ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=202628)

ابوالوليد المسلم 24-09-2020 06:10 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 140 الى صــــــــ
148
الحلقة (96)

[حكم البيع ودليله]
حكم البيع من حيث هو الإباحة، وقد تعرض له الوجوب وذلك في حال الاضطرار إلى طعام أو شراب، فإنه يجب شراء ما فيه حفظ النفس من الهلاك، ويحرم عدم بيع ما فيه حفظها. وقد يكون مندوباً كما إذا حلف عليه إنسان أن يبيع سلعة لا ضرر عليه في بيعها، فإنه يندب أن يبر اليمين وقد يكون مكروهاً كبيع ما يكره بيعه، وقد يكون محرماً كبيع ما يحرم بيعه مما سيأتي بيانه.أما كونه مباحاً فهو معلوم من الدين بالضرورة، فلا يحتاج إلى دليل، ولكن الأدلة على ذلك كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله،
فأما الكتاب فقوله تعالى:
{وأحل الله البيع وحرم الربا} .
وقوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} وقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} فهذه الآيات صريحة في حل البيع وإن كانت مسوقة لأغراض أخرى غير إفادة الحل، لأنه الآية الأولى مسوقة لتحريم الربا. والثانية مسوقة لنهي الناس عن أكل أموال بعضهم بعضاً بالباطل. والثانية مسوقة للفت الناس إلى ما يرفع الخصومة ويحسم النزاع من الاستشهاد عند التبايع.
وأما السنة فكيرة منهما قوله صلى الله عليه وسلم:

"لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" رواه البخاري، وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يجب على الإنسان من العمل في هذه الحياة، فلا يحل له أن يهمل طلب الرزق اعتماداً على سؤال الناس كما لا يحل له أن يستنكف عن العمل، سواء كان جليلاً أو حقيراً، بل عليه أن يعمل بما هو ميسر له،
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام:
"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح سواء بسواء، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم" رواه مسلم، فقوله فبيعوا كيف شئتم صريح في إباحة البيع، وسيأتي بيان الحديث فيما ينهى عنه.
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام:
"أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده" رواه أحمد والطبراني وغيرهما،
والبيع المبرور:
هو الذي يبر فيه صاحبه فلم يغش ولم يخن ولم يعص الله فيه، وحكمه حله ما يترتب عليه من تبادل المنافع بين الناس، وتحقيق التعاون بينهم، فينتظم بذلك معاشهم، وينبعث كل واحد إلى ما يستطيع الحصول عليه من وسائل العيش، فهذا يغرس الأرض بما منحه الله من قوة بدنية، وألهمه من علم بأحوال الزرع ويبيع ثمرها لمن لا يقدر على الزرع ولكنه يستطيع الحصول على الثمن من طريق أخرىن وهذا يحضر السلعة من الجهات النائية يبيعها لمن ينتفع بها، وهذا يجيد ما يحتاج إليه الناس من صناعة ليبيع عليهم مصنوعاته، فالبيع والشراء من أكبر الوسائل الباعثة على العمل في هذه الحياة الدنيا، وأجل أسباب الحضارة والعمران.
[أركان البيع]
أركان البيع ستة (1) :
صيغة، وعاقد، ومعقود عليه،
وكل منها قسمان:

لأن العاقد إما أن يكون بائعاً أو مشترياً. والمعقود عليه إما أن يكون ثمناً أو مثمناً، والصيغة إما أن تكون إيجاباً أو قبولاً،
فالأركان ستة:

والمراد بالركن هنا ما يتوقف عليه وجود الشيء وإن كان غير داخل في حقيقته، وهذا مجرد اصطلاح، لأن ركن الشيء الحقيقي هو أصله الداخل فيه، وأصل البيع هو الصيغة التي لولاها ما اتصف العاقدان بالبائع والمشتري.
ولكل ركن من الأركان أحكام وشروط سنذكرها لك على الترتيب الذي يلي:
[الركن الأول: الصيغة]
الصيغة في البيع هي كل ما يدل على رضاء الجانبين البائع والمشتري وهي أمران (2) :
الأول:
القول وما يقوم مقامه من رسول أو كتاب؛
فإذا كتب لغائب يقول له:

قد بعتك داري بكذا أو أرسل له رسولاً فقبل البيع في المجلس فإنه يصح، ولا يغتفر له الفصل إلا بما يغتفر في القول حال حضور المبيع.
الثاني المعاطاة: وهي الأخذ والإعطاء بدون كلام كأن يشتري شيئاً ثمنه معلوم له فأخذه من البائع ويعطيه الثمن وهو يملك بالقبض، ولا فرق بين أن يكون المبيع يسيراً كالخبز والبيض ونحوهما مما جرت العادة بشرائه، متفرقاً أو كثيراً كالثياب القيمة.وأما القول فهو اللفظ الذي يدل على التمليك والتملك، كبعت واشتريت ويسمى ما يقع من البائع إيجاباً (3) ، وما يقع من المشتري قبولاً،
وقد يتقدم القبول على الإيجاب كما إذا قال المشتري:
بعني هذه السلعة بكذا. وفي بيان الإيجاب والقبول تفصيل المذاهب(4) .
ويشترط للإيجاب والقبول شروط منها:
أن يكون الإيجاب موافقاً للقبول في القدر، والوصف والنقد، والحلول، والأجل،
فإذا قال البائع:

بعن هذه الدار بألف فقال المشتري: قبلتها بخمسمائة لم ينعقد البيع،
وكذا إذا قال:

بعتها بألف جنيه ذهباً فقال الآخر: قبلتها بألف جنيه ورقاً، فإن البيع لا ينعقد، إلا إذا كانت الألف الثانية مثل الأولى في المعنى من جميع الوجوه فإن البيع ينعقد في هذه الحالة. ومنها أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد،
فإن قال أحدهما:

بعتك هذا بألف ثم تفرقا قبل أن يقبل الآخر فإن البيع لا ينعقد. ومنها أن يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض. أما الفاصل اليسير وهو الذي لا يدل على الإعراض بحسب العرف فإنه لا يضر (5) .ومنها سماع المتعاقدين كلام بعضهما، فإذا كانه البيع بحضرة شهود فإنه يكفي سماع الشهود بحيث لو أنكر أحدهما السماع لم يصدق. فإذا قال بعت هذه السلعة بكذا،
وقال الآخر: قبلت. ثم تفرقا فادعى البائع أنه لم يسمع القبول، أو ادعى المشتري بأنه لم يسمع الثمن مثلاً فإن دعواهما لا تسمع إلا بالشهود.
[الركن الثاني: العاقد]
وأما العاقد سواء كان بائعاً أو مشترياً فإنه يشترط له شروط:

منها أن يكون مميزاً فلا ينعقد بيع الصبي (6) الذي لا يميز، وكذلك المجنون، أما الصبي (3) المميز والمعتوه اللذان يعرفان البيع وما يترتب عليه من الأثر ويدركان مقاصد العقلاء من الكلام ويحسنان الإجابة عنها، فإن بيعهما وشراءهما ينعقد ولكنه لا ينفذ إلا إذا كان بإذن من الولي في هذا الشيء الذي باعه واشتراه بخصوصه. ولا يكفي الإذن العام، فإذا اشترى الصبي المميز السلعة التي أذنه وليه في شرائها انعقد البيع لازماً، وليس للولي رده. أما إذا لم يأذن وتصرف الصبي المميز من تلقاء نفسه فإن بيعه ينعقد، ولكن لا يلزم إلا إذا أجازه الولي، أما أجازه الصبي بعد البلوغ. ومنها أن يكون رشيداً. وهذا شرط لنفاذ البيع، فلا ينعقد بيع الصبي مميزاً كان أو غيره، ولا بيع المجنون والمعتوه والسفيه إلا إذا أجاز الولي بيع المميز منهم، أما بيع غير المميز فإنه يقع باطلاً، ولا فرق في المميز بين أن يكون أعمى أو مبصراً.
ومنها أن يكون العاقد مختاراً فلا ينعقد بيع المكره ولا شراؤه لقوله تعالى:
{إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} .
وقوله صلى الله عليه وسلم:
"إنما البيع عن تراضٍ" رواه ابن حبان وفي ذلك تفصيل المذاهب (7) .
جنسهما وكان فيهما لبن أو بيض، بخلاف ما إذا كانا غير مأكولين وإن كان فيهما ما ذكر.
التاسع:
بيع بشرط الخيار وسيأتي بيان العقود التي يحص فيها شرط الخيار والتي لا يصح.
العاشر:
بيع شرط البراءة من العيب، وأما الفاسد فإنه ينقسم إلى أقسام كثيرة سنذكرها في بابه
(1) الحنفية - قالوا:
للبيع ركن واحد وهو الإيجاب والقبول الدالان على تبادل المكلين بين البائع والمشتري من قول أو فعل، وبعضهم يقول:
إن له ركنين الإيجاب والقبول، والأخذ والإعطاء، وعلى كل حال فالحنفية قد نظروا في ذلك إلى الركن الحقيقي، وهو ما كان أصلاً للشيء داخلاً فيه

(2) الشافعية - قالوا:
لا ينعقد البيع إلا بالصيغة الكلامية أو ما يقوم مقامها من الكتاب والرسول، وإشارة الأخرس المعلومة، أما المعاطاة فإن البيع لا ينعقد بها، وقد مال صاحب الإحياء إلى جواز البيع في الأشياء اليسيرة بالمعاطاة لأن الإيجاب والقبول يشق في مثلها عادة
(3) الحنفية - قالوا:
الإيجاب هو ما صدر أولاً من أحد المتعاقدين، سواء كان بائعا كأن يقول: بعتك كذا، أو مشترياً كأن يقول:
اشتريت منك كذا بألف فيقول:
بعتك إياه، والقول هو ما صدر ثانياً
(4) الحنفية - قالوا: ينعقد البيع والشراء بكل لفظين يدلان على معنى التمليك والتملك، كبعت، واشتريت، وأعطيت، وبذلت، وأخذت، ورضيت لك هذا الشيء بكذا، وأجزت ونحو ذلك، وينعقد بلفظ السلم والهبة والعوض كما إذا قال:
أسلمت لك هذا بكذا ووهبته منك بكذا، أو قال:
عوضت فرسي بفرسك، فأجابه بقوله:
وأنا أيضاً، ثم إن كان الفعل ماضياً كبعتك هذا الشيء بكذا، أو كان مضارعاً لا يحتمل الحال والاستقبال كقوله: أبيعك الآن، فإن البيع ينعقد بهما بدون حاجة إلى نية، وبعضهم يقول:
إن النية لازمة في كل حال، سواء كان الفعل ماضياً أو مستقبلاً.
أما إن كان مضارعاً يحتمل الحال والاستقبال، أو كان متحمضاً للاستقبال بأن اقترن بالسين أو سوف كقوله: سأبيعك أو سوف أبيع فإنه لا ينعقد البيع إلا بنية الإيجاب في الحال بلا خلاف سواء كان الإيجاب والقبول كذلك، أو كان أحدهما ماضياً والآخر مستقبلاً، فإذا قال البائع:
أبيعك هذا الثوب بكذا، وقال المشتري: أشتريه، فإن البيع لا ينعقد إلا إذا كان كل منهما ناوياً للإيجاب في الحال، وكذا إذا قال أحدهما: أبيع أو سوف أبيع، وقال الآخر:
اشتريت، فإن كان الفعل أمراً كما إذا قال:
بعني الثوب ونوى الإيجاب في الحال فلا ينعقد البيع إلا إذا قال له البائع:
بعت ورد عليه المشتري بقوله:
اشتريت فلا بد في نفاذ البيع بالأمر من ثلاثة ألفاظ لأن اللفظ الأول وهو بعني ملغى، لأن البيع لا ينعقد بالأمر أصلاً إلا إذا دل على الحال كقول البائع:
خذ مني هذا الثوب بكذا، فيقول المشتري:
أخذته، فإن البيع ينعقد بذلكن لأن خذ في معنى بعتك هذا الشيء فخذه، ولا ينعقد البيع إذا اقترن بالفعل استفهام ونحوه كقوله: هل تببعني، أو ليتك تببعني ونحو ذلك، ولكل واحد من البائع والمشتري حق الرجوع قبل قبول الآخر ما داما في المجلس، فإذا قال البائع: بعتك كذا ولم يجبه الآخر بالقبول فإن له أن يرجع، وكذا إذا قال له: اشتريت منك السلعة بكذا ولم يقل له:
بعتك فإن له أن يرجع، وهذا يسمى خيار القبول في المجلس.

يتبع

ابوالوليد المسلم 24-09-2020 06:10 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
المالكية - قالوا:
ينعقد البيع بكل قول يدل على الرضا كبعت واشتريت وغيرهما من الأقوال، ثم إن كان الفعل ماضياً كأن يقول البائع:
بعت هذه السلعة، والمشتري: اشتريت، فإن البيع ينعقد به ويكون لازماً، فليس لواحد منهما حق الرجوع فيه لا قبل رضاء الآخر ولا بعده، حتى ولو حلف أنه لا يقصد البيع أو الشراء. أما إن كان الفعل أمراً كقول المشتري: بعني هذا السلعة بكذا فيقول له البائع:
بعت فإنه ينعقد به البيع، ولكن في لزومه خلاف، فبعضهم يقول: إن له حق الرجوع وعليه اليمين بأنه لم يقصد الشراء، وبعضهم يقول: إن يلزم بهذا كلزومه بالماضي وليس له حق الرجوع على المعتمد.
فإن كان الفعل مضارعاً كأن يقول البائع:
أبيع هذه السلعة بكذا فرضي المشتري بذلك، فإن البيع لا يلزم البائع إذا رجع وقال:
إنني لم أرد البيع، وإنما أردت المساومة أو المزاح ولكن عليه اليمين، وإذا رجع بعد رضاء المشتري فإذا حلف فذاك وإلا فيلزمه البيع، وإذا قامت قرينة على أنه يقصد البيع فإنه يلزمه ولو حلف. وذلك كأن يقول له المشتري: يا فلان بعني سلعتك بعشرة فيقول: لا، فيقول بأحد عشر فيقول:
لا، ثم يقول البائع: أبيعها باثني عشر فيقول المشتري:
قبلت. فإن البيع يلزم في هذه الحالة وليس له حق الرجوع، ولا ينفعه اليمين لأن تردد الكلام بينهما قرينة على عدم المزاح واللعب. وكذا لو قال المشتري:
أشتري هذه السلعة بكذا فرضي البائع ثم رجع المشتري فإن له حق الرجوع، وعليه اليمين ما لم تقم قرينة على ا، هـ جاد في شرائه فإنه يلزمه الشراء، والحاصل أن البادئ بالماضارع سواء أكان بائعاً أم مشترياً فإنه لا يلزمه البيع، وله حق الرجوع وعليه اليمين إن رجع بعد رضاء الآخر، أما إذا رجع قبل رضائه فإن له ذلك الحق ولا يمين عليه، ومحل ذلك كله ما لم تقم قرينة على البيع والشراء أو عدمها وإلا عمل بها.
وإذا قال شخص لآخر:
بكم تبيع هذه السلعة: فقال له: بعشرة، فقال السائل: أخذتها بذلك، فأبى البائع أن يبيعها وقال:
إنني أريد أن أعرف قيمتها أو أريد المزاح فالمعتمد في ذلك أن يرجع إلى القرائن، فإن قامت قرينة بأن حصل تماكس وتردد في الكلام كما ذكر في الصورة المتقدمة فإن البائع يلزم بالبيع، وإن قامت قرينة على عدمة فإنه لا يلزمه ولا يمين على البائع، وإن لم تقم قرينة على أحدهما فللبائع حق الرجوع وعليه اليمين إن رجع بعد رضاء الآخر.
الشافعية - قالوا:
ينعقد البيع والشراء بكل لفظ يدل على التمليك مفهم للمقصود، وهو قسمان: صريح. وكناية. فالصريح ما لا يحتمل غير البيع مما يدل على البيع والشراء كبعتك هذه السلعة بكذا، واشتريتها منك بكذا. وأما الكناية فهي اللفظ المحتمل لمعنى آخر غير البيع كقول البائع:
أعطيتك هذا الثوب بذلك الثوب، أو أعطيتك تلك الدابة بتلك، فإن ذلك يحتمل البيع ويحتمل الإعارة. فإذا نوى بذلك البيع والشراء صح، فإن قرن اللفظ المحتمل بذكر الثمن يكون صريحاً كوهبتك هذه الدار بمائة دينار، فإن لفظ الهبة إن لم تكن مقترنة بذكر الثمن تكون هبة، فإن اقترنت بالثمن تكون بيعاً. وكذا كل لفظ يدل على التمليك إذا قرن بذكر الثمن كجعلت لك هذه الدار بثمن كذا، أو عوضتك هذا بكذا، أو صارفتك ذا بكذا، فكل هذا ظاهر الدلالة في البيع لذكر الثمن، ومثل ذلك ما إذا قال المشتري:
اشتريت وقبلت فإن في ذلك دلالة ظاهرة على الشراء، بخلاف ما إذا قال:
تملكت فقط، فإن ذلك كناية تحتمل التملك بالشراء وتحتمل التملك بالهبة وغيرهما. وكما ينعقد البيع بالصريح ويحل فكذلك ينعقد بالكناية ويحل، إلا أن الصريح أقطع للنزاع وأحسن في رفع الخصومات. ومن الكناية أن يأتي البائع بالمضارع في الإيجاب كأن يقول: أبيعك أو يأتي المشتري بالمضارع في القبول، كأن يقول: أقبل فإن البيع يصح فيهما بالنية، وإن كانت النية لازمة في كل صيغة كما يأتي في الشروط. وللشافعية فرق بين النية وقصد اللفظ لمعناه.
ويصح أن يتقدم القول على الإيجاب كأن يقول المشتري: بعني كذا بكذا، فلفظ بعني معناه طلب الإيجاب وهو قائم مقام القبول، فيصح جعله من أفراده إذا كان بصيغة الأمر أما إذا كان بصيغة الاستفهام كقوله: هل تببعني كذا؟ فإنه لا يصح ولا يضر تقييد اللفظ بالمشيئة كقوله:
اشتر مني كذا إن شئت ولكن بشروط أربعة:
الأول أن يذكرها المبتدي سواء كان بائعاً أو مشترياً.
الثاني أن يخاطب بها مفرداً، فإن خاطب بها جماعة فإنها لا تنفع.
الثالث أن يفتح تاء المخاطب إن كان نحوياً.
الرابع أن يؤخرها عن الصيغة سواء كانت إيجاباً أو قبولاً، فإن فقد شرط من هذه الشروط بطل العقد. أما إذا علق الصيغة بقول إن شاء الله، أو بأي تعليق لا يقتضيه العقد كقوله:
إن شاء فلان؛ فإن ذلك يبطل العقد.
الحنابلة - قالوا:
كل لفظ يؤدي معنى البيع والشراء ينعقد به، فلا تنحصر الصيغة القولية في لفظ معين، فينعقد بالإيجاب من البائع بقول:
بعتك، أو ملكتك، أو وليتك، أو أشركتك في كذا، أو وهبتكه بكذا، أو أعطيتك كذا بكذا ونحو ذلك.
ومن المشتري بقول قبلت، أو رضيت، أو اشتريت، أو تملكت، أو أخذت، أو استبدلت ونحو ذلك، وهل يصح البيع بلفظ السلم والسلف أو لا؟ كأن يقول:
سلفتك أو أسلمت لك كذا بكذا: خلاف، فقيل يصح، وقيل لا. ويجوز أن يتقدم القبول على الإيجاب ولكن يلمزم أن يكون بلفظ الأمر كأن يقول: بعني كذا بكذا، فإن كان بلفظ الماضي أو المضارع فإنه يجب أن يكون مجرداً عن الاستفهام والتمني والترجي فيقول:
تببعني كذا، أو تببعني كذا بكذا، فإن قال: بعت صح. أما إن قال:
هل بعتني أو هل تببعني؟ أو ليتك بعتني، أو لعلك بعتني فإنه لا يصح. ولا يضر تقييد البيع والشراء بالمشيئة، فلو قال البائع:
بعت إن شاء الله، أو قال المشتري:
اشتريت إن شاء الله صح البيع، ولكل من البائع والمشتري حق الرجوع ما داما في المجلس ولو بعد تمام العقد، لأن لهما خيار المجلس كما يأتي بيانه ولا ينعقد بيع الصبي ولو أذن له الولي. أما العبد فإن أذن له سيده فإن بيعه يصح وكذا شراؤه وإذا كان مكلفاً عاقلاً
(1) الحنابلة - قالوا: يشترط في البيع أن يكون العاقدان مختارين ظاهراً أو باطناً، فإذا كانا مختارين في الظاهر فقط، كأن اتفقا على بيع عين لأحدهما فوراً من ظالم يريد اغتصابه، أو اتقاء شرجار حتى إذا ما أمن ذلك رد إليه ما باعه ورد هو ما أخذ من ثمن، فإن هذا البيع يقع باطلاً ولا ينعقد، لأنهما وإن تعاقدا باختيارهما ظاهراً ولكنهما في الباطن لا يريدان هذا البيع ويسمى هذا بيع التلجئة والأمان. ولا يشترط أن يقولا في العقد: إن هذا بيع تلجئة، فإذا سلمه العين على أن ينتفع بها من سكنى وإجارة وركوب وحلب في نظير ما أخذه من الثمن كان ذلك ربا، لأنه يكون عبارة عن إعطاء دراهم إلى أجل في نظير منفعة وهي الريح فهو في المعنى فرض بعوض، وعلى هذا يكون باطلاً من جميع الوجوه.
ومثل بيع التلجئة بيع الهازل فإنه لم يرد حقيقته فهو غير مختار في المعنى. وتقبل دعوى بيع التلجئة والهزل بالقرينة الدالة عليهما مع اليمين لاحتمال كذبه، فإن لم توجد قرينة لم تقبل دعواه إلا ببينة.
أما إذا باع شيئاً فراراً من ظالم ونحوه من غير أن يتفق مع المشتري على أن هذا بيع تلجئة وأمانة؛ فإن البيع يقع صحيحاً لأنه صدر من غير إكراه في هذه الحالة. وكذا لو أكره على أن يستحضر مالاً فباع ملكه في ذلك صح البيع، لأنه لم يكره على البيع، وإنما أكره على سبب البيع، إنما يكره الشراء منه لأنه بيع بدون ثمن مثله.
ومن استولى على ملك رجل بلا حق فطلبه فجحده وقال: إنه لا يعترف له به إلا إذا باعه فاضطر لبيعه وقع البيع باطلاً لأنه مكره في هذه الحالة.
وليس من الإكراه أن يلزمه الحاكم بالبيع وفاء لدين ونحوه، لأن هذا إكراه بحق، والذي يبطل البيع هو الإكراه بالباطل.
الحنفية - قالوا: إن كل عقد يكره عليه الشخص ينعقد لأن القاعدة عندهم في المكره: أن كل ما يكره على النطق به ينعقد، ولكن أقواله التي يكره عليه منها ما يحتمل فسخ، ومنها ما لا يحتمل. فالذي يحتمل الفسخ كالبيع والإجارة، والذي لا يحتمل الفسخ كالطلاق والعتاق والنكاح والنذر. فإذا أكرهه ظالم على بيع ملكه فإن البيع ينعقد فاسداً ويملكه المشتري ملكاً فاسداً وللمكره أن يجيز البيع بعد زوال إكراهه، وله أن يسترد العين حيث وجدها، أما إذا أكرهه على طلاق ونكاح ونذر ونحوها، ثم تصرف فيما يترتب على ذلك كأن تزوج مطلقة فليس له أن ينقض تصرفه.
وإذا أكرهه القاضي على بيع ماله لوفاء دينه بغبن فاحش كان البيع فاسداً.
ويشترط لتحقيق الإكراه في البيع أن يكون مكرهاً على البيع، وعلى تسليم العين، وعلى قبض الثمن، فإن أكره على البيع فقط ثم سلم العين باختياره فإنه لا يكون مكرهاً لأن تسليم العين بالاختيار إجازة للبيع. وكذا إذا قبض الثمن باختياره فإنه لا يكون مكرها، وكذلك إذا اضطره إلى أمر يكون سبباً في إكراهه على البيع، كأن يلزمه بمال لا يقدر عليه فاضطر إلى بيع ملكه ليعطيه ذلك المال فإنه في هذه الحالة لا يكون مكرهاً على البيع فيقع العقد نافذاً، وإذا استرد العين التي أكره على بيعها فإن عليه رد الثمن إن كان باقياً في يده لأن العقد فاسد، أما إن هلك الثمن فلا يؤخذ منه شيء.
ومثل عقد المكره في الفساد عقد الهازل وعقد التلجئة. فالهازل وإن كان يتكلم بصيغة العقد باختياره، ولكنه لا يرضى ثبوت الحكم ولا يستحسنه ولا يلزم من الاختيار الرضا، فإن الاختيار وهو قصد الشيء وإرادته وأما الرضا فهو استحسانه. فالهازل مكره في الحقيقة، لأن المكره على شيء يختاره ولكنه لا يرضاه. وأما عقد التلجئة فهو أن يأتي أمراً باطنه خلاف ظاهره وصورته أن يقول البائع:
ألجئ إليك داري مثلاً لأتمكن بجاهك من صيانتها؛ ومعناه:
ألتجئ إليك فراراً من ظلم، فإذا اتفقا على ذلك ثم تبايعا على ذلك الاتفاق فإن البيع فاسد.
المالكية - قالوا:
الإكراه الذي يمنع نفاذ البيع هو الإكراه بغير حق، وهو ينقسم إلى قسمين،
الأول: إكراه على نفس البيع.
وذلك كأن يكرهه ظالم على بيع كل ملكه أو بعضه.
والثاني إكراه على شيء يجبره على البيع كأن يكرهه ذلك الظالم على أن يعطيه مالاً غير قادر عليه، فيضطر لبيع ملكه ليحصل له ذلك المال فهو لم يكرهه على نفس البيع وإنما أكرهه على سبب البيع، وحكم الأول أنه بيع غير لازم، فللبائع أن يرد ما باعه متى أمكنه، وعليه أن يرد الثمن الذي أخذه ما لم يكن قد تلف منه بدون أن يفرط في حفظه فإذا أقام البينة على أنه تلف منه على هذا الوجه فإنه لا يلزم برده، بل يسترد سلعته بدون أن يرد ثمنها.
وأما الإكراه على سبب البيع ففيه خلاف:
فبعضهم يقول:
إنه بيع غير لازم أيضاً، وبعضهم يقول: إنه بيع لازم. والأول هو المشهور في المذهب، ولكن الثاني هو الذي عليه العمل، وذلك لأن فيه مصلحة البائع، إذ لو فرض أن ظالماً طلب من شخص مالاً لم يكن قادراً عليه فسجنه لذلك وعنده عين إذا باعها يحصل على ذلك المال ويخلص من عذاب السجن، فإذا قلنا إن بيعها غير لازم لم يقدم أحد على شرائها وفي ذلك ضرر بالمسجون فلذا أفتى كثير من أئمة المالكية بلزوم البيع للمصلحة. وعلى القول بعدم لزومه، فإذا استرده البائع فعليه أن يرد ما أخذه من الثمن على المعتمد.
أما الإكراه بحق فإنه لا يمنع نفاذ البيع. بل قد يكون واجباً وذلك كما إذا أجبر السلطان عاملاً من عماله على بيع ما في يده ليعطي للناس ما أخذه من أموالهم ظلماً، فإن هذا الإكراه مطلوب إلا إذا كان ذلك العامل قد اغتصب منهم عيناً باقية في يده فإنه يردها لهم بدون أن يجبر على بيع ما عنده. وكذلك إذا حكم القاضي ببيع ملك المدين لإيفاء الغرماء حقوقهم، فإنه إكراه بحق لا يمنع نفاذ البيع.
الشافعية - قالوا: بيع المره لا ينعقد رأساً إلا إذا قصد إيقاع العقد ونواه حال الإكراه، فإنه في هذه الحالة لا يكون مكرهاً، وينقسم الإكراه إلى قسمين: إكراه بغير حق وهو الذي لا ينعقد معه البيع، سواء أكرهه على التسليم وقبض الثمن أو لم يكرهه، لأنه إذا سلم باختياره أو قبض الثمن باختياره مع بطلان صيغة العقد فإنه لا يعتبر هذا بيعاً، إذ لا ينعقد البيع إلا بصيغة صحيحة. وإذا أكرهه على أمر يضطره إلى البيع كما إذا طلب منه ظالم مالاً غير موجود معه فجبره ذلك على بيع ملكه فإن البيع في هذه الحالة صحيح على الصحيح، لأنه لم يكره على البيع، وإنما أكره على سببه.
وعلى المكره أن يرد ما أخذه من ثمن إلا إذا هلك في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه. أما الإكراه بحق فهو كأن يكرهه الحاكم أو من له شوكة على بيع ملكه وفاء لدين عليه وهذا الإكراه لا يضر العقد فيقع معه صحيحاً نافذاً. وبيع الهازل فيه وجهان: أصحهما انعقاد البيع نظراً للفظ

ابوالوليد المسلم 29-09-2020 05:14 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 149 الى صــــــــ
158
الحلقة (97)

[الركن الثالث: المعقود عليه]
يشترط في المعقود ثمنا عليه كان أو مثمنا شروط: منها أن يكون طاهرا فلا يصح أن يكون النجس مبيعا ولا ثمنا، فإذا باع شيئا نجسا أو متنجسا (1) لا يمكن تطهيره فإن بيعه لا ينعقد. وكذلك لا يصح أن يكون النجس أو المتنجس الذي لا يمكن تطهيره ثمنا، فإذا اشترى أحد عينا طاهرة وجعل ثمنها خمرا أو خنزيرا مثلا فإن بيعه لا ينعقد. ومنها أن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيا فلا ينعقد بيع الحشرات التي لا نفع فيها. ومنها أن يكون المبيع مملوكا للبائع حال البيع، فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكا إلا في السلم، فإنه ينعقد بيع العين التي ستملك بعد كما يأتي. ومنها أن يكون مقدورا على تسليمه، إلا إذا كان المشتري قادرا على نزعه في المذاهب (2) .ومنها أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة،
فبيع المجهول جهالة تفضي إلى المنازعة غير صحيح كما إذا قال للمشتري:
اشتر شاة من قطيع الغنم التي أملكها أو اشتر مني هذا الشيء بقيمته أو اشتر مني هذه السلعة بالثمن الذي يحكم به فلان، فإن البيع في كل هذا لا يصح، وسيأتي تفصيل المذاهب في هذا في مبحث خيار الرؤية،
ومنها أن لا يكون العقد مؤقتا كأن يقول له:
بعتك هذا البعير بكذا لمدة سنة، ومنها غير ذلك مما هو مفصل في المذاهب (3) .
[مباحث الخيار]
معنى الخيار في البيع وغيره: طلب خير الأمرين منهما، والأمران في البيع الفسخ والإمضاء فالعاقد مخير بين هذين الأمرين.والأصل في عقد البيع أن يكون لازما متى استكمل شرائطه، ولكن قد عدل عن تلك في مسائل الخيار لحكمه جليلة وهي مصلحة العاقدين. فقد أباح الشارع الخيار استيفاء للمودة بين الناس. ودفعا للضغائن والأحقاد من أنفسهمن إذ قد يشتري الواحد السلعة أو يبيعها لظرف خاص يحيط به بحيث لو ذهب ذلك الظرف لندم على بيعها أو شرائها، ويعقب ذلك الندم غيظ فضغينة وحقد وتخاصم وتنازع إلى غير ذلك من الشرور والمفاسد التي يحذر منها الدين ويمقتها كل المقت.فمن أجل ذلك جعل الشارع للعاقد فرصة يحتاط فيها لنفسه، ويزن فيها سلعته في جو هادئ كي لا يكون له عذر في الندم بعد ذلك، على أنه قيد ذلك بشروط تحفظ للعقد قيمته،
فلا يكون عرضة للنقض والإبطال بدون سبب صحيح فقال:
إن الخيار في العقد لا يصح إلا بأمرين: (4) .


(1) الحنفية - قالوا:
يجوز بيع الدهن المتنجس والانتفاع به في غير الأكل، كما يجوز بيع العذرة المخلوطة بالتراب والانتفاع بها. وبيع الزبل وإن كان نجس العين، وإنما الذي يمنعونه بيع الميتة وجلدها قبل الدبغ، وبيع الخنزير، وبيع الخمر ويقولون:
من الميتة والخمر والخنزير إذا جعلت ثمنا لا يبطل البيع، وإنما ينعقد فاسدا يملك بقبض المبيع، وعلى المشتري أن يدفع الثمن كما سيأتي
(2) المالكية - قالوا:
لا ينعقد بيع المغصوب إلا إذا باعه المالك الأصلي لمن يقدر على أخذه من الغاصب. أما إذا كان الغاصب ممن يخضع لحكم الحاكم فلا يستطيع أحد أن يأخذ منه ما تحت يده، أو كان من يخضع ولكنه منكر ولو عليه بينة، فإن بيع المالك في هذه الحالة لا ينعقد لمنع بيع ما فيه خصومة. وكذا يصح أن يبيعه المالك لنفس الغاصب بشرط أن يكون الغاصب عازما على رد المغصوب لمالكه، أما إن كان عازما على عدم الرد فإنه لا ينعقد البيع له. وكذا إذا لم يعرف إن كان عازما على الرد أو لا فإنه يصح البيع له.
الشافعية - قالوا:
لا ينعقد بيع المغصوب مطلقا لا للغاصب ولا لغيره، ولا من المالك ولا من غيره إلا إذا كان مقدورا على تسليمه.
الحنفية - قالوا:
لا ينعقد بيع المغصوب إلا إذا باعه الغاصب وضمنه المالك. أو باعه المالك وأقر الغاصب هذا البيع، فإن لم يقر الغاصب وكان للمالك بينة ثم باعه فإن البيع ينعقد ويلزم المشتري، أما إذا لم تكن له بينة وهلك المبيع قبل أن يسلمه انتقض البيع.
الحنابلة - قالوا:
لا يصح بيع المغصوب لأن البائع إن كان هو المالك فلا يقدر على تسليمه لأنه ليس تحت يده وإن كان الغاصب فإنه غير مالك له. ويصح أن يبيعه المالك لغاصبه، لأن المانع وهو عدم القدرة على التسليم منتف، وكذلك يصح أن يبيعه لقادر على أخذه من الغاصب لإمكان قبضه في هذه الحالة، فإن عجز بعد البيع عن تحصيل المغصوب فله الفسخ، وإذا اشتراه ظانا أنه قادر على أخذه من الغاصب ثم تبين عجزه فإنه يصح
(3) الشافعية - قالوا:
يشترط لصحة البيع اثنان وعشرون شرطا: منها في الصيغة ثلاثة عشر، ومنها في العاقد أربعة، ومنها في المعقود عليه خمسة.
فأما شرائط الصيغة فهي:
-1 - الخطاب بأن يخطب كل من العاقدين صاحبه، فلو قال أحدهما: بعت لزيد فلا يصح.
-2 - أن يكون الخطاب واقعا على جملة المخاطب كأن يقول له: بعتك، أما لو قال: بعت يدك مثلا فإنه لا يصح.
3 - أن يذكر المبتدي منها بالكلام الثمن والمثمن كأن يقول: بعتك هذه السلعة بثمن كذا، أو اشتريت منك هذه السلعة بكذا.
4 - أن يقصد البائع والمشتري معنى اللفظ الذي ينطق به، فإذا جرى على لسانه بعت أو اشتريت بدون أن يقصد معنى البيع والشراء وهو التمليك والتملك. فإنه لا يصح.
5 - أن لا يتخلل الإيجاب والقبول كلام أجنبي.
6 - أن لا يتخلل الإيجاب والقبول سكوت طويل وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول.
7 - أن لا يتغير الأول قبل الثاني بمعنى أن المتكلم بالإيجاب مثلا لا يغير كلامه قبل قبول الآخر، فإذا قال له:
بعتك بخمسة ثم قال: بل بعشرة قبل أن يقبل فلا يصح العقد.
8 - أن يكون كلام كل واحد منهما مسموعا لصاحبه ولمن يقرب من الحاضرين، فإن لم يسمعه من كان قريبا لا يكفي وإن سمعه العاقد.
9 - أن يتوافق الإيجاب والقبول معنى فلو قال:
بعتك كأن يقول: بعتك هذه الدار إن شاء فلان أو إن شاء الله، بخلاف ما إذا قال:
إن شئت لأن هذا التعليق لا ينافي العقد بالشروط المتقدمة.
11 - أن لا يؤقت كلامه بوقت فإذا قال:
بعتك هذا البعير مدة شهر فإنه لا يصح.
12 - أن يكون القبول من الذي صدر معه الخطاب فلو قال له:
بعتك هذه السلعة ثم قبل آخر موكل عن المخاطب فإن البيع لا يصح.
13 - أن تستمر أهلية المتكلمين بالصيغة إلى أن يتم القبول فإذا قال: بعتك كذا ثم جن قبل أن يقول الآخر قبلتبطل العقد.
وأما شرائط العاقد فهي:
-1 - إطلاق تصرف فلا يصح بيع الصبي والمجنون والمحجور عليه بسفه.
-2 - عدم الإكراه بغير حق، فلا يصح بيع المكره كما تقدم.
-3 - إسلام من يشتري له مصحف أو نحوه.
-4 - أن لا يكون محاربا إذا أراد أن يشتري آلة الحرب.
وأما شرائط المعقود عليه فهي:
-1 - طهارة المعقود عليه، فلا يصح بيع النجس كما تقدم.
-2 - وأن يكون منتفعا به شرعا، فلا يصح بيع الحشرات التي لا ينتفع بها شرعا.
-3 - وأن يكون مقدورا على تسليمه فلا يصح بيع الطير في الهواء، ولا السمك في الماء، ولا المغصوب.
-4 - أن يكون للعاقد عليه ولاية، فلا يصح بيع الفضولي.
-5 - أن يكون معلوما للعاقدين عينا وقدرا وصفة وسيأتي بيان كل ذلك مفصلا.
الحنفية - قالوا: تنقسم شروط البيع إلى أربعة أقسام: الأول شروط الانعقاد، فلا ينعقد البيع رأسا إلا إذا تحققت. الثاني شروط النفاذ، فلا ينفذ البيع إلا إذا وجدت، الثالث شروط الصحة فلا يصح البيع إلا بها، الرابع شروط للزوم، فلا يلزم البيع إلا بها، فأما شروط الانعقاد فهي خمسة أنواع: النوع الأول يتعلق بالعاقد، سواء كان بائعا أو مشتريا وهو ثلاثة،
الشرط الأول:
أن يكون عاقلا فلا ينعقد بيع المجنون ولا شراؤه وأما المعتوه الذي يعرف معنى البيع ويدرك ما يترتب عليه من الأثر فإنه ينعقد بيعه وشراؤه،
الشرط الثاني:
أن يكون مميزا فلا ينعقد بيع الصبي الذي لا يميز، أما الصبي المميز الذي يعرف معنى البيع وما يترتب عليه من الأثر فإنه ينعقد بيعه وشراؤه، ويتوقف نفاذه على إجازة الولي أو الوصي أو إجازة نفسه بعد البلوغ، الشرط الثالث: أن يكون العاقد متعددا فلا ينعقد البيع بشخص واحد، بل يلزم أن يكون الإيجاب من شخص والقبول من شخص آخر، إلا إذا كان أبا يريد أن يشتري أو يبيع لولده الصغير، فإنه يكون بائعا ومشتريا بنفسه، ومثله الوصي والقاضي، ويشترط في الوصي أن يكون في بيعه وشرائه نفع ظاهر للصبي، وكذا الرسول إذا كان من جانب البائع والمشتري فإنه ينعقد بيعه وشراءه لنفسه. النوع الثاني يتعلق بالعقد، فيشترط لانعقاد عقد البيع شرط واحد وهو أن يكون الإيجاب موافقا للقبول بأن يقبل المشتري بكل ما أوجبه البائع، فإذا قال البائع:
بعت هذه الدار بمائة جنيه مصري فإن البيع لا ينعقد إلا إذا قال المشتري:
قبلت شرائها بهذا الثمن، أما إذا قال:
قبلت شرائها بخمسة وتسعين مثلا فإن البيع لا ينعقد، النوع الثالث يتعلق بالمبيع وهو خمسة شروط الأول أن يكون المبيع موجودا فلا ينعقد بيع المعدوم ولا بيع ما هو في حكم المعدوم كبيع الحمل.
الشرط الثاني:
أن يكون مما يتعلق به الملك. فلا ينعقد بيع العشب المباح ولو نبت في أرض مملوكة. الشرط الثالث:
أن يكون مملوكا للبائع إذا كان يريد أن يبيع لنفسه، أو مملوكا لموكله ونحوه كما يأتي، فلا ينعقد بيع ما ليس بمملوك ولو ملكه بعد البيع إلا في السلم فإنه ينعقد فيه بيع ما سيملكه بعد العقد، وكذلك المغصوب إذا باته الغاصب ثم ضمنه المالك فإن بيعه ينعقد. الشرط الرابع: أن يكون المبيع مالا متقوما شرعا، فلا ينعقد بيع الخمر ونحوه من كل ما لا يباح الانتفاع به شرعا. وكذلك لا ينعقد بيع اليسير من المال كحبة من حنطة لأنها ليست مالا متقوما. الشرط الخامس أن يكون البائع قادرا على تسليمه في الحال أو قريبا من الحال.
النوع الثالث:
يتعلق بالبدلين الثمن والسلعة، فيشترط في كل واحد منهما أن يكون مالا قائما، فإذا عدم أحدهما لا ينعقد البيع.
النوع الرابع:
يتعلق بسماع الصيغة، فلا ينعقد البيع إلا إذا سمع كل واحد من العاقدين كلام صاحبه. فإذا كان البيع في المجلس وسمع الناس كلام أحدهما ثم أنكر وقال:
إن في أذنه وقرا فإنه لا يصدق قضاء.
النوع الخامس:
يتعلق بالمكان فيشترط أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، فإن اختلف المجلس فإن البيع لا ينعقد، والمراد بالمجلس ما حصل فيه العقد، ولو كانا واقفين أو سائرين، فهذه شروط انعقاد البيع وهي اثنا عشر شرطا: ثلاثة في العاقد سواء أكان أم مشتريا، وواحد في العقد وخمسة في المبيع، وواحد في سماع الكلام. وواحد في المكان.

يتبع

ابوالوليد المسلم 29-09-2020 05:14 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
وأما شروط النفاذ فهي شيئان:
الأول:
أن يكون المبيع مملوكا للبائع، أو له عليه ولاية، فنفذ بيع غير المملوك كما لا ينعقد.
الثاني:
أن لا يكون في المبيع حق لغير البائع، فلا ينفذ بيع المرهون والمستأجر، لأنه وإن كان محبوسا في يده ولكن للغير حق فيه فلا ينفذ بيعه.
وأما شرائط صحة البيع فتنقسم إلى قسمين:
عامة تتعلق بجميع أفراد البيع. وخاصة تتعلق أيضا ولا ينعكس، فإن الفاسد ينعقد وينفذ إذا اتصل به القبض، ويزاد عليها أمور: منها أن لا يكون البيع مؤقتا، فإن أقته بوقت فإنه لا يصح. ومنها أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة، فإن باع شيئا مجهولا جهالة يترتب عليها النزاع فإن البيع لا يصح وذلك كأن يبيع شاة من قطيع غنم أو يبيع شيئا بقيمته من غير أن يعين الثمن. ومنها أن يكون البيع فيه فائدة. فلا يصح بيع الدرهم بالدرهم المساوي له من كل الوجوه كما تقدم.
ومنها الخلو عن الشرط الفاسد، كأن يشتري الناقة بشرط أن تكون حاملا.
وأما الخاصة: فمنها القبض في الصرف قبل الافتراق: ومنها أن يكون الثمن الأول معلوما في بيع المرابحة والتولية والوضعية. وأما شرط اللزوم فهو خلو البيع عن الخيار، فإن البيع بشرط الخيار لا يلزم.
المالكية - قالوا:
شروط البيع منها ما يتعلق بالصيغة، ومنها ما يتعلق بالعاقد بائعا كان أو مشتريا، ومنها ما يتعلق بالمعقود عليه ثمنا كان أو مثمنا.
فيشترط في الصيغة أمران:
الأول أن يكون القبول في المجلس. فلو قال البائع:
بعتك الدار بكذا فلم يجبه ثم تفرقا من المجلس فليس للمشتري أن يقبل بعد ذلك.
الثاني:
أن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض عن البيع عرفا. فإن وجد فاصل يدل على الإعراض عرفا لم يلزم البيع ولو لم يتفرق المجلس. ومتى تحقق الشرطان فليس للبائع أن يرجع عن البيع إذا قال للمشتري:
بعتك قبل قبوله على المذهب.
أما شروط العاقد فهي نوعان:
شروط انعقاد، وشروط لزوم، فيشترط لانعقاد البيع شروط واحد وهو العقل بائعا كان أو مشتريا، فلا ينعقد البيع إذا كان العاقد صبيا غير مميز، أو مجنونا أو مغمى عليه، أو سكران إذا كان على حالة لا يميز معها شيئا، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السكر بحلال أو حرام. ويشترط للزومه اربعة شروط.
الثاني:
أن يكون غير محجور عليه، فلا يلزم المحجور عليه لسفه ونحوه وينفذ بيع الصبي المميز والمحجور عليه بإذن وليهما كما تقدم.
الثالث:
أن يكون غير مكره، فلا يلزم بيع المكره على التفصيل المتقدم.
الرابع:
أن يكون العاقد مالكا أو وكيلا عن مالك فلا يلزم بيع الفضولي.
ويشترط في المعقود عليه خمسة شروط: أحدهما أن يكون طاهرا، فلا يصح بيع نجس ولا متنجس لا يمكن تطهيره. ثانيهما أن يكون منتفعا به شرعا، فلا يصح بيع آلة اللهو. ثالثها أن يكون غير منهي عن بيعه، فلا يصح بيع كلب الصيد ونحوه. الرابع أن يكون مقدورا على تسليمه، فلا يصح بيع الطير في الهواء، ولا الوحش في الفلاة. الخامس أن يكون المبيع والثمن معلومين للمتعاقد، فلا يصح بيع المجهول سواء جهلت ذاته أو صفته، أو جهل قدره. فجملة شروط البيع اثنا عشر.
ومن هذا تعلم أن كل عقد لازم فهو صحيح وليس كل صحيح لازما كما في بيع الصبي فإنه صحيح غير لازم، وكل صحيح منعقد وبالعكس.
الحنابلة - قالوا:
يشترط للبيع شروط بعضها يتعلق بالصيغة، وبعضها يتعلق بالعاقد، وبعضها يعلق بالمعقود عليه.
فيشترط في الصيغة أمران:
أن يكون القبول في المجلس، فإذا قال البائع: بعتك ثم تفرقا قبل القبول من المجلس لم ينعقد البيع. وأن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض عن البيع عرفا.
ويشترط في العاقد سواء كان بائعا أو مشتريا أن يكون مختارا، فلا يصح بيع المكره على التفصيل المتقدم. وأن يكون بالغا رشيدا، فلا يصح بيع الصبي المجنون والسكران والسفيه إلا في الصبي المميز والسفيه المميز على التفصيل المتقدم.
ويشترط في المعقود عليه سواء كان مبيعا أو ثمنا أن يكون فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة، فلا يصح بيع ما لا نفع فيه أصلا كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة كالخمر وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب، وما فيه منفعة مباحة للضرورة كالميتة حال الاضطرار.
ويشترط في المعقود عليه أن يكون المبيع مملوكا لبائعه وقت العقد ملكا تاما، وأن يكون مقدورا على تسليمه حال العقد، فلا يصح بيع جمل شارد، ولا بيع نحل، ولا طير في الهواء، سواء كان الطير مما يألف الرجوع أو لا. وكذا لا يصح بيع سمك في لجة ماء إلا إذا كان في بركة ماؤها صاف يشاهد فيه السمك، وكان غير متصل بنهر، ويمكن أخذ السمك منه، فإن بيعه يصح في هذه الحالة. وأن يكون المعقود عليه من مبيع وثمن معلوما للمتعاقدين. وكل ما لا يصح أن يكون مبيعا كذلك لا يصح أن يكون ثمنا
(4) الشافعية - قالوا:
يثبت خيار المجلس بعد تمام العقد بدون شروط الخيار، بل لو اشترط العاقد عدم الخيار بطل البيع لأنه شرط يقتضي العقد عدمه، لأن الخيار في المجلس ثبت بالنص لا بالاجتهاد فأصبح من مقتضى العقد، وكل شرط لا يقتضيه العقد فهو باطل، والخيار إما أن يكون لدفع الضرورة وهو خيار النقض، وإما أن يكون للتروية وله سببان:
المجلس والشرط فأقسامه ثلاثة.
ويثبت خيار المجلس عندهم في كل عقد توفرت فيه خمسة قيود:
الأول:
أن يكون عقد معاوضة أي محتو على عوض من المتعاقدين، فخرج بذلك الهبة بدون عوض لأنها ليست عقد معاوضة كما هو ظاهر. فلا خيار فيها بعد.
أما قبله فللواهب الرجوع وكذا بعده، أو كان أصلا فيما وهببه لفرعه. وكذلك خرج صلح الحطيطة وهو الصلح من الشيء على بعضه، كأن يصطلح معه على أن يحط له شيئا مما عليه فإنه لا معاوضة فيه فلا خيار فيه.
الثاني:
أن يفسد العقد بفساد العوض. وذلك كأن يبيع له عنيا ليست مملوكة له، فإن أحد العوضين وهو المبيع في هذه الحالة فاسد، فالبيع فاسد بفساد العوض فيصح الخيار في كل عقد يفسد بفساد عوضه فإنه لا خيار فيه وذلك كالنكاح والخلع فلو تزوجها على مال مملوك للغير لم يفسد العقد وعليه مهر المثل، وكذا لو خالعته على مال ليس مملوكا لها فإن الخلع لا يفسد وعليها القيمة.
الثالث:
أن تكون المعاوضة واقعة على عين لازمة من الجانبين أو على منفعة مؤبدة بلفظ البيع والأول كالثمن والمثمن من البائع والمشتري. والثاني كأن يبيع لجاره حق وضع الخشب على حائطه، فإنه بيع منفعة مؤبدة.
وخرج بقوله:
عين لازمة من الجانبين الشركة والقراض. لأن كلا منهما جائز من الجانبين. وكذلك خرج الرهن لأن العين فيه وإن كانت لازمة ولكن من جانب واحد، أما الجانب الآخر فله أن يسترد العين المرهونة بسداد ما عليه، وكذا خرج به ما كانت لمعاوضة فيه واقعة على منفعة غير لازمة كالإجارة والمساقاة. فكل هذه لا خيار فيها.
الرابع: أن لا يكون في المعاوضة تملك قهري خرج به الشفعة، لأن التملك فيها بالقهر والإجبار فلا معنى للخيار فيها، وبعضهم يقول:
إن الخيار ثابت في الشفعة للشفيع، بمعنى أن له الخيار في رد العين التي ملكها بالشفعة أو إمساكها.
الخامس:
أن تكون المعاوضة غير جارية مجرى الرخص كالحوالة والقسمة لعدم ظهور البيع فيهما.
وبهذا الضابط يتيسر عد العقود التي يقبت فيها خيار المجلس كالآتي:
عقد البيع المطلق، والسلم، والهبة بشرط العوض، وبيع الطعام يسمى بيعا ربويا.
والتولية: أو صلح المعاوضة على غير منفعة كأن يصطلحا على أن كلا منهما يدفع لصاحبه مالا بدون أن يشترط منفعة مقابلة.
أما إذا اشترط منفعة فإن العقد يكون إجارة لا بيعا، وذلك كأن يقول له:
صالحتك من الدراهم التي لي عليك على أن أسكن في دارك سنة مثلا فمثل هذا إجارة لا خيار فيه على الصحيح، وهكذا كل عقد معاوضة توفرت فيه القيود التي ذكرت فإنه يثبت فيه خيار المجلس، أما العقود التي لم تتوفر فيها الشروط فيمكن عدها كالآتي أيضا:
النكاح، والخلع، والإجارة، والهبة بلا عوض، صلح الحطيطة، الشفعة، المساقاة، الشركة، القراض، الرهن، الإجارة. وهكذا كل عقد لم تتوفر فيه القيود التي ذكرت.
ويسقط خيار المجلس بأمرين:
الأول: ذكر ما يدل صريحا على أنهما قد التزما عقد البيع كأن يقولا: اخترنا لزوم العقد، أو أمضيناه، أو أجزناه، أو أبطلنا الخيار. أو أفسدنا الخيار اختيارا لا كرها. أما إذا لم تكن صيغة إبطال الخيار صريحة كما إذا قالا:
تخايرنا ولم يذكرا عقد البيع فإن ذلك يحتمل الفسخ والإمضاء فيصدق من ادعى أنه أراد تخايرنا فسخه على أن يحلف اليمين. وكما أن الخيار يسقط بذكر الصيغة التي تدل على نفاذ العقد يسقط كذلك بالتصرف في البيع في المجلس، فلو باع المشتري السلعة التي اشتراها للبائع بغير ثمنها كان ذلك إجارة تسقط الخيار. وإذا قال أحد المتعاقدين: اخترت لزم العقد ولم يقل الآخر، بطل خيار القائل فقط، وإذا اختار أحدهما لزوم العقد واختار الآخر فسخه قدم الفسخ.
الأمر الثاني:
أن يتفرقا عن المجلس بأبدانهما، فمتى ترك المجلس واحد منهما وانصرف بطل الخيار، والمراد بالتفرق ما يعده الناس فرقة في عرفهم.
ويشترط في التفرق أن يكون بالاختيار، فإذا فرق بينهما كرها بسبب من الأسباب يبقى الخيار.
ومدة خيار المجلس غير محددة، فلو مكثا مكانهما أياما كثيرة لم ينقطع الخيار، وإذا مات أحدهما أو جن انتقل الخيار لوراثة.
الحنابلة - قالوا:
يثبت خيار المجلس للمتعاقدين، ولو لم يشترطاه ولو بعد تمام العقد، فلكل واحد منهما إمضاء العقد وفسخه ما داما في المجلس، ولو أقام شهرا أو أكثر إلا إذا تفرقا كرها. كما إذا حملهما على التفرق سبع ونحوه، أو ظالم طلع عليهما، ونحو ذلك، فإن التفرق في هذه الحالة لا يسقط الخيار، ومتى تم العقد وتفرقا لزم البيع. فليس لواحد منهما الفسخ إلا بعيب أو خيار شرط.
ويثبت خيار المجلس في أمور:
الأول الشركة في ملكه في نظير أن يدفع له قسطا من ثمنه المعلوم لأنها صورة من صور البيع، أما الشركة في غير ذلك فلا خيار فيها.
الثاني الصلح على مال سواء كان عينا أو نقدا لأنه بيع أيضا. الثالث الإجارة على عين كدار أو حيوان. أو الإجارة على نفع في الذمة بأن استأجره لبناء حائط أو خياطة ثوب، لأن الإجارة نوع من البيع. الرابع الهبة بشرط العوض. الخامس كل عقد بيع قبضه شرط في صحته، فيثبت في الصرف لأنه يشترط في صحته القبض، والسلم، وبيع المكيل والموزون بمثلهما. ولا خيار في قسمة الإجبار لأنهما إفراز حق لا بيع، كما لا خيار في المجلس في بقية العقود كالمساقاة، والمزارعة، والحوالة، والإقالة، والشفعة، والجعالة، والشركة، والوكالة، والمضاربة، والعارية، والهبة بغير عوض، والوصية قبل الموت، والوديعة، والنكاح، والخلع، والرهن، والضمان، والكفالة، فلا يثبت خيار المجلس في شيء من ذلك، وشرط عدم الخيار لا يبطل العقد وإنما يسقط الخيار فقط.
ويسقط الخيار المجلس بأربعة أمور:
الأول أن يشترطا عدم الخيار قبل تمام العقد كأن يقولا: تبايعنا على أن لا خيار بيننا، أو يقول أحدهما:
بعتك على أن لا خيار بيننا فيقول الآخر:
قبلت ولو لم يزد على ذلك فإنه في هذه الحالة يسقط الخيار.
والثاني: أن يسقطا الخيار بعد تمام العقد كأن يقول كل منهما:
اخترت إمضاء العقد أو التزامه، وإذا أسقطه أحدهما أو قال لصاحبه: اختر، سقط خياره وبقي خيار صاحبه.
الثالث: أن يتفرقا عن المجلس بأبدانهما عرفا، فإذا فارق احدهما صاحبه لزم، سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع أو قصد حاجة أخرى، ولكن تحرم الفرقة بغير إذن صاحبه بقصد لزوم البيع وعدم فسخه، لما في الحديث من أنه: "لا يحل لأحد المتبايعين أن يفارق صاحبه خشية أن يستقبله" رواه النسائي.
والرابع: موت أحد المتعاقدين فإنه يبطل خيارهما لأنه أعظم فرقة. وكذا يبطل خيارهما إذا هرب أحدهما من صاحبه، أما إذا جن إحدهما أو أغمي عليه فلا يسقط خياره.
الحنفية - قالوا: خيار المجلس لا يثبت للعاقد إلا بالشروط، فإذا تم العقد بينهما من غير شرط الخيار أصبح لازما سواء أقاما بالمجلس أو تفرقا، وإنما الذي للعاقد في المجلس بدون شرط هو خيار القول، فإذا قال للبائع:
بعتك، فله أن يرجع قبل أن يجيبه المشتري كما تقدم.
ويحملون الحديث على هذا فيقولون: إن معنى الحديث أن لهما خيار المجلس بالشرط.
المالكية - قالوا:
لا خيار في المجلس أصلا بل الخيار ينقسم إلى قسمين:
الأول: خيار الشرط ويسمى الخيار الشرطي، وخيار التروي "النظر والتفكر في إمضاء العقد ورده" وهذا القسم هو الذي ينصرف إليه الخيار عند الإطلاق في عرف الفقهاء.
الثاني: خيار النقيصة ويسمى الخيار الحكمي، وسببه ظهور عيب في المبيع أو استحقاق للغير فيه.
أما حديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فهو وإن كانت روايته صحيحة إلا أن عمل أهل المدينة كان على خلافه، وعمل أهل المدينة مقدم على الحديث وإن كان صحيحا، لأنه في حكم المتواتر الموجب للقطع، بخلاف الحديث فإنه وإن كان صحيحا لكنه خبر آحاد يفيد الظن، فالأول مقدم عليه.
وإذا شرط العاقد خيار المجلس في البيع فسد العقد، ومن هذا تعلم أن الحنفية والمالكية متفقون على أن لا خيار في المجلس:
إلا أن الحنفية يقولون:
إنه يثبت بالشرط
والمالكية يقولون:
إن شرطه يفسد البيع



ابوالوليد المسلم 29-09-2020 05:16 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 158 الى صــــــــ
167
الحلقة (98)

[خيار الشرط]
هو عبارة عن كون العاقد يبيع السلعة أو يشتريها بشرط أن يكون له الخيار في إمضاء العقد أو فسخه.
فمعنى قولهم خيار الشرط:
الخيار الثابت بالشرط، فيصح للمتبايعين أن يشترطا الخيار كما يصح لأحدهم.
وكذلك يصح أن يشترطاه لأجنبي عنهما كأن يقول:
اشتريت منك هذه السلعة على أن يكون الخيار لفلان، وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
[مدة خيار الشرط]
في مدة الخيار الشرط اختلاف المذاهب (2) .
[مبحث هل يخرج المبيع عن ملك البائع في زمن الخيار؟]
لا يخرج المبيع في زمن الخيار عن ملك البائع عند بعض الأئمة، ويخرج عند البعض الآخر، لكن في كل ذلك تفصيل مبين في هامش الصحيفة (3) .
(1) الشافعية - قالوا:
خيار الشرط إما أن يكون للمتبايعين أو يكون لواحد منهما، أو يكون لأجنبي عنهما، فأما الأول فهو أن يتلفظ به كأن يقول المبتدي منهما:
بعتك كذا بكذا بشرط أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، فيقول الثاني: اشتريت بذلك بشرط الخيار لك ثلاثة أيام فالشرط وقع في هذه الحالة من المتبايعين، وأما الثاني فهو أن يتلفظ المبتدي منهما بالشرط كأن يقول: بعتك كذا بكذا بشرط أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، فيقول الآخر:
اشتريت على ذلك ولم يتلفظ بشرط الخيار، ولكن لا بد من أن يوافق عليه ولو بالسكوت، ويشترط في ذلك أن يكون المبتدي بالإيجاب أو القبول هو الذي يتلفظ بالشرط كأن يقول له بعتك كذا بشرط الخيار أو يقول المشتري: بعني كذا بشرط الخيار. أما إذا تلفظ به الثاني كما إذا قال البائع:
بعتك كذا فقال:
قبلت بشرط أن يكون لي الخيار، فإن العقد يبطل لعدم موافقة القبول للإيجاب. فإن الإيجاب في هذه الحالة مطلق والقبول مقيد بالإيجاب.
وأما الثالث فهو أن يشترطاه أو يشترطه أحدهما لأجنبي عنهما بشرط أن يكون مكلفا كأن يقول: بعت هذه السلعة بكذا بشرط أن يكون الخيار لوالدي مثلا، على أنه لا بد من تعيين المشروط له في الصور الثلاث، فلو قال:
على أن يكون الخيار لأحدنا مثلا فسد العقد لأنه لم يعين.
ومن شرط له الخيار كان له حق فسخ العقد وإمضائه، سواء كان البائع، أو المشتري، أو هما معا، أو الأجنبي، فلا يصح أن يشترط الخيار له ثم يفسخ العقد غيره على المعتمد.
وإذا شرط الخيار لأجنبي عنه سقط خياره هو إلا أن يموت ذلك الأجنبي في زمن الخيار.
وإذا وكل أحد المتعاقدين شخصا عنه فليس للوكيل أن يشترط الخيار للطرف الآخر إلا بأذن موكله فإن شرط ذلك بغير إذن موكله بطل العقد، أما بإذن موكله فله أن يشترط لموكله ولنفسه.
المالكية - قالوا:
يصح الخيار بالشرط للبائع، وللمشتري، وللأجنبي عنهما، فإذا شرط الخيار لأجنبي كان هو صاحب القول في فسخ العقد وإمضائه، ولا كلام لمن شرط له الخيار، ومثل الخيار الرضا فمن اشترى سلعة أو باعها لفلان على أن يكون الخيار لغيره في فسخ العقد، وإمضائه لزمه ذلك ولا كلام له في الخيار، وكذا إذا علق البيع على رضاء الغير كأن قال: بعته لك أو اشتريته منك بكذا إن رضي فلان فإنه يصبح الكلام في الرضا لفلان دون العاقد، وهذا هو المعتمد. أما إذا علقه على مشورة فلان كأن يقول: بعت كذا أو اشتريته على مشورة فلان فإن الخيار في هذه الحالة يكون للعاقد، فله أن يستبد بإمضاء العقد أو فسخه بدون رأي من علق المشورة عليه، والفرق بين الصيغتين: أن من شرط لغير الاختيار أو الرضا فقد تنازل عن اختيار نفسه ورضاه، أما من علق المشورة فإنه جعل لنفسه حق التكلم مع الاعتضاد برأي غيره فله أن يستقل بالرأي.
وإذا وكل العاقد غيره فاشترى له سلعة بشرط الخيار كان شريكا له في الخيار. وينفذ تصرف السابق منهما إلا إذا قبض الثاني، ويشترط لصحة الخيار أن لا يقبض البائع الثمن على المعتمد كما سيأتي.
الحنفية - قالوا:
يصح خيار الشرط للمتبايعين، ولأحدهما، وللأجنبي عنهما.
فإذا شرط أحد المتعاقدين - البائع والمشتري - الخيار لأجنبي لم يسقط خياره هو بل يكون شريكا للأجنبي في الخيار، فإذا أجاز الأجنبي العقد أو نقضه ووافقه العاقد الذي أنابه صح ذلك بلا نزاع، أما إذا لم يوافقه كأن أجاز النائب وفسخ الأصيل فإنه يعمل برأي الذي سبق أولا، وإن كان الفسخ أقوى من اجازة في ذاته، لأن تصرفه وقع بدون أن يزاحمه أحد أما إذا تكلما معا ولم يعلم أيهما أسبق بالكلام؛ فالفسخ مقدم على الإمضاء في هذه الحالة على الصحيح.
ويصح شرط الخيار من الوكيل، فإذا وكل شخص آخر في أن يشتري له سلعة بدون أن يأمره باشتراط الخيار فاشتراها بشرط الخيار لموكله، أو له هو، أو لأجنبي منهما صح الشرط أما إذا أمره بأن يشتري له بشرط الخيار للآمر فشرطه لنفسه فلا يصح الشرط. وإذا اشتراه في هذه الحالة بدون خيار أصلا نفذ البيع على الوكيل لا على الآمر، وإذا أمره، أن يبيع بخيار فباع بدونه فإن البيع يبطل رأسا في هذه الحالة.
ويصح شرط الخيار عند الحنفية في كل عقد لازم يحتمل الفسخ، سواء كان لازما من جانب واحد أو من الجانبين. فخرج بقوله لازم الوصية فإنها عقد غير لازم لأن للموصي الرجوع فيها ما دام حيا، وللموصى له القبول وعدمه فلا معنى للخيار فيها. ومثل الوصية العارية، والوديعة. وخرج بقوله يحتمل الفسخ العقود اللازمة التي لا تحتمل الفسخ. كالنكاح والطلاق والخلع بلا مال وقد يقال إن النكاح أيضا يحتمل الفسخ، لأنه يفسخ بعدم الكفاءة والبلوغ والعتق والردة والجواب أن فسخه بعدم الكفاءة والبلوغ والعتق إنما هو قبل تمام العقد. أما بعد تمام العقد فإن النكاح لازم لا يحتمل الفسخ. وأما فسخه بالردة فهو وإن كان بعد التمام ولكنه لم يكن برضا العاقدين، والكلام فيما يحتمل الفسخ برضاهما لا فيما يثبت تبعا، ويمكن حصر العقود التي يصح فيها خيار الشرط في ستة عشر:
الأول الإجارة، فإنه عقد لازم يحتمل الفسخ.
الثاني المزارعة.
الثالث المساقاة لأنهما إجارة.
الرابع القسمة لأنها بيع من وجه كما ستعرفه في بابها إن شاء الله.
الخامس الصلح عن مال. السادس الخلع على مال إذا شرطت الخيار الزوجة، لأن الخلع في هذه الحالة عقد لازم من جانب الزوج لا من جانبها هي، فإن العوض من جانب الزوج اليمين وهو لا حتمل الفسخ، أما العوض من جانب الزوجة فهو المال، وهو يحتمل الفسخ، فصح اشتراط الخيار لها، السابع الرهن إذا شرطه الراهن لأنه وإن كان عقدا لازما يحتمل الفسخ ولكنه لازم من جانب الراهن، أما المرتهن فليس بلازم من جانبه أصلا، لأن له أن يسترد المرهون متى شاء فلا معنى لاشتراط الخيار من جانبه. الثامن الكفالة بنفس أو مال، ويصح الخيار فيها للمكفول له وللكفيل. التاسع الحوالة ويصح للمحتال أو المحال عليه، لأن الحوالة تتوقف على رضاء المحال عليه فله شرط الخيار، ويصح شرط الخيار في الكفالة والحوالة أكثر من ثلاثة أيام عند أبي حنيفة، لأنه قد استثناهما من المدة المقررة عنده. العاشر الإبراء من الدين، فلو قال: أبرأتك على أني بالخيار صح، ونقل بعضهم أن شرط الخيار في الإبراء باطل، الحادي عشر الشفعة، الثاني عشر الوقف عن أبي يوسف، أما عند أبي حنيفة فإنه غير لازم فلا معنى لاشتراط الخيار فيه، وعند محمد فهو وإن كان يقول بلزومه لكنه اشترط أن لا يكون فيه خيار شرط وسيأتي بيان ذلك في بابه، الثالث عشر الكتابة على مال، الرابع عشر العتق على مال، الخامس عشر الإقالة، السادس عشر البيع.
وأما العقود التي لا يصح فيها خيار الشرط فهي عشرة وهي:
-1 - النكاح.
2 - الطلاق على مال ومثله بلا مال أيضا.
3 - اليمين.
4 - النذر.
5 - الصرف.
6 - السلم.
7 - الإقرار، فإذا أقر بشيء لا يقبل الخيار على أنه كان له الخيار فيه فإنه يلزم بإقراره بدون خيار، سواء صدقه المقرر له في الخيار أو لا، أما إذا أقر بشيء يقبل شرط الخيار كما إذا أقر بعقد بيع وقع له الخيار فإنه يصح باعتبار العقد لا باعتبار الإقرار، لأن الإقرار في ذاته لا يقبل الخيار، وإنما يصح إذا صدقه الطرف الثاني، أو برهن على قوله.
8 - الوكالة.
9 - الوصية.
10 - الهبة بلا عوض.
الحنابلة - قالوا:
يثبت خيار الشرط في صلب العقد قبل أن يصبح لازما كأن يتفرقا من المجلس بعد تمام العقد بدون شرط، فإذا أصبح العقد لازما سقط خيار الشرط.
ويصح شرط الخيار للمتبايعين، أو لأحدهما، أو لأجنبي عنهما فيصح أن يشترط أحد العاقدين الخيار لنفسه أو لغيره بشرط أن لا يخرج نفسه، فلو قال: جعلت الخيار لزيد دوني لم يصح الشرط، لأن الخيار شرع لمنفعة العاقدين ولاحظ للأجنبي فيه، فلا يصح أن ينفرد بالشرط، فإن قال:
جعلت الخيار لزيد ولم يقل دوني فإنه يصح، وكذا إذا شرطه لنفسه ولزيد كأن قال:
اشتريت أو بعت على أن يكون الخيار لي ولزيد فإنه يصح:
ويكون اشتراطا لنفسه أصالة وتوكيلا لزيد فيه، فيكون لكل واحد من الأصيل أو الوكيل فسخ العقد وإمضاءه.
وإذا وكل شخص آخر في أن يشتري له سلعة فاشتراها بشرط الخيار ثبت الخيار للموكل، فإذا شرط الوكيل الخيار لنفسه ثبت له ولموكله، وإذا شرطه لنفسه دون موكله لم يصح الشرط، وكذا لو شرطه لأجنبي فإنه لا يصح، لأن الوكيل ليس له أن يوكل في مثل ذلك
(2) الحنفية - قالوا:
ينقسم خيار الشرط بالنسبة للمدة إلى ثلاثة أقسام:
الأول فاسد باتفاق، وهو نوعان: النوع الأول أن يذكر مدة مجهولة كأن يقول اشتريت على أني بالخيار أياما أو أبدا. النوع الثاني أن يطلق الخيار بأن لم يقيده بمدة أصلا كأن يقول:
اشتريت على أني بالخيار ولم يذكر مدة ما، على ان إطلاق الخيار مفسده إذا كان مقارنا للعقد كما في المثال، أما إذا لم يكن مقارنا بأن باع له سلعة بدون خيار ثم لقيه بعد مدة وقال له: أنت بالخيار ولم يعين زمنا فله الخيار ما دام في المجلس الذي خيره فيه ومن هذا تلعم أنه لا يشترط عندهم اتصال شرط الخيار بالعقد، بل ينفع بعده ولو بمدة طويلة، أما قبله كأن يقول البائع:
جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده ثم اشترى منه بعد ذلك بدون خيار اكتفاء بالشرط الأول، فإنه لا يثبت له شرط الخيار.
الثاني:
جائز باتفاق، وهو أن يذكر مدة ثلاثة ايام فما دونها.
الثالث:
مختلف فيه وهو أن يقول: على أنني بالخيار شهرا أو شهرين، فأبو حنيفة يقول: إنه شرط فاسد، وأبو يوسف ومحمد يقولان إنه جائز.
فإذا شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام فإنه يصح عندهما إذا عين مدة معلومة، ولا يصح عند أبي حنيفة ويصير العقد فاسدا أو موقوفا، فلكل من البائع والمشتري أن يفسخه غلا إذا أجاز العقد من له الخيار أثناء الأيام الثلاثة ولو في الليلة الرابعة؛ فإنه في هذه الحالة ينقلب صحيحا.
ومثل خيار الشرط في هذا خيار النقد، وهو أن يشتري سلعة على أن يردها إن لم يدفع ثمنها إلى ثلاثة أيام فإن هذا الشرط صحيح، فإن لم يدفع ثمنها فسد البيع. وعليه رد السلعة إن بقيت على حالها، أما إذا تصرف فيها كأن باعها ولم يدفع ثمنها في الموعد فإن البيع الأول ينفذ وعليه الثمن، وإذا نقصت قيمة السلعة عنده كان بائعها مخيرا بين أخذها من النقصان ولا شيء له من الثمن وبين أخذ الثمن. أما إذا اشترى السلعة على أنه لم يدفع ثمنها إلى أربعة أيام ينحل البيع فإنه لا يصح عند أبي حنيفة، ويقع العقد فاسدا أو موقوفا لكل منهما حق فسخه إلا إذا دفع الثمن أثناء الأيام الثلاثة فإن العقد ينقلب صحيحا. وللبائع خيار النقد كالمشتري، فإذا باع سلعة وقبض ثمنها على أنه إن رده إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما صح الشرط، أما إلى أربعة أيام فلا، كما ذكر أولا.
المالكية - قالوا:
تنقسم مدة خيار الشرط بالنسبة للمبيع إلى أربعة أقسام:
الأول:
الخيار في بيع العقار وهي الأرض وما يتصل بها من بناء أو شجر، والخيار في هذا يمتد إلى ستة وثلاثين يوما. أو ثمانية وثلاثين يوما على الأكثر، فإن زاد على ذلك فسد العقد، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخيار لاختيار حال المبيع أو للتروي في الثمن. وذلك هو رأي جمهور أهل المذاهب خلافا لمن قال: إن الخيار إذا كان للتروي فهو ثلاثة أيام.
الثاني:
الخيار في عروض التجارة كالثياب ونحوها. والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة، فإذا زاد عليها فسد العقد.

