ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح حديث: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=240866)

ابوالوليد المسلم 20-09-2020 03:17 AM

شرح حديث: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا
 
شرح حديث: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح



79- وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْتَقَىٰ هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا. فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ. فَقَالُوا: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدا. قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ. كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ. وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ. قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحا شَدِيدا. فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ. ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللّهِ. قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذٰلِكَ. فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ. فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحا شَدِيدا. فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ. فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ. ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذٰلِكَ «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».







وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة بنحو هذه القصة في غزوة حنين وفيها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « الله أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ» ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلاً فَنَادَى فِي النَّاسِ «إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ. وَإِنَّ الله يُؤَيِّدُ هٰذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ».







ترجمة راويي الحديثين:
هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري الساعدي، شهد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين وأنه فرق بينهما، وكان اسمه حزنا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلاً، قال الزهري: رأى سهل بن سعد النبي -صلى الله عليه وسلم -وسمع منه، وذكر أنه كان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة.





عاش سهل رضي الله عنه وطال عمره، حتى أدرك الحجاج بن يوسف، وامتحن معه، أرسل الحجاج سنة أربع وسبعين إلى سهل رضي الله عنه وقال له: ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان؟ قال: قد فعلت، قال: كذبت ثم أُمر به فختم في عنقه كما ختم في عنق أنس بن مالك وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم أجمعين- يريد إذلالهم وأن يجتنبهم الناس، ولا يسمعوا منهم.





توفي سهل -رضي الله عنه- سنة ثمان وثمانين وهو ابن ست وتسعين سنة، وقيل توفي سنة إحدى وتسعين وقد بلغ مائة سنة، ويقال: إنه آخر من بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة -رضي الله عنه- وأرضاه. [انظر أسد الغابة (2/ 472)].
وأما أبو هريرة -رضي الله عنه- فتقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.





تخريج الحديثين:
حديث سهل أخرجه مسلم، حديث (112)، وأخرجه البخاري في "كتاب المغازي" "باب غزوة خيبر"، حديث (4203).
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم، حديث (111)، وأخرجه البخاري في "كتاب الجهاد" "باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر" حديث (2897).





شرح ألفاظ الحديثين:
(فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ): أي رجع بعد فراغ قتال ذلك اليوم، حيث إن القتال يستمر أكثر من يوم وبعد فراغ قتال كل يوم يميل كلا الطرفين إلى عسكرهما.





(وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ): ذكر جماعة من شراح الحديث على أن هذا الرجل اسمه قُزمان، بضم القاف، الظفري، قال الخطيب:"وكان من المنافقين". [انظر شرح النووي حديث (112)].





(لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ): الشاذ والشاذة هو الخارج والخارجة عن الجماعة بعدما اختلط بهم انفرد عنهم، والفاذ والفاذة مثله هو المنفرد عن الجماعة لكن لم يختلط بهم، وقيل الشاذ والفاذ ما كبر وصغر، وأصل الكلمتين دون تاء مربوطة وألحقت للمبالغة، والمقصود أن هذا الرجل شجاع لا يدع أحداً إلا قتله.





(مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ): أي ما أغنى وما أبلى واجتهد أحد كاجتهاده.
وجاء عند الطبراني أن الذي تبعه هو الصحابي أكثم بن أبي الجون، وفي حديث أكثم هذا قال:" قلنا يا رسول الله فلان يجزئ في القتال؟ قال:" هو في النار" قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال:" ذلك إخباث النفاق" فكنا نتحفظ عليه في القتال". [انظر الفتح حديث(4203) "كتاب المغازي" "باب غزوة خيبر"].








(فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ): نصل السيف حديدته، والمراد هنا طرف المقبض بدليل رواية البخاري:"فوضع نصاب سيفه بالأرض" ونصاب السيف مقبضه لمن أراد أن يمسك السيف.







(وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ): بضم الذال وهو طرف السيف الأسفل لأن طرفه الأعلى هو المقبض فكأنه عكس وضع السيف فجعل المقبض على الأرض والجانب الحاد من السيف بين ثدييه.




(ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلاً فَنَادَى فِي النَّاسِ): سيأتي في حديث عمر بن الخطاب عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب بذلك، وعند البيهقي أنه أمر عبد الرحمن بن عوف، والجمع بينها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم جميعا وأن كل واحد نادى في جهة مختلفة عن الآخر. [انظر الفتح المرجع السابق].





