنون بها - وأمَّا من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها، فلا ينتفع بتلك الآيات.فاسمع الآن بعضَ تفاصيل هذه الجملة؛ قال - تعالى -: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: 24]، افتتَح - سبحانه - القصة بصيغة موضوعةٍ للاستفهام، وليس المرادُ بها حقيقةَ الاستفهام، ولهذا قال بعضُ الناس: إنَّ "هل" في مثل هذا الموضع بمعنى "قد" التي تقتضي التحقيق، ولكن في ورود الكلام في مثل هذا الاستفهام سرٌّ لطيف، ومعنًى بديع؛ فإنَّ المتكلِّم إذا أراد أن يُخْبِر المخاطَب بأمرٍ عجيب ينبغي الاعتناء به، وإحضارُ الذِّهن له، صدَّر له الكلام بأداة استفهامٍ لتنبيه سمعه وذهنه للمخبَر به، فتارةً يُصدِّره بـ: "ألاَ"، وتارة يصدره بـ: "هل"، فتقول: هل علمت ما كان من كيتَ وكيت؟! إمَّا مذكِّرًا به، وإما واعظًا له مخوِّفًا، وإما منبِّهًا على عظمة ما تُخْبِر به، وإما مقرِّرًا له؛ فقوله - تعالى -: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ [طه: 9]، ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: 21]، ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية: 1]، ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: 24]: متضمِّنٌ لتعظيم هذه القصص، والتنبيه على تدبُّرِها، ومعرفة ما تضمَّنته.وفيه أمرٌ آخَر: وهو التنبيه على أنَّ إتيان هذا إليك عَلم من أعلام النبوَّة؛ فإنه من الغيب الذي لا تَعْلمه أنت ولا قومُك، فهل أتاك من غير إعلامِنا وإرسالنا وتعريفنا؟! أم لَم يأتك إلاَّ مِن قِبَلِنا؟! فانظر ظهورَ هذا الكلام بصيغة الاستفهام، وتأمَّل عِظَم موقعه من جميع موارده؛ يشهد أنَّه من الفصاحة في ذروتها العالية.وقوله - تعالى -: ﴿ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: 24] متضمِّن لثنائه - عزَّ وجلَّ - على خليله إبراهيم؛ فإنَّ في: ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ قولين؛ أحدهما: إكرام إبراهيم لهم، ففيه مدحُ إبراهيم بإكرام الضَّيف، والثاني: أنَّهم مُكْرَمون عند الله، كقوله: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: 26]، وهو متضمِّنٌ أيضًا لتعظيم إبراهيم ومَدْحِه؛ إذْ جعل الله ملائكتَه المكرمين أضيافًا له، فعلى كلا التقديرين فيه مدحٌ لإبراهيم - عليه السَّلام.وقوله: ﴿فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ [الذاريات: 25] متضمِّن لمدحٍ آخر لإبراهيم؛ حيث ردَّ - عليهم السَّلام - أحسنَ مما حيَّوه به؛ فإنَّ تحيتهم باسمٍ منصوب متضمِّن لجملة فعليَّة تقديره: سلَّمنا عليك سلامًا، وتحية إبراهيم لهم باسمٍ مرفوع، متضمِّن لجملة اسميَّة، تقديرها: سلامٌ دائم، أو ثابت، أو مستقرٌّ عليكم، ولا ريب أنَّ الجملة الاسمية تقتضي الثُّبوت واللزوم، والفعليَّة تقتضي التجدُّدَ والحدوث، فكانت تحيَّة إبراهيم أكمل وأحسن.ثم قال: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ[الذاريات: 25]، وفي هذا من حُسْنِ مُخاطبة الضَّيف، والتذمُّمِ منه وجهان من المَدْح:أحدهما: أنَّه حذَف المبتدأ، والتَّقدير: أنتم قومٌ مُنكَرون، فتذمَّم منهم، ولَم يُواجِهْهُم بهذا الخطاب؛ لما فيه من الاستيحاش، وكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يواجه أحدًا بما يكرهه، بل يقول: ((ما بال أقوامٍ يقولون كذا، ويفعلون كذا)).والثَّاني: قوله: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ حذف فاعِلَ الإنكار، وهو الذي كان أنكرَهم كما في موضعٍ آخَر: ﴿نَكِرَهُمْ﴾ [هود: 70]، ولا ريبَ أنَّ قوله: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ ألطَفُ من أن يقول: أنكَرْتُكم.وقوله: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الذاريات: 26 - 27] متضمِّن وجوهًا من المدح وآدابِ الضِّيافة وإكرام الضيف؛ منها قوله: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ﴾، والرَّوغان الذَّهاب بسرعةٍ واختفاء، وهو يتضمَّن المبادرةَ إلى إكرام الضيف، والاختفاء يتضمَّن ترك تخجيله، وألاَّ يعرِّضه للحياء، وهذا بخلاف مَن يتَثاقل ويتبادر على ضيفه، ثم يبرز بمرأًى منه، ثم يبدأ يخرج أمواله، ويحسبها، ويفعل كذا وكذا مما يتضمَّن تخجيل الضيف وحياءه، لكن لفظة: ﴿فَرَاغَ﴾ تنفي هذين الأمرين، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ الفاء تفيد السُّرعة.وفي قوله: ﴿إِلَى أَهْلِهِ﴾ مدْحٌ آخَر؛ لما فيه من الإشعار أنَّ كرامةَ الضيف مُعدَّة حاصلة عند أهله، وأنَّه لا يحتاج أن يستقرض من جيرانه، ولا يذهب إلى غير أهله؛ إذْ قِرَى الضيف حاصلٌ عندهم.وقوله: ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍيتضمَّن ثلاثة أنواع من المدح:أحدها: خدمة ضيفِه بنفسه؛ فإنه لم يُرسل به، وإنما جاء به بنفسه.والثاني: أنه جاءهم بحيوان تامٍّ، لم يأتهم ببعضه؛ ليتخيَّروا من أطيب لحمه ما شاؤوا.والثالث: أنه حيوان سمين ليس بِمَهزول، وهذا من نفائس الأموال؛ ولد البقَر السَّمين؛ فإنهم يعجبون به، فمن كرَمِه - عليه السَّلام - هان عليه ذبْحُه وإحضاره.وقوله: ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾ [الذاريات: 27] متضمِّنٌ المدحَ وآدابًا أخرى، وهو إحضار الطعام إلى بين يدي الضيف، بخلاف من يهيِّئ الطعام في موضع، ثم يقيم ضيفه، فيورده عليه.وقوله: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الذاريات: 27] فيه مدحٌ وأدَب آخر؛ فإنه عرَض عليهم الأكل بقوله: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾، وهذه صيغة عَرْض مُؤْذِنة بالتلطُّف، بخلاف من يقول: ضَعُوا أيديكم في الطَّعام، كلوا، تقدَّموا... ونحو ذلك!وقوله: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [الذاريات: 28]؛ لأنَّه لَمَّا رآهم لا يأكلون من طعامه أضمَر منهم؛ خوفًا أن يكون معهم شر؛ فإنَّ الضيف إذا أكل من طعام ربِّ المَنْزل اطمأنَّ إليه، وأنس به، فلما علموا منه ذلك: ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات: 28]، وهذا الغلام إسحاقُ لا إسماعيل؛ لأنَّ امرأته عجبت من ذلك، فقالت: ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات: 29] لا يُولد لمثلي، فأنَّى لي بالولد؟! وأما إسماعيل فإنه مِن هاجر، وكان بِكْرَه وأوَّلَ ولد، وقد بيَّن الله - تعالى - في سورة هود في قوله: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: 71] في هذه القصَّة نفسها.وقوله: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ [الذاريات: 29] فيه بيانُ ضعف عقل المرأة، وعدَم ثباتها؛ إذْ بادرَتْ إلى الندبة، فصكَّت وجهها عند هذا الإخبار.وقوله: ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات: 29] فيه حُسْن أدب المرأة عند خِطاب الرِّجال، واقتصارها من الكلام على ما يتأدَّى به الحاجة؛ فإنَّها حذفَت المبتدأ، ولم تَقُل: أنا عجوز عقيم، واقتصرت على ذِكْر السبب الدالِّ على عدم الولادة، ولم تَذْكُر غيره، وأما في سورة هود فذكرَت السبب المانع منها ومن إبراهيم، وصرَّحَت بالتعجُّب.وقوله: ﴿قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾ [الذاريات: 30] متضمِّنٌ لإثبات صفة القول لله - تعالى - وقوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ [الذاريات: 30] متضمِّن لإثبات صفة الحكمة وصفة العلم، اللَّذين هما مَصْدر الخلق والأمر؛ فجميع خَلْقِه - سبحانه - صادرٌ عن علمه وحكمته، وكذلك أمره وشرعه مصدرُه عن عِلمه وحكمته، والعلم والحكمة متضمِّنان لجميع صفات الكمال؛ فالعلم يستلزم الحياة، ولوازم كمالها من القيوميَّة، والقدرة، والبقاء، والسمع والبصر، وسائر الصِّفات التي يستلزمها العلم التامُّ، والحكمة تتضمَّن كمال الإرادة والعدل، والرحمة والإحسان، والجود والبِرِّ، ووَضْع الأشياء في مواضعها على أحسن وُجوهها، ويتضمَّن إرسال الرُّسل، وإثبات الثَّواب والعقاب، كلُّ هذا يُعلم من اسمه الحكيم كما هي طريقة القرآن في الاستدلال على هذه المطالب العظيمة بصفة الحِكْمة، والإنكار على من يَزعم أنَّه خلَق الخلق عبثًا وسُدًى وباطلاً، فنفس حكمته تتضمَّن الشَّرع والقدر، والثَّواب والعقاب، ولهذا كان أصح القولين أنَّ المعاد يُعلم بالعقل، وأن السمع وردَ بتفصيل ما يدلُّ العقل على إثباته.
يتبع

ابوالوليد المسلم 16-05-2020 01:19 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
ومَن تأمَّل طريقة القرآن، وجدَها دالَّة على ذلك، وأنَّه - سبحانه - يضرب لهم الأمثال المعقولة التي تدلُّ على إمكان المعاد تارة، ووقوعه أخرى، فيذكر أدلَّة القدرة الدالَّة على إمكان المعاد، وأدلَّة الحِكْمة المستلزمة لوقوعه، ومن تأمَّل أدلة المعاد في القرآن وجدها مُغْنِية - بِحَمد الله - عن غيرها، كافية شافية موصِّلة إلى المطلوب بسرعة، متضمِّنة للجواب عن الشُّبه العارضة لكثيرٍ من الناس بما يَثْلَج له الصَّدر، ويكثر معه اليقين، بخلاف غيره من الأدلَّة؛ فإنَّها على العكس من ذلك، وليس هذا موضعَ التفصيل.والمقصود: أنَّ مصدر الأشياء خلقًا وأمرًا عن علم الربِّ وحكمته، واختصَّت هذه القصة بذِكْر هذين الاسمين؛ لاقتضائهما لهما؛ لتعجُّب النفوس من ولادة مولودٍ بين أبوين لا يولد لمِثلهما عادةً، وخفاء العلم بسبب هذا الإيلاد، وكون الحكمة اقتضَتْ جريان هذه الولادة على غير العادة المعروفة، فذَكَر في الآية اسم العِلْم والحكمة؛ المتضمِّن لعلمه - سبحانه - بسبب هذا الخلق، وغايته، وحكمته في وَضْعه موضِعَه من غير إخلالٍ بموجب الحكمة.ثم ذكر - سبحانه - قصَّة الملائكة في إرسالهم لهلاك قوم لوط، وإرسال الحجارة المُسوَّمة عليهم، وفي هذا ما يتضمَّن تصديق رسله وإهلاك المكذِّبين لهم، والدلالة على المعاد والثَّواب والعقاب؛ لوقوعه عيانًا في هذا العالَم، وهذا من أعظم الأدلَّة الدالة على صدق رسلِه؛ لصحة ما أخبروا به عن ربِّهم.ثم قال - تعالى -: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات: 35 - 36]، ففرَّق بين الإسلام والإيمان هنا لسرٍّ اقتضاه الكلام؛ فإن الإخراج هنا عبارة عن النَّجاة، فهو إخراجُ نجاةٍ من العذاب، ولا ريب أنَّ هذا مختصٌّ بالمؤمنين المتبعين للرسل ظاهرًا وباطنًا، وقوله - تعالى -: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات: 36] لَمَّا كان الموجودون من المُخرَجين أوقع اسمَ الإسلام عليهم؛ لأنَّ امرأة لوطٍ كانت من أهل هذا البيت، وهي مُسلِمة في الظَّاهر، فكانت في البيت الموجودين لا في القوم الناجين، وقد أخبر - سبحانه - عن خيانة امرأة لوط؛ وخيانتُها أنَّها كانت تدلُّ قومها على أضيافه، وقلبُها معهم، وليست خيانة فاحشة، فكانت من أهل البيت المسلمين ظاهرًا، وليست من المؤمنين الناجين، ومَن وضعَ دلالة القرآن وألفاظَه مواضعَها، تبيَّن له من أسراره وحِكَمِه ما يبهر العقول، ويعلم أنه تَنْزيل من حكيم حميد.وبِهذا خرج الجواب عن السُّؤال المشهور وهو: أنَّ الإسلام أعمُّ من الإيمان، فكيف استثناء الأعمِّ من الأخص، وقاعدة الاستثناء تقتضي العكس؟! وتبيّن أن المسلمين المستثنَوْنَ مما وقع عليه فعل الوجود، والمؤمنين غير مستثنين منه، بل هم المُخْرَجون النَّاجون.وقوله: ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [الذاريات: 37] فيه دليلٌ على أنَّ آياتِ الله - سبحانه - وعجائِبَه التي فعلَها في هذا العالَم، وأبقى آثارها دالَّةً عليه، وعلى صدق رسُلِه، إنَّما ينتفع بها من يؤمن بالمعاد ويخشى عذاب الله - تعالى - كما قال - سبحانه - في موضع آخر: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾ [هود: 103]، وقال - سبحانه -: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ [الأعلى: 10]، فإنَّ من لا يؤمن بالآخرة غايته أن يقول: هؤلاء قومٌ أصابَهم الدَّهر، كما أصاب غيرهم، ولا زال الدَّهر فيه الشقاوة والسعادة، وأما من آمن بالآخرة، وأشفق منها، فهو الذي ينتفع بالآيات والمواعظ.والمقصود بهذا: إنَّما هو التنبيه والتَّمثيل على تفاوُتِ الأفهام في معرفة القرآن، واستنباطِ أسراره وآثار كنوزه، ويَعْتبر بهذا غيره، والفضل بيد الله - تعالى - يؤتيه مَن يشاء.س: هل يجوز البكاء عند تلاوة القرآن؟ج: لَم يكن من هدي سلفِنا الصالح هذُّ القرآن هذَّ الشعر دون تدبُّر وفهم، وإنما كانوا يتأثَّرون بكلام الله، ويحرِّكون به القلوب، فقد روى البخاريُّ عن عبدالله بن مسعود أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((اقرأْ عليَّ القرآن))، فقلتُ: أقرأ القرآن وعليك أنزل؟! فقال: ((إنِّي أحبُّ أن أسمعه من غيري))، قال: فقرأت سورة النساء، حتَّى إذا بلغتُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 41]، قال: ((حَسْبُك))، فالتفتُّ فإذا عيناه تذرفان.وأخرج البيهقيُّ عن أبي هريرة قال: لَمَّا نزلَت: ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ﴾ [النجم: 59 - 60]، بكى أهل الصُّفة، حتى جرَتْ دموعهم على خدودهم، فلمَّا سمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حِسَّهم وبكى معهم، فبكينا لبكائه، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَلِج النَّارَ مَن بكى مِن خشية الله)).وقد قرأ ابنُ عمر سورة المطفِّفين، حتَّى بلغ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 6]، فبكى حتَّى خر.وعن مُزاحم بن زفر، قال: صلَّى بنا سُفيان الثوريُّ المغرب، فقرأ حتَّى بلغ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، بكى حتَّى انقطعَتْ قراءته، ثم عاد فقرأ: ﴿الْحَمْدُ﴾ [الفاتحة: 2].وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعتُ فُضيلاً يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمَّد، يردِّد هذه الآية، ويبكي: ﴿نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: 31]، وجعل يقول: ﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾، ويردِّد: "وتبلو أخبارنا؟! إن بلَوْتَ أخبارنا فضحتَنا وهتكتَ أستارنا، إنَّك إنْ بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذَّبتنا، ويبكي"؛ فرحمهم الله، ورضي عنهم.فالبُكاء مستحَبٌّ مع القراءة وعندها، ومنشَؤُه وطريقة تحصيله: أن يُحضِر القارئُ قلبَه الحزنَ؛ بأن يتأمَّل ما في القرآن من التهديد والوعيد الشديد، والمواثيق والعهود، ثم يتأمَّل تقصيره في ذلك، فإن لم يَحْضره حزنٌ وبُكاء كما يحضر الخواصُّ، فلْيَبك على فَقْدِ ذلك فإنَّه من أعظم المصائب.قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما العلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم))، فعوِّد نفسك على البكاء، فإنَّ أعمال القلوب مثل تمارين العضلات، فلا يكفي حين تريد تَقْوية عضلاتك أن تأتي بكتاب التَّمارين فتقرأ ولا تُمارس التَّمارين عمَلِيًّا، فكذلك مع القلب: لا بدَّ من المُمارسة عمليًّا، قال - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69].كان عُمر لا يبكي مثل بقية الصَّحابة، ولكنه كان يُجاهد نفسه حتَّى يبكى، وكان يُخاطبها ويدعوها إلى البُكاء، ويسأل ربَّه: البكاء يا رب، البكاء يا رب، حتَّى لقد ذُكر أنَّه بكى أوَّل مرة؛ لأنَّه لا يبكي، وبعد ذلك كان يُسمع صوتُ بكائه من خلف الصُّفوف، وكان له خطَّان أسودان أسفل عينيه من كثرة البُكاء!!أخي يا بن الإسلام، إنَّك كثيرًا ما تقرأ القرآن، فماذا أثْمَرت لك هذه القراءة؟! أين الخوف؟! أين القلق؟! أين الحذَر؟! أمَا كان رسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - سيِّدَ الكل، ثم إنَّه كان يقوم حتَّى تتورَّم قدماه؟! أمَا كان أبو بكر شجيَّ النَّشيج، كثيرَ البكاء؟! أمَا كان في خدِّ عُمَر خطَّان من أثر الدموع؟! أمَا كان عثمان يختم القرآن في ركعة؟! أمَا كان عليٌّ يَبكي باللَّيل في مِحْرابه حتى تخضلَّ لحيتُه بالدُّموع، ويقول: يا دنيا غُرِّي غيري؟! أمَا كان الحسن البصريُّ يحيا على قوَّة القلق؟! أمَا كان سفيان الثوريُّ يبكي الدَّم من الخوف؟! أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدَّم من الخوف؟! أما علمتَ أخبار الأئمَّة الأربعة في زهدهم وتعبُّدِهم؛ أبي حنيفة ومالكٍ والشافعيِّ وأحمد؟!!فاحْذَر من الإخلاد إلى الأرض، والتَّثاقُل إليها، وتَرْك معالي الأمور؛ فإنَّها حالة الكسالى الزَّمْنَى، ولكن هؤلاء قدوتك.فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ http://tzswadl.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرَامِ فَلاَحُ http://tzswadl.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تعلُّم القرآن وتعليمه:قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح البخاري": ((خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه))، فاحرص أن تكون من خير الأمَّة بموعود رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.إذًا أخي يا بن الإسلام:مطلوبٌ منَّا جميعًا أن نهتمَّ بالقرآن، وأن نجعله نُصْب أعيننا لا يفارقها ليل نهار، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.وتذكَّرْ أن تلاوة القرآن - كما ذكرت - أهمُّ من الحفظ، وهي نوعان لا يُستغنَى بأحدِهما عن الآخَر: 1 - تلاوة تدبُّر وتفكُّر: وهي ختمة لا يُتسرَّع بالوصول إلى آخِر القرآن فيها، بل يُهتمُّ فيها بالعلم ثم العمل بها؛ فتُعطى كلُّ آية حظَّها من التدبُّر والبحث عن العلم فيها، والتنقيب عن أسرارها في التفاسير وكتب العلم، وسؤال أهل العلم، ثم العمل بها.2 - تلاوة الأجر: وهي الختمات التي نُطالب بها يوميًّا في رمضان وغيره، والَّتي هي ابْتِغاء الأجر: بكلِّ حرفٍ عشر حسنات، فهذه يُتغاضى فيها عن التدبُّر، وتُصرف الهِمَّة إلى تحصيل الأجر من الله فحَسْب، فإنَّ الوعد على كلِّ حرف عشر حسنات لم يُشترط فيه التدبُّر.واعلم أنَّ حفظ القرآن وظيفة الأمَّة، ومطلبٌ شرعي، فلا بدَّ أن تحفظ القرآن؛ لأنَّ درجتك في الجنة بقدر حِفْظك؛ بدليل الحديث الذي رواه أحمد وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع": ((يُقال لقارئ القرآن: اقْرَأ وارْقَ، ورتِّل كما كنت ترتِّل في دار الدُّنيا، فإن مَنْزلتك عند آخر آية تقرؤها)).وإن كان الشيخ العثيمين - رحمه الله - قد ذكر بأنَّه يرجو أن يكون هذا الحديث الذي رُتِّب فيه الثواب على قراءة القرآن شاملاً لمن يقرؤه حفظًا عن ظهر قلب، أو نظرًا في المصحف؛ لأنَّ الأحاديث عامَّة، وإن كان الغالب في عهد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن الناس قد حفظوا عن ظهر قلب، لكن إذا أخذنا بالعموم، ورجونا فضل الله، ففضل الله واسع، لكنِّي أقول: إن لم نحفظ نحن القرآن، فلِمَن نتركه؟! أنترك حفظه لليهود والنَّصارى؟ أو شباب المسلمين المضيَّعين؟!!لا بُدَّ من حفظ القرآن، فهو من فروض الكفايات، ولذلك طُرُق؛ منها: أن تتعلَّم القرآن على يد شيخ مُتْقِن، ولو بالأجر؛ فالقرآن أغلى، واستَشِرْ أهل الخبرة في كيفيَّة حفظ القرآن، وطالع بعض الكتب المهمَّة في ذلك، ولا بد من التسميع اليومي لزوجتك، أو أحد أولادك، ولا تتكبَّر عن ذلك، ولا بدَّ من التسميع الأسبوعيِّ أو نصف الأسبوعي للشيخ، المهمُّ أنه لا بدَّ من حفظ القرآن؛ فالقرآن الكريم كتاب الله الخالد المعجز، وهو كلام الله - تعالى - المُنَزَّل على عبده ورسوله وخاتم رسله محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الكتاب الذي أذن الله بحفظه من أن يغيَّر أو يُبدَّل، أو يُزاد فيه أو ينقص منه؛ قال - تعالى -: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وهو الكتاب الذي تلقَّاه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من جبريل - عليه السَّلام - وجبريل من ربِّ العزة - تبارك وتعالى - ثم علَّمه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصحابَه الأطهار - رضي الله عنهم - وهو الذي جمعه الصدِّيق - رضي الله عنه - بإشارة الفاروق - رضي الله عنه - ودَوَّنه ذو النُّورين عثمان - رضي الله عنه - وأجمعت الأمة المسلمة عليه، وهو الكتاب الذي بين أيدينا في مشارق الأرض ومغاربها، المحفوظ بين دفَّتي المصحف من "الحمد" إلى "الناس".هذا القرآن العظيم هو دستور المسلمين وشريعتهم، وصراطُهم المستقيم، وهو حبل الله المتين، وهدايته الدائمة، وموعظته إلى عباده، وآية صِدْق رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الباقية إلى آخر الدُّنيا، وهو سبيل عزِّ المسلمين في كل العصور والدُّهور، ولَمَّا كان القرآن كذلك؛ تعبَّدَنا الله - تعالى - بتلاوتِه، وجُعل خيرنا من تعلَّمه وعلَّمه؛ كما في "صحيح البخاري" وغيره.
كيف أحفظ القرآن الكريم؟!
إنَّ تعليم القرآن الكريم فرض كفاية، وحِفْظه واجب وجوبًا كفائيًّا على الأمَّة؛ حتَّى لا ينقطعَ تواتُره، ولا يتطرَّق إليه تبديل أو تحريف، فإنْ قام بذلك العددُ الذي يكفي سقَط عن الباقين، وإلاَّ أثِموا جميعًا، وإن قام به عددٌ لا يكفي نَجا القائمون وأَثِم الباقون.لكن الأهم من ذلك: كيف أحفظ القرآن؟! ما هي الوسائل التي تُعِينني على حفظ كتاب الله - تعالى؟! إنَّ نعمة القرآن العظيم من أعظم النِّعم التي منَّ الله بها على عباده المؤمنين، لدرجة أنَّ الله - تعالى - قدَّم هذه النعمة على خلق الإنسان أصلاً، وذلك كما جاء في سورة الرحمن؛ حيث قال - سبحانه -: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ [الرحمن: 1 - 3]، وكأن الإنسان الذي لا يتعلَّم القرآن لم يُخْلَق أصلاً، وكأنَّه ليست فيه حياة.وورد هذا المعنى أيضًا في سورة الأنفال؛ حيث قال ربنا - عزَّ وجلَّ -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: 24]، وكأنَّ الإنسان الذي لا يستجيب لكلام الله ولا لكلام رسوله إنسانٌ ميت، لا حياة له.وقد اختصَّ الله - عزَّ وجلَّ - طائفةً من عباده المؤمنين بنعمةٍ جليلة، ومِنَّة غالية؛ وهي: أنْ جعلَهم يحفظون هذا الكتاب القيِّم عن ظهر قلب، ورفع جدًّا من قدرهم، وعظَّم جدًّا من أجرهم، وأمَر المؤمنين جميعًا أن يُجِلُّوا أمرهم، ويقدِّموهم على غيرهم، وذكَر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك الأمر في أكثرَ مِن حديث، حيث قال على سبيل المثال في الحديث الصحيح: ((إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضَع به آخرين)).وقد حاولتُ في كتابي: "مَدْخل إلى علم التَّجويد" أن أضع أيدينا - جميعًا - على بعض الأسباب التي تُساعد في هذه المهمة العظيمة، والغاية الجليلة؛ مهمَّة حفظ القرآن الكريم، وأحصيت هناك - بعون الله - عشر قواعد أساسية - لا غِنى عنها أبدًا - لمن أراد أن يَحْفظ هذا الكتابَ الكريم، ثم أضَفْتُ إليها عشر قواعد أخرى مساعدة، وهي - وإن كانت أيضًا في غاية الأهَمِّية - إلاَّ أنَّها لا تُغني أبدًا عن القواعد الأساسيَّة، فتلك عشرون كاملة! فارجع إليها هناك.وأسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يمنَّ علينا بحفظ كتابه، وتدبُّر معانيه، والعمل بما فيه، وأن يجعلنا ممن حفظوا للقرآن حرمتَه، وممن عظَّموا مَنْزِلته، وممن تأدَّبوا بآدابه، والتزموا بأحكامه، وأسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي وحسناتكم أجمعين، إنَّه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبي ونعم الوكيل.لكن يَنْبغي - يا بْنَ الإسلام - أن تَعْلم أنَّ حفظ القرآن الكريم مهمَّة من أجلِّ المهامِّ التي من الممكن أن يقوم بها مُسْلم، وأجَلُّ من ذلك وأعظم أن تعمل بما تَحْفظ، وأن تدعو إلى الله - عزَّ وجلَّ - بهذا الكتاب الكريم، قال - تعالى -: ﴿المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 1 - 2]، ولكي ندرك عظمة هذه المهمَّة؛ علينا أن نتدبَّر قليلاً في أجر من يقرأ القرآن، فإذا علمتَ أن هذا الأجر الجزيل يُعطَى للقارئ، فما بالكم بالذي يَحفظ؟! ذلك لأنَّه من المعلوم أن الذي يحفظ قد داوم على قراءةٍ كثيرة، وما زال يداوم حتى يُثَبِّتَ حفظَه، ويُراجِع ما قد نُسِّيَه على مر الأيام، فمن ذلك - مثلاً - ما سبق أن ذكرتُه من حديث الترمذيِّ عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله - تعالى - فله حسنة، والحسَنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))، قال الترمذيُّ: هذا حديث حسن صحيح، فالعقل القاصر لا يمكن أن يتخيَّل حجم الثواب الهائل الذي يأخذه القارئ، ومن ثَمَّ الحافظ للقرآن.ثم إنَّ القرآن سيأتي يوم القيامة يُدافع عن أصحابه! نعم! يأتي يدافع عمَّن اعتاد قراءته وحِفْظَه، والعملَ به والدعوة إليه، وتخيَّل يوم القيامة أن القرآن يأتي سورةً سورة يدافع عنك! فهذه البقرة تشفع لك، وهذه آل عمران تطلب لك، وهذه الأعراف ترجو لك، وهذه الأنفال تتمنَّى لك! أمر هائل أن تتخيَّل أن كلام الله - عزَّ وجلَّ - هو الذي يُدافع عنك يوم القيامة!روى الإمام مسلمٌ عن أبي أمامة الباهليِّ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزَّهراوَيْن؛ البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنَّهما غَمامتان، أو كأنهما غيايَتان، أو كأنَّهما فِرْقانِ من طيْرٍ صوافَّ، تُحاجَّان عن أصحابِهما)).فلا شكَّ - يا بن الإسلام - أنَّ حفظ هذا الكتاب العظيم معجِزة! هو فعلاً معجزة حقيقيَّة أنْ تجد الألوف، بل الملايين من أمَّة الإسلام يحفظون هذا الكتاب العظيم، مع كِبَر حجمه، وتعدُّدِ سُوَرِه، وتشابه آياته، ولا أعلم كتابًا على ظهر الأرض - سماويًّا كان أو غير سماوي - حَفِظَه الناس بهذه الصُّورة؛ فهي خاصيَّة فريدة جعلها الله - عزَّ وجلَّ - لكتابه العظيم.ويزداد عجَبُك عندما ترى بعض الطوائف من المسلمين - والذين لا تتخيَّل لهم أن يحفظوا هذا الكتاب الكريم - قد حفظوه بالفعل؛ فالأطفال دون العاشرة - وأحيانًا دون السابعة - يحفظون القرآن الكريم، وقد يُتِمُّون حفظه بالكامل في هذه السِّن! هذا مع العلم طبعًا أنَّ غالب الكلمات التي يقرؤها الأطفال لا يُدْرِكون معناها!تجد أيضًا أنَّ كثيرًا من الأميِّين - الذين لا يعرفون القراءة والكتابة - يحفظون هذا الكتاب العجيب، فقط عن طريق السَّماع والتلقين!تجد أيضًا كثيرًا ممن فقدوا نعمة البصَر قد أبدلهم الله - عزَّ وجلَّ - بنعمة القرآن، فهُم وإن كان يتعذَّر عليهم مُطالعة المصحف، وحفظ شكل الصفحة، إلاَّ أن الله - عزَّ وجلَّ - يمنُّ عليهم بحفظ القرآن الكريم، وبصورةٍ قد تكون أرسخ وأقوى من الذين يتمتعون بنظر صحيح ثاقب!بل أعجب من ذلك وأغرب: أنَّك تجد قومًا لا يتحدَّثون اللُّغة العربية أصلاً، يحفظون هذا الكتاب عن ظهر قلب!! بل ويرتِّلونه كما أُنْزِل، وبصورةٍ قد تكون أفضل جدًّا من كثير من العرب الذين يتكلَّمون العربية.كلُّ هذا يشير إلى أنَّ تيسير حفظ هذا الكتاب الكريم هو معجزة إلهيَّة، وآية ربَّانية، وصدَق الله العظيم إذْ يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].وأعظَمُ وسائل حفظ هذا الكتاب الجليل في الأرض: هو أن يُحفظ في قلوب الرِّجال والنِّساء والأطفال! فهذه أماكِنُ آمنة، لا يصل إليها عدوٌّ ولا حاقد، وقد يأتي على المسلمين زمانٌ يُحارَب فيه الإسلام، وتُحرق فيه كتب القرآن، ولكن يَبقى القرآن في الصدور.حدَث ذلك - على سبيل المثال - في الجمهوريَّات الإسلامية أيام احتلالِها بالاتِّحاد السوفيتي، فقد كانوا يحرقون كلَّ المصاحف، ويعاقِبون بالقتل كلَّ من يجدون عنده مصحفًا في بيته، أو في عمله، ومع ذلك فإنَّ أهل هذه البلاد حفظوا القرآن الكريم في صدورهم، ونقلوه من واحدٍ إلى واحد عن طريق التلقين، وكانوا يُدرِّسونه في المخابئ والكهوف والخنادق، ومرَّت الأيام، وانقشع الظلام الرُّوسي، وبقي القرآن الكريم في صدور المسلمين! وصدق الله - عزَّ وجلَّ - إذْ يقول: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 49].غير أنِّي أودُّ أن أؤكِّد على أنَّ حفظ القرآن الكريم مسؤولية عظيمة، وتَبِعة كبيرة، فالَّذي وفَّقَه الله - عزَّ وجلَّ - لهذه النِّعمة، عليه أن يعرف أنه سيَبْدأ حياةً جديدة، وهو يحمل في صدره هذا القرآنَ، ومن المؤكِّد أنه لن يكون كما كان في سابق حياته، بل ستتغيَّر فيه أشياء كثيرة؛ في داخله وفي خارجه، في سريرته وفي علانيته، في علاقاته وفي معاملاته، لقد أصبح إنسانًا يَحْمل القرآن! ولا بد لهذا الإنسان من التحلِّي بصورة خاصة جدًّا، لا يتحلَّى بها إلاَّ حمَّال هذا الكتاب الجليل.يقول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا النَّاس ينامون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يَفْرحون، وبِبُكائه إذا الناس يَضْحكون، وبِصَمْتِه إذا الناس يخوضون، وبِخُشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون مُستكينًا ليِّنًا، ولا ينبغي له أن يكون جافيًا ولا مماريًا ولا صيَّاحًا ولا صخَّابًا ولا حديدًا".ويقول التابعي الجليل الفُضَيل بن عياض - رحمه الله -: "حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهُوَ مع مَن يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو"، وقال أيضًا: "ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجةٌ إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم".هذه الصورة التي يشرحها لنا عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - والفضيل بن عياض - رحمه الله - توضِّح لنا أن حفظ القرآن الكريم تربية، وتربيةٌ عظيمة؛ هو تربية للفرد، وهو كذلك تربية للأمَّة، وتخيَّل أمة يكثر فيها المؤمنون الذين يتَّصِفون بهذه الصِّفات، إنَّها - ولا شكَّ - أمَّة لا تموت.والله - عزَّ وجلَّ - كلَّف حمَّال القرآن بمهمَّة عظيمة جدًّا لا يُكلَّف بها إلاَّ أفاضل الرِّجال، لقد استأمنَهم على أغلى وأعظم عبادات الإسلام، لقد استأمنهم على "الصَّلاة"، فجعل الذي يؤمُّ الناسَ في الصلاة هو أكثرَهم قرآنًا، وأعظمهم تجويدًا ودرايةً بقواعد التِّلاوة؛ روى مسلمٌ عن أبي مسعودٍ الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((يؤمُّ القومَ أقرَؤُهم لكتاب الله، فإنْ كانوا في القراءة سواءً، فأعلَمُهم بالسُّنة، فإنْ كانوا في السنَّة سواءً فأقْدَمُهم هجرةً، فإنْ كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سلمًا، ولا يَؤمَّن الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يَقْعدْ في بيته على تَكْرمتِه إلاَّ بإذْنِه)) قال الأشجُّ في روايته: مكان سلْمًا: ((سنًّا)).كذلك قدَّم الإسلامُ هؤلاء الحُفَّاظ على غيرهم في قضايا الإفتاء والشُّورى، وأَخْذ الرأي، فالَّذي نوَّر الله قلبه بالقرآن، أقدَرُ على معرفة الحقِّ من الباطل، والصَّواب من الخطأ؛ روى البخاريُّ عن عبدالله بن عبَّاس - رضي الله عنهما - أنه قال: "وكان القُرَّاءُ أصحابَ مجالسِ عمر ومشاورته؛ كُهولاً كانوا أو شُبَّانًا".وحامل القرآن يَثْبت في أوقات الجهاد والنِّزال أكثرَ من غيره، بل على أكتافهم تُوضع المسؤوليَّة، ومن ورائهم تَسير الجيوش، لقد كان المسلمون في موقعة "اليَمامة" الشَّهيرة إذا حدثَتْ لهم هِزَّة أو انتِكاسة، استنجَدوا بأهل القرآن، كانوا يُنادون عليهم، ويَقولون: "يا أهل القرآن"، فيقومون، ويقوم مِن ورائهم المسلمون، حتَّى استُشهد في اليمامة خَمْسمائة حافظٍ للقرآن، ثُمَّ قام المسلمون بعد ذلك يُنادون على حُفَّاظ سورة البقرة: "يا أهل البقرة"، فقاموا حتَّى مات منهم خلقٌ كثير!وهذا يوضِّح التَّبِعة الضخمة التي كان يَحْملها حُفَّاظ القرآن الكريم.ولا يصحُّ لأحدٍ أن يقول: إنَّ المسؤولية كبيرة، ولا داعي لِحملها حتَّى لا يَسألني الله عنها!! فكلُّ تكاليف الإسلام مسؤوليَّة؛ الجهاد مسؤولية، الدَّعوة مسؤولية، الإمارة مسؤولية، قول الحقِّ مسؤولية، فمَن يحمل مسؤوليات الإسلام إنْ تخلَّف عنها المسلمون؟! ثم إنَّ الأجر على قدر المشقَّة، وليس مَن تعب وسهر كمن تكاسل وفتر، والعبرة بالنِّيات والأعمال، وليستْ بالنتائج، والله مطَّلِع على وُسْعِنا، ومُحاسِبُنا عليه، أسأل الله أن يستعمِلَنا لدينه.لكلِّ ما سبق؛ فإنَّ حافظ القرآن الكريم كانت له مكانةٌ عظيمة في الإسلام، وستظلُّ هذه المكانة - إن شاء الله - محفوظةً له إلى يوم القيامة؛ روى مسلمٌ أنَّ نافع بن عبدالحارث لقي عمر بعُسْفان، وكان عمر يَستعمله على مكَّة، فقال: مَن استعملت على أهل الوادي؟ فقال: "ابن أبزى"، قال: ومَن ابنُ أبزى؟ قال: مولًى من موالينا، قال: فاستخلفتَ عليهم مولًى؟! قال: إنَّه قارئٌ لكتاب الله - عزَّ وجلَّ - وإنَّه عالِمٌ بالفرائض، ثم قال عمر: أمَا إن نبيَّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد قال: ((إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين)).وروى البخاري عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يَجْمع بين الرَّجُلين من قَتْلى أحُد، ثم يقول: ((أيهما أكثَرُ أخذًا للقرآن؟!)) فإنْ أشير إلى أحدهما، قدَّمه في اللَّحد.وروى أبو داود عن أبي موسى الأشعريِّ - رضي الله عنه - وقال النوويُّ: حديث حسن - أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ مِن إجلال الله - تعالى - إكرامَ ذي الشَّيبة المسلم، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرامَ ذي السُّلطان المُقْسِط)).وقد سبقَتْ هذه الأحاديث مع أحاديث أخرى غيرها، فإلى بعض القواعد التي تُعِين على حفظ القرآن:من المعلوم والواضح أنَّ حفظ القرآن الكريم ليس بالمهمَّة السهلة البسيطة التي يقدر عليها عمومُ الناس دون تفريغ الوقت والمَجهود والطَّاقة، لقد ذكَر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صراحةً في الحديث الذي رواه البخاريُّ عن أبي موسى - رضي الله عنه - وقال فيه: ((تَعاهَدوا القرآن؛ فوالَّذي نفسي بيده، لَهُو أشدُّ تَفصِّيًا - أيْ: تفلُّتًا - من الإبل في عُقُلِها))، وفي رواية أحمد: ((لَهُو أشدُّ تفلتًا من قلوب الرِّجال من الإبل من عُقله)).ومع ذلك، فكلُّ مهمَّة صعبة تصبح يسيرةً على من يسَّرها الله - عزَّ وجلَّ - عليه، قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]، وروى الترمذيُّ عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((إذا سألْتَ فاسأل الله، وإذا استَعنْتَ فاستعِنْ بالله))؛ قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.وكما قالوا قديمًا: "طريق الألف ميل يبدأ بِخُطوة"، فارجِع إلى كتاب: "مدخل إلى علم التجويد" - للمصنِّف - وحاول أن تستفيد من القواعد المذكورة هناك؛ لِتَبدأ خطوة واحدة في طريق حفظ القرآن، وأنا أعِدُك أنَّ الله - تعالى - سيُتِمُّ عليك؛ فهو القائل في الحديث القدسيِّ الذي أخرجه أحمد، وصحَّحه الألبانيُّ: ((يا بْنَ آدم، قم إليَّ أمشِ إليك، وامش إليَّ أُهَرول إليك))، وهو القائل أيضًا في الصَّحيحين: ((من تقرَّب منِّي شبرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا، ومن تقرَّب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)).وهذا رعاية لجلال العزة، وحماية لجناب العظمة: أن يكلِّف العبد أن يأتي سيِّدَه ثم يكون من السيد القبولُ والإكرام، فابدأ يا بن الإسلام؛ فبداية الطَّريق خطوة، ابدأ خطوةً إلى الله - تعالى - وهو - سبحانه - يُتِمُّ عليك ويبارك، وكلٌّ ميسَّر لما خُلِق له، كما في الصحيحين.
يتبع

