ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأمومة والطفل (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=16)
-   -   خصائص المجتمعات (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=210506)

ابوالوليد المسلم 23-08-2019 11:03 PM

خصائص المجتمعات
 
خصائص المجتمعات
محمد بن عبد اللّه الدويش



من المعروف قديماً وحديثاً أن هناك خصائص وسمات، وعادات وأخلاقاً تتصف بها المجتمعات تصبح جزءاً من ثقافتها.
وبغض النظر عن التفسيرات العلمية لهذه الظاهرة، وعن مدى تلاؤم أحكام الناس وتعميماتهم حولها مع المنطق العلمي، فهي ظاهرة موجودة لا يؤثر في نفيها الخلاف حول حجمها، أو مدى صحَّة تطبيقات الناس في التعامل معها.
في السابق كان التركيز يتم كثيراً على تفسيرها من خلال العوامل المناخية والجغــرافية، وهي وإن كــان لها أثر لا ينكر، إلا أن كثيراً من مكونات هذه الثقافة ومفرداتها تشكلت وفق عوامل اجتماعية وتربوية، وإن كان للعوامل المناخية والجغرافية دوراً في تهيئة البيئة الملائمة لتشكلها.
وهو ما ينبغي أن يُعنَى به الدعاة والمربون في التعامل مع هذه الخصائص من خلال ما يلي:
أولاً: أن يعوا هذه الخصائص جيداً، ويتعاملوا معها بما يلائم، فالداعية والمربي بحاجة إلى أن يعي جيداً بيئة عمله وطبيعتها وخصائصها، وقد أخبر الله - عز وجل - أنه أرسل كل رسول بلسان قومه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الَْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ) (إبراهيم: 4)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب))(1).
ثانياً: هناك مساحة واسعة من ثقافة الشعوب تقبل التنوع، ولا تصطدم مع الشريعة أو تعوق فاعلية الأفراد وإنتاجيتهم، وهذه المساحة ينبغي احترامها وتقديرها، وعدم استهلاك الجهد والوقت في نقدها أو تغييرها، ومن عوامل قبول الناس اتفاق المربي معهم ومراعاته لما هم عليه، وجاء في القرآن الكريم أنه لو أرسل الله رسولاً للملائكة لكان من جنسهم (قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولاً) (الإسراء: 59)، وأنه لو أنزل الله على الناس ملكاً لجاء في صورة البشر (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) (الأنعام: 9).
ثالثاً: ما يصطدم من ثقافات الشعوب مع أحكام الشريعة مع مراعاة اختلاف الاجتهاد الفقهي - أو يعوق فاعلية الأفراد وأداءهم ينبغي السعي لتغييره أو تهذيبه، وللتربية دور فاعل في ذلك حين يتم التعامل معها بواقعية، وأدوات ملائمة.
رابعاً: ينبغي على المربي ألا يجعل ثقافته وخصائص مجتمعه هي المعيار الذي يحكم من خــلاله على الآخــرين، أو يقيسهم به، أو يسعى إلى تربيتهم عليه.
وهذا يحصل كثيراً، فبعض المجتمعات التي يتصف أصحابها بالجفاء يصفون الآخرين بالنعومة والأنوثة، والمجتمعات التي يتصف أصحابها بالعجلة وقلة التؤدة يصفون غيرهم بالبرود وقلة الفاعلية...إلخ.
وقد وصف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شيئاً من ثقافة المجتمع القرشي وثقافة مجتمع الأنصار في الدور الاجتماعي للزوجين فقال: "كنا - معشرَ قريش - نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار"(2)، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تجاوز ثقافة مجتمع قريش وتقبل ثقافة مجتمع الأنصار، قال ابن حجر - رحمه الله -: "وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه"(3).
إن المربي بحاجة إلى الجرأة مع نفسه، وإلى تقويم واقعه وثقافته، أكثر من حاجته إلى تبريرها.
________
[1] أخرجه البخاري 1496، ومسلم 132.
[2] أخرجه البخاري، 5191 ومسلم 3768.
[3] فتح الباري: 9/291


الساعة الآن : 05:22 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.21 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]