ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   حفرة المستقبل (قصة للأطفال) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=216999)

ابوالوليد المسلم 17-11-2019 07:12 PM

حفرة المستقبل (قصة للأطفال)
 
حفرة المستقبل (قصة للأطفال)


رياض منصور


تحت سياط الشمس الحارقة، أمسك الشابُّ أكرم جرَّافة مربَّعة، وراح يردم الحفرة التي تسبَّبَتْ في عرقلة حركة المرور.
كانت حبَّات العرق تتصبَّبُ من جبينه كقطع من الذهب الخالص، ومع كل حبَّة عرق كان يُردِّد هذه العبارة "أردمُها ليسلم من بعدي كلُّ عابر إلى المستقبل".
وبينما هو منهمك في شغله، مرَّ عليه صديقُه عمَّار بسيَّارته الفخمة، توقَّف قليلًا عنده، أخرج رأسه من نافذة السيارة، ثم قال:
ماذا تفعل يا أكرم؟
أحاول ردم الحفرة كما ترى.
هل جننْتَ؟ إنَّ هذه الحفرة لا يقوى على رَدْمِها عشرةُ رجالٍ، لو كنتُ مكانك لعدْتُ إلى المنزل، تاركًا أمر الحفرة لعمَّال البلدية، رفع أكرم رأسه، وابتسم ابتسامةً عريضةً، ثم قال:
رافقتك السَّلامة صديقي عمَّار، شكرًا على النصيحة.
لم تزده كلمات عمَّار إلَّا إصرارًا على إتمام عملية الرَّدْم.
♦ ♦ ♦
غير بعيد عن الحفرة، جلس جاراه سالم وسليم يستظلَّان تحت شجرة "البلاتان" وأخذا يتحدَّثان بصوت مرتفع بحيث يصل إلى سمع أكرم، ويعلو على الصوت الذي تُحدثه جرَّافتُه.
اصطنع سالم شخصية الفيلسوف البراغماتي "النفعي"، وراح يتكلَّم بصوته الجَهْوَري:
لو كنت مكان أكرم لرميت بتلك الجرَّافة داخل حفرة الغباء.
فأنا لا أقوم بعمل ما إلَّا إذا كنت سأجني من ورائه ربحًا كبيرًا، ومالًا وفيرًا، وفائدة عظيمة.
زمن النوايا الطيبة راح وولَّى يا سليم.
ركب سليم سوء ظنِّه المعهود، وأشار بأصبعه إلى العمارة، ثم قال:
ولكن إذا أطلَّت عليك شمس الشموس من تلك الشرفة، فستُغيِّر فكرتَكَ، أليس كذلك؟
آهاااا... من أجل ذلك إذًا.
أو من أجل الشهرة، فيقال: أكرم بطل، أكرم شجاع، أكرم طيب.
إيه... يا سليم، حُبُّ الظهور يقصم الظهور.
مالت شمس ذلك اليوم إلى المغيب، معلنة نجاح الشاب أكرم في ردم الحفرة، وشاهدة على كلمة رماها أكرم في جوِّ السماء، فأصابت آذان سالم وسليم.
سلامًا.
قالها، عندما مرَّ عليهما في طريق عودته إلى المنزل.
♦ ♦ ♦

دخل أكرم إلى مكتب الوالي، والحيرة بادية على مُحيَّاه الوسيم.
تفضَّل اجلس.
شكرًا سيدي.
إذًا أنت هو الشابُّ أكرم رادم الحفرة.
أجل سيدي أنا هو.
يُؤسفني أن أخبرك أني تلقَّيت رسالةً من مجهول يتَّهمك فيها بتهم كثيرة، آخرها تهمة ردم الحفرة!
امتقع وجه أكرم، وأيقن أنه هالك لا محالة، فابتلع ريقه "بشق الأنفس"، ثم قال:
هل يمكن أن أعرف سيدي الوالي باقي التهم الموجهة إليَّ.
نعم، نعم، بكل تأكيد، هاك هذه الرسالة، اقرأها عليَّ بنفسك.
بيد مرتجفة تكاد تسقط من الخوف، أمسك الشاب أكرم تلك الرسالة، وراح يُتأتئ في قراءتها:
قرا... قرار... تتع... تعيين... قرار تعيين.
أكمِل قراءتها يا أكرم.
اغرورقت عيناه بدموع الفرح، ولم يستطع إتمام قراءتها.
اسمع يا أكرم لقد عيَّنْتُك منذ هذه اللحظة المسؤول الأول عن الطرقات في إقليم ولايتنا.
ولكن سيدي...
لا تقلق، سيرافقك خبير الطرقات "عمي سعيد" خلال شهر أو شهرين، يُلقِّنك بعض المهارات والخبرات، ثم تتوكَّل على الله، وتترك "عمِّي سعيدًا" يقتحم عالم التقاعُد.
حضرة الوالي، لست أجد العبارات المواتية لشكرك، بارك الله فيك، بارك الله فيك وأكثَرَ من أمثالِكَ الطيبين.
أكرم، لم أصل إلى منصب الوالي إلَّا بفضل الله عز وجل، ثم بفضل عمل تطوعي قمت به ذات شباب، وسأخبرك عنه يومًا ما؛ ولكني سائلك سؤالًا يا أكرم فأجبني:
تحت أمرك سيدي.
بماذا تشعر بعد فراغك من عمل تطوعي ما؟
حضرة الوالي: أشعر وكأني أطير مع الأطيار، وأسبح مع الحيتان، وينشرح صدري بحيث أحسُّ بتدفُّق موجات الهواء بداخله، وترتسم على ثغري ابتسامة تجعلني أكثر عزمًا على مُجابهته تحديات الحياة.
ولست أشكو من الكآبة، ولا الرتابة، وإذا وضعت خدي على المخدة أغطُّ في نوم عميق، لا يوقظني منه إلا أذان الفجر، وفرحتي الكبرى تكون عندما أفيد الناس وأنفعهم.
كريم وابن كريم أنت يا أكرم، إذا خرجت من مكتبي ستجد "عمي سعيدًا" في انتظارك، وفَّقَكَ الله.






الساعة الآن : 02:23 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.72 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.79%)]