ابوالوليد المسلم 16-05-2020 01:21 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
الآداب المطلوبة مع القرآن:القرآن الكريم هو كلام ربِّ العالَمين، وهو أجَلُّ نعمةٍ خصَّ الله بها أمَّة نبيِّنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّفَهم بها على سائر الأمم من المنازل الرَّفيعة، القرآن الكريم هو الكتاب الذي لو اجتمعَت الجنُّ والإنس على أن يأتوا بسورةٍ من مِثله لَما استطاعوا، القرآن الكريم جعله لنا ربُّنا في دُجَى الظُّلَم نورًا ساطعًا، وفي ظلمة الشُّبهة شهابًا لامِعًا، وإلى سبيل النجاة والحقِّ هاديًا، القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي حرَسه الله - تعالى - بعينه التي لا تنام، وهو حقًّا كما قيل: "إنَّ له لحلاوةً، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإن أسفله لَمُغدق، وإنه ليَعْلو ولا يُعْلى عليه".إنه الشِّفاء النَّاجع لأمراض القلوب وأدواءِ المُجتمعات؛ لأنَّ القلوب به قد اهتدَتْ بعد الضَّلال، وأبصرت بعد العمى، واستنارت بعد الجهالة، وأشرقَتْ به الدُّنيا بعد الظُّلمات.وقد أوصانا ربُّ العالمين - تعالى - بتلاوة كتابه، فقال - سبحانه -: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4]، وأمرَنا النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتلاوة القرآن؛ لأنَّ تلاوته نورٌ وذُخْر وشفاعة، فقال في "صحيح مسلم": ((اقرَؤوا القرآن؛ فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)).والأدب مع القرآن الكريم هو أن تؤمنَ يقينًا أنَّ هذا القرآن كلام الله - تعالى - نزَلَ به الرُّوح الأمين جبريل - عليه السَّلام - على قلب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتُعظِّمَ كلام الله - تعالى - وتحبَّه وتحترمه وتُجِلَّه، وتستحضر قلبك عند تلاوته أو سماعه، كأنَّ الله - تعالى - يكلِّمُك.فهل علمتَ - أخي الحبيب اللَّبيب، يا حامل القرآن وقارئه - ما الذي يَلْزمك من آدابٍ عند قراءته؟! إنَّها آداب كثيرة، لكلِّ من يتعامل مع القرآن، فمثلاً: 1 - آداب متعلم القرآن:القرآن كلام الله العظيم - سبحانه وتعالى - قال - جلَّ جلاله -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 41 - 42]، فإذا عَلِم التَّالي أنه يَقرأ كلام الله - تبارك وتعالى - أو يتعلَّم كتاب الله؛ فلا بُدَّ من توقيره واحترامه والتأدُّب معه كما ينبغي، والآداب التي ينبغي مراعاتُها كثيرة، ولكنِّي أذكر لك طرَفًا منها منبِّهًا به على غيره؛ فانْوِ العمل، واستعِن بالله، ولا تغترَّ، ولا يغرنَّك أحوال السفلة من الناس الذين لا يتأدَّبون مع القرآن، بل كلما زاد وقار الله في قلبك زاد حبُّك للقرآن وتأدُّبُك معه.فاعلم أنَّ الله - تعالى - لا يَقبل عملاً إلاَّ إذا كان خالصًا صوابًا؛ فالخالص ما ابتُغي به وجْهُ الله وحده، والصَّواب ما وافق الشَّرع، ولذلك كان على القارئ أن يعدَّ للقراءة ما تحتاجه من آداب، وهي كثيرة كما ذكرت، ومنها:1 - أن يُخْلِص النية، ويقصد بذلك رضا الله - تعالى.2 - لا يقصد بتعلُّمِه توصُّلاً إلى غرضٍ من أغراض الدنيا؛ من مال، أو رياسة، أو وَجاهة، أو ارتفاع على أقرانه، أو ثناء عند النَّاس، أو صرف وجوه الناس إليه، أو نحو ذلك؛ ففي "صحيح أبي داود" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من تعلَّم علمًا مما يُبتَغى به وجه الله - عزَّ وجلَّ - لا يتعلَّمه إلا لِيُصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عَرف الجنَّة يوم القيامة)) يعني: رِيحها.3 - وينبغي للمتعلِّم أن يتخلَّق بالخصال الحميدة؛ من السَّخاء، والجود، ومكارم الأخلاق، ففي البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل، وكان جبريل يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان فيُدارِسه القرآن، فلَرسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود بالخير من الرِّيح المرسَلة". طلاَقة الوجه، والحِلْم، والصَّبر؛ عُوتِبَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرآن حين عبسَ وجهه، وهو - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا؛ فكن بَشُوشًا، وأحسِنْ إلى الناس ولو أساؤوا. التَّنَزُّه عن دنيء المكاسب، وتحرِّي أكل الحلال. مُلازمة الخشوع والسَّكِينة، والوقار والتَّواضع، والخضوع، قال - تعالى -: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: 58]، وقال - تعالى -: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 107 - 109]. اجتناب الضَّحك، وترك المزاح مطلقًا في مجالس القرآن. يحذر من الحسد والرِّياء، والعُجْب والكِبْر، واحتقار غيره، وإن كان دونَه. يستعمل دومًا الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل، ونحوهما من الأذكار والدَّعوات. يُراقب الله - تعالى - في سِرِّه وعلانيته، ويُحافظ على ذلك، ويجب أن يكون معتَمِدًا في جميع أموره على الله - تعالى - قال - سبحانه -: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة: 124].4 - يصون يديه في حال القراءة أو التَّسميع عن العبث، ويحفظ عينيه عن تفريق نظرِهما من غير حاجة.5 - المُداومة على استعمال السِّواك؛ لتطييب الفم قبل القراءة.6 - يقعد على طهارةٍ مستقبِلَ القبلة، منكسرًا، حاضِرَ القلب.7 - يجلس بوقار، وتكون ثيابُه بيضاء نظيفةً، ويلبس قَلَنْسُوة أو عمامة.8 - إذا وصل إلى موضع جلوسه صلَّى ركعتين قبل الجلوس.9 - يجلس متربِّعًا إن شاء، أو غير متربِّع بأدبٍ ووقار.10 - يجتنب الأسباب الشَّاغلة عن التحصيل.11 - ينبغي أن يطهِّر قلبه من الأدناس؛ لِيَصلح لقبول القرآن وحِفْظه واستثماره.12 - ينبغي أن يتواضع لِمُعلِّمه، ويتأدَّب معه، وإن كان أصغر منه سنًّا.13 - ينبغي أن يَنْقاد لِمُعلِّمه، ويُشاوره في أموره، ويَقْبل قوله.14 - لا يتعلَّم إلا ممن كَمُلت أهليَّتُه، وظهرت ديانته، وتحقَّقَت معرفته، واشتهرَتْ صيانته.15 - عليه أن ينظر إلى معلِّمه بعين الاحترام والوقار.16 - من حقِّ المعلِّم عليك أن تُسلِّم على الناس عامة، وتخصَّه دونهم بتحيَّة، وأن تجلس أمامه، ولا تجلس خلفه، ولا تشيرن عنده بيدك، ولا تغمزن بعينيك، ولا تقولن: قال فلانٌ خلافَ ما تقول، ولا تغتابن عنده أحدًا، ولا تشاور جليسك في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه إذا قام، ولا تلِحَّ عليه إذا كسل، ولا تَشْبَع من طول صحبته.17 - أن يَرُدَّ غيبة شيخه إنْ قَدر، فإن تعذَّر عليه ردُّها، فارقَ ذلك المجلس.18 - ويدخل على الشيخ كامِلَ الخصال، متطهِّرًا، مستعملاً للسواك، فارغًا من الأمور الشاغلة.19 - لا يدخل بغير استئذان إذا كان الشيخ في مكانٍ يُحتاج فيه إلى الاستئذان.20 - يقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلِّمين، لا قعدة المعلمين.21 - ولا يرفع صوته رفعًا بليغًا من غير حاجة.22 - ولا يضحك، ولا يكثر الكلام من غير حاجة.23 - ولا يعبث بيده ولا بغيرها، ولا يلتفت يمينًا ولا شمالاً من غير حاجة، بل يكون متوجِّهًا إلى الشيخ، مصغِيًا لكلامه.24 - لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملَلِه، وغمِّه وفرحه، وعطشه ونعاسه وقلقه... ونحو ذلك مما يشقُّ عليه، أو يمنعه من كمال حضور القلب والنَّشاط.25 - يغتنم أوقات نشاط الشَّيخ.26 - يتحمَّل جفوة الشيخ، ولا يصدُّه ذلك عن ملازمته واحترامه، وإن جفاه الشَّيخ ابتدأ هو بالاعتذار إلى الشَّيخ، وأظهر أن الذَّنب له والعتب عليه، فذلك أنفَعُ له في الدنيا والآخرة، وأتقى لقلب الشيخ.27 - أن يكون حريصًا على التعلُّم، مواظبًا عليه في جميع الأوقات التي يتمكَّن منه فيها.28 - لا يقنع بالقليل من العلم، مع تمكُّنه من الكثير.29 - لا يحمِّل نفسه ما لا يطيق مخافةً من الملل، وضياع ما حصَّل.30 - إذا جاء إلى مجلس الشيخ فلم يَجِده انتظره، ولازم بابه، ولا يفوت وظيفته إلاَّ أن يخاف كراهة الشيخ لذلك.31 - إذا وجد الشيخ نائمًا أو مشتغلاً بمهم، لم يستأذن عليه، بل يصبر إلى استيقاظه أو فراغه، أو ينصرف، والصَّبر أولى.32 - يحافظ على قراءة محفوظه، ويراجعه دومًا.33 - لا يحسد أحدًا من رفقته أو غيرهم على فضيلةٍ رزقَه الله إيَّاها.34 - لا يعجب بنفسه بما خصَّه الله، وأن يُذكِّر نفسه أنه لم يحصِّل ما حصَّله بِحَوله وقوته؛ وإنما هو فضل من الله - تعالى - ولا ينبغي له أن يعجب بشيء لم يخترعه، بل أودعَه الله - تعالى.2 - آداب حامل القرآن: 1 - حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا يبغي أن يلهو مع مَن يلهو، ولا يَسْهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو؛ تعظيمًا لحقِّ القرآن.2 - أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشَّمائل؛ تعظيمًا لما في جوفه من كلام الله - تعالى.3 - يرفع نفسه عن كلِّ ما نهى القرآن عنه؛ إجلالاً للقرآن.4 - وأن يكون مصونًا عن دنيء الاكتساب، شريف النفس عفيفًا، مترفعًا عن الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا، متواضعًا للصالحين، وأهل الخير والمساكين، وأن يكون متخشِّعًا، ذا سكينة ووقار.5 - أن يحذر كلَّ الحذر من اتِّخاذ القرآن معيشة يتكسَّب بها.6 - ينبغي أن يُحافظ على تلاوته، ويكثر منها، وأن يكون عالِيَ الهمة في ذلك، لا يَقْنع بالقليل.7 - يتعهَّد القرآن، ولا يُعرِّضه للنِّسيان.8 - ينبغي أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في اللَّيل أكثر، وفي صلاة الليل أكثر؛ والآثار والأحاديث في هذا كثيرة، ومن الآيات قوله - تعالى -: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: 113 - 114]، وقال - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 1 - 4]، وإنَّما رجحت صلاة اللَّيل وقراءته؛ لكونها أجمعَ للقلب، وأبعد عن الشاغلات والمُلْهِيات، والتصرُّف في الحاجات، وأصْوَن عن الرِّياء وغيره من المُحبطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في اللَّيل.واعلم أنَّ فضيلة القيام بالليل والقراءة فيه تَحْصل بالقليل والكثير، وكلَّما كان أكثر كان أفضل، إلاَّ أن يستوعب الليل كلَّه؛ فإنه مكروهٌ المداومة عليه، وإلا أن يضرَّ بنفسه، وأفضل القراءة ما كان في الصلاة، وأما القراءة في غير الصلاة فأفضَلُها قراءة اللَّيل، والنصف الأخير من اللَّيل أفضل من النِّصف الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة، وأمَّا القراءة في النهار فأفضلها بعد صلاة الصُّبح، ولا كراهة في القراءة في أيِّ وقت من الأوقات، ويختار من الأيام الجمعة والاثنين والخميس ويوم عرفة، ومن الأعشار العُشْر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، ومن الشهور شهر رمضان.3 - آداب القراءة: 1 - يجب على القارئِ الإخلاصُ.2 - مراعاة الأدب مع القرآن، فينبغي أن يَستحضر في نفسه أنَّه يُناجي الله - تعالى.3 - يَقرأ على حال مَن يرى الله - سبحانه - فإنَّه إن لم يكن يراه فإنَّ الله يراه.4 - ينبغي إذا أراد القراءةَ أن ينظِّف فاه بالسواك وغيره، والاختيار في السِّواك أن يكون بعودٍ مِن أراكٍ، ويجوز بسائر العيدان، وبكلِّ ما ينظِّف كالخرقة الخشنة، وغير ذلك، ويَسْتاك عرضًا مبتدئًا بالجانب الأيمن من فمه، وينوي به الإتيان بالسُّنة.5 - يستحبُّ أن يقرأ وهو على طهارة، فإن قرأ مُحْدِثًا جاز، ولا يُقال: ارتكب مكروهًا، بل هو تارك للأفضل، فإن لم يجد الماء أو وجده ولكن لم يقدر على استعماله لمرضٍ أو نحوه من الأعذار المبيحة للتيمُّم، تيمَّم، والمستحاضة في الزَّمن المحكوم بأنه طُهْر حكمها حكم المُحْدِث.وأمَّا الجنب والحائض، فإنَّه لا يجوز لهما قراءة القرآن عند بعض أهل العلم، وقد بيَّنتُ في دروس الفقه أنَّه يجوز لهما قراءة القرآن، ومسُّ المصحف من غير إثم - إن شاء الله - لأنَّ الأدلة التي استدلَّ بها المانعون لا تنهض إلى التَّحريم، نعَم ذلك خلاف الأفضل، لكن لا يقال: إنَّه حرام، والله أعلم.أمَّا إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفُّظٍ به، فهو جائز بلا خلاف، وكذا النظر في المصحف.وأجمع المسلمون على جواز التسبيح والصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وغير ذلك من الأذكار للجنب والحائض، ويجوز لهما أيضًا قراءةُ ما نُسِخَت تلاوته من غير خلاف.6 - ويستحبُّ أن تكون القراءة في مكان نظيفٍ مُختار، ولهذا استحبَّ جماعةٌ من العلماء القراءةَ في المسجد؛ لكونه جامعًا للنظافة وشرف البقعة، ومحصِّلاً لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف؛ فإنه ينبغي لكلِّ جالس في المسجد الاعتكاف، سواء أكثرَ في جلوسه أو أقل، بل ينبغي أوَّل دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف، وهذا أدَبٌ ينبغي أن يُعتنَى به ويُشاع ذِكْرُه، ويعرفه الصِّغار والعوامُّ؛ فإنه مما يغفل عنه.أمَّا القراءة في الحمَّام، فقد اختلف فيها السَّلف؛ في كراهيتها، وأمَّا القراءة في الطريق فالمختار أنَّها جائزة إذا لم يَلْته صاحبها، فإن الْتهَى صاحبها عنها كرهت، كما كَرِه النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - القراءة للناعس؛ مخافةً من الغلط.7 - يستحبُّ للقارئ في غير الصلاة أن يستقبل القبلة، ويجلس متخشعًا بسكينة ووقار، مُطْرِقًا رأسه، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلِّمه، فهذا هو الأكمل، ولو قرأ قائمًا أو مضطجعًا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال - جاز، وله أجر، ولكن دُون الأوَّل.8 - فإن أراد الشُّروعَ في القراءة استعاذ فقال: "أعوذ بالله السَّميع العليم من الشيطان الرجيم"، أو يزيد: "مِن هَمْزِه ونفخه ونفثه".9 - وينبغي أن يُحافظ على قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في أوَّل كلِّ سورة سوى سورة براءة؛ فإنَّ أكثر العلماء قالوا: إنَّها آية حيث كُتِبت في المصحف.10 - فإذا شرع في القراءة فلْيَكن شأنُه الخشوعَ والتدبُّرَ عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تُحْصَر، وأشهر وأظهر من أن تُذْكَر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصُّدور وتستنير القلوب.11 - استحباب تَرْديد الآية للتدبُّر.12 - البكاءُ حالَ القراءة حالُ العارفين، وشعار عباد الله الصالحين، وهو مستحَبٌّ مع القراءة وعندها، وطريقة تحصيله أن يحضر قلبه الحزن؛ بأن يتأمَّل ما فيه من التهديد الوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يتأمَّل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزنٌ وبكاء كما يحضر الخواصَّ؛ فلْيَبْكِ على فَقْدِ ذلك؛ فإنَّه من أعظم المصائب.13 - ينبغي أن يرتِّل قراءته؛ قال - تعالى -: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4]؛ لأنَّ ذلك أقرَبُ إلى التوقير والاحترام، وأشدُّ تأثيرًا في القلب، وقد نَهى عن الإفراط في الإسراع، وهو الذي يُسمَّى بالهَذْرَمة.14 - ويُستحبُّ إذا مرَّ بآية عذابٍ أن يَسْتعيذ بالله من الشرِّ ومِن العذاب، أو يَقول: اللَّهم إنِّي أسألك العافية، أو أسألك المُعافاة من كلِّ مكروه، وإذا مرَّ بآية تَنْزيهٍ لله - تعالى - نزَّه، فقال: سبحانه وتعالى، أو: تبارك وتعالى، أو جَلَّت عظَمةُ ربِّنا...15 - احترام القرآن وتعظيمه وتوقيره، والحذَرُ من أمور قد يتَساهل فيها بعض الغافلين، وخصوصًا إذا كانوا مجتمعين، فمن ذلك: يجب اجتنابُ الضَّحِك، واللَّغَط، والمزاح. ويجب تَرْكُ الحديث أثناء قراءة القرآن واستماعه، إلاَّ كلامًا يضطرُّ إليه. واحذر العبَث باليد وغيرها؛ فإنَّك تُناجي ربَّك - تبارك وتعالى - فلا تعبَثْ بين يديه. واحذر النَّظر إلى ما يُلهي ويبدِّد الذِّهن. واحذر ما هو أقبَحُ من كلِّ هذا: النظر إلى ما لا يجوز النَّظَر إليه.وعلى الحاضرين مجلسَ القراءة - إذا رأوا شيئًا من هذه المنكرات المذكورة، أو غيرَها - أن يَنْهَوا عنه حسب الإمكان؛ باليد لمن قدر، وباللِّسان لمن عجز عن اليد، وإلاَّ فلْيُنكِر بقلبه؛ بشرط أن يقوم من المَجلس الذي فيه المنكر، وإلاَّ فلا معنى للإنكار بقلبه.16 - يُستحبُّ إذا قرأ سورةً أن يَقرأ بعدها التي تليها، وإذا بدأ من وسط سورة، أو وقَف على غيرِ آخِرها - أن يُراعي ارتباط الكلام، ولا يتقيَّد بالأعشار والأجزاء؛ فإنَّها قد تكون في وسط الكلام المرتبط.17- قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب؛ لأنَّ النظر في المصحف عبادةٌ مطلوبة، فتجتَمِع القراءةُ والنظر.18 - عدم ترقيق الصوت بالقراءة كترقيق النِّساء أصواتَهن.19 - الإمساك عن القراءة عند التَّثاؤب حتَّى يزول.20 - عدم قطع القراءة بالحديث مع النَّاس إلا لضرورة؛ كردِّ السَّلام، ونحو ذلك، فإذا كان يقرأ ماشيًا، فمرَّ على قومٍ - يستحبُّ أن يقطع القراءة، ويسلِّم عليهم، ثم يَرجع إلى القراءة، ويعيد التعوُّذ - كما سيأتي في أحكامه - إن شاء الله.4 - آداب الناس كلِّهم مع القرآن: الأدَبُ مع كتاب الله - تعالى - هو: 1 - الإيمان بأنَّه كلامُ الله - تعالى - وتَنْزيله، لا يُماثله شيءٌ من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخَلْقُ بأسرهم، فلا يستطيعون أن يأتوا بسورةٍ من مِثله، أو حتَّى بآيةٍ واحدة.2 - تعظيمه، وتلاوته حقَّ تلاوته، وتحسينها، والخشوع عندها.3 - معرفة عظَمةِ الكلام الذي تفضَّل الله - تعالى - بِمُخاطبة خلقه به، ويَسَّر فهمه، والأُنس به، وعدَمُ الغفلة عنه.4 - معرفة عظمة مُنَزِّل هذا الكلام - عزَّ وجلَّ - بالتفكُّر في أسمائه وصفاته التي هي البوَّابة العُظْمى لزيادة الإيمان.5 - تدبُّر ما فيه، وفَهْم معانيه؛ لتنفيذ ما جاء فيه من أوامِرَ ونواهٍ، ولاستشعار عظمة الخَالق - تبارك وتعالى.6 - تحاشي موانع الفهم؛ كأن يَصْرف هَمَّه كله - دائمًا وأبدًا - إلى التجويد - حتَّى بعد إتقانه - أو أن يُصِرَّ على ذنب، أو أن يتكبَّر، أو أن يملأ قلبه بالدُّنيا، وعليه ألاَّ يعتقد بأنَّ معاني القرآن محصورةٌ فيما ورَد فيها من تفسير.7 - استشعار القارئِ بأنَّ كل آيةٍ في القرآن موجَّهةٌ إليه؛ فيخاف عند الوعيد، ويَستبشر عند الوعد، ويرتَعِد من النَّار عند ذِكْرها، ويَشتاق إلى الجنَّة عند وصفها.8 - إقامة حروفه في التِّلاوة، وتَحْسين تجويده، وتَزْيين القرآن بِصَوته.9 - التَّصديق بكلِّ ما فيه.10 - الوقوف مع أحكامه، وتفهُّم علومه وأمثالِه، والاعتناء بِمَواعظه، والتفكُّر فيه.11 - العمل بِمُحْكَمِه، والتسليم لِمُتشابهه.12 - تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق.13 - يَحْرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لِمَن ليس من أهلها.14 - يَحْرم المِرَاء في القُرآن والجدال فيه بغير حق.15 - يَنبغي لِمَن أراد السُّؤال عن تقديم آيةٍ على آية في المصحف، أو مناسبة هذه الآية في هذا الموضع، ونحو ذلك، أن يقول: ما الحِكْمة في كذا؟16 - يُكْرَه أن يقول: نَسِيت آيةَ كذا، بل يقول: أُنْسِيتُها أو أسقطتها.17 - لا يُمنَع الكافر من سماع القرآن؛ لقوله - تعالى -: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: 6].18 - يُكْرَه نَقْش الحيطان والثِّياب بالقرآن، وبأسماء الله - تعالى - تعظيمًا لها.19 - حبُّ القرآن، والاستغناء به، والاستمتاع والتلذُّذ بتلاوته.20 - التَّداوي بالقرآن عقيدةً ويقينًا؛ فإنَّه شفاء لجميع الأمراض القلبيَّة والبدَنية، الحسِّية والمعنويَّة.وبعد؛ أعَلِمت - أخي يا بن الإسلام - هذه الآداب وتلك الحرمات؟! وإذا علمتها فهل عملت بها؟! والله إن القرآن الكريم بيننا، ونحن في أمس الحاجة إليه، فهل عرفنا حقه؟وسائل تحصيل لذَّة التِّلاوة:والكلام عن القرآن لا يَنتهي - يا بن الإسلام - ومَنْزلة أهله عظيمةٌ جدًّا؛ فهُم أهل الله وخاصَّتُه، ولكن في ختام الكلام عن القرآن - في شهر القرآن - أحبُّ أن أَذْكُر بعض الوسائل التي تُعين العبد على تحصيل لذَّة التلاوة وقراءة القرآن، وهذه اللذَّة لن تَحْصل إلاَّ بِتَوافر عشرة آدابٍ عند التلاوة، وهي: فَهْم أصل الكلام، ثم التَّعظيم، ثُمَّ حضور القلب، ثم التدبُّر، ثم التفهُّم، ثم التخلِّي عن موانع الفهم، ثم التَّخصيص، ثم التأثُّر، ثم الترقِّي، ثم التبَرِّي، وهذا هو الموجز، وإليك البيانَ بقليلٍ من التفصيل:فالأوَّل: فهم عظمة الكلام وعُلوِّه، وفَضْل الله - تعالى - ولُطْفه بِخَلقه في نزوله عن عرشِ جلاله إلى درجة إفهام خَلْقِه، ولْيَنظر كيف لطف بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهام خلقه، وكيف تجلَّت لهم تلك الصفة في طيِّ حروفٍ وأصوات، هي صفات البشر؛ إذْ يعجز البشر عن الوصول إلى فَهْم صفات الله - عزَّ وجلَّ - إلاَّ بوسيلة صفات نفسه، ولولا استِتارُ كُنْهِ جلالة كلامه بكِسْوة الحروف، لَما ثبَتَ لسماع الكلام عرض ولا ثري، ولَتلاشى ما بينهما من عظَمة سلطانه، وسُبُحات نوره، كما قال - تعالى -: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 21]، ولولا تثبيتُ الله - عزَّ وجلَّ - لموسى - عليه السَّلام - لمَا أطاق سماعَ كلامه، كما لَم يُطِق الجبلُ مبادئ تجلِّيه، حيث صار دكًّا، كما في سورة الأعراف.والثانِي: التعظيم للمتكلِّم؛ فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يُحضِر في قلبه عظمةَ المتكلِّم، ويعلم أنَّ ما يقرؤه ليس من كلام البشَر، وأنَّ في تلاوة كلامِ الله غايةَ الخطر؛ فإنه - تعالى - قال: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 79]، وكما أنَّ ظاهر جِلد المصحف وورقه محروسٌ عن ظاهر بَشرة اللاَّمس إلاَّ إذا كان متطهِّرًا، فباطن معناه أيضًا بِحُكم عزِّه وجلاله محجوبٌ عن باطن القلب، إلاَّ إذا كان متطهِّرًا عن كلِّ رجس، ومستنيرًا بنور التعظيم والتوقير، وكما لا يصلح لِمَسِّ جلد المصحف كلُّ يد، فلا يصلح لتلاوة حروفِه كلُّ لسان، ولا لِنَيْلِ معانيه كلُّ قلب.فتعظيم الكلام تعظيمُ المتكلِّم، ولن تَحْضره عظَمةُ المتكلم ما لم يتفكَّر في صفاته وجلاله وأفعاله، فإذا حَضر ببالهِ العَرْشُ واستواءُ ربِّه عليه - كما يليق بجلاله - والكرسيُّ الذي وَسِعَ السَّمواتِ والأرضَ، واستحضر مشهدَ السموات والأرض، وما بينهما من الجنِّ والإنس، والدوابِّ والأشجار، وعلم أنَّ الخالق لجميعها، والقادِرَ عليها، والرازقَ لها واحدٌ، وأنَّ الكل في قبضة قدرتِه، متردِّدون بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته؛ إنْ أنْعَمَ فبِفَضله، وإن عاقب فبِعَدله، وأنَّه الذي يقول: هؤلاء إلى الجنَّة ولا أُبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، وهذا غاية العظَمة والتعالي، فبالتَّفكير في أمثال هذا يَحْضر تعظيمُ المتكلِّم، ثم تعظيم الكلام.والثالث: حضور القلب، وتَرْك حديث النفس؛ قيل في تفسير: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: 12]؛ أيْ: بِجدٍّ واجتهاد، وأَخْذُه بالجِدِّ أن يكون متجرِّدًا له عند قراءته، منصرِفَ الهمَّة إليه عن غيره، وقيل لبعضهم: إذا قرأتَ القرآن تُحدِّثُ نفسك بشيء؟ فقال: أوَشيء أحبُّ إليَّ من القرآن حتَّى أحدِّث به نفسي؟!
وكان بعضُ السَّلف إذا قرأ آيةً لَم يكن قلبه فيها، أعادها ثانيةً، وهذه الصِّفة تتولَّد عمَّا قبلها من التعظيم؛ فإن المعظِّم للكلام الذي يَتْلوه يستبشر به، ويستأنس، ولا يَغْفل عنه، ففي القُرآن ما يَستأنس به القلب، إن كان التَّالي أهلاً له، فكيف يطلب الأُنس بالفِكْر في غيره، وهو مُتنَزِّه ومتفرِّج، والذي يتفرَّج في المتنَزَّهات لا يتفكَّر في غيرها، فقد قيل: إنَّ القرآن ميادينُ وبساتين، ومقاصير وعرائس، وديابيج ورِيَاض، فإذا دخل القارئُ الميادينَ، وقطفَ من البساتين، ودخل المقاصير، وشهد العرائس، ولبس الديابيج، وتنَزَّه في الرياض، استغرَقه ذلك، وشغله عمَّا سواه، فلم يَعْزُب قلبه، ولم يتفرَّق فِكْرُه.الرابع: التدبُّر، وهو وراء حضور القلب؛ فإنَّه قد لا يتفكَّر في غير القرآن، ولكنه يقتصر على سماعه من نفسه، وهو لا يتدبَّره، والمقصود من القراءة التدبُّر؛ ولذلك سُنَّ الترتيل في الظَّاهر؛ ليتمكَّن من التدبُّر بالباطن، قال عليٌّ - رضي الله عنه -: "لا خير في عبادةٍ لا فِقْه فيها، ولا في قراءةٍ لا تدبُّر فيها".وإذا لم يتمكَّن من التدبُّر إلاَّ بترديد فليردِّد، إلاَّ أن يكون خلف إمام، فإنَّه لو بقي في تدبُّر آيةٍ وقد اشتَغل الإمامُ بآية أخرى، كان مسيئًا! مثل مَن يشتغل بالتعجُّب من كلمةٍ واحدة مِمَّن يُناجيه عن فهم بقيَّة كلامه، وكذلك إن كان في تسبيح الرُّكوع، وهو متفكِّر في آيةٍ قرأَها إمامُه فهذا وسواس؛ فقد رُوِي عن عامر بن عبدقيس أنِّه قال: "الوسواس يَعْتريني في الصلاة"، فقيل: في أمر الدُّنيا؟ فقال: "لأَنْ تختلف في الأسِنَّة أحبُّ إليَّ من ذلك، ولكن يشتغل قلبِي بموقفي بين يدَيْ ربِّي - عزَّ وجلَّ - وأنِّي كيف أنصرف"! فعدَّ ذلك وسواسًا، وهو كذلك؛ فإنه يشغله عن فَهْمِ ما هو فيه، والشيطان لا يقدر على مثله إلاَّ بأن يشغله بمهمٍّ ديني، ولكن يمنعه به عن الأفضل.وعن أبي ذرٍّ قال: قام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بنا ليلةً، فقام بآيةٍ يردِّدُها، وهي: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ...﴾ [المائدة: 118]؛ الآية، وقام تميمٌ الدَّاريُّ ليلةً بهذه الآية: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ...﴾ [الجاثية: 21]؛ الآية، وقام سعيدُ بن جُبَير ليلةً يردِّد هذه الآية: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس: 59].وقال بعضهم: إنِّي لأفتَتِح السُّورة، فيوقفني بعضُ ما أشهد فيها عن الفراغ منها، حتَّى يطلع الفجر، وكان بعضهم يقول: آية لا أتفهَّمُها ولا يكون قلبي فيها لا أعدُّ لها ثوابًا، وحُكي عن أبي سليمان الدارانيِّ أنه قال: إنِّي لأَتْلو الآية، فأقيم فيها أربع ليالٍ، أو خمس ليالٍ، ولولا أنِّي أقطع الفِكْر فيها ما جاوَزْتُها إلى غيرها، وعن بعض السَّلَف أنَّه بقي في سورة هود ستَّة أشهر يكرِّرها، ولا يفرغ من التدبُّر فيها.وقال بعضهم: لي في كل جمعة خَتْمة، وفي كلِّ شهر ختمة، وفي كلِّ سنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغتُ منها بعد! وذلك بحسب درجات تدبُّرِه وتفتيشه، وكان هذا أيضًا يقول: أقمتُ نفسي مقام الأُجَراء؛ فأنا أعمل مُياوَمةً، ومُجامعةً، ومُشاهَرةً، ومُسانَهةً؛ أيْ: بأجر كل يومٍ، وكل جُمعة، وكل شهر، وكل سَنة، يشير إلى خَتماته في تلك الأزمنة.الخامس: التفهُّم؛ وهو أن يَستوضح من كلِّ آية ما يليق بها؛ إذِ القرآن يَشتمل على ذِكْر صفات الله - تعالى - وذِكْر أفعاله، وذِكر أحوال الأنبياء - عليهم السَّلام - وذكر أحوال المكذِّبين لهم، وأنَّهم كيف أُهْلِكوا، وذِكْرِ أوامره وزواجرِه، وذِكْر الجنَّة والنار.أمَّا صفات الله، فكقوله - تعالى -: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، وكقوله: ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ [الحشر: 23]، فليتأمَّل معانِيَ هذه الأسماء والصِّفات؛ لينكشف له أسرارُها، فتَحْتَها معانٍ مدفونةٌ لا تنكشف إلاَّ للمُوفَّقين، وإليه أشار عليٌّ - رضي الله عنه - بقوله لَمَّا سُئل: هل عندكم من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيءٌ سوى القرآن؟ فقال: لا، والذي خلَق الحبَّة، وبَرَأ النَّسمة، إلاَّ أن يُعطي الله عبدًا فهمًا في كتابه.وأمَّا أفعاله - تعالى - فكَذِكْره خلْقَ السَّموات والأرض وغيرها، فيَفهم التَّالي منها صفاتِ الله - تعالى - وجلالَه؛ إذِ الفعل يدلُّ على الفاعل، فتدلُّ على عظَمتِه.وأمَّا أحوال الأنبياء - عليهم السَّلام - فإذا سمع منها كيف كُذِّبوا وضُربوا وقُتل بعضهم، فليفهم منه صفة الاستغناء لله - تعالى - عن الرُّسل والمُرسَل إليهم، وأنه لو أهلك جميعَهم لَم يؤثِّر ذلك في ملكه شيئًا، وإذا قدَّرَ نُصرتَهم في آخر الأمر فليفهم قدرة الله - تعالى - وإرادتَه لِنُصرة الحق.وأمَّا أحوال المكذِّبين؛ كعادٍ وثَمود وما جرى عليهم، فلْيَكن فَهْمُه منه استشعارَ الخوف مِن سطوته ونقمته، ولْيَكن حظُّه منه الاعتبارَ في نفسه، وأنَّه إن غفل وأساء الأدب واغترَّ بما أُمهل، فرُبَّما تدركه النقمة، وتنفذ فيه القضية.وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنَّار وسائرَ ما في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه؛ لأنَّ ذلك لا نهاية له، وإنَّما لكلِّ عبدٍ بِقَدْرِ رِزْقه: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: 109].فالغرَض مما ذكَرتُه التَّنبيه على طريق التفهُّم؛ لينفتح بابه، فأمَّا الاستِقْصاء فلا مَطْمَع فيه، ومن لَم يكن له فَهْم ما في القرآن، ولو في أدنى الدَّرجات، دخَل في قوله - تعالى -: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [محمد: 16]، والطَّابع هي الموانع التي سأذكُرها - إن شاء الله - في موانعِ الفهم.السادس: التخلِّي عن موانع الفَهْم؛ فإنَّ أكثر الناس مُنِعوا عن فهم معاني القرآن لأسبابٍ وحجُب أسدلَها الشيطانُ على قلوبِهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن.وحُجُب الفهم ثلاثة: أوَّلُها: أن يكون الهمُّ منصرِفًا إلى تحقيق الحروف؛ بإخراجها من مَخارجها، وهذا يتولَّى حِفْظَه شيطانٌ وُكِّل بالقُرَّاء؛ لِيَصرفهم عن فَهْم معاني كلام الله، فلا يَزال يحملهم على ترديد الحرف؛ يخيِّل إليهم أنه لم يَخْرج من مخرجه، فهذا يكون تأمُّله مقصورًا على مخارج الحروف، فأنَّى تنكشف له المعاني؟! وأعظم ضحكةٍ للشيطان مِمَّن كان مطيعًا لمثل هذا التَّلبيس.ثانيها: أن يكون مقلِّدًا لمذهبٍ سَمِعه بالتَّقليد، وجمد عليه، وثبت في نفسه التعصُّب له بمجرد الاتِّباع للمسموع، من غير وصولٍ إليه ببصيرةٍ ومُشاهَدة، فهذا شخصٌ قيَّده مُعتقَدُه عن أن يتَجاوزه فلا يُمكنه أن يخطر بباله غير معتقَده، فصار نظره موقوفًا على مسموعه، فإنْ لَمع برق على بُعد، وبدا له معنًى من المعاني التي تُباين مسموعه، حمل عليه شيطانُ التقليد حملةً، وقال: كيف يخطر هذا ببالك، وهو خلافُ معتقَدِ آبائك؟ فيرى أنَّ ذلك غرورٌ من الشيطان، فيتباعد منه، ويتحرَّز عن مثله.ومثله مَن يقرأ قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، وما يحتويه معنى الآية مِن عُلوِّ الله - عزَّ وجلَّ - على كلِّ مخلوقاته وهيمنته، وتصرُّفه في كلِّ الموجودات، فيجيئه تقليد المعتقدات الموروثة في وجوب تَنْزيه الله عن الجهة، فيُحْرَم من تجلِّياتِ تأمُّل صفة العُلوِّ والاستواء، وهي من الصِّفات التي تكرَّرت في القرآن بِغَرض التَّنبيه على جلال الله وعظَمتِه، وحقيقة عُلوِّه على خلقه.ثالثها: أن يكون مُصرًّا على ذنب، أو متَّصفًا بكِبْر، أو مبتلًى - في الجملة - بِهوًى في الدُّنيا مطاعٍ؛ فإنَّ ذلك سببُ ظُلمة القلب وصَدئه، وهو كالخبَثِ على المرآة، وهو أعظم حجابٍ للقلب، وبه حُجِبَ الأكثرون، وكلَّما كانت الشهوات أشدَّ تراكمًا كانت معاني الكلام أشدَّ احتجابًا، وكلَّما خفَّ عن القلب أثقالُ الدنيا قَرُب تجلِّي المعنى فيه؛ فالقلب مثل المرآة، والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن مثل الصُّور التي تتراءى في المرآة، والرِّياضة للقلب بإماطة الشَّهوات مثل تصقيل الجلاء للمِرآة، وقد شرط الله - تعالى - الإنابة في الفَهْم والتَّذكير، فقال - تعالى -: ﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: 8]، وقال: ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ [غافر: 13]، وقال: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الرعد: 19]، فالَّذي آثر غرور الدُّنيا على نعيم الآخرة، فليس من ذوي الألباب؛ ولذلك لا تنكشف له أسرارُ الكتاب.




ابوالوليد المسلم 16-05-2020 01:22 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(17)


محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif
الوسيلة الثالثة: الصَّدَقة:


أخي يا بن الإسلام، إن المال - لِمَن استعان به على طاعة الله، وأنفقه في سبيل الخيرات المقرِّبة إلى الله - سببٌ موصِّل له إلى الله تعالى، وهو - لِمَن أنفقه في المعاصي، واستعان به على أغراضه المحرَّمة، أو اشتغل به عن طاعة الله - سبب قاطعٌ له عن الله - عزَّ وجلَّ.



وقد امتدح الله المتصدِّقين المنفقين، فقال - سبحانه -: ï´؟ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [البقرة: 274]، وبشَّر الله - تعالى - المؤمنين بأنَّه سيُضاعِف لهم الحسنات، ويرفع لهم الدَّرجات، فقال - تعالى -: ï´؟ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ï´¾ [البقرة: 261]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح البخاري": ((ما من يومٍ يُصبح العباد فيه إلاَّ ملَكان يَنْزِلان، فيقول أحدهما: اللَّهم أعط منفِقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسِكًا تلَفًا)).



فيا بْنَ الإسلام، المال فتنة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه الترمذيُّ وصحَّحه الألباني: ((لكلِّ أمة فتنة، وفتنة أمَّتي المال))، ونحن في زمن الماديات، وصراع النَّاس على الكماليات، وهموم الناس الدَّنيئة التي خرَّبَت قلوبهم وعلاقتهم بربِّهم، في زمن التَّعاسة، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عند البخاري: ((تَعِس عبْدُ الدِّرهم والدِّينار)).



في هذا الزَّمان الحرج يحتاج الإنسان إلى التخلُّص من ربقة المادِّية الطاغية، وذلك ببذل المال، قال - تعالى -: ï´؟ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ï´¾ [الحشر: 9]، وقال - تعالى - في الحديث القدسيِّ المتَّفِق عليه: ((أنفق يا بن آدم يُنفَق عليك))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((اتَّقوا النار ولو بشِقِّ تمرة)) وفي رواية: ((مَن استطاع منكم أن يستَتِر من النار ولو بشقِّ تمرة، فليفعل))، وعند أحمد، وصححه الألباني في "صحيح ابن خزيمة" عن عقبة بن عامر مرفوعًا: ((كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقته حتَّى يُفصَل بين الناس))، أو قال: ((يُحكَم بين الناس))، وفي "صحيح مسلم" أيضًا: ((الصَّدقة برهان))؛ أيْ: دليلٌ على حبِّ صاحبها لله.



فيا أخي يا بن الإسلام، ربِّ نفسك على الزُّهد في الدنيا؛ ألاَّ يكون للدنيا أيُّ قيمة في قلبك، فهي لا تُساوي عند الله جناحَ بعوضة، فلا تفرح بإقبالها، ولا تحزن على إدبارها، ولتستَوِ عندك الحالتان؛ لأنَّك عبدٌ للمعطي المانع، قال - تعالى -: ï´؟ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ï´¾ [الحديد: 23]، قيل للإمام أحمد: الرَّجلُ يملك ألف دينار ويكون زاهدًا؟ قال: نعم، قيل: كيف؟! قال: إذا لم يفرح إذا زادَتْ، ولَم يحزن إذا نقصَت.



واعلم أخي أنَّ الصدقة في رمضان لها مَنْزلة خاصَّة، وهي من دواعي قبول الأعمال والعبادات، وأنت بحاجةٍ ماسَّة شديدة إلى نَفْعِها وأجرِها وظلِّها يوم القيامة، قال - تعالى -: ï´؟ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ï´¾ [البقرة: 261]، وقال - تعالى -: ï´؟ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ï´¾ [سبأ: 39]، وقال - تعالى -: ï´؟ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ï´¾ [البقرة: 245]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذي وصححه الألباني: ((ما نقَص مالُ عبدٍ مِن صدقة)).



وفي "الصحيحين": ((من تصدَّق بعِدْل تمرة مِن كَسْبٍ طيِّب - ولا يقبل الله إلا الطيِّب - فإنَّ الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل))، وروى الترمذي وحسَّنه عن أنس مرفوعًا: ((إن الصدقة لَتُطفئ غضب الربِّ، وتدفع ميتة السُّوء))، وكما أنها تطفئ غضب الرب فهي تطفئ الذُّنوب والخطايا كما يطفئ الماء النَّار، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد: ((إن ظلَّ المؤمن يوم القيامة صدقته)).



