ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   بيع العربون (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=231912)

ابوالوليد المسلم 03-04-2020 11:11 PM

بيع العربون
 
بيع العربون


محمد علي عباد حميسان




أولاً: تعريف العربون لغة واصطلاحاً:
أ - العربون لغة:
العَرَبُونُ: ما عُقِد به البيع، وعَرْبَنْتُه إِذا أَعطيته ذلك.[1]
قال أهل اللغة: فيه سِتُّ لغات: عُرْبَانٌ وَعُرْبُونٌ - بضمِّ الْعين وإِسكان الرَّاء فيهِما - وعَرْبُونَ – بفتحهما - وَأَرْبَانٌ وَأَرَبُونٌ وَأَرْبُونٌ - بالهمزة بدل الغين - وَالْوَزْنُ كَالْوَزْنِ، أفصحهنَّ عَرَبُونٌ - بفتحهما - وهو عجميٌّ مُعَرَّبٌ، وأصله في اللغة التسليف والتقديم.[2]

ب - العربونفي اصطلاح الفقهاء:
هو أن يشتري الرجل شيئاً، فيدفع إلى البائع من ثمن المبيع درهماً، أو غيره مثلاً، على أنه إن نفد البيع بينهما احتسب المدفوع من الثمن، وإن لم ينفذ، يجعله هبة من المشتري للبائع.
وسوف أتناول تعريفه عند أصحاب المذاهب.

أولاً: تعريف الحنفية:
قالوا: "بيع العربان ويقال الأربان وهو أن يشتري الرجل السلعة فيدفع الى البائع دراهم على أنه إن أخذ السلعة كانت تلك الدراهم من الثمن، وإن لم يأخذ فيسترد الدراهم".[3]


ثانياً: تعريف المالكية:
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى عن بيع العربون: وذلك فيما نرى - والله أعلم - أن يشتري الرجل العبد، أو الوليدة، أو يتكارى الدابة، ثم يقول للذي اشترى منه، أو تكارى منه: أعطيك ديناراً، أو درهماً، أو أكثر من ذلك، أو أقل، على أني إن أخذت السلعة، أو ركبت ما تكاريت منك، فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة، أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة، أو كراء الدابة، فما أعطيتك لك، باطل بغير شيء.[4]

ثالثاً: تعريف الشافعية:
قال في مغني المحتاج: ولا يصح بيع العربون وهو بأن يشتري سلعة ويعطيه دراهم مثلاً لتكون من الثمن إن رضي السلعة وإلا فهبة.[5]

رابعاً: تعريف الحنابلة:
قال في المغني: هو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهمًا أو غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع.[6]


ويُلاحظ أن هذه التعريفات اشتملت على صورتين من صور العربون:
الأولى: يتم فيها البيع أو عقد الإجارة، ويُحسب العربون لصالح المشتري أو المستأجر من الثمن الأصلي، وهذه الصورة متفق عليها بين الفقهاء ولا إشكال عليها ولا حظر فيها.[7]


الثانية: وهي أن يتم عدول المشتري عن إتمام البيع حيث يصبح العربون بعد ذلك للبائع أو المؤجر، وهذه الصورة هي التي وقع فيها الخلاف بين الفقهاء، على النحو التالي:
ثانياً: حكم بيع العربون:
اختلف أهل العلم في الصورة الثانية من بيع العربون على قولين:
القول الأول: الحرمة:
وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية،[8] ومذهب المالكية،[9] والشافعية،[10] وهو إحدى الروايتين عن أحمد.[11]
واستدلوا بما يلي:
1 - قول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء:29].

وأخذ العربون من أكل أموال الناس بالباطل، لأنه من باب بيع القمار، والغرر، والمخاطرة، وأكل المال بالباطل، بغير عوض ولا هبة، وذلك باطل بالإجماع.[12]


2 - ما روي عن عمرو بن شعيب[13] عن أبيه عن جده قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان".[14]


وقد ردَّ القائلون بالجواز بأن الحديث ضعيف؛ لأنه يدور على رجل مبهم، ومن المعلوم في علم مصطلح الحديث أن من ذكر أهل العلم أنه مبهم فإنه إما يكون ضعيفاً، أو الطريق إليه لا تصح، ولأن الأصل الإباحة فلا يصار إلى التحريم إلا بدليل صحيح.
وقد رد الجمهور بأن الحديث له طرق يقوي بعضها بعضاً، مما ينهض للاحتجاج به.[15]


3 - ولأن بيع العربون يدخل فيه الغرر والمخاطرة وأكل المال بغير عوض، ولأن فيه شرطين فاسدين:
أحدهما: شرط الهبة.
والثاني: شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع.