يتبع

ابوالوليد المسلم 29-09-2020 05:16 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الثالث:
الدواب وفيها تفصيل:
لأنها إما أن تكون من الدواب التي ليس من شأنها أن تركب كالبقر والغنم والطيور، والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة كالخيار في عروض التجارة، أما الدواب التي من شأنها أن تركب فإن كان الخيار فيها لمعرفة رخصها وغلائها وسمنها مع معرفة ركوبها أيضا ونحو ذلك فهو من ثلاثة أيام إلى خمسة أيضا، وإن كان الخيار فيها لمعرفة حال ركوبها فلا يخلو:
إما أن يكون ذلك في البلد أو خارج البلد، فإن كان في البلد فالخيار فيها يومان لا أكير.
وإن كان خارج البلد فالخيار فيها مسافة بريدين لا أكثر، وبعضهم يقول:
إن الخيار في الدواب ثلاثة أيام وما يقرب من الثلاثة مطلقا، سواء كان الخيار للركوب أو لغيره. أما اليوم والبريد فهو مخصوص بالركوب.
الرابع:
الخيار في الرقيق وهو من ثمانية أيام إلى عشرة.
وكما يفسد البيع بشرط الخيار أكثر من المدة المقررة في كل ما ذكر. فإنه يفسد أيضا بشرط مدة مجهولة كما إذا قال: أبيعك على أن لي الخيار إلى أن تمطر السماء، أو إلى أن يقدم زيد المسافر ولم يعلم أمد قدومه.
ويصح شرط الخيار بعد تمام عقد البيع "بتة" كما يصح ابتداء قبل البت، فإذا باع شخص لآخر سلعة وبعد تمام البيع جعل البائع الخيار للمشتري في هذا البيع أو جعل المشتري الخيار للبائع كأن قال له: أنت بالخيار في إمضاء هذا البيع ورده، فإن ذلك يصح ويكون بيعا جديدا مستأنفا، فكأن البائع قال للمشتري: بعتك هذه السلعة على أن يكون الخيار لك إذا كان الخيار من قبل البائع وكأن المشتري قال للبائع: اشتر مني هذه السلعة على أنك بالخيار إذا كان الخيار من قبل المشتري، ولكن يشترط في صحة بيع الخيار بعت بت العقد أن يكون المشتري قد دفع الثمن للبائع على المعتمد، أما إذا لم يكن قد دفع له الثمن فإنه لا يصح، لأن الثمن يكون حينئذ دينا في ذمة المشتري فأخذ في نظيره سلعة بخيار، وهذه السلعة يحتمل ردها إذا فسخ العقد، فيكون البائع حينئذ قد فسخ ما وجب له في نظير مؤخر غير ثابت وهو غير جائز، ويكون ضمان المبيع في حالة الخيار بعد تمام العقد على المشتري، لأنه بيع جديد كما علمت، فمال يوجد في المبيع يكون المشتري مسؤولا عنه، سواء جعل المشتري الخيار للبائع أو العكس.
الشافعية - قالوا:
مدة الخيار ثلاثة أيام فأقل بشرط أن تكون متصلة بشرط الخيار، وأن تكون متوالية، فإذا اشترط مدة مجهولة كأن قال: لي الخيار أياما أو أبدا بطل العقد، وكذا إذا لم تتصل المدة بالشرط كأن قال:
بعتك الآن على أن يكون لي الخيار من الغد مثلا بطل العقد، وكذلك إذا اتصل يوم من الثلاثة بالعقد كيوم الخميس مثلا ثم اشترط اليومان من يوم السبت فإن العقد يبطل، ولا تدخل الليالي في الأيام، فإذا قال:
لي الخيار ثلاثة أيام تنتهي المدة في نهاية اليوم الثالث ولا تدخل ليلته، وإنما احتسبت ليلتا اليوم الأول والثاني لضرورة الحساب إذ لا يمكن الوصول إلى اليوم الثاني إلا بعد أن تمضي ليلة اليوم الأول، فلو اشترط دخول الليلة الثالثة في الحساب بطل العقد.
الحنابلة - قالوا:
يشترط في مدة الخيار أن تكون معلومة ولا حد لها، فلهما أن يشترطاه شهرا وسنة وغير ذلك، إنما الذي لا يصح هو أن يشترطاه مدة مجهولة كبعتك بالخيار متى شئت، أو شاء فلان، أو نزل المطر، أو هبت الريح:
أو قال أحدهما:
لي الخيار ولم يذكر مدة، أو شرطاه إلى الحصاد ونحو ذلك، وفي هذه الحالة يلغو الشرط ويصح البيع مع فساد الشرط، وإن شرطاه مدة غير متوالية كأن شرطاه عشرة أيام على أن يثبت يوما ولا يثبت يوما صح في اليوم الأول فقط، وابتداء المدة في شرط الخيار من حيث العقد، فإن شرطاه على أن يكون من حين التفرق لم يصح الشرط لجهالته لأن وقت تفرقهما مجهول
(3) الحنابلة - قالوا:
ينتقل الملك في زمن الخيارين: خيار الشرط، وخيار المجلس إلى المشتري ويخرج عن ملك البائع، سواء كان الخيار للمتعاقدين أو لأحدهما بائعا أو مشتريا، فإذا تلف المبيع في زمن الخيارين أو نقصت قيمته بعيب فلا يخلو: إما أن يكون قد بيع بكيل أو وزن أو عدد أو ذرع أو لا، فإن كان الأول فإن ضمانه يكون على المشتري إذا قبضه واستلمه، لأنه ملكه وقد وضع عليه يده فيكون مسؤولا عنه، أما إذا لم يقبضه فإن ضمانه يكون على البائع. وإن كان الثاني فإن ضمانه يكون على المشتري في حالتين: الأولى أن يستلمه ويقبضه بالفعل. الثاني: أن لا يستلمه ولكن لم يمنعه البيع من استلامه وقبضه، وأما إذا أراد استلامه فمنعه البائع فإن البائع يكون مسؤولا عنه.
وإذا تلف المبيع في يد المشتري بطل خياره واستقر الثمن في ذمته.
ويترتب على انتقال الملك إلى المشتري آثار الملك الأخرى، فيكون مكلفا بمؤونة الحيوان الذي اشتراه ونحوه. وإذا حلف لا يبيع أو لا يشتري فباع أو اشترى بشرط الخيار فإنه يحنث لوجود صفة البيع والشراء. وكما ينتقل ملك المبيع للمشتري، فكذلك ينتقل الملك في الثمن للبائع وليس للشفيع الأخذ بالشفعة في مدة الخيار وإن كان الملك قد انتقل للمشتري لأن شرط الخيار منعه من التصرف فيه باختياره، فأصبح بذلك ملكه قاصرا. فإذا اشترى شخص دارا من آخر أن يكون له الخيار، فليس للشفيع أن يأخذها بالشفعة حتى تمضي مدة الخيار.
وما ينتج عن المبيع فيه تفصيل:
لأنه إما أن يكون منفصلا عنه أو متصلا به، فإن كان منفصلا عنه كثمرة وولد ولبن فإنه يكون للمشتري ولو كان في يد البائع، وإذا تلف عند البائع بدون تعد ولا تفريط لا يضمنه للمشتري، لأنه أمانة عند البائع لا يضمنها إلا إذا فرط فيها أو تعدى عليها.
الشافعية - قالوا:
يخرج المبيع من ملك البائع إذا انفرد أحد المتبايعين بالخيار، فإن كان الخيار للبائع لم يخرج المبيع عن ملكه، وإن كان للمشتري خرج المبيع عن ملكه للمشتري وإن كان الخيار لهما معا كان الملك موقوفا، فإن تم البيع ظهر أن الملك للمشتري، من حين العقدن وإن فسخ اعتبر كأنه لم يخرج عن ملك البائع، لا فرق في ذلك بين خيار الشرط وخيار المجلس.
ثم إن الفوائد المتحصلة من المبيع سواء كانت منفصلة كاللبن، أو متصلة كالحمل الحادث في زمن الخيار تكون لمن انفرد بالخيار من بائع أو مشتر، وتكون موقوفة إذا كان الخيار لهما معا يستحقها من يظهر له الملك. أما الحمل الموجود قبل الخيار فهو مبيع مع أمه فحكمه حكمها، والفوائد المتحصلة غير الحمل تتبع الأصل في رد المبيع وإمضائه.
وإذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار فلا يخلو: إما أن يكون التلف قبل القبض أو بعده فإن كان قبل القبض انفسخ البيع على أي حال، سواء كان الخيار لهما أو لواحد منهما، وإن كان القبض فلا يخلو: إما أن يكون الخيار للبائع، أو للمشتري أو لهما، فإن كان الخيار للبائع انفسخ البيع أيضا ويسترد المشتري الثمن، ويرجع عليه البائع بالقيمة بأن يأخذ منه فرق الثمن إذا كان الثمن زائدا على القيمة، وإن كان للمشتري أو لهما يبقى الخيار، فإن تم العقد بأن أجازه المشتري الثمن، وإن لم يجزه لزمته القيمة.
الحنفية - قالوا: الخيار إما أن يكون للبائع، أو للمشتري، أو لهما.
فالأول وهو ما إذا كان الخيار للبائع، فإن المبيع لا يخرج ملك البائع باتفاق. أما الثمن فإنه يخرج عن ملك المشتري باتفاق، وهل يدخل في ملك البائع خلاف:
وفي هذه الحالة إما أن يقبضه المشتري أو يتركه في يد البائع، فإن قبضه وهلك في يده فإنه يكون ملزما بقيمته للبائع، وتعتبر قيمته من يوم قبضه لا من يوم هلاكه، فعلى المشتري في هذه الحالة أن يدفع المبيع للبائع سواء زادت عنه أو نقصت. ولا فرق في ذلك بين أن يهلك من بقاء البيع أو فسخه، فلو فسخ البائع البيع في مدة الخيار وبقي المبيع في يد المشتري ثم هلك، كان المشتري ملزما بقيمته أيا كانت. أما إذا مضت مدة الخيار ولم يفسخ البيع ثم هلك المبيع فيكون ملزما بثمنه لا قيمته لسقوط الخيار بانتهاء المدة واستقرار البيع وإذا طرأ على المبيع عيب وهو في يد البائع فنقصت قيمته فإن خياره لا يفسد، لأن ذلك العيب لم يكن بفعله فلا يكون مسؤولا عنه. وللمشتري الخيار في هذه الحالة، فإن شاء أخذ المبيع بثمنه، وإن شاء فسخ البيع. أما إذا كان النقص بفعل البائع فإنه يكون مسؤولا عنه، فيقبض من ثمنه بقدر ما أصابه من النقص. وإذا هلك المبيع في يد البائع من كون الخيار له انفسخ البيع، ولا شيء على البائع ولا على المشتري.
الثاني: وهو ما كان الخيار فيه للمشتري أو لأجنبي، وحكمه أن الثمن لا يخرج عن ملك المشتري باتفاق. والمبيع يخرج عن ملك البائع باتفاق ولكن هل يدخل المبيع في ملك المشتري بعد خروجه من ملك البائع أو لا؟ خلاف. فأبو حنيفة يقول:
إنه لا يدخل في ملك المشتري، لأنه لو دخل في ملكه من كون الثمن مملوكا له أيضا للزم عليه اجتماع البدلين في ملك أحد المتعاقدين، وذلك لا أصل له في الشرع في المعاوضة، لأنها تقتضي المساواة بين المتعاقدين في تبادل ملك المبيع والثمن. والصاحبان يقولان: إنه يدخل في ملك المشتري، لأنه لو لم يدخل لكان سائبة غير مملوك لحد، وأجيب بأنها ليست سائبة لأنه ملك البائع لا يزال متعلقا به.
على أن عدم دخوله في ملك المشتري لا يمنع ترتب بعض آثار الملك عليه، فإن نفقته تجب على المشتري بالإجماع، وإذا تصرف المشتري فيه مدة الخيار جاز تصرفه ويكون ذلك إجازة منه. وسواء دخل في ملك المشتري أو لم يدخل، فإنه إذا قبضه وهلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزما بثمنه لا بقيمته عكس ما لو كان الخيار للبائع، لأنه إذا هلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزما بالقيمة كما ذكر آنفا، والفرق بين الحالتين: أنه هلك في يد المشتري فإنه لا بد أن يتقدم هلاكه عيب من مرض ونحوه، وهذا العيب يمنع رده في هذه الحالة فينفذ ويهلك بعد أن يتقرر الثمن فيذمة المشتري. بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع، فإن العيب الذي يتقدم هلاكه عادة لا يمنع البائع أن يسترده في زمن الخيار، فيبطل العقد بهلاكه فلم يتقرر الثمن فتثبت القيمة والفرق بين الثمن والقيمة: أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان، سواء كان أكثر من قيمته أو أقل.
أما القيمة فهي ما قوم به الشيء من غير زيادة ونقصان.
وكذلك إذا طرأ عليه عيب، فإن كان مما يمكن زواله كالمرض ونحوه فإن زال في مدة الخيار فهو على خياره وإن لم يزل لزوم العقد، وإن كان مما لا يمكن زواله وكان في يد المشتري وكان له الخيار فإنه يلزم بثمنه لا بقيمته، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع فإنه يلزم بقيمته كما تقدم، ولا فرق بين أن يكون العيب حاصلا بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو بفعل أجنبي. واختلف فيما إذا كان بفعل البائع وكان الخيار للمشتري.
فقال محمد:
إن خيار المشتري يبقى على حاله، إن شاء أجاز البيع ويأخذ قيمة ما نقص وإن شاء رده.
وقالا:
إن البيع يلزم ويرجع المشتري على البائع بالقيمة إذا كان المبيع قيميا كالحيوان والمتاع والأرض ونحو ذلك، فإن كان مثليا كالفضة مثلا وأحدث به البائع أو المشتري عيبا فإنه لا يحل له أخذ قيمة ما نقص منه لأنه يكون ربا، مثلا إذا كان المبيع أسورة من فضة قبضها المشتري الذي له الخيار ثم كسرها البائع فإنه في هذه الحالة لا يحل للمشتري أن يأخذ قيمة ما نقص من ثمنها نقودا، ولكن له الخيار في أن يمسك العين بلا مطالبة بالنقصان، أو يسلمها ويطالب بمثلها أو قيمتها كلها.
الثالث:
وهو ما كان الخيار فيه لهما، وحكمه أنه لا يخرج شيء من المبيع والثمن عن ملك البائع والمشتري باتفاق، فإذا فسخ البيع واحد منهما في المدة انفسخ، وإذا أجازه أحدهما أصبح العقد لازما بالنسبة له مع بقاء الآخر على خياره، وإذا لم يوجد إجازة ولا فسخ بل سكتا حتى انقضت مدة الخيار لزم البيع. وإذا أجاز أحدهما وفسخ الآخر البيع بينهما، سواء كان السابق الفسخأو الإجازة، وإذا هلك المبيع قبل أن يقبضه المشتري بطل البيع. وكذلك إذا هلك الثمن قبل أن يقبضه البائع إذا كان عينا، ويبطل البيع أيضا إذا هلك المبيع أو الثمن بعد القبض، ولكن يكون على من قبضه قيمته. ثم إن الزيادة الناشئة عن المبيع تكون موقوفة في مدة الخيار، فإن تم البيع كانت للمشتري، وإن لم يتم كانت للبائع. وسيأتي بيان ما يفسخ البيع فيها ولا يفسخ في مباحث خيار العيب.
المالكية - قالوا:
لا يخرج المبيع عن ملك البائع في زمن الخيار على المعتمد، سواء كان الخيار للبائع، أو للمشتري، أو لهما معا، أو لأجنبي. فإمضاء العقد ينقل المبيع من ملك البائع لملك المشتري، ثم لا يخلو:
إما أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما، فإن كان الخيار للبائع وقبض المشتري المبيع وادعى أي مما يمكن إخفاءه مع وجوده سالما كالثياب والحلي، فإنه يمكن إخفاؤها مع بقائها سالمة، وفي هذه الحالة إذا ادعى المشتري ضياع المبيع المقبوض له ولم يقم بينة على صدقة فإنه يكون ملزما به. أما إذا أقام البينة على صدق دعواه فإنه لا ضمان عليه بل على البائع.
الحالة الثانية:
أن يكون المبيع مما لا يعاب عليه أي مما لا يمكن إخفاءه مع بقائه سالما كالحيوان فإنه لا يمكن إخفاؤه عن الأعين إلا بإتلافه أو أكله، فإذا ادعى المشتري ضياعه في هذه الحالة ولكن قامت البينة على كذبه كأن ادعى بأنه ضاع في يوم كذا فشهدت الشهود بأنهم رأوه عنده بعد ذلك اليوم، أو شهدت بأنه أكله أو أتلفه فإنه في هذه الحالة يكون عليه الضمان لا على البائع.
الحالة الثالثة:
أن يكون مما لا يمكن إخفاءه أيضا وادعى المشتري ضياعه بعد قبضه بدون بينة تصدقه أو تكذبه فإن عليه اليمين للبائع، سواء كان متهما بالكذب أو لا، إلا أنه إن كان متهما يحلف بأن المبيع قد ضاع وما فرط، وإن كان غير متهم يحلف بأنه ما فرط، فإن أبى أن يحلف كان عليه الضمان. ومن هذا يتضح أن الضمان على المشتري البينة على ضياعه، فإن الضمان حينئذ يكون على البائع.
الثانية إذا كان مما لا يمكن إخفاءه ولم تقم بينة على كذب المشتري وحلف اليمين، فإن الضمان يكون في هذه الحالة على البائع.
ويعتبر في الضمان ما هو الأكثر، فإن كان الثمن أكثر من القيمة يلزم به من عليه الضمان، وإذا كانت القيمة أكثر يلزم بها إلا في الحالة الأولى، وهي ما إذا ادعى ضياع ما يمكن إخفاءه ولم تقم بينة على صدقه، ولكنه حلف اليمين بأنه ما فرط فإنه يكون ملزما بالثمن فقط إذا كان أقل من القيمة، لأنه إذا كان أكثر أو مساو فلا يتوجه عليه يمين إذ لا فائدة.
أما إذا كان الخيار للمشتري وادعى ضياع المبيع، فإنه يلزم بالثمن الذي وقع عليه البيع على كل حال، سواء كان الثمن أقل من القيمة أو أكثر، وقال بعضهم:
إذا حلف أنه لم يكن يقصد الشراء فإنه يلزم بالقيمة إن كانت أقل.
وإذا كان الخيار لهما معا فإنه يكون حكمه كحكم ما إذا كان الخيار للبائع تغليبا له لأنه المالك. وإذا لم يقبض المشتري المبيع فادعى البائع أنه ضاع فإنه يلزم برد الثمن إن كان قد قبضه، وإلا فلا شيء له.
وفوائد المبيع في زمن الخيار إن كانت منفصلة عنه كالغلة والبيض واللبن للبائع، أما إن كانت متصلة به كالصوف والولد، فإنها للمشتري لأنها كالجزء من المبيع



ابوالوليد المسلم 29-09-2020 05:26 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 167 الى صــــــــ
177
الحلقة (99)



[مبحث هل للبائع المطالبة بالثمن في زمن الخيار؟]
إذا باع شخص سلعة على أن يكون له أو للمشتري الخيار والعكس مدة معينة فهل للبائع أن يطلب الثمن من المشتري؟ وهي للمشتري أن يطلب قبض المبيع من البائع أو لا؟ في ذلك اختلاف المذاهب (1) .
[مبحث إذا اشترى شخص غير معين من أشياء متعددة]
إذا اشترى شخص شيئا غير معين من أمرين كثوبين ثم قبضهما معا ليختار منهما ما يعجبه ففي ذلك تفصيل المذاهب (2) .
[مباحث خيار العيب]
للمشتري الخيار في إلغاء عقد البيع وفسخه إذا وجد في المبيع عيبا ولو لم يشترط ذلك، وهذا يسمى خيار العيب.
ثم هو ينقسم أولا إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون بفعل البائع كخلط اللبن بالماء والسمن بالزيت، وصر ضرع الحيوان ليحبس اللبن فيه فيكبر ضرعه فيغتر المشتري.
ثانيهما: أن يكون عيبا طبيعيا وينقسم إلى قسمين: ظاهر كجموع الدابة وعرجها وعجزها عن حمل ما يحمله مثلها عادة. وباطن كفساد الجوز واللوز من داخل غلافه وفساد البطيخ ونحوه.
[تعريف العيب الذي يرد به المبيع]
العيب الذي يجعل للمشتري الحق في رد المبيع: هو الذي (3) تنقص به قيمة المبيع، أو يفوت به على المشتري غرض صحيح، فمثال ما تنقص به قيمة المبيع جماح الدابة عند ركوبها وعدم انقيادها لصاحبها، وكذا إذا كانت تعض أو ترفس فإن ذلك عيب ينقص قيمتها، بخلاف ما إذا كان لا ينقص القيمة كقطع صغير في فخذها أو رجلها فإن ذلك لا يضرها فلا ترد به.
ومثال ما يفوت به غرض صحيح على المشتري: أن يشتري شاة ليضحي بها فيجد في أذنها قطعا يمنع صحة الأضحية بها، فإن ذلك القطع وإن لم ينقص قيمة الشاة ولكن يفوت على المشتري غرضا صحيحا فله ردها، وكذا إذا اشترى خفا أو ثوبا ليلبسه فوجده ضيقا لا يكفيه، فإن ذلك عيب ينافي استعماله فيفوت على المشتري غرضه من شرائه فيرد به.
[شروط رد المبيع بالعيب]
يشترط لرد المبيع بالعيب شروط:
منها أن يكون الغالب (4) في مثله أن يكون سليما من ذلك العيب. فخرج ما إذا كان الغالب في مثله وجود ذلك العيب، ومثال الأول ما إذا اشترى حمارا أو حصانا فوجده مخصيا فإن الخصاء يكون عيبا فيه، لأن الغالب في الحمير والخيل سلامتها من الخصاء وهو عب قد يفوت به غرض المشتري من شرائها، فإنه قد يشتري ليستولد به أنثى من جنسه فله رده بذلك العيب.
ومثال الثاني: ما إذا اشترى حيوانا مأكول اللحم يغلب خصاؤه كالغنم والمعز فإن الخصاء فيها ليس عيبا يوجب الرد. لأن الغالب فيها الخصاء إذ هو يزيدها سمنا، ومنها أن لا يمكن زوال ذلك العيب إلا بمشقة، فإذا أمكن إزالته بغير مشقة فإن المبيع لا يرد به. وذلك كما إذا اشترى ثوبا متنجسا لا تنقص قيمته بالغسل فإن النحاسة حينئذ لا تكون عيبا (5) يرد به الثوب لأنه يمكن إزالتها بلا مشقة، وكذا إذا اشترى سيفا معوجا يمكن إزالة اعوجاجه بسهولة. فإن العوج لا يكون عيبا يرد به حينئذ.ومنها أن يكون العيب موجودا في المبيع وهو عند البائع على تفصيل المذاهب(6) .


(1) المالكية - قالوا:
ليس للبائع أن يطلب الثمن من المشتري في مدة الخيار.
وإذا اشترط البائع على المشتري أن ينقده الثمن كأن يقول له: أبيعك هذه السلعة بشرط أن تنقدني ثمنها فسد البيع ولو لم ينقده الثمن بالفعل؛ لأنه شرط النقد ينزل منزلة النقد بالفعل، لأن المشروط يتحقق بالشرط عادة. وكذا إذا اتفقا على ذلك قبل العقد ولو لم يذكراه في العقد وذلك لأن الثمن لا يعرف حينئذ إن كان ثمنا للسلعة أو سلفا، لأنه في حالة فسخ البيع يرد للمشتري فيكون سلفا مردودا، وقد أخذه في نظير سلعة فيكون ربا غيرجائز، نعم إن لم يشترط البائع ذلك ولم يتكلم فيه مع المشتري قبل العقد ثم تطوع المشتري بدفع الثمن فإنه يجوز لانتفاء التهمة حينئذ. ومثل ذلك ما إذا باع له سلعة بشرط أن يقرضه كذا، فإن ذلك الشرط يفسد البيع، فإذا تنازل البائع عن شرط نقد الثمن في بيع الخيار وقال: أسقطت هذا الشرط ليتم البيع فإنه لا ينفعه ذلك لأن الشرط واقع في حقيقة العقد وماهيته وهو شرط فاسد فأفسد العقد رأسا، بخلاف ما إذا تنازل عن اشتراط القرض ولم يقبضه فإنه يصح البيع؛ لأن القرض خارج عن ماهية العقد.
أما طلب المشتري لقبض المبيع في زمن الخيار ففيه تفصيل. وذلك لأن الخيار يكون لثلاثة أمور:أحدها: أن يكون الثمن غير معلوم للمشتري، فيشتري بشرط الخيار ليتروى في الثمن حتى يتبين غلاءه ورخصه، ثانيها أن يكون الثمن معلوما عنده ولكنه يشتري بشرط الخيار ليتدبر في المبيع ويعيد نظره فيه، ثالثها اختيار المبيع وتجربته، فإذا كان الخيار للتروي في الثمن فليس له قبض المبيع لأنه يمكنه معرفة ذلك والمبيع في يد صاحبه، أما إذا كان الخيار من أجل أن يعيد النظر فيه أو يختبره فله قبضه، ولكن لا يجبر البائع بتسليمه إلا إذا اشترط المشتري ذلك.
الحنفية - قالوا:
إذا اشترى سلعة بشرط الخيار فليس للبائع المطالبة بالثمن إلا بعد انقضاء مدة الخيار، كما أنه ليس للمشتري أن يطالب بالمبيع في هذه المدة، فلا جبر لأحدهما على الآخر في ذلك.
فإذا دفع المشتري الثمن فإن البائع يجبر على تسليم المبيع، فإذا كان الخيار للبائع وقبض الثمن ولم يرض أن يسلم المبيع فإن له ذلك، ولكنه يجبر على رد الثمن. وإذا قبض المشتري المبيع فلا يصح له أن يتصرف فيه، فإذا تصرف فيه في زمن الخيار كان تصرفه باطلا. وكذلك إذا قبض البائع الثمن وكان عينا فإنه لا يصح له أن يتصرف فيه في زمن الخيار، وإن تصرف فيقع تصرفه باطلا.
أما إذا تصرف البائع في المبيع قبل أن يقبضه المشتري، أو تصرف المشتري في الثمن قبل أن يقبضه البائع، فإنه يجوز ويكون فسخا للعقد. وسيأتي حكم التصرف في المبيع فيغير زمن الخيار في المذاهب.
الشافعية - قالوا:
الثمن في مدة الخيار يتبع الملك، فإذا حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، مثلا إذا كان الخيار للبائع كان المبيع مملوكا له أي لم يخرج عن ملكه في مدة الخيار، فيكون الثمن في هذه الحالة ملكا للمشتري، فليس للبائع المطالبة بالثمن، كما أنه ليس للمشتري المطالبة بالمبيع. أما إذا كان الخيار للمشتري فإن المبيع يكون مملوكا له، فيكون الثمن حينئذ ملكا للبائع، فيكون للبائع الحق في طلب الثمن، وللمشتري الحق في طلب المبيع.
الحنابلة - قالوا:
إن كان الثمن معينا فللبائع قبضه في زمن الخيار إن كان له الخيار. سواء كان خيار مجلس أو خيار شرط. أما إن كان في الذمة سواء كان نقدا أو عروض تجارة فإن البائع ليس له حق في المطالبة، وكذلك لا يملك المشتري قبض المبيع في مدة الخيار إن كان الخيار له إلا بإذن صريح من البائع، فإذا كان الثمن معينا ولم يقبضه البائع فإنه يحرم على المشتري أن يتصرف فيه، لأنه ليس ملكا له، كما يحرم على البائع أن يتصرف فيه أيضا إذا قبضه لأن علاقة المشتري لم تنقطع عنه. أما إذا قبض المشتري المبيع وكان له الخيار فإنه يحل له التصرف فيه ويكون تصرفه مبطلا الخيار كما تقدم بيانه
(2) المالكية - قالوا:
إذا اشترى شخص من آخرواحدا غير معين من شيئين كثوبين مثلا ثم قبضهما معا ليختار منهما ما يعجبه. فإن هذا البيع على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: بيع خيار فقط وهو البيع الذي جعل فيه الخيار "التروي" لأحد المتبايعين في أخذ المبيع ورده كأن يقول البائع: بعتك أحد هذين الثوبين بكذا على الخيار في الأخذ والرد مدة ثلاث أيام، وفي هذا الوجه ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن يدعي ضياعهما معا. الثانية: أن يدعي ضياع أحدهما،
الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر أحدهما. وحكم هذا: أن المشتري إذا قبضهما كان عليه ضمانهما، فإذا ضاعا معا أو ضاع واحد منهما كان عليه دفع الثمن الذي اشتراهما به للبائع. وإذا مضت مدة الخيار ولم يختر لزماه معا.
الوجه الثاني: بيع اختيار فقط، وبيع الاختيار: هو البيع البات الذي لا خيار فيه، ولكن البائع يجعل للمشتري التعيين لما اشتراه كأن يقول له: أبيعك أحد هذين الثوبين بيعا باتا بعشرة على أن تختار واحدا منهما في يوم أو يومين.
وفي ذلك الوجه ثلاث صور كالوجه الأول:
الصورة الأولى: أن يدعي ضياعهما معا.
الثانية: أن يدعي ضياع أحدهما.
الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر.
وفي كل صورة من الصور الثلاث يكون المشتري ملزما بدفع نصف كل الثمن بأن يضم ثمن الثوبين إلى بعضه ويدفع المشتري نصفه، فإذا ضاع أحد الثوبين وكان يساوي عشرة وكان الثوب الباقي يساوي خمسة كان مجموع الثمن خمسة عشر، فيلزم بدفع نصفها. الوجه الثالث: بيع خيار واختيار وهو البيع الذي جعل فيه البائع للمشتري الخيار في التعيين، وبعد أن يعين واحدا يكون له الخيار في أخذه ورده ثلاثة أيام. وفي ذلك الوجه ثلاث صور أيضا:
الصورة الأولى: أن يكون الخيار للمشتري، ويدعي ضياع الثوبين معا ولا بينة له على ضياعهما، وفي هذه الحالة يكو المشتري ملزما بثمن واحد منهما، أما الثوب الثاني فيضيع على البائع.
الصورة الثانية: أن يكون الخيار للمشتري أيضا ويدعي ضياع ثوب واحد ولا بينة على ذلك.
وفي هذه الحالة يكون المشتري ملزما بنصف ثمن الثوب الضائع، وله أن يختار الثوب الثاني إذا كانت مدة الخيار باقية.
الصورة الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر شيئا منهما وفي هذه الحالة لا يلزمه شيء، هذا إذا كان الخيار للمشتري كما ذكرنا، فإن كان الخيار للبائع كأن يبيعه واحدا غير معين من ثوبين على أن يكون للبائع الخيار في إمضاء البيع وفسخه، فإن المشتري إن ادعى ضياعهما معا فإن عليه أن يدفع للبائع الأكثر من الثمن والقيمة في واحد. وكذا إن ادعى ضياع واحد فإن عليه أن يدفع للبائع الأكثر من الثمن والقيمة في نصف ثمن واحد، إلا أن يحلف بأنه قد ضاع وما فرط فإنه حينئذ يضمن الثمن لا القيمة. ومحل ذلك إذا لم تكن للمشتري بينة، فإن شهدت له بينة بضياع الثوبين أو أحدهما فلا شيء عليه للبائع.
الحنفية - قالوا: إذا طلب المشتري من البائع ثوبا فأعطاه ثلاثة وبين له ثمن كل واحد منهما كأن قال له: هذا بعشرة، وهذا بعشرين، وهذا بثلاثين. ثم قال له: الثوب الذي يعجبك منها بعته لك، فاستلمها المشتري على ذلك فضاعت عنده فإن في ذلك أربع صور: الصورة الأولى: أن تضيع كلها دفعة واحدة، أو تضيع كلها متعاقبة ولكنه لا يعلم في الحالتين أي الأثواب ضاع أولا، وحكم هذه الصورة:
أن المشتري يلزم بدفع قيمة ثلث الجميع.
الصورة الثانية:
أن تضيع كلها دفعة أو متعاقبة ولكن المشتري يعرف الثوب الذي ضاع أولا، وحكم هذه الصورة:
أن المشتري يلزم بقيمة الثوب الذي ضاع أولا، والثوبان الآخران يكونان أمانة لا شيء عليه في ضياعهما.
الصورة الثالثة:
أن يهلك اثنان فقط ويبقى الثالث، وفي هذه الحالة يلزم المشتري بنصف ثمن كل من الاثنين الضائعين، ورد الثالث لأنه يكون أمانة يجب ردها. وإذا حصل نقص في الثوب الثالث لا يلزم المشتري به.
الصرة الرابعة:
أن يضيع ثوب واحد فقط ويبقى اثنان، وفي هذه الحالة يلزم المشتري بدفع قيمة الثوب الضائع ورد الثوبين الباقيين.
ويسمى مثل هذه المسألة بالمقبوض على سوم الشراء، وحاصله أن كل مبيع قبضه المشتري ليشتريه على أن يكون له الخيار فيه بعد أن عرف ثمنه ولم يعارض فيه، فإنه يضمنه إذا هلك في يده بقيمته. أما إذا استهلكه هو فإنه يضمنه بثمنه على التحقيق وتعتبر القيمة من يوم قبضه. أما إذاقبضه لا على وجه الشراء بل على وجه النظر كأن قال البائع: هذا الثوب بعشرة فقال له: هاته حتى أنظر فيه، أو حتى ينظر فيه رفيقي ثم ضاع الثوب فإنه يضيع على البائع، ولا شيء على المشتري لأنه أخذه على سوم النظر لا على سوم الشراء، أما إذا قال له: هاته فإن أعجبني أخذته ثم ضاع منه فإنه يلزم بقيمته، لأنه أخذه على سوم الشراء في هذه الحالة
(3) الحنابلة - قالوا:
شرط الخيار لا يصح في واحد غيرمعين مطلقا، فإذا اشترى ثوبين معا، أو اشترى جملا وحمارا وشرط الخيار في واحد معين صح، أما إذا اشتراهما على أن يكون له الخيار في أحدهما فإن شرط الخيار لا يصح، ويكون البيع صحيحا إذاعين المبيعين وعين ثمن كل منهما، كما إذا بين أن هذا الثوب ثمنه كذا وذلك الثوب ثمنه كذا. أما إذا لم يبين فإن البيع يكون فاسدا لجهالة الثمن.
الشافعية - قالوا:
إذا قال له بعتك هذا الثوب بعشرة وذلك بعشرين وهكذا، فإنه يكون عقودا متعددة لا عقدا واحدا، لأن العقد يتعدد بتفصيل الثمن، ويشترط في صحة البيع بذلك أن يقبل المشتري الثوبين جميعا، فإذا قبل واحدا منهما لا يصح البيع، وإنما يتعدد العقد بتفصيل الثمن إذا فصل البادئ من المتعاقدين، سواء كان البادئ أو المشتري. أما إذا أجمل البادئ وفصل القابل فإن العقد يكون واحدا لا متعددا.
فإذا كان متعددا فللمشتري أن يشترط الخيار في واحد منهما ويرد أحدهما بالعيب ويأخذ أحكام الخيار المتقدمة.
المالكية - قالوا:
ضابط العيب الذي يرد بن المبيع هو ما كان منقصا للثمن كجماح الدابة وعدم انقيادها، أو منقصا لذات المبيع كخصاء الحيوان إذا كان الخصاء ينقصه عرفا. أو يكون منقصا للتصرف كما إذا كانت يده اليمنى ضعيفة ويسمى أعسر أو "أشول" أو كان مخوف العاقبة كما إذا كان مصابا بمرض معد.
ولا يخرج هذا عما ذكر في أعلى الصحيفة السابقة وهو ما عليه الحنفية والشافعية

(4) الحنابلة - قالوا:
ضابط العيب الذي يرد به البيع هو نقص عينه كخصاء الحيوان ولو نقصت به القيمة أو نقصت قيمته عادة في عرف التجار. وبعضهم عرفه بأنه نقيصة يقتضي العرف سلامة المبيع عنها غالبا فلا فرق بين أن يكون النقص في عين المبيع أو قيمته، فخصاء الحيوان على هذا لا يكون عيبا إلا إذا عده العرف عيبا.
المالكية - قالوا: الشرط أن يكون المبيع سليما من ذلك العيب في العادة والعرف، فالخصاء يكون عينا يرد به الحيوان ولو زادت قيمته في الثمن إلا إذا كان فحل بقر معد للعمل. فإن العادة أنه لا يستعمل منه إلا الخصي، وكذا فحل الغنم فإن الخصاء ليس عيبا يرد به. وبعضهم يقول: يرد به لأن لحم الفحل أطيب من لحم الخصي، والحق الرجوع في ذلك إلى العرف.
الحنابلة - قالوا:
الشرط أن يكون ذات المبيع سليمة من النقص، فالخصاء نقص فيه مطلقا، وأن تكون قيمته سليمة من النقص في عرف التجار كما يؤخذ من الضابط الأول للعيب، أما الضابط الثاني فإن الخصاء لا يكون عيبا إلا إذا عده العرف عيبا
(5) الحنابلة - قالوا:
المعول في ذلك على قوة العيب وضعفه، فإن كان يسيرا كصداع وحمى يسيرة فإنه لا يرد المبيع، بخلاف ما إذا كان شديدا فإنه يرد به، وعلى هذا فالثوب المتنجس الذي لا يمكن إزالة نجاسته بدون مشقة وبدون نقص في قيمة الثوب لا تكون نجاسته عيبا يرد به لأنها يسيرة في هذه الحالة.
المالكية - قالوا: نجاسة الثوب عيب تجعل للمشتري الحق في الرد، سواء كان الثوب يضره الغسل أو لا إن لم يتبينه البائع
(6) المالكية - قالوا:
إذا اشترى فوجد به عيبا تنقص به قيمته ولم يعلم به وقت الشراء أو قبله فلا يخلو: إما يكون ذلك العيب قد حصل وهو في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري، أو حصل بعد أن قبضه المشتري: فأما الأول فهو على خمسة أوجه:
أحدها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بعد العقد بفعل البائع وهو في يده: وفي هذه الحالة يكون المشتري بالخيار في تركه أو أخذه مع طرح حصة من الثمن تعادل النقص الذي حصل بسبب ذلك العيب، سواء وجد فيه عيبا آخر قديما حدث قبل العقد أو لا.
ثانيها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بفعل المشتري، وفي هذه الحالة يكون المشتري ملزما بدفع كل الثمن، ولو كان البائع هو الذي منعه من استلامه بسبب عدم دفع الثمن، فإذا وجد فيه عيبا قديما حدث عند البائع بغير فعل المشتري في هذه الحالة فللمشتري رده بالعيب القديم ويسقط عنه الثمن، ولكن عليه أن يدفع تعويض ما أحدثه بفعله من العيب.
ثالثها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بفعل أجنبي عن البائع والمشتري والمبيع، وفي هذه الحالة يكون المشتري بالخيار: إن شار رضي به بجميع الثمن وله على الأجنبي تعويض ما أحدثه من النقص في المبيع، وإن شاء رد المبيع وسقط عنه الثمن.
رابعها: أن يكون العيب قد حصل بآفة طبيعية فللمشتري أن يرده ويأخذ كل الثمن، وإن شاء أن يأخذه ويطرح من الثمن بقدر ما حدث فيه من العيب، فإن اطلع مع ذلك على عيب قديم حدث فيه وهو عند البائع ففي هذه الحالة لا يصح رده بالعيب القديم، لأنه يرده حينئذ وهو معيب بعيبين وهو لا يصح رده إلا بالعيب القديم فقط.
خامسها: أن يكون العيب قد حدث بفعل المبيع، كما إذا اشترى عبدا ففعل في نفسه ما يعيبه، وحكمه كحكم الوجه الرابع. وأما الثاني وهو أن يحدث فيه العيب بعد أن يقبضه المشتري فهو على خمسة أوجه أيضا:
-1 - أن يكون العيب بفعل المشتري.
-2 - أن يكون بآفة سماوية.
-3 - أن يكون بفعل المعقود عليه.
-4 - أن يكون بفعل البائع.
-5 - أن يكون بفعل أجنبي، وحكم الأول والثاني والثالث:
أنه إذا كان في المبيع عيب قديم سوى ذلك العيب الذي حدث عند المشتري فإنه لا يرد به، لأن العيب الجديد تعارض مع العيب القديم، وللمشتري أن يطالب بتعويض ما نقص من المبيع بسبب العيب القديم، إلا إذا رضي أن يأخذ المبيع مع نقصه بالعيب الجديد.
وحكم الرابع والخامس وهما ما إذا كان العيب بفعل البائع أو بفعل أجنبي بعد أن يقبضه المشتري: أن المبيع إذا كان به عيب قديم سوى ذلك العيب الذي حدث بفعل البائع أو الأجنبي فإنه لا يرد به، وعلى كل واحد منهما تعويض ما أحدثه في المبيع من النقص بجنايته عليه.
ثم إن حصة النقص التي يلزم دفعها بسبب العيب هي الفرق بين قيمة المبيع صحيحا ومعيبا منسوبا إلى ثمنه. مثلا:
إذا اشترى سلعة بأربعين جنيها وقيمتها في الواقع مائة ثم حدث فيها عيب فأنقص قيمتها عشرة، ففي هذه الحالة تكون قيمتها قد نقصت العشر، فينقص بقدره من الثمن وهو عشر الأربعين وهو أربعة، وعلى هذا القياس.
ويشترط فيمن يقوم السلعة أن يكونا اثنان يخبران بلفظ الشهادة بحضرة البائع والمشتري. وأن يكون كل واحد منهما له خبرة بما يقومه.
ويتضح لك مما تقدم أن المشتري إذا وجد عيبا بالمبيع يرد به فليس له أن يمسكه ويطالب بالعوض عن النقص الحاصل بسبب العيب، وإنما له أن يرده كله ويأخذ الثمن كاملا. إلا إذا تعذر الرد بحدوثعيب جديد ثان حدث على التفصيل المتقدم. ومن ذلك ما إذا اشترى ثوبا ثم قطعه "فصله" ليخيطه ثم اطلع على عيب ينقص قيمته بعد ذلك، فله في هذه الحالة أن يأخذ العوض عن العيب لتعذر رد الثوب بعد تقطيعه، وكذا إذا اشترى وارث من مورثه شيئا ثم مات المشتري وورثه البائع فيما اشتراه فوجد به عيبا فإنه ليس له رده لوارث آخر إن وجد، فإن لم يوجد وارث آخر فإن رده يتعذر وتسقط قيمة النقص في هذه الحالة أيضا. وكذلك إذا اشترى جملا فنحره فوجد أمعاءه فاسدة فإنه يتعذر رده بعد نحره، وللمشتري أن يرجع بعوض العيب الذي به، ومنه إذا اشترى ثوبا من الحرير فبله بالماء ثم وجد به عيبا فإنه ليس له رده، بل له أخذ العوض، لأن البل أنقص قيمة النوب، وهكذا كل ما تنقص قيمته بحدوث عيب جديد زيادة على العيب القديم فإنه يمتنع رده، وفيه العوض عن العيب بحسب التفصيل الذي تقدم.
المالكية - قالوا:
إذا اشترى شيئا فوجد به عيبا فإن له رده إذا علم بذلك العيب، ويمتنع الرد بأمور:
الأمر الأول
تلف المبيع بعد العقدن سواء كان تحت يد البائع أو تحت يد المشتري قبل أن يعلم بالعيب، وسواء كان التلف باختيار المشتري كما إذا اشترى حيوانا فذبحه، أو بغير اختياره كما إذا أماته غيره، أو مات حتف أنفه، فإنه إذا اطلع على عيب فيه بعد ذلك لا يصح له رده لتعذر الرد حينئذ، ومثل ذلك ما إذا كان في حكم التالف، كما إذا اشترى شيئا ثم تصدق بهواطلع على عيب فيه بعد ذلك فإنه ليس له أن يرده بذلك العيب، لأنه وإن لم يتلف بالفعل ولكنه في حكم التالف وكذا إذا وهبه. وفي هذه الحالة يكون للمشتري تعويض ما أحدثه العيب في المبيع من النقص. وذلك بأن يقوم المبيع سالما ومعيبا ويؤخذ من الثمن نسبة نقص قيمته معيبا إلى قيمته سليما، فإذا اشترى عينا سليمة من العيون بمائة ثم ظهر بها عيب أنقص قيمته إلى ثمانين، استحق المشتري الرجوع على البائع بعشرين وهو خمس المائة وهكذا.
الأمر الثاني:
أن يظهر من المشتري ما يدل على رضائه بالمبيع بعد الاطلاع على العيب.
وينقسم ما يدل على الرضا إلى قسمين:
أحدهما:
ما يدل على الرضا مطلقا، سواء كان في زمن مخاصمة البائع والمشتري وتنازعهما في الرد وعدمه أو لا، وذلك كاستعمال الثوب وإجارة الدابة ونحو ذلك من كل ما ينقص استعماله المبيع، فإذا اشترى شيئا من ذلك واطلع على عيب فيه يرد به ثم استعمله على هذا الوجه، فإنه لا يصح له الرد بعد ذلك.
ثانيهما:
ما يدل على الرضا قبل زمن المخاصمة فقط، أما بعدها فلا. وذلك كسكنى الدار والحانوت أو إسكانهما لغيره في زمن الخصام، إذا اشترى دارا سكن فيها ثم وجد بها عيبا كصدع جدار ينقص قيمتها. أو سببا يقلل منافعها فإن له ردها، ولو سكن فيها بعد علمه بالعيب، لأن هذا السكنى لا تنقص قيمتها، وكذا كل ما لا ينقص القيمة.
أما إذا علم بالعيب ولم يعلن المشتري به ولم يخاصمه في ردها ثم سكن فيها فإن هذه السكنى تكون دليلا على رضائه، فلا يكون له الحق في ردها ذلك. وهناك قسم ثالث لا يدل على الرضا مطلقا وهو أن ينتفع المشتري بالثمرة الناشئة عن البيع بدون استخدامه كالانتفاع باللبن والصوف، وسواء كان ذلك في زمن الخصام أو غيره.
ويستثنى من ذلك مسألتان:
إحداهما:
ما إذا اشترى دابة وهو في سفر فاطلع على عيب فيها فإنه إذا ركبها بعد ذلك وسافر عليها فله ردها بعد ذلك، ولا فرق في ذلك بين أن يكون مضطرا لركوبها أو لا على المعتمد، فإذا وصلت على حالها بدون هزال ونحوه بسبب استعمالها فلا شيء على المشتري وإن هزلت فعليه أن يردها ويدفع قيمة ما أصابها من الهزال، أو يمسكها ويأخذ عوض العيب الذي بها، ولا يلزم بردها حال السفر لبائعها إلا إذا كان قريبا منه ولا يكلفه ردها مؤونة ثقيلة.
ثانيهما:
أن يشتريها وهو حاضر ببلده من بائع حاضر كذلك ثم اطلع على عيب فيها ثم ركبها ليردها. فإن ذلك الركوب لا يمنع الرد، وكذا إذا ركبها ليذهب بها إلى محله إذا كان من ذوي الهيئات.
الأمر الثالث:
أن يكون المبيع رقيقا فقط وأن يكون البائع حاكما أو وارثا، فإذا باع القاضي رقيقا مملوكا لشخص عليه دين ليقضي به دينه، أو باع رقيقا غائبا به عيب علم به القاضي وبينه للمشتري، أو علم به المشتري وإن لم يعلم به القاضي فإنه في هذه الحالة لا يحق للمشتري فلا يحق له الرد بعد ذلك. أما بيع غير الرقيق فإنه لا ينفع فيه البراءة من العيب، فإذا باع شخص حيوانا أو عرض تجارة على شرط أنه بريء من العيوب ثم اطلع المشتري على عيب قديم فيه فإن له رده ولا ينفعه شرط البراءة، سواء كان عاما أو خاصا فهو شرط باطل، ولكنه لا يبطل عقد البيع.
الأمر الرابع: أن يزول العيب قبل الرد إلا أن يكون محتمل العود إذا قال أهل الكب: إنه يحتمل عوده فإن له رده بذلك العيب.
الحنابلة - قالوا:
إذا اشترى شيئا فوجد به عيبا فإن له حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك العيب قد حدث قبل القبض، فإذا كان قد حدث قبل القبض فللمشتري رده بذلك العيب، سواء كان العيب قبل عقد البيع أو بعده، علمه المشتري أو جهله، إلا إذا كان ضمانه على المشتري وهو ما إذا كان قد بيع بغير كيل ولا وزن ولا ذرع ولم يقبضه المشتري ولكن لم يمنعه البائع من استلامه كما تقدم قريبا، فإن العيب إذا حدث بعد البيع في هذه الحالة يكون قد حدث وهو في ملك المشتري فلا يكون البائع مسؤولا عنه.
وإذا رد المشتري المبيع بعيب كان عليه نفقة الرد، وعلى البائع أن يرد الثمن كاملا، فإذا وهب البائع الثمن للمشتري كله أو بعضه أو أبرأه بالعيب منه ثم رد المبيع كان البائع مطالبا بجميع الثمن ولم يحسب له ما وهبه أو أبرأه منه، وللمشتري أن يمسك المبيع بعد اطلاعه على العيب ويأخذ قيمة النقص الحاصل في المبيع بسبب العيب ولو لم يتعذر رد المبيع بإتلافه أو بأكله أو غير ذلك، فإذا اشترى ثوبا وقطعه ليخيطه "فصله" ثم وجد فيه عيبا فإن له أن يأخذ قيمة النقص الذي وجد في الثوب بسبب ذلك العيب. وإن كان تعذر في هذه الحالة رد الثوب لأن المشتري والبائع قد اتفقا أن يكون المبيع في مقابلة الثمن، فكل جزء من المبيع يقابله جزء من الثمن، فإذا نقص المبيع جزءا بسبب العيب نقص ما يقابله من الثمن، فللمشتري الحق في ذلك سواء رضي البائع أو سخط، إلا إذا ترتب على أخذ ذلك الجزء من ربا فإنه لا يصح له أخذه.
وذلك كما إذا اشترى فضة مصنوعة حليا بزنتها من الدراهم ثم وجد بها عيبا. فإنه في هذه الحالة لا يحل له أخذ قيمة النقص الحاصل بسبب ذلك العيب، لأنه يؤدي إلى ربا الفضل، وإنما يكون له الحق في رد المبيع جميعه وأخذ الثمن جميعه. أو يمسكه بدون أن يأخذ قيمة ما أحدثه العيب من النقص.
الحالة الثانية:
أن يحدث العيب عند المشتري بعد أن يقبضه بالفعل، أو لم يقبضه ولم يمنعه البائع من قبضه ولم يكن مكيلا إلخ، وفي هذه الحالة يكون البائع مسؤولا عنه ولا يصح رده له بعد ذلك، فإن كان بالمبيع عيب وهو عند البائع ثم حدث به عيب آخر وهو عند المشتري، فإن رضي المشتري بإمساكه فذاك، وإن لم يرض بذلك رفع الأمر إلى الحاكم وهو يفسخ البيع ويكون على البائع أن يرد الثمن للمشتري، وعلى المشتري أن يرد قيمة المبيع المعيب بعيبه الأول الذي حدث عند البائع، ثم إن قيمة النقص الذي يحصل بسبب عيب المبيع هي الفرق بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا منسوبا إلى ثمنه، ولك بأن يقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا وينسب الفرق بينهما إلى أصل الثمن فيأخذه من له الحق فيه، مثال ذلك أن يشتري عينا بمائة وخمسين ولكن نزلت قيمتها إلى مائة ثم حدث بها عيب فنزلت قيمتها إلى تسعين. فيكون الفرق بين قيمتها صحيحة وقيمتها معيبة عشرة وهي عشر المائة، فإذا نسبت إلى الثمن الذي اشتريت به كانت خمس عشرة وهي عشر الثمن.
الشافعية - قالوا:
إذا اشترى شيئا فوجده معيبا فإن له الحق في رده إذا حدث العيب قبل أن يقبض المشتري المبيع، سواء حدث قبل عقد البيع أو حدث بعده وقبل أن يقبضه المشتري.
أما إذا حدث بعد القبض:
فإن كان سبب العيب قديما كان له الحق في رده أيضا وإلا فلا يرد، وذلك كما إذا اشترى عبدا واستلمه ولكنه كان قد ارتكب جناية سرقة قبل أن يشتريه وثبتت عليه بعد أن استلمه فقطعت يده، فإن ذلك العيب يكون مسؤولا عنه البائع.
وإذا حدث في المبيع عيب وهو عند المشتري ثم وجد فيه عيبا قديما حدث وهو عند البائع، وكان ذلك العيب الجديد لم يكن سببه قديما ولم يزل من المبيع قبل علم المشتري بالقديم ولم تتوقف عليه معرفة العيب القديم، فإنه يسقط به حق المشتري في رده بدون رضا البائع، حتى ولو كان هذا العيب قد حصل بفعل البائع. ثم تكون المسألة بعد ذلك على ثلاثة أوجه:
أحدها أن يرضى البائع بالفسخ بدون عوض يأخذه من المشتري، ويرضى المشتري بإمساك المبيع بدون المطالبة بعوض يأخذه عن العيب القديم.
ثانيها:
أن يتفقا على فسخ العقد أو إجازته مع دفع التعويض، فإن فسخ العقد كان على المشتري دفع تعويض العيب الذي حدث عنده. وإن لم يفسخ كان على البائع دفع تعويض العيب الذي حدث عنده.
ثالثها:
أن لا يتفقا كأن يطلب أحدهما الفسخ، ففي حالتي الاتفاق الأمر ظاهر، لأن لهما ذلك الاتفاق، وفي حالة عدم الاتفاق ينفذ رأي من طلب إجازة العقد، سواء كان الطالب المشتري أو البائع، وعلى البائع أن يدفع للمشتري تعويض العيب.
وإذا كان المبيع قد بيع بجنسه كالحنطة بالحنطة، فإنه يتعين فيه فسخ العقد وإلزام المشتري بدفع العوض عن العيب الحادث على كل حال


ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:41 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 178 الى صــــــــ
185
الحلقة (100)

ومنها أن يشترط البائع البراءة من العيب على تفصيل المذاهب. (1)ومنها أن لا يزول ذلك العيب قبل الفسخ، فإذا اشترى حيوانا مريضا ولم يفسخ البيع ثم زال المرض فليس له الفسخ بسبب ذلك المرض، لأنه قد زال قبل أن يرده.
[مبحث هل يرد المبيع بالعيوب على الفور أو لا]
هل يرد المبيع بعد العلم بالعيب فورا أو على التراخي، في ذلك اختلاف في المذاهب (2) .
[مبحث في حكم صر لبن الحيوان قبل بيعه "المصراة"]
مسألة المصراة هي التي أشرنا إليها في أول مبحث الرد بالعيب، وهي مأخوذة من التصرية. ومعناها: جمع اللبن وحبسه في ضرع الحيوان بفعل البائع ليكبر الضرع، فيغتر المشتري بذلك ويشتريها ظنا منه أن عظم الضرع لسبب كثرة اللبن طبيعية، ويسمى هذا وهو منهي عنه شرعا. فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تصروا الإبل والغنم. فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن تحليها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر" متفق عليه.وتصروا - بضم التاء وفتح الصاد - على وزان تركوا معناه: لا تجمعوا اللبن وتحبسوه في ضرع الناقة أو الشاة. وقوله ابتاعها معناه: اشتراها وقوله: فهو بخير النظرين معناه: أنه مخير بين إمساكها وردها.وفي حكم المصراة من حيث الرد وعدمه اختلاف المذاهب (3) .
[مبحث إذا كان في المبيع عيب باطني]
إذا اشترى شخص سلعة فوجدها معيبة بعيب باطني لا يظهر للمشتري إلا بإحداث نقص في ذات المبيع من كسر أو شق، وذلك كالبطيخ والجوز واللوز والبيض ونحو ذلك، فإن كان باطنه فاسدا بحيث لا ينتفع به أصلا فإن البيع في هذه الحالة يكون باطلا، فعلى البائع أن يرد الثمن (4) كله إن كان قد قبضه، وليس على المشتري شيء لأن المبيع لا قيمة له. أما إن كان ينتفع به فإن فيه تفصيل المذاهب (5) .
(1) الحنفية - قالوا:
تصح البراءة مما يظهر في المبيع من العيوب على أي حال، سواء كان الشرط عاما أو خاصا. وسواء شرط براءة نفسه "أي شرط كونه غير مسؤول عن العيوب التي تظهر في المبيع" أو شرط براءة المبيع "سلامته عن العيوب". ومثال الأول أن يقول: بعتك هذه الدار على أني بريء من كل عيب، أو على أنها كوم تراب، أو بعتك هذه الدابة على أنها محكمة مكسرة ونحو ذلك فإن الشرط صحيح، فلو اشتراها على ذلك وظهر فيها عيب لا يصح له ردها، لأنه قبلها بكل عيب يظهر فيها فلا خيار له، وكذا لو شرط البراءة من عيب خاص من باب أولى كأن قال له:
بعتك هذه الفرس على أنها جموح وقبلها على ذلك، فإنه ليس له ردها بهذا العيب ومثال الثاني أن يقول:
بعتك هذا الحيوان على أنه لا عيب فيه، ولم يبين عيبا خاصا واشتراه منه على ذلك، فإن له أن يرده بظهور عيب قديم فيه، وإذا قال: بعتك هذا الحيوان على أنه بريء من كل داء ينظر في ذلك العرف والعادة في استعمال الداء، فإن كان العرف يخصه بالأدواء الباطنة عمل به، فلو ظهر به داء باطن كان للمشتري رده، وإن كان العرف يعمم الداء كان له رده بأي مرض قديم فيه، وعرف زماننا يعمم الداء فيطلقه على الظاهر منه والباطن، وهو موافق للغة أيضا، ثم إن اشتراط البراءة من العيوب يشمل العيوب الموجودة قبل عقد البيع. والعيوب الحادثة بعده قبل أن يقبضه المشتري.
فلو باع له حيوانا بشرط أن لا يكون مسؤولا عن أي عيب فيه، أو عيب معين ولم يكن به عيب حال العقد ثم حدث فيه عيب بعد العقد وقبل أن يستلمه المشتري فإنه لا يرد بذلك العيب الحادث، كما لا يرد بذلك العيب القديم لأن شرط البراءعة يشمله، وبعضهم يقول: ان اشتراط السلامة لا يشمل سوى العيوب الموجودة حال العقد، فله رده بالعيب الحادث بعد العقد وقبل القبض كما يقول الشافعية.
أما إذا اشترط البراءة من كل عيب موجود فيه فإنه لا يتناول العيب الحادث بالإجماع.
وإذا قال: بعتك هذا بشرط أنني بريء من كل عيب موجود، ومن كل عيب يحدث بعد العقد قبل القبض فإنه يكون شرطا فاسدا يفسد البيع على المعتمد، وبعضهم يقول: إنه فاسد بالإجماع.
المالكية - قالوا:
شرط البراءة من العيب الذي يوجد في المبيع لا يفيد، فلو باع حيوانا أو عرض تجارة بشرط أنه بريء من أي عيب يظهر في المبيع، أو بريء من عيب خاص بحيث لا يكون مسؤولا إذا ظهر فيه ذلك العيب فإن هذا لا ينفعه، وللمشتري رده بظهور عيب فيه وهو عند البائع، نعم ينفع شرط البراءة في بيع الرقيق فقط إذا باعه بشرط البراءة من عيب لم يعلم به ومكث عنده زمنا لم يتمكن فيه من اختباره بحيث يستطيع أن يعرف ما به من العيوب، فإنه إذا باعه بشرط أنه لا يكون مسؤولا عن عيب يظهر فيه بعد بيعه ثم ظهر فيه عيب فإنه لا يرد حينئذ. وكذا إذا باع الرقيق حاكم أو وارث كما تقدم فينا يمنع الرد.
الشافعية - قالوا: إذا باع شيئا بشرط البراءة من العيوب الموجودة فيه حال العقد فلا يخلو إما أن يشترط البراءة لنفسه، أو يشترط براءة المبيع وسلامته من كل العيوب، ومثال الأول: أن يقول: بعتك كذا على أنني بريء من كل عيب يظهر فيه بحيث لا أكون مسؤولا عنه، وحكم هذا أنه لا يبرأ إلا إذا كان المبيع حيوانا وظهر فيه عيب باطن موجود حال العقد يجهله البائع، وقيل يبرأ عن كل عيب، أما إذا تبين أن به عيبا ظاهرا أو كان المبيع غير حيوان فإن شرط براءته لا ينفع في هذه الحالة. ويكون البائع مسؤولا عما يظهر من العيوب، ومثال الثاني أن يقول: بعتك هذا بشرط براءته "سلامته" من العيوب. وحكمه كحكم الأول، فإنه يكون مسؤولا، لأنه شرط على نفسه سلامة المبيع من كل العيوب، فيعامل بشرطه في هذه الحالة دفعا للنزاع. أما اشتراط البراءة من عيوب تحدث بعد العقد قبل القبض فإنه شرط فاسد لأنه إسقاط لشيء لم يوجد. ولكنه لا يفسد البيع على المعتمد، ويتضح من هذا أن شرط البراءة إذا كان عاما فإنه لا يفيد لا في حالة واحدة وهي أن يكون المبيع حيوانا والعيب باطن والبائع يجهله كما ذكر آنفا. أما إذا كان الشرط خاصا بأن عين العيب فإن فيه تفصيلا، وهو إذا كان العيب مما يرى كالأمراض الجلدية التي توجد في الحيوان فإنه يشترط أن يطلع المشتري عليها بعد تعيينها ويريه إياها. أما إذا كان من العيوب التي لا ترى. فإنه يكفي فيها التعيين ولا يلزم رؤيتها. وذلك كما إذا باع ثورا بشرط أن ينام في المحراث، أو فرسا بشرط أنه جموح وتبين أنه كذلك، فليس للمشتري رده وإن لم يشاهد ذلك العيب عند الشراء.
الحنابلة - قالوا:
إذا باع سلعة وشرط على المشتري أنه يبرأ من جميع العيوب التي بها، أو التي تحدث فيها قبل قبضها بعد العقد فإن الشرط يكون فاسدا، ومتى ظهر للمشتري عيب كان له رده المبيع سواء كان ذلك العيب ظاهرا أو باطنا، في حيوان أو غيره. علمه المشتري أو جهله، وكذلك إذا اشترط البراءة من شرط خاص كأن قال له: بعتك هذه الدابة على أنني بريء من جموحها، أو بعتك هذه الناقة على أنني بريء من عصيانها فإن الشرط فاسد. وللمشتري ردها بذلك العيب.
وإذا سمى البائع العيب ووافق المشتري عليه وأبرأه منه. فليس للمشتري رده بعد ذلك. لأنه قد علم العيب ورضي به. هذا ويحرم على البائع أن يكتم عيبا يعلمه بالمبيع لقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم أخو المسلم. ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له". رواه أحمد وأبو داود
(2) الشافعية - قالوا:
يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم على الفور. فلو علم بالعيب ثم أخر رده بلا عذر سقط حقه في الرد. والمراد بالفور مالا يعد تراخيا في العادة، فلو اشتغل بصلاة دخل وقتها أو بأكل أو نحو ذلك لا يكون تراخيا في العادة فلا يمنع الرد. وكذا لو علم بالعيب ثم تراخى لعذر كمرض أو خوف لص أو حيوان مفترس أو نحو ذلك فإن حقه لا يسقط.
فإن كان البائع غائبا فعلى المشتري أن يرفع أمره إلى الحاكم وجوبا. وعلى المشتري أيضا أن يشهد وهو سائر في طريقه لرد المبيع بأنه فسخ البيع، سواء كان ذاهبا ليرده للبائع أو للحاكم وإنما يكون له حق الرد بعد العلم بالعيب وإذا لم يفعل ما يدل على الرضا. كاستعمال الحيوان ولبس الثوب والإجارة والرهن ونحو ذلك.
الحنفية - قالوا: لا يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم على الفور. فلو أعلن البائع بالعيب وخاصمه في رده المبيع ثم ترك المخاصمة وبعد ذلك رجع إليها وطلب الرد فإن له ذلك، ويمتنع الرد بعد العلم بالعيب إذا فعل ما يدل على الرضا كلبس الثوب وركوب الدابة، وإجارة المبيع ورهنه، وبيعه كله أو بعضه، وهبته ولو بلا تسليم، ودفع باقي ثمنه وعرضه على البيع ولو بأمر البائع بأن قال له: اعرضه على البيع فإن لم يشتره منك أحد رده علي. وكذا إذا عرضه على التأجير أو طالب بغلته ويدل على الرضا أيضا حلب اللبن وشربه، وكذلك سكنى الدار ابتداء بأن علم بالعيب وهو غير ساكن ثم سكن بعد ذلك، فإن ذلك يسقط حقه في الرد، أما إذا كان ساكنا قبل العلم بالعيب ثم استمر بعد العلم فإن ذلك لا يسقط حقه.
ويدل على الرضا أيضا سقي الأرض وزراعتها وجمع غلة الزرع، أما الأكل من ثمر الشجرة فإنه لا يدل على الرضا، وكذا عرض الثوب على الخياط لينظر أيكفيه أم لا. وعرضه على المقومين ليعلم حاله. وكذا لا يدل على الرضا ركوب الدابة لردها على البائع، أو لشراء العلف لها لا لدابة أخرى، وإنما يصح له ركوبها لذلك بشرط أن لا يكون قادرا على المشي إلا بصعوبة. وإذا كان البائع غائبا فلم يجده ليرد إليه المبيع فإنه يمسك المبيع عنده حتى يحضر البائع فيرده له. وإذا هلك وهو في يد المشتري قبل حضور البائع لم يكن مسؤولا عن ثمنه، وإنما يكون مسؤولا عن النقصان الحاصل بسبب العيب.

يتبع

ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:41 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
المالكية - قالوا: يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم بالعيب على الفور، ويقدر الفور عندهم بمدة يومين وما زاد عليها يكون تراخيا يسقط حق الخيار في الرد بالعيب، إلا إذا كان معذورا بعذر يمنعه من الرد بعد العلم، كمرض أو سجن أو خوف من ظالم أو نحو ذلك. ثم إن له الرد في أقل من يوم بدون أن يطالب بيمين.
أما اليوم واليومان فإن له الرد فيهما مع الحلف بأنه لم يرض بالعيب وأنه رد المبيع.
ويمتنع الرد إذا فعل ما يدل على الرضا مما تقدم بيانه.
وإذا كان البائع غائبا فيستحب أن يشهد على عدم الرضا، ثم إن كانت غيبته قريبة فإنه يرده على وكيله إن كان له وكيل، فإن لم يكن له وكيل، فإن شاء انتظر حضوره ليرد عليه وإن شاء رفع الأمر للقاضي. والقاضي يعلنه بالحضور أو الحكم عليه بالرد وهو غائب، وإن كانت غيبته بعيدة وعجز المشتري عن رده فإما أن ينتظره أو يرفع الأمر للقاضي، والقاضي إن كان يعلم محله أو يرجو عودته ينتظره مدة عشرة أيام في حال الأمن، ويومين في حال الخوف. ثم يحكم بالرد وإلا حكم بالرد ابتداء من غير انتظار.
الحنابلة - قالوا: لا يشترط الفور في رد المبيع بالعيب، بل يصح أن يكون على التراخي لأنه شرع له لدفع ضرر متحقق، فلم يبطل بالتأخير إلا إذا كان مقترنا بما يدل على الرضا. كما إذا اتسعمل الثوب بعد العلم بعيبه، أو أجر العين، أو ركب الدابة ونحو ذلك، إلا إذا كان قد ركبها ليختبرها أو ركبها ليقطع بها الطريق ليردها إلى البائع، فإن هذا لا يدل على الرضا. ولا يفتقر الرد إلى رضا البائع، ولا إلى حضوره، ولا إلى حكم حاكم سواء كان الرد قبل القبض أو بعده، فمتى أعلن فسخ العقد أصبح غير مسؤول عن البيع خيار التغرير الفعلي
(3) الشافعية - قالوا: إذا اشترى المصراة فحلبها فإن له ردها مع رد صاع من تمر معها. وكذا إذا استهلك لبنها بغير الحلب كأن ترك ولدها يرضعها. وإذا علم أنها مصراة قبل أن يتلف لبنها فإن له ردها بدون أن يكون ملزما برد شيء معها: كما لا يلزم برد صاع التمر بخصوصه إذا اتفق المتعاقدان على غيره فيصح أن يرد بدل اللبن نقودا أو برا أو غيرهما مع الاتفاق. واللبن الذي يجب معه الرد هو لبن مأكول اللحم، أما لبن غيره كالأتان فإنه لا يرد بدله. وإن كانت التصرية عيبا فيه يرد به. وكذا لا يرد بدل القليل التافه، وإذا كرر حلبها فإنه لا يلزم إلا برد صاع واحد، نعم إذا كانت الناقة أو الشاة ملكا لشركاء متعددين، أو اشتراها شركاء فإن لكل واحد من البائعين صاعا، وعلى كل واحد من الشارين صاعا.
المالكية - قالوا:
إذا اشترى المصراة فحلبها فإن له ردها بشرك أن يرد معها صاعا من غالب قوت بلده، ولا يشترط رد صاع التمر بخصوصه، ويحرم أن يرد اللبن فقط، إنما له رده مع رد الصاع. وكذا يحرم رد بدل الصاع من نفوذ أو غيرها. وإذا لم يحلبها ثم علم بأنها مصراة فله ردها بدون أن يلزم بالصاع. واللبن الذي يجب معه الرد هو لبن مأكول اللحم، أما غير مأكول اللحم فإنه لا يجب معه رد الصاع وإن كان يرد نفس الحيوان بالتصرية لأنها عيب فيه. وإذا كرر حلبها فلا يرد إلا صاعا واحدا ما لم يدل تكرار الحلب على الرضا، وذلك كأن يحلبها لينتفع بلبنها.
أما إذا حلبها لاختبارها مرة أخرى فإنه لا يدل على الرضا، وإذا حلبها مرة ثالثة فإنها تدل على الرضا إلا إذا ادعى أنه حلبها الثالثة ليختبرها، لأنه الحلبة الثانية لم تكف في اختبارها ولكن عليه اليمين. فإذا حلبها بعد الثالثة كان ذلك رضا قولا واحدا. وإنما يعتبر تكرر الحلبات ثلاثة أو أقل إذا حلبها في مواعيد حلبها، فإذا حلبها في يوم واحد ثلاث مرات وكانت عادتها حلبتين حسب له اثنان فقط. وإذا اشترى من بائع واحد شياها متعددة في عقد فوجدها مصراة كلها فإن له ردها، وعليه أن يدفع على كل واحدة حلبها صاعا على الأرجح.
الحنفية - قالوا:
إذا اشترى المصراة فليس له ردها بذلك العيب مطلقا، وإنما له المطالبة بالتعويض عما نقص من قيمتها بذلك العيب. ويقولون:
إن الحديث الوارد في ذلك وإن كان صحيحا في ذاته ولكن يعارضه شيء واحد آخر، وهو أن القياس الثابت بالكتاب والسنة والإجماع قد دل على أن ضمان العدوان يكون بالمثل أو القيمة، وفي مسألة المصراة قد تعدى البائع بالتصرية تغريرا بالمشتري فعليه أن يضمن قيمة النقص الحاصل بالعيب. أما المشتري فلم يتعد بالحلب، وعلى فرض أنه تعدى فإنه يلزم بقيمة اللبن أو مثله، والتمر ليس واحدا منهما، فكان الحديث مخالفا للقياس فلم يعمل به. وقال أبو يوسف: إنها ترد ويرد معها قيمة اللبن.
الحنابلة - قالوا:
إذا اشترى المصراة فإن له ردها بذلك العيب وعليه أن يرد معها صاعا من تمر عملا بالحديث المذكور، ويسمون هذا خيار التدليس

(4) المالكية - لهم تفصيل في ذلك مذكور فيما سيأتي قريبا

(5) الشافعية - قالوا:
إن كان بعض المبيع فاسدا لا ينتفع به وبعضه غير فاسد ينتفع به، كان للمشتري الحق في رده وأخذ ثمنه كاملا بدون أن يلزم بشيء عما أحدثه فيه من التغير، لأن له العذر في ذلك حيث لا يمكنه معرفته إلا بكسره. وكذا إذا اشترى حيوانا فذبحه فوجد لحمه منتنا فإن له الحق في رده إذ كان لا يمكنه معرفته قبل ذبحه. أما إذا كان يمكنه ذلك بأن كان الحيوان مما يأكل النجاسة ويسمى "جلالا" فإنه يسقط في الرد حينئذ.
وإذا كانت معرفة ما في باطن المبيع لا تتوقف على كسره فكسره، أو كانت تتوقف على كسر يسير فكسره كسر كبيرا فإنه في هذه الحالة لا يكون له حق في الرد، لأنه أحدث فيه عيبا ممكن اختيار المبيع بدونه.
وإذا اشترى شيئا لبه فاسد وقشره ينتفع به كبيض النعام، فإن على المشتري أن يرده على بائعه ويأخذ ثمنه، بخلاف ما إذا اشترى شيئا لا ينتفع بقشره فوجده فاسدا جميعه كبيض الدجاج والبطيخ، فإنه لا يلزم برده لكونه لا قيمة له، وعلى البائع أن يدفع له كل الثمن كما تقدم.
المالكية - قالوا: إذا اشترى شيئا لا يعرف عيبه إلا بإحداث تغيير في ذات المبيع كالبطيخ والجوز والخشب المسوس إذا كان السوس غير ظاهر فإنه لا يعرف إلا بشقه أو كسره، فليس للمشتري أن يرده بعد أن يحدث فيه التغيير إلا إذا اشترط رده بذلك. أو جرى العرف على رد المبيع بمثل هذا العيب، لأن العرف كالشرط في هذا، وكما أن المشتري ليس له الحق في رده، كذلك ليس له الحق في المطالبة بتعويض عما نقص بسبب العيب.
وإذا كان في المبيع عيب باطني ولكن يمكن معرفته بدون إحداث تغيير في ذاته كالبيض "فإنه يمكن معرفته بعلامات خاصة بدون حاجة إلى كسره"، فإن له أحوالا يختلف الحكم فيه باختلافها، وذلك لأنه إما أن يتبين أنه منتن ويسمى مذرا، وإما أن يتبين أن صفاره مخلوط ببياضه ولكنه لم ينتن ويسمى "ممروقا" وعلى كل من الحالتين: إما أن يكون البائع مدلسا أي كتم العيب والذي به أو غير مدلس، فإن تبين أنه مذر فإن البيع يكون فاسدا، سواء كان البائع مدلسا أو غير مدلس، وسواء شواه المشتري بعد شرائه أو كسره ولم يشوه، أو عرفه قبل أن يفعل به شيئا، وفي هذه الحالة يرد المشتري المبيع ويلزم البائع برد الثمن جميعه. أما إن تبين إنه ممروق والبائع غير مدلس، فإن كان المشتري قد عرفه قبل أن يكسره أو يشويه، فإنه يكون مخيرا بين أن يمسكه وبين أن يرده من غير أن يكون له أو عليه شيء، أو الشق، وبين إمساكه وأخذ العوض عن العيب القديم من البائع بأن يقوم وهو سالم ويقوم وهو معيب، فإن كان يساوي وهو سالم عشرة ويساوي وهو معيب ثمانية، فيرجع بنسبة ذلك من الثمن وهو اثنان أعني خمس الثمن.
وإذا تبين أنه ممروق والبائع مدلس، فإن كان المشتري قد كسره أو لم يفعل به شيئا فإنه يكون مخيرا بين أن يمسكه ولا شيء له، أو يرده ويأخذ جميع الثمن ولا شيء عليه. أما إذا كان قد شواه فإنه لا يكون له الحق في رده، بل له الحق في أخذ العوض عن النقص بالطريق التي ذكرت.
ويشترط في ذلك كله أن يكسره في زمن قريب لا يتصور أن يتغير فيه البيض. أما إذا كسره بعد أيام يصح أن يتغير فيها فلا يكون له الحق في شيء. لأنه في هذه الحالة لا يعلم إن كان العيب قد حدث عند البائع أم عند المشتري.
الحنفية - قالوا:
المبيع الذي لا يعرف عيبه إلا بإحداث تغيير في ذاته من كسر أو شق أو غيرهما كالبيض والبطيخ والجوز واللوز لا يخلو حاله: إما أن يكون جميعه فاسدا لا ينتفع به أصلا كما إذا اشترى بيضا فوجده منتنا، أو قثاء فوجده مرا، أو جوزا فوجده خاويا، ففي هذه الحالة يقع بيعه باطلا، ويلزم البائع برد جميع ثمنه ولا شيء على المشتري. وكذلك إذا اشترى جوزا فوجده خاويا لا لب فيه فإن بيعه على هذه الحالة يكون باطلا، ولا اعتبار بالانتفاع بقشره لأنه لا يعد مالا مقدما إلا باعتبار لبه على الراجح، بخلاف بيض النعام فإن لقشره قيمة، فإذا وجد باطنه فاسدا لم يكن بيعه باطلا للانتفاع بقشره، فليس للمشتري رده، وإنما الرجوع بنقصان العيب. أما إذا كان يمكن الانتفاع به من بعض الوجوه ولو بجعله علفا للدواب، فإنه لا يكون للمشتري في هذه الحالة الحق في رده، ولن يكون له الحق في الرجوع على البائع بعوض النقصان بحيث يقوم صحيحه وفاسده ويأخذ فرق ثمنه كما تقدم، الحق في العوض. وكذا إذا علم بالعيب قبل كسره ثم كسره سقط حقه في الرد وفي العوض لأن كسره بعد العلم بالعيب دليل على رضاه به.
وإذا اشترى شيئا فوجد بعضه صحيحا وبعضه فاسدا كان له الحق في الرجوع على البائع بحصة الفاسد من الثمن، إلا إذا كان الفاسد قليلا لا يمكن الاحتراز عنه، أو لا يخلو المبيع عنه في العادة كالجوز واللوز فإنه يغتفر فيه إلى ستة فاسدة من كل مائة، وكذلك التراب القليل الذي لا يخلو عنه القمح في العادة فإنه يغتفر فيه ذلك.
الحنابلة - قالوا: إذا كان بعض المبيع فاسدا وبعضه صحيحا فإن للمشتري الحق في أخذ قسط الفاسد من الثمن، فإن كان نصفه فاسدا رجع بنصف الثمن وهكذا، وإذا اشترى شيئا فوجد باطنه جميعه فاسدا ولكن له قيمة بعد الكسر كبيض النعام والجوز ونحو ذلك، فإن المشتري يكون مخيرا بين رده للبائع ودفع تعويض ما أحدثه من الكسر فيه، وبين إمساكه وأخذ تعويض فساده من البائع، فإن كان قد كسره كسرا لا يبقى معه له قيمة أصلا كان للمشتري الحق في أخذ تعويض فساده من البائع. فإن كان قد كسره كسرا لا يبقى معه له قيمة أصلا كان للمشتري الحق في أخذ التعويض عن الفساد فقط

ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:43 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 185 الى صــــــــ
193
الحلقة (101)

[مبحث إذا عرضت زيادة على المبيع الذي به عيب]
إذا عرضت زيادة على المبيع الذي يظهر فيه عيب، فتارة تكون هذه الزيادة متصلة به كجزء منه، وتارة تكون منفصلة عنه، وفي أحكامها تفصيل المذاهب (1) .
[مبحث إذا اختلف المتبايعان في شأن المبيع]
إذا اختلف المتبايعان في شأن المبيع المردود بالعيب، ففي حكمه تفصيل في المذاهب (2) .