فإذا كانت الصدقة من دواعي قبول الأعمال والعبادات، وأنت بحاجة ماسَّة شديدة إلى نَفْعِها وأجرها وظلِّها يوم القيامة، فلِمَ لا تجعل لله مقدارًا من الصدقة؟! ولا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولا بأس أن تنوِّعها؛ تارةً مالاً، وتارة طعامًا، وتارة لباسًا، وغير ذلك.



واعلم كذلك أن صدقة السرِّ أفضلُ من صدقة العلانية، قال - تعالى -: ï´؟ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ï´¾ [البقرة: 271].



لذلك أنصحك - أخي يا بن الإسلام - ألاَّ يعلم عن صدَقتِك أحدٌ غيرك؛ فإنَّك بحاجةٍ إلى عمل السِّر بينك وبين الله؛ فكم من الأجر العظيم ينالك بهذا الفعل! فهذا العمل ينجي صاحبه على يُسْرِه؛ لما فيه من الإخلاص لله - تعالى - من أهوال وكُرَب يوم القيامة، فيُظِلُّ الله به صاحبه في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، ففي "الصحيحين": ((سبعة يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله... ورجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتَّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، فهل تفعل ذلك وتحرص على هذه العبادة العظيمة في السرِّ بينك وبين الله؟!



"كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان، حين يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الرِّيح المرسَلة"؛ كما في "الصحيحين"، ولأن الصدقة في رمضان إعانة على أداء فريضة الصَّوم، والصدقة في أوقات الحاجات أفضَلُ منها في غيرها.



فالعاقل مَن يُسابق في ميزان الخيرات، بما يقدِّمه من الصِّلة والإحسان لإخوانه الفقراء، الذين أناخ الفقرُ ببابهم، وعضَّهم البؤسُ بِنابِه، وأوجعهم بكِلابه، فلا مورد له، ولو رأيتهم لظننتَهم من الأغنياء وأهل الثَّروة والمال، والله أعلم بما يقاسون من الدُّيون؛ لِما تحت أيديهم من الصِّغار والكبار، وما يقاسون من آلام الجوع والفقر، والشدَّة والعسر، ولكن يمنعهم الحياء وعزَّة النفس أن يمدُّوا أيديهم للسؤال، وأن يطلبوا الرِّزق إلا من الله الرزَّاق الكبير المتعالي، فهؤلاء هم الذين ينبغي الاعتناء بهم، والبحث عن أحوالهم؛ وذلك عن طريق جيرانهم وأقربائهم، حتَّى تقع الصدقة في موقعها.



واعلم أن الأولويَّة في الصدقة للأقرباء، والجار، وطُلاَّب العلم؛ فالصدقة على ذي الرَّحِم أفضل منها على غيره؛ ولا سيَّما مع العداوة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصَّدَقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرَّحِم ثِنْتان؛ صدقة وصِلَة)) وقال: ((أفضل الصَّدقة على ذي الرَّحِم الكاشح))؛ رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.



ثم الصَّدقة على الجار أفضل؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ï´¾ [النساء: 36]، ولِحَديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُحْسِنْ إلى جاره)) وحديث: ((والله لا يؤمن))، قالوا: مَن يا سول الله؟ قال: ((مَن بات شبعان وجارُه جائع وهو يعلم))، ويُستحَبُّ أن يخصَّ بالصدقة من اشتدَّت حاجته؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ï´¾ [البلد: 15].



واعلم أيضًا أنَّ الصدقة على طالب العلم أفضل؛ لأنَّ في إعطائه إعانة على العلم ونَشْر الدِّين؛ وذلك لتقوية الشريعة، وكون الصَّدقة على صاحب دين أفضل، وكذا على ذي عائلة أفضل عمَّن ليس كذلك، فاحرص أخي أن تكفل طالبَ علم ينفعك الله به دنيا وأخرى.



آداب الصَّدقة:

اعلم - أخي يا بن الإسلام - أنَّ الصدقة - التي يُرجى ثوابُها والنَّجاة بها يوم القيامة - لها شروطٌ وآداب، منها:

1 - أن يُراد بها وجْهُ الله - تعالى - فلا تُعطى مكافأةً على معروف، أو يُرجَى بها المكافأة بمعروف، ولا يُبتغَى بها ثناءُ الناس ومدحهم، أو شكر المتصدَّق عليه وامتنانُه، ولذا كانت صدَقةُ السرِّ أفضلَ من صدقة العلانية.



قال - تعالى -: ï´؟ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ï´¾ [الليل: 17 - 21].



يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة في قوله - تعالى -: ï´؟ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ï´¾ [الإنسان: 8 - 9]، ومَن طلب من الفقراء الدُّعاءَ أو الثناء، خرج من هذه الآية؛ ففي الحديث الذي في "سنن أبي داود": ((من أسدى إليكم معروفًا فكافِئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتَّى تعلموا أنكم قد كافأتموه)).



ولهذا كانت عائشة - رضي الله عنها - إذا أرسلَتْ إلى قومٍ بهديَّة تقول للرسول: "اسْمَع ما دعَوْا به حتى ندعُوَ لهم بمِثْل ما دعَوا، ويبقى أجْرُنا على الله"، وقال بعض السَّلف: "إذا أعطيتَ المسكين فقال: باركَ الله عليك، فقل: بارك الله عليك"، أراد أنه إذا أثابك بالدُّعاء، فادْعُ له بمثل ذلك الدُّعاء؛ حتَّى لا تكون اعتَضْتَ منه شيئًا".



2 - ألاَّ تُبْطِلها بالمنِّ على من تصدَّقتَ عليه بها، وإيذائه بذلك، قال - تعالى -: ï´؟ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ï´¾ [المدثر: 6]، وقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ï´¾ [البقرة: 264]، والمنُّ: أن تَذْكرها وتتحدَّث عنها، أو تستخدمه بعطائك، أو تتكبَّر عليه لأجل إعطائه، والأذى أن تُظْهِرها، أو تعيِّره بالفقر، أو تَنْهره، أو توبِّخه، كان بعض السلف يَبْسط كفَّه ليأخذ الفقير من كفِّه، وتكون يدُ الفقير هي العليا.



وفي حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - المرفوعِ الذي رواه مسلمٌ وأحمد وأصحاب السُّنن: ((ثلاثةٌ لا يكلِّمُهم الله يوم القيامة، ولا يَنظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: المُسْبِل إزارَه، والمَنَّان الذي لا يُعطي شيئًا إلاَّ منَّهُ، والمُنَفِّق سلعتَه بالحلف الكاذب)).



3 - أن تكون الصَّدقة من كَسْبٍ حلال طيِّب، لا حُرْمة فيه؛ فإنَّ الله - تعالى - طيِّب لا يقبل إلاَّ طيبًا، فعلى المتصدِّق أن ينتقي من ماله أفضلَه وأجوده؛ قال - تعالى -: ï´؟ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ï´¾ [آل عمران: 92]، وروى مسلمٌ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إن الله طيِّب لا يَقْبل إلاَّ طيبًا))، قال ابن رجب: "والطيِّب هنا معناه الطَّاهر"، وفي "الصحيحين" عن أبي هُرَيرة مرفوعًا: ((ما تصدَّق عبدٌ بصدقة من مالٍ طيِّب، ولا يقبل الله إلاَّ الطيب، إلاَّ أخذها الله بيمينه..)) الحديث، قال ابنُ رجَب: "وأما الصَّدقة بالمال الحرام، فغير مَقْبولة".



سُئل ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - عمَّن كان على عملٍ فكان يَظْلم ويأخذ الحرام، ثم تاب فهو يحجُّ ويعتق، ويتصدَّق منه؟ فقال: "إنَّ الخبيث لا يُكفِّر الخبيث"، وكذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن الخبيث لا يكفِّر الخبيث، ولكن الطيِّب يكفِّر الخبيث"، وقال الحسَنُ: "أيُّها المتصدِّق على المسكين ترحمه: ارحم مَن قد ظلَمْت".



ومن كان تحت يده مالٌ من حرامٍ، فعليه إعادتُه لصاحبه أو لورثتِه إن مات، فإنْ تصدَّق بهذا المال الحرام يريد بذلك الصَّدقةَ عن نفسه به، فإنَّ هذه الصدقة منه غيرُ مقبولة، ولا يحصل لِمَن أُخِذ منه هذا المال بذلك أَجْرٌ؛ لعدم قصده ونيَّتِه.



أمَّا إن تصدَّق بالمال الحرام عن صاحب المال إذا عجز عن ردِّه إليه، أو إلى ورثته بعد مماته، فهذا جائزٌ عند أكثر العلماء؛ منهم: مالِك، وأبو حنيفة، وأحمد، وغيرهم، كالتصدُّق باللُّقَطة بعد التعريف بها، وانقطاع صاحبها، وليس لهذا المتصدِّق بهذا المال الحرامِ عليه أجرٌ، ولكن يتخلَّص بذلك من عهدته، إنَّما هي صدَقةٌ عن مالكِه؛ ليكون نفعه له في الآخرة حيث يتعذَّر عليه الانتفاع به في الدُّنيا، وإن كنت أرى أن له أجرًا عظيمًا على سعيه في التخلُّص من الحرام؛ ابتغاءَ وجه الله - تعالى - فهذا عمَلٌ من الأعمال الجليلة، والله أعلم.



واحذر أن تقصد الخبيثَ فتتصدَّق به؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ï´¾ [البقرة: 267].



4 - أن تَستصغِر العطيَّة؛ فإنَّك إن استعظمتَها أُعجِبت بها، والعُجْب من المُهلِكات، وهو محبِطٌ للأعمال، ويُقال: إنَّ الطاعة كلما استُصغِرَت عَظُمَت عند الله - تعالى - والمعصية كلَّما استُعظمت صَغُرت عند الله - تعالى.



5 - الإخلاص؛ فإن لم تكن مُخلِصًا تبتغي وجه الله - تعالى - فلا ثواب لك عنده؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم": ((إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلِّه، فأُتِيَ به، فعرَّفه نِعَمه، فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أن يُنفَق فيها إلاَّ أَنفقتُ فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنك فعلتَ لِيُقال: هو جوَاد، فقد قيل، ثم أُمِرَ به، فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار)).



6 - أن تطلب بصدقتك مَن تَزْكو به الصَّدَقة من الأتقياء، أو أهل العلم، أو لِمَن كان مستتِرًا مُخفيًا حاجته لا يُكْثِر البثَّ والشكوى، أو يكون من الأقارب وذَوِي الأرحام، فتكون صدقةً وصلة رَحِم.



7 - إخفاء الصَّدقة - كلَّما أمكن - أفضلُ من إظهارها؛ قال - تعالى -: ï´؟ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ï´¾ [البقرة: 271].



8 - الإكثار من الصَّدَقة والمُداومة عليها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم": ((والصَّدَقة برهان)).



9 - تَخيَّرِ الأطيبَ والأفضل، وأحَبَّ ما تملِكُ، وتصدَّقْ به؛ فقد قال - تعالى -: ï´؟ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ï´¾ [آل عمران: 92].



10 - اجتناب الخبيث؛ تأدُّبًا مع الله - تعالى - وقد قال - سبحانه -: ï´؟ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ï´¾ [البقرة: 267].



11 - الاهتمام بالقبول: ï´؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ï´¾ [المائدة: 27]، فلْتتصدَّق، ولتكثر من الدُّعاء سائلاً الله - تعالى - القبول، قال - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ï´¾ [المؤمنون: 60].



وأختم الكلام عن الصَّدقة بفِقْرة من كلام ابن الجوزيِّ - رحمه الله - وهي تستحقُّ - واللهِ - أن تُكتب بماء الذَّهب، قال ابن الجوزيِّ - رحمه الله -: "يَنبغي للإنسان أن يعرف شرفَ زمانِه، وقَدْرَ وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدِّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيَّتُه في الخير قائمةً من غير فتور، فإذا علم الإنسانُ - وإن بالغ في الجدِّ - بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته؛ فإذا كان له شيءٌ في الدُّنيا وقَف وقفًا، وغرس غرسًا، وأجرى نهرًا، ويسعى في تحصيل ذُرِّية تَذْكر الله بعده، فيكون الأجر له، أو أن يصنِّف كتابًا في العلم؛ فإنَّ تصنيف العالِم ولَدُه المخلَّد، وأن يكون عاملاً بالخير عالِمًا فيه، فينتقل من فعله ما يقتدي به الغير، فذلك الذي لم يمت، والله أعلم".



https://dl.dropbox.com/u/63580683/a494.png








ابوالوليد المسلم 17-05-2020 01:50 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif


http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(18)


محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif
الوسيلة الخامسة: بِرُّ الوالدين:
الوالِدان هما أصحاب الفضل الأكبر بعد الله - تعالى - على الإنسان، قال - سبحانه -: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]؛ فهُما سبب وجوده في هذه الدنيا؛ لأنَّهما تحمَّلا من الكدِّ والتعب، والعناء والنَّصَب، ما لا يمكن أن يتحمَّله أحد؛ لأجل هذا أمرَنا الله - تعالى - بِحُسن الأدب معهما، والإحسان إليهما، بل قد جعله الله - تعالى - مقرونًا بعبادته في مواضعَ متعدِّدةٍ من كتابه - تعالى - يقول - سبحانه -: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، وقال - تعالى -: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، فحَقُّهما أعظم الحقِّ بعد حق الله - تعالى - فلا تُقدِّمْ عليهما أحدًا أبدًا، بل قد جعل الله - تعالى - رضاه في رضا الوالدين.من الأدب مع الوالدين:1 - حبُّهما ومُوالاتُهما، واستشعار فضلِهما، والدُّعاء لهما، كل ذلك على الدَّوام، وإن أساؤوا إليك.2 - السلامُ عليهما عند الدُّخول عليهما والخروج، والأفضل أن تقرن ذلك بتقبيل يدَيْهما.3 - حبُّهما ومَدْحُهما بما فيهما.4 - إدخال السُّرور عليهما بما يُحِبَّان، وأن تمنع عنهما ما يكرهان.5 - أن يعلم الابن أنَّه مهما قدم لوالديه، فهو قليلٌ في جانب ما قدَّموه، فمهما قدمت من معروف، ومهما فعلت من خير، فلن تستطيع أن تؤدِّي ولو جزءًا يسيرًا مما قدَّماه إليك وأنت طفل صغير.6 - لِينُ القول لهما، والتأدُّب عند مخاطبتهما؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 23 - 24]، وقال عبدالله بن عمر لرجلٍ: أتَفْرَق من النَّار، وتحبُّ أن تدخل الجنة؟ قال الرجل: إي والله! قال: أحَيٌّ والِداك؟ قال: عندي أمِّي، قال: فوالله ما ألَنْتَ لها الكلام، وأطعمتَها الطعام، لتدخلنَّ الجنة، ما اجتنَبْتَ الكبائر.7 - أن لا يرفع صوته بحضرتهما.8 - القيامُ على خدمتهما، وأداء مصالحهما بإخلاص.9 - تقديم حقِّهما على حقِّ غيرهما على الدوام.10 - طاعتهما طاعة مطلَقة في المعروف، إلاَّ أن يأمرا بمعصية.11 - أن لا يتقدَّم الابنُ والِدَه في المشي إلاَّ لضرورة؛ كإزالة شوك أو نحوه.12 - تفقُّد مواضع راحتهما، وعدم إزعاجهما.13 - تجنُّب مدِّ اليد إلى الطعام قبلهما.14 - عدم الاستئثار بالطيِّبات دونهما، بل إيثارهما وتفضيلهما على غيرهما، ولو زوجة أو ولدًا.15 - دوام إكرامهما بالمال وغيره؛ فأنت ومالك لأبيك.16 - الإخلاص في حُبِّهما وخدمتهما، والثناء عليهما في حضورهما وغيبتهما.17 - القيام بخدمتهما دائمًا، ولزوم أقدامهما، وتسخير ما يستطيع لإدخال السُّرور عليهما.18 - طاعتهما مطلقًا، إلا في معصية الله ورسوله، وإن أمراك بمعصية فلا تطعهما، ولكن أَلِنْ لهما القول، وانصحهما بالأدب والمعروف.19 - عدم التعرُّض لسخطهما، فلو سخطا ودعا أحدهما على ابنه، فإنَّ الدُّعاء مستجاب منهما؛ لِما في الحديث الصَّحيح في "سنن الترمذي": ((ثلاث دعوات مستجابات لهنَّ، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولَدِه)).20 - تجنُّب الأمور المؤدِّية إلى العقوق، ومنها: الغضب منهما، التأفُّف من قولهما أو فِعْلهما، التضجُّر منهما، الحياء من الانتساب إليهما إذا أصبح ذا جاهٍ أو مركز.21 - الدعاء لهما بعد موتهما، والاستغفار لهما، قال - تعالى -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].22 - التصدُّق عنهما بعد موتهما؛ فعن سعد بن عُبادة - رضي الله عنه - أن أُمَّه ماتت، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمي ماتت، فأتصدَّق عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((سَقْي الماء))، قال: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة، والحديث صحيح، وهو في "سنن النسائي".23 - أن يصل المسلِمُ أقاربهما وأصدقاءهما بعد موتهما، ففي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن أبرَّ البِرِّ صلةُ الولد أهل وُدِّ أبيه)).24 - زيارة قبرهما، والدُّعاء لهما، والترحُّم عليهما.25 - ألاَّ يتسبَّب في شتمهما؛ بأن يشتم والِدَيْ أحد، فيشتم هذا الشخص والديه.26 - إذا رأى الابن من أبيه ما يكره، فعليه أن يكلِّمه بغير عنف ولا إساءة، والأفضل أن يصبر ويحتمل جفاء والديه؛ فلا ينهرهما، بل وإذا بلغه شيءٌ عنهما يتأوَّل لهما، ويُحسن الظنَّ بهما، ويدفع عنهما.27 - وفي النِّهاية يجب أن يعلم كلُّ إنسان أنه ليس حيٌّ على ظهر الأرض أحقَّ بالمودة وحُسْن الصحبة من الوالدين، فلْيَكن جلُّ اهتمامه برضائهما وتطييب خاطرهما، المهمُّ: أنَّه لا سبيل إلى دخول الجنَّة إذا سخط الوالدان؛ فهما بابٌ من أعظم أبواب الجنَّة، فاحفظ هذا الباب أو ضيِّعْهُ!موعظة:أيُّها المضيع لأوكد الحقوق، المعتاض عن البِرِّ بالعقوق، الناسي لما يجب عليه، الغافل عمَّا بين يديه: بِرٌّ لوالديك عليك دَيْن، وأنت تتعاطاه باتِّباع الشين؟! تطلب الجنَّة بِزَعمك، وهي تحت أقدام أمِّك؟!حَملَتْك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حِجَج، وكابدت عند وضعك ما يذيب المُهَج، وأرضعَتْك من ثديها لَبنًا، وأطارت لأجلك وسنًا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرَتْك على نفسها بالغِذى، وصيَّرَت حجرها لك مهدًا، وأنالتك إحسانًا ورفدًا، فإن أصابك ألَمٌ أو شِكاية، أظهرت من الألم فوق النِّهاية، وأطالت الحزن والنَّحيب، وبذلَتْ مالها للطَّبيب، ولو خُيِّرت بين حياتك وموتها، لآثرت حياتك بأعلى صوتها.هذا؛ وكم عامَلْتَها بسوء الأدب مِرارًا، فدعَتْ لك بالتوفيق سِرًّا وجهارًا، فلما احتاجَتْ عند الكِبَر إليك، جعلتَها مِن أهون الأشياء عليك: فشَبِعْتَ وهي جائعة، ورَوِيت وهي ضائعة، وقَدَّمت عليها أهلك وأولادك في الإحسان، وقابلتَ أيادِيَها بالنِّسيان، وصَعُب لديك أمرها وهو يسيرٌ، وطال عليك عمرها وهو يسيرُ، وهجرتَها وما لها سواك نصير!هذا؛ ومولاك قد نهاك عن التَّأفيف، وعاتبَك في حقِّها بعتابٍ لطيف، ستُعاقَب في دنياك بعقوق البنين، وفي أُخْراك بالبعد من ربِّ العالمين، يناديك بلسان التَّوبيخ والتهديد: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الحج: 10].لِأُمِّكَ حَقٌّ - لَوْ عَلِمْتَ - كَبِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كَثِيرُكَ يَا هَذَا لَدَيْهِ يَسِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ بِثِقْلِكَ تَشْتَكِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لَهَا مِنْ جَوَاهَا أَنَّةٌ وَزَفِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَفِي الوَضْعِ - لَوْ تَدْرِي - عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمِنْ غُصَصٍ مِنْهَا الفُؤَادُ يَطِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَكَمْ غَسَلَتْ عَنْكَ الأَذَى بِيَمِينِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَا حِجْرُهَا إِلاَّ لَدَيْكَ سَرِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَتَفْدِيكَ مِمَّا تَشْتَكِيهِ بِنَفْسِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمِنْ ثَدْيِهَا شِرْبٌ لَدَيْكَ نَمِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وَأَعْطَتْكَ قُوتَهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حُنُوًّا وَإِشْفَاقًا وَأَنْتَ صَغِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَآهًا لِذِي عَقْلٍ وَيَتَّبِعُ الْهَوَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَآهًا لِأَعْمَى القَلْبِ وَهْوَ بَصِيرُ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَدُونَكَ فَارْغَبْ فِي عَمِيمِ دُعَائِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُو إِلَيْهِ فَقِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فاحرص أخي يا بن الإسلام على برِّ الوالدين، والقرب منهما، وقضاء حوائجهما، وطاعتهما في غير معصية الله، ومُحاولة الإفطار معهما، واحذر غضبَهما؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رضا الربِّ من رضا الوالد، وسخط الربِّ من سخط الوالد))، ولكن احذر أن تتَّخِذ وجوب طاعتهما سبيلاً إلى معصيةِ مَن أوجب عليك طاعتَهما - سبحانه وتعالى - فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أرضى الله بسخط النَّاس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناسَ، ومن أسخط الله برِضَا الناس، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس)).ولا يهولنك تهديدُ بعض الآباء الجهلاء بالغضب وعدم الرِّضا إذا لم تُنفذ رغباتهم التي ترى فيها معصية الله - تعالى - فالربُّ مطَّلِع عليم، ولا يهولنك أيضًا ما يَذْكرون للنَّاس من عقوقِك وسوء خلقك، ما دُمتَ تعاملهما بما يُرضي الله، وإن كان الأوجبُ عليك أن تسترضِيَهما، ولا تترك لهما بابًا لِذمِّك أمام الناس؛ حتى لا يُشوَّه الإسلام في صورتك، فإن بذلتَ وُسعَك، ولم يَكُفَّا عنك، فسلِّم أمرك لله العليم، وقل: ﴿ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].

ابوالوليد المسلم 17-05-2020 01:52 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(19)





محمود العشري


الوسيلة السادسة: صِلة الرَّحِم:
وهي الإحسان إلى الأقارِب على حسبِ حال الواصل والموصول، فتارةً تكون بالمال، وتارةً تكون بالخدمة، وتارةً بالزيارة والسلام، وغير ذلك، وصِلة الرحم مِن أسْمَى المطالب التي يُعنَى بها الإسلام، ويرغّب فيها، وهى قرابة الرجل مِن جهة أبيه ومِن جهة أمِّه، وهذه مِن الحقوق التي دعتْ إليها الفطرةُ السليمة، وقرَّرتها الشريعة السَّمْحة.

فاحرص أخي، يا ابنَ الإسلام، على أن تصِل رحمك، واحذر أن تقطعَهم حتى ولو قطعوك، قال تعالى: ï´؟فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْï´¾ [محمد: 22 - 23]، وفي الصحيحين أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِر فليكرم ضيفَه، ومَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِر فليصلْ رحمَه، ومَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِر فليقلْ خيرًا أو ليصمت))، وفيهما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الرَّحِم معلَّقة بالعرْش، تقول: من وصلني وصلَه الله، ومَن قطعَني قطعَه الله))، وعند البخاري عن أنس قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه، ويُنسأ له في أثرَه، فليصِلْ رحِمَه))، وبسط الرزق - كما قال النووي -: توسيعه وكثرته، وقيل: البَركة فيه، وأما التأخير في الأجل ففيه سؤالٌ مشهور، وهو أنَّ الآجال والأرزاق مقدَّرة لا تزيد ولا تنقص؛ ï´؟فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَï´¾ [الأعراف: 34]، وقد أجاب العلماء بأجوبة، والصحيح منها: أنَّ هذه الزيادة بالبَركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخِرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.

والثاني: أنَّه بالنسبة إلى ما يَظهر للملائكة، وفى اللَّوْح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أنَّ عمره ستُّون سنة إلا أن يصِل رحِمه، فإنْ وصلها زِيد له أربعون، وقد عَلِم الله - تعالى - ما سيقع له مِن ذلك، وهو مِن معنى قوله تعالى: ï´؟يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِï´¾ [الرعد: 39]، فيه النسبة إلى عِلم الله - تعالى - وما سبَق به قدَره، ولا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهَر للمخلوقين تتصوَّر الزيادة، وهو مرادُ الحديث.

والثالث: أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لم يمت، حكاه القاضي... وهو ضعيف أو باطل، والله أعلم.

والأحاديث كثيرة في الحثِّ على صلة الأرْحام، والتحذير من قطعها، فأين نحن من صِلة الأرحام؟! وأين صلةُ الأرحام في هذا الزمان الذي انتشرتْ فيه قطيعة الأرحام وعقوق الوالدين - ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله.

إنَّ حق القرابة قد ضُيِّع في هذا الزمان من قِبل كثيرٍ مِن الناس إلا من رحِم ربُّك، فتجد الواحدَ منهم لا يَصِلُ قرابتَه لا بالجاه، ولا بالمال، ولا بالخُلق.. تمضي الأيام والشهور والسِّنون ما رآهم، ولا زارهم، ولا تحبَّب إليهم بهدية، ولا جلَب لهم منفعة، أو دفَع عنهم مضرَّة، بل ربما - إلى جانب ذلك - أساء إليهم بالقول، أو بالفِعل، أو بهما معًا! يصل البعيد، ويقطع القريب!

ومن الناس مَن يعامل قرابته بالمثل؛ إنْ وصلوه وصلهم، وإنْ قطعوه قطعهم، وهذا ليس بواصل في الحقيقة، بل هو مكافِئ للمعروف بمثله، والمكافأة على المعروف يشترك فيها القريبُ وغيره، والواصل حقيقةً هو من يصل قرابته ابتغاءَ وجه الله، ولا يُبالي سواء وصلوه أم لا؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس الواصلُ بالمكافئ؛ ولكن الواصل الذي إذا قُطِعتْ رحِمُه وصَلَها)).

ولقد حثَّنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أداء حقِّ الرحِم، وإنْ عاملونا بالجفوة والغِلظة والشر، في حين أنَّه يطمئننا على مستقبلنا، ويُزيح عن قلوبنا اليأس؛ ففي صحيح مسلم أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأُحسن إليهم ويُسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ! فقال: ((لئن كنتَ كما قلتَ، فكأنَّما تُسفُّهم - تطعمهم وتلقمهم - المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير - مُعين ناصِر - عليهم، ما دُمتَ على ذلك))، قال الأزهري: أصل الملَّة: التربة المحماة تُدفن فيها الخبزة، وقال القتيبي: المل: الجمْر، ويقال للرماد الحار - أيضًا - المل، فالملة كوضع الخبزة، يقول: إذا لم يَشكُروك، فإنَّ عطاءَك إياهم حرامٌ عليهم، ونارٌ في بطونهم، ففيه تشبيه لما يلحقهم مِن الإثم بما يلحق آكل الرَّماد الحار مِن الألم.

حكم صلة الرَّحِم ودرجاتها:
قال القاضي عياض: "لا خِلافَ أنَّ صلة الرحم واجبة في الجُملة، وقطيعتها معصية كبيرة، والأحاديث تشْهَد لهذا، ولكن الصِّلة درجات بعضها أرْفَع من بعض، وأدناها ترْك المهاجَرة بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القُدرة والحاجة؛ فمنها واجِب، ومنها مستحبّ، ولو وصل بعضَ الصِّلة، ولم يصلْ غايتها لا يُسمَّى قاطعًا، ولو قصَّر عما يقدر عليه وينبغي له، لا يُسمَّى واصلاً". اهـ.

وصلة الرحم لها فضائلُ وثمراتٌ كثيرة وعظيمة، أذكر بعضًا منها منبِّهًا على أنه قد ورد في كلِّ ما سأذكُر أحاديث صحيحة، ولكنِّي لم أذكرها اختصارًا، فارجع إليها - إن شئت - في كتاب "حق الرحم" للشيخ المصري:
1- أنَّها عبودية لله تعالى لأمْره بها؛ فإنْ وصلتها أطعتَ ربَّك، وكنت عبدًا لله حقًّا.
2- صلة الرحم شعارُ الإيمان بالله؛ فعند البخاري: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخر، فليصِلْ رحِمَه)).
3- الله تعالى يصِل الواصل في الدنيا والآخِرة، فيمدُّه بالرحمة، وييسِّر له الأمور، ويفرِّج عنه الكربات.
4- صِلة الرحم تجلب للعبد رِضا الله ومحبته.
5- صلة الرحم يُكفِّر الله بها سيئاتِ العبد.
6- صلة الرحم أعجلُ الطاعة ثوابًا، وقطيعة الرحم مِن أعجل المعاصي عقوبةً.
7- الذين يَصِلُون الأرحام هم الصادِقون المتقون.
8- صِلة الرحِم تجعلك في أعْلى المنازل.
9- صلة الرحم أحبُّ الأعمال إلى الله بعدَ الإيمان به.
10- أنها مِن أسباب البَرَكة في العُمر والرزق.
11- الصَّدقة على ذي الرَّحِم أعظم أجرًا من الصدقة على المسكين.
12- صلة الرحم تعمر الدِّيار، وتزيد في الأعمار.
13- صلة الرحم مِن أعظم أسباب دخول الجنة.

أسباب قطيعة الرحم:
الأسباب كثيرة جدًّا، لكن أبرزها ما يلي: الجهل بحقوق الأقارب، وضعف التقوى، والكِبر، والانقطاع الطويل الذي يسبِّب الوحشة والنسيان، والتطفل الزائد من قِبل الموصول، ممَّا يجعل الواصلَ لا يحرِص على زيارته؛ لئلاَّ يقع في الحرج، واللامبالاة، وعدم الاكتراث بالزائرين مِن الأقارب، والعتاب الشديد مِن بعض الأقارب مما يُسبِّب النفرةَ منه.

الشح والبُخل ممَّن آتاه الله بسطةً في الرزق، فتراه لا يواصِل قرابته؛ لئلاَّ يخسر عليهم من ماله؛ كاستدانتهم منه، وغير ذلك، ونسيان بعض الأقارب في الولائم، الأمر الذي يُسبِّب سوءَ الظن فيما بينهم، والوشاية والإصغاء إليها، والمزاح الخارج عن حدِّ الاعتدال، والمنّ وتَعداد الأيادي والمطالبة بالمثل، والطلاق بين الأقارب، وتأجيل قسمة المواريث بيْن الأقارب.

فعلى الأقارب أن يُحاولوا اجتنابَ هذه الأسباب - وغيرها - المؤدية للقطيعة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

أضرار قطيعة الرحم:
احذر أخي يا ابنَ الإسلام، مِن مغبَّة قطيعة الرحم؛ فإنها:
تقطع الصلة بيْن العبد وبين الربّ - تبارك وتعالى.
تجلب للعبد سخطَ الربّ، وبغض الناس من حوله.
تقطع الأواصر الاجتماعيَّة في المجتمع الواحد.
تجعل صاحبها بأخبث المنازل.
يُعجِّل الله لصاحبها العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخِره له من العقوبة يومَ القيامة.
قاطِع الرحم يُعرِّض نفسه لعدم قَبول عمله.
الذي يبخل على أرحامه يعرِّض نفسه للعذاب.
قطيعة الرحم تخرب الديار.
قاطع الرحم يعرِّض نفسه لدخول النار.
قاطع الرحم لا يدخل الجَنَّة مع أول الداخلين.

وهناك أضرارٌ أخرى كثيرة غير ما ذكرت، فلنحذرها جميعًا، والله المستعان.

آداب صلة الرحم:
ينبغي تعلُّم بعض الآداب المتعلِّقة بصلة الرحم، ومنها:
النية الصالحة والإخلاص؛ فإنَّ الله تعالى لا يقبل إلا العمل الخالص، فيجِب أن نُخلص النية لله تعالى.
الاحتساب وانتظار الأجْر مِن الله تعالى، فلا تنتظر المقابلَ والمكافأة من الناس.
تجنُّب قطيعة الرحِم، أو الانشغال عنْ وصلها بمتاع الدنيا.
زيارتهم في بيوتهم، وتفقُّد أحوالهم، وإدْخال السرور عليهم بتقديم الهدايا لهم.
البَدء بالأقرب؛ فكلَّما كان ذو الرحم أقربَ، كانت صلته أوْجَبَ، ووجب على الواصِل أن يبدأ به.
صِلة الرحم بنُصحهم، وإرشاد ضالِّهم، وتذكير غافلهم، وهذا أعظم حقوقهم: إنجاؤهم مِن النار، ودلالتهم على طريقِ الجنة، وإعانتهم على الخير.
أن يقدِّم في صلته أتْقاهم لله؛ فهو أعظمُ حقًّا، وأزيد أجرًا، هذا مع كون الصلة للقريب الكافر أيضًا، خصوصًا إذا كان بغرَض دعوته للإسلام، كما تكون الصلة للقريب المسلم غير الصالح، ولا سيَّما إذا كانتْ بغرَض نُصحه وإرشاده، ودعوته إلى الخير، وتحبيبه إليه.
التصدُّق عليهم إنْ كانوا فقراء، فمَن تصدَّق على ذي رحِم، كان له ثوابان؛ ثواب على صَدقته، وثواب صِلته رحمه، كما في الحديثِ الصحيح في مسند الإمام أحمد.
تعلُّم النسب، وتفقُّد الأقارب الذين يمتُّون للمرء بقرابة بعيدة؛ فإنَّه إنْ أحسن النية في البحْث عنهم وصِلتهم، كان ذلك مِن أفضل أعماله، وهذا مما يَنبغي أن يحرِص عليه المؤمن الراغِب في الخير.
ألاَّ تكون الصلة على وجْه المكافأة.
المداومة على وصل ذي الرحِم القاطِع وتحمُّل أذاه.
تفقُّد أحوالهم، والسؤال عنهم، والدُّعاء لهم، وإكرامهم دائمًا، مع كفِّ الأذى عنهم.
العفو والصَّفْح عنهم، وهو تجنُّب السيئة بمثلها، والقطيعة بمثلها.
تجنُّب الخلوة بالأجنبية أو مصافحتها أثناءَ زيارة الأرحام، فإيَّاك أن تفعلَ حسنة بسيئة؛ أي: إنَّه ليس معنى صلة الرحم أن تخالِط النساء وتمازحهنَّ؛ فإنَّ هذا حرام تُذهب سيئاتُه بحسناته، ولتحذر أيضًا من أي مشاركة في المعاصي والمخالفات، ولو هانتْ.




ابوالوليد المسلم 17-05-2020 01:52 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(20)





محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif
الوسيلة السابعة: الإحسان إلى الجيران:
والجار هو مَن يقرب مسكنه منك، والجوار هو الملاصَقة في المسكن ونحوها.

وحدّ الجار: أربعون دارًا مِن كل جانب؛ مِن اليمين والشمال، والأمام والخلف.

والوصية بالجار مندوبٌ إليها في القرآن؛ قال تعالى: ï´؟ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ï´¾ [النساء: 36]، وفي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما زال جبريل يُوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه)).

والجيران ثلاثة أنواع: جار له حقٌّ واحد؛ وهو الكافِر، وحقه حق الجوار، وجار له حقان؛ وهو الجار المسلِم، له حقُّ الجوار، وحق الإسلام، وجار له ثلاثةُ حقوق؛ وهو جار مسلم ذو قرابة، فله حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القَرَابة.

ومن الأدب مع الجار:
1- أن تصِل الجار، وتُحسن إليه، ويكون ذلك بأمور، منها: إنِ افتقر أغنيتَه، إن استقرضَك أقرضته، إنْ أصابه خير هنأته، إنْ أصابه شرٌّ عزَّيتَه، إنْ مرِض عُدتَه، إنْ مات شيعت جنازته، وهذه كلها حقوق المسلِم على المسلم، ولكن الجار أحقُّ بها؛ لقُربه ومعرفة حاله في الأعمِّ الأغلب.

2- عدم إيذاء الجار؛ ففي صحيح البخاري: ((لا واللهِ لا يؤمِن، لا والله لا يؤمن، لا والله لا يؤمن))، قالوا: ومَن ذاك يا رسولَ الله؟ قال: ((جارٌ لا يَأمن جارُه بوائقَه))، قالوا: وما بوائقه؟ قال: ((شرّه)).
فيا له مِن أمان! ذلك الأمان أن يعيش الجيران في أمان؛ يأمَن بعضهم بعضًا، وهذا هو الإسلام.

3- أن تتحمَّل أذاه إنْ آذاك وتصبر؛ فإنَّ حق الجوار ليس كفَّ الأذى فقط، بل احتمال الأذى، ولا يَكفي احتمال الأذى، بل لا بدَّ مِن الرفق، وإسداء الخير والمعروف.

4- أنْ تعطيَه إن كان محتاجًا بغير مسألة منه ولا استشراف.

5- أن تُواسيه بما عندك؛ ففي صحيح مسلم أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لأبي ذر - رضي الله عنه -: ((يا أبا ذرّ، إذا طبختَ مرقةً فأكْثِرْ ماءَها، وتعاهَدْ جيرانك)).

6- إكرام الجار الأقرب فالأقرب؛ ففي صحيح البخاري: أنَّ أمَّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - سألت النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: إنَّ لي جارين، فإلى أيهما أُهْدي؟ قال: ((أقربهما منك بابًا)).

7- ألاَّ يحقِر الجار لجارِه ولو شيئًا يسيرًا؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا نساء المسلمات، لا تَحْقرَنَّ جارة لجارتها ولو فِرْسِنَ شاة))، والفرسن: هو رِجل الشاة.

8- صيانة عِرْضه وماله.

9- نُصحه وتوجيهه؛ فحقُّ المسلم على المسلم ستّ: ((إذا لقِيَه يسلِّم عليه، وإذا دعاه يُجيبه، وإذا استنصحه يَنصح له، وإذا عطس فحَمِد الله يُشمِّته، وإذا مرِض يَعوده، وإذا مات اتَّبعه))، كما في صحيح مسلم.

والمسلم غالبًا مطَّلع على أحوال جيرانه أكثر مِن غيره، فهو يعلم حاجته إلى ما ينصح فيه، فعَلَى المسلم أن يتعهَّد جيرانه بالنُّصح في السرّ، وبطريقة لطيفة تحبِّب تلك النصيحةَ إلى القلوب.

10- لا يجوز خِصامه أو هجره فوقَ ثلاث، كما في صحيح البخاري، وإذا كان هذا في حقِّ المسلم عمومًا، فهو في حقِّ الجار أوجب.

11- أن تحبَّ لجارك ما تحبه لنفسك؛ لما في صحيح مسلم: ((لا يُؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه - أو قال: لجارِه - ما يحبه لنفسه))، وهذه أهمها وأطيبها أن يدومَ بينكما الحبُّ والسلام والوئام، وتظهر المودَّة في الهدية والمعامَلة الطيِّبة، والكلمة الجميلة، والاحترام المتبادل.

الوسيلة الثامنة: السماحة واللين:
اجتهد يا ابنَ الإسلام، أن تتحلَّى بالسماحة واللين، ولا سيَّما في رمضان؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الحاكم، وصحَّحه الألباني: ((مَن كان سهلاً هينًا لينًا، حرَّمه الله على النار))، والأحاديث فيهما كثيرةٌ أيضًا، ومع السماحة واللين لا بدَّ مِن الرفق؛ فقدْ روى مسلم وغيره أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يا عائشة، إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرفق، ويُعطي على الرِّفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على سِواه))، وروى مسلم وأبو داود وأحمد: ((إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه)).

السماحة في البيع والشراء والتقاضي، وإنْ كانت داخلةً في عموم السماحة إلاَّ أنَّ لها مزيةً خاصَّة، وفضلاً عظيمًا؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذي وصحَّحه الألباني: ((إنَّ الله يحب سَمْحَ البيع، سمْح الشراء، سمْح القضاء))، وعند أحمد وحسَّنه الألباني: ((دخَل رجلٌ الجنة بمسامحته قاضيًا ومتقاضيًا)).

وروى البخاري أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتَضَى))، وقال: ((أدْخَل الله رجلاً كان سهلاً مشتريًا وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا الجنةَ))؛ رواه النسائي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، وحسَّنه في "صحيح الترغيب والترهيب".


ابوالوليد المسلم 18-05-2020 03:13 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(21)





محمود العشري

الوسيلة التاسعة: الوضوء الشرعي وإسباغه:
الوضوء مِفتاح الصلاة، بل لا يَقبل الله تعالى صلاةَ مَن أحدث حتى يتوضَّأ، والوضوء طهور، وهو عبادةٌ بها يغفر الله ذنوبَ المسلِم، فالطهور شطرُ الإيمان.

واعلم يا بنَ الإسلام أنَّك إذا توضأتَ فإنَّك تستعد وتتهيَّأ للدُّخول على الله - تعالى - فعليك أن تتوبَ إليه؛ لأنَّه جعل الغسل بالماء مقدمةً للغسل مِن الذنوب، فإذا تمضمضت فطهر لسانك مِن الغِيبة والنميمة؛ فإنَّما خُلق اللسان لذِكْر الله - تعالى - وتلاوة القُرآن والتسبيح والتهليل والتحميد، وإذا استنشقتَ فطهِّر أنفك أن تشمَّ محرَّمًا، وإذا طهرت وجهك فطهِّر نظرَك مِن ثلاث: من أن تنظر إلى محرَّم، أو إلى مسلِم بعين الاحتقار، أو إلى عيْب أحد، فكلُّك عيوب، وقد خُلِقت العينان لتهتدي بهما إلى الحقِّ وإلى الطريق المستقيم، ولتستعين بهما في الحاجات، وإذا غسلت يديك وطهرتهما بالماء فطهرهما مِن أن تؤذي مسلمًا، أو تتناول بهما محرَّمًا، أو تكتب بهما ما يُؤذي مسلمًا؛ فالمسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، وإذا مسحتَ رأسك فاعلم أنَّ مسحَه امتثالٌ لأمر الله وخضوع لجلاله، وتذلُّل بين يديه، وإظهار الافتقار إليه، وإذا غسلتَ رِجليك وطهرتهما فطهرهما مِن المشي إلى ما حرَّم الله، فما مِن عبد يخطو خطوةً إلا سُئل عنها: ماذا أراد بها؟

قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وصحَّحه الألباني: ((أيما رجلٍ قام إلى وَضوئه يُريد الصلاة، ثم غسَل كفَّيه نزلتْ خطيئته مِن كفيه مع أوَّل قطرة، فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلتْ خطيئته مِن لسانه وشفتَيه مع أوَّل قطرة، فإذا غسل وجهَه نزلتْ خطيئته مِن سمعه وبصره مع أوَّل قَطْرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورِجليه إلى الكعْبَين سلِم مِن كل ذنب هو له، ومِن كل خطيئة كهيئته يوم ولدتْه أمُّه، فإذا قام إلى الصلاة رفَع الله بها درجتَه، وإنْ قعَد قَعد سالِمًا)).