ولأنه شرط للبائع شيئاً بغير عوض، فلم يصح، ولأنه بمنزلة الخيار المجهول، فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة، كما لو قال: ولي الخيار، متى شئت رددت السلعة ومعها درهماً، وهذا مقتضى القياس.[16]


وأجاب القائلون بالإباحة بأنه ليس من باب أكل أموال الناس بالباطل، بل هو عوض عن حرمان صاحب السلعة عن فرص بيعها لشخص آخر قد يأتي، وربما باعها بسعر أفضل، وإنما حبسه التزامه للمشتري.

القول الثاني: الإباحة:
وهو المشهور في مذهب الحنابلة،[17] واستدلوا بما يلي:
1 – ما رواه زيد بن أَسلم[18]: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أحل العربان في البيع.[19]
وأجاب المانعون بأن الحديث مرسل لا يصح الاحتجاج به.[20]


2 - ما رُوي أن نافع بن الحارث[21] اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية[22] بأربعمائة إن رضيها أخذها، وإن كرهها أعطى نافعٌ صفوانَ بن أمية أربع مائة.[23]
قال الأثرم[24]: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه.[25]


وأُجيب بأن هذا الأثر يحتمل أن يكون جعلها في مقابلة انتفاعه بتلك الدار إلى أن يعود الجواب من عمر.[26]


[1] القاموس المحيط للفيروزآبادي: 113، ولسان العرب لابن منظور: 13/ 284، والمصباح المنير: 2/ 400.

[2] تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 3/ 6، والمجموع شرح المهذب للنووي ((مع تكملة السبكي والمطيعي)): 9/ 335، ومغني المحتاج 2/ 395.

[3] النتف في الفتاوى للسُّغْدي: 472.

[4] الموطأ للإمام مالك: 4/ 879 برقم (541).

[5] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: 2/ 395.

[6] المغني لابن قدامة: 4/ 175.

[7] الاستذكار: 6/ 265.

[8] فتاوى السغدي الحنفي: 472-473، ولم أجده في المراجع القديمة، إنما ذكرته الكتب التي عنيت بالفقه المقارن كالمغني لابن قدامة: 4/ 175، والاستذكار لابن عبد البر: 6/ 264، ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار للشوكاني: 5/ 182.

[9] التلقين في الفقه المالكي للقاضي عبد الوهاب البغدادي: 2/ 153، وإرْشَادُ السَّالِك إلىَ أَشرَفِ المَسَالِكِ فِي فقهِ الإمَامِ مَالِك: 78، والشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير على مختصر خليل، وحاشية الدسوقي: 3/ 36، ومنح الجليل شرح مختصر خليل: 5/ 46، والمعونة على مذهب عالم المدينة «الإمام مالك بن أنس»: 1037.

[10] الكتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي: 3/ 399، ومغني المحتاج: 2/ 395، والعزيز شرح الوجيز: 4/ 134، والنجم الوهاج في شرح المنهاج للدَّمِيري: 4/ 99، وبحر المذهب للروياني: 5/ 56.

[11] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 4/ 358.

[12] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 5/ 150.

[13] عَمْرو بن شُعَيْب (000 - 118 هـ = 000 - 736 م) عمرو بن شعيب بن محمد السهمي القرشي، أبو إبراهيم، من بني عمرو بن العاص: من رجال الحديث. كان يسكن مكة وتوفي بالطائف. يُنظر: [الطبقات الكبرى لابن سعد: 5/ 333، وسير أعلام النبلاء: 5/ 165].

[14] رواه مالك في الموطأ 2/ 609، وأحمد في المسند 11/ 332 برقم (6723)، وأبو داود 3/ 283 برقم (3502)، وابن ماجه 2/ 738 برقم (2192).

[15] نيل الأوطار 5/ 182.

[16] بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد: 3/ 181، والشرح الكبير للدردير: 3/ 63، والمجموع للنووي: 9/ 335، ومغني المحتاج: 2/ 295، والمغني لابن قدامة: 4/ 175، ونيل الأوطار: 5/ 182.

[17] المغني لابن قدامة: 4/ 175، والشرح الكبير على متن المقنع: 4/ 58، والمبدع في شرح المقنع: 4/ 58، والإنصاف للمرداوي: 4/ 357، الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل للحجاوي: 2/ 81، ومنتهى الإرادات: 2/ 293.