(1) الشافعية - قالوا:
الزيادة التي تعرض للمبيع أو للثمن إذا كان قابلا للزيادة كالحيوان والزرع ونحو ذلك، تارة تكون متصلة وتارة تكون منفصلة، وضابط المتصلة هي التي لا يمكن فصلها عن محلها وإفرادها بالبيع على حدة، وذلك كما إذا اشترى حيوانا فسمن بعد أن كان هزيلا، أو كبر بعد أن كان صغيرا، فإن السمن والكبر متصل بالحيوان وجزء منه لا يمكن فصله عنه. وكذا إذا اشترى شجرة صغيرة فكبرت. أما الزيادة المنفصلة فهي التي يمكن فصلها عن محلها وبيعها على حدة كثمرة الشجرة واللبن والبيض. وحكم الزيادة المتصلة: أنها تتبع الأصل في الرد، فإذا اشترى حيوانا فسمن أو كبر بعد العقد ثم وجد فيه عيبا يرد به فإن زيادته هذه تكون تابعة له في الرد. فلا يكون للمشتري الحق في أخذ تعويض عنها من البائع. وحكم الزيادة المنفصل. أنها تكون لمن حدثت في ملكه، فإن كان المبيع قد دخل في ملك المشتري بالعقد فله ما ينفصل عنه من ثمرة كلبن وبيض وصوف وإن رد المبيع قبل قبضه، لأن هذه الزيادة فرع الملك، والفسخ يبطل العقد من حين الفسخ لا من حين العقد. ومثل المبيع في ذلك الثمن إذا ملكه البائع فإن له ما ينفصل عنه من ثمره.
وإذا اشترى دابة حاملا فلا يخلو:
إما أن يكون ذلك الحمل قد حدث وهو في ملك البائع بأن كان قبل العقد، أو مقارنا له، أو حدث في ملك المشتري، وحكم الأول أنه يتبع أمه في الرد ولو بعد الولادة، فإذا رد أمه بالعيب لزمه أن يرد ولدها معها، وإذا نقصت بسبب الولادة لا يعتبر ذلك النقصان عيبا يمنع المشتري من الرد على المعتمد. ومثل الحمل المقارن الحمل الذي حدث قبل العقد. أما إذا حدث الحمل في ملك المشتري فلا يتبع الولد أمه في الرد بل يأخذه المشتري بعد ولادته.
الحنفية - قالوا:
الزيادة التي تعرض للمبيع قسمان:
متصلة به، ومنفصلة عنه، وكل منهما قسمان:
متولدة من المبيع وغير متولدة منه. فالأقسام أربعة.
الأول:
زيادة متصلة بالمبيع متولدة عنه ككبر الحيوان وسمنه، وحكمها أنها لا تمنع رد المبيع الذي يظهر به عيب قديم على الصحيح، سواء عرضت له هذه الزيادة بعد أن قبضه المشتري، أو عرضت له بعد عقد البيع وقبل أن يقبضه، فإذا حيوانا هزيلا فسمن عنده بعد قبضه، أو اشتراه فسمن عند البائع قبل قبضه ثم تبين له أن به عيبا يرد به، فإن له الحق في رده ولا يمنعه السمن من الرد. وكذلك إذا اشتراه صغيرا فكبر، كما أن له الحق في أن يمسك المبيع ويرجع على البائع بالعوض عن نقص المبيع بسبب العيب وليس للبائع أن يمنع عن دفع العوض عن النقص ويطلب رد المبيع بأن يقول للمشتري: إما أن ترد لي المبيع وتأخذ ثمنه كاملا، وإما أن تمسكه بدون عوض.
الثاني:
زيادة متصلة بالمبيع غير متولدة منه، كصبغ الثوب والبناء الحادث على الأرض، فإنه متصل بالمبيع ولكنه غير متولد منه، وحكمها:
أنها تمنع رد المبيع باتفاق، فإذا اشترى أرضا ثم بنى عليها، أو اشترى ثوبا فصبغه ثم وجد به عيبا فليس له رده به، حتى ولو قال البائع: أنا أقبله كذلك، وإنما له الحق في المطالبة بالتعويض عن النقص. سواء حدثت الزيادة قبل أو بعد قبضه لأنها قبل قبضه تكون تصرفا في المبيع يكون به قابضا.
الثالث:
زيادة منفصلة متولدة من المبيع، كالولد واللبن والصوف إذا كان المبيع حيوانا، والتمر إذا كان المبيع شجرا، وحكمها: أنها تمنع الرد بالعيب بعد القبض لا قبله، فإذا اشترى دابة حبلى فولدت له ثم وجد بها عيبا قديما ترد، فإن كان ذلك بعد قبضها فليس له ردها بالعيب، وإنما له المطالبة بالعوض عن العيب. أما إذا كان ذلك قبل قبضها فإن الولادة لا تمنع الرد، فإن شاء رد الولد مع أمه وأخذ الثمن، وإن شاء رضي بهما بجميع الثمن. وكذا إذا اشترى شجرة فأثمرت، فإن كان بعد قبضها فليس له ردها بالعيب، وإن كان قبل قبضها فله ردها بثمرها ومثل ذلك ما إذا اشترى حيوانا لا يحلب لبنا فحلب بعد شرائه، أو ليس له صوف فنبت له فإن حكمه كذلك.
الرابع:
زيادة منفصلة غير متولدة من المبيع كالزيادة الحاصلة من غلة المبيع وكسبه كما إذا اشترى عبدا فكسب مالا بتجارة، أو وهبه أحد مالا، أو تصدق عليه بمال وحكمها أنها قبل القبض لا يمنع رد المبيع، فللمشتري أن يرده دون هذه الزيادة، فإنها للمشتري بدون ثمن ولكن لا تطيب له، وقيل: هي للبائع ولكن لا تطيب له أيضا، أما بعد القبض فإن الزيادة المذكورة لا تمنع الرد أيضا، ولكن المشتري يرد المبيع فقط وتكون الزيادة له طيبة.
المالكية - قالوا:
الزيادة التي تحدث في المبيع عند المشتري قبل أن يطلع عيب قديم فيه تنقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول:
زيادة في عين المبيع من غير إحداث شيء فيه كسمن الدابة وكبر الصغير فإذا اشترى دابة هزيلة فسمنت عنده سمنا زائدا ثم اطلع على عيب قديم ترد به ففي ذلك خلاف، فقيل: إن سمنها يمنع ردها للبائع، وللمشتري الحق في المطالبة بالتعويض عن نقص العيب وقيل:
إن سمنها يمنع ردها، فالمشتري مخير بين أن يردها ويأخذ كل الثمن ولا شيء له من الزيادة كما أنه لا شيء عليه من العوض عن السمن الكثير، وبين أن يمسكها ويأخذ عوض العيب القديم أما إذا كان السمن يسيرا يصلح به البدن فإنه لغو لا يترتب عليه شيء.
القسم الثاني:
زيادة من جنس المبيع تنسب إليه كالولد، فإذا اشترى دابة فولدت عنده سواء اشتراها حاملا أو حملت عنده ثم اطلع على عيب قديم ترد بعد ولادتها، فللمشتري الحق في رد هذه الدابة ومعها ولدها ويأخذ الثمن، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ولد أمه. أو ولد بقر، أو إبل، أو غنم، أو نحوها، وإذا أنقصت الولادة قيمة الدابة فلا يخلو: إما أن يكون الولد يجبر ذلك النقص أو لا فإن كان الولد يجبر النقص فلا شيء على المشتري، وإن كان لا يجبره فعلى المشتري أن يرد معها ما نقص من قيمتها.
القسم الثالث:
زيادة تنسب للمبيع وتتعلق به ولكن ليست من جنسه، كثمر النخلة والشجرة فإن الثمر ليس من جنس الشجر وهو منسوب إليه ومتعلق به. وحكم هذا أنه لا يخلو: إما أن يكون البائع قد لقح النخلة حين الشراء واشترط على المشتري أن تكون ثمرتها له أو لا. فإذا كان الأول ثم تبين أن بها عيبا ترد به فإن للمشتري أن يرد المبيع وأن يرد معه ثمره ولو كان الثمر قد طاب أو قطع، فإن تصرف فيه المشتري بأكل أو إهداء أو هلك بآفة فعلى المشتري أن يرد مثله إن علم قدر كيله، فإن لم يعلم كيله فعليه أن يرد قيمته، وإن تصرف فيه بالبيع فعليه رد الثمن إن علمه، وعليه رد القيمة إن جهل الثمن.
أما إذا لم يكن البائع قد لقح الشجرة فإن ثمرتها للمشتري إذا قطعها قبل أن يردها فلا يردها للبائع حينئذ. أما إذا رد المبيع قبل قطع الثمرة فإن الثمرة ترد من البيع للبائع، إلا إذا تلونت بأن احمرت أو اصفرت فإنها تكون للمشتري.
وإذا لم يشترط البائع أن تكون الثمرة له فإنها لا تدخل في المبيع وتكون من حق البائع على أي حال، بخلاف الصوف فإنه يدخل في الغنم بدون شرط شرائه فيرد مع الغنم المعيبة، وإذا استهلكه ببيع ونحوه فعليه أن يرد وزنه إن علمه، وإلا فعليه أن يرد الغنم ويأخذ الثمن ناقصا ثمن الصوف، إلا إذا نبت لها بعد جزء مثله فإنه لا شيء عليه، لأن الصوف الجديد حل محل المستهلك.
ومن الزيادة المتعلقة بالمبيع وليست من جنسه ككسب العبد، فإنه إذا اشترى عبدا فكسب العبد مالا بسبب تجارة، أو وهبه أحد مالا أو تصدق عليه بمال ثم وجد به عيبا قديما يرد به بعد هذه الزيادة، كان المشتري بالخيار بين أن يرد بماله الذي كسبه، وبين أن يمسكه بزيادته ولا شيء له في الحالتي، إلا أن له الحق في المطالبة بثمن الدواء إن كان قد أنفقه، وكذا له الحق في المطالبة بسقي الزرع الذي رده مع ثمره.
القسم الرابع:
زيادة أحدثها المشتري كصبغ الثوب وخياطته، فإذا اشترى ثوبا فصبغه ثم اطلع بعد الصبغ على عيب قديم في الثوب يرد، فهو بالخيار بين أن يمسك المبيع ويأخذ التعويض عما أحدثه العيب القديم من النقص، وله أن يرد الثوب كله ويأخذ الثمن كله زائدا نصف ثمن الصبغ بأن يقوم الثوب وهو معيب غير مصبوغ، أو يقوم وهو معيب مصبوغ، فإذا كانت قيمته وهو غير مصبوغ تساوي عشرين، وتساوي وهو مصبوغ خمسة وعشرين، كان الفرق الذي زاده بالصبغ خمسة، فيكون للمشتري الحق في المشاركة فيها.
القسم الخامس:
زيادة لا تأثير لها في المبيع، وهي الزيادة التي بها تترقى حالة المبيع، كما إذا اشترى عبدا فعلمه صنعة أو أدبه تأديبا حسنا فإن مثل هذه الزيادة لا تعتبر وإن زادت بها قيمته فإذا اشترى عبدا فأدبه ثم وجد به عيبا يرد به، كان على الخيار بين أن يرده ويأخذ ثمنه، أو يمسكه ولا يطالب بتعويض عن نقص العيب.
الحنابلة - قالوا:
الزيادة التي تعرض للمبيع تنقسم إلى قسمين: متصلة بالمبيع، ومنفصلة عنه فأما المتصلة فهي كسمن الحيوان بعد الهزال وكبره بعد الصغر، وحكمها: أن المشتري إذا اطلع على عيب يرد به المبيع بعد حدوث تلك الزيادة فإنه يرده بزيادته المتصلة به طبعا، إذا لا يمكن انفصالها منه فنتبعه بحكم الضرورة. ومن الزيادة المتصلة تعلم الأدب والصنعة، فإذا اشترى عبدا فعلمه صنعة ثم رده بعيب تبعته صنعته طبعا، ومنها ثمرة الشجرة قبل ظهورها فإنها ترد تبعا للمبيع أما بعد ظهورها فإنها تكون زيادة منفصلة وسيأتي حكمها عقب هذا، ومن الزيادة المتصلة أيضا إذا اشترى حبا فبذره في الرض فأصبح زرعا ثم أراد رده بالعيب القديم فإن له رده زرعا لا حبا، وكذا إذا اشترى بيضا فصار فراخا ثم أرد رده فإنه يرد الفراخ. ومن الزيادة المتصلة أيضا الحمل، فإذا اشترى بهيمة أو أمة فحملت بعد الشراء ثم أراد ردها فإنه يردها بحملها، أما إذا اشتراها فحملت بعد الشراء بهيمة أو أمة فحملت بعد الشراء ثم أراد ردها فإنه يردها بحملها، أما إذا اشتراها فحملت بعد الشراء وولدت فإن الولد يكون زيادة منفصلة لا ترد على البائع، بل يأخذه المشتري إلا بعذر كما إذا كان ولد أمة فإنه يرد معها لحرمة التفريق بينهما.
وأما الزيادة المنفصلة فهي كالثمرة بعد ظهورها، والحمل بعد ولادته، وكسب المبيع مالا بتجارة ونحوها، واللبن، وحكمها: أنها تكون للمشتري ما دام المبيع في ضمانه كما قدم، فإذا رد المبيع بعيب فإن زيادة المنفصلة تكون ملكا للمشتري
(2) الحنفية - قالوا:
اختلاف المتبايعين في شأن المبيع المردود بالعيب يشمل خمسة أمور:
الأول:
أن يختلفا في عدد المبيع كما إذا اشترى شخص من آخر دابة فقبضها بعد شرائها ودفع ثمنها ثم اطلع على عيب ترد به فجاء ليردها واعترف البائع بذلك العيب إلا أنه قال له:
أنا بعتك هذه الدابة ومعها دابة أخرى، فلك رد حصة هذه فقط من الثمن لا رد الثمن كله، وقال المشتري:
لم أشتر منك سوى هذه فاردد كل الثمن ولا بينة لهما، ففي هذه الحالة يكون القول للمشتري لأنه قابض منكر، إذ هو قبض الدابة وأنكر زيادة الدابة الأخرى التي ادعاها البائع، والقول للمنكر بيمينه. وأيضا فإن البيع انفسخ في الدابة التي ردها بالرد فأسقط ثمنها عن المشتري، والبائع يدعي بعض الثمن بعد ظهور سبب سقوط الثمن وهو الرد، والمشتري ينكر، والقول للمنكر كما علمت.
الثاني:
أن يختلفا في عدد المقبوض لا في عدد المبيع بأن اتفقا على أن المبيع دابتان وأن البائع قبض ثمنهما ثم جاء المشتري ليرد إحداهما فقال البائع:
إنك قد قبضت الاثنتين فلا تستحق إلا حصة هذه من الثمن، وقال المشتري: إنني لم أقبض سوى هذه التي أطلب ردها، وحكم هذا كالذي قبله يكون القول فيه للمشتري.
الثالث:
أن يختلفا في صفة المبيع كما إذا اشترى "قطنية" مصرية بلدية فوجدها شامية فجاء ليردها لبائعها فقال البائع:
إنني ذكرت لك أنها شامية، وقال المشري: بل ذكرت لي أنها بلدية، وحكم هذا: أن القول فيه للبائع بيمينه لأنه ينكر حق الفسخ، والبينة للمشتري لأنه مدع.
الرابع:
أن يختلفا في قدر المبيع كما إذا اشترى سلعة موزونة ثم جاء ليردها بنقص وزنها فقال البائع:
إنني وزنتها لك كاملة، فالقول للمشتري ما لم يسبق منه إقرار بقبض مقدار معين.
الخامس:
أن يختلفا في تعيين المبيع كما إذا اشترى حيوانا واحدا ثم جاء ليرده فقال البائع:
إنه ليس هو الحيوان الذي بعته لك، وقال المشتري:

يتبع

ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:43 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
إنه هو. وهذا له حالتان:
إحداهما:
أن يكون الرد بخيار شرط أو رؤية. ثانيهما:
أن يكون الرد بعيب قديم في المبيع. فإن كان الأول، فالقول للمشتري بيمينه، وإن كان الثاني، فالقول للبائع كذلك. والفرق بين الحالتين:
أن المردود بخيار أو رؤية ينفسخ فيه العقد بلا توقف على رضا الآخر بل على علمه على الخلاف، ومتى انفسخ العقد يكون الخلاف بعد ذلك في العين المقبوضة وهي المبيع، وقد عرفت أن القول للقابض وهو المشتري في هده الحالة. أما المردود بالعيب فإن المشتري لا ينفرد بفسخ العقد فيه، ولكنه يدعي حق الفسخ في المبيع الذي أحضره، والبائع ينكر هذا الحق فالقول حينئذ يكون للمنكر.
الحنابلة - قالوا:
اختلاف المتبايعين في شأن المبيع يشمل ثلاثة أمور: الأمر الأول:
أن يختلفا فيمن حدث عنده العيب في المبيع فيقول البائع:
إنه حدث وهو عند المشتري، ويقول المشتري: إنه حدث فيه وهو عند البائع، وهذا يتناول ثلاث صور: الصورة الأولى:
أن يكون حدوث العيب محتمل الوقوع عند البائع وعند المشتري كخرق الثوب ورفوه فإذا قال البائع للمشتري:
إنك استلمت هذا الثوب سليما وهذه الخروق حدثت عندك، وقال المشتري عكس ذلك ولا بينة لأحدهما، فإن القول في هذه الحالة يكون للمشتري. وعليه أن يحلف بالله جزما أنه اشتراه وبه هذا العيب، أو أن هذا العيب ما حدث عنده. وللمشتري بعد اليمين رد المبيع إن لم يكن قد خرج من تحت يده إلى يد غيره بحيث لم يشاهده. أما إذا خرج من تحت يده كذلك فليس له الحلف ولا الرد، لأنه إذا غاب عنه احتمل حدوث العيب عند من انتقل إليه المبيع، فلم يجز للمشتري أن يحلف وهو جازم مع وجود ذلك الاحتمال.
الصورة الثانية:
أن تدل العيب على أنه حادث عند البائع قطعا فلا يحتمل حدوثه عند المشتري. كما إذا اشترى حيوانا فيه شجة تعيبه ولكنها مندملة ثم اطلع عليها بعد يوم أو يومين فإن اندمالها دليل على أنها قديمة لا يحتمل حدوثها عنه المشتري، وفي هذه الحالة يكون القول للمشتري بلا يمين.
الصورة الثالثة:
أن تدل حالة العيب على أنه واقع عند المشتري قطعا عكس الحالة الثانية كأن اشترى حيوانا وبعد مدة وجد فيه جرح جديد لا يتصور حدوثه وهو عند البائع بعد مضي هذه المدة. وفي هذه الحالة يكون القول للبائع بلا يمين.
الأمر الثاني:
أن يختلفا في نفس المبيع المعين كأن يبيع حيوانا معينا ليس دينا في الذمة، ثم يرده المشتري فيقول البائع:
إنه غير الحيوان الذي بعته، ويقول المشتري إنه هو، ويتناول هذا صورتين:
الصورة الأول:
أن يكون الرد بسبب العيب القديم وفي هذه الصورة يكون القول للبائع بيمينه.
الصورة الثانية
بأن يكون الرد بسبب خيار الشرط كما إذا اشترى حيوانا بشرط الخيار ثم جاء ليرده للبائع. وفي هذه الصورة يكون القول للمشتري بيمينه، والفرق بين الصورتين:
أن الرد بالعيب ينكر فيه البائع حق الفسخ للمشتري، وينكر كون هذه السلعة هي التي باعها، والقول للمنكر بيمينه، أما الرد بشرط الخيار فإنه يعترف بحق الفسخ فيكون للمشتري القول لا له.
الأمر الثالث:
أن يختلفا في الثمن المعين كما إذا اشترى السلعة المعينة بمثلها ثم ردها بعيب فردت له سلعته التي دفعها ثمنا فادعى أنها ليست هي، وقال البائع:
إنها هي ولا بينة لأحدهما فالقول في هذه الحالة يكون للمشتري مع يمنه، ومثل ذلك ما إذا كان المبيع غير معين كما إذا اشترى دينا في الذمة لأجل - وهو السلم - فإن المبيع فيه غير معين، فإذا قبضه المشتري ثم رده بعيب فقال البائع: إنه ليس هو وقال المشتري: إنه هو، فالقول للمشتري.
المالكية - قالوا:
اختلاف المتبايعين في شأن المبيع يشمل أمورا أربعة.
الأول:
أن يختلفا في رؤية العيب حين البيع، فيقول البائع للمشتري: إنك رأيت العيب وعلمت به قبل العقد، ويقل المشتري:
لم أره ولم أعلم به، والقول في هذه الحالة يكون للمشتري. فله رد به قبل العقد، ويقلو المشتري:
لم اره ولم أعلم بهن والقول في هذه الحالة يكون للمشتريز فله رد المبيع بدون يمين عليه إلا إذا ادعى البائع أنه أطلعه على العيب وبينه له. فإنه في هذه الحالة يكون على المشتري اليمين، فإن حلف كان له الحق في رد المبيع، وإن امتنع عن الحلف حلف البائع أن المشتري اطلع على العيب حين البيع، ولا يكون للمشتري الحق في الرد بعد حلف البائع، ومثل ذلك ما إذا أشهد المشتري على نفسه أنه عاين المبيع وبحثه قبل العقد ولكنه لم يطلع على العيب الذي يريد رده به. وقال له البائع:
بل اطلعت عليه ورأيته حين العقد، فعلى المشتري أن يحلف بأنه ما رآه وله رده بعد الحلف، فإن لم يرض بالحلف حلف البائع بذلك ولزم المشتري المبيع.
الأمر الثاني:
أن يختلفا في الرضا بالعيب الخفي بأن يعترف البائع بأن المشتري لم ير العيب حين البيع ولكنه رآه بعد ذلك ورضي به، وأنكر المشتري الرضا وقال:
إنني لم أرض به، وهذا يشمل ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن تكون دعوى البائع غير مؤكدة بشيء، وحكمها:
أن المشتري له رد المبيع بدون يمين.
الصورة الثانية:
أن تكون دعواه مؤكدة بدعوى أخرى بأن يدعي أن شخصا أخبره بأن المشتري رضي بالعيب بعد أن اطلع عليه ولم يسم ذلك الشخص وحكمها: أن للبائع تحليف المشتري بأنه ما رضي بالعيب بعد الاطلاع عليه. وهل للمشتري أن يحلف البائع بأن شخصا أخبره قبل أن يحلف أو لا؟ خلاف.
الصورة الثالثة:
أن يدعي البائع بأن فلانا أخبره بأن المشتري رضي بالعيب ويسمي من أخبره، وفي هذه الحالة لا يخلو: إما أن يكون من سماه البائع أهلا لأداء الشهادة، أو فاسقا ليس أهلا لها، ويسميه المالكية "مسخوطا" لأن الله تعالى سخط عليه لفسقه.
فإن كان أهلا لأداء الشهادة وأثبت البائع رضا المشتري بالعيب بشهادته، حلف البائع معه وتم البيع، فلا يفيد المشتري حينئذ دعوى عدم الرضا، وإن لم يكن أهلا للشهادة، أو كان أهلا لها ولكن البائع لم يثبت رضا المشتري بشهادته، حلف المشتري بأنه ما رضي ورد المبيع وإنما وجبت اليمين على المشتري في حال فسق الشاهد، لأن تصديقه للبائع يرجح دعواه في الجملة، فإن كذب المخبر البائع فلا يمين على المشتري، سواء كان المخبر عدلا أو فاسقا على الظاهر.
الأمر الثالث:
أن يختلفا في قدم العيب وعدمه إذا كان العيب خفيفا غير ظاهر، أو كان ظاهرا ولكن من شأنه أنه يخفى على غير المتأمل، فيدعي المشتري أنه قديم موجود في المبيع قبل العقد، ويدعي البائع أنه حدث وهو عند المشتري ويشمل هذا خمس صور:
الصورة الأولى:
أن لا يكون لأحد المتبايعين بينة تشهد بدعواه، وفي هذه الصورة يكون القول للبائع بلا يمين، فيتم البيع ما لم يكن في المبيع عيب قديم آخر ثابت مع العيب المشكوك فيه، فإنه في هذه الحالة يكون القول للمشتري بأن العيب المشكوك فيه ما حدث عنده وعليه اليمين.
الصورة الثانية:
أن تقوم بينة من أهل الخبرة تشهد للبائع بأن العيب حادث عند المشتري قطعا، وفي هذه الصورة يكون القول بلا يمين.
الصورة الثالثة:
أن تقوم البينة المذكورة للبائع فتشهد بما يفيد الظن أو الشك في حدوث العيب عند المشتري، وفي هذه الصورة يكون القول للبائع بيمينه.
الصورة الرابعة:
أن تقوم البينة للمشتري فتشهد بأن العيب قديم قطعا، وفي هذه الصورة يكون القول للمشتري بلا يمين فله رد المبيع.
الصورة الخامسة:
أن تقوم البينة للمشتري فتشهد بما يفيد الظن أو الشك في قدم العيب، وفي هذه الصورة يكون القول للمشتري بيمينه فله الرد.
فإذا كان العيب ظاهرا يمكن معرفته بمجرد النظر فإنه لا يرجع فيه لبينة ولا غيرها، بل يحمل على أن المشتري علمه ورضي به، فلو شهدت البينة بقدمه قطعا لا تنفعه حينئذ.
الأمر الرابع:
أن يختلفا في نفي العيب الخفي فيقول البائع: إنه غير موجود أصلا، ويقول المشتري:
إنه موجود، وفي هذه الحالة يكون القول للبائع بلا يمين، لأن الأصل عدم العيب، فيعمل به ما لم توجد أمارة تضعف قول البائع، فإنه في هذه الحالة يكون القول قوله بيمين. مثال ذلك:
أن يشتري حيوانا به عيب لا يعرف بالحس حين البيع ثم ظهر للمشتري ذلك العيب بعد البيع أثناء الاستعمال فأنكر البائع وجود ذلك العيب، وقال المشتري:
إنه موجود، فالقول للبائع بلا يمين إلا إذا أودع الحيوان عند أمين يستعمله ليعرف إن كان هذا العيب موجودا أو لا، فقال الأمين إنه موجود، ففي هذه الحالة يكون القول للبائع ولكن عليه اليمين، لأن قول الأمين أضعف دعواه وهي إنكار العيب رأسا.
ولا يشترط في شهود قدم العيب أو حدوثه الإسلام ولا العدالة، ويكفي في الشهادة بهما شاهد واحد لأنها خبر لا شهادة، إنما يشترط فيها عدم التجريح بالكذب.
الشافعية - قالوا:
إذا اختلف المتبايعان في قدم العيب وحدوثه فإن ذلك يشمل خمس صور:
الصورة الأولى:
أن يختلفا في عيب واحد بال حاله على أنه يمكن حدوثه وقدمه، ولا قرينة ترجح صدق أحدهما على الآخر، بل يكون صدق كل واحد منهما محتملا، فإذا ادعى البائع في هذه الحالة أن العيب حادث وهو عند المشتري فإنه يصدق بيمينه؛ لأن الأصل استمرار العقد لا فسخه، وإنما قالوا إن عليه اليمين لاحتمال صدق المشتري.
الصورة الثانية:
أن يبيع شيئا بشرط البراءة عن العيوب كأن يقول: أبيعك هذا الحيوان مثلا بشرط أنني لا أكون مسؤولا عن عيب فيه، وقد عرفت مما تقدم أن هذا الشرط لا يتناول سوى العيوب الباطنية التي تكون موجودة في الحيوان بالفعل وقت البيع، فلو كان سليما من العيوب ثم حدث فيه عيب بعد العقد قبل أن يقبضه المشتري فإنه يرد به، ففي هذه الحالة لو ادعى المشتري أن العيب حدث بعد البيع وقبل القبض فيرد به المبيع وقال البائع:
إنه عيب قديم قد شرطت البراءة منه فأنا غير مسؤول عنه، فإن القول يكون للبائع بيمينه.
الصورة الثالثة:
أن يختلفا في عيبين فيقول المشتري:
إنهما قديمان، ويقول البائع:
إن أحدهما قديم والآخر حادث، وفي هذه الحالة يكون القول للمشتري بيمينه، فإن امتنع المشتري عن اليمين فلا يحلف البائع في هذه الحالة بأن ترد اليمين عليه لأنه لا فائدة في حلفه، فإن امتناع المشتري عن الحلف لا يثبت له حقا قبل المشتري، وإنما يسقط حق المشتري في الرد القهري، ويكون الحكم كما تقدم فيما إذا حدث عيب جديد في المبيع وهو عند المشتري ثم تبين أن به عيبا قديما فإنه في هذه الحالة لا يكون للمشتري الرد قهرا، ويكون في المسألة ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يرضى البائع بأخذ المبيع بدون تعويض عن العيب الحادث.
ثانيها: أن يرضى المشتري بإمساكه بدون تعويض عن العيب القديم، فإن اتفقا على ذلك فهو جائز.
ثالثها: أن يختلفا فيطلب أحدهما فسخ العقد والآخر إجازته، وفي هذه الحالة ينفذ رأي من طلب الإجازة، ويكون على البائع دفع التعويض عن العيب القديم.
الصورة الرابعة: أن يدل حال العيب على أنه قديم كما إذا كان بالمبيع أثر شجة مندملة ولم يمض على المبيع سوى يوم واحد مثلا، فإنه لا يتصور أن تكون قد وجدت الشجة واندملت على المشتري، وفي هذه الحالة يكون القول للمشتري بلا يمين.
الصورة الخامسة: أن يدل حال العيب على أنه حادث كجرح جديد لم يجف، والبيع والقبض قد مضى عليه زمن طويل، وفي هذه الحالة يكون القول للبائع بلا يمين

ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:44 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 193 الى صــــــــ
201
الحلقة (102)

[مبحث خيار الرؤية وبيع الغائب]
قد علمت مما تقدم أنه يشترط لصحة البيع أن يكون المبيع والثمن معلومين للبائع والمشتري، فلا يصح بيع المجهول جهالة تفضي إلى التنازع بين المتبايعين، وغرض الشريعة السمحة من ذلك حسن جميل، لأنها إنما تريد القضاء على تفشي الخصومات ما بين الناس، وقطع التنازع والشقاق من بينهم. فلهذا قضت بفساد عقود البيع التي من شأنها إثارة التنازع والخصومات، وهذا القدر متفق عليه بين أئمة المذاهب الأربعة كما تقدم في شرائط البيع، ولكنهم قد اختلفوا في بعض الصور التي لم يكن المبيع فيها واضحا من جميع جهاته، والتي يكون فيها المبيع مجهولا ولكن يمكن القضاء على التنازع بسبب آخر، ومن ذلك بيع الغائب المقترن بخيار الرؤية، فإن معظمهم على صحته على تفصيل موضح في أسفل الصحيفة(1) .


(1) الشافعية - قالوا:
لا يصح بيع الغائب عند رؤية العائدين أو أحدهما، سواء كان المبيع غائبا عن مجلس العقد رأسا، أو موجودا به ولكنه مستتر لم يظهر لهما، ولا فرق في ذلك بين أن يوصف بصفة نبين جنسه كأن يقول: بعتك إردبا من القمح الهندي، أو القمح البلدي، أو لا، كأن يقول:
بعتك إردبا من القمح ولم يذكر أنه هندي أو بلدي، فإنه ما دام غائبا عن ريتهما فإن بيعه لا يصح عل أي حال، وهذا القول هو الأظهر عندهم. وهناك قول آخر خلاف الأظهر، وهو أن يصح بيع الغائب إن علم جنسه بوصف يبينه كما في المثال الأول، والقول الثاني موافق لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من صحة بيع الغائب المعلوم جنسه بالوصف على أن يكون للمشتري الخيار في رده عند رؤيته كما ستعرفه من التفصيل الآتي.
ورؤية المبيع عند الشافعية تكفي عن شمه وذوقه فيما يذاق ويشم، كالعسل والسمن والفاكهة ونحو ذلك، فإن بيعها يصح من غير ذوق وشم اكتفاء برؤيتها، فإذا ما وجد بها عيبا كان له الخيار في ردها. وكذلك يكتفي برؤية المبيع عن معرفة عدده أو وزنه أو كيله أو ذرعه، فلو قال: بعتك هذه الصبرة "الكومة" من القمح مثلا وهو يجهل كيلها فإن بيعها يصح متى عاينها، لأنه يمكنه بمعاينتها أن يعرف قدرها بالحدس والتخمين وهذا كاف في صحة البيع، على أنه إذا كان يعتقد اعتقادا جازما بأنها موضوعة على أرض مستوية فظهر أنها موضوعة على أرض بعضها مرتفع وبعضها منخفض فاغترفي ذلك في تقديرها فإن البيع يكون فاسدا، أما إن كان لا يعتقد ذلك ولكنه يظن فإن البيع يصح ويكون له الخيار في ردها. على أن بيع الصبرة بدون كيل مكروه، لأن الحدس والتخمين فيها لا يكون صحيحا غالبا، فقد يقدر أنها عشرة "كيلات" فيظهر أنها ستة لتراكم بعضها على بعض. أما المذروع والموزون والمعدود فإنه يصح شراؤه بالرؤية وإن لم يعرف عدده ووزنه بدون كراهة.
ولا يشترط في رؤية المبيع أن تكون حاصلة عند العقد، بل تكفي رؤيته قبل العقد بشرط أن يكون مما يبقى على حاله فلا يتغير عند العقد، وذلك كبيع الأرض والآنية والحديد والنحاس ونحو ذلك مما لا يتغير، فإذا رآه ثم اشتراه بعد زمن من غير أن يراه مرة أخرى فإنه يصخ، أما إذا كان مما لا يبقى على حاله كالفاكهة والطعام الذي يسرع فساده، فإنه إذا رآه شراءه بعد مضي زمن يتغير فيه مثله غالبا فإنه لا يصح.
وكذلك لا يشترط رؤية جميع المبيع إن كانت رؤية بعضه تدل على الباقي، فإذا أراد أن يشتري عشرين إردبا من القمح من جرن واحد ورأى بعضها صح؛ لأن رؤية بعضها يدل على باقيها. وهذا معروف بالشراء على العينة إذا يقول المشتري للبائع:
أرني عينة القمح الذي عندك أو الشعير أو الذرة، فيأتي له ببعض منها فيشتري على رؤيته ويسميه الفقهاء بالنموذج - بتشديد النون وفتحها - ويشترط في صحة البيع على العينة أن يكون البيع متساوي الأجزاء، وأن يقول البائع للمشتري:
بعتك القمح الذي عندي مثلا مع العينة، فلو أعطى له العينة من غير بيع وباعه ما عنده دونها لم يصح، لأ المشتري في هذه الحالة لم ير شيئا من المبيع. وكذلك إذا باعه العينة وحدها وباعه ما عنده وحده فإنه لا يصح، لأن المشتري في هذه الحالة يكون قد اشترى ما لم يره لا هو ولا بعضه، وإذا كان المبيع مغطى بقشرة تستر ما ينتفع به منه فإن له أحوالا:
الحالة الأولى:
أن يكون له قشرتان طبيعيتان قشرة تلاصق جسمه الذي يؤكل أو ينتفع به وقشرة فوقها، وذلك كالبندق واللوز والقصب، وفي هذه الحالة إن كانت القشرة التي من فوق تستر القشرة التي تليها كلها فإن المبيع حينئذ لا يكون مرئيا، أما إن كانت القشرة التي من فوق لا تستر القشرة التي تليها كلها كالقصب فإنه قشرته العليا لا تستر كعوبه كلها فإنه يكون مرئيا، لأن رؤية البعض تدل على رؤية الباقي، ويكتفي برؤية القشرة التي تلاصق الجسم كلها أو بعضها بشرط أن تكون القشرة حافظة لبقائه بحيث لو نزعت لم يمكن ادخاره، وإذا كان له قشرتان كذلك ولكن القشرة التي تلاصق الجسم لم تنعقد كالفول الأخضر فإنه يكتفي برؤية القشرة العليا في هذه الحالة، لأن القشرة التي لم تنعقد تؤكل مع الجسم فكأن له قشرة واحدة.
الحالة الثانية:
أن يكون له قشرة طبيعية ولكن لا يتوقف عليها صيانته وبقاؤه كالدر في صدفه، فإن ادخاره وحفظه لا يتوقف على وجوده في الصدف، ومثله المسك في فأرته فإنه لا يتوقف بقاؤه على وجوده فيها. فإن مثل ذلك لا يصح بيعه إلا إذا أخرج من قشره. ولا يرد على هذا القطن في قشره، فإن قشره حافظ له من الفساد ومع ذلك لا يصح بيعه قبل تفتحه، فإن عدم صحته أتى من كونه لم يبد صلاحه.
الحالة الثالثة:
أن تكون له قشرة صناعية وتحت هذه صورتان:
الصورة الأولى:
أن يكون ما في داخل القشرة مقصود لذاته كالقطن في اللحاف والمرتبة، فإنه قد يقصد شراءه بدون قشرته، وحكم هذه الصورة: أنه لا بد من رؤيته كله أو بعضه على الراجح.
الصورة الثانية:
أن لا يكون ما في داخل القشرة مقصودا كالجبه المبطنة بالقطن ونحوه، وفي هذه الصورة لا يلزم رؤية حشوها لأنه ليس مقصودا بالشراء، ويجوز شراء الفقاع بدون رؤيته وهو شراب يؤخذ من الزبيب ويوضع في كيزان "علب" تسامحا، لأن وجوده في العلب مسدودا عليه لمصلحته ومثله "المربة" ونحوها.
وإذ قد علمت أن رؤية بعض المبيع الدالة على الباقي كافية، فإنك تعلم أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المبيع، فإذا اشترى دارا فإنه لا يكفي أن يرى ظاهرها أو ساحتها، لأن رؤية ذلك لا يدل على باقيها. فلا بد له أن يرى جميع مرافقها من حجر ودورة مياه وسقوف وسطوح وجدران الخ. وإذا اشترى بستانا فإنه لا يكفي في رؤيته معرفة حدوده ومساحته، بل لا بد من أن يرى أشجاره وجدرانه ومجاري المياه التي يسقى منها، وإذا اشترى دابة فإنه لا يكفي رؤية بعضها بل لا بد من رؤيتها كلها. نعم لا يشترط أن يرى أسنانها ولسانها. وإذا اشترى ثوبا فإنه لا يكون مرئيا له إلا إذا نشره حتى ينظر إلى جميع مافيه، وإذا كان منقوضا فإنه لا يكون مرئيا إلا إذا قلبه، وهكذا في كل شيء مختلف الأجزاء، فإن رؤية بعضه لا تدل على رؤية الباقي، فإذا بيع في هذه الحالة لا يصح لعدم رؤيته.
الحنفية - قالوا:
لا يصح بيع الغائب الذي لم يره العاقدان، سواء كان موجودا بمجلس العقد أو لا، وإنما يصح بشرطين:
الأول:
أن يكون المبيع مملوكا للبائع.
الثاني:
أن يبينه بما يرفع الجهالة الفاحشة عنه، فإن كان حاضرا بالمجلس ولكنه مستتر عن نظر المشتري فينبغي بيانه بالإشارة إليه كأن يقول له: بعتك الحيوان الموجود في كمي، أو بعتك ما في هذا الصندوق، وإن كان غائبا عن المجلس فينبغي أنه يبينه إما بالإشارة إلى مكانه، أو بوصفه، أو بإضافته، أو بذكر حدوده، مثال الأول أن يقول:
بعتك الحيوان الموجود في الدار الفلاني وليس في الدار سوى هذا الحيوان والدار معروفة للمشتري.
ومثال الثاني: بعتك اردبا من القمح الهندي أو المصري بكذا، وهذا يجب فيه ذكر القدر كالاردب والكيلة، ومثله كل مكيل أو موزون أو معدود أو مذروع فإنه ينبغي أن يبين قدره، ويصفه بوصف يبين جنسه. ومثال الثالث أن يضيفه إلى نفسه كأن يقول: بعتك جملي وليس له جمل سواه. ومثال الرابع أن يقول: بعتك الأرض المحدودة بحدود كذا.
فيصح بيع الغائب المملوك إذا بين ما يرفع الجهالة الفاحشة كما ذكرنا، ولا تضر جهالته اليسيرة لأنها ترتفع بخيار الرؤية، لأنه إذا اشتراه على هذه الصفة كان له الخيار في إمضاء العقد ورده عند رؤيته، بدون أن يشترط ذلك، لأن خيار الرؤية يثبت بغير شرط. أما إذا باع شيئا ولم يصفه ولم يكن مرئيا للمشتري كأن كان حاضرا في المجلس ولكنه مستتر كالحنطة الموجودة في الكيس "الزكيبة" ولم يشر البائع إليها فإنه يكون فاسدا على الصحيح، وصحح بعضهم جوازه ولكن المعتمد الأول.
وإذا ورث شخص عينا فباعها قبل رؤيتها فإنه لا خيار له، لأن البائع لا خيار له في بيع ما لم يره بالإجماع السكوتي، لأنه وقع الحكم به في محضر من الصحابة، ولم يرو عن واحد منهم خلافه.
ويثبت خيار الرؤية في أربعة مواضع: الأول: الأعيان اللازم تعيينها بحيث لا تكون دينا في الذمة كما إذا اشترى مقدارا معينا من الحنطة غائبا عنه على أن يستلمه. أما إذا اشتراه على أن يكون دينا في ذمة البائع فإنه لا يقبت فيه خيار الرؤية، لأنه يكون مسلما، وليس في المسلم فيه خيار رؤية.
نعم إذا كان رأس مال المسلم "الثمن" عينا فإنه يثبت فيه خيار الرؤية للمسلم إليه "البائع"، أما الأثمان الخالصة "الدراهم والدنانير" فإنه لا يثبت فيها خيار الرؤية، وإذا كان المبيع إناء من أحد النقدين فإنه يثبت فيه خيار الرؤية.
الثاني:

يتبع

ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:45 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الإجارة:
فإذا استأجر أرضا محدودة لم يرها كان له الخيار في ردها عند رؤيتها.
الثالث:
القسمة:
فإذا كان شريكا لآخر في عين فاقتسمها معه ولم يرها كان له خيار الرد عند رؤيتها، ولكن لا يثبت خيار الرؤية في قسمة ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات، فلو اقتسما حنطة موصوفة بدون رؤية في ما عدا ذلك من الأجناس المختلفة والأشياء التي من نوع واحد غير مثلي كالثياب المتحد نوعها، والبقر فقط.
الرابع: الصلح عن دعوى المال على شيء معين، فإذا ادعى شخص أن له عند آخر مالا فاصطلح معه على أن يعطيه عينا لم يرها كان له الخيار في ردها عند رؤيتها.
ويسقط خيار الرؤية بأمور:
أن يحدث في المبيع وهو في يد المشتري فإنه لا يكون له حينئذ الحق في رده بخيار الرؤية.
ثانيا أن يتعذر رده بإحداث تغيير فيه "المبيع" كما إذا مزق ثوبا ليخيطه،
ثالثا: أن يتصرف فيه تصرفا غير قابل للفسخ كالإعتاق،
رابعا: أن يتصرف فيه تصرفا يوجب حقا للغير كأن يرهنه، فإذا اشترى شيئا لم يره ثم رهنه سقط حقه في الخيار، سواء كان ذلك التصرف قبل رؤية المبيع أو بعده، وكذلك إذا باعه بيعا باتا بدون أن يشترط لنفسه "البائع" الخيار أو أجره كذلك، فإن ذلك يسقط حقه في الرد قبل رؤية المبيع أو بعدها.
خامسا: أن يتصرف فيه تصرفا لا يوجب حقا للغير، ولكن بشرط أن يكون ذلك التصرف بعد رؤية المبيع لا قبلها، مثال ذلك:
أن يشترط سلعة لم يرها ثم يبيعها على أن يكون له "البائع" الخيار فإن كان ذلك بعد رؤيتها سقط حقه في خيار الرؤية، وإن كان قبل رؤيتها لم يسقط حقه ومثل ذلك ما إذا عرض تلك السلعة على البيع، أو وهبها لأحد ولم يسلمها له، فإن كان ذلك قبل رؤيتها فإن حقه في الرد بخيار الرؤية لا يسقط، أما إذا كان بعد رؤيته فإنه يسقط بذلك إذا اشترى أرضا لم يرها وكان بجوارها أرض للغير فأخذها بالشفعة، فإن خياره يسقط بذلك بعد الرؤية لا قبلها، سادسا:
أن يقبض المبيع بعد رؤيته.
سابعا: أن يدفع الثمن بعد رؤيته أيضا،
ثامنا: أن يرسل رسوله ليحمله إلى داره فإن خياره يبطل ما دام في داره، فإذا أعاده إلى دار المشتري عاد حقه في الخيار.
تاسعا إذا اشترى أرضا لم يرها ثم أعارها لآخر فزرعها المستعير، أو اشترى أثوابا فلبس واحدا منها فإن خياره يبطل في الجميع.
وبالجملة فكل ما يبطل خيار الشرط، يبطل خيار الرؤية إلا الأشياء التي لا تبطل خيار الرؤية قبل رؤية المبيع بالخيار، وعرض المبيع على البيع، والهبة بلا تسليم، فإنها تبطل شرط الخيار ولا تبطل خيار الرؤية.
هذا ولا يتأفت خيار الرؤية بوقت، فإذا رآه ثم مضت مدة بعد رؤيته يتمكن فيها من فسخ العقد ولم يفسخه فإن خياره لا يسقط على الأصح.
وينفسخ البيع بخيار الرؤية بقول المشتري:
ردت، ولكن يشترط لصحة الرد أن يعلم البائع بذلك، سواء رضي أو لم يرض، ولا يتوقف الرد على القضاء، ولا يمنع الخيار الملك للمشتري، فإذا تصرف فيه على الوجه المتقدم جاز تصرفه وبطل خياره ولزمه الثمن، وكذا إذا هلك في يده أو تعذر عليه رده كما تقدم.
ورؤية البعض الدالة على الباقي كافية، فإذا رأى بعض المبيع قبل العقد فحصل له بتلك الرؤية العلم بباقي المبيع لا يكون له حق خيار الرؤية، لأنه يكون قد اشترى ما قد رآه في هذه الحالة. وإنما تكفي رؤية البعض إذا كان المبيع متساوي الأجزاء كأن كان مكيلا أو موزونا. فإذا رأى المشتري نموذج القمح "عينته" أو الزبيب أو التمر أو البندق أو الزبد أو اللبن ونحو ذلك واشترى على تلك العينة لم يكن له خيار الرؤية، إلا إذا كان الباقي أردأ من العينة، فإنه في هذه الحالة إن كانت الرداءة قد وصلت إلى حد العيب كان له الرد بخيار الرؤية معا. وإن كانت لا تصل إلى ذلك بأن كان الباقي أقل جودة من العينة فقط كان له حق الرد بخيار الرؤية، ومن هذا تعلم أنه تكفي رؤية وجه الصبرة "الكومة" من القمح والشعير واللبن والتمر والعدس وكل مكيل متساوي الأجزاء. أما إذا كانت أجزاؤه مختلفة "كالخلطة" وهي خليط من اللوز والجوز والبندق والخروب ونحو ذلك فإن رؤية ظاهرها لا تكفي.
ويكفي جس الشاة التي تشتري لأكلها لحما، فلو جسها أعمى كفى ذلك عن رؤيتها. أما الشاة التي تشتري للقنية "للنسل لا للتجارة" فإن رؤيتها تكون بالنظر إلى جسدها، ورؤية البقرة الحلوب تكون بالنظر إلى ضرعها.
أما الدور فإنه لا بد من رؤية داخلها ورؤية حجرها ومرافقها إذا كانت مشتملة على ذلك، لأن رؤية خارجها لا يدل على رؤية باقيها.
لا تكفي رؤية الدهن ونحوه من خارج الزجاج، كما لا تكفي رؤية المبيع في المرآة لأنه لم ير عينه:
وإذا رأى سمكا في ماء يمكن تناوله بدون اصطياده فقيل:
تكفي هذه الرؤية، وقيل لا تكفي.
وإن اختلف البائع والمشتري في صفة المبيع بأن قال المشتري: لم أجد المبيع على الصفة التي رأيت بها العينة، وقال البائع: هو على تلك الصفة فلا يخلو:
إما أن تكون العينة موجودة أو تكون قد ضاعت، فإن كانت موجودة فإنها تعرض على أهل الخبرة فيتضح الحال. أما إن كانت قد ضاعت فإن كان المبيع حاضرا ولكنه مستور في كيس "زكيبة". كان القول للبائع والبينة للمشتري، لأنهما في هذه الحالة يكونان متفقين على أن عين المبيع هي الحاضرة المستترة، ومختلفين على الصفة، فالمشتري لم ينكر العين حتى يكون له القول، بخلاف ما إذا كان المبيع غائبا فإن المشتري ينكر كون هذا هو المبيع فيكون القول له.
المالكية - قالوا:
إذا باع سلعة غائبة لم يرها المشتري فإن ذلك له حالتان:
الحالة الأولى:
أن تكون غائبة عن رؤية المشتري ولكنها حاضرة في مجلس العقد، كالحنطة في الكيس، والسكر في الصندوق، وفي هذه الحالة لا يصح البيع إلا برؤية السلعة ما لم يكن في فتحها ضرر وفساد.
الحالة الثانية:
أن تكون غائبة عن مجلس العقد، سواء كانت خارج البلد، أو كانت بالبلد، وسواء أمكن حضورها بسهولة أو لا، وفي هذه الحالة يصح بيعها بدون رؤية. وعلى كلتا الحالتين فإنه يصح البيع بدون رؤية إلا إذا تحقق واحد من أمرين:
أحدهما:
وصف السلعة بما يعين نوعها أو جنسها.
ثانيهما:
أن يشترط الخيار برؤية المبيع، فإن باع سلعة بيعا باتا بدون أن يراها المشتري وبدون أن توصف له من غير البائع، "أو من البائع على المعتمد" فإن البيع يقع فاسدا، وأما إذا وصف له فإنه يقع صحيحا، ولا يكون له الخيار عند رؤيتها إلا إذا كانت معينة. أو كانت على غير الصفة التي اشتراها عليها كما يأتي بعد هذا. أما إذا باع سلعة بشرط أن يكون للمشتري الخيار ولم يصفها صح البيع وكان للمشتري الخيار عند رؤيتها.
ويعتبر المبيع مرتبا برؤية بعضه إن كان مثليا أو مكيلا كالقمح، أو موزونا كالقطن، أو معدودا كالبيض. أما غير المثلي وهو الذي يقوم بلا كيل أو وزن أو عد فإن رؤية بعضه لا تكفي على ظاهر المذهب، فإذا باع قمحا رأى المشتري بعضه "عينته" فإن البيع يصح، ومثل رؤية العينة سماع ما كتب من وصفها في البرنامج "دفتر التاجر".
وإذا كان للمبيع قشرة كالرمان والجوز واللوز والبيض والبطيخ، فإنه يكفي برؤية بعضه أيضا وإن لم يكسره ويعرف ما في داخله، فإذا وجد الباقي مخالفا لما رآه مخالفة يسيرة فلا كلام له، وإن وجده مخالفا مخالفة شديدة كان له الخيار في إمساكه ورده، وإذا كان بالبعض الذي رآه عيب علمه ولكنه تسامح فيه، فإن كان ذلك العيب مما يغلب وجوده في جميع المبيع كالسوس فإنه لا كلام للمشتري لأنه علمه ورضي به وإن كان مما يوجد في البعض الذي رآه ويظن أن الباقي سليم كأعلى الكيس الذي أصابه بلل فغيره فإنه له رده إذا رآه كله متغيرا، وإذا رأى المبيع قبل العقد بزمن لا يتغير فيه عادة فإنه يصح شراؤه بلا شرط، أما إذا رآه قبل ذلك بزمن يتغير فيه عادة فإنه لا يصح البيع بدون شرط الخيار عند رؤيته.
وإن اختلف البائع والمشتري في ذلك فقال المشتري: إن صفته التي اشتريته عليها تغيرت، وقال البائع:
لم تتغير، فإنه يسأل في ذلك أهل الخبرة، هل المدة التي بين رؤيته قبل البيع ورؤيته بعده يتغير فيها المبيع عادة أو لا؟ فإن جزم بأنه يتغير كان القول للمشتري، وإن جزم بأنه لا يتغير كان القول للبائع، ولا يمين على واحد منهما، ومثل ذلك ما إذا رجح التغيير أو عدمه فإنه يكون القول للمشتري إذا قال أهل الخبرة:
إنه يظن أن يتغير، ويكون القول للبائع إذا قال أهل الخبرة:
إنه يظن أنه لا يتغير، ولكن يحلف من رجح له في هذه الحالة. أما إذا شك أهل الخبرة فلم يجزم بشيء ولم يرجح شيئا كان على البائع أن يحلف بأن المبيع باق على الصفة التي رآه بها المشتري ويتم البيع.
وإن اختلفا فيما اشتراه على وصفه بالبرنامج "الدفتر" فقال المشتري:
إنه وجده على غير المكتوب في الدفتر. وقال البائع:
إن المبيع موافق لما كتبه في الدفتر وإن المشتري جاءه بغير المبيع، كان القول للبائع بيمينه، فيحلف بأن الذي باعه موافق للمكتوب، فإن حلف فلا شيء وإن نكل حلف المشتري أنه لم يغير ما وجده، فإن حلف فله رده على البائع، وإن أبى لزمه ما أتى به ولا شيء له على البائع. وهل يصح للبائع أن يبيع الغائب مع اشتراط تعجيل دفع الثمن أو لا؟ وأيضا هل يصح للمشتري أن يتطوع بدفع الثمن معجلا من غير شرط أو لا؟ والجواب أن في ذلك أحوالا:
أحدها:
أن يكون المبيع الغائب عقارا والبيع بات لا خيار فيه، وفي هذه الحالة يجوز للبائع أن يشترط تعجيل دفع الثمن بشرط أن يكون المشتري قد اشترى ذلك المبيع على وصف غير البائع، أما إذا اشتراه على وصف البائع فإنه لا يصح اشتراطا تعجيل الثمن، ولكن يصح للمشتري أن يتطوع بدفع الثمن. الحالة الثانية: أن يكون المبيع عقارا ولكنه اشتراه بشرط الخيار أو الاختيار، وفي هذه الحالة لا يصح اشتراط تعجيل دفع الثمن ولا التطوع بدفعه. الحالثة الثالثة:
أن يكون المبيع الغائب غير عقار، وفي هذه الحالة يصح اشتراط تعجيل دفع الثمن بأربعة شروط: أحدها:
أن يكون البيع باتا لا خيار فيه.
ثانيها أن يكون قد اشتراه بناء على رؤية سابقة على العقد أو وصف غير البائع.
ثالثها:
أن لا يكون المبيع بعيدا عن محل العقد مسافة تزيد على يومين.
الحنابلة - قالوا:
يصح بيع الغائب بشرطين:
الأول:
أن يكون المبيع من الأشياء التي يصح فيها السلم، وهي الأشياء التي يمكن تعيينها بالوصف كالمكيلات والموزونات، فإنه يمكن ضبطها بالكيل والوزن، فيصح في الحنطة المتساوية والأرض، بخلاف المعدود المختلفة أفراده كالرمان والتفاح فإن بعضه كبير وبعضه صغير. وكالجواهر المختلفة وغير ذلك مما سيأتي في السلم.
الثاني:
أن يصفه بالصفات التي تضبطه، وهي الأوصاف التي يترتب على ذكرها وعدمه اختلاف في الثمن غالبا وهي التي تكفي في السلم، فإذا باع سلعة غائبة فإنه يجب أن يذكر جنسها كأن يقول مثلا: أبيعك تمرا ثم يذكر نوعها فيقول:
تمر أسيوطي، أو زغلولي، أو واحي، ثم يذكر حبه فيقول:
صغير، أو كبير، ثم يذكر لونه فيقول:
أحمر أو أصفر وهكذا كل مبيع غائب كما سيأتي في السلم، فإذا اشترى شخص شيئا لم يره ولم يوصف له أصلا، أو وصف له وصفا ناقصا لا يضبطه فإن العقد لا يصح. ومثل المشتري في ذلك البائع، فإذا ورث شخص شيئا في بلد بعيدة عنه ولم يوصف له بوصف يضبطه فإنه لا يصح بيعه.
ثم إن المبيع بالصفة ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
أن يكون عينا معينة بإضافة أو إشارة أو نحوهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المبيع غائبا عن مجلس العقد كأن يقول: بعتك جملي "الغائب"، أو يكون حاضرا فيه ولكنه مغطى كالقمح في الكيس، والتين في الكيس أيضا، والسكر في الصندوق ونحو ذلك. ويتعلق بهذا القسم أحكام؛ أولا:
إن للمشتري الحق في رده إذا وجد فيه عيبا، أو وجده غير مطابق للصفة التي اشتراه عليها وينفسخ العقد بذلك.
ثانيا:
إذا تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري فسخ العقد وضاع المبيع على البائع، وليس للمشتري الحق في طلب بدله، لأن الحق وقع على عين المبيع، فمتى تلف فسخ العقد كبيع الحاضر، فإذا شرط البائع على نفسه ذلك بأن قال:
أبيعك هذه السلعة الغائبة الموصوفة بكذا بشرط أنها إن لم تكن على هذه الصفة أعطيتك سلعة بدلها موصوفة بتلك الصفة بطل العقد.
ثالثا يجوز للمتعاقدين أن يتفرقا قبل قبض المبيع وقبل قبض الثمن متى تم الإيجاب والقبول كبيع الحاضر بالمجلس بدون فرق.
القسم الثاني:
بيع موصوف غير معين بإضافة أو إشارة ونحوهما بشرط أن يذكر جميع صفاته التي تضبطه كما في السلم، وذلك كأن يقول:
بعتك جملا أبيض سمينا قادرا على حمل كذا إلى آخر صفاته، وهذا النوع في حكم السلم وليس سلما حقيقيا لأنه غير مؤجل ويتعلق به حكمان:
أحدهما: أن للمشتري أن يرده إذا وجده على غير الصفة التي ذكرت له ولا ينفسخ العقد بذلك فللبائع أن يعطيه جملا بدله متصفا بتلك الصفة، لأن العقد لم يقع على عينه بل على عين موصوفه بتلك الصفة. ثانيهما: لا يجوز للمتعاقدين أن يتفرقا من المجلس قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه، فإن تفرقا قبل ذلك بطل العقد لأنه في معنى السلم، وكذلك لا يصح أن يكون البيع في هذا القسم بلفظ سلم أو سلف، لأنه يكون حينئذ سلما وهو لا يصح إلا إذا كان المبيع مؤجلا غير حال ومن هذا النوع ما يقع كثيرا بين التجار في البلدان المختلفة فإنهم يشترون الأشياء غير المعينة الموصوفة بالصفات التي تضبطها وقد عرفت أنه جائز.
أما النموذج "العينة" بفتح العين وتشديد الياء كأن يريد قدحا من القمح فيشتري إردبا على أنه من جنسه فإنه باطل، لأنه لم يرد المبيع في هذه الحالة. بخلاف رؤية البعض الدالة على الباقي كما إذا رأى ظاهر ثوب غير منقوش فإن رؤية ظاهره تدل على باقيه، أما إذا كان منقوشا نقوشا مختلفة رؤية بعضها لا يدل على رؤية الباقي فإنها لا تكفي. وكذلك إذا رأى ظاهر صبرة "كومة" من القمح مثلا فإنه يكفي في رؤية الجميع لأن أجزاءها متساوية فتدل رؤية بعضها على الباقي، أما إذا رأى ظاهر كومة مركبة من أجزاء مختلفة "كالخلطة" البندق واللوز والبلح والجوز والخروب فإن رؤية ظاهرها لا يكفي، بل لا بد من أن يقبلها حتى يصح بيعها.
ويصح البيع بالرؤية السابقة على العقد بزمن كما إذا رأى شيئا ثم اشتراه بعد رؤيته، ويشتمل هذا على ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن يكون المبيع مما لا يطرأ عليه التغيير في المدة التي رآه فيها قبل العقد يقينا.
الصورة الثانية:
أن يكون مما لا يطرأ عليه التغيير في تلك المدة ظاهرا، وتقدر المدة بالنسبة إلى كل شيء بحسب حاله، فالفاكهة تتغير في مدة قريبة، والحيوان يتغير إذا مضى عليه زمن كثير، والعقار يتغير إذا مضى عليه زمن أكثر.
وحكم هذا: أن البيع يقع صحيحا في الصورتين، سواء كان المبيع في مكان قريب أو بعيد ولو كان البائع غير قادر على تسليمه في الحال، ولكن يشترط أن يقدر على استحضاره، ثم إن وجده المشتري لم يتغير عن حاله فلا خيار، وإن وجده متغيرا فله فسخ البيع على التراخي كخيار العيب، ما لم يحصل منه ما يدل على الرضا مما تقدم في مبحث خيار الشرط.
الصورة الثالثة:
أن يكون المبيع مما يطرأ عليه التغيير في المدة التي رآه فيها قبل العقد يقينا أو ظنا أو شكا فإن العقد لا يصح، لأن المشتري يعلم به في هذه الحالة.
وإذا اختلف المتعاقدان في الصفة فقال المشتري:
بعت لي الثوب على أنه مصري وقال البائع:
بل على أنه شامي، أو قال المشتري:
إن المبيع الذي رأيته قبل العقد تغيرت صفته، وقال البائع: بل هو باق على حاله، فإن القول في الحالتين يكون للمشتري بيمينه



ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:46 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 202 الى صــــــــ
208
الحلقة (103)

[مبحث البيع الفاسد وما يتعلق به]
الفاسد (1) والباطل بمعنى واحد في عقود البيع، فكل فاسد باطل وبالعكس وهو ما اختل فيه شيء من الشروط والأركان التي سبق ذكرها، والبيوع الفاسدة كلها محرمة فيجب على الناس اجتابها.
وهي كثيرة:
منها (1) : بيع الجنين وهو في بطن أمه، كما إذا كانت عنده ناقة حامل فباع جنينها قبل أن تلده فإن ذلك بيع فاسد لا يحل،
ويسمى ذلك بيع الملاقيح جمع ملقوحة:
وهي ما في البطون من الأجنة.
ومنها: نتاج النتاج إذا كانت عنده نعجة حامل فباع ما يتناسل من حملها، ويسمى هذا حبل الحبلة، وهو أظهر فسادا من الأول.ومنها بيع ما في أصلاب ذكور الحيوانات من المني،
ويسمى بيع المضامين:
أي ما تضمنته أصلاب الحيوانات من المني، فمن كان عنده جمل أو حمارا أو ثور ونحوها وطلبه منه أحد ليستولد به أنثى من جنسه، فإنه لا يحل له أن يبيعه ماء ذلك الفحل، لأن ماء الفحل ليس مالا متقوما حتى يباع فضلا عن كونه غير مقدور على تسليمة، لأنه قد يمتنع عن طريق الأنثى فلا يستطيع أحد إجباره. وكما لا يصح بيع مني الفحل، فكذلك لا تصح (2) .إجارته لمن يطلبه ليطرق الأنثى، وينبغي له يملكه أن يعيره خصوصا إذا توقف عليه التناسل في جهته، فإذا أبى أن يعيه فإنه يصح أن يستأجره منه مدة لعمل مطلق بحيث لا يذكر إنزاءه على الأنثى ولا غيره، وله بعد ذلك أن يستعمله في هذا الغرض.
[مبحث البيع بشرط]
ومن البيوع الفاسدة البيع بشرط فاسد لا يقتضيه العقد، وفي بيانه تفصيل في المذاهب(1) .