وفي صحيح مسلِم عن عثمانَ أنَّه توضأ، ثم قال: رأيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - توضَّأ مِثل وضوئي هذا، ثم قال: ((مَن توضَّأ هكذا، غُفِر له ما تَقدَّم مِن ذنبه، وكانتْ صلاتُه ومشيه إلى المسجد نافلةً)).

ومِن المُشاهَد مِن أحوال الناس أنَّ منهم من لا يُتقن الوضوء ولا يحسنه، وأنَّه ربما خرَج من وضوئه مأزورًا لا مأجورًا! إما بترْك واجب، أو بفِعل محرَّم منهيٍّ عنه في الوضوء، فوجَب تعلُّم أحكام الوضوء؛ لأهميةِ ثوابه وفضْله، ولتصحَّ به الصلاة، خاصَّة والعبدُ يُكرِّر هذا الوضوء في اليوم والليلة عدةَ مرَّات؛ ففي الصحيحين من حديث ابنِ عمر - رضي الله عنهما - قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلٌ للأعقابِ مِن النار)) مرَّتين أو ثلاثة، وهذا تحذيرٌ مِن عدم غسْل العقبين مع الرِّجلين في الوضوء.

ومِن الأدب في الوضوء:
1- التسمية؛ فقلْ عند غسل يديك: بسم الله.

2- استعمال السواك؛ لأنَّ السواك - كما في الحديث الصحيح في المسند – ((مَطْهرةٌ للفم، مرضاةٌ للربّ))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لولا أن أشُقَّ على أمَّتي، لأمرتُهم بالسواك معَ كلِّ وضوء))، وهو صحيح، وفي المسند.

3- الاقتصاد في الماء، وتجنُّب لطم الوجه بالماء.

4- ترْك الكلام والضحِك أثناء الوضوء؛ والكلام أثناء الوضوء غيرُ مستحبٍّ إلا لحاجة تفوتك؛ كأمْر بمعروف، ونهي عن منكر، وإرْشاد ضال، وردّ سلام.

5- الحِرْص على إسباغ الوضوء، خاصَّة في أوقات البَرْد.

6- الدُّعاء بعده، وذِكر ما ورد عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه النَّسائي والترمذي وابن ماجه وصحَّحه الألباني: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم اجعلني من التوَّابين واجعلني مِن المتطهِّرين؛ فُتحِت له ثمانية أبواب الجنة يدخُل مِن أيها شاء)).

7- صَلاة ركعَتين بعدَه بخشوع وكثرة ذِكْر لله، ولا يُحدِّث فيهما نفسه؛ ففي الصحيحين عن عثمانَ أنَّه توضَّأ، ثم قال: رأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - توضَّأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: ((مَن توضَّأ نحو وضوئي هذا، ثم صلَّى رَكعتَين لا يحدِّث فيهما نفْسه، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنْبه)).

وروى مسلِم في حديثٍ طويل عن عمرو بن عَبَسةَ في ثواب الوضوء وفضْله بزيادة في آخِره: ((فإنْ هو قام فصلَّى فحمِد الله وأثْنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل، وفرَّغ قلبه لله، إلا انصرَف من خطيئته كهيئته يوم ولدتْه أمُّه))، وعند أحمد وحسَّنه الألباني: ((مَن توضَّأ فأحسن وضوءَه، ثم قام فصلَّى ركعتين أو أربعًا - شكَّ سهل - يُحسن فيهما الذِّكر والخشوع، ثم استغفَر الله - عزَّ وجلَّ - غُفر له))، وعند أحمد وأبي داود، وقال الألباني: حسنٌ صحيح، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن توضَّأ فأحسن وضوءَه، ثم صلَّى ركعَتَين لا يسهو فيهما، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))، وعند أبي داود والنَّسائي وأحمد وصححه الألباني: ((ما مِن أحد يتوضَّأ فيُحسن الوضوء ويُصلِّي ركعتين يُقبِل بقلبه ووجهه عليهما، إلا وجَبَتْ له الجنة)).

تنبيه في غاية الأهمية:
كثيرٌ مِن الناس لا يُحسنون صلاتهم، بل قد يصلُّون صلاةً لا خشوع فيها ولا طمأنينة، بل قد لا يُتمُّون ركوعَها وسجودها، فتكون صلاتُهم بذلك باطلة، وهم يظنُّون أنفسهم من المصلِّين، فينبغي تعلُّم أحكام الدِّين، ومعرفة واجباتِ الصلاة وأركانها وشروطها وإتمامها، ومعرفة مبطلاتِ الصلاة والمحرَّم فيها واجتنابها؛ حتى يُعدَّ المرءُ مصليًا حقًّا، وينال ثواب وأجْر المصلِّين، وما أعظمَه!

قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد وصحَّحه الألباني: ((لا تُجزِئ صلاة الرجل حتى يُقيمَ ظهرَه في الركوع والسجود))، وعند أحمد وصحَّحه الألباني: ((لا يَنظُر الله إلى صلاة رَجلٍ لا يُقيم صُلبَه بين ركوعه وسجوده))، وعند أحمد أيضًا وصحَّحه الألباني كذلك، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أسوءَ الناس سرقةً الذي يسرِق صلاته))، قالوا: يا رسولَ الله، وكيف يسرقها؟ قال: ((لا يُتمُّ رُكوعها ولا سُجودها))، وقد رَوى الطبراني وحسَّنه الألباني أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً لا يُتمُّ ركوعه، وينقر في سجوده وهو يصلِّي، فقال: ((لو مات هذا على حاله هذه، مات على غير مِلَّة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -))، ولما سُئل عن تسويةِ التراب في السجود، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((لا تَمْسَحْ وأنت تصلِّي، فإن كنتَ لا بدَّ فاعلاً فواحدة تسوية الحَصَى)).

فكيف بالعابثين في صلواتهم بغير حاجة؛ كالذين يقِفون أمامَ الله وأحدهم ينظر في ساعته، أو يُعدِّل ثوبه، أو يضَع أصابعه في أنْفه، أو يرمي ببصره يمينًا وشمالاً وإلى السماء، ولا يَخشى أن يُخطف بصرُه، والله - عزَّ وجلَّ - يقول: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 2]؟!


8- المحافظة على الوضوءِ بعدَ كلِّ حدَث؛ لما في صحيح سنن ابن ماجه: ((ولا يُحافِظ على الوضوء إلا مؤمِن)).

9- الحِرْص على الوضوء قبلَ النوم، فحافظ - يا بن الإسلام - على أذْكار النوم وآدابه، والذِّكر والدعاء عندَ الاستيقاظ، فقد رَوَى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أتيتَ مضجعَك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة، ثم اضطجع على شِقِّك الأيمن، ثم قُل: اللهمَّ أسلمت وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك؛ رغبةً ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجَى منك إلا إليك، اللهم آمنتَ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلتَ.. فإن متَّ مِن ليلتك فأنت على الفِطرة، واجعلهنَّ آخِر ما تتكلَّم به))، قال: فرددتها على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما بلغتُ: اللهمَّ آمنت بكتابك الذي أنزلت، وقلت: ورسولِك، قال: ((لا، ونبيِّك الذي أرسلت))، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يَعقِد الشيطان على قافية رأس أحدِكم ثلاثَ عُقد إذا نام، بكلِّ عقدة يضرِب: عليك ليلاً طويلاً، فإذا استيقظ فذكَر الله انحلَّتْ عقدة، وإذا توضَّأ انحلت عقدتان، فإذا صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطًا طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفْس كسلان)).

10- أن يكونَ الوضوء في مكانٍ طاهر؛ لأنَّ المتوضئ يبدأ باسمِ الله تعالى ثم يدْعو بعدَ الوضوء مباشرةً، فلا ينبغي أن يكونَ المكان غير طاهر.

11- استحباب الوضوء لذِكْر الله تعالى.

ابوالوليد المسلم 18-05-2020 03:15 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(22)





محمود العشري


الوسيلة العاشرة: المحافَظة علَى الصلوات الخمس:

أخييا بن الإسلام: أصلِحْ صلاة الفريضة أولاً بالحِرْص على صلاة الجماعة في المسجد؛ فإنَّها واجبة على الرِّجال إلا مِن عذْر، ولا أحبُّ أن أذكرَ هنا الخلاف في المسألة ووجوه ترجيح الوجوب، ولكن إنْ شئت فراجِع في ذلك رسالة صلاة الجماعة للشيخ عبدالله السبت، ووجوب الصلاة في الجماعة للشيخ ابن باز، أما النساء فبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ.



واحرص يا بن الإسلام، على تكبيرة الإحرام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذي وصحَّحه الألباني: ((مَن صلَّى أربعين يومًا في جماعة لا تفوته تكبيرةُ الإحرام، كُتبت له براءتان: براءة مِن النار، وبراءة مِن النفاق))، فلِمَ لا يكون رمضان فرصةً عظيمة لمعاهدة النفس ألا تفوت تكبيرة الإحرام أبدًا خلال هذا الشهر، فإذا نجحت فاستمر على ذلك عشرة أيام بعد رمضان لتُحَصِّلَ الأجر.



إذًا، حاول تحقيق هذا الحديث، وكلما فاتتك تكبيرة الإحرام، فابدأ الأربعين مرة أخرى من جديد.



احرص على التطهُّر في البيت كما في صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تطهَّر في بيته ثم مشَى إلى بيت مِن بيوت الله؛ ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفَع درجة)).



احرصْ على الوصولِ للمسجد مبكرًا؛ فإنَّه مهم لصلاحِ القلْب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، خرجتْ خطاياه مِن جسده حتى تخرُجَ مِن تحت أظفاره))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند مسلم أيضًا: ((مَن توضأ فأحسن، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ اجعلْني من التوَّابين ومِن المتطهِّرين، فُتِحت له أبوابُ الجنة الثمانية يدخُل مِن أيها شاء)).



ثم إنَّ التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة، له فوائدُ عظيمة كثيرة، من أهمها:

1- ترديد الأذان والدُّعاء بعده، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ البخاري: ((مَن قال حين يسمع النِّداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامَّة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، وجبتْ له شفاعتي يومَ القيامة)).



2- المحافَظة على صلاةِ الجماعة، وقدْ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((صلاة الجماعة أفضلُ مِن صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درَجة)).



3- المحافَظة على تكبيرة الإحرام.



4- إدراك الصفِّ الأوَّل؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتَّفق عليه: ((لو يعلم الناسُ ما في النِّداء والصفِّ الأوَّل، ثم لم يجدوا إلا أن يستهِموا عليه، لاستهموا عليه، ولو يَعلمون ما في التهجيرِ لاستبقوا إليه، ولو يَعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا))، والتهجير: هو الحضورُ مبكرًا إلى صلاة الظهر وإلى كل الصلوات، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في صحيح مسلم: ((خيرُ صفوف الرِّجال أوَّلُها، وشرُّها آخِرها)).



وسبحان الله! أراك يا بن الإسلام تتساهل، ورغم صلاتك في الجماعة الأولى إلاَّ إنَّك تكون من شرِّ صفوف الرِّجال! فلماذا لا تُسارع أخي إلى الصفِّ الأوَّل؟! قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وصحَّحه الألباني: ((إنَّ الله وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ الأول))، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغفِر للصفِّ المقدَّم ثلاثًا، وللصفِّ الثاني مرَّة - كما رواه أحمد، وصحَّحه الألباني - ثم يسكُت ويلتفت ويُصلِّي.



لذلك أخي يا بن الإسلام، فإنَّ قضية الاحتساب تحتاج إلى بحْث، فابحث عن فضائل الأعمال، وهناك كتابٌ في فضائل الأعمال للمقدسي، ارجعْ إليه تجِد خيرًا كثيرًا - بإذن الله تعالى.



5- مِن فوائد التبكير كذلك: إدراك ميمنة الصفّ؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله وملائكته يصلُّون على ميامن الصفوف))؛ أخرجه ابنُ حبان، وحسنه شعيبٌ الأرناؤوط.



6- إدْراك التأمين وراءَ الإمام في الصلاة الجهريَّة؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((إذا قال الإمام: (ولا الضالين)، فقولوا: آمين؛ فإنَّ مَن وافق قوله قولَ الملائكة غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنْبه)).



يا للخيبة إنْ لم يغفر الله لنا! واللهِ خيبة ما بعدَها خيبة؛ لأنَّها مسألة سهلة جدًّا، بمجرَّد قولك: "آمين" منضبطة خلف الإمام - مع الإمام - يُغفَر لك، فماذا يمنعك؟! ولماذا تتأخَّر في إتيانك وتضيِّع منك المغفرة؟!



إنَّ الوعود بمغفرة الذنوب المتقدِّمة أخي كثيرة جدًّا، فبعد هذا كله إذا لم يُغفر لك، فكيف ومتى؟!



7- التبكير إلى المسجد يمكِّنك مِن الإتيان بالنوافل المشروعة بيْن الأذان والإقامة.



8- التبكير إلى المسجد دليلٌ على أنَّ القلب معلَّق بالمساجد، ومِن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة: ((رجلٌ قلْبه معلَّق بالمساجد))، كما في الصحيحين، فإذا اقترب موعدُ الصلاة فاهْرَع إلى المسجد.



9- التبكير إلى المسجِد وانتظار الصلاة سببٌ لحضور القلْب، وإقبال المرء على صلاته، وهذا الأمرُ هو لبُّ الصلاة، فكلما طال مكثُك في المسجد وذِكرك لله، زالتْ مشاغلُك ومتعلقاتك الدنيويَّة، وأقبلتَ على ما أنت فيه مِن قراءة وذِكر، فمهما كان عندَك مِن الهموم والمشاكِل في العمل، ومع الزوجة والأولاد والأقارِب، فصلِّ ركعتين: (واسجد واقترب) فستُرفَع عنك الهموم الأرضيَّة، وتُحلِّق في سماء الطاعة، أما إذا جئتَ متأخرًا إلى الصلاة، فاتَكَ كلُّ هذا الفضل والخير، أقبِلْ على الصلاة مبكرًا، واقعدْ بين الأذان والإقامة؛ ليمحوَ الله همومَك بالذِّكر والصلاة وإقبالك بكليِّتك على الله.



إن الذي يأتي متأخرًا سيظلُّ قلبه مشغولاً بما هو فيه مِن هموم الدنيا أثناءَ الصلاة؛ ولذلك تلاحظ أنَّ أوَّل الناس دخولاً المسجد هم آخِر الناس خروجًا منه غالبًا، والعكس صحيح، وما ذلك إلا لما ذكرتُه لك، فاحرِص.



10- المبكِّر إلى الصلاة يتمكَّن مِن قراءة القرآن بيْن الأذان والإقامة، فيحصُل على أجر عظيم.



11- المبكِّر إلى الصلاة يتمكَّن مِن الدعاء بين الأذان والإقامة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه أحمد وصحَّحه الألباني: ((الدعاءُ بين الأذان والإقامة لا يُرَدُّ))، وكذلك يتمكَّن من الإتيان بأذكار الصباح والمساء بعدَ الصبح وقبل المغرب.



12- إنَّ مَن يأتي مبكرًا إلى الصلاة يأتي غالبًا بسكينةٍ ووقار، فيكون متمثلاً لأمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيحوز حبَّه؛ ففي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعَوْن، ولكن ائتوها وأنتم تمشُون وعليكم السكينة، فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)) وفي الرواية الأخرى: ((إذا أتيتُم الصلاة ائتوها بسكينةٍ ووقار))، ومَن يأتي إلى الصلاة مبكرًا يأتي ماشيًا، ومَن يأتي متأخرًا يأتي مسرعًا.



وانتبه إلى أنَّك إذا خرجتَ إلى الصلاة لا تُريد إلا الصلاة حصَّلت أجرًا عظيمًا؛ ففي الصحيحين أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ أحدُكم فأحْسَن الوضوء، ثم خرَج إلى المسجدِ لا ينزعه إلا الصلاة، لم تزلْ رِجله اليُسرى تمْحو سيِّئة، وتَكتب الأخرى حسنةً، حتى يدخُل المسجد)).



اطرُدِ الشواغل وفرِّغ قلبك، واستشعر حلاوة الإيمان، واجعلِ الصلاة قرةَ عين لك.



أذكار الصلاة مهمَّة، تدبَّرْها، وابحثْ عن معانيها، وافهمْ ما تقول، واستحضر في قلبك معنَى ما تدعو به.



تدبَّر ما تتلو مِن القرآن في الصلاة؛ فإنَّه أدْعى لحُضور القلْب، واجعلْ قراءتك مِن المحفوظ الجديد، ولا تُصَلِّ بالعادة بسورٍ محدَّدة تُكرِّرها في كل صلاة.



احرص يا بن الإسلام غايةَ الحرص على مسألة الخشوع في الصلاة عمومًا، وأنصحُك لمساعدتك في تحصيلِ ذلك برسالة "33 سببًا للخشوع في الصلاة" للشيخ المنجد، وكذلك رسالة "الخشوع في الصلاة وحضور القلْب فيها وعلاج الوسوسة" للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين.



واحرص على كثرة الذَّهاب إلى المسجد؛ فإنَّ لذلك أجرًا عظيمًا؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((مَن غدَا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له نُزُلاً في الجنة كلَّما غدَا أو راح))، وقال: ((مَن توضَّأ ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاَّها مع الإمام، غُفِر له ذنبه))، والحديث صحيح، ورواه ابن خزيمة، وعن أبي هريرة عندَ مسلِم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن تطهَّر في بيْته، ثم مشَى إلى بيتٍ مِن بيوت الله؛ ليقضي فريضةً مِن فرائض الله، كانت خُطواته: إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترْفَع درجة))، وفي صحيح سنن الترمذي عن بريدة الأسلمي عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بشِّرِ المشَّائين في الظُّلم بالنور التام يومَ القيامة))، وفي صحيح سُنن أبي داود عن أبي أُمامة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن خرَج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجْرُه كأجر الحاجِّ المحرِم)).



ومع الحِرْص على الصلوات عمومًا، احرصْ على صلاة الفجر على وجه الخصوص؛ وإنَّما نصصتُ عليها؛ لأنَّ أثقل الصلوات على المنافقين الفجر والعتمة - العشاء - كما في حديث أبي هريرة المتَّفق عليه، لكن العشاء - العتمة - في زماننا صارتْ في وسط أعمالِ الناس، فأصبح الفجرُ حقًّا هو أشدَّ الصلوات على المنافقين في زماننا؛ قال تعالى: ï´؟ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين ï´¾ [هود: 114]، فمَن أراد أن يذكر الله فليحافظْ على الصلوات الخمْس، وإذا حضَر قلبه فيها فهو مِن الذاكرين لله تعالى، وقال تعالى: ï´؟ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ï´¾ [الإسراء: 78]، وقرآن الفجر؛ أي: صلاة الفجر، تشْهَدُها الملائكة، كما في الصحيحين: ((يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاةِ الفجر وصلاة العصر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلمُ بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون))، وقد رَوَى البخاري أنَّ: ((مَن صلَّى البَردين دخَل الجَنَّة)).



آداب الصلاة:

الصلاة، هي المَعين الذي لا ينضَب، والزاد الذي لا يَنفَد، إنها مِفتاح الكَنز الذي يُغني ويفيض، مَن حافظ عليها فهو السعيد الرابح، ومَن أضاعها فهو الشقي الخاسر، هي الشعار الفاصِل بين المسلِم والكافر؛ ففي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترْكَ الصلاة)).



إنَّ الصلاة في الإسلام بمنزلة الرأس مِن الجسد، فكما أنَّه لا حياةَ لمن لا رأس له، فكذلك لا دِينَ لمن لا صلاةَ له، فهي أجلُّ وأعظم مباني الدين بعدَ توحيد رب العالمين.



إنَّها الراحة النفسيَّة للأبدان والأرواح؛ فهي تخفِّف ما في النفوس مِن ضيق، وتزيل ما بها مِن الآلام، وهي قرَّة عيون الموحِّدين، وزادهم الذي يصبِّرهم حتى ينظروا في الجنة إلى وجه ربِّ العالمين.



ولذلك كان للصلاة آداب يَنبغي مراعاتها، وهي كثيرة، ومنها:

1- تعظيمُ قدْر الصلاة؛ كان عمر - رضي الله عنه - يكتُب إلى عمَّاله: إنَّ أهم أموركم عندي الصلاة، فمَن حفظها وحافظ عليها حفظ دِينه، ومَن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حَظَّ في الإسلام لمن ترَك الصلاة، وإنما حظُّهم من الإسلام على قدْر حظِّهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدْر رغبتهم في الصلاة.

2- حُسن الاستعداد لها بالتهيئة النفسيَّة واستشعار الخشوع قبلَ الدخول فيها.

3- الاستحضار الذِّهني لمعانيها وآدابها قبلَ الشروع فيها؛ فذلك عونٌ على الخشوع وحضور القلْب فيها.

4- تحسين الوضوء وإسْباغه، واستشعار معانيه مِن الطهارة الظاهِرة والباطنة استعدادًا لها.

5- إتمام رُكوعها وسجودها، وإعطاء كل رُكن حظَّه مِن الخشوع والاطمئنان.

6- إدراك معاني الذِّكر فيها وكثرته، وكثرة الدُّعاء، واستشعار القُرْب حال السجود.

7- المحافظة على صلاةِ الجماعة في المسجد.

8- تحسين الهيئة قبلَ الدخول في الصلاة؛ لأنَّ المصلِّي مقبِل على مالك الملك وملك الملوك، فأوْلَى أن يتزين له.

9- الإقبال على الصلاة بالسكينة والخشوع.

10- تجنُّب الالتفات والشرود؛ فهو اختلاسٌ يختلسه الشيطانُ مِن صلاة العبد، كما في صحيح البخاري.

11- عدم مجاوزة بصر المصلِّي موضعَ سجوده، وعدم تغميض عينيه، وعدم رفْع بصره إلى السماء؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بال أقوامٍ يرْفعون أبصارَهم إلى السماء في صلاتهم؟!))، فاشتدَّ قوله في ذلك حتى قال: ((لينتهُنَّ عن ذلك أو لتُخطفنَّ أبصارُهم)).

12- التفكُّر والتدبُّر لمعاني الآيات، وتجنُّب الغفْلة والسهو.

13- الاطمئنان في أدائِها، وتجنُّب العَجَلة في أرْكانها.

14- مدافعة التثاؤب ما استطاع، حتى ولو بأخْذ شفتِه السُّفلى بسِنِّه، فإن لم يقدرْ غطَّاه بكمِّه أو بيده اليمنى.

15- تطويل الرَّكعة الأولى عن الثانية.

16- يُندَب للرَّجُل إذا أصابَه في صلاتِه حادِث هام أن يُسبِّح، وللمرأة أن تصفِّق؛ كإنذار أعْمَى، أو تنبيه غافِل، أو لتنبيه الإمام بسهوٍ ما.

17- الإسراع في أداء الصلاة في أوَّل وقتِها وعدم تأخيرها.

18- الجلوس في المصلَّى عقِبَ كلِّ صلاة للاستغفار والذِّكْر والدعاء.

19- انتظار الصلاة بعدَ الصلاة، وهذا مستحب؛ كانتظار صلاة العِشاء بعد صلاة المغرب، أو انتظار طلوعِ الشمس بعدَ صلاة الصبح لأداء صلاةِ الضحى، واغتنام هذه الأوقات في الذِّكْر وتلاوة القرآن.

20- المحافظة على أداء السُّنَن التابعة للفرائض، فلا يَنبغي للمسلِم أن يتهاون بها، ولا يرخص لنفسه في ترْكها، ويستحبُّ أن يصليَها في البيت؛ ليجعلَ لبيته نصيبًا مِن صلاته.

21- السعي في تحصيلِ ثمرات الصلاة؛ مِن خشية الله تعالى، ومراقبته في جميع الأحوال والأوقات، والانتهاء عن الفُحشِ في الأقوال والأفعال.



ابوالوليد المسلم 18-05-2020 03:17 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 

https://dl.dropbox.com/u/63580683/a490.png



إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(23)





محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif


الوسيلة الحادية عشرة: المحافظة على صلاة الفجر خصوصًا:

فما أسهل أن ينطق اللسان بكلمة الإسلام، ولكن ما أصعب أن يترسخ الإيمان في قلْب الإنسان: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14]، كثيرًا ما يتنافَى كلام اللِّسان مع إيمان القلْب، كما أنَّ كثيرًا ما يَتنافى كلامُ اللسان مع أفعال الجوارح، والمؤمن الصادِق هو مَن وافق قوله عمله، وهو مَن أظهر بلسانه ما يُخفي في قلْبه، أما المنافقون فظاهرُهم قد يكون حسنًا وطاهرًا، ولكن قلوبهم قاسية كالحجارة، أو هي أشدُّ قسوة.



والله تعالى مطَّلِع على القلوب، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ويعلم المنافِق من المؤمِن، والكاذب مِن الصادق، لكنَّه شاء - سبحانه - أن يفرِض على عباده اختباراتٍ معيَّنةً تكشف سرائرَ القلوب وخبايا النفس، وتوضِّح أولئك الذين قالوا ما لا يفعلون، أو اعتقدوا ما لا يُظهرون، وغرض إظهارهم أن يقيم الله تعالى الحُجَّةَ عليهم؛ فلا يشعر أحدُهم يوم القيامة بظلمٍ ولا هضم، فإنَّه قد وضَع له اختبارًا واضحًا فرسَب فيه، كما أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أراد بهذه الاختبارات أيضًا أن ينقِّي صف المؤمنين مِن المنافقين؛ رحمةً من الله - عزَّ وجلَّ - بالصفِّ المؤمن؛ لأنَّ اختلاط المنافقين بالمؤمنين يُضعِف الصفوف، ويسبِّب الاضطراب، ويجلب الهزائمَ والنكسات.



قال - تعالى - في حقِّ المنافقين: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47]، فرحمة الله تعالى بالصفِّ المؤمن اقتضتْ أن يَفرض هذه الاختباراتِ للتفرقة بين المؤمنين والمنافقين، وبين الصادقين والكاذبين، هذه الاختبارات سُنَّة إلهية ماضية، وضَعَها الله تعالى لكلِّ البشَر بلا استثناء، منذُ خلق الله آدم - عليه السلام - وإلى يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 1 - 3]، ولهذه الاختبارات خصائصُ معيَّنة:

فأولاً: يجب أن يكونَ الاختبار صعبًا؛ لأنَّه لو كان سهلاً لنجَح فيه الجميع: المؤمن والمنافق، ولم تحدُث التفرِقة المطلوبة.

وثانيًا: يجِب ألاَّ يكون هذا الاختبار مستحيلاً؛ لأنَّه لو كان مستحيلاً لفشِل فيه الطرفان: المؤمِن والمنافق؛ ولذلك فالاختبار لا بدَّ أن يكون متوازنًا، صعبًا بالدرجة التي لا يقوَى فيها المنافقون على النجاح فيه، وغير مستحيل لكي يُعطي الفرصة للمؤمنين أن ينجَحوا.



واختبارات الله - عزَّ وجلَّ - للخلْق كثيرة ومتعدِّدة ومستمرَّة منذُ أول لحظات تكليف الإنسان، وإلى يوم مماته، فالجهاد في سبيلِ الله اختبار، نعمْ هو اختبار صعْب، ولكنَّه ليس بمستحيل، ينْجَح فيه المؤمِن، ويتخلَّف عنه المنافق، والإنفاق في سبيل الله اختبار، اختبار صعْب ولكنَّه ليس مستحيلاً، يقدِر عليه المؤمن، ولا يقدِر عليه المنافق، وحسن معاملة الناس اختبار، وكظْم الغيظ اختبار، والرِّضا بحُكم الله - عزَّ وجلَّ - اختبار، وبِر الوالدين اختبار، وهكذا، الحياة كلها - بهذا المفهوم - اختبار؛ يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2].



وتتفاوت درَجاتُ الصعوبة بيْن الاختبارات المختلفة، ولكنها في النهاية اختبارات، ومطلوب مِن المؤمن أن ينجحَ فيها كلها؛ ليثبتَ صِدق إيمانه، ويتوافَق لسانه مع قلْبه.



ومِن هذه الاختبارات الخطيرة اختبار صلاة الصُّبح، اختبار حقيقي، واختبار صعْب، لكنَّه ليس مستحيلاً، الدرجة النهائية في هذا الاختبار بالنسبة للرجال تكونُ بالمواظبةِ على صلاة الفجْر في جماعة في المسجد، أمَّا بالنسبة للنساء فتكون بالصلاة على أوَّل وقتِها في البيت، والفشل في هذا الاختبار الهام يكون بخروج الصلاة عن موعدِها الذي شَرَعه الله تعالى، وبيْن النجاح بتفوق والرسوب في الاختبار درجاتٌ كثيرة؛ هناك مَن يصلِّي معظم الصلوات في المسجد ويفوته بعضها، وهناك مَن يصلي بعض الصلواتِ في المسجد ويفوته معظمها، وهناك مَن يُصلِّي في بيته قبلَ خروج الوقت، وهناك مَن تفوته الصلاة في بيته ولا يصلِّي إلا بعدَ خروج الوقت، درجات كثيرة متفاوتة؛ ولكن يبقى النجاح المطلوب هو صلاة المؤمن في المسجِد في أوَّل الوقت.



هذا الاختبار هام للدرجة التي جعلتْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستخدمه دائمًا للتفرِقة بيْن المؤمِن والمنافق؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أثقل صلاة على المنافقين صلاةُ العِشاء وصلاة الفجْر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيُصلي بالناس، ثم أنطلِق معي برِجال معهم حزم مِن حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاةَ، فأحرِّق عليهم بيوتَهم بالنار))! ولكم أن تتخيَّلوا عِظمَ المشكلة، وضخامة الجريمة التي تدْفَع رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع رحمته وشفقتِه على أمَّته - لأن يَهُمَّ بتحريق بيوت هؤلاء، ولكني - والله - أرَى أنه مِن رحمته وشفقته قال هذه الكلمات؛ لأنَّه يُريد أن يستنقذَ أمَّته مِن نار الآخِرة بتخويفهم بنار الدنيا، وشتَّان بين نار الآخِرة ونار الدنيا.



وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا شكَّ في إيمان رجُل بحَث عنه في صلاة الفجْر، فإنْ لم يجده تأكَّد عنده الشكُّ الذي في قلبه، رَوى ذلك أحمد والنَّسائي والدارمي عن أُبيِّ بن كعْب - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلاة الصُّبح، ثم قال: ((أشَهِد فلان الصلاة؟))، قالوا: لا.. قال: ((ففلان))، فقالوا: لا.. فقال: ((إنَّ هاتين الصلاتين - الصبح والعِشاء - من أثقلِ الصلاة على المنافقين، ولو يَعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)).



والمنافقون لا يُدرِكون الخير الذي في صلاة الصُّبح في جماعة المسجد، ولو أدْرك هؤلاء هذا الخيرَ لجاؤوا إلى المسجد تحت أيِّ ظرْف، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأتوهما ولو حبوًا))، وأريدك أن تتخيَّل رجلاً كسيحًا لا يقوَى على السير، وليس هناك مَن يُعنيه على الحرَكة، ومع ذلك فهو يصرُّ أن يأتي المسجد يزْحَف على الأرض؛ ليدركَ الخير الذي في صلاة الفجْر في جماعة، فإذا أدركنا هذه الصلاةَ ثم نظرْنا إلى الأصحَّاء الذين يتخلَّفون عن صلاة الفجْر في المسجد، أدركْنا عِظم المصيبة.



وليس معنى هذا بالطَّبْع أن أتَّهِم أولئك الذين لا يُحافظون على صلاة الفجْر في المسجد في زمانِنا هذا بالنِّفاق، فأنا لستُ ممن يقيمون الأحكامَ على غيرهم، والله أعلمُ بظروفِ كلِّ مسلم، ولكني أذكُر ذلك الكلام؛ ليختبر كلٌّ منا نفْسَه، وليختبر أحبابه وأصحابه، وأولاده وإخوانه، إنْ كان المرء يهدر هذه الصلاة بصورةٍ منتظمة، فهذه علامةٌ واضحة من علامات النفاق، ومَن كانت به هذه العلامة فليراجعْ نفْسَه بسرعة، فإنَّه - ولا شكَّ - يُخشَى عليه مِن خاتمة السُّوء، نسأل الله العافيةَ والسلامة وحُسن الخاتمة لنا ولسائرِ المسلمين.



وقت صلاة الصبح:

كنت أتحدَّث عن موضوع صلاة الصُّبح في مجموعة مِن الأصدقاء، فدار بيني وبين أحدهم هذا الحوار:



قال: الحمد لله، أنا لا أنزل من بيتي إلاَّ إذا صليت صلاةَ الصبح، فسألتُه ببراءة: وأنت متى تستيقظ؟! قال: الساعة 7.30 تقريبًا! وأوَّل شيء أفعله أن أتوضأ وأُصلِّي الصبح!



قلت: سبحان الله! لقد فاتَ وقتُ الصبح! قال: كيف؟ أليس وقت كلِّ صلاة مِن أوَّل وقتها إلى وقتِ الصلاة الثانية؟! فيكون بذلك الصبح مِن أول ظهور الفجْر إلى صلاةِ الظهر؟! قلت: هذا الكلام صحيح بالنسبة لكلِّ الصلوات ما عدا صلاة الصبح، فإنَّ وقتَها مِن ظهور الفجْر إلى شروق الشَّمْس فقط، هذا الوقت المحدود الضيِّق الصعْب؛ ولذلك فهي اختبار، ولو كان الوقت مفتوحًا إلى صلاة الظهر، فأين الاختبارُ في ذلك؟!



إنَّ صلاة الصبح هي أقصرُ الصلوات المفروضة، فهي ركعتان فقط، ولكنَّها جعلت مقياسًا للإيمان، واختبارًا للصِّدق؛ لصعوبة وقتها، وعلى قدْر تعجُّبي من صاحبي الذي لا يعلم أمرًا مِن بديهيات هذا الدِّين، على قدْر حُزني من أنَّ الثقافة الإسلامية والعلوم الشرعيَّة وصلتْ إلى هذه الدرجة مِن الانحدار، حتى لا يعلم بعضُ المسلمين أو كثير مِن المسلمين أوقاتَ الصلاة المفروضة!



فأنا لا أتحدَّث عن وقتِ صلاة الضحى، أو وقت صلاة قِيام الليل، إنَّما أتحدث عن وقت صلاة الصبح! ذكَّرني ذلك بأمْرٍ من المضحِكات المبكِيات، وهو أحد معسكرات الشباب التابِع لأحد الأحزاب السياسيَّة؛ حيث كان برنامج المعسكر معلقًا على الجُدران في أكثر مِن مكان، وأول كلمة في هذا البرنامج هي: "الاستيقاظ وصلاة الصبح في الثامِنة صباحًا"! قلت: واللهِ هذه جريمة مع سبْق الإصرار والترصُّد! فالنيَّة مبيَّتة، والعزْم منعقد على تضييع فرْض مِن فروض الله - تعالى - ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله.



مواقيت الصلاة - أيُّها المؤمنون - أمورٌ توقيفية، بمعنى أنَّه ليس فيها اجتهادٌ من البشَر، لقدْ حُددت بدقَّة في أحاديثِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم تترك مجالاً لسوءِ فَهم، روى مسلمٌ عن عبدِالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وقتُ صلاة الصُّبح مِن طلوع الفجْر ما لم تطلعِ الشمس))، فليس هناك شكٌّ في وقتِ صلاة الصبح، وقد أكَّد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على هذا المعْنَى في حديثِ الترمذي عن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - حين قال: ((مَن أدرك ركعةً مِن صلاة الصبح قبلَ أن تطلُع الشمس، فقدْ أدرك الصبح))؛ أي: إنَّه مَن أدرك ركعةً كاملة قبل أن تشرقَ الشمس فقد أدرك صلاةَ الصبح في موعدها، أمَّا مَن لم يدرك - ولو ركعة واحدة - فقد أصبحتْ صلاة الصبح في حقِّه قضاءً، وهذا - ولا شكَّ - أمرٌ خطير.



لكن الأصعب مِن ذلك أنَّ اختبار التفرقة بيْن النفاق والإيمان، وبيْن الصِّدق والكذِب، ليس بمجرَّد الصلاة قبلَ شروق الشمس، ولكن النجاح الحقيقي والمطلوب في هذا الامتحان يكون بصلاة الجماعة في المسجِد، وليس في البيت، وهذا بالطبع في حقِّ الرِّجال، أمَّا في حال النِّساء، فإنَّه - وإنْ كانت صلاتهنَّ في المسجِد مسموحًا بها - إلا أنَّ صلاتها في بيتها أفضلُ وأكثر ثوابًا؛ وذلك لحديث أبي داود الصحيح عن ابن عُمرَ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تمنعوا نِساءَكم المساجد، وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ))، وكذلك لحديث أمِّ حُميد الساعديَّة - رضي الله عنها - في مسنَد أحمد بسَند حسَن، وكذلك في الطبراني أنَّها جاءتْ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسولَ الله، إنِّي أحبُّ الصلاة معك، قال: ((قد علمت، وصلاتُكِ في بيتكِ خيرٌ لك مِن صلاتكِ في حجرتكِ، وصلاتكِ في حجرتكِ خير لكِ من صلاتكِ في داركِ، وصلاتُكِ في داركِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومِكِ خيرٌ لك مِن صلاتكِ في مسجد الجماعة))، وتعظيم أجْر صلاة المرأة في بيتها رحمة مِن الله - عزَّ وجلَّ - بها ورَحْمة بالمجتمع، فهذا أدْعَى لتجنُّب الفِتنة، وأحفظُ للمرأة وأسترُ لها، كما أنَّ فيه حفاظًا على الأطفال بالبيت، وعلى كبار السِّنِّ وغير ذلك مِن المصالِح، وسبحان الله الذي أنْزَل هذا الشَّرْع المحكَم!



والذي يهمُّني الآن في هذا المقام أنَّ اختبار النِّفاق مِن الإيمان بالنسبة للمرأة يكون بالصلاة في أوَّل وقتِها، فتكون المرأةُ المؤمنة التي نجحَتْ في الاختبار هي التي صَلَّتِ الصبح في الوقت الذي يُصلِّي فيه الرِّجال في المسجد، وتكون المرأة التي لم يتمكَّن الإيمان مِن قلْبها هي المرأة التي تُدرِك الصبحَ بالكاد قبل أن تشرق الشمس، أو قد يتفاقَم معها الأمر فيضيع منها الفرضُ كليَّةً، فتصليه بعدَ شروق الشمس!



يا إخواني ويا أخواتي أبناء الإسلام،أنا لا أُريد أن أصَعِّبَ عليكم حياتكم، أو أُحَمِّلَكُم ما لا طاقةَ لكم به، ولكنِّي - واللهِ - أتحدَّث عن حقائق في شرْع الله - عزَّ وجلَّ - وأتحدَّث عن نصوص محكَمة لا لبس فيها ولا غُموض، وأتحدَّث عن اجتماع العلماء الذي لا اختلافَ فيه، فالذي يصلِّي الصبح بعدَ الشروق - متعمِّدًا - يترُك فرض الله متعمدًا! وهذا أمر بالغُ الخطورة؛ روَى الإمام أحمدُ عن أمِّ أيمن - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تترُك الصلاة متعمدًا؛ فإنَّه مِن ترَك الصَّلاة متعمدًا فقد برِئتْ منه ذمَّة الله ورسوله))، وهكذا؛ فالذي يضَع المنبِّه على الساعَة السابعة أو السابِعة والنِّصف - أي: بعد الشُّروق - يترُك الصلاة متعمدًا، وعليه أن يتحمَّل التبعات القاسية لذلك!



وعلى الناحية الأخرى: ما هي أحبُّ الأعمال إلى الله؟! سأل عبدُالله بن مسعود - رضي الله عنه - رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا السؤال، فأجاب كما جاء في البخاري ومسلم قائلاً: ((أحبُّ العملِ إلى الله - تعالى - الصلاةُ على وقتِها))، قال عبدالله: ثم أيّ؟ قال: ((برّ الوالدين))، قال: ثم أيّ؟ قال: ((الجِهاد في سبيلِ الله)).



فانظر - رحمك الله - كيف قدم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إقامة الصلاةِ في أوَّل وقتها على برِّ الوالدين على عِظمه، وكيف قدَّمها على الجهاد في سبيلِ الله الذي هو ذِروة سنام الإسلام!



وسبحان الله! لا أدْري كيف سقَط الصبح مِن حسابات المسلمين؟! فمعظم المسلمين الذين يحافظون على صلواتهم تجِدهم حريصين على صلاة الظهر قبل أذان العصر، وعلى صلاةِ العصر قبل أذان المغرب... وهكذا، أمَّا الصبح، فيكاد يكون الفريضةَ الغائبة، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله.



مستحيل أن يكون ذلك مستحيلاً!

يقول أحدهم: قد علمتُ ميعاد صلاة الصبح، ولكن للأسف "يستحيل" عليَّ الاستيقاظ في هذا الموعد! أنت لا تعلم "ظروفي"، أنا طاقتي لا تسمح، أنا ظروف عملي لا تُمكِّنني، أنا ظروف البيت والمعيشة لا تُساعدني، واللهُ - كما تعلم - غفورٌ رحيم، سيُراعي ظروفي هذه، ويغفر لي!



نقول: أمَّا قضية أنَّ الله غفور رحيم، فهذا كلام حق أُريد به باطِل، وهذا من أوسع مداخِل الشيطان، فإنْ كان الله - عزَّ وجلَّ - يغفر لكل الناس، الصادِق والكاذِب، والمطيع والعاصي، والمحب لشرعِه والكارِه له، إنْ كان الأمر كذلك ففيمَ العمل؟! ولماذا الاجتهاد؟! ولماذا يرهق المطيع لله نفْسَه، ويستيقظ في جوف الليل، وفي شدَّة البرد، وينزل إلى المسجد؟!



إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - الغفور الرحيم يغفر لمن سعَى للمغفرة مِن عباده، فلا يكفي قول اللِّسان، ولكن لا بدَّ مِن عمل، اقرأ وتدبَّر في قوله - تعالى -: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه: 82]، ليس كل الناس يغفر لهم، لا بدَّ مِن توبة صادِقة، وإيمان عميق، وعمل صالح، وهداية إلى طريقِ الله - عزَّ وجلَّ - والله الغفور الرحيم كثيرًا ما يقرِن هذه الصفات بصفاته الأخرى التي تحمل معاني العقاب والجزاء والانتقام ممَّن خالفه وخالَف شرعه؛ ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49 - 50]، فهذه إلى جوار تلك، وبذلك تستقيم حياة الناس.



وأما أنَّه "يستحيل" في حقِّ إنسان أن يستيقظَ لصلاة الصبح في موعدها، فهذا الكلام يحتاج إلى وقفة، ووقفة هامَّة جدًّا، أنا لا أشكُّ لحظةً - يا بن الإسلام - في أنَّه "يستحيل" أن يكونَ استيقاظك للصبح "مستحيلاً"! ولماذا هذا اليقين؟! تفكَّر معي - هداني الله وإياك إلى طاعته -:

أولاً: يقول الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]، وهذه قاعدةٌ أصيلة مِن قواعد الشرع، هذا القانون وهذا الشرع ليس قانونًا وضعيًّا مِن وضْع البشر، فيحتمل فيه أن يكون مناسبًا أو غير مناسب، ولكن هذا القانون مِن وضع ربِّ العالمين - سبحانه وتعالى - الذي خلَق الإنسان ويعلم وسعَه وطاقته علمًا مطلقًا؛ ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير [الملك: 14]، فكلُّ أحكام الشرع هي في مقدورِ البشر، لا أشكُّ في ذلك، فلتسأل نفْسَك يا أخي، ولتسألي نفسك يا أختي: هل صلاةُ الصبح في هذا الوقت تكليفٌ مفروض أم أنها ليستْ تكليفًا ولا فرضًا؟ وهل هي مفروضةٌ على كلِّ المؤمنين أم أنَّ هناك طوائفَ مستثناة؟! والإجابة واضحة؛ وهي: أنَّ صلاة الصبح فرضٌ على كل المسلمين، وحيث إنَّ المسلم يؤمِن بعدل الله وبحِكمته وبعِلمه، فإنهَّ لا يستقيم لمسلِم مؤمِن بالله - عزَّ وجلَّ - أن يفترضَ أنَّ قيامه لصلاة الصُّبح في موعدِها أمرٌ مستحيل، هذه واحِدة.



ثانيًا: بعض المشاهَدات الأمريكيَّة:

المنظر الأول: في زيارة لأمريكا وعندَ عودتك مِن صلاة الفجر بمسجد المدينة، ويكون ذلك في السادسة صباحًا تقريبًا، تجِد الشوارع الرئيسية والطرق السريعة مزدحمةً بالسيارات تمامًا! وقد تتعجَّب في أوَّل الأمر، ولكن بعد ذلك تتعوَّد على هذا المنظر، إنهم يستيقظون للذَّهاب إلى أعمالهم، وكثير منهم يعمل في أماكنَ بعيدة جدًّا عن بيته فيضطر إلى الاستيقاظِ في الخامسة صباحًا - وقت صلاة الفجْر - لكي يذهب إلى عمَله في موعدِه، كل هؤلاء البشَر من نصارَى ويهود وملاحِدة - وهم كثُر - يستيقظون لدُنياهم في موعِد صلاة الفجْر، لقد سمحتْ طاقتهم البشريَّة بهذا الاستيقاظ، فلماذا لا تسمح طاقةُ المؤمنين بمِثل هذا الاستيقاظ المبكِّر؟!



المنظر الثاني: حضَر أحدُ الأطبَّاء مؤتمرًا طبيًّا كبيرًا في أحدِ المُدن الأمريكيَّة، وفوجئ بأنَّ جلسات المؤتمر تبدأ في السادسة صباحًا! نعمْ - والله - يا إخواني! الجلسة الأولى كانتْ في السادسة صباحًا، ولما كانت صلاة الفجر في هذه الأيام متأخرة نسبيًّا، فقدِ انتهى من الصلاة في الساعة السادسة والرُّبع تقريبًا، فذَهَب إلى المؤتمر في ذلك التوقيت، وكان على يقين وهو في طريقه إلى هناك أنه سيجِد القاعة الكبيرة التي تشهد الجلسة الأولى خاويةً على عروشها، فمن ذا الذي سيأتي في هذا الوقت المبكِّر جدًّا جِدًّا لحضور جلسة علميَّة، ووصل إلى القاعَة، وفوجِئ بما لم يكُن يتخيَّله! فقدْ كانت القاعة مليئةً عن آخرها - وهي تسَع حوالي ثلاثة آلاف شخص - وبالكاد وجَد مكانًا في آخر القاعة، وجلَس يستمع وهو في دهشة، كيف استطاع هؤلاء القوم أن يُكيِّفوا حياتهم بالصورة التي تمكِّنهم من حضور جلسة علمية - اختيارية وليستْ إجبارية - في السادسة صباحًا؟! ولماذا لا يستطيع كثيرٌ من المسلمين تكييف حياتِهم لحضور صلاة - إجباريَّة، وليستِ اختيارية - في نفْس هذا الموعد؟! ويوم يستطيع المسلِمون أن يجيبوا عن هذه الأسئلة يوم أن يكتب لهم التمكين في الأرْض - إن شاء الله!!



المنظر الثالث: منظَر أكثر دراميَّة وأشد تأثيرًا:

كثيرًا ما تجد رجالاً أمريكيِّين ونساءً أمريكيات في الشوارع وأنتَ في طريقك إلى صلاة الفجْر! وأقول: وأنت ذاهِب وليس وأنت عائد!.. بمعنى أنهم كانوا يستيقظون قبلَ ميعاد الفجر لغرَض هام جدًّا في حياتهم! ما هذا الغرض الهام الذي من أجله استيقظ الأمريكي أو الأمريكية قبل الخامسة صباحًا، ولبس ملابسه، وخرَج في الجو البارد جدًّا جِدًّا إلى شوارع المدينة؟ إنهم يفَسِّحون كلابهم في الهواء النَّقِي!!



يستيقظ الأمريكي أو الأمريكية في الساعة الرابعة والنِّصف فجرًا؛ لأنَّ قلْبه - أو قلبها - يتفطَّر على الكلب الذي يبقَى محبوسًا في البيت طيلةَ اليوم! فيستيقظ في هذا الوقت المبكِّر جدًّا؛ ليستطيع الكلب أن يشمَّ الهواء النَّظيف في الشارِع! وأرجو منك أخي - يا بن الإسلام - أن تحلَّ معي هذه المسألة المعقَّدة: الأمريكي - نصرانيًّا كان أو يهوديًّا أو ملحدًا - يستيقظ فجرًا مِن أجْل الكلب! وبعض المسلمين، أو كثير مِن المسلمين، أو إنْ شئت فقل: معظَم المسلمين لا يستيقظون مِن أجْل الله - عزَّ وجلَّ! فبالله عليك كيف يكون حلُّ هذه المسألة؟! كيف يمكن أن يكونَ حب الكلب دافعًا لصاحبِه للاستيقاظ؟! وكيف لا يُمكن أن يكونَ حب الله - عزَّ وجلَّ - دافعًا للعبْد للاستيقاظ؟!



الإمكانيات البشريَّة البدنيَّة تسمح بالقيام، لكن الإمكانيات القلبيَّة عندَ أولئك الذين لا يستيقظون تُعاني من فقْر شديد! نسأل الله السلامة والعافية.
يتبع


ابوالوليد المسلم 18-05-2020 03:18 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 


ثالثًا: لنترك المشاهدات الأمريكية، ودعونا نتجوَّل في بعض المشاهدات في داخلك وداخلي وداخل كلِّ مسلم:

المنظَر الأول: أنت مسافِر إلى الإسكندريَّة أو إلى أسوان، أو إلى لندن أو إلى باريس، عندك موعِد في القِطار أو في الطائِرة الساعة السادِسة صباحًا، هل إمكانياتك البشريَّة تسمح لك بأن تصِلَ إلى القطار أو الطائرة في الموعِد، أو أنَّ إمكانياتك البشريَّة لا تسمح؟! هل الوصول إلى المحطَّة أو إلى المطار في هذا الموعِد المبكِّر يدخل في حدود الوُسع أمْ أنَّ الوسع لا يسمح بذلك؟!



المنظر الثاني: أنت تعمل في مكانٍ بعيد عن منزلك، والعمل يبدأ في السابعة صباحًا، هل تستطيع أن تستيقظَ مبكرًا في موعد الفجْر أو قبله للذَّهاب إلى عملك؟ أم أنَّك ستعتذر كلَّ يوم لرئيسك في العمل أنَّ ظروفك لا تسمح بالحضور مبكرًا، أو أنَّ إمكانياتك البشريَّة ضعيفة؟! لماذا لا نَستطيع الاعتذارَ لرؤسائنا مِن البشر، ونستطيع كلَّ يوم أن نعتذِرَ لله - عزَّ وجلَّ - الذي خَلَقَنا وخلَق رؤساءَنا؟!



المنظر الثالث: منظَر افتراضي تخيُّلي: تخيل لو أنَّ رجلاً من أغنياء القوم وعَدَك بأنه سيعطيك ألفًا مِن الجنيهات كلَّ يوم في الساعة الخامِسة صباحًا إذا أتيتَ له في هذا الموعد، أكُنتَ تذهب؟ أم كنت تُعلِّل بأنك نمت متأخرًا، أو أنك مرتبط بموعِد بعد ذلك فلا تستطيع القُدوم؟! تخيَّل أنك ذهبتَ إليه بالفعل وأخذت الألف الجنيه يوميًّا، وظللت على هذه الحالة سنةً كاملة، فإنَّك تكون قد حصلت على: 365 ألف جنيه، أليس كذلك؟! ثم تخيَّل بعد ذلك أنَّه قد جاءك الموت بعدَ نهاية هذه السَّنة - وهو أمرٌ وارد طبعًا حتى قبلَ انقضاء السَّنة - تخيَّل نفسك وأنت ذاهبٌ إلى قبرك محمولاً، تخيَّل نفسك في هذا المقام، وأجِب عن هذا التساؤل بصِدق: أتودُّ أنَّك تدخل قبْرَك ومعك 365 ألف جنيه، وليستْ معك صلاة فجر واحدة؟ أم أنَّ الأفضل أن تدخُل قبرك ومعك 365 صلاة فجر، وليس معك جنيهٌ واحد؟ أجِب بصِدق يا بن الإسلام! أيهما يبقَى وينفع؟ كيف تفسِّر قيام الناس لجمْع المال وعدم قيامِهم لجمْع الحسنات؟ أهو شكٌّ في الموت؟ أم شكٌّ في البعث؟ أم شكٌّ في الله - عزَّ وجلَّ؟! وإن لم يكن هناك شكٌّ في كلِّ ذلك فكيف تفسِّر استهتارَ كثير من المسلمين بالموت مع عِلمهم بقدومه بغتةً، وكيف تفسر استهتارَهم بالله - عزَّ وجلَّ - مع عِلمهم بمراقبته لهم وقُدرته عليهم؟!



تساؤلاتحائِرة في ذِهني، أجبني عنها، يا مَن لا تستيقظ لصلاةِ الفجْر.



المنظر الرابع: منظَر دِرامي، لو أنَّ زوجتَك أو والدتك أيقظتْك في الرابعة صباحًا وهي تصرُخ: "لقد شبَّت النيران في منزل جِيراننا"!! أجبْني بصِدق: هل كنتَ تقفز مسرعًا مِن فراشك، وترتدي ملابسَك - أو حتى لا تَرتديها - وتجري أنت والعائلة إلى خارج البيت؟! أم كنت ستقول للزوجة أو الوالدة: اترُكيني أنام، أنا مرهَق، لقد نِمْت متأخرًا، وعندي أعمالٌ كثيرة بالصباح، وإنْ شاء الله ستطفئ النار وحدَها؟! أجِب بصدق؛ أيهما أشد تخويفًا: نار في بيت الجيران أم نار الجَحيم يوم القيامة؟! أيهما أشدُّ إيلامًا: نار الدنيا أم نار الآخِرة؟ لماذا هذا التراخِي الشديدُ مع نار الآخِرة مع عِلْمنا أنَّها حق، وأنَّها لا تُطفأ؟! ولماذا هذه الرهبة من نار الدُّنيا على تفاهتها إذا قُورنت بنار الآخرة؟! روَى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((نارُكم هذه التي يُوقِد ابن آدم جزءٌ مِن سبعين جزءًا من حرِّ جهنم))، قالوا: واللهِ إنْ كانت لكافية يا رسولَ الله، قال: ((فإنَّها فُضِّلتْ عليها بتسعة وستِّين جزءًا كلها مثل حرِّها))، وروى مسلِم والترمذي عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُؤتَى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كلِّ زمام سبعون ألف ملَك يجرُّونها))، وروى الترمذيُّ وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أُوقد على النار ألْف سنة حتى احمرَّتْ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضَّتْ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلِمة))، وفي رواية ابن ماجه: ((فهِي كالليل المظلِم)).



فلتعلم - يا بن الإسلام - أنَّ الذي يحرص على صلاة الصُّبح سيَكتب الله - عزَّ وجلَّ - له ضمانًا مِن دخول نار الآخرة؛ اقرأ بقلبك هذا الحديث الذي رواه مسلم عن عمارة بن رُؤيبةَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني: الفجر والعصر)).



وبعد هذا الاستعراض لإمكانيات البشَر ولوسعِ البشَر ولطاقة البشَر، أعتقِد أنه مِن المستحيل أن نجِدَ من يقول: إنَّه من المستحيل عليّ أنْ أستيقظَ لصلاة الفجْر، إنَّما الأمر يعود إلى الإرادة، هل تُريد أم لا تريد؟!



واحذر - يا بن الإسلام -أنْ تمرَّ عليك الأيام والشهور والسِّنون ثم تكتشف أنَّ أيامًا غالية قد مَرَّت، فحتى إن كتَب الله لك عمرًا حتى تتوبَ وترجِع إليه، فكيف ستُعيد تلك الأيام التي مرَّت؟! احذر مِن يوم ترغب فيه الذَّهاب إلى المسجد فلا تستطيع؛ إما لضعْف أو مرَض أو موت، وتذكَّر دائمًا حديث رسولنا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - والذي رواه الحاكم بسندٍ صحيح عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - حيث قال: ((اغتنمْ خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرمِك، وصحَّتَك قبل سقَمك، وغِناك قبل فقْرك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك))، وفَّقني الله وإيَّاكم إلى ما يحبه ويرضاه.



صلاة الصبح صلاة فريدة:

عندما تقرأ في كتابِ الله - عزَّ وجلَّ - وعندما تقرأ في أحاديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تستطيع بوضوحٍ وبسهولة أن تُدرِك أنَّ صلاة الصبح صلاةٌ فريدة، هذه الصلاة العظيمة لها مِن المكانة في الإسلام والقِيمة في الشَّرْع ما يلفِتُ الأنظار حقًّا، فهناك فيضٌ هائل مِن الأحاديث يشجِّع على هذه الصلاة، ويُعلي مِن شأن المحافظين عليها، ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو المربِّي الواعي الفاهِم لطبائع البشَر، والمدرك لنوازِع النفْس - يعلم أنَّ وقت صلاة الصبح وقتٌ صعب، وأنَّ المسلم إذا ترَك نفسه لنفسه، فسوف تأمُرُه نفسه هذه بالراحة وترْك الصلاة المكتوبة؛ ï´؟إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيï´¾ [يوسف: 53]؛ لذلك فإنَّ الرسولَ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد خصَّ هذه الصلاةَ العظيمة بخصائصَ فريدة، وصفات معيَّنة لا تتكرَّر في غيرها مِن الصلوات، ومجموع هذه الصِّفات يدْفَع المؤمِنَ الصادِق دفعًا إلى التمسُّك بهذه الصلاةِ في جماعة بكلِّ طاقته، ويحمِّسه أشد التحميس أن يُضحِّي بالغالي والثمين؛ لكي لا يَضيع منه فرضٌ واحد مهما كانتِ الظروف أو العراقيل، وقد عددت لك يا بن الإسلام مِن هذه الخصائص عشرًا، أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يَنفعني وإيَّاك بها.



1- أجْر بلا حدود:

الذي يُصلِّي الصبح في جماعة يأخُذ كلَّ المزايا التي يأخذها الذي يصلِّي أي صلاة أخرى في جماعة، ويأخُذ فوقها أمورًا خاصَّة بصلاة الصُّبح فقط، فهو كمصلٍّ للجماعة بصِفة عامة تُحسب له الصلاة بخمس وعشرين أو سبْع وعشرين صلاة، وتُكتب له الحَسَنات، وتُمحَى عنه السيِّئات، وتُرفَع له الدرجات، وتُصلِّي عليه الملائكة، وغير ذلك مِن أمور صلاة الجماعة بصِفة عامَّة، غير أنَّ صلاة الصبح بها مزايا خاصَّة جدًّا غير بقيَّة الصلوات، منها:



الخير الأول:

روى مسلمٌ عن عثمانَ بن عفَّان - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى العِشاء في جماعة فكأنَّما قام نِصف الليل، ومَن صلَّى الصبح في جماعة - أي: مع العشاء كما نصَّ على ذلك حديث أبي داود والترمذي - فكأنَّما صلَّى الليل كله))، هل تستطيع أن تُصلي الليل بكامله؟! لقدْ أعطاك الله - عزَّ وجلَّ - بفضْله وكرمه هذا الأجْرَ إذا صليتَ الفجْر والعشاء في جماعة، ومعلومٌ أنَّ أجر قيام الليل عظيمٌ وجليل، ولكن أعظم منه أن تُصلي الفجر في جماعة، فإذا علمتَ هذا الفضْل في صلاة الفجْر في جماعة، فمِن فضلك ساعدني في إجابة هذا السؤال الذي سألتُه مِن قبل لجموع المصلين المحتشدين لصلاةِ التهجُّد في ليلة السابِع والعِشرين مِن رمضان، وقد نصَبوا أرجلهم لله - عزَّ وجلَّ - الساعاتِ الطوال، وبذَلوا مجهودًا مضاعفًا؛ بغيةَ إدراك قيام هذه الليلة المبارَكة، سألتهم فقلت: ترَى هل قيام ليلة القدْر بكاملها أفضل أم صلاة الفجر في جماعة في شهر شوَّال أو صفر أو رجب أو أي شهْر غير رمضان؟! أيهما أثقلُ في ميزان الله - عزَّ وجلَّ؟! أيهما لو فاتك تحْزَن أكثر؟! وأيهما لو فاتَك تُلام من الله أكثر؟! ألسْنَا يا إخواني نُصلِّي لله؟! ألسنا ننصِب أقدامنا وقوفًا بالساعات الطوال في ليلةِ القدْر؛ بغيةَ أن يَرضى الله علينا؟! فإذا علمنا أنَّ رضا الله - عزَّ وجلَّ - علينا لا يكون إلا بقضاء فرائضه في موعدها، وبالطريقة التي أمَرَنا بها، وفي المكان الذي أراده، فلماذا نقدم شيئًا أخَّره الله - عزَّ وجلَّ؟! ولماذا نؤخِّر شيئًا قدَّمه الله - عزَّ وجلَّ ؟! ليس هذا تَقليلاً من شأن ليلة القدْر أبدًا، حاشا لله! فهي أعظمُ ليلة في السَّنة، وهي خيرٌ مِن ألف شهْر، ولكنَّها تبقى في النهاية نافِلة، ولا تُقدَّم على الفرض أبدًا.



هل يَستقيم لك في يومِ ليلة القدْر أن تترُك صلاة المغرب أو العشاء وتقوم بعدَ ذلك الليل بكامله؟! يقينًا هذا لا يستقيم.

هل تستطيع أن تُصلي عشرين ركعةً نافلة لصلاة الظهر، ثم لا تُصلي الظهر نفسه؟ هل ينفعك أن تصومَ الاثنين والخميس طوالَ السَّنة ثم تفطر متعمدًا دون عُذْر في رمضان؟!



إذا كانتِ الإجابة عن كل هذه الأسئلة هي: لا، فلماذا يَقبل المسلمون أن يضيعوا صلاة الفجْر؟! أليست فرضًا كالظهر والعصر، وكصيام رمضان، وكالزكاة المفروضة؟! الله - عزَّ وجلَّ - علَّمنا أنَّ الفروض بصفة عامَّة مقدَّمة على النوافل بصِفة عامة؛ قال - تعالى - في الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((قال الله - عزَّ وجلَّ -: وما تقرَّب إليَّ عبْدي بشيءٍ أحبَّ إلي ممَّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه..))، إذًا - كما هو معلومٌ من الدِّين بالضرورة - قيام ليلة القدْر بكاملها نافِلة، وصلاة الصُّبح في أيِّ يوم من أيام السَّنة فرض، إذا علمتَ كل ذلك، فخبِّرني بالله عليك: لماذا يتكالَب الناس على الصلاة في ليلة القدْر في المساجد حتى يملؤوها عن آخرها، بل ويملؤوا الشوارع المحيطة بالمساجِد، ثم تُفاجأ بعد انتهاء رمضان أنَّ هذه الجموع الهائلة تتخلَّف عن صلاة الفجْر في المسجد؟! لماذا يا عبادَ الله؟! هذا غيابٌ حقيقي للفَهم الصحيح لهذا الدِّين.



الناس - للأسف - تنبهر بالجديدِ غير المألوف، وتزْهَد في الأمر الذي تعوَّدتْ عليه، فصلاة القيام في ليلةِ القدْر تأتي مرةً في العام، لكن صلاة الفجْر تأتي كلَّ يوم، فيفقد الناسُ الإحساس بقيمة صلاةِ الفجر، ويَصبُّون كل اهتمامهم على قيام ليلة القدْر، وأنا أقول لك يا أخي - يا بن الإسلام -: ليلة القدر لا يلتقطُها العبد بالمصادَفة! ليلة القدر هديةٌ لمن حافَظ على الفروض، ليلة القدر منحةٌ لأولئك الذين اجتهدوا طوالَ السَّنة.



العبادة يا إخواني ليستْ مقامرة! هل مِن المعقول أنَّ الذي يعبد الله - عزَّ وجلَّ - عشرة أيام في السَّنة أو يومًا في السَّنة كالذي يعبده طولَ السَّنة؟! هل من المعقول أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يعتق رقابَ أولئك الذين لم يقوموا الليل له إلا عشرةَ أيَّام تمامًا كالذي يستيقظ كلَّ يوم في وقتِ الفجر ليقضيَ الفرض الذي كتبه الله عليه؟!



يا عباد الله، إنَّ الله يحاسب على الذرَّة وعلى القِطمير؛ ï´؟وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَï´¾ [غافر: 58]، دِيننا يا إخواني دينٌ منظَّم وواضح، الذي يجب أن يكونَ هو أنْ يتكالب ويتسابق ويتنافس الناسُ على صلاة الفُروض في جماعة أكثرَ مِن صلاة النوافل ولو كانتْ ليلةَ القدر، وهذا ليس كلامي، إنَّما هو كلامُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لو يَعلمُ الناس ما في النِّداء والصفِّ الأوَّل ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه، لاسْتَهموا))، إجراء قُرعة من كثرة الحشود الحريصة على الصفِّ الأول! ((ولو يعلمون ما في التهجير - التبكير - لاستبقوا إليه، ولو يَعلمون ما في العَتمة - العشاء - والصُّبح، لأتوهما ولو حَبوًا)).



وقدْ يقول قائل: إنَّ الدعاء مستجابٌ في ليلة القدر؛ ولذلك يحرِص الناس عليها، وأقول له: صدقت، فالدعاء ليلة القدْر مستجاب، وهي كما ذكرت أعظمُ ليلة في السَّنة، وأسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يبلِّغنا إياها، ولكن هل هذا هو الوقْت الوحيد للإجابة في العام؟! إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أعطى لك نفْس الفرصةَ في كل لحظة مِن لحظات عمرِك! إنَّه - سبحانه وتعالى - هو القائل: ï´؟وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْï´¾ [غافر: 60]، وقال سبحانه: ï´؟وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونï´¾ [البقرة: 186]، ما عليك إلا أن تدْعو، وسيستجيب الله لك، في أيِّ وقتٍ وفي أي ظرْف وطول العُمر، فإن قلتَ: ولكنْ هناك أوقات شريفة تكون فيها الإجابة أقرب، قلتُ لك: صدقتَ، ولكنك تمتلك هذا الوقتَ الشريف كل ليلة في السَّنة، ولكنَّك تغفل عنه كثيرًا! في كل ليلة في السَّنة هناك لحظات لا ترد فيها الدعوات، وهذه اللحظات يعرِفها أولئك الذين يستيقظون قبلَ صلاة الفجر ولو بقليل، لحظات شريفة جدًّا، بل هي مِن أشرف لحظاتِ الدهر! انظروا ماذا يقول رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((يَنزِل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلة إلى السَّماء الدنيا حين يبقَى ثُلُث الليل الآخِر يقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن يسألني فأعطيَه؟ مَن يستغفرني فأغفرَ له؟)).



ماذا تُريد يا أخي، وماذا تُريدين يا أختي أكثرَ مِن ذلك؟ الله ينزل إلى السماء الدنيا يطلُب منكم أن تدعوه ليستجيبَ لكم! يا ألله! كم أنت رحيمٌ يا ربَّنا! وكم أنت كريم! وكم أنت عظيم! وكم أنت قريب! هذا يحدُث كلَّ ليلة! يا سبحان الله! ثم إنَّك لو نزلتَ إلى صلاة الفجر بعدَ ذلك كنت إلى الله أقْرَب، وكان الله - عزَّ وجلَّ - لدعائك أسْمع! واقرؤوا معي حديثَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربه وهو ساجِد، فأكْثِروا الدعاء)).



فوقفة مع النفْس أيُّها المؤمنون: إذا كان الأجْر أعلى في الفَجْر، والغرَض أهم في الفجر، والدعاء أقرَب إلى الفجر، فلماذا ينام الناسُ عن هذه الصلاة؟ ولماذا الزُّهد في هذا الخير؟ أسئلة تحتاج إلى إجابة، وبسُرعة!



الخير الثاني في صلاة الفجر:

صلاة الفجر مصدرٌ مِن مصادر النور يومَ القيامة! تَختفي في يوم القِيامة مصادر النور العادية، فتُكوَّر الشمس، وتنكدر النجوم، كما قال ربُّنا - سبحانه وتعالى -: ï´؟إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْï´¾ [التكوير: 1 - 2]، ويُبعث الخلق في ظُلمة شديدة، ظلمات بعضها فوقَ بعض إذا أخرج يدَه لم يَكَدْ يراها، ويحتاج الناس للنور لكي يدركوا طريقهم، ويسيروا بين الجموع الهائلة، ويكون أشد الاحتياج إلى النور عندَ الجواز على الصِّراط، فالصراط صفته راعِبة، ولا يجوزه إلا مَن شاء الله - عزَّ وجلَّ - روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يصِف حالَ البشَر في اجتياز الصراط: ((فيمرُّ أوَّلُكم كالبرق))، قال: قلت: بأبي أنت وأمي: أي شيء كمرِّ البرق؟ قال: ((ألم ترَوا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفةِ عين؟ ثم كمرِّ الريح، ثم كمرِّ الطير وشدّ الرِّجال، تجري بهم أعمالُهم، ونبيكم قائِم على الصراط يقول: رب سلِّم سلِّم، حتى تعجزَ أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السيرَ إلا زحفًا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلَّقة مأمورة بأخْذ مَن أُمرت به، فمخدوشٌ ناجٍ، ومكردَس في النار))، ثم قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "والذي نفْس أبي هريرة بيده، إنَّ قعر جهنم لسَبْعُون خريفًا".



وفي ذلك اليوم العصيب المظلِم يعطي الله - عزَّ وجلَّ - النورَ للمسلمين جميعًا؛ أي: إنه في البداية يعطيه لكلِّ مَن أعلن كلمة الإسلام في دُنياه، ولكن من هؤلاء سيكون المنافقون الذين قالوا بألسنتِهم شيئًا وخالفتْ قلوبهم ما تقول ألسنتهم، حتى إذا اقترَب الجميع من الصِّراط أبقى الله - عزَّ وجلَّ - النورَ للمؤمنين الصادقين، وسلَب النور من المنافقين، فيَقَع المنافقون في رُعب شديد، فيلجؤون إلى المؤمنين يطلبون منهم أن يُعطوهم شيئًا مِن النور الذي معهم، فيُشير عليهم المؤمنون أن يعودوا إلى المكان الذي أعطاهم الله - عزَّ وجلَّ - فيه النورَ يومَ القيامة، فيعود المنافقون فلا يَجِدون شيئًا، فيحبطون إحباطًا شديدًا، ونادوا ولات حين مناص! جاء تفصيل ذلك في صحيح مسلم في أكثرَ من حديث، ويصوِّر ذلك الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه الحكيم في سورة الحديد حيث قال: ï´؟يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرï´¾ [الحديد: 12 - 15].



أعود إلى المؤمنين يومَ القيامة، مِن أين أُتي المؤمنون بهذا النور العظيم في ذلك اليوم المظلِم؟! لقد جاؤوا به مِن أعمال كثيرة عمِلوها في الدنيا وعَدَهم الله - عزَّ وجلَّ - بالنور جزاءً لها، ومِن هذه الأعمال: صلاةُ الفجر في جماعة! اقرأ حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح عن بُريدةَ الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجِد بالنور التامِّ يومَ القيامة))، والمشاؤون هم كثيرو المشي؛ أي: الذين اعتادوا على هذه الفضيلة العظيمة، و: "في الظلم"؛ أي: في صلاة العشاء وصلاة الصُّبح، و: "إلى المساجد" دليل قاطِع على أنَّ هذا النور يُعطَى لمن اعتاد صلاة الفجْر والعشاء في جماعة المسجِد، فإنه لم يَذكر أنَّ الصلاة مجرَّد صلاة جماعة فقط، وإنما يجِب أن تكون في بيت الله - عزَّ وجلَّ - وهذا يردُّ على بعض المسلمين الذين يصلُّون جماعةً في بيوتهم مع زوجاتهم وأطفالهم، ويعتقدون أنَّ في ذلك فضلاً؛ لأنهم يدرِّبون أهلهم على الصلاة، ويرفعون مِن درجاتهم بجعلهم ينالون ثوابَ الجماعة، ولكن الله - عزَّ وجلَّ - الذي شرَع الشرع وسنَّ القوانين - هو الذي حفَّز الرجال المسلمين على صلاة المسجد، وأعْطَى النساء نفْس الأجر بصلاتهنَّ في بيوتهنّ، أما تدريب الأولاد على صلاة الجماعة فيكون باصطحابِهم إلى المسجد، أو بالصلاة معهم في البيت في صلوات النوافل وليس الفروض، والله - عزَّ وجلَّ - سوف يُعطي أولئك الذين يحافظون على صلاةِ الصُّبح في جماعة بالمسجد نورًا تامًّا يوم القيامة؛ بمعنى أنَّه لا ينزع منهم في أيَّ مكان، ولا يُسلب منهم عندَ الصراط، ويَبقى معهم إلى أن يدخلوا به الجنة - إن شاء الله.



ولا يَخفى على المؤمنين أنَّ أنوارهم تتفاوت يوم القيامة، فليس كل المؤمنين يأخذ نورًا مثلَ الآخر؛ إنما يأخذون النور بحسب أعمالهم، وهنا يبرز دور صلاة الفجْر؛ حيث يُعطِي الله بها نورًا تامًّا للمؤمن يوم القيامة، ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحريص على أمَّته، والمحب لأتباعه يُعلِّمهم ذكرًا خاصًّا يقولونه وهم في طريقهم إلى صلاة الفجْر، والظلام يُغطِّي الأرض - يُعلِّمهم ذكرًا يسألون الله فيه النورَ الذي يُضيء لهم حياتهم، وينوِّر لهم قبورَهم، ويبقَى معهم يوم القيامة؛ روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خرَج إلى صلاة الفجْر وهو يقول: ((اللهمَّ اجعل في قلْبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعلْ في سَمْعي نورًا، واجعلْ في بصري نورًا، واجعلْ مِن خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعلْ مِن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهمَّ أعطني نورًا))، هذا اللفظ لمسلم، وفي رواية البخاري زاد: ((وعن يَميني نورًا، وعن يساري نورًا)).



وهذا النُّور يا إخواني لا يضيء لك القبر والآخِرة فقط؛ إنَّما يضيء لك الدنيا كذلك، فالإنسان قد تختلط عليه الأمورُ في الدنيا فلا يستطيع أن يميِّز بين الحق والباطِل، وبين الصواب والخطأ، وبالذات في زمان الفِتن، يصوِّر ذلك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديثِه الشَّريف الذي رواه الإمامُ مسلِم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال فيه: ((بادِروا بالأعمال فتنًا كقِطع الليل المظلِم...)) في هذه الفِتن المظلمة يرَى المؤمِن طريقه فلا يضلُّ ولا يشقَى، ويهديه الله - عزَّ وجلَّ - إلى الحِكمة، وإلى ما يصلح الدنيا والآخرة؛ ï´؟أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَï´¾ [الأنعام: 122]، أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن ينوِّر لنا دُنيانا وقبورَنا وآخرتنا، إنَّه وليُّ ذلك والقادِر عليه.



الخير الثالث في صلاة الفجر:

وعدٌ صريح بالجنَّة؛ روى البخاري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى البَردين دخَل الجنة))، والبردان هما الصُّبح والعصْر، فهذا وعدٌ من الرحمن - سبحانه وتعالى - أوحى به إلى رسولِه الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُدخِل الجنةَ أولئك الذين يحافظون على صلاتي الصبح والعصر، وهذا منتهى أحلام المؤمنين، وهذا هو النجاح الحقيقي والفوز العظيم؛ قال تعالى: ï´؟فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِï´¾ [آل عمران: 185].



الخير الرابع في صلاة الفجر:

وهو أعْلى من الخير السابق! ويعجب الإنسان: هل هناك ما هو أعْلى مِن دخول الجنة؟! ويخبرنا بالإجابة رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نعم هناك ما هو أعْلى! هناك رؤيةُ الله - عزَّ وجلَّ - في الجنَّة! الجائزة الكبرى، والهدية العُظْمى، والمنحة التي تتضاءَل إلى جوارها كلُّ المنح، مَن الذي ينال هذه الفرصةَ المهيبة؟! إنهم أولئك الذين يحافظون على صلاتي الصبح والعصْر.



اقرأ حديثَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه البخاري ومسلم عن جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - يقول: كنَّا جلوسًا عند النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ نظَر إلى القمَر ليلة البدر، قال: ((إنكم ستَرَوْن ربَّكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته))؛ يعني: ترونه بوضوحٍ تام كما ترون القمَر الآن بوضوح تام، ثم قال: ((فإنِ استطعتم ألاَّ تُغلبوا على صلاة قبل طلوعِ الشمس وصلاة قبل غروب الشمس، فافْعلوا))، يا سبحان الله! كل هذا الخير في صلاة الفجر! فإذا علمتَ أنَّ أناسًا مِن المسلمين سمعوا بذلك الخير ثم ناموا عن صلاة الفجر، فماذا تقول في حقِّهم؟! أليستْ هذه هي الحماقةَ بعينها؟! أليستْ هذه هي الغفلةَ بعينها؟! وحقًّا كما قال الله - عزَّ وجلَّ -: ï´؟وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍï´¾ [النور: 40].



2- ضياع الفجر ليس فقط ضياعَ الأجْر:

فالله - عزَّ وجلَّ - يحذِّر عبادَه كثيرًا من أنْ يغتروا بكونه - عزَّ وجلَّ - غفورًا رحيمًا؛ قال - سبحانه وتعالى -: ï´؟وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُï´¾ [آل عمران: 28]، وقال: ï´؟وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىï´¾ [طه: 124]، وقال: ï´؟إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌï´¾ [الأنعام: 165]، وحصْر ذلك يصعُب جدًّا، والله - عزَّ وجلَّ - لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، يقول - تعالى - في الحديث القدسي الذي رواه مسلمٌ عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الله تعالى قال: ((يا عبادي، إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمَن وجد خيرًا فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)).



وإضاعةِ الصلاة بصِفة عامَّة جريمة عُظمى، وبلية كُبرى، وهي أوَّل ما يُحاسَب عليه العبد يومَ القيامة، فإن صلَحتْ صلَح العمل كله، وإن فسدتْ فسد العمل كله؛ روى الترمذي وأبو داود والنَّسائي، وابن ماجه والدارمي وأحمد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ أوَّلَ ما يحاسب الناس به يومَ القيامة مِن أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا - عزَّ وجلَّ - لملائكته وهو أعلمُ: انظروا في صلاةِ عبدي أتمَّها أم نقَصَها، فإنْ كانت تامة كُتبت له تامَّة، وإن كان انتقص منها شيئًا، قال: انظروا هل لعبدي مِن تطوُّع، فإنْ كان له تطوُّع، قال: أتِمُّوا لعبدي فريضتَه من تطوعه، ثم تُؤخذ الأعمال على ذاكم))، فكيف يتوقَّع المؤمن خيرًا وقدْ جاء يوم القيامة وكتابه يَخْلو من صلاة الصُّبح في موعدها؟!



وضياع صلاة الصبح يُعاقَب عليها المسلم بكلِّ أنواع العقاب التي ذكَرها الله - عزَّ وجلَّ - وذكَرها الرسولُ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمن أضاع الصلوات في أوقاتها، وفوق ذلك فهناك عقابٌ خاص لمن ضيَّع صلاة الصبح، فقد ذكَر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عقابًا شنيعًا لمن نام عن الصلاةِ المكتوبة، ومعلومٌ أنَّ السبب الرئيسي في منْع المسلمين من صلاة الفجر هو النوم؛ فإنَّ المرء عادة ينام عنِ الصلاة فتضيع بكاملها، ولا يصليها إلا بعدَ فوات وقتها؛ روى البخاري عن سَمُرة بن جُندب - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رُؤيا - ورؤيا الأنبياء حقٌّ - وفي هذه الرؤيا يصوِّر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - طرفًا مِن عذاب المذنبين مِن المسلمين، وقد يكون هذا العذاب في القبْر، وقد يكون في النار، وقد يكون في الاثنين معًا؛ يقول رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّه أتاني الليلةَ آتيان - جبريل وميكائيل - وإنَّهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلقْ، وإني انطلقتُ معهما، وإنَّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخَر قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يَهوي بالصخرة لرأسه فيثلَغ رأسه - أي يشْدَخ - فيتدهده الحجر - يتدحرج - فيأخذه فلا يرجِع إليه حتى يصحَّ رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مِثل ما فعَل المرة الأولى))؛ يقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟! قالا: انطلق، انطلق))، ومرَّ على مشاهَد أخرى كثيرة ليس المجال أنْ أذكرها الآن، ثم بدأا يفسِّران له ما رآه، ففسَّرَا له موقف هذا الرجل بأن قالا له: ((أماَّ الرجل الأوَّل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنَّه الرجل يأخُذ القرآن فيرفضه، وينام عنِ الصلاة المكتوبة)).
يتبع



ابوالوليد المسلم 18-05-2020 03:18 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 

ولعلَّ الجميع يعلم أنَّ النوم هو المانِع الرئيسي مِن صلاة الفجر، والرجل يضربه في رأسه؛ لأنَّها محل العقل، وأشرف ما في الإنسان، والسبب في النوم.



أيها المؤمنون والمؤمنات، الأمر جدٌّ وليس فيه هزل، ومَن اعتاد المخالفة يوشك أن يقَع في الفِتنة، ومَن وقع في الفتنة وقَع في العذاب الأليم؛ ï´؟فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌï´¾ [النور: 63].



3- نافلة أعظمُ مِن الدنيا وما فيها:

سُنَّة صلاة الفجر - الصبح - هي أكثرُ صلاة نافلة مِن نوافل الصلوات خصَّها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتعظيم الأجْر بصورة لافتة حقًّا للنظر، فعلى سبيل المثال قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الإمام مسلمٌ عن عائشة - رضي الله عنها -: ((ركعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها))، وفي رواية أحمد: ((ركعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا جميعًا)).



ووقفة يا إخواني وأخواتي مع هذا الحديث العجيب، ما الذي يمنعنا مِن صلاة الصبح؟! أليس جزءًا ضئيلاً جدًّا جِدًّا جدًّا مِن الدنيا؟! إما سهر بالليل في أمْر من أمور الدنيا، وإما رغبة في أخْذ قسط من النوم؛ لكي تستطيع أن تقوم في السابعة أو الثامنة أو بعدَ ذلك لأمْر آخر مِن أمور الدنيا؛ أليس كذلك؟!



عُد - أخي وأختي في الله - واقرأ الحديثَ العجيب، الدنيا - كلّ الدنيا - بكل ما فيها مِن أموال وكنوز، ومناصِب وأعمال، ومغريات وملهيات، لا تصل إلى قِيمة ركعتي الفجر! ولاحظ أنَّ كل هذا الفضل لركعتي النافلة، فما بالك بركعتي الفرْض؟! وسبحان الله! ليستْ هذه القيمة العالية لطول القيام في هاتين الركعتين أو لكثرة القراءة، فإنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان عادةً ما يخفِّف القراءة فيهما جدًّا؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ في الركعة الأولى بسورة: (قل يا أيها الكافرون)، وفي الركعة الثانية بسورة: (قل هو الله أحد)، ويَرْوي النَّسائي عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنَّها كانت تقول: إن كنت لأرَى رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّي ركعتي الفجر فيخفِّفهما حتى أقول: أَقَرَأَ فيهما بأمِّ الكتاب - الفاتحة؟! إذًا ليستِ القراءة الطويلة هي السببَ في زيادة الفضل حتى يصل إلى أن يَزيد على الدنيا بكاملها، إنَّما هو التوقيت الذي تُقام فيه هذه الصلاة الكريمة، فالذي ترَك الدنيا جميعًا واستيقظ قبلَ ميعاد إقامة صلاة الصبح؛ حتى يصلي ركعتي الفجْر هو الذي نجَح في الاختبار، وكما ترَك الدنيا جميعًا من أجل هذه الصلاة، فإنَّ الله - تعالى - يُعطيه أجرًا أكبر من الدنيا جميعًا بهذه الصلاة؛ روى البخاري عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "لم يكُنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على شيء مِن النوافل أشدَّ مِنه تعاهدًا على ركعتي الفَجْر".