(إِنَّ الله يُؤَيِّدُ هٰذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ): قد يكون المقصود بهذا الرجل (قُزمان) الذي في حديث سهل، وقد يكون المقصود جنس الرجل فيكون المقصود أي رجل فاجر، وليس المقصود بالفاجر هنا الفاسق بل يدخل فيه الفاسق والكافر، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم قبلها" إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة".





من فوائد الحديثين:



الفائدة الأولى: في الحديث التحذير من اغترار العبد بمنزلته عند الناس وثنائهم عليه وأنه ليس بمعيار يعتمد عليه، فينبغي أن يحرص العبد على موافقة الظاهر للباطن وأن الإخلاص هو معيار الأعمال، فالرجل الذي في الحديث تعجب الصحابة من حسن بلائه بالقتال وغيره حتى قالوا:" يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ "، فليست العبرة فيما يبدو للناس وإنما فيما وقر في القلب وأثر في الجوارح ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ " أي فيما يظهر لهم.





الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن العبرة في حسن الخاتمة، ولذا جاء في رواية البخاري: " إنما الأعمال بالخواتيم" ولاشك أن من عاش على شيء مات عليه، إن كان من أهل الثبات مات على الطاعة، وإن كان من أهل الزيغ خُشي عليه من سوء الختام.




وينبغي لكل عبد أن يحذر من الاغترار بأعماله ولا يتكل عليها فإنه لا يدري بما يختم له، فينبغي أن يسأل الله الثبات حتى الممات وأن يوفقه للعمل الصالح، ففي حديث أنس عند الترمذي وصححه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قيل كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه".





ولله تعالى حكمة في إخفاء طاعة العبد، قال ابن حجر:"قال ابن بطال: في تغييب خاتمة العمل حكمة بالغة وتدبير لطيف، لأنه لو علم وكان ناجيا أعجب وكسل، وإن كان هالكا ازداد عتوا فحجب عنه ذلك ليكون بين الخوف والرجاء، وقد روى الطبراني عن حفص بن حميد قال: قلت لابن المبارك رأيت رجلا قتل رجلا ظلما فقلت في نفسي أنا أفضل من هذا، فقال: أمنك على نفسك أشد من ذنبه، قال الطبري: لأنه لا يدري ما يؤول إليه الأمر لعل القاتل يتوب فتقبل توبته، ولعل الذي أنكر عليه يختم له بخاتمة السوء". [انظر الفتح حديث (6493) "كتاب الرقائق" "باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منه"].





الفائدة الثالثة: الحديث دليل على معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الظاهرة حيث أخبر بأمر غيبي وهو بيان حال الرجل قبل وقوعه.





الفائدة الرابعة: في الحديث الوعيد والتحريم على من قتل نفسه مهما كانت الآلام، فالرجل أصابته جراحة شديدة ومع ذا فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر فعله وبيَّن مآله.





الفائدة الخامسة: الحديث دليل على أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وأما فجوره فعلى نفسه.
فإن قيل: كيف الجمع بين الاستعانة بهذا الفاجر إن حكمنا بكفره وبين قول النبي -صلى الله عليه وسلم -كما في حديث عائشة عند مسلم حين قال لمشرك أراد القتال معه:" ارجع فلن أستعين بمشرك"؟





أجاب العلماء لهذا الجمع بعدة أجوبة منها:
قيل: النهي عن الاستعانة بالمشرك خاص بذلك الوقت ثم نسخ هذا الحكم.
وقيل: المراد بالفاجر في حديث الباب غير المشرك.
وقيل: إن الاستعانة بالمشرك راجع لاجتهاد الإمام ورد النبي للمشرك من اجتهاد اجتهده لا للنهي عن ذلك.
وقيل: النهي محمول على من كان كفره ظاهرا، وحديث الباب على من لم يكن كذلك. [انظر الفتح حديث (3062) "كتاب الجهاد" "باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر"].





الفائدة السادسة: استدل بحديث الباب من يقول أنه لا يطلق على كل مقتول في الجهاد شهيدا لاحتمال أن يظهر للناس كونه شهيدا وحاله كحال هذا الرجل، وسيأتي ذكر الخلاف في الباب القادم بإذن الله تعالى.







مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)






الساعة الآن : 04:55 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 18.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.84 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.50%)]