(1) الحنفية - قالوا:
إن الباطل والفاسد في البيع مختلفان، فلكل واحد منهما معن يغاير معنى الآخر، فالباطل هو ما اختل ركنه أو محله، وركن العقد هو بالإيجاب والقبول كما تقدم. فإذا اختل ذلك الركن كأن صدر من مجنون أو صبي لا يعقل، كان البيع باطلا غير منعقد. وكذلك إذا اختل المحل وهو المبيع كأن كان ميتة أو دما أو خنزيرا فإن اليع يكون باطلا. وأما الفاسد فهو ما اختل فيه غير الركن والمحل كما إذا وقع خلل في الثمن بأن كان خمرا. فإذا اشترى سلعة يصح بيعها وجعل ثمنها خمرا انعقد البيع فاسدا ينفذ بقبض المبيع ولكن على المشتري أن يدفع قيمته غير الخمر، لأن الخمر لا يصلح ثمنا كما تقدم. وكذلك إذا وقع الخلل فيه من جهة كونه غير مقدور التسليم، كما إذا باع شيئا مغصوبا منه ولا يقدر على تسليمه، أو وقع الخلل فيه من جهة اشتراط شرط لا يقتضيه العقد كما سيأتي، فإن البيع في هذه الأحوال فاسدا لا باطلا. ويعبرون عن الباطل بما لم يكن مشروعا بأصله ووصفه، ويريدون بأصله ركنه ومحله كما عرفت، ومعنى كون الركن مشروعا. أن لا يعرض له خلل، ومعنى كون المحل مشروعا:
أن يكون مالا متقوما. وقد تقدم تعريف المال المتقوم في تعريف البيع، ويريدن بوصفه ما كان خارجا عن الركن والمحل كالشرط المخالف لمقتضى العقد، وكالثمنية فهي صفة تابعة له وإن كان البيع يتوقف على الثمن أيضا ولكن الأصل فيه المبيع، ولذا ينفسخ البيع بهلاك المبيع دون هلاك الثمن لأن الثمن ليس مقصودا وإنما هو وسيلة للانتفاع بالأعيان، فاعتبر من هذه الناحية وصفا خارجا عن البيع، وحكم البيع الفاسد:
أنه يفيد الملك بالقبض، بخلاف البيع الباطل فإنه لا يفيد الملك أصلا وسيأتي.
وأما البيع الموقوف وهو بيع ما تعلق به حق للغير فإنه من أقسام الصحيح، لأنه ينعقد بدون أن يتوقف على القبض
(1) الحنفية - قالوا:
بيع الملاقيح، وبيع حبل الحبلة، وبيع المضامين باطل لا فاسد للعلة المذكورة، فالخلل في المبيع يوجب بطلان العقد كما عرفت
(2) المالكية - قالوا:
يصح استئجار الفحل ليطرق الأنثى من جنسه لتحمل زمانا معينا، كيوم أو يومين، أو ليطرقها مرة أو مرتين، أو مرات متعددة، فإن حملت - ويعرف حملها بإعراضها عن قبول الفحل - كان لصاحبها الحق في أجرة المدة التي قضاها عنده، أو المرات التي طرق بها الأنثى فيحاسب بنسبة ذلك من أصل الأجرة، أما تأجيره بدون تعيين زمان أو مرات حتى تحمل الأنثى فإنها إجارة فاسدة لجهالة ذلك، وربما لا تحمل الأنثى مطلقا فيقع النزاع بينهما، ومن ذلك ما إذا باع شخص لآخر بشرط أن ينفق عليه مدة حياته كأن قال له:
بعتك داري بشرط أن تنفق علي نفقة المثل ما دمت حيا، فإن البيع يفسد في هذه الحالة لجهالة مدة الحياة، نعم إذا عين مدة معلومة كأن قال له: بعتك داري عى أن تنفق علي عشر سنين مثلا فإنه يصح. وإذا مات البائع أثناء المدة انتقل حقه لورثته أو لبيت المال، أما إذا قال له:
وهبتك داري لتنفق علي مدة الحياة. أو مدة معينة فإنه لا يصح
(1) الحنفية - قالوا:
إنما يفسد البيع بالشرط إذا كان الشرط مقارنا للعقد كما إذا قال له: بعتك هذه الدار بشرط أن تقرضني مائة جنيه فهذا الشرط فاسد يفسد العقد، بحيث إذا قبض المشتري الدار ينفذ العقد ويلزم بقيمة المبيع كما هو حكم المبيع الفاسد في كل أمثلته، فإذا تم البيع ولم يكن الشرط مقارنا له، بل جاء بعده فلا يلتحق به على الأصح. وضابط الشرط الفاسد ما اجتمع فيه أمور:
أحدها:
أن يكون الشرط لا يقتضيه العقد، ومعنى كون العقد لا يقتضيه أنه لا يفهم من صيغته بدون ذكره. فمثال ما يقتضيه العقد:
تسليم المبيع على البائع، وتسليم الثمن على المشتري فإن العقد يقتضي ذلك بصيغته. فإذا شرط في العقد تسليم المبيع أو تسليم الثمن كان شرطا يقتضيه العقد ومثال ما لا يقتضيه العقد ما إذا باع بشرط قرضه كما مثل أو لا فإن القرض لا يفهم من صيغة العقد بدون ذكره.
ثانيا:
أن يكون الشرط غير ملائم للعقد، فإن كان ملائما للعقد وإن لم يكن مقتضاه فإن البيع يكون صحيحا، ومعنى كونه يلائم العقد. أنه يؤكد ما يوجبه العقد، ومثاله أن يبيع شيئا بشرط أن يحضر له المشتري كفيلا بالثمن. فإن الكفيل يؤكد ما يوجبه العقد من دفع الثمن. ويشترط في الكفيل أن يكون معلوما بالإشارة أو التسمية، وأن يقبل الكفالة في مجلس العقد، سواء كان حاضرا أو كان غائبا عن مجلس العقد ثم حضر قبل أن يتفرق العاقدان. فإذا لم يكن الكفيل معينا ولا مسمى فالعقد فاسد. وإذا كان الكفيل حاضرا في مجلس العقد وأبى أن يقبل الكفالة حتى افترقا. أو اشتغلا بعمل آخر كان العقد فاسدا ولو قبل بعد ذلك. ومثل ما إذا باع شيئا بشرط أن يرهن المشتري عنده بالثمن رهنا فإن ذلك الشرط يؤكد معنى البيع، ويشترط في الرهن أن يكون معلوما بالإشارة أو التسمية، فإن لم يكن الرهن معلوما ولكن سماه المشتري فقط، فإن كان عرضا لم يجز، أما إن كان مكيلا أو موزونا موصوفا فالبيع جائز، وإن لم يكن الرهن معينا ولا مسمى كأن شرط البائع أن يرهنه المشتري رهنا بدون أن يسمي شيئا فإن البيع يكون فاسدا. إلا إذا تراضيا على تعيين الرهن في المجلس ودفعه المشتري إليه قبل أن يتفرقا، أو دفع المشتري الثمن معجلا فإن البيع يجوز في الحالتين.
ثالثا:
أن يكون الشرط قد ورد الشرع بجوازه وإن كان لا يقتضيه العقد ولا يلائمه كشرط الخيار والأجل. ومثل ورود الشرع في ذلك الشرط المتعارف، وذلك كما إذا اشترى "جزمة" بشرط أن يخيط البائع أزرارها، فإن الشرط في ذلك متعارف فيصح البيع، وكذا إذا اشترى حذاء جديدا "جزمة أو مداسا" بشرط أن يخيط البائع له المداس القديم، أو اشترى قبقابا بشرط أن يسمره البائع أو يسمر له قبقابه القديم، فإن هذا البيع صحيح لأن العرف جرى على هذا.
رابعا: أن يكون لأحد المتعاقدين فيه منفعة، فإن لم يكن فيه لأحد المتعاقدين منفعة فإنه لا يفسد العقد ولو كان لا يقتضيه ولا يلائمه ولم يرد به الشرع ولا العرف.
ويتضح من هذا أن الشرط الفاسد:
هو ما كان شرطا لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولم يرد به الشرع ولا العرف، وكان لأحد المتعاقدين فيه منفعة.
وقد علمت مما تقدم أن حكم البيع الفاسد: هو ثبوت الملك بعد قبضه، فإذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع سواء كان الإذن صريحا كأن قال له: خذ السلعة التي اشتريتها، أو كان ضمنا بأن قبضه في مجلس العقد بحضرة البائع ولم ينهه البائع عنه ولم يكن فيه خيار شرط. ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
الأول:
بيع الهازل فإن المبيع لا يملك بقبضه.
الثاني:
أن يشتري الأب من مال طفله سلعة لنفسه فإن يقع فاسدا، ولا يملكه الأب بالقبض وإنما يملكه بالاستعمال.
الثالث:
أن يبيع الأب من ماله لطفله، ويكون المبيع في الأمور الثلاثة أمانة في يد المشتري، وإذا ملك المشتري في البيع الفاسد المبيع بقبضه كان له حق التصرف فيه تصرف المالك، ولا شفعة لجاره فيه، ولو كان عقارا إلا في أمور:
منها: أنه لا يحل له أكله ولا لبسه.
ويتضح لك مما تقدم أن البيع لا يبطل بالشرط في مواضع أهمها ما يلي:
-1 - إذا باع شيئا بشرط رهن معلوم بإشارة أو تسمية.
-2 - إذا باع بشرط كفيل حاضر أو غائب ولكنه حضر قبل أن يتفرقا من المجلس وكفل، أما إذا لم يحضر ثم كفل بعد أن علم فإن البيع يفسد.
-3 - إذا اشترى شيئا بشرط أن يحيل البائع بالثمن على غيره.
-4 - إذا باع بشرط إشهاد على البيع.
-5 - إذا باع بشرط خيار الشرط المدة الجائزة "ثلاثة أيام".
-6 - إذا باع بشرط أن ينقد الثمن. فإذا لم ينقده إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما.
-7 - إذا اشترى بشرط تأجيل الثمن إلى أجل معلوم.
-8 - إذا باع بشرط البراءة من العيوب.
-9 - إذا باع بشرط أن تكون الثمار المبيعة على المشتري. وكذا إذا اشترى بشرط تركها على النخل بعد إدراكها فإنه صحيح على المفتى به.
-10 - إذا اشترى بشرط وصف مرغوب فيه، كما إذا اشترى دابة بشرط كونها سريعة.
-11 - إذا باع أرضا بشرط كونه الطريق لغير المشتري.
-12 - شرط حذو النعل.
-13 - شرط خرز الخف.
الشافعية - قالوا:
للشروط في عقد البيع خمسة أحوال:
الحالة الأولى:
أن يكون الشرط مقتضى العقد "ومقتضى العقد هو ما رتبه الشارع عليه" فعقد البيع رتب عليه الشارع ملك المبيع والثمر بقبضه، فإذا اشترط المشتري قبض المبيع والبائع قبض الثمن، كان ذلك الشرط مقتضى العقد فيصح. وكذلك إذا اشترى شيئا بشرط أن يرده إذا وجد فيه عيبا فإن ذلك الشرط صحيح، لأن الشارع قد رتب على عقد المنفعة بالمبيع، والعيب ينافي ذلك فهو شرط يقتضيه العقد.
الحالة الثانية:
أن يكون الشرط لصحة العقد كأن يشترط قطع الثمرة. فإنه لا يصح شراء الثمرة قبل ظهور صلاحها بدون أن يشترط قطعها كما يأتي، فالشرط في هذه الحالة ضروري لصحة العقد.
الحالة الثالثة:
أن يكون الشرط فيه مصلحة كما إذا اشترى دابة بشرط كونها حاملا، فإن هذا الشرط فيه مصلحة زائدة. ومثل ذلك ما إذا اشترط أن يكون المبيع غير مرهون، فإنه شرط لمصلحة العقد.
الحالة الرابعة:
أن يكون الشرط لغوا كأن يشتري حيوانا بشرط أن يأكل الربيع اليابس، فإن مثل هذا الشرط لا يضر.
الحالة الخامسة:
"أن يكون الشرط مما لا يقتضيه العقد ولم يكن لمصلحته وليس شرطا لصحته،أو كان لغوا" وذلك هو الشرط الفاسد الذي يضر بالعقد، كما إذا قال له بعتك بستاني هذا بشرط أن تبيعني دارك، أو تقرضني كذا، أو تعطيني فائدة مالية. وإنما يبطل العقد بشرط ذلك إذا كان الشرط في صلب العقد، أما إذا كان قبله ولو كتابه فإنه يصح. أو يقول:
بعتك زرعا بشرط أن تحصده، أو ثوبا بشرط أن تخيطه، أو بطيخا أو حبطا بشرط أن تحمله. وغير ذلك ما لا يقتضيه العقد وليس في مصلحته ولا شرطا في صحته. وإذا باع له شيئا بثمن مؤجل إلى أجل معلوم بشرط أن يدفع له رهنا معلوما كأن يقول له
: بعتك هذه الدار بثمن في ذمتك بشرط أن ترهنني به الفدان الفلاني، أو الأرض الفلانية المعينة فإنه يصح. أما إذا لم يعين بأن قال له:
ترهنني به شيئا أو أرضا فإن البيع يكون فاسدا. ومثل ذلك ما إذا باع له شيئا بشرط أن يحضر له كفيلا. فإن كان الكفيل معلوما صح، وإن كان مجهولا فإنه لا يصح.
ويشترط في المرهون أن يكون غير المبيع وغير الثمن. فإذا قال له بعتك هذا الجمل بكذا على أنه يكون تحت يدي مرهونا حتى تعطيني ثمنه فإنه لا يصح. وكذا إذا قال له المشتري: اشتريت منك جملا موصوفا بكذا في ذمتك على أن يكون ثمنه مرهونا عندي حتى أقبضه فإنه لا يصح.
ويشترط في بطلان البيع بذلك أن يكون الشرط في صلب العقد كما ذكر في المثالين، فإن كان بعد تمام العقد بعد قبض المبيع فإن العقد لا يبطل بشرط الرهن.
ويكون المرهون معلوما بالمشاهدة أو الوصف بصفات السلم. أما الكفيل فيكون معلوما بالمشاهدة أو الاسم والنسب. فلا يكفي في معرفته الوصف كأن يقول: بعتك بشرط. كفيل غني موسر ونحو ذلك.
المالكية - قالوا:
الشرط الذي يحصل عند البيع له أربعة أحوال:
الحالة الأولى:
أن يشترط شرطا لا يقتضيه العقد وهو ينافي المقصود منه، وذلك كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع أو لا يهب أو لا يركب الدابة أو لا يلبس الثوب، أو على أنه إذا باعها فهو أحق بها بالثمن، بخلاف ما إذا باع له شيئا ثم طلب أن يقبله منه فقال له المشتري:
أقيلك بشرط إن بعتها لغيري فأنا أحق بالثمن فيجوز، لأنه يغتفر في الإقالة مالا يغتفر في غيرها، وهذا الشرط مفسد للبيع.
الحالة الثانية:
أن يشترط شرطا يخل بالثمن، كما إذا باع له شيئا بشرط أن يقرضه مالا فإن شرط القرض يخل بالثمن. لأنه إن كان من البائع فإنه يبيع السلعة بنقص. وإن كان من المشتري فإنه يشتريها بزيادة. وأما إذا باعه دارا ثم سلفه مالا بدون شرط فإنه لا يضر على المعتمد. وهذا الشرط يفسد البيع، فالبيع فاسد بالشرط في هاتين الحالتين.
الحالة الثالثة:
أن يشترط شرطا يقتضيه العقد، فشرطه تأكيد لا يضر.
الحالة الرابعة:
أن يشترط شرطا لا يقتضيه العقد ولا ينافيه، كما إذا باعه بشرط الأجل، أو الخيار، أو الرهن، أو الضمان، أو الأجل المعين. فإن البيع في كل هذا صحيح. وكذلك الشرط.
الحنابلة - قالوا:
تنقسم الشروط عند البيع إلى قسمين: القسم الأول: صحيح لازم يجب على من شرط عليه أن يوفي به، وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
أن يشترط ما يقتضيه العقد - أي يطلبه البيع بحكم الشرع، وذلك كالتقابض. وحلول الثمن، وتصرف كل واحد من العاقدين فيما يصير إليه من مبيع وثمن، ورد المبيع بعيب قديم ونحو ذلك مما يترتب على العقد شرعا وإن يم يذكر. فإذا شرط أحد المتعاقدين شيئا من ذلك فإنه لا يضر العقد شيئا. فوجده كعدمه.
النوع الثاني:
أن يشترط شرطا من مصلحة العقد كأن يشترط صفة في الثمن كتأجيله، أو تأجيل بعضه إلى وقت معلوم، فإن في ذلك مصلحة تعود على المشتري. أو يشترط البائع أن يرهن شيئا معينا بالثمن أو ببعضه، فإن في ذلك مصلحة تعود على البائع، وللبائع أن يرهن المبيع نفسه على ثمنه كما إذا قال له:
بعتك هذا على أن يكون رهنا عندي على ثمنه فإنه يصح. وكذا إذا اشترط البائع ضمانة شخص معين بالثمن أو بعضه فإنه يصح، لأن فيه مصلحة تعود على البائع. وإنما يصح للبائع أن يطلب الرهن والضمانة قبل تمام العقد، فإذا طلب ذلك بعده فإنه لا يجاب لطلبه. وكأن يشترط في نفس المبيع كاشتراط ركوب الدابة سريعة مشيتها سهلة، أو تحلب لبنا أو غزيرة اللبن، أو كون الفهد صيودا، أو الطير مصوتا، أو يبيض. أو كون الأرض خراجها كذا.
فإن كل هذه الشروط صحيحة يلزم الوفاء بها. فإن وفى بها من شرطت عليه لزم البيع؛ وغلا فإن لمن اشترطها الحق في فسخ البيع لفوات الشرط، أو له عوض ما فاته من الشرط. وإذا تعذر على المشتري رد البيع تعين له العوض. النوع الثالث:
أن يشترط البائع منفعة مباحة معلومة في المبيع، كما إذا باع دارا واشترط أن يسكنها مدة معلومة كشهر ونحوه، أو باع جملا واشترط أن ييحمله أو يحمل متاعه إلى موضع معين فإن ذلك يصح:
كما يصح حبس المبيع على ثمنه. وللبائع أن يؤجر ما اشترطه من المنفعة وأن يعيره لغيره. ومثل ذلك ما إذا اشترط المشتري منفعة خاصة يقوم له بها البائع، إذا اشترط عليه أن يحمل المبيع إلى داره أو يخيط له الثوب، أو يحصد له الزرعن أو يقطع له الثمرة، أو يصنع له الحديد سكينا أو نحو ذلك، فكل هذه الشروط صحيحة يلزم البائع فعلها إلا إذا كانت مجهولة، كما إذا اشترط أن يحمل له المبيع إلى داره وكانت داره مجهولة، فإن الشرط يكون فاسدا ولكن البيع يكون صحيحا.
القسم الثاني: من الشروط التي تشترط عند البيع: الشروط الفاسدة التي يحرم اشتراطها وهي ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
أن يشترط أحد العاقدين على صاحبه عقد آخر، كأن يبيعه داره بشرط قرض. أو يشترط أن يبيعه جمله، أو يؤجر له أرضه، أو يشاركه في تجارة أو زراعة أو غير ذلك من العقود، فهذا الشرط يفسد البيع. ومثل ذلك ما إذا قال:
بعتك داري بكذا على أن تزوجني ابنتك، أو على أن تنفق على خادمي أو نحو ذلك.
النوع الثاني:
أن يشترط في العقد ما ينافي مقتضاه، كما إذا اشترى سلعة بشرط أن تروج فإذا كسدت فإنه يردها، أو يشترط أن يبيعها بدون خسارة فإذا خسرت كانت الخسارة على البائع، أو باع شيئا بشرط أن المشتري لا يبيعه، أو باع شيئا بشرط أن يجعله المشتري وقفا ونحو ذلك. ومثل هذه الشروط فاسدة لا يعمل بمقتضاها، ولكن البيع صحيح فلا يبطل باشتراطها.
النوع الثالث:
أن يشترط البائع شرطا يعلق البيع عليه كقوله:
بعتك إن جئتني بكذا. أو بعتك إن رضي فلان ونحو ذلك، وهذا الشرط يفسد البيع إلا إذا قال:
بعت إن شاء الله، وقبلت إن شاء الله فإنه يصح

ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:47 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 209 الى صــــــــ
220
الحلقة (104)

[مبحث بيع النجس والمتنجس]
ومن البيوع الباطلة بيع النجس أو المتنجس على تفصيل في المذاهب (1) .
[مبحث بيع الطير في الهواء]
ومن البيوع الفاسدة بيع الطير في الهواء لعدم القدرة على تسليمه على تفصيل في المذاهب(2) .
وللبيوع الفاسدة أمثلة كثيرة غير ذلك مفصلة في المذاهب(3)
وللبيوع الفاسدة أمثلة كثيرة غير ذلك مفصلة في المذاهب(4)

(1) المالكية - قالوا:
لا يصح بيع النجس كعظم الميتة وجلدها ولو دبغ لأنه لا يطهر بالدبغ، وكالخمر والخنزير وزبل مالا يؤكل لحمه، سواء كان أكله محرما كالخيل والبغال والحمير، أو مكروها كالسبع والضبع والثعلب والذئب والهر، فإن فضلات هذه الحيوانات ونحوها لا يصح بيعها. وكذلك لا يصح بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كزيت وعسل وسمن وقعت فيه نجاسة على المشهور، فإن الزيت لا يطهر بالغسل.
وبعضهم يقول:
إن بيع الزيت المتنجس ونحوه صحيح لأن نجاسته لا توجب إتلافه، وأيضا فإن بعضهم يقول إن الزيت يمكن تطهيره بالغسل، أما المتنجس الذي يمكن تطهيره كالثوب فإنه يجوز بيعه، ويجب على البائع أن يبين ما فيه من النجاسة فإن لم يبين كان للمشتري حق الخيار.
ولا يصح بيع الكلب مع كونه طاهرا سواء كان كلب صيد أو كلب حراسة أو غيرهما لورود النهي عن بيعه شرعا، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن.
وبعض المالكية يقول:
إن بيع كلب الصيد وكلب الحراسة صحيح. ويباح اقتناء كلب الصيد والحراسة.
الحنابلة - قالوا:
لا يصح بيع النجس كالخمر والخنزير والدم والزبل النجس، أما الطاهر فإنه يصح كروث الحمام وبهيمة الأنعام. ولا يصح بيع دهن نجس العين كدهن الميتة، كما لا يصح الانتفاع به في أي شيء من الأشياء، أما الدهن الذي سقطت فيه نجاسة فإنه لا يحل بيعه، ولكن يحل الانتفاع به في الاستضاءه في غير المسجد. أما النجس الذي يمكن تطهيره كالثوب والإناء فإن بيعه يصح.
ولا يصح بيع الكلب، سواء كان كلب صيد ونحوه أو لا. ويحرم اقتناء الكلب إلا للصيد وحراسة الماشية والحرث. فإن اقتناءه لذلك جائز إلا الكلب الأسود. وهل يصح بيع المهر؟ خلاف. والمختار أنه لا يجوز. ويجوز بيع سباع البهائم كالفيل والسبع ونحوهما، كما يجوز بيع جوارح الطير كالصقر والباز. ولا يصح بيع الحشرات كالعقرب والحية إلا دود القز والدود الذي يصاد به.
الشافعية - قالوا:
لا يصح بيع كل نجس كالخنزير والخمر والزبل والكلب ولو كان كلب صيد.
وإذا باع شيئا طاهرا مخلوطا بنجس بأن كان يتعذر فصل النجس منه فإن بيعه يصح. كما إذا باع دارا مبنية بآجر نجس، أو أرضا مسمدة بزبل، أو آنية مخلوطة برماد نجس كالأزيار والموجير والقلل وغير ذلك فإن بيعها صحيح، وهل البيع يقع على الطاهر فقط ويدخل النجس تبعا، أو البيع واقع على مجموعها؟ خلاف:
ويعفى عن المائعات التي توضع في الآنية المصنوعة من المخلوط بالنجس، أما إذا لم يتعذر فصل النجس من الطاهر كنبل عليه ريش فإنه لا يصح بيعه قبل نزع النجس عنه.
الحنفية - قالوا:
لا يصح بيع الخمر والخنزير والدم، فإذا باع خمرا أو خنزيرا كان البيع باطلا أما إذا اشترى عينا طاهرة بخمر أو خنزير فجعلها ثمنا لا مبيعا كان البيع فاسدا يملكه المشتري بالقبض، وعليه قيمته ثمنا مشروعا كما تقدم. وكذلك لا ينعقد بيع الميتة كالمنخنقة والموقوذة والمتردية ونحوها، كما لا يحل بيع جلدها قبل الدبغ. أما بعد الدبغ فإنه يصح لأنه يطهر بالدبغ ما عدا جلد الخنزير فإنه لا يطهر بالدبغ وجلد الحية ونحوه لتعذر دبغه كما تقدم في مبحث الطهارة.
وإذا جعل ذلك ثمنا لسلعة طاهرة كان البيع فاسدا كما عرفت في الخمر ونحوه وسيأتي قريبا. ويصح بيع المتنجس والانتفاع به في غير الأكل، فيجوز أن يبيع دهنا متنجسا ليستعمله في الدبغ ودهن عدد الآلات "الماكينات" ونحوها. والاستضاءة به في غير المسجد ما عدا دهن الميتة فإنه لا يحل الانتفاع به، لأنه جزء منها وقد حرمها الشرع فلا تكون مالا. وقد تقدم في باب الطهارة أن الزيت ونحوه يمكن تطهيره. ولا ينعقد بيع العذرة، فإذا باعها كان البيع باطلا إلا إذا خلطها بالتراب فإنه يجوز بيعها إذا كانت لها قيمة مالية كأن صارت "سباخا". ويصخ بيع الزبل ويسمى "سرجين أو شرقين" وكذا بيع البعر. ويصح الانتفاع به وجعله وقودا، ويصح بيع كلب الصيد والحراسة ونحوه من الجوارح كالأسد والذئب والفيل وسائر الحيوانات سوى الخنزير إذا كان ينتفع بها أو بجلودها على المختار وكذلك يصح بيع الحشرات والهوام كالحيات والعقارب إذا كان ينتفع بها. والضابط في ذلك:
أن كل ما فيه منفعة تحل شرعا فإن بيعه يجوز
(2) الشافعية - قالوا: لا يصح بيع الطير في الهواء، ويسمى بيعه في الهواء بيع الغرر: وهو عبارة عن أن يكون المبيع مجهول العاقبة بأن يكون مترددا بين القدرة على إمساكه وعدمها، ولكن الغالب عدم القدرة عليه، كبيع الطير في الهواء المذكور، فإن الطير متردد بين عودته إلى مكانه وعدمها، والغالب عدمها، فلا يصح بيعه بخلاف بيع النحل فإنه يجوز.
الحنفية - قالوا:
إذا اصطاد طيرا فكان في يده ثم أرسله في الهواء فإن بيعه في هذه الحالة يكون فاسدا لعدم القدرة على تسليمه، فإذا سلمه بعد البيع فقيل: يعود الجواز، وقيل: لا، أما إذا باع الطير في الهواء قبل أن يصطاده فالبيع باطل لا ينعقد أصلا لعدم الملك، فإن كان يطير ويرجع كالحمام فإنه يصح بيعه وهو في الهواء، لأن العادة أنه يرجع، وظاهر الرواية أنه لا يصح ويصح بيع أبراج الحمام في الليل لا في النهار لأنها تجتمع في أبراجها ليلا للمبيت وتتفرق نهارا في طلب القوت. أما النحل فإنه يصح بيعه إذا كان مجتمعا.
المالكية - قالوا:
لا يصح بيع الطير في الهواء، ولا بيع الطير الكثير المجتمع إذا كان صغيرا يدخل بعضه تحت بعض كالعصافير والدجاج والحمام بحيث لا يكون معرفة عدده بالتقدير، أما إذا كان يمكن للمشتري أن يعرف قدره ويحيط به في وقت هدوئه أو نومه فإنه يجوز، ولا يصح بيع حمام البرج وحده لأنه لا يمكن معرفة قدره، فإذا عرفه قبل الشراء فإنه يصح، كما يصح بيع البرج بما فيه وإن لم ي عرف قدره لأن ما فيه يكون تابعا له.
الحنابلة - قالوا:
لا يصح بيع الطير في الهواء سواء كان يألف الرجوع أو لا، كما لا يصح بيع النحل في الهواء لأنه غير مقدور على تسليمه، فإذا كان في مكان مغلق عليه كالبرج ويمكن أخذه منه فإنه يصح بيعه إذا كان في خلاياه بأن شاهده المشترى داخلا إليها
(3) الشافعية - قالوا:
لا يصح للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل قبضه، ولو قبض البائع الثمن وأذن في قبض المبيع، فإذا اشترى شيئا منقولا كان أو غيره ولم يستلمه ثم باعه وقع البيع باطلا، حتى ولو باعه لمن اشتراه منه لضعف الملك قبل القبض، فلا يصح التصرف في المبيع بالبيع ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
الأول: أن يبيعه قبل قبضه لمن اشتراه منه بنفس الثمن الذي اشتراه به بدون زيادة.
الثاني: أن يتلف المبيع عند البائع، فإن للمشتري أن يبيعه له بمثله بأن يعطي البائع للمشتري ثمنا مثل التآلف.
الثالث: أن يشتري شيئا لم يقبضه وكان ثمنه دينا في ذمته كأن اشترى جملا بعشرة ولم يقبضه ولم يدفع ثمنه، فإنه يصح في هذه الحالة أن يبيعه لمن اشتراه منه بعشرة في ذمة البائع الأول، أو ليشتري الجمل بعشرة ويدفعها للبائع ولم يقبض الجمل فإنه يصح أن يبيعه بعشرة في ذمة البائع، والبيع في الأحوال الثلاثة يكون إقالة بلفظ البيع فليس بيعا حقيقة، ولهذا صح مع فقد شرط نقل المبيع من ملك البائع إلى المشتري إذا كان يمكن نقله، والتخلية بين المشتري وبين المبيع ليضع عليه يده إذا كان لا يمكن نقله كالأرض والنخل ونحو ذلك. ومن هذا تعلم حكم بيع "الكنتراتات" المعروفة في زماننا. ومثل المبيع إذا كان عينا فإنه لا يصح للبائع أن يتصرف فيه قبل قبضه على الوجه المتقدم.
وكما لا يصح التصرف فيهما قبل قبضهما بالبيع، فكذلك لا يصح التصرف فيهما بالرهن والإجارة لا للبائع ولا لغيره، سواء رهن المبيع في مقابل الثمن، أو رهن الثمن في مقابل المبيع أو في غير المقابل على المعتمد.
وله أن يتصرف فيهما قبل النقل بالوقف والقسمة. وإذا اشترى طعاما جزافا كأن اشترى صبرة من القمح بدون كيل فإن له أن يتصرف فيها قبل القبض، أما إذا اشتراها بالكيل فإنه لا بد من قبضهما قبل التصرف.
الحنفية - قالوا:
من البيع الفاسد بيع الأعيان المنقولة قبل قبضها، سواء باعها لمن اشتراها منه أو لغيره، فإذا اشترى حيوانا أو قطنا أو ثيابا أو نحو ذلك ثم باعها لمن اشتراها منه أو لغيره، كان البيع الثاني فاسدا فيملكها المشتري بقبضها وعليه قيمتها. أما البيع الأول فإنه يبقى على حاله، ومن ذلك بيع "الكنتراتات" المعروف في زماننا إذا وقع في الأعيان المنقولة، كأن يشتري القطن ثم يبيعه قبل قبضه لمن اشتراه منه أو لغيره سواء كان بثمنه أو بأقل منه فإنه فاسد، أما بيع الأعيان غير المنقولة قبل قبضها كبيع الأرض والضياع والنخيل والدور ونحو ذلك من الأشياء الثابتة التي لا يخشى هلاكها فإنه يصح، وقال محمد:
لا يصح، فإذا كانت مهددة بالزوال كالأرض التي على شاطئ البحر ويخشى أن يطغى عليها كان حكمها كالمنقول، فلا يجوز بيعها قبل قبضها ويجوز هبة الأعيان المنقولة قبل قبضها لغير من اشتراها منه، كما يجوز له التصدق بها ورهنها لغير من اشتراها منه على الأصح. فإذا وهبها لمن اشتراها منه وقبل الهبة انتقض البيع وإذا باع عينا منقولة كثوب ثم قبضها المشتري ولم يقبض البائع الثمن فإنه يصح بيعها لغير من اشتراها منه بلا نزاع. أما بيعها لمن اشتراها منه فإنه يصح إذا كانت بثمنها أو بأكثر. أما بيعها بأقل من ثمنها فإنه يكون فاسدا إذا اجتمعت فيه أمور:
الأول:
أن يبيعها لنفس من اشتراها منه أو لوكيله أو لمن لا يجوز له شهادته كابنه وأبيه، فإذا باعها المشتري لرجل آخر غير من اشتراها منه، أو وهبها له، أو أوصى له بها ثم اشتراها البائع الأول منه بأقل من ثمنها الذي باعها به فإنه يصح، مثلا: باع محمد ثوبا لعلي بعشرة فأخذ علي الثوب ولم يدفع ثمنه، ثم اشتراه محمد من علي بثمانية فإنه يصح. أما إذا باعه علي لخالد، أو وهبه له. أو أوصى له به ثم اشتراه محمد من خالد بثمانية فإنه يصح.
الثاني:
أن يتحد جنس الثمن بأن يشتريها بنقود ثم يعود فيبيعها له بنقود أقل منها، أما إذا اشتراها بنقود ثم باعها له بعين غير النقود فإنه يصح ولو كانت قيمة العين أقل من الثمن.
الثالث:
أن يبقى المبيع على حاله بحيث لم يطرأ عليه نقص، أما إذا طرأ عليه عيب أنقص قيمته فإنه يصح أن يبيعه لمن اشتراه منه بأقل من ثمنه قبل أن يقبضه الثمن.
المالكية - قالوا: يصح للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل قبضه بالبيع، سواء كان المبيع أعيانا منقولة أو عينا ثابتة كالأرض والنخيل ونحوهما، إلا الطعام كالقمح والفاكهة فإنه لا يصح بيعه قبل قبضه، إلا إذا اشتراه جزافا بدون كيل أو وزن أو عد، فإذا اشترى صبرة من القمح بدون كيل ثم باعها قبل أن يقبضها صح البيع. وكذا إذا اشترى فاكهة من غير وزن فإنه يصح بيعها قبل أن يقبضها. لأنها بمجرد العقد تكون في ضمان المشتري فهي في حكم المقبوضة. أما إذا اشترى الطعام بكيل أو بوزن فإنه لا يصح له أن يبيعه قبل القبض لورود النهي في الحديث عن بيع الطعام قبل أن يكتاله، وقد قيل في علة النهي: إن في قبضه منفعة للعمال، إذ ينتفعون بكيله وحمله ووزنه وغير ذلك، بخلاف ما إذا بيع وهو عند صاحبه فإن ذلك يضيع تلك المنفعة، وقيل. إنه أمر تعبدي. وإذا تصدق رجل على آخر بقمح من جرنه أو بفاكهة من حديقته، فإن للمتصدق عليه أن يبيع ما تصدق به عليه قبل أن يقبضه ومثل ذلك ما إذا وهبه له أو أقرضه إياه. أما إذا كان المتصدق أو الواهب أو المقرض قد اشترى طعاما ولم يقبضه ثم تصدق به أو وهبه أو أقرضه فإنه لا يصح للمقترض أو الموهوب له أو المتصدق عليه أن يبيعه قبل.
ومن ذلك تعلم أنه يجوز لمن اشترى طعاما أن يقرضه لغيره قبل أن يقبضه، كما يجوز له أن يشتري طعاما لم يقبضه ثم يحيل على البائع شخصا اقترض منه طعاما ليأخذ من البائع ما اشتراه من ذلك الطعام وفاء لقرضه. أما إذا كان قد باع طعاما لرجل ولم يعطه ذلك الطعام واقترض طعاما من آخر فإنه لا يصح له أن يحيل من باع له على من اقترض منه:
مثال ذلك:
أن يشتري محمد من علي إردبا من القمح لم يقبضه، وعلى محمد إردب من القمح اقترضه من خالد، فيصح لمحمد أن يحيل خالدا على علي ليأخذ الاردب الذي اشتراه من علي وفاء للاردب الذي اقترضه من خالد. أما إذا كان محمد قد باع خالدا إردبا من القمح ولم يقبضه خالد، فإنه لا يصح لمحمد أن يحيل خالدا ليأخذ الاردب الذي اقترضه من علي وفاء للاردب الذي باعه إياه، لأنه في هذه الحالة يكون خالد قد باع الاردب الذي اشتراه من محمد لمحمد بالاردب الذي اقترضه محمد من علي قبل قبضه وهذا لا يجوز.
الحنابلة - قالوا:
يصح التصرف في المبيع بالبيع قبل قبضه إذا كان غير مكيل أو موزون أن معدود أو مذروع، أما إذا كان كذلك فإنه لا يصح التصرف فيه بالبيع قبل قبضه، فإذا اشترى إردبا من القمح، أو قنطارا من الحديد، أو عددا من البرتقال، أو ثوبا عشرين ذراعا ونحو ذلك فإنه لا يصح أن يبيعه قبل أن يقبضه من المشتري وكما لا يصح بيعه فإنه لا يصح إجارته ولا هبته ولو بلا عوض، وكذلك لا يصح رهنه ولا الحوالة عليه ولا الحولة به وغير ذلك من باقي التصرفات، غلا أنه يصح جعله مهرا كما يصح الخلع عليه والوصية به. أما إذا اشترى مكيلا ونحوه جزافا بلا كيل ولا وزن ونحوهما، كما إذا اشترى صبرة من القمح معينة فإن له أن يبيعها قبل قبضها، كما يصح له إجارتها وهبتها ورهنها وغير ذلك.
وإذا باع سلعة بثمن مؤجل أو بثمن حال ولكن لم يقبضه فإنه يحرم على البائع أن يشتريها من الذي باعها له، وإذا فعل يقع البيع باطلا بشروط:
الأول:
أن يشتريها بنفسه أو بوكيله من نفس الذي باعها له. فإذا اشتراها ابنه أو أبوه أو خادمه أو زوجه فإنه يصح إذا لم يكن ذلك حيلة يتوصل بها إلى الشراء وكذلك يصح إذا اشتراها بائعها من غير الذي باعها له.
الثاني:
أن يشتريها بثمن أقل من الثمن الذي باعها به، فإن اشتراها بمثل ثمنها أو أكثر فإنه يصح.
الثالث:
أن يشتريها بثمن من جنس الثمن الأول: أما إذا لم يكن من جنسه كما إذا باعها بنقد ثم اشتراها بعروض تجارة فإنه يصحن وإذا كان غرضه من البيع الأول والتوصل إلى البيع الثاني بطل العقدان، وتسمى هذه المسألة العينة وسيأتي بيانها
(4) الحنفية - قالوا:
إنك قد عرفت أن هناك فرقا بين البيع الفاسد والباطل، فلكل منهما أمثلة نذكر منها ما يأتي:
فأما البيع الباطل:
فمن أمثلته بيع ما ليس بمال في نظر الشرع، وقد عرفت من تعريف البيع أن المال لا يكون مالا في نظر الشرع إلا إذا اجتمع فيه أمران:
أحدهما: أن يكون من شأنه أن ينتفع به عند الحاجة.

يتبع


ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:48 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

ثانيهما: أن يكون الانتفاع به مباحا شرعا، فإذا لم يكن من شأنه الانتفاع به كحبة من حنطة، أو لم يكن الانتفاع به مباحا شرعا كالخمر والخنزير والمنخنقة والموقوذة ونحو ذلك مما يعتبر ميته في نظر الشرع فإنه لا يعتبر مالا، فغذا باع مالا ينتفع به أصلا كالتراب، والدم المسفوح، والقليل التافه كحبة من حنطة، فإن بيعه يقع باطلا. وكذلك إذا باع ما ينتفع به ولكن لم يكن الانتفاع به مباحا في نظر الشرع، كالخمر والخنزير والمنخنقة والموقوذة لأنه وإن كان مالا ينتفع به في ذاته، ولكن الشرع نهى عن الانتفاع به فلم يكن مالا عنده. أما إذا اشترى بالخمر والمنخنقة ونحوهما سلعة وجعله ثمنا كان البيع فاسدا يفيد المبيع بالقبض، ويلزم المشتري بدفع قيمته ولا يباح الانتفاع به. ومن هذا الضابط تعلم أن المعول عليه في انعقاد البيع: هو أن يكون للشيء قيمة مالية شرعية، فإذا لم تكن له قيمة في بعض الأزمنة، ثم عرض له ما يجعل له قيمة كان بيعه صحيحا متى كان يباح الانتفاع به شرعا كالتراب إذا كان يستعمل سمادا للزرع، أو ينتفع به في شيء آخر. وكالرمل إذا كان يستعمل في الأبنية ونحوها. أما إذا عرض له ما يجعل له قيمته ولكن لم يكن مباحا في نظر الشرع كالدم المسفوح إذا صنع به ما يجعله صالحا للأكل فإنه لا يحل، لأن الشارع نهى عنه، فجواز البيع يدور مع حل الانتفاع بما له قيمة.
ومنها: بيع ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها.
ومنها: بيع ما يعمله في الأرض حرثا ويسمى كرابا. يقال: كرب الارض من باب فعل، إذا قلبها. فإذا استأجر أرضا من شخص ثم حرثها وأعادها له فلا يجوز أن يبيعه ذلك الحرث، ومثل ذلك ما إذا حفر حفرة "قناة" متصلة بالنهر ويسمى كري النهر "يقال: كرى النهر كرمي، إذا حفر فيه حفرة جديدة، أما إذا أحدث فيها بناء أو شجرا فإنه يجوز بيعه ما لم يشترط تركه له.
ومنها: بيع المعدوم كبيع علو سقط بناؤه، كما إذا كان لرجلين بناء أحدهما له السفل والآخر له العلو فسقطا معا، أو سقط العلو وحده فإن بيع العلو لا يجوز بعد ذلك، لأن المبيع في هذه الحالة يكون عبارة عن حق التعلي، وحق التعلي ليس بمال لأن المال عين يمكن إحرازها وإمساكها وليس هو حق متعلق بالمال أيضا بل هو حق متعلق بالهواء وليس الهواء مالا يباع والمبيع لا بد أن يكون أحدهما. أما إذا باع العلو قبل سقوطه فإنه يصح، وكذا يصح بيع العلو الساقط إذا كان لصاحب السفل على أن يكون سطح السفل لصاحب السفل، وللمشتري حق القرار فوقه. حتى لو انهدم العلو كان له أن يبني عليه علوا آخر مثل الأول. ومن بيع المعدوم بيع ما ينبت في باطن الأرض إذا لم ينبت أصلا، أو كان قد نبت ولكن لم يعلم وجوده وقت البيع كالجزر والفجل والبصل. أما إذا كان قد نبت وعلم وجوده وقت البيع فإن بيعه يصح ولا يكون معدوما على أن للمشتري خيار الرؤية بعد قلعه ثم كان المبيع في الأرض مما يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والجزر والبصل فقلع المشتري شيئا بإذن البائع أو قلع البائع شيئا فرآه المشتري فلا يخلو:
إما أن يكون المقلوع له قيمة بحيث يدخل تحت الوزن أو الكيل، وإما أن يكون شيئا يسيرا.
فالأول: إذا رآه المشتري ورضي به سقط خياره ولزمه البيع في الكل إذا وجد الباقي كذلك، لأن رؤية البعض تكون كرؤية الكل.
والثاني: إذا رآه المشتري فإن رؤيته لا تكون كرؤية الكل لكونه يسيرا، أما إذا كان المقلوع مما يباع بعد القلع بالعدد كالفجل فإن رؤيته بعد القلع لا تسقط الخيار وإن كان لها قيمة، لأنه يتفاوت في الكبر والصغر فلا تساوي بين أفراده. فإذا قلع المشتري شيئا بدون إذن البائع لزمه البيع وسقط خياره إلا أن يكون المقلوع يسيرا.
وأما بيع ما ينبت بالتدريج فيظهر بعضه ويخفى بعضه كالورد والياسمين ففيه اختلاف: فقد أفتى بعضهم بجواز بيعه لتعامل الناس به استحسانا. وقال بعضهم كالمعدوم فلا يصح بيعه.
ومنها: بيع الصوف على ظهر الغنم قبل جزه، لأنه قبل الجز ليس مالا متقوما بل هو جزء من الحيوان لقيامه به كسائر أطرافه، ولو سلمه قبل العقد لم ينقلب صحيحا لأنه وقع باطلا. ومثله كل ما له اتصال بحسب خلقته بالمبيع كجلد الحيوان، ونوى التمر، وبذر البطيخ، فإن بيع ذلك باطل لكونه كالمعدوم.
ومنها: بيع السمك قبل صيده بالنقود من قروش ونحوها، وإنما كان باطلا لأن المبيع معدوم غير مقدور على تسليمه. وكذلك بيعه بالعرض "المتاع القيمي" إذا كان السمك غير معين كما إذا قال له: بعتك ما اصطاده من سمك بهذا البطيخ، ومثله ما إذا جعل العرض مبيعا والسمك ثمنا.
كما إذا قال له:
بعني هذا البطيخ بما اصطاده من سمك، أما إذا كان السمك معينا وجعل العرض مبيعا كأن قال له:
بعني هذه البطيخة بحوت أصطاده لك فإن البيع يكون فاسدا. والفرق بين الأمرين: أن السمك المطلق لا يعقل جعله ثمنا ولو ملكه بعد صيده. أما السمك المعين فإنه يمكن أن يكون ثمنا، فإنما لو اصطاد غيره لم يكن هو الذي جعله ثمنا، وإذا اقتطع من النهر أو الترعة قطعة بجسر ونحوه ثم أدخل فيها السمك، فإن كان قد أعدها للصيد فإن السمك يصبح مملوكا له، ثم إن كان يمكن إمساكه بدون حيلة صح بيعه لأنه يكون مملوكا مقدور التسليم. أما إذا لم يمكن فإنه لا يصح بيعه. وإذا لم يكن قد أعدها للصيد كأن حفر مصرفا لسقي ثم دخل فيه السمك فإن سده عليه ملكه، وإلا فلا يملكه فلا يصح له بيعه. وإن اصطاده من الترعة أو النهر ثم أرسله في المصرف أو القناة فإنه يكون مملوكا له، ويصح بيعه وهو في الماء إن قدر على إمساكه بدون حيلة.
وفي تأجير برك الماء التي يجتمع فيها السمك خلاف: فبعضهم يقول بجوازه، وبعضهم يقول لأنه، لا يصح تأجير المراعي.
ومنها: بيع اللبن في الضرع على التحقيق، وإنما كان باطلا لأنه لا يعلم إن كان لبنا أو دما أو غير ذلك فهو مشكوك في وجوده.
ومنها بيع اللؤلؤ في صدفه فإنه باطل لا فاسد على التحقيق؛ لأن وجوده غير معلوم. بخلاف الحب في سنبلة، والفول في قشره، وجوز الهند ونحو ذلك فإن بيعها صحيح لأنها معلومة يمكن تجربتها بالبعض.
ومنها:
بيع الوقف لأن الوقف لا يقبل التمليك والتملك، فبيعه باطل لا فاسد على المعتمد. وإذا ضم إلى الوقف ملك كأن كان لديه بستان نصفه مملوك ونصفه موقوف صح بيع النصف المملوك وبطل بيع الموقوف إلا إذا كان مسجدا عامرا فإنه إذا بثي مضموما إلى ملك آخر فإن بيع الجميع يكون باطلا. أما المسجد الخرب فإنه إذا باع مضموما إلى ملك صح بيع الملك وبطل بيع المسجد. وإذا كان يملك ضيعة "عزبة" بها مسجد ومقبرة ثم باعها بدون أن يستثني المسجد العامر والمقبرة فقال بعضهم:
إن البيع يكون باطلا لأنه باع مسجدا عامرا مضموما إلى ملك. وقال بعضهم:
إن البيع صحيح، لأن المسجد أو المقبرة مستثنى عادة فلم يوجد ضم الملك إلى المسجد، بل البيع واقع على الملك وحده.
ومنها بيع صبي لا يعقل ومجنون. أما الصبي المميز والمعتوه الذي يدرك معنى البيع فإن بيعهما ينعقد ولكن لا ينفذ إلا بإجازة الولي بشرط أن لا يكون فيه غبن فاحش. وإلا لم يصح لا من الصبي ولا من الولي.
ومنها: شعر الإنسان لأنه لا يجوز الانتفاع به لحديث: "لعن الله الواصلة والمستوصلة"، وقد رخص في الشعر المأخوذ من الوبر ليزيد في ضفائر النساء وقرونهن.
ومنها: بيع ما سيملكه قبل ملكه. كما إذا كان ينتظر ميراثا بوفاة والد أو أحد من يرثهم ثم باعه قبل أن يؤول إليه ذلك، لأنه إنما يبيع شيئا معدوما لا يقدر على تسليمه وهو باطل. ومثله بيع ما كان على خطر العدم كبيع اللبن في الضرع فإنه على احتمال عدم الوجود. وإنما يصح بيع المعدوم إذا كان دينا موصوفا في الذمة وهو السلم الآتي بيانه. أما بيع ملك الغير بوكالة منه فإنه صحيح نافذ. وبيعه بدون وكالة فهو صحيح موقوف على إجازة المالك وهذا هو بيع الفضولي.
ومن الباطل بيع الأعشاب التي تنبت بنفسها في الأرض وترعاها الدواب وتسمى الكلأ والمراعي، ولو نبتت في ملكه. لحديث: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار" وكما لا يصح بيعها فكذلك لا تصح إجازتها. وهل إجارتها باطلة أو فاسدة؟ خلاف: أما إذا أنبتها أحد بسقي وخدمة فإنه يملكها حينئذ فله بيعها. واختار بعضهم أنه لا يملكها فليس له بيعها.
ومنها: بيع رمية الشبكة في الماء كأن يقول له: أبيعك ما يخرج بهذه الرمية في الشبكة بكذا، أو ما أصطاده بضربة هذا السهم من الطير ويسمى بيع ضربة القانص، لأنه بيع ما ليس بمملوكومثل ذلك غوصة الغائص، وهو الذي يغوص في الماء لإخراج اللآليء ونحوها.
ومنها:
بيع صرح بنفي الثمن فيه كأن يقول له:
بعني جملك مجانا أو بلا ثمن فيقول له:
بعتك إياه فهذا البيع باطل لانعدام المال من أحد الجانبين وبعضهم يقول:
ينعقد البيع لأن نفيه نفي للعقد فيكون كأنه سكت عن ذكر الثمن، وحكم السكوت عن ذكر الثمن في البيع: أن البيع ينعقد معه ويثبت الملك بالقبض فهو فاسد كما يأتي.
هذه بعض أمثلة البيع الباطل. أما حكمه فهو أنه لا يفيد الملك كما تقدم. فإذا قبض المشتري المبيع فإنه لا يملكه بقبضه، وإذا هلك المبيع عنده بعد قبضه إياه ففيه خلاف:
فقيل: يضمنه لأنه يكون كالمقبوض على سوم الشراء المتقدم ورجحه بعضهم. وقيل:
لا يضمنه لأنه أمانة عنده فإنه بعد بطلان العقد لم يبق سوى القبض بإذن البائع وهو لا يوجب الضمان بدون نقد.
وأما البيع الفاسد فله أمثلة: منها: بيع الوصي مال اليتيم بغبن فاحش فإنه فاسد على الراجح.
ومنها: بيع المضطر وشراؤه.
فالأول:
كما إذا ألزمه القاضي ببيع ماله لإيفاء دينه فاضطر إلى بيعه بدون ثمن المثل بغبن فاحش، البيع في هذه الحالة يكون فاسدا، والثاني كما إذا اضطر إلى طعام أو شراب أو لباس فلم يرض البائع إلا بيعها بثمن كثير يزيد عن قيمتها.
ومنها: البيع مع السكوت عن ذكر الثمن فإنه فاسد كما تقدم قريبا، ومنها: بيع متاع قيمي بخمر بأن يجعل الخمر ثمنا فإنه فاسد كما تقدم.
الشافعية - قالوا:
من أمثلة البيع الفاسد أو الباطل بيع الأعمى وشراؤه، فلا يصح أن يبيع الأعمى عينا أو يشتري كما لا تصح إجارته ورهنه ولكن يصح أن يوكل عنه غير. فيما لا يصح منه من العقود للضرورة، وكذلك يصح له أن يشتري شيئا موصوفا في الذمة فيصح أن يسلم ويسلم إليه. ومنها: بيع خيار الرؤية كما إذا اشترى شيئا لم يره على أن له الخيار إذا رآه.
ومنها: بيع الأشياء الموقوفة ولو أشرفت على الخراب، أو لم ينتفع بها أصلا على المعتمد، ويستثنى من ذلك الحصر القديمة البالية، والقناديل والجذوع الموقوفة التي لا نفع فيها، فإن بيعها يجوز لينتفع بثمنها في مصالح الوقف.
ومنها: بيع المرهون بعد قبضه، فإذا رهن شيئا من شخص واستلمه فإنه لا يصح بيعه إلا بإذن منه، فإذا باعه بدون إذن كان البيع فاسدا. أما إذا باعه قبل قبضه فإنه يصح بدون إذن المرتهن. كذا إذا باعه بعد قبضه للمرتهن فإنه يصح. ومنها: الأضحية ولكن إن كانت منذورة فإن بيعها لا يصح قبل الذبح وبعده. أما إن كانت متطوعا بها فإن بيعها لا يصح بعد الذبح. ومنها: بيع ما عجز المشتري عن استلامه إذا لم يكن البائع قادرا على تسليمه، سواء كان العجز حسيا كالمغصوب، أو شرعيا كالمرهون.
ومنها: بيع القمح في سنبله "سبله":
سواء باعه بقمح مثله، أو باعه بشعير أو باعه بدراهم. ومثل البر كل ما كان مستترا بسنبله كالذرة الشامي فإنها تكون مستترة بالورق الذي "على قناديلها"، أما الذرة الصيفي فإنه يصح بيعها قبل قطعها لأن حبها غير مستتر والعلة في ذلك عدم رؤيتها كما تقدم، ومثل ذلك ما كان مستترا بالأرض كالجزر والفجل والبصل: ومنها: بيع ما لم يملكه البائع فإذا باع شيئا لا ولاية له عليه بوجه من الوجوه كان بيعه باطلا، كما إذا باع بستان أخيه أو أحد أصدقائه، ويسمى بيع الفضولي وهو باطل ولو أجازه المالك.
ومنها:
بيع اللحم بالحيوان، سواء كان من جنسه أو غير جنسه، مأكولا أو غير مأكول، فإذا اشترى لحما من عند الجزار بخروف حي أو سمك أو حمار فإن البيع يقع باطلا كما سيأتي. ومنها: بيع الماء الجاري في قناة أو مصرف ونحوهما، وكذلك الماء النابع في عين أو بئر فلا يصح بيعه وحده، فإن كان يملك أرضا يجري الماء فيها فليس له أن يبيع الماء وحده دون الأرض، وإذا فعل وقع البيع باطلا، أما إذا باعه مع الأرض فإنه يصح، وكذا لو باع الأرض دون الماء، وإذا لم ينص على الماء لا يدخل فيها بل يدخل على ملك البائع، سواء الموجود منه حال البيع والحادث بعده، وخرج بالجاري والنابع الماء الراكد فإنه يصح بيعه وحده. ومنها: بيع الثمرة قبل أن يظهر صلاحها بدون شرط القطع، فإذا اشترى ثمرة النخلة قبل أن يبدو صلاحها من غير أن يشترط قطعة بأن اشتراه بشرط بقائه عليها، أو بدون شرط أصلا وقع البيع باطلا.
المالكية - قالوا: إن كل شيء نهى الشارع عن تعاطيه كان فاسدا، سواء كان من العبادات كالصلاة والصيام، أو كان من العقود كالبيع والنكاح، ولكن بشرط أن يكون النهي راجعا لذات الشيء، أو لوصفه، أو لأمر خارج عنه لازم له. أما إذا كان نهي راجعا لأمر خارج غير لازم له فإنه لا يكون فاسدا وإن كان حراما.
مثال الأول:
الميتة، والدم، والخنزير ونحوها فإن الشارع قد نهى عنها لذاتها،فإذا بيعت كان بيعها حراما باطلا. ومثال الثاني: الخمر، فإن الشارع قد نهى عنها لوصفها وهو الإسكار، فإذا بيعت كان بيعها باطلا. ومثال الثالث: صوم يوم العيد، فإن صوم يوم العيد ليس منهيا عنه لذاته ولا لوصفه، ولكنه منهي عنه لأمر خارج عنه لازم له وهو الاعراض عن ضيافة الله تعالى، وهذا المعنى ملازم له لا ينفك عنه دائما، فصيامه حرام باطل، ومثال الرابع: الصلاة في الدار المغصوبة، فإن الصلاة لا ينهي عنها لا لذاتها ولا لوصفها، ولا لأمر خارج لازم لها بحيث لا ينفك عنها. وإنما نهى عنها لأمر عرضي غير لازم لها وهو كونها في الدار المغصوبة، فهي صحيحة وإن كان فاعلها آثما. وكذلك الوضوء بالماء المغصوب، لأن غصب الماء وإتلافه غير ملازم للوضوء بل يوجد بدونه. وكذلك غصب أرض الغير فإنها توجد بدون صلاة، ولكن يستثنى من هذه القاعدة بيع النجش "وهو إغراء الغير على الشراء بالزيادة الكاذبة" كما سيأتي وبيع المصراة المتقدم، وتلقي الركبان، فإن هذه الأمور منهي عنها مع كونها غير فاسدة، لأن السنة وردت بصحتها فتكون مخصصة لتلك القاعدة.
فمن أمثلة البيع الفاسد: بيع الحيوان المأكول اللحم وهو حي بلحم من جنسه، كما إذا كان عنده خروف حي فأعطاه للجزار وأخذ به لحما، لأن هذا البيع معلوم وهو اللحم بمجهول وهو الحيوان، إذ لا يعرف إن كان لحم الحيوان الحي جيدا أو رديئا، بخلاف لحم المذبوح بعد سلخه فإنه يكون مريئا معلوما ما لم يطبخ اللحم، فإنه يصح أن يباع بالحيوان، أما بيعه بلحم من غير جنسه كما إذا اشترى سمكا بخروف فإنه جائز، وإلا أنه يشترط لصحة البيع في مثل هذا أن يكون منجزا لأنه مما لا تطول حياته، فيشترط فيه ذلك وسيأتي بيانه في مبحثه.
ومنها بيع الغرر وهو التردد بين أمرين: أحدهما يوافق الغرض والآخر يخالفه، كما إذا قال له:
بعتك هذه الدابة بقيمتها التي تظهر في السوق، أو التي يقولها أهل الخبرة، فإنه يحتمل أن تظهر قيمتها موافقة لغرض البائع والمشتري، وأن تظهر مخالفة، فلا يصح البيع ما دام العوض مجهولا. وكذلك إذا قال له:
بعتك هذه السلعة بما تحكم به، أو بما يحكم به فلان، أو بما ترضى به، أو بما يرضى به فلان فإن كل ذلك لا يصح، ويغتفر الغرر اليسير للضرورة كأساس الدار، فإنها تشتري مع عدم معرفة عمقه وعرضه، وكإجارتها مشاهرة مع احتمال نقصان الشهور وزيادتها، وكشراء جبة محشوة، أو لحاف محشو من غير معرفة حشوه، فإن ذلك يتسامح فيه الناس عادة، بخلاف ما إذا كان الغرر كثيرا كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء فإنه لا يصح.
ومنها أن يبيع السلعة بيعا باتا بعشرة نقدا وبخمسة عشر مثلا لأجل، فيرضى المشتري ذلك ويأخذ السلعة من سكوت ثم يختار بعد تمام العقد، فإن البيع يقع فاسدا ويسمى ذلك البيع "بيعتين في بيعة" أما إذا باع ذلك بالخيار كأن قال له: بعتك هذه السلعة بعشرة حالة وبخمسة عشر مؤجلة على أن يكون لك الخيار فإنه يصح، وإنما منع الأول للجهل بالثمن حال البيع، وجاز في الثاني لأن له فرصة التأمل. ومثل ذلك ما إذا باع واحدة من سلعتين مختلفين في الجنس أو الوصف.
مثال مختلفي الجنس أن يقول:
بعتك أحد هذين الأمرين "الثوب أو الدابة" بعشرين ثم يختار المشتري منهما بعد تمام البيع ما يحب، وهذا البيع فاسد بدون شرط الخيار، أما إذا شرط الخيار فإنه يصح. ومثال مختلفي الوصف:
أن يبيعه وادحا غير معين من رداء وكساء فإنه لا يصح، لأن المبيع في الأمرين غير معين ولا يصح بيع المجهول، وإذا اشتراه بثمن مختلف كان الفساد أظهر، لأن الجهالة تكون في المبيع وفي الثمن.
أما إذا كانا مختلفين جودة ورداءة فقط كما إذا باعه إحدى صبرتين من قمح إحداهما جيدة والأخرى رديئة بثمن واحد على أن يختار منهما ما يعجبه فإنه يصح، لأن المعتاد في مثل ذلك شراء الجيد لا الرديء.
وإذا كان عند شخص نخلات مثمرات فباع واحدة منها بدون أن يعينها فإنه لا يصح، أما إذا كان عنده حديقة فباعها واستثنى منها شجرة مثمرة أو أكثر على أن يختارها هو فإنه يصح، لأنه أدرى بحديقته فيختار منها ما يلائمه.
ويصح بيع الهواء وهو بيع العلو كأن يقول لشخص:
بعني عشرة أذرع مثلا فوق ما تبينه بأرضك، ويشترط لصحته وصف البناء الأعلى والأسفل من العظم والخفة والطول والقصر ووصف ما يبنى به من آجر أو حجر أو نحوهما، ولا ريب في أن الوصف ضروري حتى لا يقع نزاع بين المتعاقدين من جراء ارتفاع البناء الأعلى، ما يحدثه فيه من المنافع التي قد لا تلائم الأسفل، فإذا وصف كل منهما بناءه ارتفع النزاع، وليس للأعلى أن يزيد شيئا غير ما اتفقا عليه إلا برضا الأسفل، وهو يملك جميع الهواء الذي فوق بناء الأسفل، وهذا البيع لازم مضمون فلا ينفسخ بهدم الأسفل، فإذا انهدم الأسفل يلزم البائع بإعادته، وكذلم من حل محله من مشتر أو وارث إذا هدم الأعلى كان لصاحبه أو لمن حل محله من وارث أو مشتر إعادته.
ويصح بيع كل ما يتوصل إلى معرفته بمعرفة بعضه كالحنطة في سنبلها، فإنه يتيسر للمشتري أن يفرك بعضها فتظهر التي فيه، ورؤية البعض تدل على الباقي، إنما يشترط لصحة البيع أن لا يتأخر حصدها ودرسها وتذريتها أكثر من نصف شهر. على أنه إذا كان المبيع الحب وحده فإنه لا يصح بيعه جزافا إلا إذا خلص من تبنه، أما بيعه مكيلا فإنه يصح على أي حال. وإذا كان المبيع الحب مع السنبل فإنه يصح بيعه جزافا إذا كان قائما أقتا "القتة الحزمة" من قمح ونحوه بعد حصاده، أما إذا كان مكدسا على بعضه فإنه لا يصح بيعه جزافا.
الحنابلة - قالوا: من أمثلة البيع الفاسد أيضا:
بيع المزروع المستور في الأرض كلفت وفجل وجزر وقلقاس وبصل وثوم ونحوه، فإنه لا يصح بيعه قبل قلعه ومشاهدته، أما بيع ورقة الظاهر فإنه يصح.
ومنها: بيع ثوب مطوي ولو كان نسجه تاما، كما لا يصح بيع ثوب نسج بعضه على أن يأخذه بعد أن يكمل نسجه ولو كان منشورا غير مطوي، فإن بين البائع ما نسج من الثوب ثم ضم إليه ما بقي من السد أو اللحمة وباع الجميع بشرط أن يكمل نسيجها فإنه يصح، لأن هذا الشرط فيه منفعة البائع. ومنها:
الصوف على ظهر الغنم. ومنها: اللبن في الضرع ومنها: بيع ما قد تحمل هذه الشجرة أو ما تحمل هذه الشاة.
ومنها:
بيع الطلع. ومنها:
بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فإنه فاسد. أما بيعها بعد بدو صلاحها فهو جائز، فيصح بيع الحب في سنبله، سواء كان مقطوعا أو في شجره، كما يصح بيع الجوز واللوز والحمص في قشره سواء مقطوعا أو باقيا على شجره، ومنها غير ذلك مما خالف ركنا أو شرطا مما تقدم) .


ابوالوليد المسلم 20-10-2020 05:48 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 221 الى صــــــــ
227
الحلقة (105)

[مباحث الربا]
[تعريفه وأقسامه]
ومن البيوع الفاسدة المنهي عنها نهيا مغلظا "الربا" ومعناه في اللغة: الزيادة.
قال الله تعالى:
{فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} أي علت وارتفعت، وذلك معنى الزيادة فإن العلو والارتفاع زيادة على الأرض.
وقال تعالى:
{أن تكون أمة هي أربى من أمة} أي أكثر عددا.
أما في اصطلاح الفقهاء: فهو زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض،
وينقسم إلى قسمين:
(1) الأول: ربا النسيئة، وهو أن تكون الزيادة المذكورة في مقابلة "تأخير الدفع" ومثال ذلك: ما إذا اشترى إردبا من القمح في زمن الشتاء بإردب ونصف يدفعها في زمن الصيف. فإن نصف الإردب الذي زاد في الثمن لم يقابله شيء من المبيع، وإنما هو في مقابل الأجل فقط، ولذا سمي ربا النسيئة أي التأخير.
الثاني: ربا الفضل، وهو أن تكون الزيادة المذكورة مجردة عن التأخير فلم يقابلها شيء، وذلك كما إذا اشترى إردبا من القمح بإردب وكيلة من جنسه مقايضة بأن استلم كل من البائع والمشتري ماله. وكما إذا اشترى ذهبا مصنوعا زنته عشرة مثاقيل بذهب مثله قدره مثقالا.
[حكم ربا النسيئة ودليله]
لا خلاف بين أئمة المسلمين في تحريم ربا النسيئة، فهو كبيرة من الكبائر بلا نزاع، وقد ثبت ذلك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع المسلمين،
فقد قال تعالى:
{وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} .فهذا كتاب الله تعالى قد حرم الربا تحريما شديدا، وزجر عليه زجرا تقشعر له أبدان الذين يؤمنون بربهم ويخافون عقابه، وأي زجر أشد من أن يجعل الله المرابين خارجين عليه محاربين له ولرسوله؟ فماذا يكون حال ذلك الإنسان الضعيف إذا كان محاربا للإله القادر القاهر الذي لا يعجزه في الأرض ولا في السماء؟ لا ريب في أنه بذلك قد عرض نفسه للهلاك والخسران.أما معنى الربا الذي يؤخذ من هذه الآية الكريمة، فالظاهر أنه هو الربا المعروف عند العرب في الجاهلية،
وقد بينه المفسرون فقد ذكر غير واحد منهم: أن الواحد من العرب كان إذا داين شخصا لأجل وحل موعده فإنه يقول لمدينة: أعط الدين أو أرب ومعنى هذا أنه يقول له: إما أن تعطي الدين أو تؤخره بالزيادة المتعارفة بيننا، وهذه الزيادة تكون في العد كأن يؤجل له دفع الناقة على أن يأخذها ناقتين، وتارة تكون بالسن كأن يؤجل له دفع ناقة سن سنة على أن يأخذها منه سن سنتين أو ثلاث وهكذا ومثل ذلك أيضا ما كان متعارفا عندهم من أن يدفع أحدهم للآخر مالا لمدة ويأخذ كل شهر قدرا معينا، فإذا حل موعد الدين ولم يستطع المدين أن يدفع رأس المال أجل له مدة أخرى بالفائدة الذي يأخذها منه، وهذا هو الربا الغالب في المصارف وغيرها ببلادنا، وقد حرمه الله تعالى على المسلمين وعلى غيرهم من الأمم الأخرى، ونهى عنه اليهود والنصارى لما فيه من إرهاق المضطرين، والقضاء على عوامل الرفق والرحمة بالإنسان، ونزع التعاون والتناصر في هذه الحياة، فإن الإنسان من حيث هو لا يصح أن يكون ماديا من جميع جهاته ليس فيه عاطفة خير لأخيه، فيستغل فرصة احتياجه ويوقعه في شرك الربا فيقضى على ما بقي فيه من حياة، مع أن الله تعالى قد أوصى الأغنياء بالفقراء وجعل لهم حقا معلوما في أموالهم وشرع القرض لإغاثة الملهوفين وإعانة المضطرين، فضلا عما في الربا من حصر الأموال في فئة المرابين، وفتح أبواب الشهوات لضعاف الإرادة والقضاء على ما عندهم من ثروة إلى غير ذلك من المضار الكثيرة التي يضيق المقام عن ذكرها، وقد بيناها أتم بيان في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق الدينية في حكمة تشريع البيع.فالآيات الكريمة تدل دلالة قاطعة على تحريم ربا النسيئة، منه ما هو معروف في زماننا من إعطاء ما يأجل بفائدة سنوية أو شهرية على حساب المائة، وما يحتمل به بعضهم من التحكك بالدين في جواز هذا النوع، فإنه بعيد كل البعد عن الدين ومناف لحكمه تشريعة في صورتها ومعناها فقد زعم بعضهم أن المحرم من ذلك هو أكل الربا أضعافا مضاعفة كما ورد في آية آل عمران: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة. واتقوا الله لعلكم تفلحون} . وهذا خطأ صريح لأن الغرض من الآية الكريمة إنما هو التنفير من أكل الربا، ولفت نظر المرابين لما عساه أن يؤول إليه أمر الربا من التضعيف الذي قد يستغرق مال المدين، فيصبح لمرور الزمن وتراكم فوائد الربا فقيرا بائسا عاطلا في هذه الحياة بسبب هذا النوع الفاسد من المعاملة، وفي ذلك من الضرر على نظام العمران ما لا يخفى، ولا يكاد يتصور عاقل أن الله تعالى ينهى عن ثلاثة أضعاف، ولا ينهى عن الضعفين أو الضعف،
على أنه لا يمكن لعاقل أن يفهم هذا المعنى بعد قول الله تعالى:
{فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} .وأغرب من هذا ما يزعم بعضهم من أن القرض بفائدة ليس من باب الربا، لأن الربا عقد بيع لا بد له من صيغة أو ما يقوم مقامها، وما يتعامل به الناس الآن من أخذ المال قرضا بفائدة ليس بيعا وقد صرح الشافعية بذلك،
ولكن قد فات هذا أن الفقهاء الذين قالوا:
إن مثل ذلك ليس بعقد قالوا أيضا: إنه من باب أكل أموال الناس بالباطل، وإن مضار الربا الذي حرم من أجلها متحققة فيه فحرمته كحرمة الربا، وإثمه كإثمه فالمسألة شكلية لا غير وأما تحريم ربا النساء من السنة فقد وردت فيه أحاديث كثيرة صحيحة.
ومنها في الذهب والفضة قوله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء ومعنى ها: خذ وهات يدا بيد فهي اسم فعل. فلا يصح تأجيل البدلة فيه، على أنه حديث الذهب بالذهب والفضة الخ، يدل على حرمة ربا النساء. والفضل في الذهب والفضة والطعام.وسيأتي بيانه في مبحث ربا الفضل.[حكم ربا الفضل]أما ربا الفضل وهو أن يبيع أحد الجنسين بمثله بدون تأخير في القبض فهو حرام في المذاهب الأربعة، ولكن بعض الصحابة أجازه، ومنهم سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، على أن بعضهم نقل أنه رجع عن رأيه أخيرا وقال بحرمته أيضا، على أن ربا الفضل ليس له كبير الأثر في المعاملة لقلة وقوعه، لأن ليس من مقاصد الناس أن يشتري الواحد شيئا بجنسه أو يبيعه إلا إذا كان في أحد الجنسين معنى زائد يريد كل واحد من المتعاقدين أن ينتفع به. وإنما حرم ذلك لما عساه أن يوجد من التحايل والتلبيس على بعض ضعاف العقول، فيزين لهم بعض الدهاة أن هذا الإردب من القمح مثلا يساوي ثلاثة لجودته، أو هذه القطعة المنقوشة نقشا بديعا من الذهب تساوي زنتها مرتين، وفي ذلك من الغبن بالناس والإضرار بهم مالا يخفى،
والأصل في تحريمه قوله عليه الصلاة والسلام:
"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز بيع شيء من هذه الأصناف المتجانسة بمثله مع زيادة، وأنه لا يجوز تأجيل التقايض فيها، فلا يصح بيع جنيه من الذهب بجنيه وعشرة قروش غلا يدا بيد ولا نسيئة، كما لا يحل بيع قطعة من الذهب زنتها عشرة مثاقيل بقطعة من الذهب زنتها اثنا عشرة مثقالا. ومثل ذلك القمح والشعير الخ ما ذكر في الحديث.وقد ورد النهي عن ذلك في بيع الذهب والفضة بخصوصهما،
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" متفف عليه.
وتشفوا بضم التاء وكسر الشين:
تزيدوا.
فإذا اختلف الجنس فإنه يصح فيه البيع والشراء على قيمته وبنقصها، فيصح أن يشتري الجنية الذي قيمته مائة وعشرين مثلا، كما يصح أن يصرفه بخمسة وتسعين قرشا وهكذا. ويسمى هذا صرفا ولكن يشترط فيه التقابض، فلا يصح صرف جنيه بفضة إلا إذا كان كل واحد يأخذ ماله في المجلس، فإذا أخذ تسعين قرشا وأجل عشرة قروش مثلا حرم. وسيأتي ذلك موضحا في الصرف. وكذلك في العام أعني البر والشعير الخ ما ذكر في الحديث، فإنه يشترط فيه التقابض (2) وإذا كان البدلان طعامين كما إذا باع قمحا بأرز، أما إذا كان أحد البدلين نقدا والآخر طعاما فإنه يصح فيه التأخير، سواء كان الطعام مبيعا كما إذا اشترى قمحا بجنيهات لأجل. أو كان الطعام ثمنا كما إذ اشترى خمسة جنيهات بخمسة "أردب" من القمح يدفعها في وقت كذا، وهذا هو السلم.مبحث الأشياء التي يكون الربا فيها حراماقد عرفت أن ربا النسيئة هو بيع الجنس الواحد ببعضه، أو بجنس آخر مع زيادة في نظير تأخير القبض. كبيع إردب من القمح الآن بإردب ونصف يدفع له بعد شهرين. وكبيع عشرين جنيها الآن بخمسة وعشرين تدفع له بعد سنة. وكبيع إردب من القمح الآن بإردبين من الذرة يدفعان له بعد ستة أشهر، لأنه وإن اختلف الجنس في القمح والذرة ولكن يشترط فيه التقابض وعدم تأجيل الدفع وإلا كان ربا.
وإذا كان كذلك:
فهل كل جنس في البيع يدخله الربا؟
أو هو مقصور على الأجناس المذكورة في الحديث المتقدم وهي:
البر والشعير. والذهب، والفضة، والتمر، والملح؟ لا خلاف بين الأئمة الأربعة على أن الربا يدخل في أجناس أخرى غير التي ذكرت في الحديث قياسا عليها. وإنما اختلفوا في علة تحريم الزيادة في الأشياء المذكورة في الحديث ليقاس عليها غيرها متى وجدت تلك العلة كما هو مفصل في أسفل الصحيفة (3) . على أن الظاهرية اقتصروا على الأشياء المذكورة في الحديث.
(1) الشافعية - قالوا:
ينقسم الربا إلى ثلاثة أقسام. الأول: ربا الفضل، ومنه ربا الفرض كأن يقرضه عشرين جنيها بشرط أن يكون له منفعة كأن يشتري سلعة أو يزوجه ابنته، أو يأخذ منه فائدة مالية ونحو ذلك كما تقدم في البيع الفاسد. الثاني: ربا النسيئة وهو المذكور. الثالث: ربا اليد ومعناه أنه يبيع المتجانسين كالقمح من غير تقابض
(2) الحنفية - قالوا:
لا يشترط التقابض في بيع الذهب والفضة، وإنما قال: يشترط فيه التعيين وسيأتي موضحا في الصرف
(3) الحنابلة - قالوا:
العلة في تحريم الزيادة الكيل والوزن، فكل ما يباع بالكيل أو الوزن فإنه يدخله الربا، سواء كان قليلا لا يتأتى كيله كتمرة بتمرتين. أو لا يتأتى وزنه كقدر الألازة من الذهب، وسواء كان مطعوما كالأرز والذرة والدخن، أو غير مطعوم كبذر القطن والبرسيم والكتان والحديد والرصاص والنحاس، أما ما ليس بمكيل ولا موزون كالمعدود فإنه لا يجري فيه الربا، فيصح بيع البيضة بيضتين، والسكين بسكينين وإن كانا من جنس واحد لاختلاف الصفة. وقيل:
بكراهة ذلك.
الحنفية - قالوا:
العلة في تحريم الزيادة هي الكيل والوزن كما يقول الحنابلة، إلا أنهم قالوا:
إن القدر الذي يتحقق فيه الربا من الطعام هو ما كان نصف صاع فأكثر، أما إذا كان أقل من نصف صاع فإنه يصح فيه الزيادة، فيجوز أن يشتري حفنة من القمح بحفنتين يدا بيد أو نسيئة وهكذا إلى أن تبلغ نصف صاع، فيصح بيع التمرتين لأن التمر يباع مكيلا، وكل ما كان أقل من نصف صاع لا يدخله الربا، وهذا هو المشهور، أما القدر الذي يتحقق فيه الربا من الموزون فهو ما دون الحبة من الذهب والفضة، وما كان كتفاحة أو تفاحتين من الطعام، يجوز بيع التفاحة بتفاحتين ولكن يشترط في صحة البيع في مثل ذلك تعيين البدلين كأن يقول: بعتك هذه التفاحة المعينة بهاتين التفاحتين كما سيأتي بيانه، فكل ما تحققت فيه هذه العلة فإنه يدخله الربا، سواء كان مطعوما أو غير مطعوم، فيقاس على القمح والشعير المذكورين في الحديث كل ما يباع بالكيل كالذرة والأرز والدخن والسمسم والحلبة والجص إذا كان لا يباع بالكيل، ويقاس على الذهب والفضة كل ما يباع بالوزن كالرصاص والنحاس.
أما الذي لا يباع بالكيل ولا بالوزن كالمعدود والمذروع فإنه لا يدخله ربا الفضل، فيجوز أن يبيع الذراع من الثوب بذراعين بثوب من جنسه بشرط القبض الآتي بيانه، كما يجوز أن يبيع البيضة بيضتين والبطيخة باثنتين وهكذا، والضابط في ذلك أن المبيع إذا كان متحدا مع الثمن في الجنس كقمح بقمح، وشعير بشعير وكان يباع بالكيل والوزن فإنه لا يصح أن يوجد في أحد العوضين زيادة، سواء كانت الزيادة لأجل أو لا، فيحرم ربا الفضل وربا الزيادة، وذلك كالقمح والشعير والذهب ونحوهما مما يباع كيلا أو وزنا،لأنه قد تحقق فيها القدر والكيل والوزن والجنس، أما إذا وجد أحدها فقط فإنه لا يدخله ربا الفضل، وإنما يحرم فيه ربا النسيئة، فمثال ما يتحقق فيه الجنس دون القدر: البيض والبطيخ ونحوهما من كل ما يباع عدا، ومثله الثياب ونحوهما من كل ما يباع بالذراع فإنه قد وجد فيها اتحاد الجنس وانتفى القدر، أعني كونها مبيعة بالكيل أو الوزن، ومثال ما وجد فيه القدر دون اتحاد الجنس:
القمح والشعير فإنهما يباعان كيلا مع اختلاف جنسهما، فيحرم في هذا ربا النساء وهو البيع مع زيادة الأجل، ولا يحرم ربا الفضل وهو البيع مع زيادة بشرط القبض أما بيع الطعام بجنسه بدون زيادة فإنه لا يشترط فيه القبض.
الشافعية - قالوا:
الأشياء المذكورة في الحديث تنقسم إلى قسمين: نقد وهو الذهب والفضة ومطعوم وهو ما قصد ليكون طعاما للآدميين غالبا، أي ما خلقه الله بقصد أن يكون لهم طعاما بأن يلهمهم ذلك ولو شاركهم فيه غيرهم كالفول بالنسبة للبهائم والإنسان، فكل ما وجد فيه النقدية "أي كونه ثمنا" والطعمية - بضم الطاء - "أي كونه مطعوما" فإنه يدخل فيه الربا، ولا فرق في الثمن بين أن يكون مضروبا كالجنيه والريال، أو غير مضروب كالحلي والتبر، فلا يصح أن يشتري جنيهين بثلاثة لأجل أو مقابضة كما لا يصح أن يشتري قطعة مصنوعة من الذهب زنتها عشرة مثاقيل زنتها ثلاثة عشر كما سيأتي في الصرف.
أما عروض التجارة فإنه يصح بيعها ببعضها مع زيادة أحد المثلين على الآخر، لأنها ليست أثمانا فلم تتحقق فيها العلة المذكورة.
وأما المطعوم فإنه يشمل أمورا ثلاثا ذكرت في الحديث.
أحدها:
أن يكون للقوت كالبر والشعير، فإن المقصود منهما التقويت، ويلحق بهما ما في معناهما:
الأرز، والذرة، والحمص والترمس، وقد اختلف في الماء العذب فقيل:
إنه يلحق بالقوت لأنه ضروري للبدن، وقد أطلق الله عليه أنه مطعوم قال تعالى:
{ومن لم يطعمه فإنه مني} . وقيل:
إنه مصلح للبدن فهو ملحق بالتداوي الآتي.
ثانيها:
أن يكون للتفكه وقد نص الحديث على التمر فيلحق به ما في معناه كالزبيب والتين.
ثالثها:
أن يكون لإصلاح الطعام والبدن، وقد نص الحديث على الملح فيلحق به ما في معناه من الأدوية كالسنامكي ونحوها من العقاقير المتجانسة، ومنه الحلبة اليابسة فإنها تستعمل دواء بخلاف الخضراء فإنها ليست بربوية. فخرج بقوله: ما قصد أن يكون طعاما ما كان مطعوما ولكن لم يخلق بقصد أن يكون كذلك. كالجلد والعظم فإنه وإن كان يؤكل ولكنه لم يخلق لذلك. وخرج أيضا ما اختص به البهائم كالحشيشي والتبن والنوى فإنه لا ربا فيه، ومن هذا تعلم أن الشافعية قاسوا كل ما فيه طعم وما يصلح نقدا على الأشياء الستة المذكورة في الحديث، فعلة القياس هي الطعمية والنقدية، فأما ما ليس بطعم كالجبس مثلا فإنه يصح بيعه بجنسه متفاضلا كعوض التجارة.
المالكية - قالوا:
علة تحريم الزيادة في الذهب والفضة النقدية، أما في الطعام فإن العلة تختلف في ربا النسيئة وربا الفضل. فأما العلة في تحريم النسيئة فهي مجرد المطعومية على غير وجه التداوي، فمتى كان طعاما للآدمي فإنه يحرم ربا النسيئة، سواء كان صالحا للادخار والاقتيات الآتي بيانهما أو لا، وذلك كأنواع الخضر من قثاء وبطيخ وليمون ونارنج رخص وكراث وجزر وقلقاس وكرنب ونحو ذلك. ومثل الخضر أنواع الفاكهة الرطبة كالتفاح والموز، فكل هذه الأصناف يدخلها ربا النسيئة ولا يدخلها ربا الفضل، فيصح بيع كل جنس منها بجنس آخر أو بجنسه مع زيادة بشرط التقابض في المجلس. أما بيعها كذلك لأجل فإنه ممنوع، فيصح أن يبيع رطل من التفاح برطلين مقابضة. وكذلك يصح أن يبيع الجزر بالخس بزيادة أحد الجنسين على الآخر بشرط القبض.
وأما العلة في تحريم ربا الفضل فهي أمران:
أن يكون الطعام مقتاتا ومعنى كونه مقتاتا:
أن الإنسان يقتات به غالبا بحيث تقوم عليه بنيته، بمعنى أنه لو اقتصر عليه يعيش بدون شيء آخر.
ثانيهما:
أن يكون صالحا للادخار، ومعنى كونه صالحا للادخار: أنه لا يفسد بتأخيره مدة من الزمن لا حد لها على ظاهر المذهب خلافا لمن قال: إن الصالح للادخار هو الذي بقي بدون فساد ستة أشهر. والراجح أن المرجع في ذلك للعرف، فما يعده العرف صالحا للادخار كان كذلك. فكل ما وجدت فيه هذه العلة فإنه يحرم فيه ربا الفضل، كما يحرم فيه ربا النساء من باب أولى.
وتفسير العلة بالاقتيات والادخار هو القول المعلول علية في المذهب، وهناك أقوال أخرى في تفسير العلة المذكورة أشهرها أن يزاد على الاقتيات والادخار قيد ثالث، وهو كون الطعام متخذا لعيش الآدمي غالبا، فيخرج بذلك البيض والزيت لأنهما لم يتخذا عيشا للآدمي غالبا فلا يمنع فيهما الربا. وقد عرفت أن المعول عليه في المذهب هو التفسير الأول، فالراجح أن البيض والزيت يدخلهما الربا لأنهما يقتاتان ويصلحان للادخار

ابوالوليد المسلم 13-11-2020 03:50 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 227 الى صــــــــ
233
الحلقة (106)


[مبحث بيع الحبوب بأجناسها وبغير أجناسها]
من الأصناف الستة المذكورة في الحديث المتقدم بيع البر بالبر، والشعير بالشعير، وقد قاس الأئمة على هذين النوعين غيرهما من أنواع الحبوب على حسب اختلاف وجهة نظرهم في العلة كما علمت، فلا يصح بيع القمح بالقمح إلا مثلا بمثل يدا بيد كما هو منصوص في الحديث، وكذلك الشعير. ولكن يصح (1) بيع الشعير بالقمح متفاضلين يدا بيد، فيصح أن يبيع كيلة من القمح بكيلتين من الشعير بشرط التقابض في المجلس ويقاس على ذلك الذرة والأرز والفول والحمص والترمس والدخن وحب البرسيم (2) والحلبة (3) والجلبان والبسلة وجميع أصناف الحبوب التي تباع بالكيل فإنها لا يصح بيع جنسها ببعضه إلا مثل بمثل، ويصح بيعها بالجنس الآخر مفاضلة يدا بيد.أما بيع الدقيق بالحب أو الخبز وما يتعلق بذلك ففيه تفصيل في المذاهب(4) .
ويعرف اختلاف الأجناس واتحادهما بأمور مفصلة في المذاهب(5) .
ويعرف ما يباع بالكيل وما يباع بالوزن بما كان عليه المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على تفصيل في المذاهب (6) .