وذكَرَ الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" أنَّه لم يُحفظ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه صلى سُنَّة الصلاة قبلها ولا بعدَها في السفر إلا ما كان من سُنة الفجر؛ لذلك روى الإمام أبو داود والإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تَدَعوا ركعتي الفجْر وإن طردتْكم الخيل))! فحتى عندَ لِقاء العدوِّ، ومطاردة الخيل، واحتدام اللِّقاء، لا تدَعُوا ركعتي النافلة، فما بالكم بالفرْض؟!



ولهذه القيمة العالية كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقْضِي هذه النافلة إذا فات موعدُها، فيصليها بعدَ صلاة الصبح أو بعد شروق الشمس، وذلك سواء فاتت وحدَها أو فاتت مع صلاة الصبح، وهذا لا يحدُث مع بقية النوافل، اللهمَّ إلا قيام الليل.



إذًا هذا التفخيم الهائِل لركعتي النافلة يُعطي بالتبعية قيمةً أعظم ومكانةً أسمى لركعتي الفرْض، وهذا أمرٌ فريد جدًّا، ويستحق التدبر، فيا باحثًا عن قيراط بسيط في الدنيا، كيف تَنام عمَّا هو خيرٌ من الدنيا جميعًا؟!



4- فقه خاص وذِكر خاص:

لقد جعَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهذه الصلاة أشياءَ خاصة جدًّا لا تتكرَّر مع غيرها مِن الصلوات؛ بحيث يُعطيها تميزًا واضحًا بيْن الصلوات، وكل الصلوات هامَّة، وكل الصلوات عظيمة، ولكن عندما تلاحِظ اختلافًا في هذه الصلاة بالذات عن غيرِها، فإنَّ في هذا إشارةً إلى تفرد هذه الصلاة بفضْل أعظم، وهذه أمثلة مِن هذا التفرد:



أولاً: هي أوَّل الصلوات افتراضًا على المسلمين هي وصلاة العصر، وكانت كهيئتها الآن؛ أي: كانت ركعتين، وكذلك كانتْ صلاة العصر ركعتين، ثم زِيدت صلاة العصر إلى أربع بعدَ الإسراء والمعراج، وبقيت صلاة الصبح كما فرضت أوَّل مرَّة، ومعنى هذا أنَّ المسلمين يصلُّون هذه الصلاة بهيئتها هذه، وفي موعدِها هذا مِن أوائل أيَّام البعثة، وهذا أمرٌ لافت للنظر، وكأنَّها صلاة لا يَستغني عنها مسلم أو مؤمِن في الأرْض، فكانت من أوائل الشرائع التي نزلت على الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم.



ثانيًا: أذان الصبح مختلِف عن بقية الصلوات، فكما روى أبو داود عن أبي محذورة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - علَّمه أن يقول في أذان الصبح بعدَ حي على الفلاح: "الصلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم".



وقِفوا أيُّها المؤمنون والمؤمنات، أمامَ هذه العبارة العميقة: "الصلاة خيرٌ من النوم"، ما الذي يمنعك غالبًا مِن إدراك صلاة الفجْر؟ أليس النوم ولذَّتُه، وراحته وحلاوته؟! ها قدْ سمعتَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخبرك - وهو الصادِق المصدوق - أنَّ صلاة الفجر خيرٌ من النوم مهما كان النوم في اعتباراتك هامًّا ومفيدًا!



الصلاة خيرٌ من النوم، إنْ كنت تُصَدِّق الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتُدرك أنَّ كلامه هو الحق الذي لا باطل فيه، فليس هناك معنى لعدمِ الاتباع، وإنْ كنت ترى أنَّ النوم أفيد مِن الاستيقاظ وأفضل لظروفك وأنسب لحياتك، فهذا شيء خطير يحتاج إلى وقْفة، القضية يا إخواني ويا أخواتي قضيةُ إيمان!



ثالثًا: جعَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذكارًا خاصَّة تُقال بعد صلاة الصبح مختلفة عن كلِّ صلاة، فبالإضافة إلى ختام الصلاة المعتاد الذي أوصى به رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - دُبرَ كل صلاة، مثل التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، والاستغفار، والأدعية المختلفة الواردة، فوق كل ذلك أضاف - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذكارًا خاصَّة بصلاة الصبح ليستْ في غيرها من الصلوات، فعلى سبيلِ المثال ما رواه الترمذيُّ - وقال حسن صحيح - عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال في دُبر صلاة الفجْر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلَّم: لا إله إلا الله وَحْدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد يُحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير - عشرَ مرات، كُتبت له عشرُ حسنات، ومُحيت عنه عشر سيئات، ورُفع له عشر درجات، وكان يومَه هذا كلَّه في حرز مِن كل مكروه، وحرس مِن الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يُدرِكه في ذلك اليوم إلا الشِّرْك بالله))، كذلك روى أبو داود والنَّسائي عن مسلم بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال لي النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صليتَ الصبح فقل قبل أن تتكلَّم: اللهم أَجِرني من النار - سبع مرات - فإنك إن متَّ مِن يومك كَتَب الله لك جوارًا من النار))، فهذه فضائلُ لا تُقدَّر بثَمَن، ولا تُحَصَّل إلا بذِكرها في هذا التوقيت.



رابعًا: كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الذي كان عادةً يأمر المسلمين بالتخفيف في الصلاة - يطيل في قراءة الصبح - فكما روى مسلم عن أبي برزة الأسْلمي - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ في صلاة الصبح مِن المائة إلى الستِّين آية، وكان ينصرِف حين يعرف بعضنا وجه بعض؛ بمعنى: أنَّ شروق الشمس قد اقتربَ حتى إنهم يستطيعون أن يميِّزوا وجوه بعضهم البعض.



وواضح اهتمام رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالقِراءة الطويلة في هذه الصلاة بالذات، والتي تؤدَّى في وقت يكون فيه القلب عادة خاليًا مِن هموم الدنيا ومشاكلها، كما أنَّ المسلم يفتتح يومَه بهذه الصلاة، فما أجمل أن يفتتح يومَه بكمٍّ لا بأس به مِن الآيات الحكيمات! وقد عبَّر الله - عزَّ وجلَّ - عن صلاة الفجر بكلمة: ï´؟وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاï´¾ [الإسراء: 78]؛ وذلك لأنَّ قراءة القرآن في هذه الصلاة تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار كما ثبت في الحديث.



خامسًا: كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في يوم الجُمُعة في صلاة الصبح قراءة خاصَّة، فكان من سُنته - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما جاء في البخاري وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في الركعة الأولى بسورة السَّجْدة، وفي الركعة الثانية بسورة الإنسان، وهذا تميُّز لا يحدُث في أي صلاة مفروضة أخرى، اللهم إلا صلاة الجُمُعة، وهي صلاة متميزة أيضًا.



سادسًا: صلاة الصبح لا تُقصر ولا تُجمع، والظهر والعصر يقصران ويجمعان، والمغرب يُجمع مع العشاء، ولكن لا يقصر، والعشاء تُجمع وتقصر، أما الصبح فمتفرد جدًّا؛ لا يقصر ولا يجمع، لا في سفر، ولا في حضَر، ولا في حجّ، ولا في جهاد، ولا في خوف، ولا في غيره، وهذا - ولا شك - تميز يلفت الأنظار.



أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا من المحافظين على صلاة الفجر، المشتاقين إليها.



5- وقت مشهود:

عظَّم الله - عزَّ وجلَّ - من وقت الصبح في كتابه الكريم، فلم يُقسِم - سبحانه وتعالى - في كتابه بوقت صلاة إلا بوقتِ الصبح والعصر؛ قال تعالى: ï´؟وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍï´¾ [الفجر: 1 - 2]، كما أنَّ هذا الوقت وقتٌ مشهود، والذي يشهده خلق عظيم مِن خلْق الرحمن - سبحانه وتعالى - وهم الملائكة! كل ملائكة السماء النازِلة إلى الأرْض تشهد هذه الصلاة! روى البخاريُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تفضُل صلاةُ الجميع - الجماعة - صلاةَ أحدكم وحدَه بخمس وعشرين جزءًا، وتجتمعُ ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجْر))، ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: فاقرؤوا إن شِئتم: ï´؟إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاï´¾ [الإسراء: 78]، فتخيل - يا عبد الله - كيف رفَع الله - عزَّ وجلَّ - مِن قدْر هذه الصلاة حتى جعلها موعدًا لالتقاء ملائكة الليل وملائكة النهار! ثم إنَّ هناك زيادةً في البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يذكر فيها أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أضاف شيئًا هامًّا بالنسبة لملائكة الليل، وهم الذين يصعدون إلى السماء بعد شُهود صلاة الفجر مباشرةً؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثم يعرج الذين باتوا فيكم - ملائكة الليل - فيسألهم ربُّهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركْناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون))، فانظر وتدبر إلى الفارق الهائل بين أن يقول ملائكة الرحمن لله - عزَّ وجلَّ -: وجدنا فلانًا يصلي صلاةَ الفجر في جماعة، وبيْن أن يقولوا: وجدنا فلانًا نائمًا غافلاً ليس واضعًا الفجر في أولوياته، ولا مواقيت الصلاة في حساباته؛ فارِق هائل! فانظر في أي الفريقين تحبُّ أن تكون، واخترْ لنفسك.



6- أنت في حفظ الله:

وعدَك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنك إذا صليت الصبح فإنك ستكون في حِفظ الله - عزَّ وجلَّ - سائِر اليوم! أيُّ مِنَّة، وأي فضْل؟! رَوى الإمام مسلم عن جُندب بن سفيان - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن صلَّى صلاة الصُّبح فهو في ذِمَّة الله))؛ أي في حماية الله، وفي عهْد الله، وفي ضمان الله - عزَّ وجلَّ - وهناك زيادة للحديث في مسلِم أيضًا وفي الترمذي وابن ماجه يقول فيها الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - واللفظ لابن ماجه: ((فلا تخفروا الله في عهْدِه))؛ يعني هذا أمرٌ للناس ألاَّ تؤذي هذا الذي صلى الصبح، ثم يقول: ((فمن قتَله - أي: قتل هذا الذي صلَّى الصبح - طلَبَه الله حتى يكبَّه في النار على وجهه))، حماية ربانية عظيمة لمن صلَّى الصبح، أنت في حماية الله، ومَن آذاك طلبه الله - عزَّ وجلَّ - حتى أدخله النار، تشعر بثِقة هائلة أثناء يومك إذا كنت مصليًا للصبح، تشعر بثبات أمامَ المحن، وأمام المصائب، وأمام الطغاة، وأمام الجبابرة، أنت في حمايةِ مالك الملك وخالِق الأكوان!



ماذا تريد أكثرَ من ذلك؟! كل هذا بركعتين! ولكن هاتان الركعتان أثبتتَا صدق القلب وقوة الإيمان، ومِن ثَم فإن الله - عزَّ وجلَّ - يدافع عنك؛ ï´؟إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍï´¾ [الحج: 38].



7- مؤتمر عِلْمي إيماني:

كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يهتمُّ بأن يجعل صلاةَ الصبح فرصةً لتعليم أصحابه كلَّ الخير، فكان كثيرًا ما يجعل وراءَها درسًا، أو توضيحًا لمفهوم ما، أو سؤالاً عن أصحابه، أو تفسيرًا لرؤيا، أو غير ذلك مِن أمور التربية، لقد كانت صلاة الصبح - بحقٍّ - مؤتمرًا علميًّا إيمانيًّا راقيًا جدًّا.



وهذه وسيلة من أهم وسائل التربية؛ لأنَّ القلوب تكون نقيَّةً في هذه اللحظات، والعقول متفتِّحة، والملائكة شاهِدة، والبيت بيت الله، والكلام كلام الله، والحضور مِن المؤمنين الصادقين، فرصة رائعة لزَرْع كل ما هو نبيلٌ؛ من عقيدة أو خُلُق أو فِقه أو غيره، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينوع المواد في هذا اللقاء؛ حتى لا يُصابَ المسلمون بالملل، فمرَّةً يسأل أصحابه عن أحوالهم؛ حتى يعلِّمهم في النهاية شيئًا ينفعهم، ومِن ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سأل أصحابه يومًا بعد صلاة الصبح فقال: ((مَن أصبح منكم اليومَ صائمًا؟)) قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا، قال: ((فمَن تبِع منكم اليوم جنازة؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن أطعم منكم اليومَ مسكينًا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن عاد اليوم مريضًا؟)) قال أبو بكر: أنا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخَل الجنة))، ولك أن تتفكَّر: متى استيقظ الصِّدِّيق - رضي الله عنه - حتى يفعلَ كل ذلك!



ومن ذلك أيضًا ما رواه البخاريُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لبلال - رضي الله عنه - عندَ صلاة الفجر: ((يا بلال، حَدِّثْني بأرْجَى عمل عملتَه في الإسلام؛ فإني سمعتُ دفَّ نعليك بين يديّ في الجنة - تحريك نعليك)) قال: ما عملت عملاً أرْجى عندي أني لم أتطهَّر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليتُ بذلك الطهور ما كُتِب لي أن أصلِّي".



وأحيانًا كان يقصُّ على أصحابه قصَّةً لطيفة مشوقة تجذب الأسماع، وتوقِظ مَن يداعبه النوم، ومِن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلى صلاةَ الصبح ثم أقْبَل على الناس فقال: ((بينا رجل يسوقُ بقرةً إذ ركِبَها فضربَها فقالت: إنَّا لم نُخلَقْ لهذا، إنَّما خُلقنا للحَرْث))، فقال الناس: سبحان الله! بقرة تتكلَّم! فقال: ((فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، - وما هما ثَمَّ - وبينما رجلٌ في غنمِه إذ عدا الذِّئب، فذَهَب منها بشاة، فطلَبه حتى كأنَّه استنقذها منه، فقال له الذِّئب هذا: استنقذتها مني، فمَن لها يومَ السَّبُع، يوم لا راعي لها غيْري؟!))، فقال الناس: سبحان الله! ذئبٌ يتكلَّم! قال: ((فإنِّي أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر - وما هما ثَمَّ)).



وأحيانًا كان يُلقي خُطبةً كاملة، أو موعِظة بليغة يعلِّمهم فيها طرفًا من جوامع كلمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن ذلك ما رواه الترمذيُّ وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي عن العِرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: صلَّى لنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الصبحَ ذات يوم، ثم أقْبل علينا فوعَظَنا موعظةً بليغة، ذرفتْ منها العيون، ووجلتْ منها القلوب، فقال قائل: يا رسولُ الله، كأن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهَد إلينا؟ فقال: ((أُوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإنْ كان عبدًا حبشيًّا، فإنَّه مَن يعش منكم بعْدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنتي، وسُنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، فتمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجِذ، وإيَّاكم ومحدَثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدَثة بِدعة، وكل بِدعة ضلالة)).



والشاهد في كلِّ هذا - وفي غيره - أنَّ الرسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يلاطِف أصحابه بعدَ صلاة الصُّبح ويُعلِّمهم ويُفقِّههم ويشرح لهم، وكل هذه عواملُ تشجِّع مَن كان في قلْبه تردُّد ألاَّ يفوِّت صلاة الصبح.



8- دورة تدريبيَّة رُوحيَّة يوميَّة:

كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحفِّز الناس على البَقاء في المسجد بعدَ صلاة الصبح إلى شروق الشمس، فيصبح هذا الوقت عبارة عن برنامج تَدريبي إيماني عظيم يبدأ به المؤمِن يومَه، وقد رأينا كيف أنَّ الرسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُطيل الصلاةَ في الصُّبح نسبيًّا عن بقية الصلوات، فيُصلِّي بالمائة إلى الستِّين آية، ثُمَّ يتحدَّث إلى أصحابه في درْس قصير، أو يلاطِفهم بأسئلة، ثم فوق ذلك هو يُحفِّزهم على الجلوس لذِكر الله - عزَّ وجلَّ - إلى شروق الشمس؛ روى الترمذي - وقال: حسن - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى الغداة في جماعة ثم قعَد يذكُر الله حتى تطلُع الشمس، ثم صلَّى ركعتَين، كانت له كأجْر حَجَّة وعُمرة تامَّة تَامَّة تامَّة))، والحديث وإنْ كان البعضُ قد ضعَّفه إلا أنَّ الترمذي حسَّنه، وله شواهدُ جيِّدة في الطبراني، وشواهِد أخرى كثيرة كما قال المنذريُّ في الترغيب، وكذلك روى مسلم في صحيحه عن جابرِ بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا صلَّى تربَّع في مجلسه حتى تطلعَ الشمس حسنًا"؛ أي: تطلع طلوعًا حسنًا، ثم هناك أذكارُ الصباح الكثيرة التي كان يقولها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويحفز أصحابه عليها بعدَ الصبح وقبل طلوع الشمس، وكلها مِن الأذكار العظيمة القيِّمة، المليئة بمعاني الشُّكر والحمْد والاستغفار والتسبيح واللجوء إلى الله والاعتماد عليه، وهذه بدايةٌ رائِعة لليوم، فعَلَى سبيل المثال ما رواه أبو داود عن عبدالله بن غَنَّام البَيَاضيِّ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال حين يصبح: اللهمَّ ما أصبح بي مِن نِعمة، فمنك وحدَك لا شريكَ لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدَّى شُكرَ يومه، ومَن قال مثل ذلك حين يُمسي، فقد أدَّى شكر ليلته))، وكذلك روَى البخاري والترمذي وأبو داود - واللفظ لأبي داود - عن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: دخَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذاتَ يوم المسجد، فإذا هو برجلٍ مِن الأنصار يُقال له: أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أُمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقتِ الصلاة؟)) قال: همومٌ لزِمتْني، وديون يا رسولَ الله، قال: ((أفلا أُعلِّمك كلامًا إذا أنتَ قُلتَه أذهب الله - عزَّ وجلَّ - همَّك، وقضَى عنك دَيْنك؟))، قال: قلت: بلى يا رسولَ الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهمَّ إني أعوذ بكَ مِن الهمِّ والحزن، وأعوذ بك مِن العجْز والكسَل، وأعوذ بك من الجُبن والبُخل، وأعوذ بك مِن غَلَبة الدَّين وقهْر الرجال))، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله - عزَّ وجلَّ - همِّي، وقضَى عني دَيني"، وروى البخاري وغيره عن شدَّاد بن أوس عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((سيِّد الاستغفار: اللهمَّ أنتَ ربي لا إله إلا أنت، خلقْتَني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدك ما استطعتُ، أبوء لك بنِعمتك عليّ، وأبوء لك بذَنبي فاغفرْ لي، فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، أعوذ بكَ مِن شرِّ ما صنعت، إذا قال حين يُمسي فمات دخَل الجنة، أو كان مِن أهل الجنة، وإذا قال حين يُصبح فمات مِن يومه مثله))، وأذكار الصباح كثيرة جدًّا وجميلة جدًّا، وتخيَّل نفسك تقوم بهذا البرنامج التدريبي كلَّ يوم، كيف سيكون حالك مع الله - عزَّ وجلَّ؟! وكيف سيكون حالك مع الناس في كلِّ معاملاتك؟! هذه - ولا شكَّ - بداية رائعة لليوم.



9- كفَّارة لنِصف العمر:

هذه خاصية رائِعة لصلاة الفجْر، فقد أشار رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن كلَّ صلاة تكفِّر الذنوب التي ارتُكبت في الوقت الذي بيْن هذه الصلاة والصلاة التي قبلها، فعلى سبيل المثال ما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الصلوات الخمْس، والجُمُعة إلى الجُمُعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات ما بينهنَّ، إذا اجتُنبت الكبائِر))، وكذلك ما رواه الإمام مسلم عن عثمانَ بن عفَّانَ - رضي الله عنه - من أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما مِن امرئ مسلِم تحضرُه صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وضوءَها وخشوعَها وركوعها إلا كانتْ كفَّارة لما قبلها مِن الذنوب، ما لم يؤت كَبيرة، وذلك الدَّهرَ كلَّه))، يا ألله! هذه رحمةٌ عظيمة من ربِّ العالمين.



لكن لاحِظ أنَّ الفترة بين صلاة العشاء وبيْن صلاة الصبح هي أطولُ الفترات التي تقَع بين الصلوات، وهي الليل كله، وهي نِصف اليوم، فتصبح بذلك صلاة الصبح مكفِّرة لنصف اليوم، وبقيَّة الصلوات مكفِّرة لنصف اليوم الآخر، أو قل: تُصبح صلاة الصبح مكفِّرة لنصف العُمر لمن حافَظ عليها، وبقية الصلوات مكفِّرة لنصف العمر الآخَر، وذلك إذا اجتُنبت الكبائر، فضلٌ هائل، وقيمة لا تُقدَّر! فالله المستعان.



10- في كل خطوة بركة:

لفت رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنظار أصحابه وأنظارَنا إلى أنَّ البركة في البُكور، فالساعات الأولى في الصَّباح - بعدَ صلاة الصبح - هي أبرَكُ ساعات في اليوم كله، ولن يستغلها إلا الذي استيقظ في هذا الوقت المبكِّر، وصلى الصبح، وبدأ في استثمار يومِه من أوله؛ روى الترمذيُّ وأبو داود وأحمد وابن ماجه عن صخرٍ الغامدي قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورها))، وهذه المباركة في كلِّ شيء، وفي كل الأعمال، في التجارة والزراعة، والقراءة،، والسفر، والجهاد في سبيلِ الله.



وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما يقول صخر الغامدي - رضي الله عنه - راوي الحديث السابق - إذا بعَث سريةً أو جيشًا بعثَهم أول النهار، واستفاد صخرٌ - رضي الله عنه - مِن هذه النصيحة، وكان رجلاً تاجرًا، وكان إذا بعَث تجارةً بعثهم أوَّل النهار، فأثْرَى وكثُر ماله، حتى إنَّه في رواية أحمد جاء: أنَّ صخرًا كثر ماله حتى كان لا يَدري أين يضعُه! وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما روى الترمذي عن النُّعمانِ بن مقرِّن - رضي الله عنه - إذا طلَع الفجر أمْسَك حتى تطلع الشمس، فإذا طلعتْ قاتَل، وكان يقول: عندَ ذلك تهيج رياح النَّصْر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم.



وعلى سبيلِ المثال ما جاء في سُنن النسائي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومَ خيبر صلاةَ الصبح بغَلَس - يعني: في أوَّل وقت الفجر - وهو قريب منهم، فأغار عليهم، وقال: ((الله أكبر! خربت خيبر - مرَّتين - إنَّا إذا نزلْنا بساحة قوم، فساءَ صباحُ المنذرَين))، إذًا كل هذه البَرَكة والفضل والنَّصْر في أوَّل لحظات النهار.



لكن ماذا يحدُث إن لم يستيقظِ الإنسان في هذه اللحظات المبارَكة؟ ماذا يحدُث إن ظلَّ غافلاً نائمًا، ساهيًا عن أعظمِ لحظات اليوم، لاهيًا عن نصائح حبيبنا وحبيب الله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ماذا يحدُث لو بدأ الإنسان يومَه بعد فوات هذا الخير؟ استمع إلى كلام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((يعقِد الشيطانُ على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكلِّ عقدة يضرِب: عليك ليلاً طويلاً، فإذا استيقظ فذَكَر الله انحلَّتْ عُقدة، وإذا توضَّأ انحلَّتْ عنه عقدتان، فإذا صلَّى انحلتْ العقدة الثالثة، فأصبح نشيطًا طيِّبَ النفْس، وإلا أصبح خبيثَ النفْس كسلانَ)).



ولاحِظ أنَّ هذا الحديثَ قيل في فضْل قيام الليل وليس في صلاة الصبح، وهذا يعني أنَّ الذي لا يستيقظ قبلَ الفجر ليصلي لله ولو ركعتين قبلَ طلوع الفجر يصبح خبيثَ النفس كسلان، فما بالك بالذي ينامُ عن الصلاة المفروضة؟!‍‍ فهل نُعاني - يا إخواني وأخواتي - من الكسَل في حياتنا؟! أم هل حياتنا تمتلِئ بالنشاط والحيوية؟! لقد كنَّا نشاهد في السابق الناسَ تخرج إلى أعمالها في الصباح الباكِر، يستوي في ذلك الفلاَّحون والتجَّار والعمَّال، ثم انتشر التلفاز والفيديو والقنوات الفضائية والمقاهي والأندية، فماذا كانتِ النتيجة؟! ماذا كانت نتيجة السهر الطويل، والاستيقاظ المتأخِّر، وضياع الساعات الأولى مِن الصباح؟ لقد ذهبتِ البركة، وقلَّ الإنتاج، واشتدَّتِ الأزمة الاقتصادية، وليست هناك وسيلة لعودة البَرَكة إلا بالعودة إلى شرْعِنا بصورة كاملة، والاهتمام بأدقِّ التفاصيل، ومن ذلك استثمارُ اليوم بكامله، من قبل صلاة الفجر وإلى لحظاتِ النوم، وأسأل الله - تعالى - التوفيقَ لأمَّة الإسلام.

ابوالوليد المسلم 20-05-2020 01:45 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(24)






محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif





الوسيلة الثانية عشرة: اغتنام يوم الجمعة:

يوم الجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس؛ ففي صحيح سنن أبي داود قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ مِن أفضل أيَّامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدَم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، وفيه قُبض)).



يوم الجمعة سيِّد الأيام، عيد المسلمين الأسبوعي، ومَن وجبت عليه الجمعة ثم تركها لغير عذر، فهو آثِم إثمًا كبيرًا؛ ففي صحيح سنن الترمذي قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن ترَك ثلاث جمعات تهاونًا بها، طبَع الله على قلبه))، وصلاة الجمعة صلاةٌ مستقلَّة، ليستْ ظهرًا مقصورًا، فُرضت في شهر ربيع الأول في السَّنَة الأولى للهجرة، وسُمِّي اليوم بيوم الجمعة؛ لأنَّه جمع فيه آدم مِن الماء والطين.



ومن آداب هذا اليوم العظيم:

1 - إخلاص النيَّة لله تعالى، ففي صحيح سنن أبي داود قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يحضُر الجُمُعةَ ثلاثةُ نفَر: رجلٌ حضرَها يلغو، وهو حظُّه منها، ورجل حضرَها يدعو، فهو رجلٌ دعا الله - عزَّ وجلَّ - إنْ شاء أعطاه وإنْ شاء منَعَه، ورجل حضرَها بإنصات وسُكوت ولم يتخطَّ رقبةَ مسلِم، ولم يؤذِ أحدًا، فهي كفَّارة إلى الجُمُعة التي تليها وزيادَةَ ثلاثة أيام؛ وذلك بأنَّ الله - تعالى - يقول: ï´؟ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ï´¾ [الأنعام: 160]))، وهذا فضلٌ عظيم من ربٍّ كريم، فاحرصْ يا بن الإسلام على استجماع نيَّاتك طلبًا لرضا ربك.



2 - الاستعداد للجُمُعة مِن ليلة الجُمُعة، فتفرّغ قلبك مِن الشواغل الدنيويَّة، وتشغل نفسك بالتوبة والاستغفار والذِّكر والتسبيح، وتعزم على التبكير إلى المسجدِ؛ لتكونَ مِن السابقين المجدين في الخيرات.



3 - الإكثار مِن الصلاة والسلام على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.



4 - الاغتسال مِن بعد صلاة الفجْر، والسواك والتطيُّب، ويمتدُّ الغسل حتى أذان الجُمُعة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سنن أبي داود: ((مَن اغتسل يومَ الجُمُعة واستاك ومسَّ مِن طِيب إنْ كان عنده، ولبِس مِن أحسن ثِيابه، ثم خرَج حتى يأتي المسجد، فلم يتخطَّ رقاب الناس، ثم ركَع ما شاء أن يرْكع، ثم أنصَتَ إذا خرَج الإمام، فلم يتكلَّم حتى يفرغ مِن صلاته، كانت كفَّارةً لما بينها وبيْن الجُمُعة التي قبْلها)).



5 - قص الظفر والأخْذ مِن الشَّعر؛ فقد ثبَت أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقصُّ شاربه، ويقصُّ أظافرَه قبل الجُمُعة كلَّ جُمُعة.



6 - يندب قراءة سورتي السَّجْدة والإنسان في صلاة الصُّبح؛ فقد روى مسلم وأحمد عن ابنِ عباس أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ يوم الجُمُعة في صلاة الصبح: (الم تنزيل)، و (هل أتى على الإنسان)، وفي صلاة الجُمُعة بسورة الجُمُعة والمنافقون، ولكنني أرَى في كثير من المساجد مَن يقرأ جزءًا مِن السورتين، لا سيَّما الجزء الذي فيه السجْدة في الركعة الأولى؛ ظنًّا أنَّ الهدف في السجْدة، وليس ذلك - والله أعلم - هو المعنى المقصود؛ إنَّما المعنى المقصود تدبُّر ما في السورتَيْن من أمور الآخِرة، فاحذر أخي يا بن الإسلام مِن الخروج على سُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل صلِّ بالسورتين، واستحضرْ نيَّة الاتباع، والله يوفِّقك.



7 - الطِّيب والسواك قبلَ الخروج إلى الجُمُعة.



8 - التبكير إلى الصلاة، ساعيًا إليها بالسكينة والوقار.



9 - اغتنام ثواب التبكير والصفِّ الأوَّل؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((مَن اغتسل يومَ الجُمُعة غسلَ الجنابة ثم راح في الساعة الأولى، فكأنَّما قرَّب بَدَنة، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنَّما قرَّب بقرةً، ومَن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا أقرن، ومَن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجة، ومَن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرتِ الملائكة يستمعون الذِّكر))، بل إنَّ مَن جامع زوجته يوم الجمعة، ثم اغتسل وبكَّر إلى المسجد، وأدرك الجمعة في أوَّل وقتها، وأدرك أوَّل الخطبة، فله أجر لا أظنه يخطر على بالك، فاستعدَّ للعمل أخي يا بن الإسلام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد، وصحَّحه الألباني: ((من غَسَّل يوم الجُمُعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يرْكَب، ودَنا من الإمام، فاستمَعَ ولم يلغ، كان له بكلِّ خطوة عمَلُ سَنة؛ أجْر صيامها وقيامها)) قوله: "من بكَّر"؛ أي: حضر مبكرًا، و"ابتكر"؛ أي: حضر باكورة الجمعة، و"غسّل" قيل: غسل رأسه واغتسل في نفْسه، وهذا تأكيدٌ للمعنى أنه غُسل مع تنظف، وقيل"غسّل" أهله؛ أي: جامع أهله؛ ليكون أسكنَ لنفسه إذا خرج، و"اغتسل" ثم خرَج، والأوَّل أصح، "ومشى ولم يركب": وهذا هو الأفضل في كلِّ الصلوات أن يذهب إليها ماشيًا، والجُمُعة على وجه الخصوص.



10 - تجنّب تخطِّي الرقاب، فيجلس حيث ينتهي الصف، ولا يمرُّ مِن بين أيديهم، إلا أن يرى فرجةً فيأوي إليها، ولا يفرِّق بيْن اثنين ليجلسَ بينهما.



11 - الدنو مِن الإمام ما أمكن والإنصات للخُطبة؛ فقدْ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سنن أبي داود: ((احضروا الذكر، وادنوا مِن الإمام؛ فإنَّ الرجل لا يزال يتباعد حتى يُؤَخَّر في الجنة وإنْ دخلها))، وقال في صحيح سنن الترمذي: ((إذا قال الرجلُ لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت، فقدْ لغَا)).



12 - إذا دخَل المسجد يصلِّي ركعتين تحية المسجد، فإنْ صعِد الإمام المنبر خفَّف فيهما، وإن لم يكن الإمام قد صعِد المنبر أطال فيهما؛ لحديث سُلَيْك الغطفاني في صحيح مسلم.



13 - ألاَّ يقيم غيره ليجلس مكانه؛ ففي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يقيمنَّ أحدكم أخاه يومَ الجُمُعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: افْسحوا)).



14 - التحوُّل مِن مكان إلى آخَر إذا غلَب عليه النعاس؛ لأنَّ الحرَكة تُذهِب النعاس، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سُنن الترمذي: ((إذا نعِس أحدُكم في مجلسه يومَ الجُمُعة، فليتحوَّل منه إلى غيرِه)).



15 - تجنّب الاحتباء في المسجد يومَ الجُمُعة؛ ففي صحيح سنن أبي داود عن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهَى عن الحُبْوَة يومَ الجُمُعة والإمام يخطُب.



16 - ترقّب الساعة المباركة التي لا تُردُّ فيها دعوة، والإكثار مِن ذِكْر الله تعالى، وصلاة النوافِل، وهذه الساعة هي آخِر ساعة في يومِ الجُمُعة؛ أي: قبل غروب الشمس بساعة؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((في يوم الجُمُعة ساعة لا يُوافقها مسلمٌ وهو قائم يُصلِّي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه)).



17 - قراءة سورة الكهْف يوم الجُمُعة؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الحسَن الذي رواه النسائي والبيهقي: ((مَن قرأ سورة الكهْف في يوم الجُمُعة، أضاء له مِن النور ما بيْن الجُمُعتَين))، وقد روى البيهقي وصحَّحه الألباني: ((مَن قرأ سورة الكهف في يومِ الجُمُعة، أضاء له مِن النور فيما بينه وبيْن البيت العتيق)).



18 - عدم إفراد يوم الجُمُعة بصيام؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح البخاري: ((لا يصومنَّ أحدُكم يومَ الجُمُعة إلا يومًا قبلَه ويومًا بعده)).



19 - احتساب الأجْر العظيم بالخطوات إلى يومِ الجُمُعة؛ لما في صحيح سنن أبي داود: ((من غَسَّل يوم الجُمُعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركَبْ، ودَنا مِن الإمام، فاستمع ولم يلْغُ، كان له بكلِّ خطوة عمل سَنَة؛ أجْر صيامها وقيامها))، وقد سبَق هذا الحديث في الأدَب التاسع.



* واحرص - أخي يا بن الإسلام - على الإكثار مِن الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمومًا، وفي يوم الجُمُعة على وجه الخُصوص؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود وصحَّحه الألباني: ((إنَّ مِن أفضل أيامكم يومَ الجُمُعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النفخة، وفيه الصَّعْقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ))، قالوا: يا رسولَ الله، وقد تُعرَض صلاتنا عليك وقد أرمِت - بليت -؟! فقال: ((إنَّ الله حرَّم على الأرْض أجساد الأنبياء))، وعندَ مسلم: ((مَن صلَّى عليَّ صلاة، صلَّى الله عليه بها عشرًا)).



* واحرص على وصْل الصفوف وسدّ فرجِها؛ ففي الحديث في السلسلة الصحيحة: ((إنَّ الله وملائكتَهُ يُصَلُّونَ على الذين يَصِلُونَ الصُّفُوفَ، ومَن سدَّ فُرجةً بَنَى الله له بيتًا في الجنة، ورفعَه بها دَرَجة)).
يتبع



ابوالوليد المسلم 20-05-2020 01:46 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
الوسيلة الثالثة عشرة: المحافظة على النوافل:

قال الله تعالى في الحديث القُدسي الذي رواه البخاري: ((مَن عادَى لي وليًّا، فقد آذنته - أعلمته - بالحرْب - أنِّي محارب له - وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورِجلَه التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفْس المؤمِن، يكْرَه الموت، وأنا أكره مَسَاءَتَه))، هذا الحديث من الأحاديث الجامعة التي يَنبغي التعرُّض لها عند بيان منهج أهل السنة والجماعة في التزكية، وقد سُقته هنا في المحافظة على النوافل لاستثمار رمضان، ولكن لا أرَى عذرًا لي في المرور مرَّ الكرام على هذا الحديث، فالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هذا الحديث يبيِّن أنَّ الله يدافع عن أوليائه، وهم الذين ذكَرهم الله في قوله تعالى: ï´؟ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ï´¾ [يونس: 62 - 63]، فأولياء الله هم المؤمنون المتَّقون.



ثم بيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يَرويه عن ربه تعالى طريقَ الوصول إلى مقامِ الولاية، ببيان أنَّ أفضل ما تقرَّب به العبدُ إلى ربه هو ما افترَضه عليه، وما افترَضه الله - تعالى - يشمل فعلَ الواجبات وترْك المحرَّمات؛ فقد فرَض الله علينا ترْكَ الرياء، وترْك الحَسَد، وترك إرادة العلوِّ في الأرض والفساد، وترْك الزنا والرِّبا والفواحش، وغيرها مِن المحرمات الظاهرة والباطنة، كما فرَض علينا رجاءَه والخوف منه، والتوكل عليه وحده، وغير ذلك مِن الفرائض.



ثم بعد إتمام الفرائِض يرتقي العبد في مقامات الولاية بالمداومة على التقرُّب بالنوافل، وهي تشمل فعلَ المستحبَّات وترك المكروهات، أمَّا فيما بين العبد وبين الناس، فيجب أن تكون المعاملة معهم بما شرَع الله.



فهذا هو طريقُ التزكية كما بيَّنه الحديث؛ قال تعالى: ((فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به))، وفي الرواية الأخرى: ((فبي يسمع، وبي يُبصِر، وبي يَبطش، وبي يَمشي))، وقد صحَّحها الألباني في تحقيق كتاب الاحتجاج بالقدر، وليس المعنى أنَّ الله يحل فيه - تعالى الله عن ذلك - فهذا بإجماع المسلمين عقيدةٌ كفرية، ولا يدلُّ عليها الحديث بوجْه، بل هذا من المتشابه الذي يجب ردُّه إلى المحكَم، وهذا المحكَم موجود في الحديث نفسه؛ لأنَّ الله تعالى قال: ((مَن عادَى لي وليًّا)) وقال: ((ولئن سألني))، فهناك سائلٌ ومسؤول، وهناك مُعْطٍ ومُعْطًى، وهناك مستعيذ ومستعاذ به، فقد بيَّن الحديث أنَّ ذات الربّ غير ذات العبد، وإنَّما معنى: ((كنتُ سمعَه الذي يسمع به))، أنَّه يسمع بالله؛ أي: مستعينًا بالله، وذلك مثل معنى: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فمعنى هذه الكلمة: أنَّ العبد يستعين بالله تعالى في كلِّ أحواله، وأن يجعلَ الله تعالى هذه الجوارحَ في طاعته ومرضاته، فبالله يسمع؛ أي: يستعين بالله في سمعه، وبه يُبصر؛ أي: يستعين به في إبصاره، وأن يجعل الله تعالى هذا السمعَ وهذا الإبصار له - عزَّ وجلَّ - وفي مرْضاته.



فتحقيق: (إياك نعبد وإياك نستعين) أن يكون - سبحانه - "سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به..."، فهو يعمل لله وبالله؛ أي: يعمل مخلصًا لله، ويعمل مستعينًا به - سبحانه.



ولن يصل إلى تحقيقِ أن يكون السمع لله، والبصر لله، والمشي لله، والبطش لله، إلا بالله؛ أي: بتوفيقه سبحانه، وقد يوفِّقه الله ويُقدِره على ما لا يقدِر عليه غيره في هذه الأمور بأنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القُدرة والتأثير، وسوف يُدرك من ذلك قدْرًا قد لا يصل إليه غيره، بمعنى أنه قد يرى ما لا يراه الناس، ويَسمع ما لا يسمعون، وقد يبطش ويمشي ويفعل ما لا يقدِرون على مثله.



كما أنَّ الله - تعالى - فتَح أسماع الصحابة - رضي الله عنهم - لكي يسمعوا تسبيحَ الطعام وهو يُؤكَل - كما روَى البخاري عن ابن مسعود - وفتَح أبصارهم حتى رأى مَن رأى منهم الملائكة التي نزلتْ تستمع الذِّكر - كما حدَث لابن حضير، وحديثه عندَ مسلم وغيره - ورأوا الملائكة وقد نزلتْ تقاتل معهم، وأسمع الله ساريةَ صوتَ أمير المؤمنين عمر يقول: "يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ" - كما روى ابنُ عساكر واللالكائي في السُّنة - ووفَّقهم في غزواتهم حتى كانت الفئة القليلة تغلب أضعافَها في الحروب أمامَ أعدائهم بطاعتهم لله، وطوَى لهم الأرض حتى قطع خالد بن الوليد وجيشه المسافةَ مِن العراق إلى الشام في ثلاثة أيام، في ذلك الزمَن الذي كانت تستغرق فيه شهرًا!



وهذا الأمر يدلُّ على أنهم حقَّقوا معاني العبودية الكاملة، واستعانوا بالله تعالى، فهذا معنى الحديث: لا يسمع إلا ما يُرضي الله، ولا ينظر إلا إلى ما يُرضي الله، ولا يَمشي إلا في طاعة الله، ولا يبطش ولا يلمس ولا يستعمل يدَه إلا في مرضاة الله، وهو في كلِّ ذلك يحقِّق الاستعانة بالله.



أمَّا الزيادة التي في هذا الحديث، وهي: "حتى يكون عبدًا ربَّانيًّا يقول للشيء: كن فيكون"، فلا توجد في أي كتاب مِن كتب السنة على شُهرتها بين العوام، فهي زيادة ضعيفة، بل هي أقربُ إلى الوضع، فالعبد لا يقول للشيء: كن فيكون، وإنَّما يدعو الله أن يكون هذا الشيء كذلك، فيسأل الله، ويتضرَّع إليه، وإنما الذي يقول للشيء كن فيكون، هو الله ربُّ العالمين وحْدَه لا شريك له.



ولكن أهل الانحراف يُريدون حمْلَ هذا على الحلول، فالعبد الربَّاني عندهم هو الذي يحلُّ الله فيه، أمَّا العبد الرباني في كتاب الله فهو العبدُ الذي عَلِمَ الحق وعمِل به وعلَّمه للناس؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ï´¾ [آل عمران: 79]، فهو يتعلَّم ويعمل ويُعَلِّم الناس، أما العبد الرباني عندَ القوم فهو الذي حلَّ فيه الرب، أو اتَّحد بذات الرب - جلَّ وعلا وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.



* استحضر هذا الحديث - بهذا الفَهم - عند صلاة النوافل؛ لتطلبَ بها حبَّ الله؛ حتى يعطيك ما تسأل، ويُعيذك مما تكْره.