[18] زَيْد بن أَسْلَم (000 - 136 هـ = 000 - 753 م)، زيد بن أسلم أبو عبد الله العدوي العمري، الإمام، الحجة، القدوة، أبو عبد الله العدوي، العمري، المدني، الفقيه. حدث عن: والده؛ أسلم مولى عمر. وعن: عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، وأنس بن مالك، وخلق من التابعين، وحدث عنه: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وهشام بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز الدراوردي، وأولاده؛ أسامة، وعبد الله، وعبد الرحمن بنو زيد، وخلق كثير. وكان له حلقة للعلم في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. له تفسير، رواه عنه ابنه عبد الرحمن، وكان من العلماء العاملين. أرخ ابنه وفاته: في ذي الحجة، سنة ست وثلاثين ومائة. ظهر لزيد من المسند أكثر من مائتي حديث. [الطبقات الكبرى لابن سعد: 5/ 413، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 316، و مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، لابن منظور الأنصاري الرويفعي: 9/ 108، والأعلام للزركلي: 3/ 57].

[19] مصنف ابن أبي شيبة المسمى: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: 5/ 7 برقم (23195)، و(23200)ـ.

[20] الاستذكار: 6/ 264، ونيل الأوطار: 5/ 128.

[21] نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي الطائفي: أول من ابتنى دارا، واقتنى الخيل، بالبصرة. كان من رقيق أهل الطائف، أمه مولاة للحارث. واعترف الحارث أنه ولده فنسب إليه ولما ظهر الإسلام، نزل من الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم. وشهد الحروب. ثم كان مع (عتبة بن غزوان) حين وجهه عمر إلى الأهواز والأبلة. ونزل عتبة بأرض البصرة، قبل أن تبنى، وفتح (الأبلة) فوجد فيها غنائم كثيرة، فكتب بخبرها إلى عمر، وأرسل الكتاب مع (نافع) فسر عمر والمسلمون. واستأذن نافع عمر باتخاذ دار بأرض البصرة، فأذن له، فكان أول من بني دارا واقتنى رباطا للخيل فيها. [الأعلام للزركلي: 7/ 352].

[22] صَفوان الجُمَحي (000 - 41 هـ = 000 - 661 م) صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة، أبو وهب القرشي، أحد الرؤساء، هرب يوم الفتح، ثم جاء فأسلم وحسن إسلامه، وكان الذي استأمن له عمير بن وهب الجمحي وكان صاحبه وصديقه في الجاهلية، وقدم به في وقت صلاة العصر، فاستأمن له، فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشهر، واستعار منه أدرعاً وسلاحاً ومالاً، وحضر صفوان حنيناً مشركاً، ثم أسلم ودخل الإيمان قلبه، فكان من سادات المسلمين، كما كان من سادات الجاهلية. قال الواقدي: ثم لم يزل صفوان مقيما بمكة حتى توفي بها في أول خلافة معاوية. [أسد الغابة: 3/ 24، والاستيعاب: 2/ 718، والبداية والنهاية: 11/ 151، الأعلام للزركلي: 3/ 205].

[23] المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: 5/ 147 برقم (9213)، ومصنف ابن أبي شيبة: 5/ 7 برقم (23201)، والسنن الكبرى للبيهقي: 6/ 56 برقم (11180)، أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار للأزرقي: 2/ 165، وأخبار مكة في قديم الدهر وحديثه للفاكهي: 3/ 233 برقم (2076). وذكره البخاري تعليقاً في باب الربط والحبس في الحرم 3/ 123.

[24] الأَثْرَم (000 - 261 هـ = 000 - 875 م) أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الطائي الأثرم، تلميذ الإمام أحمد، سمع عفان وأبا الوليد والقعنبي وأبا نعيم وخلقا كثيرا وكان حاذقا صادقا قوي الذاكرة، كان ابن معين يقول عنه: كان أحد أبويه جنياً. لسرعة فهمه وحفظه وحذقه، وله كتب مصنفة في العلل والناسخ والمنسوخ وكان من بحور العلم. [تهذيب الكمال: 1/ 476، والبداية والنهاية: 14/ 751، وسير أعلام النبلاء: 12/ 263، والأعلام للزركلي: 1/ 205].

[25] المغني لابن قدامة: 4/ 176، ودقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات للبهوتي: 2/ 33، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: 3/ 78، والشرح الكبير على المقنع: 11/ 252.

[26] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: 5/ 75، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني: 12/ 261.










الساعة الآن : 11:01 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 21.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.62 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.43%)]