(1) المالكية - قالوا:
الشعير والقمح جنس واحد وكذلك السلت "الشعير النبوي" فالثلاثة لا تفاوت بينها لأن المعول عليه في اتحاد الجنس واستواء المنفعة أو تقاربها.
فأنواع القمح والشعير متقاربة فيها لأن الغرض منها القوت وهو حاصل، وإن كان يتفاوت من حيث الطعم والجودة، فلا يصح بيع الأشياء الثلاثة ببعضها إلا مثلا بمثل يدا بيد. وهذا هو الراجح عندهم. وبعضهم يقول:
إن القمح والشعير جنسان مختلفان
(2) الشافعية والمالكية - قالوا:
البرسيم ليس داخلا في الأصناف التي يدخلها ربا الفضل، لأن العلة عند الشافعية الطعمية وهي كونها طعاما للآدمي غالبا وحب البرسيم ليس كذلك. والعلة عند المالكية كونه صالحا للقوت والادخار والبرسيم ليس كذلك
(3) الشافعية - قالوا:
الحلبة اليابسة يدخلها ربا الفضل لا بعلة كونها مكيلة كما يقول الحنفية والحنابلة، وإنما يدخلها بعلة كونها تستعمل دواء فهي مقيسة على الملح المصلح لأنها مصلحة للبدن. أما الحلبة الخضراء فليست من الأصناف التي يدخلها الربا كما تقدم.
المالكية - قالوا: الحلبة لا يدخلها ربا الفضل، سواء كانت يابسة أو خضراء، واختلف في هل يدخلها ربا النساء أو لا؟ فقال بعضهم: إنها دواء لا يدخلها ربا النساء أيضا، وقال بعضهم: إنها طعام يدخلها ربا النساء
(4) المالكية - قالوا:
الحب والدقيق جنس واحد لأن الطحن لا يخرج الشيء عن جنسه، لأنه عبارة عن تفرقة أجزائه مع بقاء تلك الأجزاء. وكذلك العجين مع الدقيق والحب فإن العجن لا يخرجه عن جنسه، فلا يصح بيع واحد منهما بالآخر إلا مثلا بمثل بدون زيادة، فلو باع قمحا بدقيق مأخوذ منه فإنه يصح إذا كانا متساويين. ويعرف تساويهما بالوزن، وقيل:
يعرف بالوزن والكيل، وكذلك لا يصح أن يبيع دقيقا أو حنطة بعجين مأخوذ منهما إلا مثلا بمثل كما ذكر لأنها جنس واحد، أما إذا اختلف الجنس كأن باع دقيقا من الذرة بحب من القمح فإنه يصح بيعه متفاضلا بشرط التقابض في المجلس. ويعرف التماثل بين الدقيق والعجين بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في العجين ويبدل بمثله، ويعرف التماثل بين العجين والقمح بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في القمح والعجين. أما إذا اختلف الجنس كبيع دقيق من الحنطة بذرة فإنه يصح مع التفاضل إذا كان يدا بيد.
أما الخبز فإنه جنس مغاير للدقيق والعجين والحنطة لأن صنعة الخبز جعلته جنسا منفردا، فيصح أن يبيع خبزا بدقيق أو حنطة أو عجين متفاضلا بشرط التقابض. على أن الخبز جميعه جنس واحد ولو كان أصله مختلفا، فلا يصح بيع أقراص الخبز "الأرغفة" المأخوذة من القمح بأقراص الخبز المأخوذة من القمح أيضا، أو من الشعير أو من الذرة وهكذا إلا مثلا بمثل ويدا بيد، لأنها كلها جنس واحد. فلا يصح التفاضل فيها إلا الكعك فإنه جنس على حدة لما خالطه من السمن والسمسم والمحلب واللبن وغير ذلك، فيصح بيعه متفاضلا يدا بيد.
ثم إن كان الخبز مأخوذا من صنف واحد كالقمح فإن المثلية تعتبر بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في كل منهما، فإذا كان قدر الدقيق فيهما متساويا كان مثلين، وإلا فلا، أما إن كان مأخوذا من صنفين مختلفين من الأصناف التي توجد فيها علة الربا كالقمح والذرة، فإن المثلية تعتبر بوزنهما بدون تحر عن الدقيق. وإنما يشترط في الخبز إذا كان العقد بيعا. أما إذا كان قرضا فإنه لا يشترط فيه ذلك، وإنما المعول في ذلك على العد، فيصح أن يقترض خمسة أرغفة ويردها كذلك وإن كانت أقل وزنا أو أكثر اتباعا للعرف. ولا بأس بما يفعله الجيران من قرض الخبز والخميرة ورد مثلها بدون تحر.
وسلق الحبوب "كالبليلة" لا يخرجها عن جنسها أيضا، ولكن لا يصح بيع المسلوق بغير المسلوق مطلقا لا متفاضلا ولا متماثلا، لأنه لا يصح بيع الرطب باليابس لعدم تحقق المماثلة كما لا يصح بيع المسلوق بالمسلوق لهذه العلة.
الحنفية - قالوا: لا يصح بيع الدقيق المأخوذ من جنس بجنسه، فلا يصح بيع الدقيق المأخوذ من القمح بالقمح. وكذلك المأخوذ من الذرة بالذرة وهكذا كانا متساويين أو لا، وذلك لأن التساوي في مثل ذلك غير محقق، فإن الدقيق ينكبس في المكيال أكثر من القمح، فلا تزال شبهة الزيادة باقية لأنها إنما تزول في بيع الجنس بمثله إذا كان التساوي محققا، أما بيع الدقيق المأخوذ من جنس بغير جنسه، فإن يصح كالدقيق المأخوذ من القمح إذا بيع بالشعير فإنه يصح لاختلاف الجنس متى كان يدا بيد. وكذلك لا يصح بيع الدقيق الناعم بالمجروش "المدشوش" إذا كان متحد الجنس للعلة المذكورة لا متساويا ولا متفاضلا، أما بيع الدقيق بالدقيق المتحد الجنس فإنه يجوز بشرط التساوي في الكيل. أما بيع الدقيق بالدقيق وزنا فإنه لا يجوز. وكذلك يصح بيع الدقيق المنخول بالدقيق غير المنخول إذا تساويا في الكيل، كما يصح بيع المدشوش مع التساوي في الكيل.
ويجوز بيع الخبز بالحنطة وبيع الحنطة بالخبز متساويا ومتفاضلا، لأن الخبز صار بالصفة جنسا مختلفا من الحنطة ولا يشترط في ذلك التقابض؛ وإنما يشترط التعيين الآتي بيانه قريبا، بل يصح أن يبيع عشرين رغيفا من الخبز مقبوضة بكيلة من القمح يأخذها بعد شهر وإن كان الكيلة أكثر من الأرغفة، كما يصح أن يبيع إردبا من القمح بمائة أقة من الخبز يأخذها بعد أيام، وقيل:
لا يصح في الحالة الثانية وهو ما إذا كان المؤجل الخبز، ولكن الفتوى على أنه يصح. وكذلك يصح بيع الدقيق بالخبز، والخبز بالدقيق على التفصيل المذكور في الحنطة.
ويصح استقراض الخبز كأن يأخذ خمسة أرغفة من جاره على أن يردها، ولكن يشترط لصحة ذلك الوزن على المفتى به. وبعضهم يقول:
يجوز بالوزن والعد.
ويجوز بيع الحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة، والمبلولة باليابسة، والرطبة بالرطبة، واليابسة باليابسة، وفي بيع الحنطة المقلية "الفشار" بالحنطة غير المقلية خلاف، والأصح أنه لا يجوز وإن تساويا كيلا، وأما بيع المقلية بالمقلية فإنه يجوز بشرط التساوي.
الحنابلة - قالوا:
لا يصح بيع الدقيق بالحب المأخوذ منه مطلقا فلا يصح أن يبيع برا بدقيق مأخوذ منه، لأنه يشترط التساوي في بيع الجنس الواحد ببعضه، والقمح والدقيق جنس واحد ولكن تساويهما متعذر، لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن. وكذلك لا يصح بيع الخبز بالحب المأخوذ منه، كما لا يصح بيعه بدقيقه ولا وزنا. ولا يصح بيع الحنطة المبلولة باليابسة وكذلك لا يصح بيع الرطبة "الفريك" قبل تجفيفه باليابسة، أما بيع الخبز بالخبز فإنه يصح إذا كانا متساويين، فإن زاد أحدهما على الآخر فإنه لا يصح.
الشافعية - قالوا:
يشترط في بيع بعض الجنس ببعضه ثلاثة شروط:
الحلول فلا يصح بيعه مؤجلا، فلو اشترط التأجيل ولو درجة لا يصح. والتقابض الحقيقي في المجلس بأن يقبض البائع المبيع والمشتري الثمن في المجلس، فلا تنفع فيه الحوالة ولو قبضه في المجلس، والمماثلة يقينا بأن يمكن التأكد من المماثلة، فإذا شك فيها لم يصح البيع. أما بيع الجنس بعضه ببعضه فإنه يشترط فيه الحلول والتقابض فقط، ولا تشترط المماثلة كما يأتي في الصرف.
ومن هذا يتضح لك أنه لا يصح بيع دقيق بجنسه، فلا يصح بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة مثلا لانتفاء المماثلة اليقينية لسبب النعومة الطارئة عليه، إذ قد يكون أحد البدلين أنعم من الآخر فلا ينكبس في الكيل، وكذلك لا يصح بيع دقيق الحنطة بيع الخبز المأخوذ من القمح بخبز الشعير مثلا فإنه جائز لاختلاف الجنسين، والمماثلة اليقينية ليست شرطا في بيع خبز القمح بخبز الشعير مثلا فإنه جائز لاختلاف الجنسين، والمماثلة اليقينية ليست شرطا في بيع بعضهما ببعض.
ويصح بيع دقيق القمح بدقيق الذرة أو الشعير لاختلاف الجنس، وكذا باقي الأنواع متى اختلف جنسها لعدم اشتراط المماثلة فيه كما علمت، ومثل الدقيق الفول المجروش "المدشوش" فإنه لا يجوز بيعه ببعضه. وكذا العدس المدشوش، ومثل الخبز: الكنافة والشعرية، فإنه لا يصح بيع كل جنس من هذه الأجناس ببعضه لانتفاء المماثلة الحقيقية، أما بيعه بالجنس الآخر فإنه يصح متى تحقق الشرطان الآخران وهما التقابض والحلول
(5) الحنفية - قالوا:
يعرف اختلاف الجنس بأمور ثلاثة:
أحدها:
اختلاف الأصل، ومثاله الخل المأخوذ من التمر الرديء ويسمى "دقلا" بفتح الدال والقاف، والخل المأخوذ من نشارة الخشب مثلا فإنهما حنسان مختلفان وإن كان كل منهما خلا لأن أصلهما المأخوذين منه مختلف. وكذلك لحم البقر مع لحم الضأن فإنهما جنسان مختلفان وإن كان كل منهما لحم.
ثانيهما:
اختلاف الغرض المقصود من المبيع كصوف الغنم وشعر المعز، فإن ما يقصد من شعر المعز من الاستعمال غير ما يقصد من صوف الغنم، فهما جنسان مختلفان. بخلاف لحمهما فإنه جنس واحد، لأنه يصدق عليه اسم واحد وهو الغنم. ومثل لحمهما لبنهما فإنه جنس واحد.
ثالثها:
زيادة الصنع كالخبز مع الحنطة فهما جنسان مختلفان لتبدل صفتهما بالصفة التي حدثت في عمل الخبز.
ومن هذا تعلم أن الشعير والقمح جنسان مختلفان لأن كل منهما أصل قائم بنفسه مغير للآخر، على أن الغرض من استعمالهما مختلف، لأن القمح قد يقصد لعمل الفطير والكنافة والكعك، بخلاف الشعير فإنه لا يصلح لذلك.
الحنابلة - قالوا:
كل شيئين فأكثر أصلهما واحد قد اجتمعا في اسم واحد فهما جنس واحد سواء اختلف القصد من استعمالهما أو اتحد، فمثال الأول:
القمح فإن له أنواعا كالهندس، والصعيدي، والبعلي، والبحيري، والاسترالي، فهذه الأنواع يجمعها اسم قمح فهي كلها جنس متحد وكذلك الملح فإن له أنواعا: الرشيدي، والمنزلاوي، والدمياطي. ولكن كلها يجمعها لفظ ملح فهي جنس واحد، ولا شك أن الغرض من الاستعمال في القمح والملح لا يختلف وإن كان في بعضه ميزة عن الآخر. ومثال الثاني وهو ما يختلف الغرض من استعماله:
الزيت السيرج مثلا إذا أضيف إلى بعضه دهن الياسمين، وأضيف إلى بعض آخر منه دهن الورد، وأضيف إلى بعض دهن البنفسح فأصبح عطرا مختلفا يختلف الغرض من استعماله ولكن أصله واحد فهو جنس واحد. وإنما الذي جعله ياسمين وبنفسج وورد هي الرياحين التي أضيفت إليه. فلم تخرجه عن كونه جنسا واحدا وهو الزيت.
المالكية - قالوا:
يعرف اتحاد الجنس باستواء المنفعة أو تقاربها. فالملح وإن تنوع إلى رشيدي وغيره إلا أن منفعة الجميع وهي إصلاح الطعام واحدة. والقمح وإن تنوع إلى هندي ومصري لكن منفعته واحدة، أما الشعير والقمح فإن منفعتهما متقاربة وهي كونهما يقتات بهما، ويختلف الجنس باختلاف أصله المأخوذ منه إذا لم يكن الغرض منه شيء واحد مثل الخل المستخرج من أصناف مختلفة، فإن الغرض منه شيء واحد وهو الحموضة، وهي موجودة في الخل المستخرج من نشارة الخشب، ومن الخل المستخرج من التمر فيكون الخل جنسا واحدا، أما إذا كان الغرض منه مختلفا فإنه يكون أجناسا يصح أن يباع بعضها ببعض متفاضلة يدا بيد، لأن الزيت وإن كان واحدا لكن الغرض منه مختلف وأصله أيضا مختلف، ومثل الزيت العسل المستخرج من قصب السكر ومن البنجر وعسل النحل فهو أجناس مختلفة:
أما السكر والعسل فهما جنسان مختلفان وسيأتي بيانه في مبحثه قريبا.
الشافعية - قالوا:
اتحاد الجنس بين طعامين هو أن يكون لهما اسم خاص يشتركان فيه اشتراكا حقيقيا، بمعنى أن تكون حقيقتهما واحدة كالقمح الهندي والقمح الاسترالي فإنهما مختصان باسم القمح مشتركان فيه اشتراكا حقيقيا، وأما إذا كان الاسم عاما كالحب بالنسبة للقمح فإنه ليس بجنس واحد، لأن الحب يشمل ايضا الذرة والأصناف الأخرى، وكذلك ما إذا اشتركا فيه اشتراكا لفظيا كالبطيخ إذا أطلق على النوع الأخضر منه والأصفر ويسمى "قاوونا" فإن ذلك الاشتراك لفظي فهما جنسان مختلفان لأن حقيقتهما مختلفة
(6) الشافعية - قالوا:
المعتبر فيما يباع بالكيل عادة أهل الحجاز: مكة، والمدينة. واليمامة، والقرى التابعة لها كالطائف، وجدة وخيبر، وينبع، فما كان يبيعه أهل الحجاز بالكيل يكون مكيلا ولو باعه الناس بالوزن أو العد بعد ذلك، فمتى كان الشيء يكال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن معياره الكيل ولو كان بغير الآلة التي يكال لها في ذلك العهد. ومتى كان يوزن في ذلك العهد، فإن معياره الوزن ولو غير الناس هذه العادة. أما ما لم يعرف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان مستعملا في غير الحجاز، أو كان مستعملا في الحجاز تارة بالكيل وتارة بالوزن، فإن كان المبيع أكبر جرما من التمر المعتدل فإنه يعتبر فيه بالوزن كالجوز والبيض، فإن الكيل لم يعهد في الحجاز يومئذ لصنف أكبر من التمر، أما إن كان مساويا للتمر، أو دونه كاللوز والبندق والفستق فيعتبر عادة بلد المبيع حالة البيع
ومن هذا تعلم أن المكيل لا يباع بعضه ببعض وزنا، وأن الموزون لا يباع بعضه ببعض كيلا، ولا يضر التفاوت في الوزن إذا كان المبيع الذي يباع بالكيل مستويا في الكيل، وكذلك لا يضر التفاوت في الكيل فيما يباع بالوزن إذا كان متساويا فيه,
الحنابلة - قالوا:
المعتبر فيما يباع بالوزن عرف مكة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فما كانوا يبيعونه موزونا كان كذلك ولو غيره الناس بعد ذلك. والمعتبر فيما يباع بالكيل عرف أهل المدينة لما رواه عبد الملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة" فيحرم أن يبيع ما كان يباع بالكيل في المدينة في ذلك العهد متفاضل الجنس في الكيل، وكذلك ما كان يباع موزونا. وما لا يعرف يعتبر فيه عرف الموضع الذي يباع فيه، وقد بين الحديث أن الذهب والفضة يباعان بالوزن، والشعير والتمر يباعان بالكيل، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة وزنا بوزن، والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى" وبه يعلم بعض الأصناف التي تباع بالكيل أو الوزن.
فمن الأشياء التي تباع بالكيل:
البر، والشعير، والدقيق، وسائر الحبوب. والجص "الجبس" والنورة، وكذلك التمر، والرطب والبسر، وباقي تمر النخل، ومثله الزبيب، والفستق، والبندق، واللوز، والعناب، والمشمش الجاف، والزيتون، والملح، وكذلك المائعات من لبن وزيت، وخل، وسمن. وسائر الأدهان، والعسل "وجعله بعضهم موزونا". فهذه الأشياء كلها مما تباع بالكيل وإن تعارف الناس على بيعها بالوزن أو العد.
ومن الأشياء التي تباع بالوزن:
الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، والرصاص، والزئبق، والكتان، والقطن، والحرير، والقز، والوبر، والصوف، سواء كانت مغزولة أو غير مغزولة، واللؤلؤ، والزجاج، والطين الأرمني الذي يؤكل دواء، واللحم، والشحم، والشمع والزعفران، والعصفر،والروس، والخبز إلا إذا تفتت وصار ناعما كالحب فإنه يباع مكيلا، والجبن، والعنب، والزبد. وقال بعضهم:
يباح في السمن أن يباع موزونا.
أما الأصناف التي لا تباع بالكيل ولا بالوزن فمنها الثياب، والحيوان، والجوز، والبيض، والرمان، والقثاء، والخيار، وسائر الخضر، والبقول، والسفرجل، والتفاح، والكمثرى، والخوخ، وكل فاكهة رطبة.
الحنفية - قالوا:
اختلف في معرفة المكيل والموزون، فقال بعضهم: إن المعول في ذلك على العرف. فمتى تعارف الناس على بيع شيء بالكيل كان مكيلا، ومتى تعارفوا على بيع شيء بالوزن كان موزونا. سواء نص الشارع على كونه مكيلا وموزونا أو لا، لأن الشارع إنما نص على أصناف الطعام المذكورة في الحديث مكيلة لكون الذهب والفضة موزونا تبعا لعرف ذلك الزمان، فلو غير الناس ذلك وباعوا الطعام موزونا والذهب والفضة معدودا اعتبر الشارع ذلك، وعد الطعام موزونا والذهب معدودا.
وبعضهم يقول:
إن المعول عليه في معرفة المكيل والموزون هو نص الشارع، فما نص على تحريم التفاضل فيه كيلا كان مكيلا دائما وإن باعه الناس بغير الكيل كالحنطة والشعير والتمر والملح. وكل شيء نص على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزون كالذهب والفضة، ومثل نص الرسول ما كان عليه المسلمون في عهده، أما ما لا نص فيه ولم يعرف حاله على عهد الرسول فإنه يعتبر فيه عرف الناس. والمشهور من المذهب الثاني. ورجح بعضهم الأول وهو أقرب في ضبط الموضوع وأسهل في تطبيق الحكم.
فيقاس على البر والشعير المذكورين في الحديث كل ما يباع بالكيل:
كالذرة، والدخن، والبرسيم، والحلبة، وجميع أصناف الحبوب التي تعارف الناس بيعها بالكيل، فإذا تعارفوا بيعها بالوزن تدخل في الموزون.
ويقاس على التمر جميع أنواع الفاكهة التي تباع بالوزن كالعنب، والتفاح، والتين والزبيب، والكمثرى، والجوز، واللوز، وهكذا من كل ما يباع بالوزن.
المالكية - قالوا:
المماثلة في بيع بعض الجنس الذي يدخله الربا ببعضه لا تعتبر إلا بالكيفية الواردة في الشرع:
وهي أن تباع الحبوب بالكيل، وتباع النقود، واللحم، والسمن، والعسل، والزيوت بالوزن. فلا يجوز بيع قمح بقمح وزنا وإن تساويا، كما لا يجوز بيع ذهب بذهب، أو سمن بسمن، أو عسل بعسل كيلا. ولا يشترط في آلة الكيل وآلة الوزن أن تكون مماثلة لما يكال به أو يوزن في الشرع من المد والصاع والوسق. بل يكفي ما اعتاد الناس الكيل والوزن به وإن خالف ما ورد بالشرع بزيادة أو نقص.
فإن لم يرد في الشرع ما يدل على أن هذا يباع بالكيل وذاك يباع بالوزن كما في البصل والثوم والملح والتوابل فتعتبر المماثلة فيه بحسب عادة الناس في معرفة قدره، سواء كان بالكيل أو الوزن.

ابوالوليد المسلم 13-11-2020 03:52 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 234 الى صــــــــ
242
الحلقة (107)


[مبحث بيع الفاكهة بجنسها وما يتعلق به]
قد عرفت أن التمر من الأصناف التي يدخلها الربا بنص الحديث، فلا يصح بيعه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد. ويقاس على التمر الفاكهة على تفصيل في المذاهب(1) .
[مبحث بيع اللحم بجنسه وما يتعلق به]
اللحم من الأصناف التي يدخلها الربا بدون خلاف، ولكن في بيان أجناسه وفي بيع بعضها ببعض اختلاف المذاهب(2) .
[مبحث بيع المائعات بأجناسها وبيعها بما تخرج منه]
المائعات من لبن وخل وماء وزيت وعصير وغير ذلك هي من الأصناف الربوية "التي يدخلها الربا" كما يدخل أصولها المستخرجة منها، وفي جواز بيع بعض الجنس الواحد منها ببعضه، أو بجنس آخر مغاير له وما يتعلق بذلك تفصيل في المذاهب(3) .
فإذا كانت العادة أن يبيع الناس شيئا بالوزن أو الكيل وأراد أحد أن يبيعه بجنسه ولكن تعذر وزنه أو كيله كأن كان في سفر ولم يجد ميزانا ولا كيلة فإنه يصح أن يتحرى في معرفة القدر إن كان يمكنه التحري
(1) المالكية - قالوا:
إن الفواكه الرطبة جميعها مثل الخضر لا يدخلها ربا الفضل، لأنها غير صالحة للادخار كالمشمش والخوخ والتفاح والموز والبطيخ والقثاء والليمون والجزر والقلقاس والنارنج وغير ذلك من الفواكه والخضر التي لا يمكن ادخارها، فيصح بيع كل جنس منها ببعضه وبجنس آخر متماثلة ومتفاضلة بشرط التقابض. أما بيعها متفاضلة لأجل كأن يبيع خمس بطيخات الآن بعشرة يأخذها بعد شهر فإنه لا يصح لأنك قد عرفت أن العلة في تحريم ربا النساء في الطعام مجرد كونه مطعوما، والتمر جميعه رطبه ويابسه من الأصناف التي يدخلها الربا بنص الحديث. وهو جنس واحد وإن اختلفت أنواعه. كتمر زغلول وسمان وأسيوطي وواحي ومغربي وغيرها فلا يجوز بيع بعضه متفاضلا ولو من نوعين مختلفين، فلا يصح بيع رطل من الزغلول برطلين من السماني مثلا وهكذا. وإنما يصح بيعه مثلا بمثل يدا بيد. ومثل التمر الزبيب فإنه جنس واحد وإن اختلفت أنواعه كالزبيب البناتي وغيره، فلا يصح بيعها ببعضها مفاضلة، وقد اختلف في العنب الرطب قبل أن يصير زبيبا. فقال بعضهم: إنه من الأصناف التي يدخلها ربا الفضل، فلا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا مهما اختلفت أنواعه كأزميري وفيومي وأمريكي وبعضهم يقول: إنه لا يدخله ربا الفضل لكونه غير صالح للادخار أنواعه كأزميري وفيومي وأمريكي وبعضهم يقول: إنه لا يدخل ربا الفضل لكونه غير صالح للادخار وهو رطب.
وهل يجوز التمر الجديد بالتمر القديم؟ خلاف:
فقيل. يصح، وقيل: لا يصح لعدم تحقيق المماثلة. أما بيع الرطب اليابس بمثله واليابس بمثله فإنه جائز وأما الفواكه الجافة:
كالجوز، واللوز والمشمش الحموي والهندي والفستق والبندق وغيرها، فإنها أجناس مختلفة يدخلها ربا الفضل وربا النسيئة على التحقيق، لأنها تدخر وتقتات كما تقدم.
الحنفية - قالوا:
جميع الفواكه والخضر التي تباع بالوزن أو الكيل يدخلها الربا قياسا على التمر كما سبق.
ثم إن تمر النخيل جميعه جنس واحد وإن تعددت أصنافه، فلا يصح بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل يدا بيد، لا فرق في ذلك بين جيده ورديئه. لأن الجودة والرداءة لا تعتبر في الأصناف الربوية إلا في مال اليتيم، فإنه لا يجوز للموصي أن يبيع الجيد من مال اليتيم بجنسه إذا كان رديئا.
ويصح أن يبيع الرطب من التمر باليابس، كما يصح أن يبيع المبلول من الحنطة باليابس. كذلك يصح بيع الرطب واليابس من باب أولى.
ويصح بيع التمر المبلول "المنقع" باليابس، ومثله بالزبيب والتين. وكما أن تمر النخيل جميعه جنس واحد، فكذلك العنب جنس واحد وإن اختلفت أنواعه. كالأزميري والأمريكي والبلدي والفيومي فكله جنس واحد لا يصح بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل يدا بيد. وهل يصح بيع الرطب من العنب بالجاف "الزبيب؟ " فقيل:
يصح بيع الزبيب بالعنب مثلا بمثل كيلا. وقيل:
لا يصح لانتفاء المماثلة. وكذلك الحال في كل ثمرة لها حال جفاف كالتين والمشمش والجوز والكمثرى والرمان، فإنه يجوز بيع رطبها بيابسها كما يصح بيع رطبها برطبها.
وثمر كل شجرة تغاير الأخرى جنس على حدته، فالكمثرى جنس، والتفاح جنس، والبرقوق جنس، والموز جنس، والجوافة جنس وهكذا، فلا يصح بيع جنس من هذه الأجناس ببعضه إلا متماثلا يدا بيد. ويصح أن يبيع كل جنس منه بالجنس الآخر متفاضلا بشرط التقابض.
والمراد بالتقابض في الذهب والفضة: أن يقبض البائع الثمن من المشتري والمبيع في المجلس. أما في بيع الطعام بالطعام فإن المراد بالتقابض فيه التعيين، سواء كان بجنسه أو بغير جنسه، فإذا باع ثوبا من القماش الأبيض "البفتة" بمثله، فإن الشرط أن يعين كلا من الثوبين وبينهما ولا يلزم قبضهما في المجلس كما سيأتي.
وما يباع من الفاكهة بالعدد كالمنجا والبرتقال فإنه لا يدخله ربا الفضل، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا. ومثل ذلك البطيخ "الحرش" والشمام وهكذا.
الحنابلة - قالوا:
التمر جميعه جنس واحد وإن اختلفت أنواعه، وكذلك كل ثمرة شجرة يختلف أصلها كالكمثرى والتفاح فهما جنسان مختلفان لاختلاف أصلهما. وكذلك البرقوق والخوخ ونحوها فكلها أجناس مختلفة لا يصح بيع الجنس الواحد منها ببعضه إلا يدا بيد متماثلة.
ولا يصح بيع رطب الجنس الواحد بيابسه، فلا يصح بيع العنب بالزبيب، ولا بيع التمر اليابس بالرطب، ولا بيع العجوة بالتمر. أما بيع رطب التمر بمثله متساويا فإنه يصح وكذلك بيع العنب الرطب بمثله متساويا فإنه يصح.
وكذلك المشمش الرطب بمثله، والتوت والتين ونحوها فإنه يصح بيعها بجنسها متساويا ولا يصح بيع عجوة منزوعة النوى بعجوة بها نواها.
الشافعية - قالوا:
جميع الفواكه والخضر يدخلها الربا، لأن العلة في التحريم الطعمية كما مر.
ثم إن الثمرة التي يعرض لها الجفاف تعتبر المماثلة فيها وقت الجفاف، أي في الوقت الذي يحصل فيه كمالها، فلا يصح أن يباع رطب برطب، لأن المماثلة بينهما إنما تتحقق وقت الجفاف وهي مجهولة في حالة كونها رطبا فلا يصح البيع.
وكذلك لا يصح بيع تمر بتمر قبل الجفاف، لا بيع عنب بعنب، ولا بيع عنب بزبيب، لأن المماثلة. إنما تعتبر عند الجفاف.
أما الفاكهة التي لا جفاف لها كالعنب الذي لا يصنع زبيبا والقثاء فإنه لا يجوز بيع بعض جنسه ببعض مطلقا

(2) المالكية - قالوا:
اللحم أربعة أجناس:
الأول:
لحم ذوات الأربع وهو قسمان: مأكول، وغير مأكول. فالمأكول كله جنس واحد، سواء كان وحشيا كحمار الوحش وبقره وظبائه، أو كان غير وحشي كالإبل والغنم والبقر.
الثاني:
لحم الطير وهو جنس واحد جميعه، سواء كان وحشيا كالرخم والعقبان والغراب، أو غير وحشي كالحمام والدجاج والأوز ومنه النعام والبط ونحو ذلك.
الثالث:
لحم دواب البحر "السمك" وكله جنس واحد أيضا على اختلاف أنواعه، حتى ما كان منه على صورة دواب البر كالثعبان وفرس البحر الترسة.
الرابع:
لحم الجراد وهو ربوي على الراجح، فكل جنس من هذه الأجناس الأربعة لا يجوز بيع بعض الجنس الواحد منه ببعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد، فلا يصح أن يبيع رطلا من الضأن برطلين من المعز، ولا برطل ونصف من البقر مثلا، ولا أن يبيع لحم حوت بلحم ترسة أو شلبة، ولا لحم أوز بلحم حمام مع التفاضل وهكذا، كما لا يصح أن يبيع رطلا رطبا برطل جاف. وأيضا لا يصح تأجيل القبض بل يجب أن يأخذ المشتري المبيع والبائع الثمن مناجزة أما بيع لجم جنس بجنس آخر فإنه يصح مفاضلة، فيصح أن يشتري رطلا من لحم الضأن برطلين من لحم الحوت. كما يصح أن يشتري رطلين من لحم البقر برطل من لحم طير. وإنما يشترط في صحته المناجزة قليلا يصح تأجيل القبض كما يصح بيع الجنس الجاف بالجنس الآخر الطري. فيصح أن يبيع لحم البقر الطري بلحم السمك المجفف "البكلاه" لاختلاف الجنسين. وحاصل ذلك أن بيع لحم الجنس الواحد ببعضه لا يجوز إلا بشرطين:
الأول:
المماثلة في القدر، فلا يصح الزيادة في أحد البدلين "المبيع والثمن".
الثاني:
المناجزة بأن يقبض كل من البائع والمشتري ماله.
أما بيع جنس بجنس آخر غيره فإنه يشترط فيه شرط واحد وهو المناجزة، هذا وقد اختلف في الجراد، فقال بعضهم: إنه ليس بطعام فلا يدخله الربا، وقال بعضهم:
إنه طعام وهو الراجح فيكون جنسا مغايرا للطير بيعه بغيره من الأجناس المذكورة. ولا يصح بيع بعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد.
وهل الطبخ بالخضر المختلفة كالبامية والملوخية والقرع ونحو ذلك يخرج اللحم عن جنسه أو لا؟ وكذلك ما يحدث في اللحم من الصناعة التي تخالف الأخرى يجعله جنسا مغايرا للآخر أو لا؟ خلاف.
وإذا بيع لحم فيه عظم بلحم خال من العظم فالمشهور أنه لا بد من تساويهما في الوزن بقطع النظر عن العظم. وقيل:
يتحرى القدر الذي فيه من العظم ويحذف من الوزن.
هذا إذا كان العظم يؤكل "كالقرقوش"، أما إذا كان لا يؤكل فإنه يصح بيع اللحم المشتمل عليه باللحم الخالي عنه مفاضلة.
أما بيع اللحم بحيوان حي فإنه كان من جنسه وكان مأكولا فإنه لا يصح، كبيع لحم خروف بجدي من المعز، وبيع لحم بقر بخروف وهكذا لأن اللحم قبل السلخ مجهول وبعده معلوم، ولا يجوز بيع معلوم بمجهول من جنسه، وأما بيعه بجنس آخر فإنه يجوز، ولكن إذا كان المبيع الحيوان الحي مما تطول حياته وكان له منفعة كثيرة سوى اللحم يقتنى من أجلها فإنه يصح بيعه باللحم مناجزة ونسيئة، وذلك كالإبل والبقر وإناث الضأن والمعز، لأن لها منفعة سوى اللحم وتطول حياتها، لأن الإبل تقتني لحم الأثقال والألبان، والبقر يقتني للحرث والألبان، وإناث الضأن والمعز تقتني للألبان والصوف في إناث الضأن. أما إذا كان الحيوان مما لا يطول أجله كبعض الطيور الدواجن، أو كان لا منفعة له سوى اللحم كذكور المعز "الجديان" أو كان له منفعة سوى اللحم ولكن يسيرة لا كثيرة كذكور الضأن بالخروف المخصي، فإنه لا ينتفع إلا بالصوف وهي منفعة يسيرة بالنسبة لما قبله، فإنه لا يصح بيعه باللحم إلا مقايضة يدا بيد.
أما بيع اللحم الذي يؤكل بالحيوان الذي لا يؤكل فإنه جائز كبيع بقرة بحمار أو فرس. ويكره بيع لحم ما يؤكل بالحيوان الذي يكره أكله كبيع لحم طير بهر أو ذئب.
الحنفية - قالوا:
لحم البقر والجاموس جنس واحد. وكذلك لحم الضأن والمعز فإنهما جنس واحد وما عدا ذلك فإنه يختلف باختلاف أصله، فلحم الإبل جنس على حدة وإن اختلفت أنواعها كبخاتي وعربي، ولحوم الطيور المختلفة أجناس مختلفة، ولحوم الأسماك المختلفة كذلك، فلا يصح بيع بعض الجنس الواحد ببعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد، ومعنى كون بيعها يدا بيد أن يعين المبيع والثمن. أما التقابض في المجلس في بيع الطعام فليس بشرط كما بيناه لك فيما تقدم، وإنما يحرم بيعها نسيئة بدون تعيين لوجود القدر فيها وهو أنها تباع وزنا وإن اختلف جنسها، وقد علمت مما تقدم أن الأصناف التي يوجد فيها القدر فقط، أو اتحاد الجنس فقط فإنه يباح فيها ربا الفضل ويحرم ربا النسيئة.
فيصح أن يبيع لحم بقر بلحم بقر مفاضلة كأن يبيع رطلا برطلين، كما يصح أن يبيع لحم غنم بلحم بقر مفاضلة وكما يصح أن يبيع لحما بحيوان حي سواء كان من جنسه أو من غيره جنسه، لأنه بيع ما هو موزون بما ليس بموزون وهو جائز كيفما كان. وإنما يشترط أن يكون البيع بالتفاضل في كل هذا يدا بيد، ومعنى كونه يدا بيد أن يكون معينا.
أما لحم الطير فإن كان المتعارف فيه أنه يباع بالوزن فإنه يدخله الربا بحيث لا يباع الجنس الواحد منه ببعضه متفاضلا. أما إن كان يباع بدون وزن فإنه يصح أن يباع الجنس ببعضه متفاضلا كما يصح أن يباع بغيره، فيصح بيع الدجاجة الواحدة باثنتين مذبوحة كانت أو غير مذبوحة، نيئة أو مشوية. كما يصح بيع الدجاجة بحمامتين وهكذا.
أما السمك فإن كان يباع بالوزن فإنه لا يصح بيع الجنس الواحد ببعضه مفاضلة، فلا يصح بيع حوث مثلا بمثل. أما بيعه بغير جنسه فإنه يصح مفاضلة كبيع "القرقور" بالشلبة مثلا فإن كان أهل جهته يبيعونه بغير الوزن فإنه يصح بيع الجنس الواحد منه مفاضلة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 13-11-2020 03:52 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الحنابلة - قالوا:
لحم المعز والضأن جنس واحد، ولحم البقر والجاموس جنس واحد. وما عدا ذلك أجناس مختلفة لاختلاف أصولها وأسمائها، فلحم الإبل جنس وإن اختلفت أنواعه كإبل عراب وبخت، ولحم البقر جنس، ولحم الغنم جنس، ولحم الدجاج جنس. ولحم الأوز جنس وهكذا.
ويحرم بيع بعض الجنس الواحد ببعضه متفاضلا. أما بغير جنسه فإنه يجوز. فيصح أن يبيع رطلا من لحم الغنم برطلين من لحم بقر، كما يصح أن يبيع رطلا من لحم رأس الضأن برطلين من لحم رأس الجمل بشرط أن يكون يدا بيد.
والشحم والكبد والطحال والرؤوس والأكارع والقلب والكرش ونحوها أجناس مختلفة. فلا يصح بيع الجنس الواحد منها ببعضه مفاضلة، ويصح بيعه بالجنس الآخر كذلك.
ويصح بيع اللحم بالحيوان الحي إذا كان من غير جنسه، سواء كان مأكولا أو غير مأكول. كأن يشتري لحم عجل بخروفين، أو يشتري لحم جمل بعجل وحمار مفاضلة، ويحرم بيعه نسيئة عند جمهور الفقهاء.
الشافعية - قالوا:
لحم البقر والجاموس جنس واحد، ولحم المعز والضأن جنس آخر، فلا يصح بيع بعض الجنسين المذكورين ببعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد كما تقدم.
أما بيع بعض الجنسين بصاحبه مفاضلة فإنه يصح، وإنما تعتبر المماثلة في اللحم بحالة جفافه، فإذا جف بأن صار قديدا فإنه يصح بيع بعضه ببعض بالتفصيل المذكور، أما إذا كان رطبا فإنه يصح كما تقدم في الفاكهة.
ولا يصح بيع لحم بحيوان حي، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه، مأكولا أو غير مأكول فلا يصح بيع لحم خروف بخروف حي، كما لا يصح بيعه بسمك أو حمار، ومثل اللحم الألية والشحم والكبد والطحال والكلية، فلا يصح بيعها بالحيوان الحي وهي أجناس مختلفة ولو كانت من حيوان واحد، فيصح أن يبيع لحم ألية "لية" مثلا بالشحم "الدهن" أو بالكبد أو الطحال أو الكلية متفاضلا بعد الجفاف، ومثلها الأكارع والمخ والكرش والقلب والرأس والسنام ونحوها فإنها كلها أجناس مختلفة لها الحكم المتقدم.
أما حيوانات البحر:
فما كان منها على هيئة السمك المعروف كالحوت واللبيس والمرجان والبلطي والبوري ونحو ذلك،
فقيل:
كلها جنس واحد، وقيل:
أجناس مختلفة. وأما بقية دوابه فإنها أجناس مختلفة باتفاق. وكذلك الطيور والعصافير فإنها أجناس مختلفة، على أن الجنس الواحد يختلف باختلاف كونه وحشيا أو أهليا، فبقر الوحش جنس يغاير البقر الأهلي، والمتولد من الجنسين جنس ثالث

(3) الشافعية - قالوا:
تختلف أجناس المائعات باختلاف أصولها المستخرجة منها، فكل مائع يستخرج من جنس يغاير الآخر يكون جنسا على حدة:
الزيت المستخرج من السمسم مثلا جنس على حدة، والزيت المستخرج من حب الخس جنس، والزيت المستخرج من الزيتون جنس وهكذا، فيصح بيع الجنس الواحد ببعضه مثلا بمثل يدا بيد، وبالجنس الآخر المغاير له متفاضلا يدا بيد كما تقدم إلا زيت السمك وزيت القرطم وزيت بذر الكتان فإنها ليست من الأصناف التي يدخلها الربا، فيصح بيعها ببعضها وبغيرها مطلقا، ومثلها شجر الخروع وحبه، أما زيته فإنه يدخله الربا، وكذلك العود والمسك والورد وبذر الكتان وكسب القرطم - بضم الكاف - "والكسبة" فإنها لا يدخلها الربا، فيجوز بيع بعضها ببعض مطلقا.
أما كسب الزيت المستخرج من السمسم أو الخس ونحوهما فإنه جنس مغاير لها، فيصح بيع بعضه ببعض، بخلاف الطحينة فإنها كالدقيق؛ فلا يصح بيع بعضها ببعض لانتفاء المماثلة بين أجزائها وكذا لا يصح بيعها بالدراهم لجهالة المبيع بما اختلط به وإذا أضيف إلى نوع واحد من الزيت أنواع أخرى اختلفت من أجله كان أجناسا متعددة، فإذا أضيف إلى دهن السمسم بنفسج، أو ورد، أو ياسمين. فإنه يصح أن يبيع كل واحد منها بالآخر مفاضلة.
ومثل الزيت الخل، فإنه يختلف باختلاف ما استخرج منه، فالخل المستخرج من العنب جنس والمستخرج من الزيت جنس آخر والمستخرج من التمر جنس، والمستخرج من الزبيب جنس، فإن لم يختلط بالخل ماء فإنه يصح بيع بعض الجنس الواحد منه ببعضه مثلا بمثل يدا بيد، كما يصح أنيباع جنس آخر من نوعه مفاضلة بالشروط المتقدمة، وإن اختلط به ماء فإنه لا يصح بيع بعضه ببعض، ولكن يصح بيعه بجنس آخر، لأنه إذا أضيف إليه ماء لا تعرف المماثلة، سواء كان الماء عذبا أو غير عذب على المعتمد، وكذلك العصير المستخرج من أصناف مختلفة، فإنه يختلف باختلافها كعصير العنب والرطب والرمان وقصب السكر وغيرها فإنها أجناس مختلفة لها الحكم المتقدم. ولا يصح بيع عصير العنب بالعنب، كما لا يصح بيع خل العنب بالعنب لأن القاعدة أنه لا يصح بيع شيء بما اتخذ منه، أو بما فيه شيء منه، أما خل العنب بعصير العنب فإن بيعهما ببعضهما يصح لأنهما جنسان مختلفان، ولا يصح بيع عصير الرطب بالرطب، إنما يصح بيع خله بعصيره. وقد يقال:
إن العصير أصل للخل فكيف يصح بيعه به مع أن الشيء لا يباع بأصله؟ ويجاب بأن الخل غير مشتمل على العصير فضلا عن التفاوت الكبير بينهما في الاسم والصفة. وأما بيع الزبيب بخل العنب، أو عصير العنب فقيل: يصح، وقيل: لا يصح.
وأما اللبن فإنه يتنوع إلى أنواع: حليب، ومخيض "خض"، ورائب، وحامض. وهذه يصح بيع بعض كل واحد منها ببعضه كيلا بشرطين.
الأول: أن لا يخالطها ماء لما تقدم من أن وجود الماء يمنع المماثلة، على أنه إذا خالط اللبن ماء فإن بيعه لا يصح مطلقا حتى بالنقود لما فيه من الإبهام والجهل بالمبيع.
الثاني:
أن لا يغلي على النار، فإذا غلا اللبن الحليب على النار، فإنه لا يصح بيع بعضه ببعضه، لأن الذي قد تذهبه النار من هذا أكثر من الذي تذهبه من الآخر بخلاف ما إذا سخن بالنار فقط فإن التسخين لا يضر.
أما باقي الأنواع التي تتخذ من اللبن كالجبن والأقط "اللبن الثخين الذي يوضع فيه ملح" ويصنع منه الكشك، والزبد فإنه لا يصح بيع بعض الجنس الواحد منها ببعضه، فلا يصح بيع بعض الجبن ببعضه، ولا بعض الأقط بعضه، ولا بيع الزبد ببعضه، لأن الأقط به الملح فلا نعرف المماثلة، والجبن تخالطه الأنفحة والملح أيضا. والزبد لا يخلو عن قليل مخيض فلا يصح بيعه ببعضه، بل ولا بالنقد لما فيه من المخيض المانع من العلم بالمبيع. أما بيع كل منها بالجنس الآخر فإنه يجوز إلا إذا كان متخذا منه، فلا يجوز بيع الجبن باللبن، وكذلك الزبد والقط لأنها مأخوذة من اللبن وإنما يصح بيع كل واحد منها بالجنس الآخر ما لم يكن المخالط كثيرا يمنع معرفة المقصود، وإلا فلا يصح.
ويصح بيع بعض السمن ببعضه وزنا إن كان جامدا، وكيلا إن كان مائعا على المعتمد، ولا يجوز بيع السمن بالزبد، ولا بيعه باللبن لأنه متخذ منه، وأما الماء العذب فإنه ربوي داخل في المطعوم، فقال تعالى:
{ومن لم يطعمه فإنه مني} فلا يصح بيع بعضه ببعض إلا مثلا يدا بيد:
والعسل المستخرج من السكر جنس غير السكر والعسل المستخرج من النحل جنس آخر فيجوز بيع بعضه ببعض.
الحنابلة - قالوا:
المائعات المستخرجة من أجناس مختلفة، أجناس مختلفة مثل أصولها، فزيت السمسم جنس، وزيت الزيتون جنس، وخل التمر جنس، وخل العنب جنس، وعسل النحل جنس، وعسل السكر جنس، فيصح بيع الجنس الواحد ببعضه مثلا بمثل يدا بيد ويصح بيعه بالأجناس الأخرى متفاضلا إلا أنه لا يصح بيع خل العنب بخل الزيت لا متفاضلا ولا متماثلا، لأن خل الزبيب لا بد أن يخالطه ماء.
ويصح بيع الدبس ببعضه وهو ما يسيل من الرطب كالعسل، فإنه يصح بيع بعضه ببعض يدا بيد إن كان من جنس واحد، ومتفاضلا إن كان من جنسين إلا أنه لا يصح بيع العسل الذي فيه شمع ببعضه، كما لا يصح بيعه بالعسل الخالي من الشمع.
ويصح بيع السمن ببعضه كذلك. ولا يصح بيع الزبد بالسمن كما لا يصح بيعهما باللبن لأنه أصل لهما. ولا يصح بيع الشيء بأصله، ومثلهما الجبن والمخيض فإنه لا يصح بيعهما باللبن، أما بيع كل جنس بالآخر فإنه يصح إذا لم يكن مستخرجا منه، فيصح بيع الزبد بالمخيض "اللبن الخض" يدا بيد لاختلاف الجنس، وليس المخيض أصلا للزبد.
ويصح بيع عصير الجنس الواحد ببعضه، فيص بيع عصير العنب بعصير العنب ولو مطبوخين أما إذا كان أحدهما مطبوخا والآخر غير مطبوخ فإنه لا يصح.
ولا يضر ما اختلط به جنس من الأجناس إذا كان يسيرا كالملح في الخبز، فإنه لا يمنع بيع بعضه ببعض، والماء في خل التمر وخل الزبيب فإنه يسير لا يضر، فيصح بيع كل جنس ببعضه لأن الماء الذي يضاف إليه غير مقصود بخلاف اللبن المشوب بالماء فإنه لا يصح بيعه بمثله.
الحنفية - قالوا:
تختلف المائعات باختلاف أصولها المستخرجة منها. فالزيت المستخرج من السمسم جنس، والمستخرج من الخس جنس، والمستخرج من الزيتون جنس، وهكذا. فيصح بيع بعض كل جنس ببعضه مماثلة وبالآخر مفاضلة بشرط التعين كما تقدم. وهل يصح بيع كل جنس بأصله الذي استخرج منه كبيع زيت السمسم بالسمسم؟. وبيع عصير العنب بالعنب؟ وبيع اللبن بالسمن؟ أو لا يصح. والجواب أن القدر الموجود الخالص إذا كان أكثر من القدر الموجود في الأصل فإن البيع يصح. أما إذا كان أقل أو مساويا أو لا يعلم حاله فإن البيع لا يصح فإذا باع مثلا عشرة أرطال من زيت السمسم بكيلتين منه؛ فإن كانت العشرة أرطال أكثر من الزيت الموجود في الكيلتين فإنه يصح وإلا فلا. هذا إذا كان الثقل "التفل" له قيمة بعد عصره واستخراج زيته كثفل السمسم فإنه ينتفع به. أما إذا لم يكن له قيمة كبيع الزبدة بالسمن فإن البيع لا يصح، لأن الزبدة بعد غليها وجعلها سمنا لاتبقى لها فضلة نافعة لها قيمة إلا إذا علم أن السمن الخالص من غير الثفل "المرجة" يساوي الذي باعه به.
ومثل ذلك ما إذا باع عشرة أرطال من اللبن برطلين من السمن فإنه يصح إذا كانت العشرة أرطال من اللبن تشتمل على أقل من رطلين من السمن. أما إذا كانت تشتمل على رطلين فأكثر فإنه لا يصح البيع، وبديهي أن "ثفل" اللبن هو الزبدة وله قيمة.
والعلة في ذلك ظاهرة وهو أن الأصل فيه زيادة ينتفع بها وهي الثفل، فينبغي أن يعمل حساب هذه الزيادة في مقابلها، فإذا بيع السمسم بمقدار الزيت الذي فيه فقد ضاع ثفله، أما إذا كان الثفل لا ينتفع به أصلا كثفل عصير العنب فإنه يصح بيعه بعصير العنب بدون أن يكون العصير زائدا على ما في العنب متى علم أن القدر الموجود في العنب يساوي العصير الذي اشتراه به. وإذا أضيف إلى نوع واحد من الزيت فإنه يختلف، كما إذا أضيف إلى زيت السمسم دهن البنفسج، أو الياسمين، أو الورد، أصبح كل واحد منهما جنسا على حدة كما تقدم في مبحث ما يعرف به اتحاد الجنس.
ومثل الزيت الخل، فإنه أجناس مختلفة الأصول المستخرج منها، فخل العنب جنس وخل الدقل بفتح الدال "التمر الرديء" جنس، وخل الخمر جنس، فيصح بيعها ببعضها مفاضلة كما يصح أن يباع بعض كل جنس منها ببعضه مماثلة، أما بيع الخل بالعصير فإنه لا يصح مفاضلة، وذلك لأن العصير يتخلل بعد مدة فكأنه باع الخل بمثله مفاضلة.
لا يصح بيع رطل زيت فيه رائحة عطرية برطل زيت خال منها، لأنه في هذه الحالة يكون قد باع رطلا من الزيت بمثله مع زيادة الرائحة.
ويجوز بيع اللبن الحلية بمثله كما يجوز بيعه بالجبن مفاضلة لأنهما جنسان مختلفان، أما بيع الحليب بالمخيض "الخض" فإنه إذا كان المخيض أكثر يصح، وإلا فلا، فيصح أن يبيع رطلين من اللبن الخض برطل من الحليب، أما إذا كان العكس فإنه يجوز، لأن الحليب مشتمل على زبدة فينبغي أن تراعى هذه الزيادة.
وإذا كان الماء في البئر أو في النهر فإنه لا يصح بيعه، فما جرت به عادة بعض الناس من بيع ماء البئر بالخبز ونحوه فإنه لا يصح إلا إذا أجر الدلو أو الرشا "الحبل الذي يملأ به، فإنه يصح في هذه الحالة، وإذا أخذ الماء ووضعه في جرة أو نحوها كان أحق به فأصبح مالكا له فصح له أن يبيعه وسيأتي ما يتعلق بذلك موضحا في المساقاة.
المالكية - قالوا:
يختلف الجنس باختلاف أصله، فالزيت يكون أجناسا مختلفة باختلاف أصوله المستخرج منها، فزيت القرطم والسمسم والسلجم والزيتون وزيت بذر الفجل والخس وبذر الكتان وغير ذلك كلها أجناس ربوية مختلفة لاختلاف الأجناس المستخرجة منها كما تقدم في مبحث ما يعرف به اتحاد الجنس، وكذلك العسل فإنه يختلف باختلاف أصله.
فيصح بيع بعض الجنس الواحد ببعضه مماثلة يدا بيد، كما يصح بيع الجنس بجنس آخر مفاضلة يدا بيد.



ابوالوليد المسلم 13-11-2020 03:54 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 243 الى صــــــــ
253
الحلقة (108)

[مبحث الصرف]
هو بيع الذهب بالذهب، والفضلة بالفضة، أو بيع أحداهما بالآخر. وقد علمت أن الصرف من أقسام البيع العام، فما كان ركنا للبيع فهو ركن للصرف،
إلا أنه يشترط للصرف شروط زائدة على شروط البيع الخاص:أحدها: أن يكون البدلان متساويين. سواء كانا مضروبين كالجنيه والريال ونحوهما من العملة المصرية المأخوذة من الذهب والفضة وغيرها، أو كانا مصوغين كالأسورة والخلخال والقرط، والحلق، والقلادة، والكردان، ونحو ذلك، فلا يصح أن يبيع جنيها بجنيه مع زيادة قرش فأكثر، كما لا يصح أن يبيع أسورة زنتها عشرون مثقالا بأسورة زنتها خمسة وعشرون وإن اختلف نقشهما وصياغتهما.
ثانيها:
الحلول، فلا يصح أن يبيع ذهبا بذهب، أو فضة بفضة مع تأجيل قبض البدلين أو أحدهما ولو لحظة.
ثالثها:
التقابض في المجلس:
بأن يقبض البائع ما جعل ثمنا، ويقبض المشتري ما جعل مبيعا، فإن افترقا بأبدانهما قبل القبض فقد بطل العقد. وأما بيع أحد الجنسين بالجنس الآخر أعني بيع الذهب بالفضة بوالعكس فإنه لا يشترط فيه التساوي، فيجوز أن يشترط الجنيه الذي قيمته مائة قرش فأكثر من الفضة.
وإنما يشترط له شرطان:
ثانيهما التقابض في المجلس. ومثل (1) الذهب والفضة في ذلك باقي الأصناف الربوية التي تقدم بيانها.
أما القروش وغيرها المأخوذة من معادن أخرى غير الذهب والفضة "كالنيكل والبرونز والنحاس" وتسمى فلوسا، فإن لها أحكاما في المذاهب (2) .البيوع المنهي عنها نهيا لا يستلزم بطلانها
البيوع المنهي عنها نهيا لا يستلزم بطلانها كثيرة:
منها: بيع النجش
- بفتح النون وسكون الجيم: وهو الزيادة في البيع بأن يزيد الشخص في السلعة على قيمتها من غير أن يكون له حاجة إليها، ولكنه يريد أن يوقع غيره في شرائها.وهو حرام نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقد روى في الموطأ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"نهى عن بيع النجش" فإن كان البائع متوطئا مع الناجش كما يفعل بعض التجار فإن الإثم يكون عليهما معا، وإلا فإن الإثم يكون على الناجش وحده. أما إذا لم ترد السلعة على قيمتها فإنه لا يكون حراما.
وفي حكمه تفصيل المذاهب (3) ...ولا يجوز أن يضاف (4) في الصرف جنس إلى آخر غير النقد: كأن يبيع جنيها وشاة بجنيه، أو شاتين، أو جنيهين وتسمى هذه المسألة مد عجوة ودرهم، بمد عجوة ودرهم، أو درهمين. لأهم يمثلون لها بهذا المثال. وذلك لأن الثمن يقسط على المبيع فيكون الثمن نصف شاة ونصف جنيه يقابل المبيع نصف شاة ونصف جنيه. وهذا فيه احتمال كون نصف الشاة من الثمن أكثر أو أقل من نصف الشاة المبيعة، واحتماع كون الشاة بتمامها قيمتها أكبر من الجنيه.والاحتياط في ترك الأمور التي يحتمل فيها الربا. أما إذا أضيف جنس إلى جنس من النقد فإنه (5) يصح إذا باع جنيها مصريا قديما وريالا بجنيه مصري جديد وريال متساويين في القيمة والوزن، لأن إضافة الجنسين من الذهب والفضة إلى بعضهما في الصرف جائز.
ومنها بيع الحاضر للبادي: وهو أن يتولى شخص من سكان الحضر السلعة التي يأتي بها البدوي من البادية بقصد بيعها دفعة واحدة، فيبيعها "السمسار" على مثله تدريجيا فيضيق على الناس ويرفع ثمن السلعة.وفي حكمه تفصيل المذاهب (6) .
ومنها تلقي الركبان القادمين بالسلع على تفصيل في المذاهب(7)
ومنها السوم على سوم الغير: وهو أن يتفق المتبايعان على بيع سلعة بثمن ويتراضيا عليه مبدئيا،
فيأتي رجل آخر فيساوم المالك بسعر أكثر من السعر الذي رضي به كأن يقول:
لا تبعه وأنا أشتريه منك بأكثر من السعر الذي رضيت به. ومثله ما إذا رضي المشتري بالبيع مبدئيا فجاء
آخر وقال له: رده وأنا أعطيك أحسن منه. أو أعطيك بثمن أقل. أما المزايدة ابتداء قبل أن يرضى البائع والمشتري ويركنان إلى البيع فإنها جائزة.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السوم بقوله: "لا يسوم الرجل على أخيه" رواه الشيخان، وهو يتضمن النهي عن الفعل وفيحكمه تفصيل المذاهب (8)
[مبحث المرابحة والتولية]
المرابحة في اللغة مصدر من الربح وهو الزيادة.
أما في اصطلاح الفقهاء فهي:
بيع السلعة بثمنها التي قامت به مع ربح بشرائط خاصة مفصلة في المذاهب(9) .
وأما الخل المتخذ من أصناف مختلفة فإنه كله جنس واحد كما تقدم فلا يصح بيع بعضه ببعض متفاضلا.
ومثل الخل الأنبذة، والمراد بها ماء الزيت والعرقسوس، والتمر، والمشمش، والقراصية ونبيذ التين، وهكذا باقي أنواع "الشرابات" المختلفة المأخوذة من الأصناف التي يدخلها الربا فإنها كلها جنس واحد، فلا يصح بيع بعضها ببعض مفاضلة، وليس منها ماء الخروب لأن الخروب لا يدخله الربا.
والخل من التمر جنسان مختلفان فيصح بيعهما ببعضهما مفاضلة، أما النبيذ فهو مع الخل جنس واحد على المعتمد، فلا يصح بيعهما ببعضهما مفاضلة ويصح مماثلة، وكذلك النبيذ مع التمر جنس واحد ولكن لا يصح بيعهما ببعضهما لا مفاضلة ولا مماثلة.
أما اللبن وما يتولد منه فإنه سبعة أنواع؟ وهي الحليب، والزبدة، والسمن، والمخيض "الخض" الأقط، وهو لبن يحفف حتى يستحجر فيحفظ ليطبخ به عند الحاجة كالخضر المجففة، والجبن، والمضروب "الرائب". فهذه الأنواع يجوز بيع بعض كل واحد منها بمثله، فيجوز أن يبيع رطلا من الحليب برطلين من الحليب. ورطلا من الزبد برطلين من الزبد وهكذا. ولا يصح بيع الحليب بالزبد ولا بالسمن ولا بالجبن ولا بالأقط، كما لا يصح بيع الزبد بالسمن أو الجبن أو الأقط، ولا بيع السمن بالجبن ولا بالأقط.
وأما بيع المخيض أو المضروب بالأقط فقيل: لا يصح مطلقا، لأنه من قبيل بيع الجاف باللبن وهو لا يجوز. وقيل: يصح، والظاهر الأول. وكذلك اختلف في بيع الجبن بالأقط فقيل: بالجواز:
وقيل بالمنع
(1) الحنفية - قالوا:
إن باقي الأصناف التي يدخلها الربا كالطعام ليست كالذهب والفضة في شرط التقابض في المجلس، لأن الذهب والفضة لا يتعينان بالتعيين؛ فلا يملك ما بيع من الذهب بعينه ولا الفضة بعينها إلا بالقبض، فإذا باع له هذا الجنيه بخصوصه بخمسين قطعة من ذات القرشين فإن للبائع أن يبدله بعد هذا بجنيه آخر غيره. ومثل ذلك قطعة الذهب التي تباع بمثلها فإنها لا تملك بالتعيين وإنما تملك بالقبض. فلهذا شرط في بيع الذهب والفضة التقابض في المجلس، سواء كان مضروبين أو مصوغين. أما باقي الأصناف فإنها تتعين بالتعيين، فإذا اشترى هذا الإردب من القمح بهذين الإردبين من الشعير فقد تعينا بذلك، فلا يصح للبائع أو المشتري أن يبدله بغيره. فلا يشترط التقابض في المجلس بالنسبة لها. وإنما يشترط فيها ثلاثة أمور:
الأول:
أن يكون المبيع والثمن موجودين في ملك البائع والمشتري.
الثاني:
أن يتعين المبيع والثمن، فلو باعه إردبا من الحنطة بإردب من الحنطة بدون أن يعين الإردبين لم يصح.
الثالث:
أن ما يجعل مبيعا لا يصح أن يكون دينا وإنما يصح ذلك في الثمن. فإذا باعه إردبا من هذه الحنطة المعينة بإردب من حنطة جيدة ولكنها غائبة فإنه يصح البيع، وإنما يشترط في هذه الحالة أن يحضر المشتري الثمن وهو الإردب من الحنطة الجيدة ويقبضه البائع في المجلس، لما علمت من أنه يشترط تعيين المبيع والثمن. والدين لا يتعين إلا بالقبض فلا بد من قبضه في المجلس. فإذا قبضه البائع ولم يقبضه المشتري المبيع فإنه لا يضر. أما إذا جعل المبيع دينا كأن قال:
اشتريت منك إردبا من الحنطة الجيدة بهذين الإردبين من الشعير فإنه لا يصح مطلقا ولو أحضر له الحنطة المبيعة في المجلس، لأنه جعل الدين مبيعا وهو غير موجود فكأنه اشترى ما ليس عنده، فلا يصح البيع أصلا
(2) الشافعية - قالوا:
الفلوس لا يدخلها الربا، سواء كانت رائجة يتعامل بها أو لا على المعتمد. فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا إلى أجل، فإذا باع عشرين قرشا صاغا من العملة المصرية بخمسين قرشا من القروش التعريفة يدفعها بعد شهر، فإنه يصح مع وجود زيادة خمسة قروش.
الحنابلة - قالوا:
إذا اشترى فلوسا يتعامل بها مأخوذة من غير الذهب والفضة فإنه يجوز شراؤها بالنقد متفاضلة إلى أجل، فيصح أن يشتري ثلاثين قرشا صاغا من العملة المصرية "القروش" بريالين يدفعهما بعد شهر، ولكن نقل بعضهم أن الصحيح في المذهب أن التأجيل لا يجوز، وأن شراء الفلوس بالنقدين يصح متفاضلا ولكن بشرط التقابض في المجلس.
الحنفية - قالوا:
الفلوس المأخوذة من غير الذهب والفضة إذا جعلت ثمنا لا تتعين بالتعيين، فهي مثل النقود المأخوذة من الذهب والفضة إلا أنه يصح بيع بعضها ببعض مفاضلة، ولا يشترط فيها التقابض من الجانبينن فإذا اشترى قرشا "من الصاغ" بقرش من "التعريفة" أكثر منها لأجل فإنه يصح إذا قبض القروش الصاغ وأما إذا افترقا قبل أن يقبض أحدهما فإنه لا يصح.
المالكية - قالوا:
الفلوس هي ما اتخذت من النحاس ونحوه وهي كعروض التجارة. فيجوز شراؤها بالذهب والفضة كما يجوز أن يشتري بها حليا فيه ذهب وفضة، أما شراؤه بالذهب فقط، أو بالفضة فإنه لا يجوز نقدا، سواء كانت الفضة أقل من الذهب أو العكس
(3) المالكية - قالوا:
إذ علم البائع بالناجش ورضي عن فعله فسكت حتى تم البيع كان البيع صحيحا، ولكن للمشتري الخيار في أن يمسك المبيع أو يرده فإن ضاع المبيع وهو عنده قبل أن يرده للبائع، فإنه يلزمه أن يدفع الأقل من الثمن أو القيمة، وتعتبر القيمة يوم العقد لا يوم القبض، أما إذا لم يكن البائع عالما فإنه لا خيار للمشتري على أي حال.
الشافعية - قالوا:
إذا كان البائع غير متواطئ مع الناجش فلا خيار للمشتري باتفاق. أما إذا كان متواطئا ففيه خلاف: والأصح أنه لا خيار للمشتري أيضا لأنه قصر في بحث السلعة بنفسه، واعتمد على من أوقعه وغره فلا حق له.
الحنفية - قالوا:
بيع النجش مكروه تحريما إذا زادت السلعة عن قيمتها.
الحنابلة - قالوا:
للمشتري في بيع النجش الخيار، سواء تواطأ الناجش مع البائع؛ أو لم يتواطأ بشرط أن اشترى السلعة بغبن زائد على العادة، فيخير بين رد المبيع وإمساكه، وقال بعضهم: إذا أمسكه يرجع على البائع بفرق الثمن الذي زاد عليه فيأخذه منه. ومثل بيع النجش ما إذا قال البائع للمشتري: قد أعطيت في هذه السلعة كذا فصدقة ثم اتضح أن البائع كاذب، فإن للمشتري الخيار في الرد والإمساك. على أنه يشترط في الحالتين: أن يكون المشتري جاهلا. أما إن كان عارفا فلا خيار له، لأنه يكون قد فرط
(4) الحنفية - قالوا:
يجوز أن يضاف في الصرف جنس إلى جنس آخر، سواء كان نقدا أو غيره، فإذا باع بإردب قمح وإردب شعير بإردب ونصف قمح وإردب شعير فإنه يصح، وينصرف كل جنس إلى جنسه. وكذلك يصح بيع شاة وجنيه شاة وجنيه أو بشاتين أو جنيهين
(5) المالكية - قالوا:
لا يصح أيضا أن يضاف جنس الذهب إلى جنس الفضة في الصرف، فلا يصح أن يبيع جنيها وريالا بجنيه وريال
(6) المالكية - قالوا:
لا يجوز أن يتولى أحد من سكان الحضر بيع السلع التي يأتي بها سكان البادية بشرطين:
أحدهما:
أن يكون البيع لحاضر، فإذا باع لبدوي مثله فإنه يجوز.
ثانيهما: أن يكون ثمن السلعة غير معروف بالحاضرة، فإن كان معروفا فإنه يصح. وذلك لأن علة النهي هي تركهم يبيعون للناس برخص فينتفع الناس منهم، فإذا كانوا عارفين بالأسعار فإنه لا فرق حينئذ بين أن يبيعوا بأنفسهم وبين أن يبيع لهم السماسرة، وقيل:
لا يجوز مطلقا أما شراء ساكن الحاضرة لأهل البادية فإنه يجوز.
وهل سكان القرى الصغيرة مثل سكان البوادي؟ قولان:
أظهرهما أنه يجوز أن يتولى ساكن الحاضرة بيع السلع التي يأتي بها سكان القرى، فإذا تولى أحد من سكان المدن بيع السلع التي يأتي بها سكان البادية مع وجود الشرطين المذكورين فإن البيع يفسخ ويرد المبيع لبائعه ما لم يكن قد استهلك فإنه ينفذ بالثمن. ويكون كل من البائع والمشتري والسمسار قد ارتكب معصية يؤدب عليها ويعزر فاعلها بالجهل بالتحريم.