* النوافِل حريم الفرائض، فمن فرَّط في السُّنن، أوْشَك أن يفرِّط في الفريضة، ومَن حافظ على السنن، كانتِ الفرائض في حماية، فأحِطْ فريضتك بسنن تحميها.



* النوافل تتمِّم الفرائض الناقصة؛ لما روى الطبراني، وصحَّحه الألباني عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن صلَّى عليَّ صلاة لم يتمَّها، زيد عليها مِن سبحاته حتى تتم))، فأتمم النواقِص بنوافل كثيرة، يتمَّ الله - تعالى - لك.



* السنن الراتبة لا تفرِّط في شيء منها أبدًا، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى في يوم وليلة ثِنتي عشرة ركعةً، بُني له بيتٌ في الجنة: أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعدَ المغرب، وركعتين بعدَ العشاء، وركعتين قبل صلاةِ الفجْر))؛ رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني.



* صلاة التطوُّع كثيرة، فأكْثِر ما استطعت؛ قال تعالى: ï´؟ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ï´¾ [العلق: 19]، فكلَّما سجدتَ لله أكثر، كان قربُك من الله أكثر، وصرتَ عن الدنايا أعلى؛ روى مسلم أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عليكَ بكثرة السجود لله؛ فإنَّك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعَك الله بها درجةً، وحطَّ بها عنك خطيئة))، و: ((ما مِن عبدٍ يسجد لله سجدةً إلا كتَب الله له بها حسنةً، وحطَّ عنه بها سيئةً، ورفَع له بها درجة، فاستكثِروا مِن السجود))، كما في صحيح الجامع الصغير وزياداته.



وهاك بعض المستحبَّات:

* ثماني ركعات ضحى: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى الضُّحَى ركعتين لم يُكتب مِن الغافلين، ومن صلَّى أربعًا كُتِب من العابدين، ومَن صلَّى ستًّا كُفي ذلك اليوم، ومَن صلَّى ثمانيًا كتَبه الله من القانتين، ومَن صلَّى اثنتي عشرة ركعةً، بنَى الله له بيتًا في الجنة))؛ رواه الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبرانيُّ في الكبير، وفيه موسى بن يعقوب الزمعي؛ وثَّقَه ابن معين، وابن حبان، وضعَّفه ابنُ المديني وغيره، وبقية رِجاله ثقات، ومع هذا فأكثر المسلمين - وللأسف - يُهملون تلك الصلاة؛ لأنَّها تكون في الوقتِ الذي ينشغلون فيه بأعمالهم، فاحرص - أخي يا بن الإسلام - على صلاةِ الضحى؛ ففيها الخيرُ الكثير؛ فعندَ مسلم والنسائي عن أبي ذرٍّ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُصبِح على كلِّ سُلامَى مِن أحدكم صدَقة، فكل تسبيحة صدَقة، وكل تحميدة صدَقة، وكل تهليلة صدَقة، وكل تكبيرة صدَقة، وأمْر بالمعروف صدقة، ونهي عنِ المنكر صدَقة، ويُجزئ عن ذلك ركعتانِ تركعهما من الضُّحى)).



* أربع ركعات قبلَ الظُّهر وأربع بعدَها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حافَظ على أربع ركعات قبلَ الظهر وأربع بعدَها، حرَّمه الله على النار))؛ رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني.



وهذا الحديث أُهديه إلى الذين لا يصلُّون إلا الفرائض فقط، فيحرمون أنفسهم مِن الخير الذي ذكَره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتلك الرَّكَعات إذا حافظ عليها العبدُ كانت سببًا لأنْ يُحرِّم الله جسدَه على النار، وقد قال العزيز الغفَّار - سبحانه وتعالى -: ï´؟ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ï´¾ [آل عمران: 185].



* أربع رَكَعات قبل العصر؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رَحِم الله امرأً صلَّى قبلَ العصر أربعًا))؛ رواه الترمذي وأبو داود، وحسَّنه الترمذي.



* ركعتين قبل المغرب وركعتين قبلَ العشاء؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بيْن كل أذانين صلاة - قالها ثلاثًا ثم قال في الثالثة -: لمن شاء))؛ كما روى مسلم.



* سجود التلاوة: ففي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قرأَ ابنُ آدَم السجدة فسجَد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي! أُمر ابن آدم بالسجود فسجَد، فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيتُ، فَلِيَ النار)).



واعلم أنَّ مَن قرأ آية سجدة أو سمِعها يستحبُّ له أن يكبِّر ويسجد سجدة، وهذا يُسمَّى سجود التلاوة، ولا تشهُّد فيه ولا تسليم، وقد ذهَب جمهور العلماء إلى أنَّ سجود التلاوة سُنة للقارِئ والمستمع.



ومواضع السجود في القرآن خمسة عشرَ موضعًا، ومَن سجد سجودَ التلاوة دعَا بما شاء، وإنْ أتى بالذِّكر المأثور فيها، فهو حسَن، على أنه ينبغي أن يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"، إذا سجَد سجود التلاوة في الصلاة.



* القيام: وما أدراك ما القيام؟! إنَّ لقيام الليل أسرارًا، إنه إعداد للرجال، يُثَبِّتُ القلوب على الحق ويَزيدها قوةً إلى قوتها، إنه سرُّ فلاح العبد؛ يبعد عن الخطايا والذنوب، ويَزيد الإيمان، يلحق العبدَ بالصالحين، ويبلغه مرتبةَ القانتين المحسنين، يعبد الله كأنَّه يراه، فإنْ لم يكن يراه فإن الله يراه.



حسبك أن تعلمَ أنَّ جبريل - عليه السلام - قال للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ الحاكم والبيهقي، وحسَّنه الألباني: ((.. واعلم أنَّ شرَف المؤمن قيامُه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عن الناس)).



بل دعَا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالرحمة لأهل قيام الليل، فقال - كما عند أحمد وأبي داود وصحَّحه الألباني -: ((رحِم الله رجلاً قام من الليل فصلَّى وأيقظ امرأتَه فصلَّتْ، فإنْ أبَتْ نضح في وجهها الماء، ورحِم الله امرأةً قامت مِن الليل فصلَّتْ وأيقظتْ زوجها، فإن أبَى نضَحَتْ في وجهه الماء)).



وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما روى أبو داود والحاكم وصحَّحه الألباني: ((مَن استيقظ مِن الليل وأيقظ امرأتَه فصليَا ركعتين جميعًا، كُتِبَا ليلتئذٍ من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ في الجنة لغرفًا يُرى ظهورُها من بطونِها، وبطونُها من ظهورِها))، فقال أعرابي: لِمَن هي يا رسولَ الله؟ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ الترمذي وحسَّنه الألباني: ((هي لِمَن أطاب الكلام، وأطعَم الطعام، وأدام الصِّيام، وصلَّى لله والناس نيام))،وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليكم بقيامِ الليل؛ فإنَّه دأب الصالحين قبلَكم، وقربة إلى ربِّكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عنِ الإثم))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني، وفي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضلُ الصلاة بعدَ الفريضة صلاةُ الليل)).
يتبع

ابوالوليد المسلم 20-05-2020 01:47 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 



أيها الإخوة الكِرام، يا أبناء الإسلام، شهرُ رمضان شهرٌ كلُّه خيرٌ وبرَكة، وسبحان الله الكريم! أعطى فيه مِن فرص المغفرة للمؤمنين والمؤمِنات ما يفوق الأمنيات.



ولكن سبحان الملك العليم القدير، تجِد في شهر رمضان علامةً مميزة عجيبة دون غيره من الشهور، كأنَّها شامة في جبين هذا الشهر، ألا وهي قيام رَمضان، ففضلاً عن أنَّ قيام رمضان يستوجب مغفرةَ الذنوب المتقدمة، فلقيام رمضان لذَّةٌ وبهجة خاصَّة عجيبة، ليس كمثلها شيء.



سبحان الله! قد يقوم الإنسان كثيرًا وطويلاً على مدار السَّنة، ولكن قيام رمضان له مذاقٌ خاص يختلف عن جميعِ السَّنَة، والليل في رمضان له مذاقٌ خاص أيضًا يختلف عن جميع ليالي السَّنَة، وهذه مِن خصوصيات رمضان: أن تجِد القيام سهلاً على جميع الناس، حتى إنَّك لتجد بعض مَن كان لا يصلِّي الفرائض في غير رمضان يُصلِّي القيام في رمضان! ومن خصوصيات هذا الشهر الكريم أيضًا: نداوة الأصوات، فأحْلى قرآن تسمعه في حياتك، تسمَعه في ليالي رمضان.



وإليك - أخي الحبيب - بعض المنشِّطات لقيام رمضان، وأعْني فوائدَ قيام رمضان، تلكم الفوائد الجليلة التي بأيدي المحبِّين المشتاقين إلى الخِدمة بنشاط، فمِن بين فوائد قيام رمضان ما يلي:



* قيام رمضان مِن الإيمان، ومغفرة لسالِف الذنوب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))؛ قال الشيخ الألباني: "أمَّا إذا لم يكن على الإنسان ذنب، فيظْهر هذا الفضل في رفْع الدرجات، كما في حقِّ الأنبياء المعصومين من الذنوب".



* استحقاق قائِمة اسم الصِّدِّيقين والشهداء: جاء رجلٌ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إنْ شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وأديتُ الزكاة، وصمتُ رمضان وقُمته، فمِمَّن أنا؟! قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مِن الصِّدِّيقين والشهداء))؛ رواه ابن حبَّان، وصححه الألباني.



* مَن قام مع إمامه كُتب له قنوت ليلة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الرجل إذا صَلَّى مع الإمام حتى ينصرف، حُسب له قيام ليلة))؛ رواه أحمد وصحَّحه الألباني.



فاتَّق الله في عُمرك، وأقبل على صلاة التراويح، يُقبل الله عليك، واصبرْ على إمامك حتى ينصرف، ولا تستعجلْ فتخسر ليلتَك.



* قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومَن قام بمائة آية كُتب مِن القانتين، ومَن قام بألف آية كُتب من المقنطرين))؛ رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني.



* القيام شرف: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((شرف المؤمن قيام الليل))؛ رواه الحاكم وصحَّحه الألباني.



فهيَّا إلى قافلة الشرفاء، وواظبْ على قيام الليل، تكُن شريفًا عند الله.



* قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنَّه دأب الصالحين قبلكم))، فمن أراد أن ينضمَّ إلى قافلة الصِّدِّيقين والشهداء، ثم يَنضاف إلى قافلة الشرفاء، فليجعل قيام الليل دأبه؛ لأنَّه دأبهم وعلامتهم، وكأنك تستشعر مِن كلمة الدأب المداومة والصَّبر والاجتهاد في هذا العمل، فاجتهد فيه كجهدهم تكُن منهم.



* القيام شفاء وعافية؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليكم بقِيام الليل... ومطردة للداء عن الجسد))؛ رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.



سبحان الله العظيم! الذي مَن عَرَفَه لم يبخل عليه بنفَس من أنفاس حياته؛ فإنَّه نِعم التعامل مع الكريم، إذا ضحيتَ لله بجزء من راحتك، عوَّضك عن ذلك راحةً أكثر، وصحَّة أفضل، بل إنه - سبحانه - يجعل قيامَك له، وأنت تُغالِب شهوة النوم فتطردها، فيجعل الجزاء مِن جنس العمل: أن يطرد مقابلَ ذلك الداء عن جسدك، فإلي الباحثين عن الصحَّة: عليكم بقيام الليل!



* عصمة من الذنوب؛ ففي الحديث ((ومنهاة عن الإثم))، نعمْ والله! كيف لقلبٍ ذاق حلاوة قيام الليل أن يُصبح فيعصي ربَّه؟! كيف لقلب استشعرَ في الليل وهو قائِم رُؤيةَ الله له ومباهاته به، ثم يُصبح فيعصي الله؟! كيف لقلب بات يُناجي ربه ويتلذَّذ بكلمات الله، ثم يُصبح تاركًا طاعة ربه؟! إنها المكافأة كما قال الحسن البصري: مَن أحسن في ليله كُوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله.



* الله يباهي بالقائمين؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قام الرجلُ من الليل يصلِّي، فغلبته عيناه فنام في سجوده، فإنَّ الله يقول لملائكته: انظروا يا ملائكتي، هذا عبْدي رُوحه عندي، وجسده بين يديّ، اكتبوا له قيامَه، واجعلوا نومَه صدقةً مني عليه))؛ أخرجه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني.



سبحان الملك الكريم! الله يُباهي ملائكته بساجد نائم، فما بالك بالمتيقِّظ المقاوِم؟! والله هذا شرفٌ لا يُقاوَم.



* سبيل لمحبة الله؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الحاكم وصحَّحه الألباني: ((ثلاثة يحبُّهم الله ويستبشر بهم ويضحَك إليهم - وذكر منهم: رجل عنده امرأةٌ حَسَنة، وفراش حَسَن، ثم قام يصلِّي، فيقول الله للملائكة: انظروا يا ملائكتي: هذا عبْدي عنده فراش حَسَن، وزوجة حسَنة، فتركها ثم قام يتملَّقني، ويتلو آياتي، ولو شاء رَقَد)).



انظر أيها الحبيب المحب، كيف أنَّ كل ما تبذله لله له قدْرٌ عند الله، ويقع عندَ الله بموقع، والشاهد قوله - تعالى - للملائكة: ((ولو شاء رَقد))، فالله يحفظ لك أنك غالبتَ الرقود وآثرتَ القيام، فأحبك واستبشر بك، وضحِك لك.



* القيام نور الوجوه والقلوب؛ قيل للحسن: ما بال القائمين أحسنُ الناس وجوهًا؟! فقال: إنَّهم خلوا بالله في السَّحَر، فألبسهم مِن نوره.



* الكلام عن عدد ركعات قيام رمضان:

قال شيخ الإسلام: إنَّ نفْس قيام رمضان لم يوقّت فيه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عددًا معينًا، بل كان هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَزيد عن ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يُطيل الركعات، فلما جمعَهم عمر على أُبيِّ بن كعب كان يصلِّي بهم عشرين ركعةً، ثم يوتِر بثلاث، وكان يخفِّف القراءة بقدْر ما زاد مِن الركعات؛ لأنَّ ذلك أخف على المأمومين مِن تطويل الركعة الواحدة.



والأفضل يختلِف باختلاف أحوالِ المصلِّين؛ فإنْ كان فيهم احتمالٌ لطول القيام بعشر ركعات وثلاث بعدَها كما كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصلِّي لنفسه، فهو الأفضل، وإنْ كانوا لا يحتملونه، فالقيام بعشرين أفضل، وهو الذي يعمل به أكثرُ المسلمين؛ فإنَّه وسط بين العشرين وبيْن الأربعين، ومَن ظَنَّ أنَّ رمضان فيه عددٌ مؤقت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يُزاد فيه ولا يُنقص، فقدْ أخطأ، وكذلك لم يُذكَر أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حدَّد مقدار القراءة في كلِّ ركعة، بل يختلف ذلك بحسبِ نشاط القوم؛ فقد أمَر عمر بن الخطاب أُبيَّ بن كعب وتميمًا الداريَّ أن يقومَا بالناس في رمضان، فقال قائلهم: فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العِصي مِن طول القيام، وما كنَّا ننصرف إلا في بزوغ الفجر، وقال أبو داود: سُئل أحمد عنِ الرجل يقرأ القرآن مرَّتين في رمضان يؤمُّ الناس؟ قال: هذا عِندي على قدر نشاط القوم، وإنَّ فيهم العمَّال.



فيا أخي الحبيب: لا تشتغل بمناقشة عددِ ركعات القيام مع الآخرين، ولا تجادِلْ وتضيِّع رمضان، عليك بالعمل، فاجتهدْ في أن تقوم أكثرَ الليل، ولا تُضيِّع وقتك مع البطالين.



ويجوز للنساء حضورُ الجماعة في قيام رمضان إذا تأدبْنَ بآداب الخروج الشرعيَّة؛ مِن الحجاب، وعدم التطيُّب، وعدم رفْع أصواتهن، أو الاختلاط بالرِّجال في المواصلات والشوارع ونحو ذلك، وغضّ البصر، وعدم البقاء لوقتٍ متأخِّر خارجَ المنزل دون محْرَم، وإلا فصلاتهنَّ في بيوتهن أفضل.



ويمكن لرجل مِن أهل البيت أن يؤمَّهم للصلاة، ويمكن أيضًا أن تؤمَّ المرأةُ النساءَ في قيام رمضان، وإذا لم يكُن الإمام قارئًا، جاز له أن يُصلِّي بالناس ويقرأ من المصحَف.



* إذا قمتَ فأيقظ أهلك: فإنَّ عباد الرحمن لا يَكفيهم أن يبيتون سجدًا وقيامًا فحسبُ، بل ويرجون ذريةً تسير على نهجهم، وأن تكون لهم أزواج مِن نوعيتهم، فتقرّ بهم أعينهم، وتطمئنّ لهم قلوبهم؛ قال - سبحانه وتعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ï´¾ [الطور: 21]، وتأمَّل قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه أبو داود وصحَّحه الألباني: ((مَن استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليَا ركعتين جميعًا، كُتبَا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات)).



* وقد يتساءَل باغي الخير فيقول: لِمَ كل هذا الاهتمام بالليل؟! والجواب: أنه لأسباب كثيرة، أهمُّها خمسة:

فالأول: أنَّ الإنسان عندما يقوم الليل يكون هذا أخلصَ لربِّه؛ لأنَّه يكون في وقت سر لا يطلع عليه أحد.



والثاني: أنَّه أشقُّ على النفْس؛ ولذلك يكون الأجْر أكثر؛ فالأجْر على قدْر المشقة.



والثالث: أنَّه مع خلوِّ البال مِن مشاغِل الحياة، وسكونِ الليل، والفراغ مِن الدنيا والكد فيها، يكون القلبُ أكثرَ مواطأةً وموافقة للسان في الذِّكْر.



والرابع: أنَّ الليل موطِن لتنزل الرَّحَمات، ولنزول ربِّ الأرض والسموات، فعظمت العبادة فيه.



وأمَّا الخامس: فلأن قيام الليل عبادةٌ جامعة لطهارة القلْب، وقد قال قتادة: كان يُقال: ما سهِر الليل منافق؛ يعني: في قيام الليل.





http://smiles.al-wed.com/smiles/13/89jkl.gif






ابوالوليد المسلم 20-05-2020 01:49 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(25)






محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif



الوسيلة الرابعة عشرة: كثرة ذكر الله:

فقد قال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 191]، وقال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقال رجلٌ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: دلَّني على عملٍ أتشبَّث به، قال: ((لا يزال لسانُك رطبًا بذِكر الله))؛ والحديث صحَّحه الألباني، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألاَ أُنبِّئكم بخير أعمالكم، وأزْكاها عند مليككم، وأرفعها في دَرجاتكم، وخير لكم مِن إنفاق الذهب والفِضَّة، وخير لكم مِن أن تلقَوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟!))، قالوا: بلي! قال: ((ذِكْر الله)).

الذِّكر نجاة، ذِكر الله بركة، ذِكْر الله هداية، ذِكر الله نِعمة ونعيم وقرَّة عين، وأُنس رُوح، وسعادة نفْس، وقوَّة قلْب... نعم؛ ذكر الله رَوحٌ وريحان وجنَّة نعيم.

الذكر هو قوتُ القلوب التي متى فارقَها صارت الأجساد لها قبورًا، وهو عمارة ديار المؤمنين، فإذا تعطَّلتْ عنه صارت بورًا، هو سلاحهم الذي يقاتلون به قطَّاع الطريق، ودواء أسقامِهم الذي متى فارقهم انتكستْ منهم القلوب، والعلاقة التي بينهم وبين علاَّم الغيوب، التي متى فقدوها استوحشتِ القلوب.

وهو جلاءُ القلوب وصقالُها، ودواؤها إذا غشِيَها اعتلالها، وكلَّما ازداد الذاكر في ذِكره استغراقًا، ازداد المذكور محبَّةً إلى لقائه واشتياقًا، به يزول الوَقْر عن الأسماع، والبَكم عن الألسُن، وتنقشع الظلمةُ عن الأبصار، وهو الذي زيَّن الله به ألسِنةَ الذاكرين، كما زيَّن بالنور أبصارَ الناظرين.

هو باب الله الأعْظَم المفتوح بينه وبيْن عبده، ما لم يغلقْه العبد بغفلته، وهو رُوح الأعمال الصالحة، فإذا خلاَ العمل عن الذِّكر كان كالجسدِ الذي لا رُوحَ فيه.

وهو غراس الجنَّة، وسبب تنزُّل الرحمات، ورِضا ربِّ الأرض والسموات، وعبادة جميع الكائنات، إنَّه الشفاء للقلوب.

يقول يحيى بن معاذ - رحمه الله -: "يا غفول .. يا جهول؛ لو سمعتَ صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تَكتُب اسمك عندَ ذِكرك لمولاك، لمُتَّ شوقًا إلى مولاك"، وقال ذو النون المصري: "والله ما طابتِ الدنيا إلا بذِكره، وما طابتِ الآخرة إلا بعفوِه، وما طابتِ الجنة إلا برؤيةِ وجهه الكريم - تبارك وتعالى".

أيام وليالي رمضان أزمنةٌ فاضلة، فاغتنِمْها بالإكثار مِن الذِّكر والدُّعاء، وخاصَّة في أوقات الإجابة، عوِّد لسانك: ربِّ اغفر لي؛ فإنَّ لله ساعات لا يردُّ فيها سائلاً.

الأذكار الموظَّفة في اليوم والليلة، افرضْها على نفسك فرضًا، وعاقب نفسك على التفريط في شيءٍ منها؛ وهي أذكارُ دخول البيت والخروج منه، وكذا المسجد، وكذا الخلاء، وأذكار الطعام والشراب واللِّباس، والنوم والجِماع، وأذكار الصباح والمساء، وغيرها.

احمل في جيبك المصحَف وكتاب حِصن المسلم، ولا تفرِّط فيهما أبدًا، احفظِ الأذكار، وراجعْها دائمًا على الكتاب، واسأل عن معناها، وافْهم ما تقول.

كثرة الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلا عددٍ محصور تُزيل الهم، كثرة الاستغفار تَزيد القوَّة، الباقيات الصالحات: ((سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله)) خير ثوابًا وخير أملاً.

التهليل قول: "لا إله إلا الله" حصنٌ حصين مِن الشيطان، والحوقلة قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" كَنْز من كنوز العرش، "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" ثقيلتان في الميزان.

عمومًا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، فاذكرِ الله يذكرْك، ولا تنسَهُ فينساك.

وإني يُمكنني - بعون الله - أن أذكُر لك كثيرًا مِن الأذكار وفضائل الأعمال فيها، ولكن أُحيلك علي كتاب حِصن المسلم فعليك به، لا تجعلْه يفارق جيبك، وحاول أن تتعوَّد على ما فيه من الأذكار، والله المستعان، وأحيلك كذلك على كتاب فضائل الأعمال للمقدسي، وكل ذلك حتى لا أُطيل عليك فيما يسهُل عليك معرفته.

فحافظ أخي - يا بن الإسلام - على الأذكار، وذلك على العموم، ومع هذا العموم يَحْلو لي أن أنصَّ على بعض الأذكار المهمَّة، فمنها:
* حمْد الله بعدَ الأكْل والشرب: وهذه بُشرى للذين يبْحثون عن رِضا الله تعالى عنهم؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((إن الله ليرضَى عن العبد يأكُل الأكلةَ فيحمده عليها، أو يشرَب الشربةَ فيحمده عليها))، فما أسهل الوصولَ إلى رِضا الله - أخي الحبيب - فلا تفرِّط، ولا تتكاسل؛ حتى لا يخذلَك الله.

* الدعاء في المرَض بأجْر شهيد: ﴿ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، إنها دعوة نبي الله يونس - عليه السلام - قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي: ((أيما مسلمٍ دعا بها في مرضِه أربعين مرَّةً فمات في مرضه ذلك، أُعطِي أجرَ شهيد، وإنْ برَأ برأ وقد غُفِر له جميع ذنوبه)).

فهل قال أحدنا هذا الدعاءَ الجليل في مرضه؛ ليفوزَ بهذا الأجْر العظيم؟!

* دعاء السوق: فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمدُ والترمذي وحسَّنه الألباني: ((مَن دخَل السوق فقال: لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريكَ له، له المُلك، وله الحمد، يُحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتَب الله له ألْفَ ألْف حسنة، ومَحَا عنه ألْفَ ألْف سيئة، ورفع له ألْفَ ألْف درجة، وبنَى له بيتًا في الجنة)).

يا ألله! اللهم إني أسألك أن تغفرَ لي ولإخواني تقصيرنا في حقِّ أنفسنا أمامَ فضلك العظيم، اللهم إنَّه ليس لنا حُجَّة أبدًا عليك، وكيف وقد يسرتَ لنا كلَّ سبل الجنة، وأعطيتنا مِن الفضل ما لم تُعطِ أحدًا من العالمين؟!

ولكننا يا ربَّنا نَطْمَع في مزيدِ فضل منك ورحمة، نَطْمَع يا ربنا في أن تأخُذ بأيدينا إليك، أخْذَ الكرام عليك، وأن تستعملنا في طاعتِك ونصرة دِينك يا رحمن.

اللهم إنَّا نعلم أنَّه لا تنفعك طاعاتنا، ولا تضرُّك معاصينا، وأننا إنْ عصيناك، فإن عبادك سوانا كثير، ولكننا يا ربَّنا ليس لنا إله غيرك، فإلى مَن تكِلنا؟! اللهم لا تكِلْنا إلى أنفسنا فنعجز، وإلى على الناس فنضيع.

إنَّه على الرغم مِن هذا الأجْر الجزيل، فإنَّك - أخي يا بن الإسلام - لا تكاد تجِد مسلمًا يذكُر الله - تعالى - في السوق بتلك الكلمات المبارَكة، إلاَّ مَن رحِم الله - ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم!

* في الحديث المرفوع الذي رواه الترمذي وصحَّحه الألباني: ((مَن قال: سبحان الله وبحمده، غُرِستْ له نخلة في الجنة)) سبحان الله العظيم! أين النخيل التي غرسناها؟!

* روى الطبراني - وقال الألباني: صحيح لغيره - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال إذا أصبح: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، فأنا الزعيم - أي: الكفيل - لآخذنَّ بيده حتى أدخلَه الجنة)).

* في الصحيحين أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال: لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمْد، وهو على كلِّ شيء قدير، في يوم مائة مرة: كانتْ له عدلَ عشر رقاب، وكُتبت له مائة حَسَنة، ومُحيت عنه مائة سيِّئة، وكانتْ له حرزًا من الشيطان يومَه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمِل أكثر مِن ذلك، ومَن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائةَ مرة، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مِثل زَبَدِ البحر)).

* رَوى الترمذي وابن ماجه وصحَّحه الألباني، عن ابن عمرٍو قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خَصلتان لا يُحصيهما رجلٌ مسلم إلا دخَل الجنة، وهما يسير، ومَن يعمل بهنَّ قليل: يسبح الله في دُبر كلِّ صلاة عشرًا، ويكبِّر عشرًا، ويحمد عشرًا))، فرأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعقدها بيده ((فذلك خمسون ومائة باللِّسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أَوَى إلى فراشه سبَّح وحِمد وكبَّر مائة، فتلك مائةٌ باللسان، وألف في الميزان، فأيُّكم يعمل في اليوم ألْفَين وخمسمائة سيِّئة؟!)) قالوا: وكيف يُحصيهما؟ قال: ((يأتي أحدَكم الشيطانُ وهو في الصلاة فيقول: اذكُرْ كذا وكذا، حتى ينفكَّ العبدُ لا يعقل، ويأتيه وهو في مضجعِه فلا يزال يُنَوِّمُهُ حتى ينام)).

* إجابة المؤذِّن: في صحيح مسلم وغيره قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قال حين يسمع المؤذِّن: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبه))، وعند البخاري وغيره قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قال حين يسمع النِّداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامَّة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، حلَّتْ له شفاعتي يومَ القيامة))، وعند النَّسائي وأحمد وصحَّحه الألباني عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنَّا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقام بلال يُنادي، فلما سكَتَ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قال مِثل هذا يقينًا، دخَل الجنة)).

* موافقة تأمين المأموم لتأمينِ الملائكة في صلاة الجماعة: ففي الصحيحين أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فقولوا: آمين؛ فإنَّه مَن وافق قولُه قولَ الملائكة، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))، وفي رواية: ((إذا قال أحدُكم: آمين، وقالتِ الملائكة في السماء: آمين، فوافقتْ إحداهما الأُخرى، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))، وفي صحيح مسلم وغيره: ((إذا صليتُم فأقيموا صفوفَكم، ثم ليؤمَّكم أحدُكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فقولوا: آمين؛ يُحببكم الله))، وعند ابن ماجه وصحَّحه الألباني: ((ما حَسدتْكم اليهود على شيء، ما حَسَدتْكم على: "آمين"، فأكْثِروا مِن قول "آمين")).

* موافقة تسميع المأموم لتسميعِ الملائكة في الصلاة: ففي الصحيحين أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا قال الإمام: سمِع الله لمن حَمِده، فقولوا: اللهمَّ ربَّنا لك الحمْد؛ فإنَّه مَن وافق قولُه قولَ الملائكة، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))، وفي رواية: ((فقولوا: ربَّنا ولك الحمد)) بزيادة الواو.

* إذا أخذتَ مضجعك مِن الليل فاقرأ: (قل يا أيُّها الكافرون) ثمَّ نمْ على خاتمتِهَا؛ فإِنَّها براءةٌ من الشركِ.

* بينما نحنُ نُصلي مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ قال رجلٌ من القومِ: الله أكبرُ كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحان الله بَكرةً وأصيلاً، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن القائلُ كلمةَ كذا وكذا؟))، فقال رجل ٌمن القوم: أنا يا رسول الله! قال: ((عجبتُ لها؛ فُتِحَتْ لها أبوابُ السماء))، قال ابن عمر: فما تركتُهُنَّ منذُ سمعتُ رسولَ الله يقولُ ذلك؛ صحيح مسلم.

* كنا نُصلي يومًا وراءَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا رفَع رأسه من الركعةِ قال: ((سمع الله لمن حمده))، قال رجلٌ: ربنا ولك الحمدُ، حمدًا كثيرا ًطيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف، قال: ((مَن المُتكلِّم؟))، قال: أنا، قال: ((رأيت ُبضعةً وثلاثين مَلَكًا يَبْتَدِرُونها، أيُّهُم يَكتُبها أوَّلُ))؛ صحيح البخاري.

* ((مَن صلَّى الفجر في جماعةٍ، ثم قعَد يذكر الله حتى تطلعَ الشمس، ثم صلى ركعتين، كانتْ له كأجرِ حجَّةٍ، وعمرةٍ، تامَّةٍ، تامةٍ، تامَّة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن صلَّى لله أربعين يومًا في جماعةٍ، يُدركُ التكبيرةَ الأولى، كتِب له براءتانِ: براءةٌ من النارِ، وبراءةٌ من النفاق))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((أفضلُ الصلوات عندَ الله صلاةُ الصبح يوم الجُمُعة في جماعة))؛ السلسلة الصحيحة.

* ((مَن قال: سبحان الله العظيم وبحمْده، غُرِستْ له نخلةٌ في الجنة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.


* ((مَن قال: سبحان الله وبحَمْدِه، سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوبُ إليك، فإنْ قالها في مجلسِ ذِكْرٍ، كانتْ كالطَّابَع يُطبعُ عليه، ومَن قالها في مجلسِ لغوٍ، كانتْ كفَّارةً له))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((إنَّ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تنفُضُ الخطايا كما تنفضُ الشجرةُ ورقَها))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((أيَعجِزُ أحدكم، أن يكسِبَ كلَّ يومٍ ألف حسنةٍ؟ يسبِّح الله مائة تسبيحةٍ، فيكتُبُ اللهُ له بها ألفَ حسنةٍ، أو يحُطُّ عنهُ بها ألف خطيئةٍ))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.
يتبع

ابوالوليد المسلم 20-05-2020 01:49 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 


* ((إنَّ الله - تعالى - اصطفَى مِن الكلام أربعًا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمَن قال: سبحان الله، كُتِبتْ له عِشرون حسنةً، وحُطَّتْ عنه عِشرون سيئةً، ومَن قال: الله أكبرُ، مثلُ ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله، مثلُ ذلك، ومَن قال: الحمدُ لله ربِّ العالمين، من قِبلِ نفْسه كُتِبتْ له ثلاثون حسنةً، وحُطَّ عنه ثلاثون خطيئةً))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((ألا أدلُّك على غراسٍ، هو خيرٌ مِن هذا؟ تقولُ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يُغرسُ لك بكلِّ كلمةٍ منها شجرةٌ في الجنَّة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((من ضنَّ بالمالِ أن يُنفقَه، وبالليلِ أن يُكابدَه، فعليه بسبحان الله وبحمده))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((ألا أدلُّك على ما هو أكثرُ مِن ذكركَ اللهَ الليلَ مع النهارِ؟ تقولُ: الحمدُ لله عددَ ما خلقَ، الحمدُ لله ملءَ ما خلقَ، الحمدُ لله عددَ ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ، الحمد لله عددَ ما أحْصَى كتابُه، والحمدُ لله على ما أحصى كتابُه، والحمدُ لله عددَ كلِّ شيءٍ، والحمدُ لله ملءَ كلِّ شيءٍ، وتُسَبِّحُ الله مثلهُنَّ، تعلَّمْهُنَّ وعَلِّمْهُنَّ عقِبكَ منْ بعدِكَ))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن صلَّى عليَّ حين يُصْبحُ عشْرًا، وحين يُمْسي عشْرًا، أدركتْه شفاعتي يوم القيامة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن قال: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا، وجَبت له الجنة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن دعَا لأخيه بظهْر الغيب، قال الملَك الموكَّل به: آمين ولك بمِثله))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن يَتَكفَّلْ لي أن لا يَسأَلَ الناس شيئًا، أتَكفَّلْ له بالجنةِ))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن قتَل وزغةً في أوَّل ضربْةٍ كُتِب له مائةُ حَسنةٍ، ومن قَتلها في الضَّربة الثَّانية، فلهُ كذا وكذا حسَنة، وإن قَتلها في الضَّربة الثالثة فله كَذا وكَذا حسنةً))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن أكَل طعامًا ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطَّعام ورزقَنيه مِن غير حولٍ منِّي ولا قوَّةٍ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنْبِه، ومن لَبِسَ ثوبًا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقَنيه مِن غير حولٍ مني ولا قوةٍ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنْبِه وما تأخَّر))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* واحرِصْ عمومًا على المداومة على التسبيح والأذكار قبلَ طلوع الشمس وقبل غروبها، والمكث في المسجد إلى الضُّحَى، ثم صلاة ركعتين، كما كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفْعَل، فتحصل على أجْر حَجَّة وعمرة تامَّة تامة تامَّة، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصحَّحه الألباني، وقال الله - تعالى -: ï´؟ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ï´¾ [طه: 130]، والقدْر الواجب مِن هذا التسبيح صلاة الصبح وصلاة العصْر، وهذا مِن أسباب الرِّضا، كما قال - تعالى -: ï´؟ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ï´¾ [طه: 130]، وكمال هذا التسبيح بالتسبيح المعهود كما قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي عند مسلم وأبي داود والترمذي وأحمد: ((مَن قال: سبحان الله وبحمده مائة مرَّةٍ حين يُصبح وحين يُمسي، لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضلَ ممَّا جاء به، إلا رجلٌ قال مِثل ما قال أو زادَ عليه)).

والمحافظة على ذِكْر الله مطلقًا مِن أعظم الأعمال؛ فقد قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما مَرَّ على جبل يُسمَّى جُمْدان وهو في طريقه إلى مكة: ((سِيروا، هذا جمدان، سبق المُفَرِّدُونَ))، قالوا: وما المفرِّدون يا رسولَ الله؟ قال: ((الذاكِرون الله كثيرًا والذاكرات))؛ والحديث رواه مسلم والترمذي وأحمد.

والذِّكر بالكسر الحِفظ للشيء، وما زال مني على ذُكر وذِكر أي: تذكُّر، وبهذا تعلم أنَّ الذكر حقيقة في الحِفظ والتذكُّر والاستحضار، واستُخدِم في الشرع بمعنى جريان اللِّسان بالثناء على الله وطلَب المغفرة منه، حتى صار حقيقةً شرعيَّة، غير أنه غُلِّب من العامَّة على وظيفة اللسان، فأصبح لا يُطلق الذِّكر إلا ويتبادر معنى تحرُّك اللِّسان بالأذكار، وشطح غلاة الصوفية، فصاروا لا يَفهمون من الذِّكر إلا مجالس الرقْص والدفوف، وكل ذلك يَتنافى مع كثيرٍ من إطلاقات القرآن؛ يقول - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ï´¾ [آل عمران: 135]، فذِكر الله هنا بمعنى استحضار عظَمتِه، وحِفظ مقامه، وتذكُّر جلاله وهيبته، يؤيِّده أنَّه عطف عليه الاستغفار، وهو ذِكر، فلو كان: (ذَكَروا الله)؛ أي: جرَى اللسان بذِكره، لتكرَّر هكذا: ذكروا الله فذَكروه، ولا يُقال: (ذكروا الله فاستغفروا) من قَبيل عطْف الخاص على العام؛ لأنَّ هذا من باب التأكيد، والتأسيسُ أوْلى من التأكيد، فالمتَّجه عندي أنَّ ذِكر الله ألزمُ صفة للمتقين؛ فهم يستحضرون عظمتَه، ويتذكَّرون أياديَهُ عليهم، فيكون ذلك سببًا في معرفة جرم ذنوبهم، فيستغفرون.

وتأمل قوله - تعالى -: ï´؟ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل: 43]، تجد أنَّ الذكر هنا أيضًا بمعنى العلم، وإذا أجريتَ ما ذكرته لك عن معنى الذِّكر هنا، فهمتَ ضرورة أنَّ قوله: ï´؟ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ï´¾ [النحل: 43]؛ أي: أهل الخوف مِن الله والخاشعين له والمستحضرين لعظمَته، وليس هؤلاء إلا العلماء؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ï´¾ [فاطر: 28]، بل إنَّ قوله - تعالى -: ï´؟ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ï´¾ [الأنفال: 2] فيه إشارةٌ إلى ما قررتُه؛ فشأن أهل الإيمان - الذين وردتِ الآية في سِياق وصفهم - توجل قلوبهم بمجرَّد جريان خواطرِهم به - عزَّ وجلَّ - عندَ سماع اسمٍ مِن أسمائه، أو صِفة من صفاته، أو أي شيء يُشير إلى مقامه، ولو كان معنى الآية أنَّ المؤمنين توجل قلوبهم بترداد ذِكْره وجريان اللِّسان لهجًا بالثناء عليه، فليس في ذلك مزيَّة؛ فمُعظم الناس يوجلون عندَ ترداد الأذكار بحضورِ قلْب، ولكن القليل هم الذين تتفاعَل قلوبهم بمجرد ورود الخاطِر عن الله - تعالى.

إذا تقرَّر ذلك، نعلم عندئذٍ أنَّ ذكر الله يكون باستحضار عظَمته في القلب، وليس نوعًا مستقلاًّ بذاته؛ لأنَّ جريان اللسان بالذِّكر دون حراك القلب ليس مقصودًا من الله - عزَّ وجلَّ وتقدَّس - قال - تعالى -: ï´؟ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ï´¾ [الحج: 37]، وفي صحيح مسلِم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((التَّقْوى ها هنا))، وأشار إلى صدْره، وفي صحيح مسلم: ((إنَّ الله لا ينظُر إلى أجسامكم ولا إلى صُوركم، ولكن ينظر إلى قلوبِكم)).

وبهذا البيان نُدرِك أنَّ وظيفة اللسان في الذِّكر يجب أن تحصِّل حضور القلب بتعظيم الله واستحضار هيبته وجلاله، فما الوسائلُ التي تحقِّق هذه الثمرة؟

ومن آداب ذكر الله - تعالى -:
1 - إخلاص النيَّة لله، وابتغاء الثَّواب منه - تعالى.

2 - أن يَشتاقَ القلب للذِّكْر كما يشتاق الجسدُ للطعام والشراب، فيُقبِل العبد على الذِّكْر بشغَف وحبٍّ، وحَماس وحضور قلْب، فقد وصَف الله المنافقين، فقال: ï´؟ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ï´¾ [النساء: 142]، فمِن الأدب: الإقبال على الذِّكْر بشغف.

3 - الوضوء أو الطهَارة قبله؛ فقدْ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَكره ذِكْر الله إلا على طهارة، كما في صحيح سُنن أبي داود، وقال عمر - رضي الله عنه -: "الوضوء الصالِح يطرد عنكَ الشيطان".

4 - الجلوس باتِّجاه القِبلة خاشعًا ساكنًا؛ فهكذا يكون التذلُّل عند مناجاتِك لله ربِّ العالمين، وخصوصًا إذا استحضرت قوله - تعالى -: ï´؟ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ï´¾ [البقرة: 152]، و: ((أنا معه حين يذكُرني)) - كما في صحيح البخاري.

5 - أن تُطهِّر باطنك بالاستغفار ومراقَبة الله - تعالى - والتوبة إليه مِن الذُّنوب والخطايا؛ لتهيئةِ القلْب واللِّسان للذِّكر.

6 - اختيار الأوقات المناسِبة للذِّكر، والتي تكون فيها خاليًا مِن الشواغل، ونفسك مستعدَّةً لتلقي النور، وقلبك مشتاقًا لمناجاة الله - تعالى - كأوقاتِ السَّحَر والأصيل، وعقِب الصلوات المكتوبة، وفي الليالي المبارَكة والأيام الفاضلة.

7 - استحضار عظمَة الله - تعالى - والتفكُّر في ألفاظ الذِّكر، وذِكره - تعالى - بأسمائه الحُسنى وصفاته العلا، فتصل بذلك إلى التضرُّع والتذلُّل والعبودية الحقَّة لله - تعالى - ساعتَها يشعُر القلب بالطُّمأنينة.

8 - استحباب البُكاء مع الذِّكْر؛ لما في حديث السَّبعة الذين يُظلُّهم الله بظلِّه، وهو في صحيح مسلم، فمَن استحضر قلبه في الذِّكر، واستشعر قُربَ الله - تعالى - منه، وفهم عن الله مرادَه من ذِكر العبد لربِّه، لا يملك إلا أن تفيض عيناه.

