ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   حديث: أما علمت أنا لا نأكل الصدقة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240875)

ابوالوليد المسلم 20-09-2020 02:28 AM

حديث: أما علمت أنا لا نأكل الصدقة
 
حديث: أما علمت أنا لا نأكل الصدقة


الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري






عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كخ كخ، ارم بها، أما علمتَ أنَّا لا نأكل الصدقة))؛ متفق عليه[1].




يتعلق بهذا الحديث فوائد:

الفائدة الأولى: إن تربية الأولاد من أعظم الواجبات التي جاء الشرع بالحث عليها، فقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، وإنما تكون وقايتهم من النار بتعليمهم وتأديبهم وتربيتهم على العمل بأحكام الشريعة فعلًا وتركًا، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كان حريصًا على تربية ولده على ترك الحرام منذ الصغر، فينهاه عن الأكل من تمر الصدقة، مبينًا له حكمه، وأنه لا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم وآله الأكلُ من الصدقات، ويأمره أن يرمي بالتمرة من فيه، وهذا من أحسن التربية؛ حيث لم يقل: قد جعلها في فيه فيترك، أو يقل: هو صغير غير مكلف، بل أدبه ورباه؛ لينشأ على العمل الصالح، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ في تربية أولادنا على أحكام الإسلام منذ الصغر.




الفائدة الثانية: تربية الأولاد تحتاج من الولي أن يكون رحيمًا بهم رفيقًا عليهم، يربيهم على الخير برفق، مستصحبًا معه حسن الخلق في تعامله معهم، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي ولده برفق؛ فلا يسبه ولا يشتمه ولا يؤذيه بالصراخ ورفع الصوت، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، يلاطفهم ويؤانسهم حتى يتعلموا بحب، فيثمر التعليم قناعة في قلوبهم وعقولهم بالاستمرار على الخير الذي تعلموه؛ قال جابر بن سمرة رضي الله عنهما: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى (يعني الظهر)، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدانٌ، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًا، قال: وأما أنا فمسح خدي، قال: فوجدت ليده بردًا أو ريحًا كأنما أخرجها من جؤنة عطار؛ رواه مسلم[2]، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحسن والحسين رضي الله عنهما: ((هما ريحانتاي من الدنيا))؛ رواه البخاري[3]، والمعنى: أنهما مما أكرمني الله وحباني به؛ لأن الأولاد يُشَمُّون ويُقَبَّلون؛ فكأنهم من جملة الرياحين[4].




الفائدة الثالثة: مما يؤثر في تربية الصغار مخاطبتهم بالكلام الواضح القريب إلى مداركهم، وإن لم يفهموه بادئ الأمر، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين مخاطبتهم بما يناسب سنَّهم، وبين مخاطبتهم بما ينهض بعقولهم ويجعلهم في مصافِّ الكبار، فقال صلى الله عليه وسلم: ((كخ كخ))، وهذا يناسب الصغير، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ارمِ بها؛ أما علمت أنا لا نأكل الصدقة))، وهذا يعطي الصغير احترامًا وقدرة للفهم وتوسعًا في الإدراك بالترقي في التعبير معه حتى يتمرن على كلام الكبار، ويتمكن من التحدث فيما بعد، وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخٌ يقال له: أبو عمير، قال: أحسبه قال: كان فطيمًا، قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: ((أبا عمير، ما فعل النغير)) [لطائر كان معه]، قال: فكان يلعب به؛ متفق عليه[5].





[1] رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم 2/ 542 (1420)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم 2/ 751 (1069)، وهذا لفظه، وقوله: ((كخ))، بفتح الكاف وكسرها، والثانية مؤكدة للأولى تأكيدًا لفظيًّا، يقال عند زجر الصبي عن تناول شيء، وعند التقذر من شيء؛ (تاج العروس 7/ 328).




[2] رواه مسلم في كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه والتبرك بمسحه 4/ 1814 (2329)، قال في هدي الساري مقدمة فتح الباري 1/ 100: جُؤْنة عطار بضم أوله مهموز، ويسهَّل، هي: الوعاء.




[3] رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما 3/ 1371 (3543)، وفي كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبليه ومعانقته 5/ 2234 (5648).





[4] ينظر: فتح الباري 10/ 427.




[5] رواه البخاري في كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس 5/ 2270 (5778)، ومسلم في كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته 3/ 1692 (2150)، واللفظ له.







الساعة الآن : 04:01 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 10.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 10.21 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.91%)]