يتبع

ابوالوليد المسلم 13-11-2020 03:55 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الحنابلة - قالوا:
بيع الحاضر للبادي حرام ولا يصح أيضا. وإنما يحرم ولا يصح بخمسة شروط:
أحدها:
أن يكون البادي قد حضر بالسلعة ليبيعها، أما إن كان قد حضر بها ليخزنها أو ليأكلها فحضه أحد الحاضرين على بيعها ثم تولى له بيعها فإنه يجوز، لأن في ذلك توسعة لأهل المدينة والمراد بالبادي كل من يحضر إلى المدينة من غير أهلها، سواء كان بدويا أو لا. ثانيهما: أن يقصد البدوي بيع سلعته بسعر يومها، أما إذا قصد أن يتربص بها ولا يبيعها رخيصة فإن المنع يكون من جهة البائع لا من جهة الحاضر الذي تولى بيعها سمسرة. ثالثها: أن يكون البدوي جاهلا بالسعر، فإذا كان عالما به فإنه يصح للحاضر أن يتولى له بيع سلعته لأنه لم يزده علما. رابعا: أن يكون المشتري من أهل الحاضرة، أما إن كان بدويا مثله فإنه يصح للحاضر أن يتولى البيع له لأنه لا أثر للتوسعة في بيع بدوي لمثله خامسها:
أن يكون الناس في حاجة إلى سلعته. أما شراء أهل الحاضرة للبادي فجائز.
الشافعية - قالوا:
بيع الحاضر للبادي المذكور حرام. وهل هو كبيرة أو صغيرة؟ خلاف:
وإثمه على من يعلم أنه حرام، سواء كان الحاضر أو البادي. وبعضهم يقول: إن إثمه على الحاضر أما البادي فلا إثم عليه لأنه وافقه على ما فيه مصلحة له فيعزر في ذلك. والحاضر:
ساكن الحاضرة وهي المدن والريف والقرى. والريف:
أرضها فيها زرع وخصب ولا بناء بها "وإن كان بها بيوت الأعراب المأخوذة من الشعر". وليس ذلك مرادا هنا. وإنما المراد: الغريب الذي يأتي بالمتاع من خارج البلد ليبيعه فيها بل قال بعضهم:
إن التقيد بالغريب ليس بشرط، فلو كان عند واحد من أهل البلد متاع مخزون من قمح ونحوه، ثم أخرجه ليبيعه دفعة واحدة فقال له شخص آخر ليباع تدريجيا فإنه يأثم، سواء كان من أهل البلد أو كان غريبا مثله، وسواء كان هو الذي يتولى بيعه له أو غيره، لأن العلة في النهي متحققة في الحالتين:
وهما:
التضييق على الناس، وغلاء الأسعار. واعتمد بعضهم أن يكون القادم بالمتاع غريبا. أما القائل بأنه يأثم مطلقا سواء كان غريبا أو من أهل البلد. فإنما يحرم ذلك بثلاثة شروط:
أحدها أن يكون المتاع مما تعم الحاجة إليه في ذاته كالطعام وإن لم يكن جميع أهل البلد في حاجة إليه، بل يكتفي احتياج طائفة ولو كانوا غير مسلمين، فإذا كان الطعام لا تعم الحاجة إليه كالفاكهة ونحوها فإنه لا يحرم فيها ذلك. ثانيها:
أن يكون القادم قاصدا لبيع السلعة بسعر يومه، أما إذا كان يريد بيعها على التدريج فقال له شخص:
أنا أتولى لك بيعها تدريجا فإنه لا يأثم، لأن القائل لم يضر بالناس في هذه الحالة، ولا سبيل لمنع صاحب السلعة بيعها تدريجا لأن المالك يتصرف كما يشاء في حدود الدين.
ثالثها: أن يستشيره صاحب السلعة فيما هو أنفع له، هل البيع تدريجا أو البيع دفعة واحدة؟ وفي هذا خلاف: والمعتمد أنه يجب عليه أن يشير عليه بما هو الأنفع له. فإذا قال له: بعه تدريجا، أو أتولى لك بيعه تدريجا فإنه لا يأثم.
الحنفية - قالوا:
المراد بالحاضر السمسار، والبادي البائع القروي، فلا يصح أن يمنع السمسار "ساكن الحضر" البائع القروي من البيع فيقول له:
لا تبع أنت فإنني أعلم بذلك منك فيتوكل له ويبيع ما جاء به من سلعة.
وحكم هذا أنه مكروه تحريما فهو صغيرة من الصغائر، وإنما يكره في حالة ما إذا كان الناس في حالة قحط واحتياج فإن هذا يضر بهم، فيزيد عليهم ثمن السلعة ويضيق عليهم، أما إذا كان الناس في حالة رخاء وسعة فإنه لا يكره
(7) المالكية - قالوا:
ينهى عن تلقي السلع التي ترد إلى بلد من البلدان لتباع فيها، فلا يحل لشخص أن يقف خارج البلدة ويتلقى البائعين الذين يحضرون بسلعهم فيشتريها منهم، لأن في ذلك إضرار بأهل البلدة وتضييقا عليهم، فإذا ابتعد عن البلدة مسافة ستة أميال فإنه يصح له حينئذ أن يشتري من تلك السلع ما يشاء، سواء كان لتجارة أو لقوت، وسواء كانت البلدة الواردة إليها السلع لها سوق أو لا على المعتمد. أما من كان على مسافة أقل من ستة أميال، فإن كان للبلد سوق فإنه لا يجوز له أن يشتري للتجارة. أما للقوت فإنه يجوز. وإن لم يكن لها سوق فإنه يجوز أن يشتري للتجارة وللقوت. فإذا وصلت السلع إلى البلد فإن كان لها سوق فلا يجوز الأخذ منها مطلقا إلا إذا وصلت السوق، وإن لم يكن لها سوق جاز الأخذ منها مطلقا للتجارة وللقوت.
(8) الحنفية - قالوا:
السوم على سوم الغير يكره تحريما إذا اتفق المشتري مع البائع على تعيين الثمن مبدئيا وركن البائع إلى البيع بذلك، أما إذا لم يركن البائع إلى الثمن فإنه يصح الزيادة عليه، بل هو محمود لما فيه من منفعة البائع ورواج السلعة، ومثل البيع خطبة النكاح. فإنه يكره أن يخطب الرجل خطيبة غيره بعد الاتفاق على المهر وإلا فلا يكره. وكذلك الإجارة.
المالكية - قالوا:
السوم على سوم الغير إن كان قبل الركون إلى الثمن والاتفاق عليه مبدئيا فإنه يكون خلاف الأولى. أما بعد الركون إلى الثمن فإنه حرام.
الشافعية - قالوا:
السوم على سوم الغير يحرم بعد استقرار الثمن والتراضي به صريحا، أما إذا سكت البائع أو
قال:
حتى أستشير فإنه لا يكون رضا بالثمن صريحا، فلا يحرم السوم في هذه الحالة على الصحيح، وإنما يحرم إذا كان عالما به، فإذا لم يكن عالما له فإنه لا يحرم.
الحنابلة - قالوا:
يحرم سوم الرجل على سوم أخيه بعد رضا البائع بالثمن صريحا، ولا تحرم المساومة والمزايدة في حالة المنادة على المبيع بالبيع، كما يفعله كثير من الناس فإنه جائز بلا نزاع
(9) المالكية - قالوا:
المرابحة بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم للبائع والمشتري وهو خلاف الأولى، لأنه يحتاج إلى بيان كثير قد يتعذر على العامة فيقع البيع فاسدا، لأن البائع ملزم بأن يبين المبيع وكل ما أنفقه عليه زيادة على ثمنه. وربما يفضي إلى نزاع. ومثله بيع الاستئمان:
وهو أن يشتري السلعة على أمانة البائع بأن يقول له: بعني هذه السلعة كما تبيع للناس لأني لا أعرف ثمنها.
وكذلك بيع المزايدة:
وهو أن يتزايد اثنان فأكثر في شراء سلعة قبل أن يستقر ثمنها ويتفق عليه البائع مع أحدهما، وإلا كان ذلك حراما لأنه سوم على سوم الغير في هذه الحالة كما تقدم.
ثم إن بيع المرابحة على وجهين:
الوجه الأول:
أن يساومه على أن يعطيه ربحا عن كل مائة عشرة مثلا أو أكثر أو أقل، ويشتمل هذا الوجه على صورتين:
الصورة الأولى:
أن يكون للبائع قد اشترى السلعة بثمن معين ولم ينفق عليها شيئا زيادة عن الثمن. وهذه أمرها ظاهر فإن على المشتري أن يدفع الثمن مضافا إليه الربح بالحساب الذي يتفقان عليه، والصورة الثانية:
أن يكون البائع قد أنفق على السلعة زيادة على ثمنها الذي اشتراها به، وتشمل هذه ثلاثة أمور:
الأولى: أن يكون ما أنفق عليها عينا ثابتة قائمة بالسلعة، كما إذا اشترى ثوبا أبيض فصبغه، أو اشترى صوفا منفوشا ففتله، أو اشترى ثوبا فخاطه أو طرزه، فإن الصبغ والفتل والتطريز والخياطة صفات قائمة بالثوب، وحكم هذا:
أنه يكون كالثمن فيضاف إلى الثمن ويحب له الربح بنسبته، وإنما يشترط أن يبينه البائع كما يبين الثمن فيقول: قد اشتريت الثوب بكذا، وصبغته بكذا، أو خطته بكذا، أو طرزته بكذا، فإذا كان قد تولى ذلك بنفسه كأن كان خياطا فخاط ثوبه، أو صباغا فصبغه فإنه لا يحتسب له شيء من أجرة وربح.
الثاني:
أن يكون ما أنفق عليه غير قائم بالبيع ولا يختص به، كأجرة خزنه في داره وحمله، وحكم هذا:
أنه لا يحسب من أصل الثمن ولا يحسب له ربح، أما إذا كان اكترى له دارا بخصوصه ليخزنه فيها ولولاه ما احتاج إلى هذه الدار، فإن أجرتها تحسب من الثمن ولا يحسب لها ربح. ومثل ذلك أجرة السمسار إذا كانت العادة تحتم الشراء به. الثالث: أن يكون غير قائم بالمبيع ولكنه يختص به. وهذا إن كان مما يعمله التاجر بنفسه عادة كطي الثوب وشده ولكنه قد استأجر عليه غيره فإنه لا يحسب ما أنفقه لا في الثمن ولا في الربح.
أما إن كان مما لا يتولاه التاجر بنفسه كالنفقة على الحيوان، فإنه يحسب من أصل الثمن ولا يحسب له ربح، ويشترط أن يبينه أيضا، فإذا اشترط البائع على المشتري أن يعطيه ربحا على كل ما أنفقه سواء كان له عين قائمة بالمبيع كالصبغ وما ذكر معه، أو ليست له عين ثابتة غير مختصة كأجرة الحمل. أو مختصة ولكن العادة جرت بأن يفعلها البائع بنفسه أو العكس. فإنه يعمل بشرطه إذا سماها جميعها.
ومن هذا يتضح لك أن تسمية الثمن وتسمية ما أنفقه على السلعة سواء كان قائما بها أو لا شرط على أي حال، فإذا قال له:
أبيعك هذه السلعة على أن أربح في المائة عشرة مثلا، ثم ذكر له الثمن مضافا إليه ما أنفقه على السلعة ولم يسم له ما يصح إضافته إلى الثمن بربح، وما يصح إضافته بدون ربح، وما لا يصح إضافته إلى الثمن أصلا. فإن العقد يقع فاسدا لجهل المشتري بالثمن في هذه الحالة.
الوجه الثاني:
من وجهي البيع بالمرابحة:
أن يبيع السلعة بربح معين على جملة الثمن كأن يقول له:
أبيعك هذه السلعة بثمنها مع ربح عشرة أو خمسة ويشترط في هذه الحالة أيضا: أن يسمى الثمن وما يتبعه مما أنفقه على السلعة، سواء كان قائما بها كالصبغ ونحوه، أو لا كأجرة خزنها وحملها وهكذا مما لا يضاف إلى الثمن مع ربح، أو يضاف بدون ربح، أو لا يضاف أصلا وفي هذه الحالة يصح البيع ولكنه يطرح عن المشتري ما أنفقه البائع على السلعة مما لا يضاف إلى الثمن كأجرة الحمل ونحوها إلا أن يشترط حسبانه فإنه يصح. ولا فرق في الثمن بين أن يكون ذهبا أو فضة ونحوهما أو يكون قيميا، فإذا اشترى ثوبا بشاة فإنه يصح أن يبيعه بشاة مماثلة للشاة التي اشتراه بها في صفاتها ويزيده ربحا معلوما، ولكن يشترط أن تكون الشاة التي يريد شراءه بها مملوكة له عنده أو ليست عنده ولكنها مضمونة. بحيث يمكن الحصول عليها، أما إذا لم تكن كذلك فإنه لا يصح.
الحنابلة - قالوا:
إذا كان الربح معلوما والثمن كذلك صح بيع المرابحة المذكور بدون كراهة فإذا قال:
بعتك هذه الدار بما اشتريتها به وهو مائة جنيه مثلا مع ربح عشرة فإنه يصح؛ أما إذا قال له:
بعتك هذه الدار على أن الربح في كل عشرة من ثمنها جنيها ولم يبين الثمن فإنه يصح مع الكراهة؛ وعلى البائع أن يبيع الثمن على حدة وما أنفقه على المبيع على حدة، فإذا اشتراه بعشرة وأنفق عليه عشرة، وجب عليه أن يبينه على هذا الوجه فيقول: اشتريت بعشرة، وصبغته، أو كلته، أو وزنته، أو علفته بكذا، وهكذا.
الشافعية - قالوا:
يصح بيع المرابحة سواء قال له:
بعتك هذه السلعة بثمنها الذي اشتريتها به وهو مائة مثلا وربح عشرة. أو قال له:
بعتك هذه السلعة بربح كل جنيه عن كل عشرة من ثمنها ثم إن كان المشتري يعلم الثمن ويعلم ما أنفقه البائع على السلعة زيادة على الثمن فإنه يدخل في قوله:
بعتك بثمنها وربح كذا وإن لم يبينها، إلا أجرة عمل البائع بنفسه، أو عمل متطوع له بعمل مجانا فإنه لا يدخل إلا إذا بينه. أما إذا كان المشتري لا يعلم شيئا من النفقات فإنه لا يدخل شيء منها في العقد إلا إذا بينه البائع، وكذلك الثمن إذا كان عرضا ولم يعلم به المشتري فإنه يلزم أن يبينه البائع كأن يقوله له:
بعتك هذه الثوب بثمنه الذي اشتريته به وهو عرض كذا، وقيمته كذا. أما إذا كان المشتري يعلم به فلا يلزم بيانه. على أنه إن بينه يقع العقد صحيحا، وإنما البيان لدفع الكذب المحرم. أما إذا كان الثمن نقدا أو مثليا كالمكيلات ونحوها فإنه لا يلزم بيانه.
الحنفية - قالوا:
يصح البيع بالمرابحة أي بالثمن الأول مع ربح بشرطين: الأول: أن يكون المبيع عرضا فلا يصح بيع النقدين مرابحة، فإذا اشترى جنهين من الذهب بمائتين وعشرين قرشا فضة، فإنه لا يصح أن يبيعهما بثمنهما المذكور مع ربح خمسة مثلا، وذلك لأن الجنيهات لا تتعين بالتعيين كما تقدم غير مرة، إذ يصح أن يقول:
بعتك هذا الجنيه بكذا ثم يعطيك جنيها غيره لأنه لا يملك بالشراء.
وللبائع أن يضم إلى أصل الثمن كل ما أنفقه على السلعة مما جرت به عادة التجار، سواء كان عينا قائمة بذات المبيع كصبغ الثوب وخياطته وتطريزه وفتل الصوف والقطن "غزلهما" وحفر الأنهار والمساقي. أو كان خارجا عن المبيع غير قائم به كأجرة حمله وإطعام الحيوان بلا تبذير وأجرة السمسار. وهل يلزم أن يشترط البائع ضم ما أنفقه من ذلك إلى أصل الثمن ويبينه أو لا؟ خلاف: والراجح أن المرجع في ذلك للعرف كما أشرنا إلى ذلك أولا، فما جرت عادة التجار بضمه إلى الثمن يضم وإلا فلا. الشرط الثاني:
أن يكون الثمن مثليا كالجنيه والريال ونحوهما من العملة، وكذلك المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة. أما المعدودات المتفاوتة فإنها ليست مثلية، فإذا اشترى بعيرا بعشرة جنيهات فإنه يصح أن يبيعه بثمنه مع ربح معين، وكذلك إذا اشتراه بعشرة "أرادب" من القمح فإنه يصح أن يبيعه بها مع ربح إردب من جنسها. وكذلك إذا اشترى إردبا من القمح بصفيحة من السمن زنتها ثلاثون رطلا فإنه يصح أن يبيعه بثمنه مع زيادة العينة من السمن وهكذا، فإذا كان الثمن غير مثلي بل كان قيميا أي يباع بالتقويم لا بالكيل ونحوه كالحيوان والثوب والعقار، فإنه لا يصح البيع به مرابحة إلا بشرطين: الشرط الأول:
أن يكون ذلك الثمن هو بيعنه الذي بيعت به السلعة أولا، مثال ذلك أن يشتري زيد من عمرو ثوبا بشاة ثم يشتري محمد الثوب من زيد بنفس الشاة التي اشتراه بها بعد أن يملكها من عمرو. الشرط الثاني:
أن يكون الربح معلوما كأن يقول له:
اشتريت منك هذا الثوب بالشاة التي اشتريته بها مع ربح عشرة قروش، أو مع ربح كيلة من القمح، أما إذا كان الربح غير معين كأن يقول له: اشتريت منك هذا الثوب بالشاة المذكورة مع ربح خمسة في المائة من ثمنه فإنه لا يصح.
لأن ثمن الثوب غير معين في هذه الحالة



ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:03 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 253 الى صــــــــ
263
الحلقة (109)

أما التولية فهي في اللغة مصدر ولى غيره: جعله واليا. وشرعا بيع السلعة بثمنها الأول بدون زيادة عليه، وحكمها كحكم المرابحة على التفصيل الممتقدم فيها، ومثلهما الوضعية ويقال لها المحاطة وهي بيع السلعة مع نقصان ثمنها الذي اشتريت به.فإذا باع شيئا مرابحة أو وضعية ثم ظهر كذبه في بيان الثمن وما يتعلق به ببرهان أو إقرار أو غيرهما ففيه تفصيل المذاهب(1) .
[مبحث البيع بالغبن الفاحش]
البيع والشراء مشروع ليربح الناس من بعضهم، فأصل المغابنة لا بد منها، لأن كلا من البائع والمشتري يرغب في ربح كثير. والشارع لم ينه عن الربح في البيع والشراء ولم يحدد له قدرا، وإنما نهى عن الغش والتدليس، ومدح السلعة بما ليس فيها، وكتم ما بها من عيب ونحو ذلك. فمن فعل بسلعة شيئا من ذلك، كان لمن أخذها الحق في ردها كما تقدم مفصلا في مباحث الخيار، وقد شرع الخيار ليكون للبائع والمشتري فرصة في التأمل حتى لا يغبن أحدهما ولا يندم كما تقدم. فمن الممكن أن يحتاط البائع والمشتري حتى لا يغبن واحد منهما غبنا فاحشا. ولكن إذا وقع ذلك بدون تدليس ولا غش فما هو حكمه وما هو الحد الذي يغتفر منه وما لا يغتفر؟ في ذلك تفصيل المذاهب (2) .
مبحث ما يدخل في المبيع تبعا وإن لم يذكر وما لا يدخل
إذا اشترى دارا فإنه يدخل فيها بناؤها وأبوابها ونحو ذلك مما هو متصل بها وإن لم يشترط ذلك، وكذلك إذا اشترى أرضا زراعية مغروسة بها أشجار فإن الأشجار تدخل فيها. وفي ذلك تفصيل المذاهب(3) .

(1) الحنفية - قالوا: إذا ظهر كذبه ببرهان، أو إقرار، أو نكول عن اليمين، فإن للمشتري الحق في أخذ المبيع بكل ثمنه الذي اشتراه به أو رده، وله أن يقتطع من الثمن الذي دفعه ما زيد عليه كذبا في البيع بالتولية فقط. أما المرابحة فليس له فيها إلاخيار رد البيع أو إمساكه بكل الثمن. وبعضهم يقول:
إن له أن يقتطع ما زال عليه فيها أيضا، فإذا باع ثوبا بعشرة مع ربح خمسة واتضح أن ثمنه ثمانية لا عشرة، فللمشتري أن ينقص اثنين من أصل الثمن وما يقابلهما من الربح وهو قرش. وإذا هلك المبيع أو استهلكه المشتري، أو حدث فيه عيب وهو عنده قبل رده، سقط خياره ولزمه بكل الثمن.
المالكية - قالوا: البائع في المرابحة إن لم يكن صادقا فهو:
إما أن يكون غاشا، أو كاذبا، أو مدلسا.
فأما الغاش:
فهو الذي يوهم أن في السلعة صفة موجودة يرغب في وجودها، وإن كان عدمها لا ينقص السلعة، أو العكس بأن يوهم أن السلعة خالية من صفة موجودة فيها لا يرغب في وجودها، وذلك كأن يوهم أن السلعة جديدة واردة من معملها حديثا وهي قديمة لها زمن طويل عنده، أو يوهم أن هذا الثوب وارد من معمل كذا وهو ليس كذلك. بشرط أن لا يكون ذلك منقصا لقيمة السلعة، وإن كان عيبا له الحكم المتقدم في خيار العيب. أما حكم الغش المذكور في المرابحة:
فهو أن المشتري بالخيار بين أن يمسك المبيع وبين أن يرده.
أما الكاذب:
فهو الذي يخبر بخلاف الواقع فيزيد في الثمن كأن يقول:
إنه اشترى السلعة بثلاثين مع أنه اشتراها بعشرين، وفي هذه الحالة يكون للمشتري الحق في أن يسقط ما زاده البائع عليه من الثمن وما يقابله من الربح، ولا يلزمه المبيع إلا بذلك، فإن لم يقبل البائع ذلك يكون المشتري مخيرا بين إمساك المبيع ورده.
إذا عرض على السلعة أمر يفوت ردها كنماء، أو نقص، أو نزل عليها السوق. ففي حالة الغش يلزم المشتري بأقل الأمرين من الثمن والقيمة يوم قبضها ولا يقدر للسلعة ربح، وفي حالة الكذب:
فإن المشتري يخير بين أن يأخذ السلعة بالثمن الحقيقي مع ربحه، وبين أن يأخذها بقيمتها يوم قبضها إلا إذا زادت قيمتها عن ثمنها المكذوب وربحه، فإنه لا يلزم بدفع الزيادة عند ذلك. لأن البائع رضي بالثمن المكذوب، فارتفاع قيمة السلعة لا يكسبه حقا خصوصيا وأنه زاد في الثمن كذبا.
وأما المدلس:
فهو الذي يعلم أن بالسلعة عيبا ويكتمه، وحكم المدلس في المرابحة كحكمه في غيرها. وقد تقدم في مباحث الخيار أن المشتري يكون بالخيار بين الرد ولا شيء عليه، وبين إمساك المبيع ولا شيء له الخ غلا أن بيع المرابحة إذا حصل فيه كذب أو غش أو تدليس فإنه يكون شبيها بالعيب الفاسد. فإذا هلك المبيع قبل أن يقبضه المشتري لا يكون ملزما به بخلاف غيرها من بيع المزايدة أو المساومة فإنه إذا كان فيها كذب أو غش ونحوهما وهلكت قبل قبضها فإن ضمانها يكون على المشتري بمجرد العقد.
الحنابلة - قالوا: إذا باع شيئا تولية أو مرابحة ثم ظهر أنه كاذب في الثمن، فإن للمشتري الحق في إسقاط ما زاده البائع كذبا في التولية والمرابحة من أصل الثمن، وإسقاط ما يقابله من الربح في المرابحة وينقص الزائد من المواضعة أيضا. ويلزم البيع الباقي، فلا خيار للمشتري في ذلك.
وإذا قال البائع: إنني غلطت في ذكر الثمن لأنه أزيد مما ذكرت، فالقول قوله مع يمينه بأن يطلب المشتري تحليفه فيحلف أنه لم يعلم وقت البيع أن ثمنها أكثر مما أخبر به، وبعد حلف البائع يخير المشتري بين رد المبيع وبين دفع الزيادة التي ادعاها، فإن نكل عن اليمين فليس له إلا ما وقع عليه العقد. ورجح بعضهم أنه لا يقبض قول البائع بالزيادة غلا ببينة ما لم يكن معروفا بالصدق على الأظهر.
الشافعية - قالوا: إذا ظهر كذب البائع في المرابحة بأن أخبر أنه اشتراه بمائة فظهر بالبرهان أو بالإقرار أنه اشتراه بأقل، فإن للمشتري الحق في إسقاط الزائد من أصل الثمن وما يقابله من الربح. وإذا زعم البائع أنه ذكر أقل من الثمن الذي اشترى به غلطا فإنه لا يكون له حق في الزيادة التي ادعاها المشتري، فإذا بين للبائع وجها للغلط يحتمل وقوعه كأن قال:
رجعت إلى الدفتر فوجدت ثمنه أكثر مما ذكرت أو نحو ذلك سمعت ببينته إن كانت له بينة، فإذا صدقته البينة يكون له "البائع:
الخيار ولا تثبت له الزيادة. أما إذا لم يبن وجها محتملا لغلطه فإن بينته لا تسمع مطلقا، وقيل:
لا تسمع بينته على أي حال، سواء بين وجها محتملا أو لم يبين لتناقضه في قوله، والمعتمد الأول. وللبائع أن يحلف المشتري بأنه لا يعرف أن الثمن زائدا عما ذكره البائع له أو لا، فإن أقر المشتري فإن الحكم يكون كما إذا صدقه فيثبت للبائع الخيار لا الزيادة. وإن حلف بأنه لا يعرف مضي العقد على ما هو عليه فلا يكون لواحد منهما خيار، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على البائع، فإن حلف كان للبائع الخيار في أخذ السلعة بالثمن الذي حلف عليه البائع وبين ردها

(2) المالكية - قالوا: المشهور في المذاهب أنه لا يرد المبيع بالغبن في الربح ولو كان كثيرا فوق العادة إلا في أمور:
أحدها:
أن يكون البائع والمشتري بالغبن الفاحش وكيلا أو وصيا، فإذا كان كذلك فإن بيعها وشراءها يرد. فللوكل أو المحجور عليه أنيرد المبيع، فإذا وكل شخص آخر بأن يشتري له سلعة فاشتراها له بغبن فاحش أو محاباة لبائعها، كان للموكل الحق فيرد تلك السلعة إذا كانت قائمة لم تتغير فإن تغيرت فإن له الحق في الرجوع على البائع بالزيادة التي وقع فيها الغبن، فإن تعذر الرجوع على البائع كان له الحق في الرجوع بذلك على المشتري وهو الوكيل.
وكذلك إذا وكله في أن يبيع له سلعة فباعها بنقص فاحش فإن له أن يستردها إذا لم يطرأ عليها ما يمنع الرد، فإذا لم يمكن ردها رجع بالنقص على المشتري، فإن تعذر رجع به على البائع. ومثل الوكيل الوصي. فإن للمحجور عليه أن يفعل في بيعه وشرائه ذلك.
واختلف في حد الغبن الفاحش فقال بعضهم: إذا بيعت السلعة بزيادة الثلث عن قيمتها، أو بنقص الثلث كان غبنا، ولكن المعتمد أن الغبن زيادة السلعة عن قيمتها زيادة بينه أو نقصها نقصا بينا فمتى كانت الزيادة أو النقص ظاهرين كان ذلك غبنا فاحشا.
ثانيها:
أن يستسلم المشتري للبائع كأن يقول له: بعني هذه السلعة كما تبيعها للناس، أو يستسلم البائع للمشتري بأن يقول له: اشتر مني كما تشتري من الناس فإنه في هذه الحالة إذا غبن البائع أو المشتري غبنا فاحشا كان لهما الحق في رد المبيع.
ثالثها:
أن يستأمن البائع المشتري أو العكس كأن يقول له: ما تساوي هذه السلعة من الثمن لأشتري به أو أبيعها به؟ فإذا أخبره بنقص أو زيادة كان له الحق في رد السلعة.
وقد أفتى بعض أئمة المالكية بأن المبيع إذا زاد على الثلث أو نقص عنه، فسخ البيع بشرط أن يكون البائع قد باع وهو عالم بالغبن، أو يكون المشتري قد اشترى وهو عالم بذلك واستمر قائما لم يتغير قبل مجاوزة العام، وقد جرى العمل على ذلك في بعض الجهات الإسلامية.
الحنابلة - قالوا: يرد المبيع بالغبن الفاحش بالزيادة أو النقص في ثلاثة صور:
الصورة الأولى:
تلقي الركبان.
الصورة الثانية:
بيع النجش. وقد تقدم الكلام عليهما قريبا.
الصورة الثالثة:
أن يكون البائع أو المشتري لا معرفة لهما بالأسعار ولا يحسنان المماكسة. ويقبل قوله بيمينه أنه جاهل بقيمة الثمن ما لم تقم قرينة تكذبه في دعوى الجهل. ويرى بعضهم أنه لا يسمع قوله إلا ببينة تشهد بأنه جاهل بقيمة الثمن، أما من يحسن المماكسة وله خبرة بالأسعار، فإنه لا حق له في رد المبيع ولو غبن غبنا فاحشا. وحد الغبن الفاحش: أن يزيد المبيع أو ينقص عما جرت به العادة.
الحنفية - قالوا: الغبن الفاحش هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين، كما إذا اشترى سلعة بعشرة فقومها بعض أهل الخبرة بخمسة، وبعضهم بستة، وبعضهم بسبعة، ولم يقل أحد إنها بعشرة فالثمن الذي اشتريت به لم يدخل تحت تقويم أحد. أما إذا دخل تحت التقويم كأن قال بعضهم:
بثمانية، وبعضهم بسبعة وبعضهم بعشرة فإنه لا يكون غبنا، لأن السعر الذي اشتريت به قال به بعضهم فدخل تحت التقويم، وحكم الغبن الفاحش:
أن المبيع لا يرد به إلا في حالة الغرر، فإن قال البائع للمشتري:
إن هذه "القطنية" مثلا بلدية فاشتراها بأربعة جنيهات، ثم تبين أنها شامية تساوية جنيهين، فللمشتري الحق في ردها.
وكذا إذا قال المشتري للبائع: إن هذا الخروف يساوي في السوق جنيها فصدقه وباعه له، ثم تبين أنه يساوي جنيهين، فإن للبائع الحق في فسخ البيع. وإذا تصرف في بعض المبيع قبل علمه، فإن كان مثليا فإنه يصح أن يأتي بالمثل الذي تصرف فيه ويرد المبيع كاملا ويأخذ ما دفعه من الثمن كاملا. أما إذا كان قيميا وتصرف فيه أو في بعضه، أو حدث فيه ما يمنع الرد فإنه يسقط خياره حينئذ.
الشافعية - قالوا: الغبن الفاحش لا يوجب رد المبيع متى كان خاليا من التلبيس، سواء كان كثيرا أو قليلا، على أن من السنة أن لا يشتد البائع أو المشتري حتى يغبن أحدهما صاحبه. وقد عرفت أن من يتلقى الركبان فيشتري منهم بغبن فإن شراءه لا ينفذ، ولهم الحق في الرجوع
(3) الحنفية - قالوا: ينبني هذا المبحث على ثلاث قواعد:
القاعدة الأولى:
أن كل ما يشمله اسم المبيع عرفا يدخل فيه بدون ذكر فإذا اشترى دارا فإنه يدخل فيها كل ما يصدق عليه اسم الدار عرفا مما يأتي بيانه قريبا.
القاعدة الثانية:
أن يكون متصلا بالمبيع اتصال قرار، فلا يكون موضوعا بقصد الإزالة والقطع كالشجر المغروس في الأرض بقصد الاستمرار لينتفع بثمره كالنخل، والرمان، والمنجو، والجوافى وغير ذلك من الأشجار الثابتة، فإنها تدخل في المبيع وإن لم ينص على دخولها في العقد، سواء كانت مثمرة أو غير مثمرة، بخلاف الأشجار الجافة فإنها غير مستمر إذ لا ينتفع بها إلا بالقطع، ومثلها الأشجار الخضرة التي لا تثمر إذا كان يقصد قلعها في زمن معين ولو بعد سنة أو سنتين كالأشجار التي تربى لتكون أخشابا فإنها لا تدخل في المبيع إلا بالشرط، ومثلها أنواع الزرع الذي لا يترك قائما كالقمح والذرة والشعير والأرز ونحوها فإنها تغرس لا لتبقى. إذ لا ينتفع بها إلا بعد حصادها فلا تدخل في المبيع إلا بالشرط.
القاعدة الثالثة:
ما لا يكون من هذين القسمين فلم يجربه عرف، ولم يتصل بالمبيع اتصالا ثابتا وهو قسمان:
القسم الأول:
أن يكون من مرافق المبيع وحقوقه، وحكمه، أنه يدخل في المبيع بذكر كلمة المرافق والحقوق كأن يقول: اشتريت هذه الأرض بمرافقها وحقوقها، فإذا لم يذكر المرافق أو الحقوق فإنها لا تدخل. والمرافق والحقوق شيء واحد:
وهي ما لا بد منه للمبيع ولا يتعلق به غرض إلا من أجله، كالطريق والشرب بالنسبة للأرض، والمراد بالطريق التي لا تدخل إلا بذكر الحقوق أو المرافق:
الطريق الخاص الموجود في ملك البائع. أما الطريق المتصلة "بالشارع" العام، أو الطريق المتصلة بزقاق غير نافذ فإنهما يدخلان بدون ذكر.
القسم الثاني:
أن لا يكون من مرافق المبيع وحقوقه كالثمر بالنسبة للشجر، فإن الثمر ليس من المرافق، فإذا قال:
اشتريت هذه الشجرة فلا يدخل ثمرها إلا بالنص عليه، أو بأن يقول:
اشتريتها بجميع ما عليها.
فإذا عرفت ذلك فإنه يمكنك أن تطبق عليه كل ما ذكروه من الأمثلة، فمن ذلك: ما إذا اشترى دارا فإنه يشمل بناءها وعلوها وأبوابها وشبابيكها ودورة مياهها وسلمها ولو كان غير متصل بها "كسلم الخشب" لأن العرف جاء على أنه يدخل، وكذلك أنابيب الماء "المواسير" وأنابيب النور، أما مصابيح النور "اللامبات" فإن العرف على أنها غير داخلة، وكذلك المفاتيح وغير ذلك مما جرت العادة بأن يكون تابعا للدور، أما السقيفة فإنها لا تدخل إلا بذكر المرافق أو الحقوق.
وإذا حفر الأرض الخارجة فوجد في بطنها لبنا "طوبا" أو أحجارا أو رخاما أو غير ذلك فإن كان مبنيا فإنه يكون في حكم المتصل فيدخل في المبيع ويكون للمشتري، وإن لم يكن مبنيا فإنه يكون للبائع.
فإذا قال:
إنه ليس له كان حكمه كحكم اللقطة. ومثل ذلك ما إذا اشترى سمكة فوجد في بطنها جوهرة، فإن كانت في صدف فهي للمشتري، وإن لم تكن في الصدف فإن المشتري يردها للبائع وتكون عند البائع لقطة يعرفها حولا "يعلن عنها" ثم يتصدق بها، أما إذا اشترى دجاجة فوجد في بطنها حبة ذهب فإنها تكون للبائع، وإذا اشترى صدفا ليأكل ما في داخله "أم الخلول" فوجد في أحدها لؤلؤة فهي للمشتري. ومن ذلك ما إذا اشترى حماما فإنه يدخل فيه الأحواض المثبتة في الحيطان، وأنابيب المياه، والقدور النحاسية المثبتة في الحيطان، وكل ما كان مثبتا أو ملصقا بالأرض ببناء ونحوه فإنه يدخل بدون ذكر.
ومنه ما إذا اشترى شجرا فإنه لا يدخل فيه الثمر إلا بالشرط، وهو من الشروط التي لا تفسد العقد كما تقدم، ومثله الزرع الذي لا يبقى مستمرا على الأرض كما تقدم قريبا ويؤمر البائع بقطعهما وتسليم المبيع من أرض وشجر للبائع عندما يستلم ثمنها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الثمر قد ظهر صلاحه، أو لا، ولا يجوز للبائع عندما يستلم ثمنها. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الثمر قد ظهر صلاحه أو لا، ولا يجوز للبائع أن يستأجر الشجرة من المشتري كي يبقى عليها الثمر حتى يستوي إنما يجوز أن يعيره الشجر إعارة، فإذا أبى المشتري أن يعيره الشجر فإنه يخير البائع إن شار قطع الثمر وأمضى البيع، وإن شاء فسخ البيع، وهذا كله في البيع، أما في الرهن فإنه يدخل الشجر، والثمر، والزرع في رهن الأرض تبعا للمرهون وإن لم ينص عليه، وفي الوقف يدخل البناء والشجر لا الزرع ولا يدخل الزرع في إقالة الأرض، وكل ما دخل تبعا للمبيع وغيره فإنه لا يقابله شيء من الثمن.

يتبع

ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:03 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
المالكية - قالوا: عقد البيع على شيء يتناول ما يتعلق به بالشرط أو بجريان العرف، فإذا اشترى شجرا أو بناء ولم يذكر الأرض التي بها الشجر أو البناء، فإن العقد يشمل الأرض أيضا إلا إذا اشترط البائع عدم دخولها، أو كان العرف جاريا على أنها لا تدخل، ومثل البيع الرهن والهبة والوقف والوصية والصدقة فإنها كالبيع في ذلك، فإذا رهن بناء فإن الأرض تدخل تبعا له على الوجه المتقدم، وكذلك إذا وهبه هبة أو أوصى به.
وإذا اشترى أرضا زراعية وقد بذر البائع بها حبا من قمح أو برسيم أو ذرة ونحو ذلك فإن كان ذلك الحب لم ينبت فإنه ينبع الأرض في البيع إلا إذا اشترط البائع عدم دخوله، أما إذا نبت فإن العقد لا يتناوله إلا بالشرط أو العرف.
وكذلك لا يتناول العقد خلفة الزرع أي ما ينبت مرة أخرى بعد قطعة كالبرسيم ونحوه، فليس للمشتري إلا الظاهر من الزرع ما لم يشترطه.
وإذا اشترى أرضا فوجد فيها شيئا مدفونا كحجارة، أو رخام، أو لبن "طوب" أو عمد أو نحو ذلك فإنه لا يكون للمشتري. ثم إن ادعاه البائع وكانت حالته تدل على أن البائع يصح أن يملكه بميراث أو غيره فإنه يكون له. أما إذا كان قديما تدلحالته على أن البائع لا يصح أن يملكه فإنه يكون لقطة يعرفها المشتري حولا ثم يضعها في بيت المال، ومثل ذلك ما إذا جهل صاحب المدفون فإنه يكون في حكم اللقطة، وإذا وجد المشتري في الأرض جبا أو بئرا كان بالخيار في نقض البيع أو الرجوع بقيمة ما نقص من الأرض بسببهما. وإذا اشترى سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فإن عرف أنها قد ملكت لغيره بأن كانت مثقوبة أو مغشاة بحلية صناعية ونحو ذلك مما يدل على أنها سقطت من شخص فالتقطتها السمكة، فإنها تكون لقطة يعرفها المشتري سنة ثم يودعها في بيت المال "المالية"، وإن لم يكن بها ما يدل على أن الغير قد ملكها واعتقد المشتري أو ظن أو شك أنها غير مملوكة لأحد فإنها تكون له على ما اختاره بعضهم، وصوب بعضهم أنها تكون للبائع، وفصل بعضهم فقال:
إن بيعت السمكة وزنا فهي للمشتري، وإن بيعت جزافا فهي للبائع.
وإذا اشترى دارا فإن العقد يتناول الشيء الثابت فيها بالفعل حين العقد، فلا يتناول غيره وإن كان من شأنه الثبوت، فدخلت الأبواب المركبة والشبابيك والسلالم المثبتة، سواء كانت حجرا أو خشبا، أما السلالم الخشب التي لم تسمر فقيل:
يتناولها إن كان لا بد منها في الوصول إلى غرف الدار، وقيل:
لا يتناولها إلا بالشرط، وكذلك يتناول السقف والمجاري وغير ذلك من الأشياء المثبتة في حيطانه أو أرضه ببناء أو تسمير، أما المنقولات التي لم تثبت فإنه لا يتناولها. فلو كان بالدار أبواب وشبابيك مهيأة للتركيب ولكنها لم تركب فإن العقد لا يتناولها إلا بالنص عليها، ومثلها الأحجار والبلاط والأسمنت "والمونة" وغير ذلك مما هو لازم لعمارة الدور فإنه لا يدخل في المبيع بدون ذكر ما دام غير مثبت.
وإذا اشترى نخلا مثمرا فإن كان قد أبر جميعه أو أكثره فإن العقد لا يتناوله. ومعنى تأبير النخل: وضع طلع الذكر "المعروف" عليه، فالثمر في هذه الحالة يكون للبائع، إلا إذا اشترك المشتري أن يكون الموبر له جميعه فإنه يكون له حينئذ، أما إذا اشترط أن يكون بعضه له فقط فإنه لا يصح، لأنه يكون قد قصد بيع الثمرة قبل بدو صلاحها فإن التبعيض يفيد أنه قابل للتجزئة والمشاحة في بيعه، بخلاف ما إذا اشترطه جميعه فإنه يكون داخلا ضمنا بدون قصد مشاحة فيه بخصوصه.
أما إذا كان النخل المبيع غير مؤبر، أو كان المؤبر منه أقل من نصفه فإن العقد يتناوله فيكون للمشتري، ولا يجوز للبائع أن يشترطه بنفسه على المشهور.
وإذا اشترى شجر مشمش، أو لوز، أو خوخ، أو تين، فإن كان قد برز كل ثمره أو أغلبه عن موضعه بحيث قد أصبح متميزا عن أصله المتعلق به، فإن العقد لا يتناوله إلا بالشرط، لأن بروز الثمرة في مثل هذه الأشجار في حكم تأبير النخل. فإذا لم يبرز شيء من الثمر، أو برز أقل من نصفه، فإن العقد يتناوله بدون شرط.
الشافعية - قالوا: الأصول التي يتبعها غيرها في البيع وإن لم يذكر اسمه ثلاثة:
أحدها: الأرض ويعبر عنها بعبارات مختلفة كالدار والقرية والبستان.
ثانيها: الشجر.
ثالثها: الدابة.
فأما الأرض:
فإنه إذا باعها يدخل فيها البناء والشجر الأخضر وإن لم يذكرا بخلاف الشجر الجاف فإنه لا يدخل. أما الزرع والخضر الأخرى فإنه يدخل منها ما يؤخذ مرة بعد مرة أخرى سواء كان نباتا لا ثمر له كالبرسيم والجيرجير والسلق فإنه يقطع وتبقى أصوله فتنبت مرة أخرى، وتسمى المرة الثانية للبرسيم "ربة" والثالثة "خلفة". أو كان له ثمر كالخيار والقثاء فإنه يؤخذ منه مرة بعد مرة أخرى، فهذا يدخل في المبيع بدون ذكره، لأن هذا الزرع لما كان يؤخذ منه مرة بعد أخرى وتترك جذوره باقية أشبه الدائم الثابت، فلهذا عبروا عنه بأنه زرع بقصد الدوام والثبات ومرادهم بالدوام: طول بقائه بالنسبة لمثله عادة ولو سنة. أما الزرع الذي لا خلفة له بل يؤخذ مرة واحدة كالقمح والشعير والفجل والجزر ونحو ذلك، فإنه لا يدخل في الأرض المبيعة بدون ذكره. فإذا لم يذكر فإن للمشتري الخيار في إمضاء العقد وفسخه إن كان جاهلا به وقت العقد وتضرر ببقائه على الأرض لكونه لا ينتفع بها مدة وجوده، أما إذا رفع الضر، كأن تركه البائع له. أو قال له:
إنني سأخلي الأرض منه سريعا فلا خيار له، وإذا بقي الزرع على الأرض فإنه يكون بلا أجرة مدة وجوده.
ثم إن النبات والخضر التي تدخل في المبيع بدون ذكر لا يكون للمشتري ما ظهر منها وقت البيع، فإذا اشترى أرضا بها برسيم نابت فإنه يكون للبائع، وللمشتري جذور تنبت ثانيا "الربة"، ومثل البرسيم كل ما يشبهه من النباتات التي لها جذور تنبت مرة أخرى. وثمار الخضر التي تؤخذ مرة بعد أخرى كالقثاء والعجور الموجود قبل البيع للبائع، وللمشتري الذي ينبت بعد العقد.
ويجب اشتراط قطع ما يخص البائع في النباتات التي تترك جذورها بعد قطعها فتنبت ثانيا، أما الخضر التي لها ثمر يؤخذ مرة بعد أخرى إن كان ما يتجدد منها يختلط بالموجود المستحق للبائع فيحدث النزاع، وإلا فلا يشترط فيها، والذي يشترط هو المبتدئ بالإيجاب، سواء كان المشتري أو البائع، فإن كان المشتري فإنه يقول: بعني أرضك بكذا بشرط أن تقطع ما تستحقه عليها من البرسيم أو القثاء مثلا فيوافقه البائع على ذلك. وإن كان المبتدئ البائع فإنه يقول: بعتك أرضي بكذا بشرط أن أقطع ما أستحقه عليها من البرسيم أو القثاء ونحو ذلك فيوافقه على ذلك ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزرع الذي يستحقه البائع قد حل موعد قطعه أو لا، وسواء كان قصبا فارسيا"الغاب" المعروف أو لا، ومثله قصب السكر أيضا فالشرك لا بد منه لصحة العقد. أما تكليف البائع بالقطع فإنه غير شرط، واختلف فيه فقيل: يكلف به إن كان قد ظهر منه ما ينتفع به البائع ولو من بعض الوجوه، سواء كان قصبا فارسيا أو غيره. وقيل: يكلف مطلقا.
والبذر يتبع نباته، فبذر البرسيم والجرجير والكرفس والقثاء ونحوه من كل ما له خلفة يتبع بيع الأرض وإن لم يذكر، بخلاف بذر القمح والفجل والجزر ونحوه مما لا خلفة له فإنه لا يتبع بيع الأرض، وخير المشتري إن تضرر بوجود ما لا يملكه منه، ولا أجرة له على بقائه في الأرض وإذا باع أرضا فوجد المشتري بها أشياء مدفونة سواء كانت أحجارا أو معادن أخرى فإنها لا تدخل في بيع الرض.
وأما الدار فإنه يدخل في بيعها الأرض والبناء والشجر، ومثل الدار الخان والحوش والوكالة والزريبة والربع، فإن بيعها يتناول البناء والأرض والشجر الموجود بها، وإذا باع علوا على سقف فهل يدخل السقف ضمن البيع لأن السقف كالأرض بالنسبة للبناء أو لا يدخل؟ خلاف: فبعضهم يقول: إنه لا يدخل، ولكن المشتري له حق الانتفاع به، فإذا انهدم لا يكلف البائع بإعادته.
وقيل: يدخل.
وكذلك يدخل في الدار الأبواب المركبة والشبابيك والأحواض المثبتة، أما إذا لم تركب فإنها لا تدخل، وكذلك يدخل السلم والرف المثبت.
وأما البستان أو القرية فإنه يدخل فيهما الأرض والشجرة والبناء، أما المزارع التي حولهما فإنها لا تدخل.
وأما الدابة فإنه يدخل في بيعها نعلها "حدوتها" إلا أن يكون من فضة كالحلقة التي تجعل في أنفس البعير إذا كان من فضة.
وأما الشجرة فإنها إذا كانت مخضرة فإنه يدخل في بيعها أغصانها الرطبة وورقها ولو يابسا وعروقها ولو يابسة إن لم يشترط قطعها، وإلا فلا تدخل، كما لا تدخل أغصانها اليابسة. ولا تتناول الشجرة موضع غراسها. ولكن للمشتري الحق في الانتفاع به ما دامت الشجرة باقية، فإذا قطعت انقطع حقه في الانتفاع.
وكما أن بيع هذه الأصول المتقدمة يتبعه ما ذكر من الفروع، فكذلك كل ما ينقل الملك من العقود كالهبة والوقف والوصية والخلع ونحو ذلك، أما ما لا ينقل الملك كالرهن والعارية فإنه لا يتناول سوى ما نص عليه فيه، فإذا رهن الرض لا يدخل فيه شجرها ولا زرعها الذي له خلفة أما في رهن البستان، فإنه يتناول أرضه وشجره ولكن لا يتناول البناء به.
الحنابلة - قالوا: الأصول التي يتفرع عنها غيرها ويتبعها في البيع وإن لم يذكر هي:
الأرض والدور والبساتين والمعاصر والطواحين ونحوها. فيدخل في بيع الدار الأرض والبناء والسقف والدرج، كما يدخل فناؤها إن كان لها فناء.
والمراد بالفناء:
المتسع الذي أمامها، ويدخل فيها أيضا الشجر العريش "تكعيبة العنب ونحوه" وكذلك يدخل فيها السلاليم، جمع سلم "بضم السن وفتح اللازم" وهو: المرقاة المعروف، كما تدخل الرفوف المسمرة "الدواليب" والأبواب المنصوبة ويشمل أيضا ما كان بالأرض من أحجار طبيعية كالصخر والأحجار المبنية كأساس الحائط المنهدم والآخر المتصل بالأرض. كما أن بيع الدار يدخل فيه ما ذكر، فكذلك رهنها وهبتها ووقفها والوصية والإقرار بها. ثم إن كان المتصل بالأرض يضربها. كالصخر المخلوق في الأرض المضر بجذور الشجر، فإنه يكون عيبا يجعل للمشتري الحق في الخيار بين رد المبيع وبين إمساكه مع المطالبة بالعوض إذا لم يكن عالما بالعيب على قياس ما تقدم، فإن كان عالما به فلا خيار له. وإن كان بالدار أحجار مودعة فيها بقصد أن تنقل منها فهي للبائع. ويلزمه نقلها وتسوية الرض وإصلاح الحفر لأنه ملزم بتسليم المبيع تاما، وإن كان قلع الحجارة يضر بالأرض كان عيبا فيها كما تقدم آنفا.
ولا يتناول البيع ما كان مدفونا بالأرض من كنز ونحوه، لأنه ليس من أجزائها. كما لا يتناول ما كان منفصلا عن الأرض كالفرش والمنقولات والأخشاب التي لم تسمر أو تغرز في الحائط، أو إن كان للبائع متاع في الدار فإنه يلزم بنقله منها على حسب العادة، فلا يكلف جمع الحمالين أو النقل ليلا. فإن طال النقل عرفا "وقيده بعضهم بما زاد على ثلاثة أيام" فإنه يكون عيبا يجعل للمشتري الحق في الخيار إن لم يعلم به قبل الشراء، ولا أجرة على البائع في مدة نقله، فإن أبى النقل فللمشتري الحق في غجباره عليه.
ويدخل في بيع الرض أو البستان البناء والشجرة ولو لم يقل المشتري اشتريتها بحقوقها لأنهما يتبعان الأرض من كل وجه ويتخذان للبقاء فيها.
ولا يدخل الشجر المقطوع والمقلوع، فإذا قال: بعتك هذه الدار وثلث بنائها، أو هذه الأرض وثلث غراسها لم يدخل غلا الجزء الذي سماه، ويدخل ماء الأرض المبيعة تبعا لها، بمعنى أن المشتري يكون له حق الانتفاع به.
ولا يدخل في بيع القرية مزارعها إلا بذكرها أو بقرينة، كأن يساوم على أرض المزارع، أو يذكر حدودها، أو يبذل ثمنا لا يكون فيها وفي أرض مزارعها، ولكن يدخل في القرية البيوت والحصن والسور الدائر عليها.
وإذا اشترى شجرة فللمشتري أن يبيعها بالأرض وله حق الانتفاع بمكانها، وله حق الدخول بسقيها وتأبيرها، فإذا قلعت الشجرة أو بادت فليس للمشتري إعادة غيرها مكانها.
وإذا كان في الأرض زرع له خلفة فيقطع مرة بعد أخرى كالبرسيم والنعناع والكراث أو كان بها زرع تتكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان، أو زرع يتكرر زهرة كالبنفسج والنرجس والورد والياسمين وشجر البان فإن أصوله تكون للمشتري، أما الموجود منها وقت العقد فإنه للبائع غلا أن يشترط المشتري أنه له وعلى البائع قطع ما يستحقه منه في الحال.
أما الزرع الذي لا خلفة له بل يحصد مرة واحدة كالقمح والشعير والعدس والجزر والفجل والثوم والبصل والدخم والذرة "وقصب السكر فإنه يؤخذ مرة واحدة" وإن كانت جذوره يعاد زرعها مرة أخرى ولكنها تحتاج الي عمل جديد كالبذور، وكذلك القصب الفارسي "الغاب" فكل ذلك لا يدخل في بيع الأرض بل يكون من حق البائع ويبقى مستمرا إلى وقت حصاده، أو قلعه بلا أجرة على البائع إن لم يشترط المشتري غير ذلك، سواء كان معلوما أو مجهولا لأنه بالشرط يدخل تبعا للأرض



ابوالوليد المسلم 08-12-2020 12:15 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[كتاب أحكام البيع وما يتعلق به]
صـــــ 263 الى صــــــــ
271
الحلقة (110)

[مبحث بيع الثمار]
الثمار بكسر المثلثة اسم جنس جمعي للثمرة، وجمع الثمرة الحقيقي ثمرات،
ومفرد الثمار:
ثمر، كجبال وجل.
وتجمع الثمار على ثمر ككتاب وكتب:
ويجمع الثمر بضم المثلثة على أثمار كعنق وأعناق.
ومعناه على أي حال: الحمل الذي تخرجه الشجرة وإن لم يؤكل،
فيقال:
ثمرة الأراك كما يقال ثمر العنب.
وتنقسم الثمار باعتبار كونها مبيعة إلى قسمين: لأنها إما أن تكون تابعة في البيع لشجرها بحيث يكون المقصود بالبيع الشجرة، وقد عرفت أنها تدخل في المبيع على التفصيل المتقدم.وإما أن يكون المقصود بالبيع هو الثمار مستقلة، سواء كانت على أشجارها كما هو الحال في بيع ثمار النخيل والكروم والحدائق "الجناين" في زماننا أو كانت منفصلة عن أشجارها، في كل ذلك تفصيل المذاهب(1) .


(1) الشافعية - قالوا: المراد بالثمرة هنا ما يشمل المشموم كالورد، والياسمين، والريحان ويشمل شجرة البقل التي تؤخذ مرة بعد أخرى، والبطيخ والباذنجان والبامية، وحكم الثمر المبيع تبعا لشجرة أن يكون للبائع أو المشتري بالشرط، فإن سكت عن الشرط لواحد منهما فهو أقسام ثلاثة:
الأول:
أن يكون المبيع نخلا عليه بلح وله حالتان:
الحالة الأولى:
أن يكون قد ظهر ثمره بتأبره، ومعنى ظهوره بتأبره: أن يتشقق الغلاف الذي داخله الطلع "العناقيد" البيضاء التي يؤخذ منها ويوضع على طلع النخلة فيجيء ثمرها جيدا. وحكم هذا: أن يكون للبائع فلا يتبع الأصل في البيع.
ومعنى التأبير الحقيقي:
هو التلقيح، الذي هو وضع طلع الذكر على طلع النخلة بالفعل ولكنه ليس مرادا هنا، بل المراد تشقق الطلع مطلقا، ولا يلزم ظهور الثمرة بتأبير جميع النخل المبيع، بل يكفي تأبير البعض ولو قليلا، ولو كان تشقق الطلع في غير أوانه فإن التمر في هذه الحالة يكون للبائع ولا يتبع المبيع.
الحالة الثانية:
أن لا يكون ثمره قد ظهر منه شيء وليس بموجود، وفي هذه الحالة يكون ما ظهر منه بعد العقد للمشتري، وليس للبائع الحق فيه مطلقا ولو اشترطه.
أما إذا كان موجودا ولكنه غير ظاهر، فإنه في هذه الحالة يكون للبائع.
القسم الثاني:
أن يكون المبيع شجرا غير النخل وله هاتان الحالتان المتقدمتان، إلا أن ظهور ثمره لا يكون بالتأبير، فإن التأبير خاص بالنخل، وإنما يكون ببروزه سواء كان له نور وتناثر كالمشمش. أو لميكن له نور كالتوت.
وحكم ما ظهر منه:
أن يكون للبائع، وما لم يظهر منه يكون تابعا للمبيع فهو للمشتري. وهذا بخلاف البلح، فإنك قد عرفت أن غير الظاهر منه متى كان موجودا يكون للبائع إذا تشقق بعض طلع النخل.
القسم الثالث:
أن يكون المبيع شيئين مختلفين وتحته ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن يكون الاختلاف بحسب المكان، وذلك كما إذا اشترى نخلا موجودا في بستانين، فإن النخل في أحدهما غير النخل الموجود في الآخر.
الصورة الثانية:
أن يكون الاختلاف بحسب العقد، كأن يشتري نخلا واحدا في عقدين، وحكم هذا القسم بصوره الثلاث:
أن يكون الظاهر من ثمره يكون للبائع، وغيره يكون للمشتري.
وبقيت صورة رابعة وهي:
أن يشتري شجرة قد تحمل في السنة مرتين كالتين مثلا، وقد بينت لك حكمه في القسم الثاني، وهو أن ما ظهر منه يكون للبائع، وما لم يظهر يكون للمشتري، بخلاف ما يحمل مرة واحدة كالنخل، فإن الموجود الذي لا يظهر منه يكون للبائع أيضا على الوجه المتقدم.
وأما حكم بيع الثمر وحده فإنه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
أن يكون الثمر قد ظهر صلاحه، وفي هذه الحالة يجوز بيعه مطلقا، سواء كان على شجره أو لا، وسواء شرط قطعه أو بقاؤه أو لا. وظهور الصلاح يعرف بأمور تختلف باختلاف الثمر.
أحدها:
اللون:
وهو علامة لظهور صلاح بعض الثمار كالبلح والعناب. فمتى تلونا فقد بدا صلاحهما.
ثانيها: الطعم كحلاوة القصب، وحموضة الرمان.
ثالثها: النضج، واللين، كالبطيخ والتين.
رابعها: القوة والاشتداد كالقمح والشعير.
خامسها: الطول والامتلاء كالملوخيا والفاصوليا واللوبيا.
سادسها: كبر الحجم كالقثاء.
سابعها: انشقاق الغلاف كالقطن والجزر.
ثامنها: تفتح الزرع كالورد والياسمين.
وإذا باع شيئا بدا صلاحه فإن على البائع سقي ما بقي حتى يستكمل نموه ويسلم من التلف والفساد. فإذا اشترط أن يكون ذلك السقي على المشتري بطل البيع، ولو تلف بترك السقي المطلوب من البائع انفسخ البيع.
القسم الثاني:
أن لا يكون الثمر قد بدا صلاحه، وفي هذه الحالة لا يجوز بيعه وحده دون أصله إلا بشرط قطعه ما لم يكن الأصل مملوكا للمشتري، فإنه يصح بيع الثمر له من غير شرط القطع على الصحيح، فإذا اشترى شخص شجرة عليها ثمر ظاهر فإن الثمر يكون للبائع، وقد علمت أنه لا بد من اشتراط قطعه في هذه الحالة، فإذا باعه لنفس من اشترى الشجرة فإنه لا يجب اشتراط القطع لأنها شجرة مملوكة للمشتري والثمر الذي عليها أصبح ملكه فلا يكلف قطعه.
وأما بيع الزرع فإنه يجوز إذا بدا صلاحه مطلقا، وإن لم يبد صلاحه فلا يجوز بيعه وحده إلا بشرط قطعه أو قلعه. ولا يصح بيع حب مستتر في سنبله كقمح وسمسم وعدس وحمص، سواء كان وحده أو مع أصله. أما إذا بيع الأصل وحده فيصح أن يتبعه هذه الأشياء على المتقدم بيانه. وهذا ولا يصح بيع القمح في "سنبله" بالقمح الخالص من التبن، لأن هذا البيع يسمى بيع "المحاقلة" وهو منهي عنه. وكذلك لا يجوز بيع الرطب على النخيل بالتمر، ويسمى بيع المزابنة وهو منهي عنه أيضا، على أنه يصح بيع الرطب أو العنب وهو على شجره خرصا بتمر أو زبيب كيلا.
ولا يصح بيع الرطب وهو على نخله بالتمر، لأن ذلك هو بيع المزابنة المنهي عنه المذكور، إلا في العرايا فإنه يصح بيع الرطب على النخل بالتمر.
والعرية:
ما يفردها مالكها للأكل، فإذا كان له بستان "حديقة" وأفرد منه بعض نخله للأكل منه، فإنه يجوز أن يبيع ثمرها الرطب بالتمر اليابس خرصا - بكسر الخاء - ومعناه:
أن يقدر ما عليها من التمر بالتخمين بأن يقدر البائع أو المشتري أو غيرهما بطريق الحدث والتخمين ما على النخلة من الرطب إن كان يساوي إردبا أو أكثر أو أقل، فيأخذه المشتري ويدفع ثمنه تمرا كيلا مثلا ما تم عليه التقدير.
ومثل رطب النخل وتمره في ذلك الحكم:
العنب والزبيب، فإنه يجوز أن يبيع العنب في كرمه خرصا بالزبيبن كيلا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في التمر والرطب، وقيس عليه الزبيب والعنب، وسبب هذه الرخصة: أن بعض الفقراء الذين لا يملكون مالا شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يجدون شيئا يشترون به الرطب سوى التمر، فرخص لهم في شراء ذلك على أن الرخصة أصبحت عامة للفقراء وغيرهم، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
وإذا كان الثمن ثمرا على الشجر بأن اشترى رطبا على شجرة بتمر على شجرة، فإنه يشترط أن يكون الثمن كيلا بأن يقدر الرطب ويحدد كيل الثمن، فلا يصح تقديره تخمينا.
ويشترط لصحة بيع العرايا تسعة شروط:
أحدها: أن يكون المبيع أقل من خمسة أوسق في حال جفافه، وإن كان أكثر من ذلك وقت المبيع.
ثانيها: أن لا يتعلق بها حق الزكاة. وإلا فلا يصح بيعه.
ثالثها: أن يكون المبيع عنبا أو رطبا.
رابعها: أن يكون ما على الأرض مكيلا والآخر مخروصا.
خامسها: أن يكون ما على الأرض يابسا والآخر رطبا.
سادسها: أن يكون الرطب على الأشجار.
سابعها: أن يتقابضا قبل التفرق بتسليم التمر والزبيب كيلا، وتخلية الشجر للمشتري ليقطع منه الثمر وإن لم يكن الشجر في مجلس العقد ولكن لا بد من بقائهما في المجلس حتى يمضي زمن الوصول إلى الشجر.
ثامنها: أن يكون الثمر قد ظهر صلاحه.
تاسعها: أن لا يكون مع المبيع أو الثمن شيء من غير جنسه.
وخرج بالرطب والعنب سائر الثمار كالجوز واللوز والمشمش، فلا يصح بيع رطبها بجافها لكونها متفرقة مستورة بالأوراق فلا يمكن تقديرها.
المالكية - قالوا: المراد بالثمار هنا ما يشمل الفواكه كالبلح، والتين، والرمان، والخضر: كالخس، والكراث، والفجل. والحبوب:
كالقمح والشعير، فإذا بيع شيء منها وهو على شجره، أو قائم لم يقطع فإن لذلك البيع حالتين:
الحالة الأولى:
أن يكون قد ظهر صلاح الثمار ومعنى الصلاح يختلف باختلاف تلك الثمار، فيظهر صلاح الفاكهة كالبلح والعناب باصفراره أو احمراره.
واختلف في "القاوون" و"الحرش" والعجور "العبد اللاوي" و"الدميري" و"الشهد" على قولين:
أحدهما:
أن ظهور صلاحه يكون باصفراره بالفعل.
ثانيهما:
أن يكون يقرب من الاصفرار وإن لم يصفر. أما البطيخ الأخضر فظهور صلاحه يكون بتلون لبه بالاحمرار أو الاصفرار. ويظهر صلاح الزيتون إذا قرب من الاسوداد، ومثله العنب الأسود، ويظهر صلاح باقي أنواع الفاكهة بظهور ألوانها المختلفة وظهور الحلاوة فيها.
والمدار في كل ذلك على إمكان الانتفاع بها ولو بعد قطعها بزمن كالموز مثلا، فإنه يصح بيعه وهو أخضر لم يستو إذا كان يستوي بعد ذلك يوضعه في تبن أو نخالة أو غير ذلك ومثله المنجو.
ويظهر صلاح الزهر بانفتاح أكمامه وظهور ورقه كالورد والياسمين وغيرهما، ويظهر صلاح البقول "الخضر" كاللفت والجزر والفجل والبصل والبنجر ونحوهما بتمام ورقه والانتفاع به وعدم فساده بقلعه.
ويظهر صلاح القمح والحبوب بيبسه وانقطاع شرب الماء عنه بحيث لا ينفعه الماء إذا سقي به وحكم ما ظهر صلاحه:
أنه يصح بيعه وهو على شجره جزافا بدون كيل ولا وزن، كما يصح أن يباع منفردا أو تابعا لشجره بلا فرق بين أن يشترط قطعه أو يبقى على شجره. وإنما يشترط أن لا يكون التمر مستترا في غلافه أو ورقه كالبلح والعنب فإنهما ظاهران. أما إن كان مستترا كالقمح والشعير المستتر في سنبله، والجوز واللوز المستترين في قشرهما، فإنه لا يجوز بيعه منفردا بدون قشره جزافا، فلا يصح أن يشتري القمح الموجود في سنبله "سبله" بدون السنبل كأن يقول للبائع:
اشتريت القمح الموجود في هذه المزرعة وحده بدون تبنه جزافا "حميلة بدون كيل ولا وزن"، إلا إذا كان القمح قد يبس ولم ينفعه الماء إذا سقي به، فإنه في هذه الحالة يجوز شراؤه وهو في سنبله وحده جزافا.
ومثل القمح في ذلك:
الجوز، واللوز، واللوبيا، والفاصوليا ونحو ذلك مما له قشر، فإنه لا يصح شراؤه مجردا عن قشره جزافا. أما شراؤها بالكيل أو الوزن فإنه يصح بدون قشره على أي حال.