9 - إخفاؤه وعدم إطْلاع غيره عليه؛ حفاظًا على الإخلاص، وتجنبًا للرِّياء، وهو بذلك يَسري في أعماق النفْس، وينبض مع نبضات القلْب.

10 - مطالبة النَّفْس بثمرات الذِّكْر بعد الفراغ منه؛ بالمحافظة على الطاعات، ومجانبة اللهو واللغو والآثام، والاستقامة في الأقوال والأفعال والمعاملات، فثَمَرة الذِّكر الحقيقيَّة ألا تراودك نفسُك على محرَّم، بل تظل دائمًا إذا كنت ذاكرًا تَرى أنَّك بين يدي الله - تعالى - فتحبُّه على الحقيقة، وتستحي منه على الحقيقة، وتخشاه كأنَّك تراه، وبذلك تكون مِن الذاكرين المرحومين، جعلني الله وإيَّاك منهم.

وسائل تحصيل حلاوة الذكر:
أولاً: معرفة المقصود مِن الذِّكْر، وهو إجلال مقام الله، والخوف مِنه وخشيته ومهابته وقدْره حقَّ قدره، وبهذا المعنى يكون الذِّكر منسحبًا على كلِّ زمان ومكان يوجَد فيه الإنسان.

ثانيًا: أن يلحظَ الذاكِرُ نعمةَ الله على الخليقة لنوالهم شرَف ذكره، وكرامة ورود كلماته على الخواطِر، وجريانها في الجوارح، مع تلبُّسها بمعصيته وجُحود آلائِه ونِعمائه.

ثالثًا: لزوم جناب الاحتشام عندَ ذِكر الله باستحضار مراقبتِه واطلاعه، وقد وصَف الله المؤمنين بأنهم: ï´؟ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ï´¾ [الأنفال: 2]، ووجلُ القلْب خوفه مِن الله؛ قال أبو حيَّان: وقرأ ابن مسعود: فَرِقَت، وقرأ أُبيٌّ: فَزِعَت.

رابعًا: أن يستشعرَ ويستحضر معنى الحديث الذي رواه البخاريُّ معلّقًا بصيغة الجزم، والبيهقي، والحاكِم: ((أنا مع عبدي ما ذَكَرني وتحرَّكت بي شفتاه))، ومعلوم أنَّ هذه المعيَّة معيَّةٌ خاصَّة للذاكرين، ولا تَقتضي الحلوليةَ كما يزعم الزاعِمون، وإلا ما اشْتَرط للمعية شرطًا لحصولها، وهذا مُجمَع عليه بين السلف جمعًا بين هذه النصوص، وبيْن النصوص المفيدة للعلوِّ والاستواء على العرْش، فافهم هذا المقام، واطرحْ ما عداه تسلَمْ وتغنم، ولا يحولنَّ عَطَنُ الفلاسفة والمتكلِّمين والمعطِّلة والجهمية بينك وبيْن جمال هذا المعنى وجلاله، فما دُمت قد بنيتَ في ذهنك مقام الربوبيَّة على الإثبات والتنزيه، فَأَمِرَّ النصوص كما جاءتْ كما فعَل السلف تنتفعْ ببركة تلك النصوص.

واعلم أنَّ المدد مِن الله - تعالى - على قدْر تقواك وصبرك، وحضور القلب على قدر استجماع الفِكر في الذِّكر، والدليل قوله - تعالى -: ï´؟ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ï´¾ [آل عمران: 125].

خامسًا: عدم اليأس مِن تأخُّر الفتْح؛ فمَن أدْمن قرع الباب يوشِك أن يُؤذَن له، وملازمة الإلحاح والوقوف بالباب مع الإطراق بانكسار واختِجال علامة التوفيق والقَبول، تأمَّل قوله - تعالى -: ï´؟ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ï´¾ [التوبة: 118]، تجد أنَّ المخلَّف ممتحَن في حقيقة الأمر: ï´؟ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 141].

سادسًا: يقول ابن القيِّم في "الفوائد": "مِن الذاكرين مَن يبتدئ بذِكْر اللِّسان وإنْ كان على غفلة، ثم لا يزال فيه حتَّى يحضر قلبه فيتواطأا على الذِّكْر، ومنهم مَن لا يرَى ذلك ولا يَبتدئ على غفلة، بل يسكُن حتى يحضر قلبُه فيشرع في الذِّكر بقلبه، فإذا قوي استتبع لسانه فتواطأا جميعًا، فالأوَّل ينتقل الذِّكْر مِن لسانه إلى قلبه، والثاني ينتقل مِن قلبه إلى لسانه مِن غير أن يخلوَ قلبه منه، بل يسكُن أولاً حتى يُحِسَّ بظهور الناطِق فيه، فإذا أحسَّ بذلك نطَق قلبه، ثم انتقل النُّطق القلبي إلى الذِّكر اللِّساني، ثم يستغرِق في ذلك حتى يجدَ كل شيء منه ذاكرًا، وأفضل الذِّكر وأنفعه ما واطأ فيه القلبُ اللسانَ، وكان مِن الأذكار النبوية، وشهِد الذاكر معانيه ومقاصده"، ومِثل هذا لا يُحسِنه إلا ابن القيِّم - رحمه الله.

والمذهب عندي هو الوسيلةُ الثانية؛ أي: عدم الابتداء على غفْلة، بل يسكُن الذاكر حتى يحضرَ القلب، وسبيله أن يستحضرَ نفْسَه واقفًا بباب الرحمة، مطرقًا ينتظر الإذن بالدُّخول، ويجول بقلبِه الكسير حولَ معاني الرحمة والود والقَبول، فذلك قمينٌ - جدير - أن يحضرَ به القلب.

أمَّا لزوم كون الذِّكْر من الوارد في السُّنة، فهذا بدهي لا أُطيل في تقريره، فمَن سلَك غير طريق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّى له الوصول؟!

أمَّا شهود معاني الذِّكْر ومقاصده، فهذا مِن أعظم أبواب حُضور القلْب والانتفاع بالذِّكْر، وخاصَّة إذا كانت من المعاني الراقية الرفيعة التي صِيغت في حنايا سيِّد الذَّاكرين - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وسأضرب مثالاً في كيفيَّة التفكُّر والتدبُّر في الذِّكر؛ ليكونَ كالشاهد على غيره مِن الأذكار، فمِن أذكار الصباح والمساء التي يردِّدها المؤمن: قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((أصبَحْنا وأصبح المُلك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله، وحْده لا شريكَ له، له الملك وله الحَمْد، وهو على كلِّ شيء قدير، رب أسألك خيرَ ما في هذا اليوم وخيرَ ما بعده، وأعوذ بك مِن شرِّ هذا اليوم وشرِّ ما بعده، رب أعوذ بكَ مِن الكسَل وسوء الكِبَر، رب أعوذ بكَ مِن عذاب في النار وعذاب في القَبر)).

فيستحضر ما ذكرته آنفًا، ثم يتدبَّر الكلمات مظهرًا الفقر والاحتياج والمسكَنة، ويجول بقلْبِه في ملك الله وملكوته، فيتحقَّق عنده حقائق النِّعم: ((أصبحْنا)) ويُبصر عظيمَ مِنة الله إذْ منَّ عليه بالحياة فأصبح معافًى، مع أنَّه كان آيسًا من إدراك الصباح، كما قال ابنُ عمر عند البخاري: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء"، وها هي رعاية الله تتداركه، فيرسل له رُوحه بعدَ توفِّيها؛ قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ï´¾ [الزمر: 42]، ومع غمرةِ الفرْحة بنِعمة الله يتدارك نفسه بذِكر المُنعم؛ حتى لا تضمحلَّ رؤية المنعِم في خضمِّ الفرحة بالنِّعمة، فينسب كلَّ النعم - بل كل هذا الملك - إلى المتصرِّف الحقيقي فيه: ((وأصبح الملك لله)).

ومع نِسبة النِّعمة لصاحبها والبَوْء لمسدِيها، لا ينبغي أن ينسَى العبد شُكر ربه والثناء عليه، فيحمده ((والحمد لله))، ثم يشهد شهادة التوحيد ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له))، وسر ذلك: الإقرار بالألوهيَّة بعد الإقرار بالربوبيَّة، فالربوبيَّة هي التصرُّف والتدبير والملك، وهي متضمَّنة في قوله: ((أصبحْنا وأصبَح الملك لله))، والألوهية هي إثباتُ استحقاق الله - عزَّ وجلَّ - الألوهية؛ أي: كونه إلهًا يُعبد ولا يُعبد أحدٌ معه، ثم يكرِّر بعض معاني الربوبية الأُخرى، ويحوم حول بعض أسمائِه - تعالى - وصِفاته؛ ليصقُلَ قلبه بتوحيد الأسماء والصِّفات، فهو - سبحانه -: ((له الملك))؛ أي: إنَّه المَلِك، ((وله الحمد))؛ أي: المحمود الحميد.

ثم يعترِف بشمول قُدْرة الله لكلِّ الأشياء، والشيء أعمُّ لفظة في اللُّغة؛ لشمولها الموجود والمعدوم، والكبير والصَّغير، والعظيم والحقير، ثم يبدأ بعد جولةِ الثناء على الله، هذه الجولة التي لا بدَّ أن يشعُر فيها بتحليقِ رُوحه بين تلك المعاني الراقية، يبدأ في ذلَّة ومَسكنة ممارسة العبوديَّة في أحْلى صُورها، وهي الدُّعاء، فيبدأ دُعاءَه المتناسِب مع الزمان، فيسأل ربَّه خيرَ هذا اليوم وخيرَ ما بعده، وكلمة: ((خير)) مفرَد مُضاف، فيُفيد العمومَ كما قال الأصوليُّون، فهو سؤالٌ لكلِّ خير ولأي خير أن يناله بفضل مِن الله ورحمة، ومُقتضى سؤال الخير ألا يُبتلى بالشرّ؛ لأنَّ الشرَّ ليس بخير، ولكنَّه يؤكِّد الاستعاذة من الشرِّ بترداد ألفاظها؛ إمعانًا في التذلل، وتأكيدًا في المسألة، وإلحاحًا في الرغبة.

ولمَّا كان الذاكِر يستقبل يومًا جديدًا أو ليلةً جديدة، فإنَّه يحتاج إلى كلِّ معونة على كلِّ عجز يُقعِده عن الانتفاع بيومه وليلِه، وعجْز الإنسان إمَّا يكون قدريًّا؛ أي: لا حيلة له في دفْعه، أو كسبيًّا، فهو يستعيذ من العجْز القدري، وهو: ((سوء الكِبَر))؛ وذلك بأن يُبارِك له ربُّه في جوارحه وقوَّته ونشاطه، ومن العجْز الكسبي وهو: ((الكسل))، وذلك بأن يُلهَم النشاط وكراهية الدَّعة والخمول.

ولما كان الذاكِر في جولة قلبيَّة مع تلك المعاني المناسِبة لزمان اليوم والليلة، فإنَّه يُفيق بعد تلك الجولة على حقيقة سَيْره إلى الله، وأنَّ غاية مُراده من الذِّكر والاستعاذة مِن الشرور أن ينجوَ بدخول الجنة والزحزحة عن النار، فيتدارك لسانه هذا الذِّكْر الذي دَنْدَن حوله الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعاذ بن جبل، فيُردِّد صدَى دندنتهما في الكون بترنيمة السالِكين الأبدية: ((رب أعوذ بكَ مِن عذاب في النار وعذاب في القبر))، وفي ذِكر القبر في ختام الدُّعاء والذِّكر سِرٌّ عجيب؛ فإنَّه بدأ ذكره بالتحليق في أرْجاء ملك الله الواسع: ((أصبحْنا وأصبح المُلك لله))، ثم إنَّه استشعر سَعة الكون وشموله بقُدرته - عزَّ وجلَّ - وتصرُّفه فيه، وهو خليقٌ أن يجعله مبهورًا بهذه السعة، فيأتي ذِكر القبر ليردَّه عن هذا التوسع والشعور بالرَّحابة، ويذكّر الضيق الذي ينتظره في القبْر، وكذا بأهواله وخطوبه.


فيا له مِن ذِكر يصعد بالإنسان إلى أعْلى عليِّين، ثم ينزل به إلى أسفل سافلين، فإذا هو بعدَ الذِّكر قد تجلَّتْ له الحقائق، ورأى الدنيا ومُلْكَ الله مِن زاوية السَّعة ومِن زاوية الضِّيق، فتتضاءَل نفسه أمامَ هذا الإعجاز، وتصغُر ذاته في عُمق هذه المعاني، وهذه هي أحْلَى فوائد الذِّكر؛ أن يجد الذاكِر في نفسه قدرةً على إدراك حقائق الأمور، فيرَى ضآلة ذاته، وعظمةَ ربِّه، ويبصر تصرُّف المليك في الكون والخليقة.

سابعًا: يُفضَّل الذكر في الخلوات عنه في الجلوات - على مشهَد مِن الناس - فقد روَى البخاريُّ في السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: ((ورجل ذكَر الله خاليًا ففاضتْ عيناه))، والخلوة يجِب أن تكون بمنأًى عن أعين الناس وعن جَلَبتهم وضوضائهم؛ لذا يُفضَّل في الخلوة الهدوء التام والظلام، وعدم الإزعاج وقطع لحظات المناجاة، ولا يُشرع اتخاذ الخلوات في الجبال والفيافي بما يُشبه الرهبنةَ - كما حقَّقه شيخُ الإسلام ابن تيمية، بل الخلوة الشرعيَّة تكون في المسجد بالاعتكاف، أو في المنازل والبيوتات، ولا يُشرع الاعتزال واتِّخاذ الخلوة في شعب الجبال إلا زمان الفِتن التي تعصِف بالإيمان والمؤمنين، أمَّا زمن الجهاد والدعوة والإصلاح، فلا تُشرَع العزلة بحالٍ على قول جمهور الفقهاء والمحدِّثين وأهل السُّلوك.

وثَمَّة آداب أُخرى في حقِّ الذاكِر يُستحب له إتيانها، منها: لُبس أحسن الثياب، وتجديد الوُضوء، والتطيُّب، واستقبال القِبلة على الدوام، ودوام الإطراق، ولزوم الأدب في الجلوس، واستصحاب السواك واستعماله.

تنبيه: اعلم أيها النابِه أنَّ كل ما ذكرته لك عن الذِّكر وفِقهه وآدابه وأحكامه وأسراره - يجري في قِراءة القرآن الكريم وتدبُّره وتفهُّمه، فهو أعظم الذِّكر وأحلاه، فاستحضر ما قرَّرتُه، ونفذه عندَ تلاوة القرآن، مع ضرورة الإلمام بجُملة مِن فضائل تلاوة القرآن وتدبُّره في نصوص الكتاب والسُّنة؛ فإنَّه خير معوان لك على حبِّ القرآن والانتفاع منه وبه، وقد سبَق أن تكلمتُ في تحصيل لذَّة تلاوة القُرآن، ولخصتُ كلام الغزالي.


ابوالوليد المسلم 20-05-2020 01:51 AM

رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
 
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
http://www.al-wed.com/pic-vb/76.gif

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/122jkl.gif
عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(26)






محمود العشري
http://gallery.egyptsons.com/data/me...crollroses.gif


الوسيلة الخامِسة عشرة: بناء المساجِد: المسجد: هو تلك البُقعة الأرضيَّة التي تُنَضِّرُها السماء، وترفرف عليها الملائكة على تعاقُب الجديدين بأجنحة مِن نور، هو ذلك المكان المقدَّس الذي تشهد تربتُه كلَّ يوم خمسَ مرَّات هذه الجباه الساجدة الضارِعة لبارئها، وهذه الأصلاب الراكِعة المنحنية على التسبيح لخالقها - عزَّ وجلَّ - هو مهبِط الرحمة، يشتاق المصلُّون لبابه، ويشتاق الراكعون لرِحابه، ويشتاق المتضرِّعون لقبابه، إنَّها بيوت الله في الأرض: ï´؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ï´¾ [النور: 36 - 38].النورالطليق الشائِع في السموات والأرض، الفائِض في السموات والأرْض، يتجلَّى ويتبلور في بيوتِ الله، التي تتَّصل فيها القلوب بالله - تعالى - تتطلَّع إليه وتذكُره وتخشاه، وتتجرَّد له، وتؤثِره على كل مغريات الحياة، تلك البيوت التي أذِن الله أن تُرفع، فهي مرفوعةٌ قائمة، وهي مطهَّرة رفيعة، يتناسَق مشهدها المرفوع مع النور المتألِّق في السموات والأرض.مِن هذا المكان الطاهر ينطلق نداءُ السماء العلوي المقدَّس: "الله أكبر.. الله أكبر"، هذا النداء الذي تتجاوب أصداؤه بين الجوارح المؤمِنة، فتهتزُّ له حبات القلوب الخاشعة مع كلِّ صلاة، بل مع كلِّ خفقة من خفقات الأفئدة، هو بيت كل مؤمن، وراحة كل تقي، ومنطلَق كل قوي، هو خيرُ البِقاع وأطهرها، هو أفضل الأماكِن وأرفعها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((مَن بنَى مسجدًا يَبتغي به وجهَ الله، بَنى الله له مثلَه في الجنة))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني: ((إنَّ ممَّا يلحق المؤمِنَ من عمله وحسناته بعدَ موته: علمًا علَّمه ونشره، أو ولدًا صالحًا ترَكه، أو مصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابنِ السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدَقة أخرجها مِن ماله في صحَّته وحياته تلحقه مِن بعد موته)).ولا يشترط أن تبنيَه بمفردك، ولكن تعاون مع غيرِك على بناء المساجد، وتعاون أيضًا مع غيرك على إعمارها؛ وذلك بتوفير إمام متقِن على عِلم ودِين؛ ليجعلَ في المسجد رُوحًا طيبة، وينشر السُّنة، ويعلِّم الناس.ويتعلَّق ببناء المساجد عدَّة أعمال صالِحة أخرى، فمن بينها:* المشي إلى المسجد لأداء الصلاة المفروضة وغيرها: ففي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن غدَا إلى المسجد أو رَاح، أعدَّ الله له نُزلاً من الجنة كلَّما غدَا أو راح))، والنُّزل هو الرزق من الطعام والشراب الذي يُهيَّأ للضيف إكرامًا له، وعند أبي داود وحسَّنه الألباني: ((مَن خرَج مِن بيته متطهرًا إلى صلاةٍ مكتوبة، فأجْره كأجر الحاج المحرِم، ومَن خرج إلى تسبيح الضُّحى لا ينصبه - لا يدفعه ولا يتعبه - إلا إيَّاه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثَرِ صلاةٍ لا لغوَ بينهما كتابٌ في عليِّين))، وعندَ ابن خزيمة وصحَّحه الألباني: ((مَن توضَّأ فأسبغ الوضوء ثم مشَى إلى صلاة مكتوبة فصلاَّها مع الإمام، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)).* المشي إلى المسجد في ظلام الليل للتعبُّد: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود والترمذيُّ وابن ماجه، وصحَّحه الألباني: ((بَشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجِد بالنور التام يومَ القيامة))، وعندَ الطبراني في الأوسط، وقال الألباني: صحيحٌ لغيره: ((إنَّ الله لَيضيء للَّذين يتخلَّلون إلى المساجدِ في الظُّلم بنورٍ ساطِع يومَ القيامة))، وعندَ ابن أبي شيبة، وقال الألباني: صحيح لغيره: ((مَن مشَى في ظلمة الليل إلى المسجد، لقِي الله بنور يومَ القيامة))، وعند ابن حِبَّانَ وقال الألباني أيضًا: صحيح لغيره: ((مَن مشَى في ظُلمة الليل إلى المساجِد، آتاه الله نورًا يومَ القيامة)).ومعلومٌ أنَّ جهنم سوداء مظلِمة من شدَّة وطول ما أُوقد عليها، فيُضرب على ظهر جهنم يومَ القيامة الصِّراط، فيمرُّ عليه العباد، كما في قوله - تعالى -: ï´؟ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ï´¾ [مريم: 71]، ويكون لكلِّ مار مِن النور بقدْر إيمانه وعمَله، فمَن كان له نور نجا، ومَن لا نورَ له هلَك بالسقوط في جهنم - والعياذ بالله - فمِن أسباب النَّجاة: أن يكون للعبدِ نورٌ يوم القيامة؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ï´¾ [مريم: 71 - 72].وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [التحريم: 8].وقال تعالى: ï´؟ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ï´¾ [الحديد: 12 - 15].* فائدة: حديث أبي أُمامة مرفوعًا: ((مَن توضَّأ ثم أتى المسجِد فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلَس حتى يصلِّي الفجر، كُتبت له يومئذٍ صلاة في الأبرار، وكتب في وفْدِ الرحمن))؛ حديث ضعيف؛ رواه الطبراني في الكبير، وقال الألباني: منكر.* تعلُّق قلب الرجل بالمسجد كبَيتِه: ففي السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: ((ورجلٌ قلبه معلَّق بالمساجِد))، وهو في الصحيحين، وعند الطبراني والبيهقي - واللفْظ له - وحسَّنه الألباني: ((المسجد بيتُ كلِّ تقيّ، وقد ضِمن الله لمن كان المسجدُ بيتَه بالرَّوْح والراحة والجواز على الصِّراط إلى رِضوان الربِّ - عزَّ وجلَّ)).فهذا عملٌ يحبُّه الله - تعالى - مِن العبد، كما في الحديثِ الذي رواه ابن ماجه وأحمد وصحَّحه الألباني: ((ما توطَّن رجلٌ مسلم المساجدَ للصلاة والذِّكْر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهلُ الغائب بغائبِهم إذا قدِم عليهم)).* صلاةُ الرَّجُلِ تطوعًا حيثُ لا يراهُ الناسُ تعدِلُ صلاتَهُ على أعْينِ الناسِ خمسًا وعِشرينَ؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.ومِن آداب الحضور إلى المسجد:1 - الخروج إلى المسجِدِ على أحسن هيئةٍ وأطيبِ رِيح؛ فإنَّما هو متوجِّه إلى الله - تعالى - فيجب عليه أن يخرُجَ نظيفَ البَدن، طيِّب الرائحة، متجملاً في أحسن ثيابه، منفذًا قول الله تعالى: ï´؟ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ï´¾ [الأعراف: 31]، والمراد بالزِّينة: جميل الثِّياب؛ قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "إنَّ أحقَّ مَن تُزُيِّنَ له هو الله".2 - المشي إلى المسجد في سكينة ووَقَار؛ والسكينة هي التأنِّي في الحرَكات واجتناب العبَث، والوقار هو غضُّ البصَر، وخفْض الصوت، وعدم الالتفات إلا لضرورة.3 - الذَّهاب إلى المسجد ماشيًا، والسُّنة المقاربة في الخُطوات؛ لتكثرَ خُطوات الماشي فيَزيد في الثواب.4 - عدَم التشبيك بيْن الأصابِع، لا حالَ الذَّهاب إلى المسجِد، ولا في حالة انتظار الصلاة، ولا في الصَّلاة نفْسها؛ فهو مكروه باتِّفاق أهل العِلم؛ لما في الحديث الصحيح في المسنَد عن كعْب بن عُجرة - رضي الله عنه - قال: دخَل عليَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المسجدَ وقد شبكتُ بيْن أصابعي، فقال لي: ((يا كعبُ، إذا كنتَ في المسجد فلا تُشبِّك بين أصابعك؛ فأنتَ في صلاة ما انتظرتَ الصلاة)).5 - تقديم الرِّجل اليُمنى عندَ الدخول؛ فعن أنس قال: مِن السُّنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برِجلك اليُمنى، وإذا خرجتَ أن تخرج برِجلك اليُسرى، وإذا دخلتَ المسجد وخلعتَ نعليك؛ فلتضعهما في المكان المخصَّص لهما، ولا تؤذِ بهما أحدًا.6 - الدُّعاء عند دخولِ المسجد؛ فقدْ كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخَل المسجد يقول: ((بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، اللهم اغفرْ لي ذُنوبي، وافتحْ لي أبواب رحمتك))، وإذا خرَج قال: ((بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسولِ الله، اللهمَّ اغفرْ لي ذنوبي وافتح لي أبواب فَضْلك))؛ كما في صحيح سنن ابن ماجه.ولكن؛ لماذا طلبتَ الرحمة عندَ الدخول، والفَضْل عندَ الخروج؟! ذلك لأنَّ المصلِّي إذا دخل المسجد اشتغَل بما يقرِّبه من مولاه - تبارك وتعالى - وإلى رضوانه وجنَّاته، مِن نحو صلاة وتسبيح وتحميد، وغير ذلك مِن الذِّكر؛ فناسب ذلك ذِكر الرحمة، لكنَّه إذا خرَج من المسجد، فإنَّه في الأغلب يشتغل بطلب الرِّزق الحلال له ولِمَن يعول؛ فناسب ذِكْر الفضل.7 - إذا دخلتَ المسجد لا تجلسْ حتى تصلِّي ركعتين تحيَّة المسجد، وعلى المسلم أن يُصلي هاتين الركعتين حتى ولو كان الإمامُ يخطُب يومَ الجُمُعة، ولكن في هذه الحالة عليه أن يخفِّفهما.8 - إلقاء السلام؛ فالسلام تحيَّة الخلْق؛ ولذلك كان مِن هدْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الداخل إلى المسجد يبتدِئ برَكعتين تحيَّة المسجد، ثم يُسلِّم على القوم؛ فتكون تحيَّة المسجد قبلَ تحيَّة أهله؛ فإنَّ تلك التحية حقُّ الله - تعالى - والسلام على الخلْق حقٌّ لهم.9 - استعمال السِّواك؛ لأنَّ السواك يقوم بتنظيف الفمِ مِن الروائح الكريهة.10 - التبكير إلى المسجد، كان الأعمش - رحمه الله - مِن المحافظين على التبكير إلى الصلاة، حتى قال وكيع: اختلفتُ إليه قُرابةَ سنتين ما رأيتُه يقضي ركعةً، وكان سنُّه يقترب مِن السبعين! ومع ذلك لم تكن تفوته التكبيرة الأولى، وقال عديُّ بن حاتم - رضي الله عنه -: "ما دخَل وقت صلاة قط إلا وأنا مستعدٌّ لها، ويذكر عن سعيد بن المسيَّب - رضي الله عنه - أنَّه لم تفتْهُ تكبيرة الإحرام أربعين سَنَة!11 - المحافظة على الصلاة في الصفِّ الأول.12 - تسويةُ الصفوف؛ فمِن آداب الحضور إلى المساجِد تسويةُ الصفوف إذا أُقيمت الصلاة، وقدْ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يهتمُّ بتسوية الصفوف وتعديلها اهتمامًا شديدًا، ويقول كما في صحيح البخاري: ((لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين قلوبكم))، والمعنى - والله أعلم -: أنَّ عدم تسوية الصفوف يوقِع بينكم البغضاءَ والعداوة واختلافَ القلوب.13 - ألا يخرج من المسجد بعدَ الأذان إلا لعُذر؛ لأنَّ ذلك يعتبر إعراضًا عما يقتضيه الأذان.14 - ألا تمرَّ بين يدي المصلِّي؛ فـ: ((لو يعلم المارُّ بين يدي المصلِّي ماذا عليه، لكان أن يقِف أربعين خيرًا له من أن يمرَّ بين يديه))؛ كما روى البخاري.15 - صيانة المسجد عن الحِرَف والتكسُّب، وسائِرِ الأعمال الدنيويَّة، كالبيع والصناعة؛ لأنَّ المساجد إنما بُنيت للصلاة وذِكر الله - تبارك وتعالى - ففي صحيح سُنن الترمذي قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا رأيتُم مَن يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أرْبحَ الله تجارتَك، وإذا رأيتم مَن ينشد فيه ضالةً فقولوا: لا ردَّ الله عليك)).16 - صيانة المسجِد عن اللغو ورفْع الصوت، وعنِ الكلام والشِّعر القبيح؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ï´¾ [الحج: 32].17 - يُكرَه لمن جلس في المسجد إسنادُ ظهره إلى القِبلة؛ فمِن السنة أن يستقبل القِبلة، إلا إنْ كان عالمًا أو فقيهًا يدرِّس العلم للناس، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّه رأى قومًا قد أسندوا ظهورَهم إلى القِبلة فقال لهم: لا تَحولوا بين الملائكة وبيْن صلاتها.الوسيلة السادسة عشرة: التسامُح والإعراض عنِ الجاهلين: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((فإذا كان يومُ صوم أحدِكم، فلا يرفث ولا يصخَب، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتلَه فليقلْ: إنِّي امرؤٌ صائم))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ البخاري: ((مَن لم يدَعْ قول الزور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابه)).ولا يخدعنَّك الشيطان بأنَّ ذلك مِن الضعف؛ فليس القوي بالصُّرَعة، ولكنَّه الذي يملك نفْسه عندَ الغضب - كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم.الوسيلة السابعة عشرة: الشَّفَقة على البنات والضُّعفاء والمساكين، وإيثارهم على النَّفْس: فقد روَى مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتْني مسكينة تحمِل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاثَ تمرات، فأعطتْ كلَّ واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتْها ابنتاها، فشقَّتِ التمرة التي كانت تُريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إنَّ الله قد أوْجَب لها بها الجَنَّة، أو أعتَقَها بها مِن النار)).وقد ترْجَم له الإمام النووي في الرِّياض تحت عنوان: "باب: ملاطفة اليتيم والبنات وسائرِ الضَّعَفَة والمساكين والمنكسرين، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والتواضُع معهم وخفْض الجَناح لهم".ويدخُل في ذلك أيضًا كفالة اليتيم ورِعايته والقيام بشؤونه؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((أنا وكافِلُ اليتيم في الجنة هكذا - وأشارَ بإصبعيه السبابة والوُسْطى، وفرَّج بينهما)).اليتيم هو الصغير الفاقِد الأب؛ لأنَّ الأب هو الذي يعول الصغير، ويرْعَى شؤونه، ويقوم بتعليمه وتأديبه، وتعاليم الإسلام تحثُّ على معاملة اليتيم معاملةً حسنة؛ وذلك مراعاةً لنفسيته؛ لأنَّه لَمَّا فقَدَ أباه شعر بالحاجة الشديدة إلى مَن يقوم بحمايته، ويقوِّي عزيمته، ويشدُّ أزره، لَمَّا فقد أباه شعر بالوحشة والذلَّة والانكسار، فكان لا بدَّ من تعويضه؛ لئلاَّ ينحرف، فجاء الإسلام ليعالج هذا كله.أخي - يا بن الإسلام -: إنْ كان لديك شوقٌ أن تكون مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الجنة، فأحسِن معاملةَ اليتيم، إنْ كان لديك شوقٌ أن تكون مع سيِّد الأولين والآخرين، فأدْخِل السرور على قلْب يتيم، جفِّف دمعَه، امسحْ رأسه، اكْسُ بدنه، أضحِك من اليتامَى وُجوهًا، شق الحزن في خدودها أخاديد؛ ففي الحديث الصحيح في المسند أنَّ رجلاً شكَا إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قسوةَ قلْبِه، فقال له: ((إنْ أردت تليينَ قلْبك، فأطعِم المسكين، وامسَحْ رأس اليتيم)).ومِن الأدَب مع الأيتام:1 - كفالة اليتيم بأن يُعطَى ما يَكفيه لحياته ومؤنته، وقد سبَق حديث ((أنا وكافِل اليتيم...)).2 - الإحسان إليه دائمًا، وتطييب خاطِره، وعدم إيذائِه.3 - المسْح على رأسه، والاحتِفاء به، والدُّعاء له.4 - إدْخال السُّرور على قلْبه بالهدايا، والثناء عليه، وغيرها.5 - حِفظ مال اليتيم؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ï´¾ [النساء: 10].6 - عدم التفاخُر بالأنساب خاصَّة في وجودِ وحضور اليتامَى؛ فالتفاخر بالأنساب إنَّما هو عادةٌ جاهليَّة، أبطلها الإسلام الحَنيف، وحرَّمها تحريمًا قاطعًا، فليس الفضلُ بالنَّسَب؛ وإنما الفضْل بالتقوى والصَّلاح، واليتيم حين يُفْتَخَرُ أمامَه بالأنساب يجِد في نفْسه ويحزن، لكنَّه لو علم أنَّ الإسلام هو أعظمُ نسَب لما حزن، فليس يتيمًا مَن استظلَّ بظلِّ الإسلام، ولجأ إلى توجيهاته فصارَ ابنَ الإسلام.الوسيلة الثامِنة عشرة: لزوم الاستغفار، خاصَّة في السَّحَر:قال تعالى: ï´؟ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ï´¾ [الأنفال: 33]، وقال تعالى: ï´؟ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ï´¾ [آل عمران: 17]، وقال تعالى: ï´؟ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ï´¾ [هود: 3]، وقال تعالى عن هود - عليه السلام -: ï´؟ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ï´¾ [هود: 52]، والآيات في الاستغفار والحثِّ عليه كثيرة كَثيرة، ورَوى أبو داود والترمذيُّ وابن ماجه وأحمد عن ابنِ عُمرَ: إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المجلس الواحِد مائةَ مرَّة: ((ربِّ اغفرْ لي وتُبْ عليَّ؛ إنك أنتَ التوَّاب الرَّحيم))، ورَوى البيهقي وحسَّنه الألباني: ((مَن أحب أن تسرَّه صحيفتُه، فليكثرْ فيها من الاستغفار))، وعند النَّسائي وابن ماجه والبيهقي وصحَّحه الألباني: ((طُوبَى لمن وجد في صحيفتِه استغفارًا كثيرًا))، وعند الترمذي: ((مَن قال: أستغفِر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأَتوب إليه، غُفِر الله له، وإنْ كان فرَّ مِن الزحف)).فالعبد لا يدْري ولا يَعلم ذنوبَه كلها، فعليه أن يُكثر مِن الاستغفار، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمدُ والحاكِم وحسَّنه الألباني: ((إنَّ الشيطان قال: وعِزَّتِك يا ربِّ، لا أبْرَح أُغوي عبادَك ما دامتْ أرواحُهم في أجسادِهم، فقال الرب: وعزَّتي وجلالي، لا أَزال أغفِر لهم ما استغفروني)).ومع ذلك نجِد كثيرًا مِن الناس مَن إذا قلت له: استغفِرِ الله، يقول لك: وهل عملتُ شيئًا حتى أستغفر؟! ولم يعلم هذا المسكين أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يستغفِر الله في اليوم سبعين مرَّةً - وهو الذي غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر - وفي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أيُّها الناس تُوبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنِّي أتوب إليه في اليوم مائةَ مرة)).وهذا بالنسبة للاستغفار الخاص، أما الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، فهذا باب آخر مِن أعظم وسائلِ استثمار رمضان، بل مِن أعظم وسائل استثمار الحياة كلها؛ فقد قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [الحشر: 10]، وقال تعالى: ï´؟ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ï´¾ [محمد: 19]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الطبرانيُّ وحَّسنه الألباني: ((مَن استغفَر للمؤمنين والمؤمنات، كُتِب له بكلِّ مؤمنٍ ومؤمنة حَسَنة)).فيا ليتنا نتعايش بقلوبنا مع هذا التوجيه النبوي الكريم! فنستغفر للمؤمنين والمؤمِنات، الأحياء منهم والأموات؛ لنفوزَ بهذا الأجْر العظيم، وليسخِّر الله مَن يَستغفِر لنا بعدَ موتنا.* قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((أذْنَب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفِرْ لي ذَنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أَذْنَب عبْدي ذنبًا فعلِم أنَّ له ربًّا يَغفِر الذنبَ ويأخُذ بالذنْب، ثم عاد فأذنْب، فقال: أي ربِّ اغفرْ لي ذنبي، فقال - تبارك وتَعالى -: عبدي أذْنبَ ذنبًا فعلِم أن َّله ربًّا يغفِر الذنب ويأخُذ بالذنب، ثم عاد فأَذْنب، فقال: أي ربِّ اغفر ْلي ذَنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذْنَب عبدي ذنبًا فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنب ويأخُذ بالذنب، اعملْ ما شِئتَ فقدْ غفرتُ لك)).وهذا يُعدُّ مِن علامات الإيمان: أن يستشعرَ العبدُ الذنبَ ولا يصرُّ عليه، فما أن يرتكب ذنبًا إلا سارَع بالتوبة والاستغفار، ودعاء الله ومناجاته، والمبادَرة بطلب المغفرة، والنَّدم على ما جنَتْه يداه، ثم تغلبه نفسُه البشريَّة فيقع في ذنبٍ من جديد، فيسارع إلى التوبة والاستغفار وطلَب المغفرة، وهكذا.* التوبة إلى الله: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، حتَّى تطلُعَ الشمس من مَغرِبها))؛ رواه مسلم.فجدِّد دائمًا التوبة إلى الله مِن كلِّ ذنب؛ لتَلقَى الله نظيفًا طاهرًا مبرأً من كلِّ عيب.الوسيلة التاسعة عشرة: سؤال الله الشهادة بصدق: أخي الحبيب، يا بن الإسلام، بالله عليك: هل سألتَ الله بصِدق أن يرزُقَك الشهادة في سبيله؟! إن قلتَ: نعم، فكم مرةً في حياتك؟!إنَّ هذا الأمر لا يُكلِّفك شيئًا سوى أن تستحضرَ النيَّة الصادقة، وأن تُخلِص لله في هذا السؤال، وسوف يَرزُقك الله - تعالى - أجْرَ الشهداء، ومنازِل الشهداء، حتى وإن متَّ على فراشك.قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((مَن سَألَ الله الشهادةَ بصِدق، بلَّغه الله منازلَ الشهداء وإنْ ماتَ على فراشِه))، وفي صحيح مسلم: ((مَن طلَب الشهادةَ صادقًا، أُعطيها ولو لم تصبْه)).وأمَّا الذين رَضُوا بالحياة الدنيا واطمأنُّوا بها، ولم تتلهَّفْ قلوبهم للشهادة في سبيلِ الله، فقد أنْذَرهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بسوءِ الخاتمة، فقال كما عندَ مسلِم وأحمد وأبي داود والنسائي: ((مَن ماتَ ولم يغزُ ولم يُحدِّث نفْسَه بغزوٍ، مات على شُعبةٍ مِن نِفاق)).إنَّ حبَّ الشهادة في سبيلِ الله مِن قلبٍ صادِقٍ عمل قلبي، يُمكن إدراكه بمعرفة فضيلةِ الجِهاد في سبيلِ الله، ومطالعة سير المجاهِدين في سبيلِ الله عبْر تاريخ المسلمين الطويل.الوسيلة العشرون: البِراءة مِن الكبر والغُلول والدَّين: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن مات وهو بريء مِن الكِبر والغُلول والدَّين، دخَل الجَنَّة))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.الوسيلة الحادية والعشرون: إنْظار المعسِر أو التجاوز عنه: فقد ذكَر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في صحيح مسلم: ((أنَّ رجلاً مات فدخَل الجنة، فقيل له: ما كنتَ تعمل؟ قال: كنتُ أُبايع الناس، فكنتُ أُنظِر المعسِر، وأتجاوز في السكَّة أو في النقْد، فغُفِر له))، والمعنى: أنه كان يتسامَح في الحقوق، ولا يشدِّد.وفي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تلقَّتِ الملائكة رُوحَ رجل ممَّن كان قبلكم، فقالوا: أعملتَ مِن الخير شيئًا؟ قال: لا، قالوا: تذكَّر، قال: كنتُ أُداين الناس، فآمُر فِتياني أن يُنظِروا المعسِر، ويتجوَّزوا عن الموسِر، قال: قال الله: تجوَّزوا عنه)).وقدْ روَى مسلم والدارمي عن قتادة أنَّه طلَب غريمًا له فتوارَى عنه، ثم وجدَه، فقال: إني معسِر، قال: آلله؟ قال: آلله، قال: فإني سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن سَرَّه أن يُنجيَه الله من كُرَب يوم القيامة فَلْيُنَفِّسْ عن معسِر أو يضَع عنه))، وروى الترمذيُّ وابن ماجه وأحمد، وصحَّحه الألباني، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أنْظر معسرًا أو وضَع له، أظلَّه الله يومَ القِيامة تحتَ ظلِّ عرْشه يومَ لا ظلَّ إلا ظله))، و((مَن نفَّس عن غريمهِ، أو محَا عنهُ، كان في ظلِّ العرْشِ يومَ القيامة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.وفي صحيح الترغيب، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أنظر معسِرًا، فله كلَّ يوم صدَقَة قبل أن يحلَّ الدَّين، فإذا حلَّ الدَّين فأنظرَه بعدَ ذلك، فله كلَّ يوم مِثليه صَدَقة)).وعمومًا؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يسَّر على مُعسِرٍ يسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخِرة))؛ رواه مسلم.الوسيلة الثانية والعشرون: الإصلاح بيْن الناس: قال تعالى: ï´؟ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 114]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الحجرات: 10]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وأبو داود والترمذيُّ ،وصحَّحه الألباني: ((ألاَ أُخبركم بأفضلَ مِن درجة الصيام والصَّلاة والصَّدَقة؟))، قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال: ((إصلاح ذاتِ البَيْن؛ فإنَّ فسادَ ذات البيْن هي الحالِقة)).لقد غابتْ هذه السُّنة المباركة مِن بيْن أكثر الناس، فبدلاً مِن أن يسعَى الرجل لإصلاح ذاتِ البَيْن، إذا به يمشِي بين الناس بالنميمة؛ لإفسادِ ذات البَيْن - ولا حولَ ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم.فإصلاح ذات البَيْن أمرٌ جليل؛ ولذلك أباح النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الكذِبَ في ثلاثة مواطِن، وكان مِن بينها: أن يكذب الرجلُ للإصلاح بيْن المسلمين المتخاصمين؛ ففي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس الكذَّاب بالذي يُصلِح بين الناس فيَنمي خيرًا ويقول خيرًا))، وفي الصحيحين: ((كل سُلامَى - عظام الأصابع في اليدِ والقدَم، وقيل: كل عظْم مجوَّف مِن صغار العظام - من الناس عليه صَدَقة، كل يوم تطلُع فيه الشمس يعدِل بيْن الاثنين - يُصلِح بينهما بالعدْل - صدَقة، ويُعين الرَّجلَ على دابته فيحمل عليها أو يرْفع عليها متاعَه صدَقة، والكلمة الطيِّبة صَدَقة، وكلُّ خُطوة يَخْطوها إلى الصلاة صَدَقة، ويُميط الأذَى عنِ الطريق صَدَقة)).



الساعة الآن : 11:52 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 858.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 856.42 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (0.21%)]