ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى النقد اللغوي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=120)
-   -   النقد المرغوب (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240348)

ابوالوليد المسلم 14-09-2020 03:09 AM

النقد المرغوب
 
النقد المرغوب


د. صادق بن محمد البيضاني







الكلامُ اللينُ يغسل الضغائن الكامنة في القلب، ويحبب النفوس المتنافرة، ويقارب وجهات النظر، ويصلح ذات البين، ويوحد الصف، ويجعل الخلق جميعًا إخوة متحابين غير متدابرين، وبعكسهِ الغلظةُ والشدةُ من الناقد سواء كان المنقود فردًا أو جماعة فإن سوء النقد وغلظته لا يُورِّث إلا البغض والكراهية، ورد الحق، والإصرار على الباطل، واختلاف وجهات النظر، وتفريق الكلمة. ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما كان الرفقُ في شيء إلا زانه، وما نُزِع من شيء إلا شانه".



ولا يمكن أن يَسْلَم أحدٌ من الوقوع في الخطأ، وليس ذلك عيبًا في حق الآدميين لكونهم مجبولين على ذلك لضعفهم، فليس العيب أن يقع الشخص في الخطأ ولكن العيب أن يصر عليه معرضًا عن إصلاح وضعه مع الله والناس أجمعين.



وحتى نصحح هذه الأخطاء يجب علينا التزام أدب النقد من جهتين وطرف:

الجهة الأولى: من جهة الناقد إذ يجب عليه التزام الحكمة وحسن النقد حال نقده.



الجهة الثانية: من جهة المنقود إذ يجب عليه أن يتقبل نقد أخيه بصدر رحب مع السعي لإصلاح ذلك العيب.



وأما الطرف فيلزم الناقد أن يكون مثالًا حيًا فلا يكون نقده خلاف واقعه، ويلزم المنقود أن يكون متواضعًا مُتقبلًا نقد أخيه غير متعالٍ عليه.



والنقدُ في العادة لا يخلو عن كونه رسالةً مُوجهةً إلى واحد من ثلاثة إما مساوٍ لك في القدر والمكانة كالصديق، وإما دونك كالولد والتلميذ، وإما أعلى منك كالوالدين والأمير.



وكل هؤلاء بشر يعتريهم ما يعتريك من الخطأ والنقص والعيب، وكونك مصلحًا وناصحًا لن تنجح في نصيحتك حتى تأخذ بهذه الجملة السماوية القرآنية: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].



فصديقك وجارك ووالداك وأميرك والناس أجمعون لن يقبلوا منك ودًا ولا حبًا ولا أُلْفة حتى تحببهم إليك بأخلاقك وحسن أدبك في النقد والوعظ، ولذا قال الله عز وجل لنبيه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].



وإليكم هذا المثال الرائع من حياة السلف:

بينما الرشيد هارون يطوف بالبيت إذ عرض له رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة فاحتمله لي فقال: لا ولا كرامة قد بعث الله من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني فأمره أن يقول له قَوْلًا لَّيِّنًا.



فحنانيك بالأمة وأفراد المجتمع فصلاحُهم بالكلمة الطيبة وطلاقةِ الوجه والرحمة والتسامح وخفض الجناح ولين الخطاب، لا بالقسوةِ وعباسة الوجه والترفع وقسوة الخطاب.




فمن ذا الذي ما ساءَ قطْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ومَنْ لهُ الحسنى فقطْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






فَلِيْنُوا مع الصغيرِ والكبير، ولا تكونوا جبابرةً يَغلبُ جهلُكم حِلمَكم.




وصلوا مَنْ قَطَعَكم، واعْطُوا مَنْ حرمَكم، واحلموا عمَّن جهل عليكم، وابتغوا الشرفَ والسؤدد والرفعة من الله وحده، ولتكن صدوركم دولةً واسعةً لقبول النقد، وتقديمه لمجتمعكم في أحسن لباسٍ، والله يرعاكم.






الساعة الآن : 08:04 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 9.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.64 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.96%)]