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-12-2020 12:16 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الحالة الثانية:
أن لا يكون قد ظهر صلاح الثمار عكس الحالة الأولى. وحكم هذا: أنه يصح بيعه في ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن يكون مع أصله كالشجرة بالنسبة للثمر، والأرض بالنسبة للزرع، فيصح بيع الثمر مع شجرة قبل بدو صلاحه، كما يصح بيع الزرع مع أرضه كذلك.
الصورة الثانية:
أن يبيع الأصل بدون تعرض لذكر الثمر والزرع ثم يلحق به الثمر أو الزرع الذي لم يبد صلاحه كما تقدم.
الصورة الثالثة:
أن يبيع الثمر أو الزرع وحده بدون أن يبيع أصله، ولكن يشترط لصحته ثلاثة شروط:
الأول:
أن يشترط قطعه حالا فلا يصح تركه إلا زمنا يسيرا بحيث لا يزيد ولا ينتقل عن طوره إلى طور آخر، فإذا اشترط بقاءه على أصله حتى يتم نضوجه فإنه لا يصح. وكذلك إذا أطلق ولم يشترط قطعه أو بقاءه.
الشرط الثاني:
أن يكون مما ينتفع به كحصرم العنب قبل أن يستوي، وإلا فلا يصح بيعه لأنه يكون إضاعه مال وغش وهذا شرط لكل مبيع، سواء كان هذا أو غيره.
الشرط الثالث:
أن يكون فيه حاجة إلى شرائه وإن لم تبلغ حد الضرورة، لا فرق بين أن يكون بيعه على هذه الحالة معروفا عند أهل البلد أو لا.
وإذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط قطعها ثم اشترى أصلها جاز إبقاء الشجرة. أما إذا اشتراها بشرط إبقائها ثم اشترى أصلها فإنه لا يجوز إبقاؤها، لأن بيع الثمرة وقع فاسدا من أول الأمر.
وإذا فسخ العقد وكانت الثمرة على الشجرة كان ضمانها على البائع. أما إذا قطعها المشتري فإن عليه ردها إن كان تمرا وكان باقيا، فإن تعذر رد مثله إن علم، وإلا رد قيمته. أما إن كانت رطبا فإن عليه أن يرد قيمتها. وهذا كله إذا اشتراها بشرط تبقيتها. أما إذا اشتراها ولم يشترط شيئا ثم قطعها نفذ البيع بالثمن، ولا شيء على البائع أو المشتري. ولا يشترط في صحة بيع الثمر على شجره أن يظهر صلاحه في جميع الشجر، فإذا كان عنده حديقة "جنينة" بها أشجار مختلفة من نخل ورمان وعنب وتين ومانجو وجوافى وغير ذلك، إذا كانت في حديقة واحدة وظهر صلاح ثمر نوع منها ولو في شجرة واحدة، فإنه يصح أن يبيع باقي ثمار ذلك النوع وإن لم يبد صلاحها، فإذا ظهر صلاح الرمان في شجرة واحدة صح له أن يبيع جميع الرمان وإن لم يبد صلاحه إذا كان لا يفرغ رمان الشجرة التي ظهر صلاحها قبل ظهور صلاح ما يجاورها، أما إذا أثمرت شجرة مبكرة بحيث يستوي ثمرها قبل ظهور صلاح ثمر غيرها فإنه لا يجوز، وهكذا سائر الأجناس.
أما في غير جنسه كما إذا ظهر صلاح العنب ولم يظهر صلاح التين فقيل:
يصح بيع التين الذي لم يظهر صلاحه بظهور صلاح العنب الذي هو من غير جنسه.
وقيل:
لا يصح.
وكذلك اختلف فيما إذا ظهر صلاح جنس من الأجناس في حديقة من حدائق البلد ولم يظهر في باقيها فهل يصح بيع باقي الحدائق التي لم يظهر فيها صلاح الثمر قياسا على ما ظهر أو لا؟ خلاف.
ثم إن الزرع الذي له خلفه كالبرسيم والياسمين وثمار الخضر، كالخيار والعجور والقرع والجميز تكون خلفته للمشتري حتى ينقطع ثمره وليس له وقت مؤقت.
وقد علمت مما تقدر في مباحث الربا أنه لا يصح بيع الرطب بالتمر ولكن يستثنى من ذلك العرايا، فيصح فيها الرطب بالتمر اليابس بشرائط خاصة.
والعرايا جمع عرية:
وهي هبة الثمرة الرطبة كرطب النخل والعنب ونحوهما من الفواكه الرطبة التي تيبس وتجف إذا تركت على أصلها فتستعمل جافة كما تستعمل رطبة كالجوز والعنب والزيتون واللوز والبندق والتين الذي يصلح للتجفيف، بخلاف التين الذي لا يصلح كتين حدائق مصر، فإنه لا يجفف فلا يكون له حكم العرايا. ومثله الموزون فإنه لا ييبس. وكذلك الخوخ والرمان والتفاح وسائر الفواكه التي لو تركت على أصلها لا تجف ولا ينتفع بها يابسة.
ويشترط لصحة بيع العرايا شروط، الأول: أن يكون المشتري هو الذي وهب الثمرة أو من يقوم مقامه، فإذا وهب شخص لآخر رطب نخلة فإنه يصح للواهب أن يشتريها من الموهوب له بنفسه أو من يقوم مقامه، وهو الذي يملك النخلة بإرث أو شراء أو نحو ذلك. أما الثمن الذي يشتري به فيصح أن يكون بالتمر كيلا بأن يخرص ما عليها من الرطب "يقدر بالحدس والتخمين" فيقال هذا يساوي إردبا مثلا ثم يدفع له إردبا من التمر بحيث لا يزيد ولا ينقص فإن قطع رطبها ووجده أكثر مما قدر بالتخمين فإن عليه أن يرد الزائد للبائع، وإن كان أقل وثبت كونه أقل فإن للمشتري أن يرده للبائع ويأخذ ما دفعه من الثمن ولا يلزم بشيء زائد، وإن لم يثبت كونه أقل، لزم المشتري أن يرده كاملا فضمن ما نقص منه. ولا يصح شراء الرطب بالتمر خرصا في العرية الموهوبة إلا إذا كان المشتري هو الواهب أو من يقوم مقامه كما علمت. ويصح شراؤها بالنقدين وبعروض التجارة على المشهور.
الثاني:
أن يقول الواهب "المعري" حين هبة الثمرة:
أعريتك هذه الثمرة ونحو ذلك. أما إن قال: وهبتك فلا يجوز، لأن الرخصة خاصة بالعرية.
الثالث:
أن يظهر صلاح الثمرة حين شرائها بخرصها لا حال هبتها فإن لم يظهر صلاحها فلا يصح بيعها.
الرابع:
أن يكون شراؤها بنوعها إن كان بخرصها، فلا يصح أن يشتري الجوز الرطب مثلا بالثمر.
الخامس:
أن يدفع المشتري للبائع الثمن عند قطع الثمر المعتاد، فإن شرط تعجيل الثمن بطل البيع وإن لم يعجل بالفعل.
السادس:
أن يكون الثمن دينا في ذمة المشتري، فلا يصح تعيين ثمر حديقة خاصة.
السابع:
أن لا يزيد المشتري من العرية عن قدر معين وهو خمسة أوسق فأقل وقد تقدم بيانه في الزكاة، وقد ذكر هناك أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق.
الحنفية - قالوا: الثمار لها ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى:
أن لا تنعقد الثمرة ولا تبرز ولا تتميز عن زهرها، وفي هذه الحالة لا يصح بيعها مطلقا، لأنها تكون معدومة، وقد عرفت أن المعدوم غير صحيح.
الحالة الثانية:
أن تظهر الثمرة وتبرز بحيث يتناثر الزهر عنها إن كان لها زهر كالجوافى والمشمش، وتتميز الثمرة ولو كانت صغيرة، وفي هذه الحالة إما أن يظهر صلاح الثمرة أو لا يظهر، فإن ظهر صلاحها فإن بيعها يصح مطلقا، ومعنى ظهور صلاحها:
هو أن يؤمن عليها من العاهات والفساد؛ فمتى اجتازت الثمرة الأدوار التي تكون فيها عرضة للفساد بسبب الآفات الجوية وغيرها فقد ظهر عند ذلك صلاحها. أما إذا لم يظهر صلاحها فإنها لا يصح بيعها بشرط تركها على الشجر، لأن هذا شرط لا يقتضيه العقد، فإنه يستلزم شغل الشجر المملوك للغير وهو مناف للملك، فإذا لم يشترط ترك الثمرة على الشجر كما لا يشترط قطعها بل سكت عن ذلك؛ فإن ذلك يشمل صورتين:
الصورة الأولى:
أن يكون الثمر على حالة بحيث يمكن الانتفاع به ولو علفا للدواب، والبيع في هذه الصورة صحيح لأنه إنما يفسد بشرط الترك فقط.
الصورة الثانية:
أن يكون على حالة بحيث لا ينتفع به أصلا، والبيع في هذه الصورة مختلف في صحته، والصحيح أنه يجوز، لأنه مال وإن لم يمكن الانتفاع به في الحال ولكن يمكن الانتفاع به بعد حين، ومن شاء أن يجعل البيع في هذه الصورة جائزا باتفاق فإنه يصح له أن يحتال على ذلك بشراء أوراق الشجر من الثمرة، فتكون تابعة لأوراق الشجر، وحينئذ يصح البيع باتفاق ما لم يشترط تركهما على الشجر.
الحالة الثالثة:
أن ينعقد بعض الثمر ويبرز دون بعضه، ويشمل هذا أربع صور،
الصورة الأولى:
أن يبيع الموجود فقط ويؤخر بيع ما لم يوجد حتى يتم وجوده، والبيع في هذه الحالة صحيح، وتجري عليه أحكام ما ظهر صلاحه وما لم يظهر المتقدمة.
الصورة الثانية:
أن يبيع الموجود فقط بجميع ثمنه وثمن ما سيوجد، ثم يبيح البائع للمشتري أن ينتفع بما يحدث من الثمر وحكم هذه الصورة كسابقتها.
الصورة الثالثة:
أن يبيع الموجود بدون ذكر لما لم يوجد وبدون اشتراط القبض ثمرة أو تركها وتشمل هذه الصورة أمرين: الأول أن يقبض المشتري المبيع ثم يثمر بعد القبض ثمرة جديدة، وفي هذه الحالة لا يفسد البيع، ويكون البائع شريكا للمشتري فيما حدث من الثمرة لاختلاطه بالثمرة التي كانت بارزة وقت البيع، والقول للمشتري في مقدار ما حدث من يمينه، لأنه في يده ومثل الثمرة التي على الشجرة ثمار الخضر التي تحدد بعد قطعها كالباذنجان والبطيخ والعجور.
الأمر الثاني:
أن يحدث الثمر قبل قبض المبيع، وفي هذه الحالة يفسد البيع، لأنه لا يمكن تسليم المبيع لاختلاط الحادب بالموجود وقت العقد، فأشبه هلاك المبيع قبل التسليم.
الصورة الرابعة:
أن يبيع الموجود المعدوم وفي هذا خلاف:
فقال لعضهم. إن البيع يكون فاسدا لأن بيع المعدوم منهي عنه، وإنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في بيع المعدوم في السلم للضرورة، وهذا القول هو ظاهر الرواية، وقال بعضهم:
إن البيع صحيح لتعامل الناس به، وفي نزع الناس عن عاداتهم حرج، وحيث أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم لضرورة الناس ورفع الحرج عنهم فكذلك الحال هنا. ومن هذا يتضح أن الناس الذين يبيعون الحدائق "الجناين" في زماننا يستطيعون أن يتبعوا قواعد دينهم بسهولة فليس فيها حرج عليهم، فإن في الصورة التي وضحناها لهم ما فيه كفايتهم. على أنها كلها ملاحظ فيها رفع النزاع بين البائع والمشتري وقطع جرثومه الخصام، والله الهادي إلى سواء السبيل.
تنبيهان:
الأول:
إنك قد عرفت في المبحث الذي قبيل هذا أن الثمر الذي على شجرة لا يتبع الشجرة فيبيعه إلا إذا اشترطه المشتري فهو حق للبائع، سواء أبر أو لم يؤبر، والتأبير:
التلقيح، وهو أن يتشقق غلاف الطلع فيؤخذ منه ويوضع على طلع المخلة، ويدخل في الثمر الورد والياسمين ونحوهما من المشمومات. أما الزرع فقد اختلف في جواز بيعه قبل أن تناله المناجل بحيث يمكن قطعه بها، فبعضهم قال:
يجوز وبعضهم قال:
لا.
والأوجه جواز بيعه رجاء أن يكبر بعد، فإذا نبت الزرع وكانت له قيمة ثم بيعت الأرض التي هو عليها فإنه لا يدخل إلا بالشرط، أما إذا نبت ولم تكن له قيمة فقيل:
يدخل في البيع بدون شرط.
وقيل:
لا يدخل إلا بالشرط. والأصح أنه يدخل بدون شرط فقيل:
يدخل في البيع بدون شرط.
وقيل:
لا يدخل إلا بالشرط. والأصح أنه يدخل بدون شرط وكذلك إذا لم ينبت "كربة" البرسيم وخلفة الزرع الذي يتجدد بعد قطعه، فقيل:
يدخل.
وقيل:
لا يدخل.
الثاني: قد تقدم في مباحث الربا أنه يجوز بيع الرطب بالتمر، سواء كان في العرايا أو غيرها.
الحنابلة - قالوا: لا يصح بيع الثمار حتى يظهر صلاحها، كما لا يصح بيع الزرع حتى يشتد حبه، وظهور الصلاح في التمر:
هو أن ينضج ويطيب أكله، وفي الحب هو أن يشتد أو يبيض، على أنه يصح بيع ما لم يظهر صلاحه بشروط.
الشرط الأول:
أن يشترط قطعه في الحال، ولا يصح له أن يستأجر الشجرة أو يستعيرها لترك الثمرة عليها حتى تنضج.
الشرط الثاني:
أن يكون منتفعا به حين القطع.
الشرط الثالث:
أن لا يكون مشاعا كأن كان له نصف ثمرة نخل مشاعا فإنه لا يصح بيعه قبل ظهور صلاحه، لأنه لا يستطيع قطع ما يملكه إلا بقطع ما لا يملكه وليس له ذلك.
الشرط الرابع:
أن يبيعه مع الأصل بأن يبيع الثمرة مع الشجر، أو يبيع الزرع مع الأرض. أو يبيع الشجرة أولا لشخص ثم يبيع له ثمرها بعد ذلك.
ولا تباع ثمار الخضر التي تتجدد "إلا قطفة قطفة"، فليس له أن يبيع غلا الموجود، أما الذي يوجد بعد ذلك فإنه لا يصح بيعه إلا أن يبيعه مع الأرض، وذلك كالقثاء والعجور ولكن يصح بيعه مع أصوله "عروشه التي ينبت منها" لأن الثمار في هذه الحالة تكون تابعة للأصل.
وحكم القطن حكم الزرع، فمتى كان لوزه ضعيفا رطبا لم يشتد ما فيه لم يصح بيعه، كالزرع الأخضر غلا بشرط القطع في الحال. وإذا اشتد جاز بيعه مطلقا بشرط بقائه كالزرع إذا اشتد حبه، ومثل القطن الباذنجان.
وإذا ظهر صلاح الثمر أو الزرع جاز بيعه مطلقا بغير اشتراط قطع أو ترك في محله. وإذا باع نخلا قد تشقق طلعه - بكسر الطاء - غلاف العنقود الربيض فالثمن للبائع دون العراجين والسعف والليف، ولا يشترط التأبير بالفعل - التلقيح:
وهو وضع طلع الفحل في طلع الشجر - وللبائع الحق في إبقاء التمر على النخل إلى وقت استوائه وكمال حلاوته وذلك بشرطين:
أحدهما:
أن لا يشترط المشتري قطعه في الحال.
الثاني:
أن لا يحصل ضرر للنخل ببقائه، فإن لم يتحقق الشرطان فإن البائع يجبر على القطع.
ومثل البيع في هذه الأحكام:
الرهن، والهبة، والإجارة والخلع، والصداق، فإذا وهب نخلا أو أجره أو جعله خلعا أو صداقا وكان عليه تمر فإن حكمه في التبعية وغيرها كالبيع






ابوالوليد المسلم 08-12-2020 12:17 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث السلم]
صـــــ 272 الى صــــــــ
285
الحلقة (111)

[مباحث السلم]

[تعريفه]
السلم - بفتح السين واللام - اسم مصدر لأسلم،
ومصدره الحقيقي الإسلام ومعناه في اللغة:
استعجال رأس المال وتقديمه ويقال للسلم سلف لغة، إلا أن السلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق. على أن السلف أعم من السلم، لأنه يطلق على القرض.
فالسلف يستعمل على وجهين:
أحدهما: القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض سوى الثواب من الله تعالى، وعل المقترض رده؛ كما أخذه على ما سيأتي بيانه.
والثاني: هو أن يعطي ذهبا أو فضة في سلعة معلومة إلى امد معلوم بزيادة في السعر الموجود عند السلف، وفي هذا منفعة للمسلف.
والوجه الثاني: هو الذي يقال له سلم.والسلف اسم مصدر أسلف ومصدره الحقيقي إسلاف. ويقال أيضا سلفه ومصدره التسليف.أما تعريفه اصطلاحا عند الشرعيين ففيه تفصيل المذاهب (1) .
[حكم السلم ودليله]
وحكم السلم الجواز، فهو رخصة مستثناة من بيع ما ليس عند بائعه. ودليل جوازه الكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} والدين عام يشمل دين السلم ودين غيره، وقد فسره ابن عباس بدين السلم.
وأما السنة فمنها خبر الصحيحين:
"ومن أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم". وقد أجمع أئمة المسلمين على جوازه.
[أركان السلم وشروطه]
السلم قسم من أقسام البيع كما تقدم؛ فأركان البيع أركان له، وشروطه شروطه، غلا أنه للسلم شروط زائدة على شروط البيع.
والغرض منها على وجه الإجمال أن يكون البدلان في السلم وهما رأس المال "ويسمى في البيع ثمنا" والمسلم فيه ويسمى في البيع مبيعا ومثمنا منضبطين محدودين بحيث لا يكون فيهما جهالة من أي وجه فيقع النزاع بين المتعاقدين، ويثور بينهما الخصام، وذلك ما تأباه الشريعة الإسلامية ولا ترضاه، فيصح السلم فيما يمكن ضبطه كالأشياء التي تباع بالكيل، أو بالوزن، أو بالعد،
أو بالذرع لأنها محدودة يمكن ضبطها وإنما يصح لشروط تذكر في العقد: منها: بيان جنس المسلم فيه وجنس رأس المال كأن يقول: أسلمت إليك جنيها في تمر أو قمح.
ومنها:
بيان النوع كأن يقول: تمر زغلول، أو أسيوطي، وقمح بعلي، أو مسقي.
ومنها:
بيان الصفة كأن يقول: جيد (2) أو رديء، وبيان العد في المعدود، والذرع في المذروع.
ومنها:
بيان قدره بالكيل في المكيال، والوزن في الموزون، والعد في المعدود، والذرع في المذروع.
ومنها:
أن يكون المسلم فيه مؤجلا (3) إلي أجل معلوم أقله شهر (4) فلا يصح أن يكون المسلم فيه حالا، أما رأس المال، وهو الثمن، فإنه يشترط فيه الحلول على تفصيل في المذاهب (5) .
ومنها غير ذلك مما هو مفصل في المذاهب(6)
(1) الشافعية - قالوا: السلم بيع شيء موصوف في ذمة بلفظ سلم ك أن يقول:
أسلمت غليك عشرين جنيها مصرية في عشرين إردبا من القمح الموصوف بكذا على أن أقبضها بعد شهر مثلا.
أما إن كان بلفظ البيع كأن قال:
بعني عشرين إردبا من القمح الموصوف بكذا أقبضها بعد مدة معينة بعشرين جنيها ففيه خلاف:
فبعضهم يقول:
إنه بيع فيصح فيه ما يصح في البيع من تأجيل الثمن، وتأخير قبضه في المجلس، وجواز استبداله بغيره، وشرط الخيار فيه، وبعضهم يقول إنه سلم لأن العقد في معنى السلم ولا نظر للفظ، فلا يصح استبدال ثمنه بغيره، فإذا كان الثمن ذهبا فلا يصح أن يعطيه حنطة كما لا يصح استبدال المثمن - وهو المسلم فيه فإذا أسلم في حنطة فلا يصح أن يدفع بدلها ذرة وكذلك لا يصح تأجيل قبض الثمن عن المجلس، ولا يصح شرط الخيار فيه. ولكن المعتمد أن السلم لا يتحقق إلا إذا ذكر لفظ السلم، فإذا ذكر لفظ البيع كان بيعا، وهذا أحد أمور ثلاثة تتوقف على لفظ مخصوص وهي: السلم، والنكاح، والكتابة.
الحنفية - قالوا: السلم هو شراء آجل بعاجل. ويسمى صاحب النقدين الذهب والفضة:
مسلم - بكسر اللام - كما يسمى رب السلم. ويسمى صاحب السلعة المؤجلة:
مسلم إليه وتسمى السلعة كالقمح والزبد: مسلم فيه. ويسمى الثمن:
رأس مال السلم، فإذا أراد شخص أن يشتري قمحا مؤجلا إلى أجل مسمى بنقد يدفعه فورا كان ذلك سلما ويسمى المشتري مسلما، والبائع مسلما إليه، والقمح مسلما فيه، والثمن رأس مال السلم، ولا يشترط فيه أن يكون بلفظ السلم ولا بلفظ السلف، بل ينعقد البيع والشراء بلفظ السلم أيضا.
المالكية - قالوا: السلم عقد معاوضة يوجب شغل ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين فقوله معاوضة معناه:
ذو عوض يدفعه كل واحد من طرفي العقد لصاحبه، خرج به الهبة والصدقة وغيرهما من العقود التي لا معاوضة فيها، بل فيها بذل من جانب واحد فقط، وقوله بغير عين، خرج به بيع سلعة بعين مؤجلة من ذهب أو فضة كما تقدم في تعريف البيع، وقوله ولا منفعة. خرج به كراء الداء ونحوه المضمون فإنه عقد معاوضة بغير عين ولكن أحد عوضيه منفعة، وقوله غير متماثل العوضين، خرج به السلف "القرض" فإن المقترض يرد ما أخذه كما هو.
الحنابلة - قالوا: السلم عقد على شيء يصح بيعه موصوف في الذمة إلى أجل. والذمة هي وصف يصير به المكلف أهلا للإلزام والالتزام، وهو معنى عام عند غيرهم وقد تقدم. ويصح بلفظ البيع كأن يقول:
ابتعت منك قمحا صفته كذا، وكيله كذا، أقبضه بعد شهر مثلا، كما يصح بلفظ سلم وسلف. بل يصح بكل ما يصح به البيع، كتملكت واتهبت ونحوه
(2) الشافعية - قالوا: ذكر الجودة والرداءة في المسلم فيه ليس بشرط، وإذا أطلق ينصرف الجيد للعرف وينزل على أقل درجاته، ولكن يجوز أن يشترط الجودة والرداءة وإنما الذي يشترط هو أن يكون للمسلم فيه صفات تضبطه وتعينه ويعرف بها، على أن تكون هذه الصفات كثيرة الوجود، فإن كانت نادرة فلا يصح السلم، فمثال ما له صفات كثيرة الوجود:
الحبوب. في البلاد الزراعية، والحيوان وغيرهما مما يأتي مفصلا، ومثال ما له صفات نادرة الوجود:
الجواهر الكبيرة التي تستعمل للزينة، فإنها لا يصح فيها السلم، وذلك لأن السلم، يستلزم أن يبين حجمها ووزنها وشكلها وصفاءها واجتماع هذه الصفات نادر فلا يصح السلم. أما الجواهر الصغيرة التي تستعمل للتداوي فإنه يصح فيها السلم إلا العقيق فإنه لا يصح فيه لاختلاف أحجاره. والشرط أن يعرف المتعاقدان الصفات التي يختلف بها الغرض من استعمال المسلم فيه بطريق الإجمال، كأن يعرفا أن القمح منه بعلي، ومنه: مسقي. وأن الغنم منها: "أو سيمي" وصعيدي كمعرفة الأعمى الأوصاف بالسماع ولكن لا بد من وجود عدلين يعرفان الصفات تفصيلا بالتعيين يرجع إليهما عند التنازع، فلا بد أن يكون لهما خبرة بصفات المبيع
(3) الشافعية - قالوا: لا يشترط في المسلم فيه أن يكون مؤجلا، بل يصخ أن يكون حالا
(4) الشافعية - قالوا: أقل الاجب ما يزيد على نصف شهر "خمسة عشر يوما" ولو زيادة يسيرة
(5) الحنفية - قالوا: يشترط أن يكون رأس مال السلم "الثمن" مقبوضا في المجلس، سواء كان عينا "سلعة معينة"، أو كان جنيهات، أو غيرها من العملة،. ولا يشترط قبضه في أول المجلس بل يكفي أن يقبض قبل التفرق ولو طال المجلس، وإذا قاما من المجلس يمشيان ثم قبض المسلم إليه رأس السلم بعد مسافة فإنه يصح إن لم يتفرقا. وكذلك إذا تعاقدا ثم قام رب السلم "المشتري" ليحضر الدراهم من داره فإنه إن لم يغب عن المسلم إليه"، يصح، وإلا فلا.
المالكية - قالوا: إذا تأخر قبض رأس المال وهو المسلم - بفتح اللام - الثمن، عن مجلس العقد فلا يخلو:
إما أن يكون ذلك التأخير بشرط كأن يشترط المسلم بكسر اللاز "المشتري" تأخيره فسد السلم اتفاقا، سواء كان التأخير كثيرا جدا بأن أخره إلى حلول أجل المسلم فيه، أو لم يكن كذلك. وإما أن يكون التأخير بلا شرط وفي هذه قولان:
أحدهما: فساده، سواء كان التأخير كثيرا أو قليلا. ثانيهما: عدم فساده سواء كان التأخير كثيرا أو قليلا.
الحنابلة - قالوا: يشترط قبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل التفرق، ويقوم مقام القبض ما كان في معناه كما إذا كان عند المسلم إليه أمانة؛ أو عين مغصوبة فإنه يصح أن يجعلها صاحب السلم رأس مال ما دامت ملكا له، لأن ذلك في معنى القبض.
الشافعية - قالوا: يشترط قبض راس المال في المجلس قبضا حقيقيا فلا ينفع فيه الحوالة ولو قبضه من المحال عليه في المجلس، لأن المحال عليه ما دفعه عن نفسه إلا إذا قبضه رب السلم وسلمه بنفسه للمسلم إليه. وإذا كان رأس المال منفعة كما إذا قال له: أسلمت إليك داري هذه لتنفع بها في عشرين نعجة آخذها في وقت كذا فإنه يصح، ولكن يشترط أن يسلمها له قبل أن يتفرقا، وهذا وإن لم يكن قبضا حقيقيا كما هو الشرط، إلا أن تسليمها هو الممكن في قبضها فكان بمنزلة القبض الحقيقي، وليس معنى القبض في المجلس أن يحصل القبض قبل الانتقال من مجلس العقدن بل معناه أن يحصل قبل تفرقهما بأبدانهما، فلو فاما ومشيا مسافة ثم حصل القبض قبل أن يتفرقا فإنه يصح
(6) الحنفية - قالوا: شروط السلم تنقسم إلى قسمين: قسم منها يرجع إلى العقد، وقسم يرجع إلى البدل. فأما الذي يرجع إلى العقد فهو شرط واحد، وهو:
أن يكون العقد عاريا عن شرط الخيار للعاقدين، أو لأحدهما. أما إذا كان رأس المال مستحقا للغير وليس ملكا لرب السلم فدفعه إليه في المجلس ثم تفرقا، فللمالك الخيار في إجازة العقد أو فسخه، فلو أجازه صح السلم، وأما الذي يردع إلى البدل فهو خمسة عشر شرطا. منها ستة في رأس المال، وعشرة في المسلم فيه.
فأما الستة التي في رأس المال فهي؛
أولا: بيان جنسه إن كان من النقدين الجنيهات أو غيرها من أنواع العملة. أو كان عينا كالقمح أو الشعير أو غير ذلك.
ثانيا: بيان نوعه كأن يبين أن هذا الجنيه "مصري أو انكليزي" أو هذا القمح "بعلي أو مسقي".
ثالثا: بيان صفته كأن يقول: هذا جيد، أو رديء، أو متوسط.
رابعا: بيان قدره كأن يقول: خمسة جنيهات، أو عشرة أرادب من القمح أو الشعير. وهل تقوم الإشارة مقام بيان القدر أو لا؟ والجواب أنها تقوم مقامه إذا كان الثمن من المذروعات أو المعدودات المتفاوتة. فإذا قال له: أسلمت إليك هذا الثوب، أو هذه الكومة من البطيخ، في كذا فإنه يصح وإن لم يبين عدد أذرع الثوب، ولا عدد الكومة من البطيخ. أما إذا كان الثمن من المكيلات أو الموزونات فإن فيه خلافا:
فقيل: الإشارة تكفي، وقيل:
لا تكفي؛ ولا بد من بيان القدر.

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-12-2020 12:18 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
خامسا: أن يكون مقبوضا في مجلس السلم وقد تقدم. وأما العشرة التي في المسلم فيه فمنها الأربعة الأول التي في رأس المال وهي:
بيان الجنس والنوع والوصف والقدر.
والخامس: أن يكون مؤجلا وقد تقدم بيانه.
والسادس: أن يكون الصنف موجودا في الأسواق وسيأتي.
السابع: أن يكون مما يتعين بالتعيين وقد تقدم:
الثامن: بيان مكان الدفع فيما يحتاج إلى نفقات كالبر ونحوه.
التاسع: أن لا يشمل البدلان على علة ربا والفضل وهي القدر والجنس كما تقدم.
والعاشر: أن يكون من الأجناس الأربعة المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة والذرعيات.
رابعا: بيان قدره، فلا بد أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أن العد أو الذرع، فأما المكيلات فإنه يصح فيها السلم، سواء كانت حبوبا أو عسلا أو لبنا أو سمنا أو تمرا.
وهل يصح أن يسلم فيها بالوزن أو لا؟ خلاف: المعتمد أنه يصح، لأن المعول عليه إنما هو الضبط، ولا بد أن يكون قدر المكيال معروفا بين الناس، فلا يصح أن يقول له:
أسلمت إليك جنيها في 20 قصعة من القمح إذا لم تكن القصعة مكيالا معروفا بين الناس كالكيلة ونحوها. وأما الموزونات فإنه يصح فيها السلم، إلا إذا كانت أثمانا وهي النقدان من الذهب والفضة، فلا يصح أن تقول: أسلمت إليك هذا الثوب في جنيه زنته كذا، آخذه بعد شهر مثلا لأن الجنيه لا يصح أن يكون مسلما فيه، لأن شرط السلم أن يكون المسلم فيه مما يتعين بالتعيين، وقد عرفت أن النقدين من الذهب والفضة لا تتعين بالتعيين وهل يعتبر ذلك بيعا للثوب بأن يجعل الثوب مبيعا والجنيه ثمنا مؤجلا أو لا؟ قولان، فقيل:
يعتبر ورجحه بعضهم. وقيل: لا، وصححه بعضهم.
وأما المعدودات فإنه يصح السلم في المتقاربة منها كجوز الشام "عين الجمل" فإن آحاده متقاربة حتى إذ استهلك أحد شيئا منها كان لمالكه الحق في أخذ مثله، أما المتفاوتة إذا استهلكت فإنه يكون لمالكها قيمتها، ومن المتفاوت القرع والرمان، فلا يصح أن يقول:
أسلمت إليك جنيها في مائة بطيخة، أو مائتي رمانة، لأن آحاده متفاوتة فلا يمكن ضبطها. ومن المتقارب بيض الدجاج، لأنه وإن كان بعضه أكبر من بعض ولكن الكمية التي يحتوي عليها البياض والصفار متقاربة، ومثله بيض النعام إذا كان الغرض من شرائه أكله. أما إذا كان الغرض استعمال قشره زينة فإنه يكون متفاوتا لأن بعض قشره كبير وبعضه صغير، ومن المعدود المتقارب. الفلوس:
"العملة المتخذة من غير الذهب والفضة" كالقروش النيكل والنحاس فيجوز فيها السلم، فيصح أن يسلم إليه جنيها في مائة وعشرين قرشا يأخذها بعد شهر.
ومن المعدود المتقارب اللبن: الطوب النيء. وكذلك الآخر:
والطوب المحروق، فيصح أن يقول لأحد العمال: أسلمت إليك جنيها في ألفين من الأخضر. ولكن يشترط أن يبين صفة القالب الذي يضرب به كأن يقول:
حجمه كذا طولا وعرضا، وكذلك يبين مكان الأرض التي يضرب الطوب عليها كما يبين العدد.
وأما المذروع الذي يباع بالذراع كالقماش والبسط والحصر فإنه يصح فيها السلم أيضا بشروط:
الأول: أن يبين مقدار طوله وعرضه.
الثاني: أن يبين صفته كأن يقول:
ثوب غير مخيط من قطن أو كتان أو صوف أو حرير مركب من نوعين مختلفين.
الثالث: أن يبين محل صنعه كأن يقول:
قطنية شامية، أو مصرية. أو يقول:
مقطع، سكاروت ياباني، أو هندي، أو ملاءة محلاوي، أو إخميمي ونحو ذلك. وإن كان حريرا فينبغي أن يبين زنته مع عدد الأذرع، لأن الوزن له مدخل في اختلاف الثمن، فإن الديباج وهو نوع من الحرير كلما ثقل وزنه زادت قيمته، وبالعكس غيره من أنواع الحرير.
ويصح السلم في السمك القديد الذي فيه الملح "البكلاه"، ثم إن كان كبيرا فإنه يصح فيه السلم بالعدد، وإن كان صغيرا فإنه يصح فيه وزنا وكيلا، فيصح أن يسلمه جنيها فأكثر على أن يأخذ به عددا معينا من سمك البطلاه الموصوف بالأصناف التي تعينه كفرنساوي أو انكليزي إذا كان كبيرا، أما إذا كان صغيرا "كالسردين" المقدد المملوح فإنه يجوز وزنا وكيلا، وكذلك يصح السلم في السمك الطري "الطازة"، ولكن إن كان لا ينقطع في وقت من الأوقات صح فيه بدون قيد. أما إن كان ينقطع في بعض الأحيان كالجهات التي يتجمد فيها الماء في الشتاء فلا يوجد فيها السمك، فإن الأجل يجب أن يكون ملاحظا فيه وجود السمك، فلا يصح امتداده إلى الزمن الذي ينقطع فيه.
ولا يصح السلم في الحيوان مطلقا، وهل يصح في أطرافه بعد ذبحه كالأكارع؟ خلاف: المشهور أنه لا يصح أيضا كالحيوان، وقال بعضهم: لا بأس به وزنا بعد ذكر النوع وباقي الشروط. وكذلك اللحم فإن فيه خلافا، والفتوى على أنه يصح فيه السلم. ولا يصح السلم في الحطب بالحزمة كأن يقول له:
أسلمتك جنيها على أن آخذ به مائة حزمة لعدم ضبط ويصح فيه وزنا. وكذلك لا يصح السلم في الحشائش الخضراء التي ترعاها الدواب كالبرسيم ونحوه بالقت والقتة: الحزمة. وإذا ضبط بما لا يؤدي إلى نزاع فإنه يجوز. ولا يصح السلم في العقيق والبلور ونحوهما لتفاوت آحادهما تفاوتا كبيرا. وكذا لا يصح في اللآلئ الكبار، أما اللآلئ الصغيرة التي تباع وزنا فإنه يصح فيها السلم، فيجوز أن يقول للصائغ ونحوه:
أسلمتك مائة جنيه في لؤلؤة صفتها كذا، وزنتها كذا.
الحنابلة - قالوا: شروط السلم سبعة: أحدها: أن يصف المسلم فيه بما يختلف به الثمن اختلافا ظاهرا بأن يذكر جنسه ونوعه ولونه وبلده وكونه قديما أو جديدا.
ثانيها: أن يذكر قدره وقد تقدم، ولا بد أن يكون المكيال معروفا عند العامة.
ثالثها: أن يشترط أجلا معلوما.
رابعا: أن يكون المسلم فيه كثير الوجود في وقته. أما إن كان نادرا كالعنب في غير وقته فإنه لا يصح،
خامسها: أن يكون رأس المال مقبوضا في مجلس العقد وقد تقدم.
سادسها: أن يكون المسلم فيه دينا في الذمة فإذا أسلم في دار أو عين موجودة فإنه لا يصح.
السابع: أن يكون المسلم إليه من الأمور التي تضبط صفاتها كالمكيلات والموزونات والمعدودات والمذروعات. فأما المكيلات فيصح السلم فيها، سواء كانت حبوبا أو غيرها كالألبان والأدهان والعسل ونحوه. فإن أسلم في حبوب فإنه يشترط أن يصفه بأربعة أمور:
أحدها: ذكر النوع فيقول مثلا: قمح مواني أو بعلي أو غيره.
ثانيها: ذكر البلد فيقول:
قمح بحيري، أو صعيدي، أو هندي، أو استرالي.
ثالثها: ذكر قدر الحب من صغر أو كبر.
رابعها: ذكر القديم والجديد، وكذلك العدس، فإنه يشترط ذكر نوعه كصحيح أو مدشوش وبلده كإسناوي أو غيره، وكونه قديما أو جديدا، وكون حبه كبيرا أو صغيرا، أو سليما أو مكسرا، وهكذا سائر أصناف الحبوب.
ولا يصح السلم في القمح إلا إذا فصل من تبنه، ومثله باقي الحبوب.
وإذا أسلم في تمر فإنه يشترط أن يذكره فيقول: تمر، ويذكر نوعه فيقول:
زغلول أو سمان، ويذكر قدر حبه صغيرا أو كبيرا، ويذكر لونه فيقول:
أحمر أو أصفر، ويذكر بلده فيقول: واحي أو أسيوطي، ويذكر حداثته وقدمه فيقول:
جديد أو قديم، ويذكر جودته وردائته فيقول: جيد أو رديء.
ومثل التمر اليابس الرطب، فينبغي وصفه بهذه الأوصاف.
وإذا أسلم في عسل، فينبغي أن يذكر فيه بلده كمصري أو غيره، وأن يذكر زمنه فيقول: ربيعي أو صيفي، ويذكر لونه فيقول:
أبيض أو أسود، ويذكر جودته وردائته، وأنه مصفى من الشمع أو لا.
وإذا أسلم في سمن، فينبغي أن يضبطه بالنوع يقول: سمن ضأن، أو معز، أو بقر، أو جاموس وباللون فيقول:
أبيض أو أصفر أو أخضر، وبالجودة والرداءة فيقول: جيد أو رديء. وبالمرعى فيقول:
بحيري أو صعيدي، لأن قيمة الثمن تختلف باختلاف المرعى، ولا حاجة إلى ذكر القديم والحديث، لأن القدم عيب في السمن يرد به، ويصف الزبد بأوصاف السمن، ويزيد زبد يومه أو أمسه.
وإذا أسلم في لبن، فإنه يضبطه بذكر النوع فيقول: لبن ضأن، أو معز، أو جاموس، أو بقر، ويذكر المرعى ولا يحتاج إلى ذكر اللون ولا إلى ذكر اليوم أو الأمس، لأنه إذا أطلق ينصرف إلى اليوم.
وأما الموزونات فإنه يصح فيها السلم، سواء كانت خبزا أو فاكهة، أو لحما نيئا ولو مع عظمه أو رصاصا أو نحاسا أو غير ذلك. فإذا أسلم في لحم، فينبغي بيان قدره أولا، وبيان نوعه من بقر جواميس أو ضأن أو معز، وبيان سنه وبيان ذكورته وأنوثته، وبيان كونه خصيا أو غيره، وبيان كونه رضيعا أو فطيما، معلوفا أو راعية، سمينا أو هزيلا. فإن كان السلم في لحم طير فإنه لا حاجة فيه إلى ذكر الأنوثة والذكورة إلا إذا كانت تختلف قيمته بهما كلحم الدجاج، فإن لحم الديك أقل من لحم الأنثى فيه،ولا حاجة إلى أن يبين موضع القطع فيقول:
من الفخذ مثلا، إلا إذا كان الطير كبيرا يؤخذ منه بعضه كلحم النعام فإنه يبين موضع القطع لاختلاف العظم، ولا يصح السلم في اللحم المطبوخ ولا اللحم المشوي.
وإذا أسلم في الخبز، فينبغي أن يذكر كونه خبز بر، أو شعير، أو دخن، أو ذرة ويذكر اليبوسة والرطوبة واللون.
وإذا أسلم في السمك، فينبغي أن يذكر نوعه فيقول: من النهر، أو من البركة، وأن يذكر صنفه فيقول:
بوري أو بلطي مثلا، وأن يذكر كبره أو صغره، وسمنه وهزاله، وأن يذكر كونه طريا أو مملوحا "بكلاه".
وإذا أسلم في رصاص أو نحاس أو حديد فإنه يضبطه بذكر نوعه ولونه إن كان يختلف به ثمنه كالنحاس الأصفر والأحمر والأبيض، وذكر نعومته وخشونته، ويزيد في الحديد كونه ذكرا أو أنثى إن كان العرف على أن ثمنه يختلف باختلاف ذلك، ولا يصح السلم في الفلوس وزنا بشيء موزون، فإن كانت الفلوس وزنية فلا يصح أن يسلم فيها شيئا يباع بالوزن كأن يقول أسلمت إليك ثوبا من الحرير زنته كذا في مائتي قرش من النيكل مثلا فإنه لا يصح لتحقق علة ربا النسيئة فيهما وهو الوزن، إذ لا يحل بيع موزون بموزون مع التفاضل نسيئة. أما إن كان الفلوس عددية فإنه يصح السلم فيها على الأصح ولو كانت مستعملة لأنها عرض لا ثمن كما تقدم، وقيل لا يصح على أنه يصح في الأثمان الخالصة بشرط أن يكون رأس المال غير سلم، فيصح أن يقول له أسلمتك هذا الثوب في جنيه آخذه بعد شهر. أما إذا قال له:
أسلمتك هذا الجنيه في ستة من "الريالات" آخذها بعد شهر مثلا فإنه لا يجوز لأنه يكون ربا.
وأما المعدود المختلف الذي تتفاوت آحاده فإنه لا يصح السلم فيه إلا في الحيوان لأنه هو الذي يمكن ضبط صفاته، فلا يصح في بيض ولا رمان ولا بطيخ إلى غير ذلك من الأشياء المختلف آحادها التي تباع عدا، وقيل يصح في المتقارب منها كالجوز الشامي وبيض الدجاج. وينضبط الحيوان بذكر سنه وذكورته وأنوثته وسمنه وهزاله. وكونه راعيا معلوفا، بالغا أو صغيرا، ولونه إن كان نوعه مختلف اللون كالغنم البيضاء، أو السوداء، أو الحمراء وتضبط الإبل بأربعة أوصاف:
النتاج فيقول:
من نتاج بني فلان، والسن فيقول:
بنت مخاض مثلا، واللون فيقول:
بيضاء أو حمراء أو زرقاء. والأنوثة فيقول: ذكرا أو أنثى.
وتضبط الخيل بأوصاف الإبل الأربعة المذكورة، ولا بد من ذكر نوعها فيقول في الإبل:
بختية، أو عرابية، ويقول في الخيل: عربية أو هجين أو برذون، ويقول في الغنم:
ضأن أو معز، إلا البغال والحمير فإنه لا أنواع لها.
ويضبط اللبن "الطوب النيء" بالتراب الذي يضرب منه والثخانة.
وأما المذروع كالثياب، فإنها تنضبط بذكر نوعها فيقول: كتان، أو قطن، أو حرير. أو صوف، وبذكر بلدها فيقال قماش مصري، أو شامي، ويذكر طولها أو عرضها، وصفاقتها ورقتها وغلظها ونعومتها وخشونتها، ولا يذكر زنتها، فإن ذكرها لم يصح السلم.
وبالجملة فإنه ينبغي أن يذكر في كل نوع من هذه الأنواع الصفة التي يترتب على ذكرها وعدمه اختلاف في الثمن اختلافا ظاهرا.
وإذا أسلم فيما يباع كيلا بالوزن كأن قال:
أسلمتك جنيها في قنطارين من القمح فقيل: يصح، وقيل:
لا. واختار الأول كثير، لأن الغرض معرفة القدر والمكان وذلك متحقق.

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-12-2020 12:19 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث السلم]
صـــــ 272 الى صــــــــ
285
الحلقة (112)

المالكية - قالوا: شروط صحة السلم الزائدة على شروط صة البيع سبعة:
الشرط الأول: قبض رأس المال كله وقد تقدم الكلام في جواز تأخيره وعدمه ويجوز شرط الخيار في رأس المال أو في المسلم إليه قبل قبض المال مدة ثلاثة أيام لا أكثر. ولو كان رأس المال دارا على المعتمد. فإن نقد رأس المال فسد العقد بشرط الخيار. وذلك لأنه بعد أن يقبض المسلم إليه، الذي هو في حكم البائع، رأس المال الذي هو في حكم الثمن مع شرط الخيار، كان رأس المال مترددا بين كونه سلفا يصح أن يأخذه من دفعه، وبين كونه ثمنه فلا ينعقد السلم. وإذا شرط نقد رأس المال مع شرط الخيار بطل العقد أيضا وإن لم ينعقد بالفعل، لأن المشروط لازم للشرط، حتى ولو نزل عن الشرط فإن العقد لا يرجع صحيحا، وإذا تطوع رب السلم ونقده رأس المال، فإن كان معينا كثوب معين أو حيوان معين فإنه يصح. أما إن كان غير معين كالجنيه فإنه لا يصح.
ويصح أن يكون رأس المال منفعة شيء معين كسكنى دار، أو استخدام حيوان، فإذا قال له:
أسلمتك سكني داري مدة كذا في عشرين نعجة آخذها بعد شهر مثلا فإنه يصح. أما جعل المنفعة بدلا عن الدين، فإن فيها خلافا، فإذا كان له عند نجار مثلا دينا فكلفه بعمل صندوق واحتسب له ذلك الدين. قيل: يصح، وقيل: لا. ولا بد من قبض الدار التي جعلت منفعتها رأس مال قبل تمام أيام ثلاثة. أما الحيوان فيجوز تأخيره أكثر بدون أن يشترط التأخير لأن الحيوان يجوز تأخيره كذلك، سواء جعل هو رأس المال أو جعله منفعة، أما إذا اشترط التأخير فإنه لا يجوز.
الشرط الثاني من شروط السلم:
ما اشتمل على نفي خمسة أشياء:
أحدها: أن لا يكون رأس المال والمسلم فيه طعامين، سواء كانا متحدي الجنس أو لا فلا يصح أن يقول:
أسلمتك إردب قمح في إردب قمح، كما لا يصح أن يقول:
أسلمتك إردب قمح في إردب فول آخذه بعد شهر مثلا، لأن في هذا ربا النساء، فإذا قالله:
أسلمتك إردب قمح في إردب ونصف قمح آخذه بعد شهر كان فيه ربا فضل ونساء، فإذا وقع بلفظ القرض بدون زيادة جاز كأن يقول له: أقرضتك إردب قمح آخذه بعد شهر.
ثانيها: أن لا يكونا نقدين، فلا يصح أسلمتك جنيها في جنيه، كما لا يصح أسلمتك جنيها في "خمسة ريالات" وإنما لا يصح لعلة الربا المذكورة، والفلوس الجدد في باب السلم مثل النقدين، فلا يجوز سلم بعضها في بعض، فلا يجوز أن يقول:
أسلمتك عشرين قرشا في عشرين قرشا من النحاس.
ثالثا: أن لا يكون رأس المال أقل من المسلم فيه إذا كان من جنسه فلا يصح أن يقول:
أسلمتك هذا الثوب في ثوبين من جنسه، أو أسلمتك قنطارا من القطن في قنطارين أو إردبا من الجبس في إردبين. إلا إذا اختلفت المنفعة في أفراد الجنس الواحد بحيث تعادل منفعة الواحد منفعة الاثنين كالحمار السريع المشي، فإنه يصح أن يكون سلما في حمارين ضعيفين مشيهما بطيء، وكالحصان الذي يسبق غيره أكثر منه غير سابق، وكسيف قاطع جيد في سيفين أقل منه، أما الجنسان المختلفان فإنه يجوز أن يسلم أحدهما في الآخر، ولو كانت منفعتهما متقاربة كثوب رقيق من القطن وثوب غليظ. فإنه يصح أن يجعل أحدهما رأس مال السلم والآخر مسلما فيه.
رابعها: أن لا يكون رأس المال رديئا والمسلم فيه جيدا إذا كانا من جنس واحد، فلا يصح أن يقول له:
أسلمت إليك قطنية شامية في قطنية بلدية آخذها بعد شهر. أو يقول له:
أسلمتك قنطارا من الكتان الأسمر في قنطار من الكتاب الأبيض الناصع آذه بعد شهر، إلا إذا اختلفت المنفعة بحيث تكون منفعة الشيء الواحد من الجنس تعادل اثنين كالقطن "السكلاريدس" فإن القنطار الواحد من الثاني يعادل اثنين من الأول، فيصح أن يسلم الواحد في اثنين.
خامسها: أن لا يكون رأس المال جيدا والمسلم فيه رديئا، فلا يصح أن يسلم إردبا من القمح في إردب من الشعير، ولا ثوبين في ثوب، لأنه يكون من باب الضمان بجعل، وذلك لأن المسلم إليه ضمن لرب السلم الثوب الذي لا يدفعه له في الوقت الذي أجل إليه في نظير الثوب الذي يأخذه الآن وهو ممتنع، أو ضمن له إردب الشعير في نظير المنفعة التي يأخذها زيادة عليه من إردب القمح.
الشرط الثالث: من شروط السلم:
أن يكون المسلم فيه مؤجلا أجلا معلوما للمتعاقدين، وأقله خمسة عشر يوما كما تقدم، إلا إذا أسلم في شيء واشترط تسليمه في بلد العقد بمجرد وصوله لذلك البلد، ولذلك شروط:
الأول: أن يكون على بعد مسافة يومين من بلد العقد على الأقل وإن لم يلفظ بذكر المسافة، فإن كانت أقل فلا بد من التأجيل خمسة عشر يوما.
الثاني: أن يشترط العاقدان الخروج من بلد العقد، وأن يخرجا فورا بالفعل منها كي يدفع المسلم إليه لرب السلم المسلم فيه بمجرد وصولهما إلى البلد طبقا للشرط، فإن لم يشترطا الخروج ولم يخرجا بالفعل فلا بد من التأجيل نصف شهر.
الثالث: تعجيل رأس المال في المجلس أو قريبا منه.
الرابع: أن يكون سفرهما أو وكيلهما في يومين بالبر، أو بباخرة لا تتأثر بالرياح حتى لا يتعطل سيرها.
الخامس: أن يخرجا في نفس اليوم الذي حصل فيه العقد، فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين التأجيل لمدة خمسة عشر يوما.
الشرط الرابع من شروط السلم: أن يضبط المسلم فيه أو رأس السلم بما جرت عادة الناس في الجهة التي وقع فيها العقد أن يضبطوا به من كيل أو وزن أو عد.
فالقمح جرت عادة الناس أن يضبطوه بالكيل، ومنهم من يضبطه بالوزن؛ فيصح السلم فيه كيلا ووزنا، واللحم جرت عادة الناس أنيضبطوه بالوزن، فيصح السلم فيه وزنا.
والرمان جرت عادة الناس أن يضبطوه بالعد، ومنهم من يضبطه بالوزن، فيصح السلم فيه عدا ووزنا. ولما كان الرمان مما تتفاوت احاده، فيجب أن يقيس طول كل رمانة وعرضها بخيط ونحوه ويحفظ ذلك المقياس ليرجع إليه عند اللزوم، وسواء وضع ذلك المقياس عند أمين أو كتب بيانه في ورقة أمضاها العاقدان، فإن الغرض من التوثيق يحصل فيصح أن يقول: أسلمك جنيها في قنطار من الرمان كل رمانة سعة هذا الخيط. أو أسلمك جنيها في مائة رمانة، حجم كل رمانة كذا طولا وكذا عرضا وعمقا، ومثل الرمان البيض.
ويصح السلم في الخضر والحشائش كالبرسيم "والدراو" ويضبط بالحمل - بكسر الحاء - كأن يقول له:
أسلمتك جنيها في مائة حمل برسيم، كل حمل ملء هذا الحبل، ويوضع الحبل تحت يد أمين، أو يقاس طوله وسمكه بمقياس مخصوص ويكتب في ورقة، ومثل ذلك الكراث والكزبرة ولا بد أن تكون آلة الكيل أو الوزن معلومة، فإذا ضبط بشيء مجهول كملء هذه القصعة مثلا، أو وزن هذا الحجر ولم يكن مقدارا بمعيار مخصوص فإن السلم يفسد.
الشرط الخامس: أن يبين الصفات التي تختلف رغبات الناس من أجلها كالصنف والجودة والرداءة، والتوسط بينهما واللون إذا كان له دخل في اختلاف قيمة المسلم فيه أو رأس المال، فإن رغبة بعض الناس تنبعث إلى لون الغنم البيضاء للانتفاع بأصوافها البيضاء. وبعضهم بالعكس يرغبون في الحمراء أو السوداء فيترتب على ذلك اختلاف في قيمتها. أما إذا لم يترتب عليه اختلاف في القيمة بحسب العرف فلا يشترط ذكره.
فإذا أسلم في قمح فإنه يشترط أن يبين قدره بالكيل أو الوزن إن تعارف الناس على وزنه، ويبين صنفه فيقول:
بعلي أو مسقي، ويبين جودته وغيرها، ويبين كونه ملآنا أو ضامرا، ويبين كونه قديما أو جديدا إن ترتب على ذلك البيان اختلاف الثمن، أما بيان لون القمح فليس شرطا لأن ذكر الصنف يغني عنه. وكذا لا حاجة إلى بيان كونه خاليا من الطين أو لا "غلت أو نظيف" لأن هذا يحمل على الغالب المتعارف، فإن لم يكن فيحمل على المتوسط. ويندب البيان دفعا للنزاع. ويجب بيان الجهة الوارد منها إذا كان في بلده غير أصناف النابت فيها كالهندس، والأسترالي، والروسي.
وإذا أسلم في حيوان فإنه يشترط أن يبين نوعه، هل هو غنم أو بقر، ضأن أو معز؟ ويبين جودته ورداءته، ويبين لونه إن ترتب عليه اختلاف في الثمن. وكذلك يبين سنه، وكونه ذكرا أو أنثى، وكونه سمينا أو غير سمين.
وإذا أسلم في تمر فإنه يبين نوعه وجودته ورداءته، وكبره وصغره وقدره، والجهة التي ورد منها.
وإذا أسلم في عسل فإنه يبين نوعه، هل هو عسل نحل أو قصب، أو بنجر أو سكر؟ ويبين جودته ورداءته ولونه إن ترتب عليه اختلاف في الثمن. وإن كان عسل نحل فإنه يبين مرعاه، لأنه يختلف بذلك طعما، فإن الذي يقتطف من زهر الكروم أجود عسلا من غيره وأغلى ثمنا.
وإذا أسلم في لحم فإنه يشترط أن يبين نوعه في ضأن أو معز إلخ الصفات المذكورة في الحيوان، ويزيد عليها بيانه كونه خصيا أو لا، معلوفا أو راعيا. ولا يشترط أن يبين المكان الذي يقطع منه اللحم كالفخذ والذراع. إلا إذا اختلفت الأغراض في ذلك فإنه يجب البيان.
وإذا أسلم في سمك فإنه يشترط أن يبين صنفه وجودته، ويبين كونه كبيرا أو صغيرا أو متوسطا، وبالجملة فينبغي أن يبين في كل نوع ما يضبطه من الصفات التي يترتب عليها اختلاف في الثمن عادة في مكان العقد.
الشرط السادس من شروط السلم:
أن يكون المسلم فيه دينا في ذمة المسلم إليه، فلا يصح أن يكون معينا، سواء كان حاضرا كأن يقول:
أسلمت إليك جنيها في هذا الثوب الحاضر، أو غائبا كأن يقول له: أسلمت إليك جنيها في الثوب الفلاني المعروف لي، لأن تعيينه يستلزم أن يبيع شيئا معينا يتأخر قبضه وهو غير جائز، فإن لم يكن عنده كان بيعا لشيء غير موجود وهو منهي عنه أيضا، والذمة وصف اعتباري يحكم به الشرع ويقدر وجوده في الشخص من غير أن يكون له وجود حقيقي قابل للالتزام، كأن يلتزم على نفسه شيئا كضمان ودين، وقابل للالتزام من الغير كأن يقول له: ألزمك حق فلان.
الشرط السابع: أن يوجد المسلم فيه عند حلول الأجل، فلا يصح أن يسلم في فاكهة مثلا مؤجلة إلى زمن لا توجد فيه.
الشافعية - قالوا: شرط السلم شروط البيع ما عدا رؤية المبيع، فإنها شرط في صحة البيع كما تقدم، بخلاف رؤية المسلم فيه فإنها ليست بشرط لأنها رخصة مستثناة من منع بيع المعدوم، ويزيد السلم على البيع شروطا أخرى بعضها يتعلق برأس مال المسلم، وبعضها يتعلق بالمسلم فيه. وكلها شروط لصحة عقد السلم، فلا يصح إذا تخلف شرط منها. فأما التي تتعلق برأس المال فهي شرطان:
الشرط الأول:
أن يكون رأس المال مال السلم حالا غير مؤجل فلا يصح تأجيله.
الثاني:
تسليمه بالمجلس وقد تقدم قريبا، لأنه لو تأخذر يكون بيع دين بدين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون رأس المال عينا أو منفعة كأن يقول: أسلمت إليك سكنى داري مدة كذا في كذا من الغنم، فلا بد من تسليمها كما تقدم. وأما التي تتعلق بالمسلم فيه فهي:

أولا: بيان مكان تسليم المسلم فيه إن لم يكن المكان الذي حصل فيه العقد صالحا للتسليم، سواء كان السلم حالا أو مؤجلا. أما إذا كان المكان صالحا للتسليم، فإن كان نقله يحتاج إلى نفقات وجب البيان في السلم المؤجل دون الحال. وإذا كان نقله لا يحتاج إلى نفقات فلا يجب البيان، سواء كان السلم حالا أو مؤجلا. وقد تقدم أن السلم يصح حالا أو مؤجلا.
ثانيا: القدرة على تسليم "المسلم فيه" عند حلول الأجل إن كان مؤجلا، أو بالعقد إن كان حالا، فإذا أسلم في فاكهة وأجلت إلى أمد لا توجد فيه فلا يصح السلم.
ثالثا: أن يكون المسلم فيه مقدورا على تسليمه عند وجوبه بلا مشقة عظيمة، ويجب التسليم في السلم الحال بالعقد، وفي المؤجل بحلول الأجل، وهذا الشرط من شروط البيع أيضا فليس بزائد عليها، وإنما يترتب عليه شيء آخر زائد على شروط البيع وهو:
ما إذا أسلم في شيء يندر وجوده كالجواهر الكبار والياقوت فإنه لا يصح السلم فيها لتعذر وجود الصفات المطلوبة في السلم فيها، إذ لا بد من التعرض للحجم والشكل وصفاء اللون ونحو ذلك، وهذه الصفات يندر اجتماعها، فالشرط أن لا يسلم في شيء يندر وجوده، أو يكثر وجوده ولكنه ينقطع عند حلول الأجل، فلا يصح السلم في الفاكهة ونحوها بعد انقطاعها.
فإذا حصل عقد السلم فيما يندر وجوده، أو فيما ينقطع عند حلول الأجل كان لرب السلم "المشتري" الحق في الخيارين بين أمرين: فإما أن يصبر حتى يوجد المسلم فيه، وإما أن يفسخ العقد وله هذا الحق على التراخي، فله أن يستعمله في أي وقت شاء، ولو أسقط حقه في الفسخ لم يسقط على الأصح.
رابعا: أن يكون المسلم فيه منضبطا، فلا يصح السلم فيما تركب من أجزاء مختلفة لا يمكن ضبطها كالكشك، والقمح المخلوط بالشعير الكثير، والأحذية المبطنة. أما غير المبطنة "كالصنادل" والخف غير المبطن فإنه يصح السلم فيه بشرط أن تكون متخذة من الجوخ ونحوه. أما المتخذة من الجلد فإنه لا يصح السلم فيها، لأن الجلد لا يصح فيه السلم. ومن المركب من أجزاء رؤوس الحيوانات المذبوحة فإنه لا يصح السلم فيها ولو بعد تنقيتها من الشعر. ومنه معجون الروائح العطرية الغالية المركبة من نحو مسك وعنبر ودهن فلا يصح السلم فيها.
خامسا أن لا يكون المسلم فيه معينا بل دينا لأن السلم موضوع لبيع شيء في الذمة. فإذا قال أسلمت إليك هذا الجنيه في هذا الثوب فإنه لا يصح. وكذلك لا يصح أن يكون جزءا من معين:
كأسلمت إليك هذا الجنيه في إردب قمح من هذا الجرن بخصوصه.
سادسا: أن يبين جنسه ونوعه، ويذكر الصفات التي يترتب عليها اختلاف الثمن عادة، فإذا أسلم في حيوان فعليه أن يذكر جنسه ونوعه فيقول: غنما، أو بقرا، أو إبلا. ثم يذكر سنه ولونه، وهل هو ذكر أو أنثى؟. ويذكر في الطير زيادة على ذلك كونه صغيرا أو كبيرا، أما سنه فلا يلزم ذكره إلا إذا كان معروفا.
وإذا أسلم في ثياب فعليه أن يذكر عرضها وطولها، ورقتها وثخانتها، ونعومتها وخشونتها، ويبين إن كانت خاما أو مقصورا.
وإذا أسلم في سمن أو زبد فعليه أن يبين قدره وزنا أو كيلا، ويبين الحيوان الذي أخذه منه، فيذكر إن كان سمن بقر، أو غنم، أو جاموس، أو جمال، ويبين كونه جديدا أوقديما، ومثله الزبد فعليه أن يبين الصفات المذكورة في السمن، ويزيد عليها إن كانت جافة أو رطبة.
وإذا أسلم في جبن فعليه أن يذكر نوعه فيقول: جبن غنم، أو بقر، أو جاموس، ويذكر صنفه إن كان مأخوذا من الرائب، أو الخض، أو اللبن، ويذكر بلده فيقول:
صعيدي، أو بحيري، ومثله القشدة "القشطة" فيصح السلم فيها مع هذه البيانات.
سابعا: أن يكون المسلم فيه معلوم القدر بأن يكون مما يكال، أو يوزن، أو يعد، أو يذرع، فإذا أسلم في حبوب فإن عليه أن يذكر قدرها، ولا يجوز تعيين مكيال غير معروف القدر ككوز أو قصعة، فلو عينه فسد السلم. ويصح السلم فيما يكال بالوزن وعكسه، بخلاف ما تقدم في الربا، فهنا يصح أن يسلم في الحنطة كيلا ووزنا إن كان ينضبط بالوزن. ومثل الحبوب: الجوز واللوز والفستق والبن، فيصح السلم في ذلك كيلا ووزنا. أما المعدود المتفاوت الآحاد فإنه يصح فيه السلم وزنا كالبطيخ والقثاء ونحو ذلك مما هو أكبر من التمر، فإنه لا يصح فيه الكيل، فيصح أن يسلم فيه بالوزن.
ومثل ذلك أيضا الخضر:
كالملوخية والبامية والرجلة فإنه يضح فيها السلم وزنا. وكذلك الخشب والدريس والتبن فإنه يصح فيها السلم وزنا ويصح السلم في النقدين "الذهب والفضة" ولكن بالوزن فقط.
فإذا جمع بين العدد والوزن فيها فإنه يفسد. ومثلها الجمع بين الوزن والعد فيما تفاوتت آحاده كالبطيخ، فلا يصح أن يقول له:
أسلمتك هذا الجنيه في مائة بطيخة، زنة كل واحدة منها ثلاثة أرطال، لأنه يحتاج مع ذلك إلى ذكر حجمها فيتعذر وجوده.
ويصح السلم في الطوب بالعد والوزن معا كأن يقول له:
أسلمت إليك جنيها في ألف طوبة زنة الواحدة منها رطلان، لأن ذلك ليس بمتعذر، إذ يمكن وضع قالب بهذا الوزن، ومثل الطوب الخشب.
ثامنا: أن يشترط في عقد السلم الخيار لأحد المتعاقدين، أو لهما:
لأنه لا يحتمل التأجيل في رأس المال، فكيف يصح معه الخيار الذي يترتب عليه عدم الإلزام بقبض رأس المال؟ ولكن يدخله خيار المجلس لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وهذا الشرط متعلق بالعقد لا بالمسلم فيه) .




ابوالوليد المسلم 08-12-2020 12:20 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث الرهن]
صـــــ 286 الى صــــــــ
297
الحلقة (113)

[مباحث الرهن]
[تعريفه]
الرهن في اللغة معناه:
الثبوت والدوام يقال ماء راهن: أي راكد.
ونعمة راهنة:
أي دائمة،
وقال بعضهم: إن معناه في اللغة،
الحبس لقوله تعالى:
{كل نفس بما كسبت رهينة} أي محبوسة بما قدمته،
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
"نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه" فمعنى مرهونة: محبوسة في قبرها، والمعنى الثاني لازم للمعنى الأول، لأن الحبس يستلزم الثبوت بالمكان وعدم مفارقته،
أما في الشرع:
فهو جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع وثيقة بدين بحيث يمكن أخذ الدين، أو أخذ بعضه من تلك العين،
ومعنى وثيقة:
متوثق بها، من وثق كظرف صار وثيقا،
والوثيق:
المحكم،
فقد توثق الدين وصار محكما بهذه العين وخرج بقوله قيمة مالية في نظر الشرع:
العين النجسة والمتنجسة لا يمكن إزالتها، فإنها لا تصلح أن تكون وثيقة للدين، ومثل ذلك ما إذا كانت طاهرة ولكنها لا تساوي شيئا ماليا على قياس ما تقدم في تعريف البيع.
[حكمه ودليله]
أما حكمه فهو الجواز مثل البيع، لأن كل ما جاز بيعه جاز رهنه إلا ما ستعرفه.وأما دليله فقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب:
فقد قال تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} والرهان جمع رهن، مثل حبل وحبال. ويجمع على رهن بضم الهاء،
ومعنى الآية: أن الله تعالى أمر من يتعاقد مع غيره ولم يجد كاتبا يوثق له فليرهن شيئا يعطيه لمن له الدين، كي يطمئن الدائن على ماله، ويحفظ المدين بما استدان به خوفا على ضياع ماله المرهون، فلا يتسامح فيه ويبذر بدون حساب ولا خوف.
وأما السنة: فلما روي في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم: "رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله".وفي هذا الحديث دلالة على ما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم من الانصراف عن مظاهر الحياة الدنيا وزخارفها والزهد فيحطامها، فرسول الله الذي كانت تهتز لذكره عروش القياصرة، وكانت الأموال تجبى إليه كومات مكدسة، يرهن ردعه من أجل التافه اليسير الذي تقتضيه ضرورة القوت، ما ذاك إلا لأن نفسه الكريمة تأبى أن يكنز شيئا من المال ولو يسيرا، فيقسم كل ما يأتي إليه بين الناس ولا يأخذ منه لا قليلا ولا كثيرا. ألا إنه لرسول الله حقا وصدقا. وفي الرهن عند اليهودي دلالة على جواز معاملة أهل الكتاب.
وأما لإجماع:
فقد أجتمع أئمة الدين على جواز الرهن بالشروط الآتية:
[أركان الرهن]
أما أركانه فهي (1) ثلاثة:
الأول: عاقد ويشمل الطرفين: وهو المالك، والمرتهن وهو صاحب الدين الذي أخذ الرهن في نظير دينه.
الثاني:
معقود عليه ويشمل أمرين: العين المرهونة، والدين المرهون به،
الثالث: الصيغة.
[شروط الرهن]
يشترط لصحة عقد الرهن أمور؛
منها:
أن يكون الراهن والمرتهن ممن تحققت فيهما أهلية البيع فلا يصح عقد الرهن من مجنون وصبي غير مميز؛
ومنها: غير ذلك على تفصيل مبين في المذاهب(2)
(1) الحنفية - قالوا: للرهن ركن واحد وهو الإيجاب والقبول لأنه هو حقيقة العقد، وأما غيره فهو خارج عن ماهيته كما تقدم في البيع
(2) المالكية - قالوا: تنقسم شروط الرهن إلى أربعة أقسام:
قسم يتعلق بالعاقدين الراهن والمرتهن. وقسم يتعلق بالمرهون وقسم يتعلق بالمرهون به وهو دين الرهن. وقسم يتعلق بالعقد فأما الأول:
فهو كل من يقع بيعه صحيحا فكذلك يقع رهنه. وكل من يقع بيعه لازما فكذلك يقع رهنه، فيشترط لصحة الرهن أن يكون الراهن مميزا، فلا يصح من مجنون ولا من صبي غير مميز. أما الصبي المميز والسفيه ونحوهما فإن رهنهم يقع صحيحا ولكن لا يكون لازما إلا إذا أجازه الولي، ويشترط أن يذكر ذلك في صلب عقد البيع أو القرض كأن يقول: بعتك هذه السلعة بثمن قدره كذا، مؤجلا لمدة كذا، برهن كذا، أو أقرضتك مبلغ كذا، إلى أجل كذا برهن كذا على أن هناك فرقا بين البيع وبين الرهن في حالة المرض، فإن المريض إذا استدان وهو سليم فلا يصح أن يرهن في نظير الدين وهو مريض، بخلاف البيع فإن له أن يقترض مالا وهو سليم ثم يبيع به عينا وهو مريض:
أما إذا استدان وهو مريض فله أن يرهن في نظير ذلك الدين وهو مريض، كما أن له بيعه. ويشترط للزوم الرهن التكليف، فلا يلزم من الصبي كما ذكر آنفا. والرشد، فلا يلزم رهن السفيه إلا بإذن الولي ويتضح من هذا أنه يجوز للولي سواء كان أبا أو وصيا أو قاضيا أن يرهن مال المحجور عليه الذي له عليه ولاية بشرط أن يكون ذلك في مصلحة المحجور عليه. كأن يرهنه لكسوته أو لطعامه، أو لتعليمه إذا لم يجد شيئا غير ذلك. أما إذا كان الرهن لمصلحة الولي فإنه يقع باطلا، ولا يلزم الولي ونحوه بيان السبب في الرهن. أما البيع فإنه لا يصح له أن يبيع مال المحجور عليه إلا بعد أن يثبت أن ذلك فيه مصلحة للمحجور عليه عند الحاكم.
وإذا كان للمحجور عليه وصيان فإنه لا يصح لأحدهما أن ينفرد برهن مال المحجور عليه بدون الاتحاد مع الآخر، كما لا يصح له أن ينفرد ببيعه. وأما القسم الثاني وهو ما يتعلق بالمرهون: فهو أن ما يصح بيعه يصح رهنه وبالعكس. فلا يصح رهن النجس كجلد الميتة ولو بعد دبغه، ولا رهن الخنزير ولا الكلب، لأنه لا يجوز بيع ذلك. وكذلك الخمر، سواء كانت ملكا لمسلم ورهنها عند مسلم أو ذمي، أو كانت ملكا لذمي ورهنها عند مسلم. فإن رهنها فاسد على أي حال، على أنه يستثنى من قاعدة كل ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه:
الأشياء التي بها غرر كالثمرة التي لم تخلق، والجنين الذي في بطن أمه، والثمر قبل بدو صلاحه ونحو ذلك مما فيه غرر "أي خطر" بمعنى أن وجوده غير متحقق فقد يوجد لا يوجد، فإنه لا يصح بيعه ولكن يصح رهنه.
فأما الذي فيه غرر شديد كالجنين في بطن أمه، والثمرة التي لم توجد ففيه خلاف، فقيل:
لا يجوز رهنه كما لا يجوز بيعه، وقيل: يجوز رهنه ولو عدة سنين. ومحل الخلاف ما إذا اشترط الراهن في عقد البيع أو القرض كأن قال له: بعتك هذه السلعة بثمن إلى أجل بشرط أن ترهن لي الجنين الذي في بطن الناقة، أو ثمر حديقتك سنتين قبل أن يخلق. ومثل ذلك ما إذا قال له:
أقرضتك كذا الخ، أما إذا لم يشترط الرهن في عقد البيع أو القرض. بل باع لأجل أو أقرضه لأجل ولم يشترط رهن الجنين، فإنه يجوز له أن يرهنه بعد ذلك بلا خلاف.
وأما الذي غرره غير شديد كالثمر قبل ظهور صلاحه فلا خلاف في جواز رهنه، فإذا رهن الثمرة قبل بدو صلاحها فإنه ينتظر بدو صلاحها ثم يبيعها في الدين. وإذا مات الراهن أو أفلس قبل ظهور الصلاح وكان عليه دين لغير المرتهن وعنده مال آخر غير المرهون، فإن للمرتهن أن يتشرك مع الغرماء بجميع دينه في المال الذي تركه غير المرهون، لأن الدين متعلق بالذمة لا بالعين المرهونة وما دامت غير صالحة ووجد ما يفي لغيره من أرباب الديون فإن له الحق أن يسترك معهم في ذلك، حتى إذا ظهر صلاح الثمرة بيعت واختص بثمنها إن وفى دينه ورد ما أخذه أولا وإن زاد رد الزيادة، وإن نقص استوفى ماله؛ والفرق بين حالة البيع وحالة الرهن: أن المالك له أن يقرض ماله، أو بيعه لأجل بدون أن يرهن شيئا أصلا، فيصح له أن يرهن شيئا محتمل الوجود والعدم لأنه خير من لا شيء على كل حال. ويشترط أن يكون الدين عينا، فيصح رهن الدين بالدين، سواء كان للمدين نفسه أو لغيره. ويشترط في رهن الدين للمدين: أن يكون أجل الدين الذي جعل رهنا أبعد من أجل الدين الذي هو سبب في الرهن أو مساويا له. فإن كان أقرب منه فإنه لا يصح. مثاله: أن يشتري شخص من آخر قمحا مثلا بمائة جنيه بثمن مؤجل إلى ثلاثة أشهر. أو كان للمشتري على البائع دين اقترضه منه، أو اشترى به سلع ويحل دفعه بعد ثلاثة أشهر أو أربعة، فإنه يصح أن يجعل الدين الذي له رهنا في الدين الذي عليه. أما إن كان الدين له وهو ما جعل رهنا أجله أقرب أو حل فإنه لا يصح جعله رهنا، لأنه بعد حلول أجله يكون بقاؤه عند المدين سلفا في نظير بيعه القمح، واجتماع بيع وسلف "باطل لما يجر إليه من الربا".
أما رهن الدين بغير المدين وهو ما إذا كان لزيد مائة جنيه على عمرو، وكان لعمرو مائة على خالد، فإنه يصح لعمرو أن يرهن ماله من الدين على خالد لزيد في دينه الذي عليه، وذلك بأن يسلم عمرا وثيقة الدين على خالد حتى يقبضه دينه.
ولا يشترط في صحة الرهن أن يكون المرهون مقبوضا كما لا يشترط القبض في انعقاده ولزومه، فيصح الرهن وينعقد ويلزم وإن لم يقبض المرتهن المرهون، بل يتحقق الرهن بالإيجاب والقبول، فليس للراهن أن يرجع بعد ذلك، وعلى المرتهن أن يطالب بالقبض.
ولا يشترط أن يكون المرهون غير مشاع، بل يصح رهن المشاع كما تصح هبته وبيعه ووقفه سواء كان عقارا، أو عروض تجارة، أو حيوانا، فإذا كان لشخص دين على آخر فله أن يرهنه جزءا مشاعا من داره مقابل ذلك الدين ولو كانت الدار ملكا للراهن، كما أن له أن يرهنه نصيبه المشاع في دار له شريك فيها إلا أنه إذا رهن جزءا شائعا من دار يملكها جميعها. فإن المرتهن يضع يده عليها كلها، لأن الراهن لو وضع يده معه لكانت يده ممتدة إلى الجزء الشائع أيضا فيبطل الرهن، لأن من شروط صحته أن لا يكون للراهن عليه يد.
ولا يشترط أن يستأذن الراهن شريكه في رهن نصيبه إنما يندب له ذلك، كما أن لشركيه الحق في أن يقسم ولكن بإذن الراهن، وله أنيبيع بدون إذنه.
ويصح رهن المستعار كأن يستعير شخص من آخر عينا ليرهنها في دين عليه، فإن وفى المستعير دينه رجعت العين المستعارة لصاحبها، وإلا بيعت في الدين المرهونة بسببه، ورجع صاحبها وهو المعير بقيمة العين على الذي استعارها، وتعتبر القيمة يوم إعارتها، وإذا استعار سلعة على أن يرهنها في ثمن قمح فرهنها في ثمن لحم كان عليه ضمانها لتعديه بمخالفته لما وصفه لصاحبها، وللمعير أن يأخذها من المرتهن وتبطل العارية.
ويصح رهن الشيء المستأجر عنده من استأجره له قبل مضي مدة الإجارة، فإذا استأجر دارا من شخص لمدة سنة ثم رهنها منه قبل مضي تلك المدة فإنه يصح، ووضع يده عليها أولا يعتبر قبضا لها.
ويصح رهن المكيل والموزون والمعدود بشرط أن يجعل في مكان مغلق عليه طابع "ختم"بحيث لو فتح مكانه يعرف، فإذا لم يطبع عليه لا يصح رهنه خوفا من أن يجعل الدين الذي أخذه الراهن سلفا، وأن السلعة التي رهنها هي رهن صوري وإنما هي فائدة للمدين فيكون ربا. وإذا وضع المكيل والموزون عند أمين: لا يشترط طبعه. وأما القسم الثالث وهو ما يتعلق بدين الرهن: فيشترط فيه أن يكون الدين لازما حالا أو مالا، فيصح الرهن في الجعل وهو ما يجعله الإنسان لآخر في نظير عمل، فإذا قال له: ابن لي هذه الدار بمائة فإنه يصح أن يرهنه في نظيرها عينا لأن المائة وإن لم تكن دينا لازما ابتداء ولكن مآلها إلى اللزوم/ وخرج بالدين:
الوديعة ونحوها مما ليس بدين، فإنه لا يصح أن يرهن لمودع عنده عينا للمودع مقابل وديعته، لأن الوديعة ليست دينا عنده.
ويصح أن يبيع شخص شيئا لآخر بثمن مؤجل ثم يرهن في نظير ثمنه شيئا، كما يصح للأجير أن يأخذ رهنا في أجر عمله الذي يشرع فيه لأنه دين لازم مآلا، كالحداد والنجار والبناء. وكذلك يصح لمن يستأجر على عمل أن يأخذ رهنا من العامل الذي أعطاه أجره حتى يتمه له. ويصح أن يرهنه شيئا مقابل الوعد بإعطائه قرضا كأن يقول له: خذ هذا رهنا عندك في نظير ما أقترضه منك، أو ما يقترضه منك فلان، أو في نظير ما تبيعه لي، أو تبيه لفلان، فالرهن صحيح لازم، لأنه ليس من شرط صحة الرهن أن يكون الدين ثابتا قبل الرهن، ولكن لا يستمر لزومه إلا إذا حصل قرض أو بيع في المستقبل، فإن لم يحصل كان للراهن أخذ رهنه. وأما القسم الرابع وهو ما يتعلق بالعقد: فهو أن يشترط شرطا منافيا لمقتضى العقد، مثلا: عقد الرهن يقتضي أن المرهون يقبض من الراهن، وأنه يباع إذا لم يوف الراهن الدين، فإذا شرط الراهن أن لا يقبض منه وأن لا يباع في الدين الذي رهن فيه، كان ذلك الشرط مناقضا لما يقتضيه عقد الرهن فيبطل.
الحنفية - قالوا: تنقسم شروط الرهن إلى ثلاثة أقسام.
-1 - شرط انعقاد.
-2 - شرط صحة. ويسمى الجواز.
-3 - شرط لزوم.
فأما القسم الأول وهو شرط الانعقاد:
فهو أن يكون المرهون مالا، وأن يكون المرهون به المقابل له وهو دين الرهن مضمونا، فمثال ما ليس بمال: الميتة والدم ونحوهما من كل ما لا يعتبره الشرع مالا، فلا يصح أن يكون شيء منه مرهونا:
ومثال المرهون به غير المضمون: الأمانات. والوديعة. فإذا وضع شخص عند آخر أمانة فلا يصح أن يرهن بها عينا، فإذا فعل ذلك وقع الرهن باطلا، لأن الأمانة إذا هلكت عند الأمين بآفة سماوية فلا يضمنها ولا يلزم بشيء لصاحبها، وإذا استهلكت بفعل فاعل لم تكن أمانة وإنما تكون مغصوبة، وعلى كل حال فلا تصلح بعنوان كونها أمانة أن تكون سببا في الرهن. ومثل الأعيان غير المضمونة:
الأعيان الشبيهة بالمضمونة، وتسمى الأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع قبل قبضه، فإذا باع شخص لآخر سلعة ولم يقبضها المشتري فإنه لا يجوز للبائع أن يرهن للمشتري سلعة أخرى في مقابلها حتى يسلمها له، فإذا فعل يقع الرهن باطلا، لأن المبيع إذا هلك في يد البائع لا يكون مضمونا عليه بغير الثمن، بمعنى أنه يرد الثمن على المشتري إن كان قد قبضه، فإن لم يكن قد قبضه فإنه يسقط ولا شيء عليه. وبعضهم يقول: إن الرهن جائز وعليه الفتوى، لأن المرهون مال والمبيع متقوم مضمون بالثمن، فيصح أن يكون سببا في الرهن كالدين.
أما الأعيان المضمونة بأنفسها فإنه يصح أن تكون مرهونا بها: وهي الأعيان التي لها مثل كالمكيلات والموزونات والمعدودات، والأعيان التي ليس لها مثل ولكن لها قيمة كالحيوان والثوب، لأنها إذا هلكت تكون مضمونة بمثلها إن كان لها مثل، وبقيمتها إن لم يكن لها مثل.
ومن ذلك تعلم أن الأعيان بالنسبة للضمان وغيره ثلاثة أقسام: مضمونة بأنفسها. وهي:
المثلية والقيمية، ومضمونة بغيرها وهي المضمونة بمثنها، وليست مضمونة أصلا.
فالمضمونة يصح أن تكون سببا في الرهن بلا خلاف. والشبيهة بالمضمونة فيها الخلاف الذي سمعته، وغير المضمونة لا يصح أن تكون سببا في الرهن بلا خلاف. ومن المضمونة العين المغصوبة، فإذا باع شخص لآخر عينا مغصوبة ورهن له شيئا في نظيرها حتى يستلمها فإن الرهن يصح، لأنها إذا هلكت تكون مضمونة على الغاصب ومثلها العين التي جعلها مهرا أو بدلا عن خلع، فإنه يصح أن يرهن شيئا في مقابلها حتى يستلمها صاحبها لأنها مضمونة.
ومن الأعيان غير المضمونة: العين المأخوذة بالشفعة، فإذا اشترى شخص عينا فطلبها من له حق الشفعة فإنه يجب في هذه الحالة تسليمها، ولا يصح للمشتري أن يرهن بها للشفيع عينا حتى يسلمها له، وإذا فعل يقع ذلك في الرهن باطلا، لأن الرهن يكون قد وقع في مقالبل عين غير مضمونة لأن العين المبيعة ليست مضمونة على المشتري، فإذا هلكت في يده قبل أن يستلمها الشفيع فلا شيء عليه.
ومثل ذلك الكفالة بالنفس، كما إذا كان لمحمد دين على خالد فكفل عمرو شخص خالد على أن يحضره لمحمد بعد سنة مثلا، فإن لم يحضره يكون ملزما بالدين الذي عليه، فلا يصح لعمرو في هذه الحالة أن يأخذ رهنا من المكفول وهو خالد في نظير هذه الكفالة، لأنه لا يجب على خالد دين حتى يأخذ عمرو في نظيره رهنا. فإذا وقع يكون باطلا. وذلك لأن سبب الرهن وهو المرهون به إما أن يكون دينا حقيقة، أو دينا حكما.

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-12-2020 12:21 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
والدين الحكمي:
هو الأعيان المضمونة بأنفسها لأنها هي ليست نفس الدين، وإنما الدين مثلها أو قيمتها، لأنها إذا هلكت كان الواجب المثل في المثلي، أو القيمة في القيمي، فيصح أن تكون الأعيان المضمونة سببا للرهن كالدين الحقيقي.
ولا يشترط في الدين أن يكون مقدما على الرهن، بل يصح أن يرهن شيئا في مقابل دين يعده به، فإذا وعده أن يقرضه ألفا على أن يرهنه داره فرهنها له على ذلك صح الرهن، فإذا دفع له بعض ما وعده به وامتنع فإنه لا يجبر على دفع الباقي. وإذا هلك هذا الرهن في يد المرتهن كان مضمونا عليه بالدين إذا كان الدين مساويا للقيمة أو أقل. أما إذا كان الدين أكثر كان مضمونا بالقيمة. وكذلك يشترط في الدين أن يكون عينا، فلا يصح رهن الدين ابتداء، أما إذا رهن عينا فباعها المرتهن بإذنه فإن ثمنها يكون رهنا بدلها، لأن الثمن وإن لم يكن عينا لكنه يرهنه ابتداء بل هو بدل عن القيمة المرهونة.
هذا ويصح رهن الذهب والفضة. فإن رهن كل منهما بجنسه وهلك هلك بمثله، وإن رهن بغير جنسه، كالذهب بالفضة، أو الحنطة، وهلك هلك بقيمته.
ويصح أن يجعل رأس السلم سببا في الرهن، كما يصح أن يجعل المسلم فيه كذلك، فإذا أسلم شخص مائة جنيه في مائة إردب من القمح يأخذها بعد سنة ولم يدفع الجنيهات ولكنه رهن في مقابلها داره فإنه يصح، لأن الجنيهات دين حقيقي عند المسلم. وكذلك إذا رهن المسلم إليه للمسلم داره حتى يسلمه القمح فإنه يصح.
وإذا اشترى شخص من آخر دارا ولكنه خشي أن تكون مملوكة لغيره، أو لغيره فيها حق فأخذ منه رهنا على هذا الخوف، فإن الرهن يقع باطلا ويسمى رهن الدرك، لأن الخوف ليس مالا حتى أن يكون سببا للرهن. وأما القسم الثاني وهو شروط الصحة: فهي ثلاثة أنواع: النوع الأول: يتعلق بالعقد وهو شيئان: الأول:
أن يكون معلقا على شرط لا يقتضيه العقد. الثاني: أن لا يكون مضافا إلى وقت كأن يقول:
رهنتك هذا مدة شهرين أو ثلاثا.
والنوع الثاني: يتعلق بالمرهون وهو أمور:
الأول:
أن يكون المرهون متميزا، فلا يصح رهن المشاع غير المميز، سواء كان مشاعا يحتمل القسمة أو لا يحتملها، وسواء رهنه من أجنبي أو من شريكه. فإذا كان لشخص دين على آخر وكان شريكا له في دار على الشيوع فإنه لا يصح أن يرهن منه نصيبه في الدار نظير دينه.
الثاني:
أن يكون المرهون في حياة المرتهن بعد قبضه، فلا يصح رهن الثمر على الشجر بدون الشجر، كما لا يصح رهن الزرع على الأرض بدون الأرض، لأن الشجر المتعلق به الثمر لم يكن في حيازة المرتهن فكذلك الثمر المرهون، ومثله الزرع الذي على الأرض إذ لا يمكن حيازة ثمر بدون شجر. ولا زرع بدون الأرض التي عليها. ومعنى في حيازة المرتهن أن لا يكون مجتمعا في يده.
الثالث:
أن يكون المرهون فارغا غير مشغول بحق الراهن، فلا يصح رهن الشجر مع شغله بالثمر الذي هو حق الراه، وكذلك لا يكون رهن دار مشغولة بمتاع للراهن ثم استلمها المرتهن قبل إخلائها.
الرابع:
أن لا يكون المرهون نجسا، فلا يصح للمسلم أن يرهن الخمر من مسلم أو يرتهنها، كما لا يصح أن يفعل ذلك مع ذمي. وإذا رهن الخمر عند ذمي فأهلكها الذمي فلا ضمان عليه. أما إذا رهنها ذمي عند مسلم فأراقها المسلم أو أضاعها فإن عليه ضمانها للذمي. ومع ذلك فقد قالوا: إن رهنها غير صحيح، ومقتضى القاعدة المتقدمة في بيان الرهن الباطل وهي:
أن لا يكون المرهون مالا يقتضي صحة رهن الذمي الخمر عند مسلم، لأنها مال متقوم عند الذمي، ومضمون على المسلم إذا أضاعه.
الخامس:
أن لا يكون من الأعيان المباحة التي لا يتعلق بها الملك كالأعشاب المباحة للرعي والصيد المباح فإن رهنها فاسد. أما كون الأعيان مملوكة للراهن فليس بشرط في الرهن. فإن للإنسان أن يرهن ملك غيره إذا كانت له عليه ولاية، كما إذا رهن الولي مال المحجور عليه لصغر أو سفه أو نحوهما، سواء كان أبا أو وصيا عليه، فإن الرهن يكون صحيحا ولو كان ذلك لمصلحة الولي، كأن يرهن الأرب مال ابنه الصغير في دين على الأب فإنه يصح، فإذا هلك الرهن في يد المرتهن قبل أن يفك الأب الرهن ضمنه الأب بالأقل من قيمته ومما رهن به، فإذا كانت قيمة المرهون ثلاثين جنيها ورهنه بدين مقداره خمسة وعشرون، ضمنه بخمسة وعشرين وبالعكس.
إذا بلغ المحجور عليه رشده والرهن باق في يد المرتهن فليس له أن يسترد إلا بقضاء الدين، ولكن يؤمر الأب بقضاء الدين ورد المرهون على ولده. ولو قضى الولد دين أبيه وافتك المرهون لم يكن متبرعا ويرجع بجميع ما قضى على أبيه.
ومثل الأب الوصي، إلا أنه هلك المرهون في حالة ما إذا كان الراهن الوصي فإنه يضمنه بقيمته لا بالأقل للفرق الظاهر بين الأب وغيره، لا لأن الأب له أن ينتفع بمال ابنه.
وكذلك يصح له أن يرهن ملك غير المستعار بإذنه، فإذا استعار شخص عينا من صديق أو قريب أو غيرهما ليرهنها في دين عليه فإنه يصح متى رضي له صاحبها بذلك، ولا يشترط أن يبين له جنس الرهن ولا قدره ولا أمد أجله، فإذا فعل شيئا من ذلك وجب عليه أن يتقيد به، فإن خالف فللمعير أن يأخذ ما أعاره ويفسخ الرهن.
وبالجملة: فكل ما يصح بيعه يصح رهنه إلا أمور: أهمها المشاع، والمشغول بحق الراهن؛ والمتصل بغيره؛ كالزرع المتصل بالأرض وقد بينا ذلك.
النوع الثالث يتعلق بالعاقدين:
وهو العقل؛ فلا يصح الرهن من المجنون والصبي غير المميز. أما الصبي المميز والسفيه اللذان يعرفان معنى المعاملة فإن تصرفهما في ذلك يكون صحيحا بإذن الولي، فالبلوغ ليس شرطا في صحة الرهن، ومثله الحرية.
وحكم الرهن الفاسد:
أنه يكون مضمونا بقبضه، بخلاف الرهن الباطل فإنه لا يكون مضمونا.
وأما القسم الثالث: وهو شرط اللزوم:
فهو قبض المرهون، فإذا حصل الإيجاب والقبول مع شرط الانعقاد انعقد الرهن صحيحا ولكنه لا يكون لازما إلا بالقبض، فللراهن أن يرجع في رهنه قبل أن يسلم المرهون فهو نظير الهبة، فإن للواهب الحق في الرجوع عن هبته قبل أن يقبضها الموهوب له. أما بعد قبضها فإنه ليس له الرجوع إلا برضا الموهوب له أو بالقضاء كما سيأتي في بابها إن شاء الله.
وصحح بعضهم أن القبض شرط في الانعقاد، فإذا لم يقبض المرهون كان العقد باطلا، ولكن الأول أصح، ومن شروط اللزوم أيضا: الرشد والتكليف.
ويشترط في القبض إذن الراهن صريحا أو دلالة، فالأول كأن يقول للمرتهن:
أذنتك بقبض العين المرهونة، أو رضيت بقبضها، فيجوز للمرتهن بعد التصريح أن يقبضها في المجلس أو بعد الافتراق، والثاني كأن يقبض المرتهن العين بحضرة الراهن فيسكت ولا ينهاه، وبهذا يكون القبض صحيحا لأن سكوته يدل على الإذن بالقبض، وإذا قبض المرهون مع الإخلال بشرط من الشروط السابقة كان القبض فاسدا فلا يلزم به العقد، كما إذا كان المرهون مشغولا بحق الراهن، أو كان مما لا يمكن حيازته وحده كالثمر على الشجر، والزرع على الأرض، أو كان مشاعا، وكذلك إذا كان القابض غير عاقل فإن قبضه لا يصح، فهذه شروط لصحة القبض أيضا كما أنها شروط لصحة الرهن.
الشافعية - قالوا:
تنقسم شروط الرهن إلى قسمين:
القسم الأول:
شرط لزوم وهو قبض المرهون، فإذا رهن دارا ولم يستلمها المرتهن لم يلزم العقد، فيصح للراهن أن يرجع فيه.
وإذا كانت العين المرهونة تحت يد المرتهن قبل العقد، سواء كان ذلك بإجارة، أو إعارة، أو غصب، أو غير ذلك فإنها تكون مقبوضة له بعد العقد إذا مضى زمن يمكن قبضها فيه، ويشترط لصحة القبض إذن الراهن.
القسم الثاني:
شروط الصحة وهي أنواع:
النوع الأول، يتعلق بالعقد: وهو أن لا يكون معلقا على شرط لا يقتضيه العقد عند حلول الدين فإن هذا يبطل الرهن، أما إذا اشترط شرطا يقتضيه العقد كشرط تقدم المرتهن على غيره من الغرماء في الاختصاص بالعين المرهونة فإنه لا يضر.
النوع الثاني، يتعلق بالعاقدين الراهن والمرتهن:
وهو أهلية العاقدين بأن يكون كل منهما بالغا عاقلا غير محجور عليه فلا يصح رهن الصبي والمجنون والسفيه مطلقا ولو بإذن الولي، على أن يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور عليه بالرهن في حالتين:
الحالة الأولى:
أن تكون ضرورة تدعوه إلى الرهن، كاحتياجى المحجور عليه لطعام أو كسوة أو تعليم أو نحو ذلك، بشرط أن لا يجد الولي وسيلة للإنفاق عليه سوى رهن ماله.
الحالة الثانية:
أن يكون في الرهن مصلحة مالية تعود على المحجور عليه، كما إذا وجد عينا تباع وفي شرائها ربح للمحجور عليه ولم يجد مالا يشتريها به، فيصح له أن يرهن ملكه ليشتري به هذه العين حرصا على فائدة المحجور عليه.
النوع الثالث:
يتعلق بالمرهون وهو أمور:
أولا:
أن يكون للراهن ولاية على المرهون بأن كان ماله محجورا عليه وهو ليه أو وصيه، أو كان مالا استعاره من شخص ليرهنه في دينه، ويشترط في الاستعارة لذلك ثلاثة شروط:
أحدها:
أن يبين المستعير لمن يريد أن يستعير منه جنس الدين وقدره وصفته كأن يقول له: إن دينه الذي يريد أن يرهنها فيه عشرون جنيها مصرية، أو إنكليزية، أو مائة ريال فضة مصرية أو غيرها.
ثانيها:
أن يبين له أجل الدين إن كان بعيدا أو قريبا.
ثالثها:
أن يذكر له المرتهن الذي يريد أن يرهنها عنده. وليس لصاحب العارية أن يرجع فيها بعد أن يقبضها، وإذا تلفت العين المستعارة بعد ذلك فلا ضمان على الراهن ولا على المرتهن وعند حلول الأجل يطلب المرتهن دينه من المالك والراهن معا. وإذا بيعت العارية كان لصاحبها الثمن الذي بيعت له فقط وإن كان أقل من قيمتها.
ثانيا:
أن يكون المرهون عينا فلا يصح رهن سكنى الدار ونحوها من المنافع التي ليست عينا وكذلك لا يصح رهن الدين ابتداء، فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا على آخر وكان مدينا لغيره بمائة جنيه فإنه لا يصح أن يرهن المائة التي له في المائة التي عليه لأنها ليست عينا. نعم يصح رهن الدين دواما كما إذا رهن شخص عينا في دين عليه فأتلفها المرتهن وهي عنده، فإنها في هذه الحالة تكون مضمونة على المرتهن إن كانت مثلية، وبقيمتها إن كانت قيمية، ويكون بدلها عنده مرهونا في مقابل دينه، فيصح رهن الدين في هذه الحالة لأنه ليس دينا من أول الأمر، بل هو في الأول رهن عين فلذا صح رهنه بعد أن ينقلب دينا.
ثالثها:
أن لا تكون العين سريعة الفساد والدين مؤجل إلى أمد بعيد، بحيث يلحق العين الفساد قبل حلول الأجل، سواء اشترط عدم بيعها أو لم يشترط شيئا.
أما إذا اشترط بيعها قبل أن يلحقها الفساد، أو كانت لا تفسد قبل حلول الأجل فإنه يصح رهنها ومثال ما لا يصح رهنه: أن يرهن لدائنه ثلجا في نظير دين يحل موعده بعد شهر وشرط أن لا يبيع الثلج، أو لم يشترط شيئا فإن الرهن فاسد إلا إذا أمكن حفظ الثلج كل هذه المدة أما إذا رهن له ثلجا يمكن تجفيفه وحفظه فإنه يصح: وعلى الراهن نفقة تجفيفه.
رابعا:
أن تكون طاهرة، فلا يصح رهن النجس على ما تقدم في البيع.
خامسا:
أن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيا ولو في المستقبل كالحيوان الصغير، فإنه يصح رهنه لكونه ينتفع به مستقبلا وغير ذلك من الشروط المذكورة في البيع، فكل ما يصح بيعه يصح رهنه إلا المنفعة فإنه يصح بيعها ولا يصح رهنها، فلا يصح أن يرهن منفعة حق المرور ولكن يصح بيعها كما تقدم.
النوع الرابع:
يتعلق بالمرهون به "سبب الرهن" وهو أربعة أمور:
الأول:
أ، يكون دينا فلا يصح الرهن بسبب غير الدين كالمغصوب والمستعار ونحوهما. فإذا باع أرضا مغصوبة فلا يصح أن يرهن داره بسببها. وكذلك إذا استعار دابة فإنه لا يصح أن يرهن ثوبا من أجلها لأنها ليست بدين، لأن فائدة الرهن أن يؤخذ منه في نظير الدين والعين ما دامت موجودة فإن اللازم ردها بنفسها.
الثاني:
أن يكون الدين ثابتا فلا يصح الرهن قبل ثبوته، كما إذا رهنه داره على أن يقرضه مائة جنيه، أو يرهن ساعته في الأشياء التي يشتريها من حانوت الزيات ونحوه لأن الثمن لم يثبت قبل أن يأخذها.
أما إذا اشترى بثمن مؤجل ورهن عينا مقابل الدين الذي لم يحل في عقد البيع فإنه جائز كأن يقول له: بعتك أرض كذا بمائة جنيه، وارتهنت منك دارك في ثمنها فيقول المشتري: اشتريت ورهنت.
الثالث:
أن يكون الدين لازما في الحال أو في المآل، فيصح الرهن بسبب الثمن في مدة الخيار، فإذا باعه دارا بشرط الخيار واستلمها المشتري ولم يقبض البائع الثمن فإن له أن يأخذ رهنا مقابل ثمنها، لأن الثمن وإن لم يكن دينا لازما في الحال ولكنه لازم مآلا.
الشرط الرابع:
أن يكون الدين معلوما عينا وقدرا وصفة، فلا يصح الرهن مع جهل شيء من ذلك.
الحنابلة - قالوا:
تنقسم شروط الرهن إلى قسمين:
شروط لزوم، وشروط صحة فأما القسم الأول وهو شروط اللزوم:
فهو قبضه المرهون، فإذا قبض المرتهن لزم الرهن في حق الراهن فليس له الرجوع بعد ذلك. أما قبل القبض فإنه لا يلزم ويصح له أن يتصرف فيه كما يشاء، حتى إن له أن يرهنه لشخص آخر ويكون ذلك إبطالا للرهن الأول. ولو أذن الراهن للمرتهن في قبضه ولكنه لم يقبضه، فإنه يصح له أن يتصرف فيه أيضا. وكذلك لا يلزم في حق المرتهن مطلقا فله فسخه متى شاء، لأنه هو الذي ينتفع به في حفظ دينه وحده، فإن شاء أبقاه وإن شاء فسخه. والدليل على أنه لا يلزم إلا بعد القبض وقوله تعالى:
{فرهان مقبوضة} ، فالقبض شرط في لزومه.
ويشترط في صحة القبض: أن يأذن له الراهن، فإن قبضه من غير إذنه لم يكن الرهن لازما وصفة قبضه كصفة قبض البيع، فإن كان منقولا فيكون قبضه بنقله كالحلي أو تناوله كالنقدين وإن كان مكيلا فيكون قبضه بكيله، أو موزونا فبوزنه، أو معدودا فبعده، أو مذروعا فبذرعه.
أما إن كان غير منقول كعقار من أرض وبناء وشجر، وثمر على شجر، وزرع على أرض فإن كل ذلك يصح رهنه، ويكون قبضه بالتخلية بينه وبين مرتهنه من غير حائل، واستدامة القبض شرط في اللزوم، فإن رد المرتهن المرهون للراهن بإجارة أو إعارة أو إيداع أو نحو ذلك زال لزومه وأصبح كأنه لم يكن مقبوضا، فإن أعاده الراهن إلى المرتهن ثانيا باختياره عاد لزومه بالعقد السابق.
أما إذا انتزع المرهون من يد المرتهن بغير اختياره كأن اغتصبه الراهن منه، أو سرق منه، فإن العقد يبقى على لزومه.
وأما شروط الصحة فهي أربعة أنواع: نوع يتعلق بالعقد، ونوع يتعلق بالمتعاقدين الراهن والمرتهن، ونوع يتعلق بالمرهون، ونوع يتعلق بالمرهون به.
النوع الأول:
ما يتعلق بالعقد وهو:
أن لا يكون العقد معلقا بشرط لا يقتضيه العقد كما تقدم في البيع، النوع الثاني:
ما يتعلق بالعاقدين وهو:
أن تتحقق الشروط السابقة في صحة بيعها فيصح الرهن ممن يصح منه البيع، فلا يصح الرهن من سفيه ولا من مفلس ولا من مجنون غير مميز على التفصيل المتقدم في البيع.
النوع الثالث: ما يتعلق بالمرهون وهو أمور:
منها:
أن تكون العين مملوكة للراهن بنفسها أو بمنافعها، كأن يستأجر عينا من شخص ليرهنها في نظير دين عليه فإنه يصح، ومثل ذلك ما إذا استعار من شخص عينا ليرهنها كذلك. ولا يشترط أن يبين المدين للمؤجر والمعير قدر الدين الذي يرهنهما به. إنما ينبغي بيانه، وبيان المرتهن، ومدة الرهن، وجنس الرهن، فإذا اشترط شيئا من ذلك وخالفه لم يصح الرهن.
ومنها أن يكون المرهون عينا فيصح رهن كل عين يجوز بيعها، أما إذا لم يكن عينا فإنه لا يصح رهنه كما لا يصح بيعه، فلا يصح رهن المنافع، فلو رهنه سكنى داره في نظير دين عليه فإنه لا يصح وكذلك لا يصح رهن العين النجسة وغير ذلك مما تقدم في شرائط البيع، النوع الرابع: ما يتعلق بالمرهون به أعني سبب الرهن، وكل دين واجب أو مآله إلى الوجوب، كالثمن في مدة الخيار، فإذا باع لشخص عينا على أن يكون لأحدهما الخيار، فإنه يصح للبائع أن يأخذ رهنا بالثمن، لأنه وإن لم يكن واجبا الآن ولكنه يجب بعد مضي مدة الخيار، ومثل ذلك الأعيان المضمونة، فإنه يصح أخذ الرهن عليها كالمغصوب، فإذا باع أرضا مغصوبة لشخص فإنه يصح أن يرهنه داره ونحوها حتى يستلمها ومثلها العارية. فإذا استعار شخص من آخر شيئا فإنه يصح أن يرهنه عينا في نظير عاريته، لأن الرهن بسبب هذه الأعيان يحمل الراهن على أدائها، فإذا تعذر أداؤها يؤخذ بدلها من المرهون فأشبهت الدين الذي في الذمة، ويصح أخذ الرهن على إجارة في الذمة "كما إذا أجر بنائين على بناء دار فإنه يصح أن يأخذ رهنا منهم في نظير عملهم، حتى إذا لم يبنوا الدار فإن للمرتهن الحق في بيع المرهون ويستأجر منه من يعمله، "وقريب من هذا:
ما تأخذه المصالح من التأمينات التي يدفعها العمال حتى لا يهملوا في أدار أعمالهم".
ويصح رهن الأشياء التي تفسد بسرعة كالخضر والفواكهة الرطبة ونحو ذلك، فإن كان تجفيفها ممكنا كالبلح والعنب فإن الراهن يلزم بتجفيفها وتبقى حتى يحل أجل الدين، وإن لم يمكن تجفيفها وبقاؤها كالبطيخ والثلج، فإن اشترط المرتهن بيعه فإنه يبيعه ويجعل ثمنه رهنا، وإن لم يشترط بيعه ورضي الراهن ببيعه فذاك، وإن لم يرض أمر الحاكم ببيعه، وإذا شرط عدم بيعه في العقد بطل الشرط.
ويصح رهن المشاع للشريط وللأجنبي، فإذا كان شريكا لآخر في دار وله عليه دين، فإن له أن يرهنه نصيبه في الدار مقابل دينه، كما يصح أن يرهن نصيبه المشاع للأجنبي، وكذلك يصح أن يرهن بعض نصيبه، ثم إن كان المرهون مما لا ينقل كالعقار فإن قبضه يكون بأن يخلي الراهن بين المرهون وبين المرتهن وإن لم يحضر الشريك، وإن كان مما ينقل فإن اتفق المرتهن وشريكه على أن يبقى في يد أحدهما فذاك، وإلا جعله الحاكم في يد أمين، وللحاكم أن يؤجره عليهما إذا كان في ذلك مصلحة ويصح رهن المبيع قبل قبضه إذا كان غير مكيل أو موزون أو معدود أو مذروع؛ فإذا اشترى دارا ولم يستلمها فإن له رهنا لغير البائع، كما يجوز رهنها للبائع ولو في ثمنها. لأن الثمن دين في ذمة المشتري، والمبيع ملك له فيصح أن يرهنه) .

ابوالوليد المسلم 17-03-2021 01:11 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث القرض]
صـــــ 298 الى صــــــــ
309
الحلقة (114)

[مبحث الانتفاع بالمرهون]
ثمرة المرهون وما ينتج منه سواء كان أرضا زراعية، أو دارا يمكن استغلالها أو حيوانا، هل تكون للراهن أو للمرتهن؟ في ذلك تفصيل المذاهب(1) .
[مباحث القرض]
[تعريفه]
القرض بفتح القاف وقد تكسر،
وأصله في اللغة:
القطع، فسمي المال الذي تعطيه لغيرك ثم تتقاضاه منه قرضا لأنه قطعة من مالك.
وأما الاستقراض:
فهو طلب القرض،
يقال:
استقرض منه: أي طلب منه القرض فأقرضه. وأما المقارضة والقراض - بكسر القاف - فهما بمعنى واحد وهو أن يعطي شخص لآخر مالا ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما على ما شرطا، وأما معنى القرض في اصطلاح الفقهاء فإن فيه تفصيلا في المذاهب (2) .
[أحكام تتعلق بالقرض]
يتعلق بالقرض أحكام مفصلة في المذاهب(3) .



(1) المالكية - قالوا: ثمرة المرهون وما ينتج منه من حقوق الراهن، فهي له ما لم يشترط المرتهن ذلك فإنها تكون له بثلاثة شروط:
الأول:
أن يكون الدين بسبب البيع لا بسبب القرض. وذلك كما إذا باع شخص لآخر عقارا أو عروض تجارة أو غير ذلك بثمن مؤجل ثم ارتهن به عينا مقابل دينه.
الشرط الثاني:
أن يشترط المرتهن أن تكون المنفعة له، فإن تطوع بها الراهن له لا يصح له أخذها.
الشرط الثالث:
أن تكون مدة المنفعة التي يشترطها معينة. فإذا كانت مجهولة فإنه لا يصح. فإذا تحققت هذه الشروط الثلاثة صح للمرتهن أن يستولي على منفعة المرهون ويأخذها له، أما إذا كان بسبب القرض فإنه لا يصح له أن يأخذ المنفعة على أي حال، سواء اشترطها أو لم يتشرطها أباحها له الراهن أو لم يبحها، عين مدتها أو لم يعينها، وذلك لأنه يكون قرضا جر نفعا للمقرض فيكون ربا حراما.
ولا يلزم من كون المنفعة للراهن أن يتصرف في المرهون، أو يكون المرهون تحت يده كلا، فإن الرهن يكون تحت يد المرتهن ولكنه يعطي منفعته للراهن إذا لم يشترطها بالكيفية المتقدمة، فإذا رهن دارا فإن المرتهن هو الذي يؤجرها ولكن يعطي أجرتها للراهن، فإذا أذن المرتهن الراهن في إجارتها بطل الرهن ولو لم يؤجرها بالفعل.
ومثل ذلك ما أذنه بالسكنى. أما إذا كان الرهن يمكن نقله كأدوات الفراش فإن مجرد الإذن بإجارتها لا يبطل الرهن، بل لا بد في بطلانه من تأجيرها بالفعل: وكذلك إذا أذن الراهن المرتهن في بيع الرهن وسلمه له، فإن الرهن يبطل بذلك ويبقى دينه بلا رهن.
الشافعية - قالوا:
الراهن هو صاحب الحق في منفعة المرهون، على أن المرهون يكون تحت يد المرتهن ولا ترفع يده عنه إلا عند الانتفاع بالمرهون، فترد العين المرهونة للراهن مدة الانتفاع إن لم يمكن استثمارها وهي تحت يد المرتهن، ثم إذا لم يأتمن المرتهن الراهن على إعارة المرهون إليه يشهد عليه.
ويجوز للراهن أن ينتفع بكل ما لا ينقص العين المرهونة كسكنى الدار، وركوب الدابة بدون إذن المرتهن، وإلى ذلك يشير الحديث الصحيح "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا".
وليس للراهن أن يبني على الأرض المرهونة أو يغرس فيها أشجارا فإذا فعل ذلك لم يلزم بهدم البناء ولا بقلع الأشجار قبل حلول الدين. أما بعد حلول الدين فإن كان البناء أو الشجر يضر بثمن الأرض فلا تفي بالدين فإنه يلزم بإزالته وإلا فلا. ولا يدخل الشجر ولا البناء في الرهن لأنه طرأ بعد العقد.
أما التصرف الذي ينقص الذي ينقص قيمة المرهون فإنه لا يصح إلا بإذن المرتهن، فلا يصح للراهن أن يؤجر المرهون بعد قبضه مدة تزيد على مدة الرهن. أما إذا كانت الإجارة تنتهي عند حلول الدين أو قبله فإنه يصح لأن ذلك لا يضر المرتهن. أما إذا أذن المرتهن فإنه يصح، وللمرتهن الرجوع عن الإذن قبل أن يتصرف الراهن. وإذا رجع ولم يعلم الراهن برجوعه وتصرف بطل تصرفه.
وإذا اشترط المرتهن أن تكون منفعة المرهون له في عقد الرهن فإن العقد يفسد على الراهن وقيل: إن الذي يفسد هو الشرط والعقد صحيح، وعلى كل حل فلا يحل للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة إذا اشترطها في العقد. أما إذا أباح الراهن للمرتهن منفعة العين التي يريد رهنها قبل العقد فإنه يحل له الانتفاع بها بعد العقد، كما إذا أعطاه مالا قبل عقد القرض بدون ذكر للقرض ثم عقد معه قرضا بعد ذلك فإنه يصح.
ثم إن الزيادة التي تتعلق بالمرهون تنقسم إلى متصلة ومنفصلة، فإن كانت منفصلة فلا تدخل في المرهون كالبيض والتمر والولد المنفصل.
أما إذا رهن له دابة حاملا ولم تلد عند بيعها لسداد الرهن فإنها تباع بحملها ويكون الولد تابعا لأنه متصل، وكذلك لو ولدت فإنه يباع تبعا على الصحيح. أما لو حملت بعد الرهن فإنه لا يكون داخلا في المرهون على الأظهر. ومثله الزيادة المتصلة كالسمن وكبر الدابة والشجر فإنه يدخل في المرهون تبعا.
أما إذا أذنه في بيعه ولم يسلمه له وادعى أنه أذنه في بيعه لأن بيعه خير من بقائه، فإنه يحلف على ذلك ويبقى ثمنه رهنا للآجل إن لم يأت الراهن برهن كالأول. وكذلك يبطل الرهن إذا أعار المرتهن الرهن للراهن أو لغير الراهن بإذنه إن لم يشترط رده إليه قبل مضي أجل الدين فإن اشترط ذلك فإن إعارة المرهون لا تبطل الرهن. ومثل الشرط العرف، فغذا كان العرف جاريا على أن المستعير يرد العارية قبل مضي أجل الرهن فإنه لا يبطل بالإعارة.
وكذلك يبطل الرهن بإعادته للراهن باختيار المرتهن، فإذا تصرف فيه الراهن ببيع ونحوه صح تصرفه. أما إذا لم يتصرف فيه فإن للمرتهن أن يأخذه ثانيا بعد أن يحلف أنه جاهل بأن ذلك نقض للرهن.
هذا، واعلم أن الزيادة المتعلقة بالمرهون إن كانت منفصلة كاللبن والسمن والزبد وعسل النحل والبيض وأجرة الدار ونحوها فهي للراهن، ولا تدخل في المرهون إلا بالشرط. وقد عرفت ما يصح للمرتهن الانتفاع به منها وما لا يصح، وأما الزيادة المتصلة كالجنين في بطن الدابة سواء حملت به وقت الرهن أو بعده، وفسيل النخل "وهو ولد النخلة الملتصق بها" فإنه يندرج في المرهون تبعا. أما الصوف على ظهر الغنم فإنه إذا كان تاما فإنه يندرج في المرهون، لأن تركه على ظهرها بعد تمامه من غير جز دليل على أن المقصود رهنه مع الغنم، أما إذا كان ناقصا لا يمكن جزه فإنه يكون كالزيادة المنفصلة فلا يتبع المرهون، فللراهن جزه بعد تمامه.
الحنفية - قالوا:
لا يجوز للراهن أن ينتفع بالمرهون بأي وجه من الوجوه إلا بإذن المرتهن، فلا يصح له أن يستخدم دابة ولا يسكن دارا ولا يؤجرها ولا يلبس ثوبا ولا يعير شيئا منها ما دامت مرهونة إلا بإذن المرتهن، ولا فرق بين أن يكون استعمال المرهون منقصا لقيمته أو لا، فإذا أذنه المرتهن فإنه يصح. على أن منافع المرهون وثمرته الناشئة منه من حقوق الراهن، مما يتولد من المرهون كالولد والثمر واللبن والبيض والصوف والوبر ونحو ذلك فهو من حقوق الراهن. فإذا بقي إلى فكاك الدين حسب بقسط من الدين.
أما إذا هلك قبل ذلك فلا يحتسب منه شيء، بل يعتبر كأنه لم يكن. أما ما كان بدلا عن منفعة كأجرة الدابة المرهونة فإنه ليس من حقوق الراهن. أما المرتهن فإن في جواز انتفاعه بالمرهون بإذن الراهن خلافا: فبعضهم يقول: لا يحل الانتفاع بالمرهون ولو أذنه الراهن، سواء كان سبب الدين بيعا أو قرضا لأنه يستوفي دينه كاملا. فتبقى له المنفعة زيادة بدون مقابل، وهذا هو عين الربا، ولكن الأكثر على أنه يجوز انتفاع المرتهن بالمرهون إذا أذنه الراهن بشرط أن لا يشترط ذلك في العقد، لأنه إذا شرطه يكون قرضا جر نفعا وهو ربا. ونظير هذا: ما لو اقترض من شخص مالا ثم أهدى له هدية. فإن كانت الهدية مشروطة فإنها تكون مكروهة أما إذا كانت بدون شرطها فإنها جائزة له وإذا أذنه فليس له الرجوع. فإذا استعمل المرتهن المرهون بإذن الراهن وهلك أثناء استعماله فإنه يهلك أمانة، فلا شيء على المرتهن ويبقى دينه. أما إذا هلك بعد استعماله أو قبله فإنه يهلك بالدين.
وإذا تصرف الراهن في المرهون بالبيع بدون إذن المرتهن فإن بيعه لا ينفذ إلا إذا قضاه دينه. وإذا لم يجز المرتهن البيع فإنه لا يملك فسخ البيع بل يبقى موقوفا، ويكون للمشتري الخيار بين أن يصبر إلى فكاك الرهن، وبين أن يرفع الأمر للقاضي ليفسخ البيع، وله حق الخيار سواء كان عالما بأن مرهون قبل أن يشتريه أو لا على الصحيح.
وكذلك إذا باعه المرتهن بدون إذن الراهن، فإن أجازه الراهن نفذ وإلا فلا، وله أن يبطله ويعيده رهنا وهذا هو الصحيح. وبعضهم يقول: ينفذ بيع المرتهن بدون إذن الراهن، فإذا أذن الراهن المرتهن في بيع المرهون يبقى ثمنه مرهونا بدله، سواء قبض الثمن من المشتري أو لا لقيامه مقام العين، والثمن وإن كان لا يصح رهنه ابتداء لأنه دين والدين لا يصح رهنه كما تقدم، ولكنه لا يصح في هذه الحالة، لأنه لم يرهن الدين ابتداء.
وإذا رد المرتهن المرهون للراهن بإعارته له فإن عقد الرهن لا يبطل بذلك، وإنما يبطل ضمان المرتهن لأنه ضامن للمرهون ما دام تحت يده، فإذا رد للراهن وهلك عنده لا يكون المرتهن مسؤولا عنه، فلا يسقط شيء من دينه بهلاكه.
فإذا أعاده الراهن للمرتهن ثانيا عاد ضمانه عليه، وللمرتهن أن يسترده إلى يده، فإذا مات الراهن قبل رجوع المرهون للمرتهن، كان المرتهن أحق به من سائر أرباب الديون الأخرى، لأن عقد الرهن باق، وتسمية رد المرهون للراهن إعارة فيها تسامح، لأن الإعارة تمليك المنافع بلا عوض، والمرتهن لم يملكها غيره؟
ولكن لم يترتب على رد المرهون للراهن ما يترتب على الإعارة من عدم الضمان، ومن جواز استردادها اشبه الإعارة فسمي إعارة. ومثل العارية في هذه الأحكام، الوديعة، إلا إذا أذن الراهن المرتهن في أن يودع المرهون إنسانا فإنه إذا هلك المرهون عند من أدع عنده فإنه يهلك بالدين، ففيه فرق بين الوديعة والعارية في حالة ما إذا أودع عند أجنبي بإذن. وحاصل هذا المقام: أن جملة ما يقع من التصرفات في المرهون ستة:
أحدها: العارية.
ثانيها:
الوديعة وقد عرفت حكمها.
ثالثها:
الرهن وهو مبطل للرهن، فغذا أذن الراهن للمرتهن في أن يرهن العين المرهونة لغيره ثانيا بطل عقد الرهن الأول، وكذلك إذن المرتهن للراهن في ذلك.
رابعها:
الإجارة ولها حالتان:
الحالة الأولى:
أن يكون المستأجر هو الراهن، كما إذا رهن محمد لخالد فدانا ثم استأجره محمد منه، وحكم هذه الحالة: أن الإجارة تكون باطلة، وأن المرهون يكون كالمستعار أو المودع فلا ضمان بهلاكه، وللمرتهن أن يسترده متى أراد.
الحالة الثانية:
أن يكون المستأجر هو المرتهن وجدد استلام المرهون بالإجارة، أو يكون المستأجر أجنبيا عنهما بإذنهما، وفي هذه الحالة يبطل عقد الرهن وتكون الأجرة للراهن ويقبضها من باشر العقد منهما إذا كانت الإجارة منهما لأجنبي، ولا يعود المرهون مرهونا إلا بعقد جديد.
خامسها:
البيع وقد عرفت حكمه.
سادسها:
الهبة وهي مثل البيع، فإذا أذن الراهن للمرتهن في أن يهب المرهون بطل الرهن، ولا يبطل بموت الراهن ولا المرتهن ولا بموتهما، ويبقى المرهون عند الورثة على حاله.
الحنابلة - قالوا:
المرهون إما أن يكون حيوانا يركب ويحلب، أو يكون غير حيوان، فإن كان محلوبا أو مركوبا فللمرتهن أن ينتفع بركوبه ولبنه بغير إذن الراهن نظير الإنفاق عليه، وعليه أن يتحرى العدل في ذلك.
أما إن كان المرهون غير مركوب ومحلوب فإنه يجوز للمرتهن أن ينتفع بالمرهون بإذن الراهن مجانا بدون عوض ما لم يكن سبب الرهن قرضا، فإنه لا يحل للمرتهن الانتفاع به ولو بإذن الراهن.
وكذلك لا يصح للراهن أن يتصرف في المرهون بدون إذن المرتهن، فلا يصح له أن يجعله وقفا، أو يهبه لأحد، أو يرهنه ثانيا، أو يبيعه. كما لا يصح له أن ينتفع به بالسكنى والإجارة والإعارة وغير ذلك بغير رضا المرتهن. وكذلك لا يملك المرتهن شيئا من ذلك بغير رضا الراهن فإذا لم يتفقا تعطلت منافع المرهون، فإن كان دارا أغلقت، وإن كان أرضا تعطلت منفعتها حتى يفك الرهن، فلا يصح أن ينفرد أحدهما بالتصرف.
وما يتولد من المرهون سواء كان متصلا به أو منفصلا عنه كاللبن والبيض والصوف، وما يسقط من الليف والسف والعراجين، وما قطع من الشجر من حطب وأنقاض الدار كل ذلك يكون رهنا بيد المرتهن، أو وكيله أو من اتفقا عليه، فيباع مع الأصل إذا بيع، فإن كان مما لا يمكن بقاؤه فإنه يباع ويجعل ثمنه رهنا كما تقدم.
ويصح أن يأذن الراهن في بيع المرهون وهو على ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يأذنه قبل حلول الدين مع اشتراط جعل الثمن رهنا، وفي هذه الحالة يصح البيع والشرط.
والصورة الثانية: أن يأذنه في بيعه بعد حلول جزء من الدين، وفي هذه الحالة يصح البيع ويأخذ من ثمنه قيمة ما حل من الدين ويبقى الباقي رهنا إن شرط ذلك.
الصورة الثالثة: أن يأذنه بالبيع قبل حلول شيء من الدين بدون أن يشترط شيئا، وفي هذه الحالة يبطل الرهن وينفذ البيع، ويبقى دين المرتهن بلا وثيقة
(2) المالكية - قالوا:
معنى القرض في الاصطلاح، هو أن يدفع شخص لآخر شيئا له قيمة مالية بمحض التفضل بحيث لا يقتضي ذلك الدفع جواز عارية لا تحل، على أن يأخذ عوضا متعلقا بالذمة أصلا، بشرط أن لا يكون ذلك العوض مخالفا لما دفعه. فقوله ما له قيمة مالية، خرج به ما ليس كذلك، كما إذا أعطاه قطعة نار ليوقد بها حطبه ونحو ذلك مما جرت العادة بأن يتبادله الناس من الأمور التافهة فإنه لا يكون قرضا، لأنه ليس له قيمة مالية: وقوله بمحض التفضل، معناه أن تكون منفعة القرض، عائدة على المقترض فقط، خرج به عقد الربا لأنه قرض في نظير منفعة تعود على المقرض. وخرج بقوله لا يقتضي إمكان عارية، خرج به عقد العارية لأنه يجيز انتفاع المستعير بالعارية وهو لا يسمى قرضا. وقوله على أن يأخذ عوضه، خرج به الهبة بلا عوض. وخرج بقوله بشرط أن لا يكون العوض مخالفا لما دفعه، السلم والصرف، فإن عقد السلم يقتضي أن يكون رأس مال السلم مخالفا للمسلم فيه.
وكذلك الصرف فإن أحد البدلين مخالف للآخر. وقوله آجلا، خرج به المبادلة المثلية كأن يأخذ منه إردب قمح ويعطيه مثله في الحال، فإن هذا لا يسمى قرضا بل مبادلة، ويصح القرض في كل ما يصج أن يسلم فيه، سواء كان عرض تجارة أو حيوان أو مثلي.

يتبع

ابوالوليد المسلم 17-03-2021 01:12 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الحنفية - قالوا:
القرض: هو ما تعطيه من مال مثلي لتتقاضى مثله؛ فيشترط في القرض أن يكون مثليا: وحد المثلي: هو الذي لا تتفاوت آحاده تفاوتا تختلف به القيمة، وذلك كالمكيلات والمعدودات المتقاربة كالبيض والجوز الشامي "عين الجمل" والموزونات، أما ما ليس مثليا كالحيوان والحطب والعقار ونحوه مما يقدر بالقيمة فإنه لا يصح قرضه. ومثله المعدودات المتفاوتة تفاوتا به القيمة كالبطيخ والرمان ونحوهما مما تقدم في السلم فإنه لا يصح قرضه. فإذا اقترض شيئا من ذلك وقع القرض فاسدا ولكنه يملك بالقبض: مثلا: إذا اقترض جملا ثم قبضه فإنه يملكه، ولكن لا يحل له
أن ينتفع به على أي وجه، فإذا باعه فإن بيعه يقع صحيحا نظرا للملك ولكنه يأثم بذلك، لأن الفاسد يجب فسخه، والبيع مانع من الفسخ فقد فعل ما ينافي الواجب فيأثم بذلك.
الشافعية - قالوا:
القرض يطلق شرعا بمعنى الشيء المقرض بفتح الراء، فهو اسم مفعول، ومنه قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} فإن القرض هنا معناه القرض الموصوف بكونه حسنا. ويطلق على المصدر بمعنى الإقراض. ويسمى القرض سلفا. وهو: تمليك الشيء على أن يرد مثله، فما جرت به العادة في زماننا من دفع "النقوط" في الأفراح لصاحب الفرح في يده أو يد من أذنه كأرباب الحرف يكون قرضا، لأنه تمليك لمال على أن يرد مثله، وقال بعضهم: إنه هبة لا يرد. وبعضهم يقول: ينظر للعادة في ذلك.
الحنابلة - قالوا:
القرض: دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله، وهو نوع من السلف لانتفاع المقترض بالشيء الذي يقترضه، وهو عقد لازم إذا قبضه المقترض، فليس للمقرض الرجوع فيه لكونه أزال ملكه بعوض سيأخذه.
أما المقترض فليس بلازم في حقه. فله أن يعدل عن القرض كما هو ظاهر

(3) الحنفية - قالوا: يتعلق بالقرض أحكام. منها: أنه مضمون بمثله، فإذا اقترض مكيلا كقمح مثلا فإنه لا يلزم إلا برد مثل ما أخذه بقطع النظر عن غلائه ورخصه. وكذلك الحال فيما يعد أو يوزن، فإذا اقترض فلوسا "قروشا رائجة" ثم بطلت المعاملة بها فإنه لا يلزم إلا برد مثلها. وكذلك إذا اقترض عشرين رطلا من اللحم وكان سعر الرطل خمسة قروش ثم نزل السعر إلى قرشين. فإنه لا يلزم إلا برد العشرين رطلا، وذلك إذا اقترض خبزا فإنه لا يلزم إلا برد العدد الذي أخذه أو بوزنه الخبز يصح قرضه عدا ووزنا.
ومنها: أن التوكيل يصح في القرض وفي قبضه كأن يقول شخص لآخر: أقرضني كذا. ثم يوكل عنه من يقبض له. أما الاستقرار وهو: طلب القرض فلا يصح التوكيل فيه، فإذا وكل شخص آخر في أن يذهب إلى فلان ويستقرض له منه شيئا فإنه لا يكون وكيلا عنه في ذلك. فإذا استقرض المأمور على الأمر لأنه ليس وكيلا له. وتصح الرسالة في الاستقراض كأن يرسل رسولا إلى فلان ليستقرض له منه، فإن ذهب الرسول وقال: فلان يستقرض منك كذا فأقرضه كان المال للآمر المرسل. أما إذا قال: أقرضني كذا وأضاف القرض لنفسه فأعطاه فإن المال يكون له، وله أن يمنعه من المرسل. وقد تقدم شيء من ذلك في مباحث اليمين.
ومنها: أن يكره أن يقرض شخص لآخر شيئا في نظير منفعة. ولكن محل ذلك إذا كانت المنفعة مشترطة في العقد، كأن يقرضه مثلا عشرين إردبا من القمح "الغلت" على أن يأخذ مثلها نظيفا. أما إذا أقرضه شيئا رديئا فأعطاه جيدا بدون شرط فإنه لا كراهة فيه. ومثل ذلك:
ما إذا أقرضه مالا يشتري منه سلعة بثمن غال. كما إذا كان عنده ثياب من الحرير أو القطن يساوي ثمن الواحد منها عشرة ثم جاءه رجل فاستقرض منه مائتين، فأعطاه ببعض القرض ثيابا ثمن الثوب عشرون وكمل له الباقي نقودا. فإذا لم يكن ذلك مشروطا في العقد يجوز. وبعضهم يقول بكراهته. أما اذا كان مشروطا في العقد فإنه يكون مكروها، ولا بأس أن يهدي من عليه القرض لمن اقترض منه. ولكن الأفضل التورع عن ذلك.
ومن ذلك ما إذا طلب شخص من آخر أن يقرضه مالا فقال له:
اشتر مني هذا الثوب بعشرين فاشتراه ثم باعه لشخص غير الذي اشتراه منه بعشرة، وهذا باعه لصاحبه بالعشرة فأخذها وأعطاها للمشتري الأول فأخذها، وبقي عليه دين العشرين، ويسمى هذا بيع العينة بكسر العين، فقال بعضهم: إنه جائز، وقال بعضهم: إنه مكروه.
ومنها: أنه لا يجوز أن يقرض الصبي المحجور عليه. فإذا أقرضه فأضاع الصبي ما أخذه فقد ضاع على صاحبه، أما إذا كان الصبي غير محجور عليه بأن كان مأذونا بالتصرف فإنه يصح أن يقرضه، لأنه يكون في حكم البالغ وبعضهم يقول: إن الصبي المحجور عليه إذا استهلك ما اقترضه يكون عليه ضمانه، أما إذا هلك بنفسه فلا ضمان عليه اتفاقا. ومثل الصبي في ذلك المعتوه.
الشافعية - قالوا: يتعلق بالقرض أحكام.
أولا أركانه كأركان البيع فلا بد من أن يكون الشيء المقترض معلوم القدر وكذلك لا بد فيه من الإيجاب والقبول كالبيع، والإيجاب تارة يكون صريحا، وتارة يكون كناية فالصريح كأن يقول: أقرضتك هذا الشيء أو سلفتك. ومثله ما إذا قال:
ملكت هذا الشيء بمثله. والكناية كأن يقول: خذ هذا الشيء بمثله، أو على أن ترد بدله، أو خذه ورد بدله، أو اصرفه في حوائجك ورد بدله. ولا يلزم الإيجاب والقبول في القرض الحكمي، وذلك كما إذا وجد دابة لقطة فأنفق عليها، فإن الإنفاق عليها له حكم قرض صاحبها، وهذا لا يشترط فيه القبول ولا الإيجاب.
ثانيا: أنه يشترط في المقرض بكسر الراء أن يكون أهلا للتبرع، فلا يصح للوالي أن يقرض مال المحجور الذي له عليه ولاية بلا ضرورة، كأن يخاف الوالي على مال المحجور عليه من الضياع نهبا ونحو ذلك. ولكن للقاضي أن يقرض مال المحجور عليه بدون ضرورة إن كان المقترض أمينا موسرا. وكذلك يشترط أن يكون المقرض مختارا، فلا يصح قرض المكره كسائر عقوده، أما المقترض فإنه يشترط فيه أن يكون أهلا للمعاملة بأن يكون بالغا عاقلا غير محجور عليه.
ثالثا:
يشترط في الشيء المقرض أن يكون مما يصح فيه السلم إذا كان موصوفا في الذمة، كأقرضتك جملي الموصوف بكذا، إنما يشترط أن يقبضه المقترض حالا، فلا يصح أن يؤخر قبضه زمنا على أنه لا يشترط في المجلس بل يصح ولو تفرقا. أما المعين كهذا الجمل الحاضر فإنه لا يشترط فيه القبض حالا. لأنه أقوى من الموصوف في الذمة فيصح تأخير قبضه، وقد عرفت في السلم أن المعين لا يصح فيه السلم ولكن يصح قرضه، وخرج بقول مما يصح فيه السلم الخ، الموصوف في الذمة التي لا يصح فيه السلم، نحو الدابة الحامل فإنه لا يصح قرضها، كما لا يصح أن تكون مسلما فيها. وإنما اشترط في القرض أن يكون الشيء المقرض مما يصح فيه السلم. لأن مالا يصح فيه السلم، لا ينضبط، أو يندر وجوده فيتعذر رد مثله. ويستثنى من ذلك الخبز فإنه لا يجوز السلم فيه، ولكن يجوز إقراضه وزنا لعموم الحاجة إليه. وبعضهم يقول: يجوز إقراضه عدا أو وزنا، وكذلك يستثنى قرض نصف عقار شائع كنصف دار فإنه لا يصح السلم فيه ولكن يصح إقراضه، وذلك لأن المطلوب في القرض أن يكون للشيء المقرض بفتح الراء مثل يمكن رده للمقرض بكسر الراء، ونصف الدار الشائع يقابله النصف الآخر وهو مثله تماما، فيصح في هذه الحالة أن يرد المقترض من النصف الآخر للمقرض وهو مثل ما أقرضه تماما. وإنما لم يصح السلم فيه لأنه نادر الوجود وإذ لا يوجد له مثل إلا نصفه الثاني؛ فلو نفذ يتعذر وجود مثل فلا يصح السلم لذلك. أما ثلثا العقار أو كل العقار فلا يصح قرضه، كما لا يصح السلم فيه لعدم وجود المثل حينئذ: ولا يقال: إنه يصح أن يقرض ثلثي العقار أو كل العقار ويدفع بدله من عقار آخر، إذ لا يلزم أن يرد في صورته ومعناه.
بل يكفي في القرض أن يكون نظيره في عقار آخر، لأن ذلك قد يترتب عليه نزاع، فإن المقرض قد لا يرضى إلا برد مثله الصوري. ولا يقبل رد نظيره من عقار آخر، وظاهر هذا أن المقرض إذا رضي بذلك ابتداء فإنه يصح.
ومن ذلك يتضح أنه يجوز قرض ما له مثل، وما له قيمة. فأما المثلي فإن على المقترض أن يرد مثله، سواء كانت نقودا معدودة أو غيرها، فلو اقترض نقودا وبطل العمل بها فلا يلزم إلا برد مثلها إذا كانت لها قيمة غير تافهة، أما إذا كانت لها قيمة تافهة فإنه يلزم برد قيمتها باعتبار أقرب وقت بالنسبة لوقت المطالبة بها، ومثلها الفلوس "القروش" من غير الذهب والفضة.
وأما القيمي فإن على المقترض أن يرد مثله صورة كما إذا اقترض جملا فإن المطلوب أن يرد جملا مثله، فلا يصح أن يرد فيه بقرة. نعم يصح أن يرده أحسن أو أكبر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض جملا وهو في السنة السادسة ورد مثله جملا في السنة السابعة.
رابعا: يفسد القرض بشرط يجر منفعة للمقرض كرد زيادة في القدر أو الصفة كأن يقترض منه قمحا غير نظيف بشرط أن يرده له مغربلا نظيفا، أو يقترض ورقا بشرط أن يرد ذهبا، فلو رد زيادة بلا شرط فحسن لما في الحديث السابق. أما إذا شرط أنه لا يقرضه إلا برهن، أو كفيل أو إشهاد فإنه لا يصح، لأن هذا الشرط من مقتضى العقد كما تقدم. وحاصل ذلك: أن الشرط في القرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول:
أن يجر نفعا للمقرض، وفي هذه الحالة يكون فاسدا مفسدا للعقد.
الثاني:
أن يجر نفعا للمقترض كأن يشترط المقترض أن يرد ردئيا وقد أخذ جيدا، وفي هذه الحالة يكون الشرط فاسدا والعقد صحيح.
الثالث:
أن يكون للوثوق، كطلب رهن وكفيل وهو صحيح نافذ، ومحل ذلك كله إذا وقع الشرط في صلب العقد أما قبل العقد فلهما أن يشترطا ما يعجبهما ويتفقا عليه من غير ذكر في طلب العقد ولا يكون مفسدا، ويصح أن نذكر هنا حيلة مخلصة من الربا وهي أنه إذا أراد أن يقترض شخص مالا من آخر، فيصح للمقرض أن يبيعه سلعة بثمن زائد على قيمتها ثم يشتريها منه بأقل مما باعها ويعطيه الثمن، فتحصل له الزيادة التي يريدها ولا تكون ربا. مثال ذلك: أن يبيعه مائة إردب من القمح بسعر الإردب جنيهين وهو يساوي جنيها ونصفا، ثم يشتريها منه بقيمتها الحقيقية فتحصل له الزيادة وينجو من الربا.
المالكية - قالوا: يتعلق بالقرض أحكام:
منها: أن كل ما يقبل جنسه السلم يصح قرضه كالمكيل والموزون والمعدود، فإن جنس كل واحد منها يقبل السلم، فالقمح مثلا يقبل السلم لكونه مكيلا، واللحم كذلك وإن كان قد يمتنع فيه السلم أحيانا، ولا يمتنع فيه القرض كما إذا كانت آلة الكيل أو الوزن مجهولة فإنه لا يصح فيه السلم ويصح فيه القرض، مثلا: إذا أقرضه قمحا كاله له بصفيحة أو جردل أو قصعة على أن يرد له مثله بالصفيحة أو الجردل أو القصعة فإنه يصح.
أما في السلم فإنه لا يصح إلا بآلة الكيل المعروفة بين الناس، وآلة الوزن المعروفة بين الناس أيضا "كالكيلة والربع والقدح" والرطل والأوقية المعلومة.
وكذلك يصح قرض الحيوان وعروض التجارة لأنه يصح السلم في جنسهما فيصح قرضهما كما تقدم.
ومنها: أنه يحرم على المقرض أن يأخذ هدية من المقترض إلا إذا كانت له عادة بذلك من قبل أو طرأ ما يدعو للهدية كمصاهرة ونحوها، أما الهدية لأجل الدين فهي تحرم ظاهرا وباطنا فإن كانت لمجرد التواد والتحابب فإنها تحل باطنا ولكن لا يقرها القاضي ظاهرا.
وكذلك يحرم أن يشترط في القرض شرطا يجر منفعة، كأن يشترط أن يأخذ سليما ويعطيه ضعيفا، فلا يصح أن يقرضه بقرة لا تقوى على الحرث ثم يشترط أن يأخذ بدلها بقرة تقدر عليه، أو يقرضه قمحا غلتا بشرط أن يأخذه نظيفا.
ومنها: أن القرض يملكه المقترض بمجرد العقد كالصدقة والهبة والعارية، فإذا قبضه المقترض فلا يخلو: إما أن يكون له أجل مضروب أو لا، فإن كان له أجل مضروب فإنه يلزم برده عند حلول الأجل وإن لم ينتفع به انتفاع أمثاله عادة، وإن لم يكن له أجل مضروب فلا يخلو: إما أن تكون العادة أن يرد مثل هذا القرض في وقت مخصوص كما إذا اقترض قمحا والعادة أن يرد مثله بعد حصاد القمح. وإما أن لا يكون في ذلك عادة، فإن كانت في ذلك عادة فإنه يعمل بها كما يعمل بانقضاء الأجل. فيلزم بالرد في الوقت الذي جرت به العادة، وإن لم تكن فيه عادة فإنه لا يلزم برده إلا إذا انتفع به الانتفاع الذي جرت به عادة أمثاله.
ويجوز للمقرض أن يرد مثل الذي اقترضه، وأن يرد عينه. سواء كان مثليا أو غير مثلي بشرط أن لا يتغير بزيادة أو نقص. فإن تغير وجب رد مثله.
أولا: إنه يصح القرض في كل عين يجوز بيعها من مكيل وموزون ومذروع ومعدود ونحوه، واختلف في قرض المنافع كأن يحصد معه يوما وهو يحصد معه يوما آخر، فأجازه بعضهم ومنعه الآخرون.
ثانيا: يشترط في الشيء المقترض "بفتح الراء" أن يكون قدره معروفا، فإن كان مكيلا فيلزم أن يعرف بمكيال معلوم بين الناس "كالكيلة والربع" ونحوهما.
وكذلك إن كان موزونا فينبغي أن تبين آلة الوزن المعروفة كالرطل والأوقية ونحوهما، فلا يصح القرض إذا كانت آلة الكيل أو الوزن مجهولة كالصفيحة والجردل. فإذا أقرضه قمحا كاله له بجردل أو قصعة فإنه لا يصح كالسلم.
ومثل ذلك آلة الوزن والذرع. فلا بد أن تكون معروفة بين الناس كالمتر والياردة ونحو ذلك.
وكذلك يشترط معرفة وصفه بأن يقرضه جنيهات مصرية أو انكليزية. أو يقرضه قمحا هنديا أو بلديا أو نحو ذلك.
ثالثا: يشترط في المقترض بكسر الراء أن يكون أهلا للتبرع، فلا يصح قرض الصبي والمجنون ونحوهما.
رابعا: عقد القرض يلزم بقبضه، سواء كان الشيء المقرض "بفتح الراء" مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مذروعا أو غير ذلك وللمقترض أن يشتري بالمال الذي اقترضه من مقرضه. فإذا اقترض محمد من علي مائة جنيه فله أن يشتري بها دار أو نحوها من علي، ولا يملك رب المال أن يسترده ممن اقترضه بعد قبضه إلا إذا أفلس المقترض وحجر عليه بالفلس قبل أن يأخذ المقترض شيئا منه بدل القرض، فإنه يصح له أن يسترده في هذه الحالة.
خامسا: إن كان الشيء المقترض مثليا والمثلي هو: المكيل والموزون الذي لم تتعلق به صناعة مباحة، فإن المقترض يلزم برد مثله. ولا يلزم برد عين ما اقترضه لأنه بالقرض يملكها ملكا تاما، بالقبض، فله أن يستهلكها كما يشاء، فإذا رده بعينه فإن المقترض يلزم بقبوله إلا إذا طرأ عليه عيب كما إذا اقترض قمحا فأقبل أو تعفن أو نحو ذلك فإنه لا يلزم بقبوله حينئذ.
أما إذا كان القرض غير مثلي فإن المقترض يلزم برد قيمته، فلو رده بعينه لصاحبه فإنه لا يلزم بقبوله، لأن الذي وجب له بالقرض قيمته فلا يلزم الاعتياض عنها، ويجب رد المثل في المثلي، سواء زادت قيمته عن يوم قرضه أو نقصت، فإذا اقترض قمحا في وقت كان سعر الإردب فيه جنيهين ثم نزلت قيمته عند حلول الدين فأصبحت جنيها واحدا، فإنه لا يكلف إلا رده فقط بدون نظر إلى قيمته.
وإذا اقترض مثليا مما يكال أو يوزن، ثم تعذر وجوده فإنه يلزم برد قيمته من يوم أن انقطع وجوده. أما ما سوى المكيل والموزون فإنه يلزم برد قيمته، وإذا اقترض خبزا عددا بلا شرط زيادة ولا قصد فإنه يجوز.
سادسا: لا يجوز أن يشترط في عقد القرض شرطا يجر منفعة للمقرض، كأن يشترط المقرض على المقرض أن يسكنه دارا مجانا أو رخيصا أو يعطيه خيرا مما أخذه منه، أو يهدي إليه هدية أو نحو ذلك، وكذلك لا يجوز أن يشترط المقترض أن يعطي أقل مما أخذ. أما اشتراط ما به التوثيق كأن يقول: اقرضك بشرط أن ترهنني كذا، أو تأتيني بضمان فإنه يصح وينفذ






ابوالوليد المسلم 17-03-2021 01:13 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث الحجر]
صـــــ 310 الى صــــــــ
320
الحلقة (115)

[مباحث الحجر]

الحجر معناه في اللغة: المنع،
يقال:
حجر عليه حجرا من باب قتل منعه من التصرف، وهو بفتح الحاء وكسرها، ولذا سمي الحكيم حجرا لأنه منع من الكعبة وقطع منها، وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه ويمنعه من فعل القبيح،
قال تعالى:
{هل في ذلك قسم لذي حجر} أي لذي عقل.وأما معنا في الشرع، فإن فيه تفصيلا في المذاهب (1) .
[أسباب الحجر]
يرجع سبب الحجر في الشريعة الإسلامية على التحقيق إلى شيء واحد، وهو مصلحة النوع الإنساني كما هو الشأن في كل قضية من قضاياها الكريمة، فهي دائما ترمي في تشريعها إلى ما فيه سعادة الإنسان جماعة وأفرادا. فمن قواعدها العامة وأسسها القويمة أنها قضت بضرورة التعاون بين الناس، فعرضت على القوي أن يعين الضعيف بقدر ما يتاح له، وحتمت على الكبير أن يساعد الصغير الذي يتولى أمره ويخلص له كل الإخلاص حتى لا تضيع عليه فرصة ينتفع بها في دينه ودنياه. فمن ابتلاه الله من الأطفال بفقد من يعطف عليه عطفا طبيعيا من والد أو أخ أو قريب كان له في غيره عوضا، فقد كلف الله الحاكم أن يختار له من يقوم يأمر تربيته، والنظر في مصلحته والعمل على تنمية ثروته، كما يقوم بذلك أقرب الناس إليه والصقهم به. وقد أوصى الله تعالى الأولياء والأوصياء على اليتامى والمساكين، وحذرهم عاقبة إهمالهم والطمع في أموالهم، بما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ويخافون بطشه وعقابه.
وقال تعالى:
{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا، إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} وقال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح،
فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم وقال تعالى:
{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا، ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} وفي الآية دلالة على أنه يصح للوصي الفقير أن يأخذ أجر عمله من مال القاصر بما هو معروف بين الناس، فانظر كيف حذر الله الأوصياء في الآية الأولى بما هو ممكن قريب الوقوع؟ وكيف رغبهم في حكم معاملة القاصر؟ فإن الوصي الذي له أولاد صغار ضعاف قد يموت ويتركهم، فلينظر على أي وجه يحب أن يعامل الناس أولاده فيعامل به من أقامه الله وصيا عليه، ليعلم أنه إذا اتقى الله تعالى في قوله وفعله كان قدوة حسنة لأبنائه فينقلون عنه الفضيلة، فضلا عما في ذلك من ترك حسن الذكرى وطيب الأثر ولذلك في قلوب الناس منزلة رفيعة تحبب إليهم مودة ذريته الضعيفة، ويسهل عليهم خدمتهم.ثم انظر إلى الوعيد الشديد للطامعين في أموال اليتامى الذي يقومون عليهم، وأي زجر أشد من أن شبه الله ما يأكلون من ذلك بالنار التي توقد في البطون، فهم وإن كانوا يجدون في أكله لذة مؤقتة في هذه الحياة الدنيا ولكنهم سيصلون سعيرا يوم القيامة تلتهب في أحشائهم، فيعلمون أنهم إنما كانوا يأكلون نارا وجحيما. وفي ذلك منتهى التحذير والتخويف من قربان أموال اليتامى. ولهذا الكلام بقية ذكرناها في حكمة تشريع الحجر في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.وكما أن الشريعة الإسلامية حثت الكبير على أن يعين الصغير، كذلك حثت من آتاه الله عقلا على أن يعين من حرم منه وإن كان كبيرا، لأن من ابتلاه الله بضعف العقل وفقد ادراك فقد جعله كالأطفال في هذه الحياة وإن كان كبير الجسم والسن، فإن العقل هو الذي يمتاز به الإنسان عن الحيوان، فإذا ذهب أصبح الإنسان كالأطفال، فلا يصح تركه وشأنه حتى يقضي عليه الأشرار،
فالحجر بسبب الصغر والجنون لمصلحتهما أمر متفق عليه بين أئمة المسلمين:
أما الحجر على الكبير العاقبل بسبب سوء التصرف، والسفه والتبذير ونحو ذلك مما يأتي فذلك محل خلاف (2) . ولكن جمهور الأئمة وعلماء الإسلام على أنه في حكم المجنون والصغير،لأن النتيجة التي شرع من أجلها الحجر متحققة في السفيه، فالسفيه الذي لا يحسن التصرف لا يلبث أن يقضي على ماله كما يقضي عليه الصغير والمجنون تماما، ومتى كان الحجر لمصلة المحجور عليه كان لزاما أن يحجر على السفيه لمصلحته أيضا، بل ولمصلحة الناس،
لأنه لا بد أن يعامل الناس فيقضي على أموالهم ومن أجل ذلك قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} ومن أسباب الحجر لمصلحة الناس: الحجر بسبب الدين.
ويتضح من هذا أن أسباب الحجر المعروفة التي عليها العمل غالبا ثلاثة: أحدها: الصغر.
ثانيها:
الجنون، ومثله العته.
ثالثها:
السفه.وهناك أسباب أخرى كالرق. فإن الرقيق محجور عليه لكونه ليس أهلا للملك، فلا يصح له أن يتصرف في ملك غيره إلا بإذنه وغير ذلك.
[الحجر على الصغير]
الصغير وصف في الإنسان من حين ولادته إلى أن يبلغ الحلم،
وسبب الصغر: عدم تكامل قوى الإنسان البشرية. وهو وإن كان لازما لغالب أفراد الإنسان، إلا أن الإنسان قد يوجد كبيرا فيختلف عنه الصغر، ولكن ذلك نادر كما في آدم وحواء.
[ما يعرف به بلوغ الصغير]
يعرف بلوغ الصغير تارة بالسن، وتارة بعلامات تدل على أنه قد بلغ وإن لم يبلغ حد السن المقرر، وفي بيان ذلك تفصيل المذاهب(3) .
[مبحث إذا بلغ الصبي غير رشيد]
وإذا بلغ الصبي غير رشيد فإنه لا يسلم إليه ماله، بل يحجر عليه بسبب السفه. وفي ذلك تفصيل المذاهب(4) .
[مبحث الولي أو الوصي]
ولي الصبي وغيره من المحجور عليهم: أبوه إن كان له أب أهل للولاية كأن لم يكن مجنونا أو محجورا عليه، وأما غير الأب ففيه تفصيل في المذاهب(5) .
(1) الحنفية - قالوا: الحجر: هو عبارة عن منع مخصوص، متعلق بشخص، عن تصرف مخصوص، أو عن نفاذ ذلك التصرف، فالحجر منع للصغير والمجنون ونحوهما عن التصرف في القول رأسا إن كان ضررا محضا، فإذا طلق الصبي زوجه أو أعتق عبده فإن قوله هذا لا ينعقد أصلا لأنه ضرر محض فلا ينعقد من أصله، ومثله المجنون.
أما إن كان نفعا محضا كما إذا وهبه أحد مالا فقال: قبلت ونحو ذلك مما فيه منفعة محققة له فإن قوله ينعقد صحيحا نافذا ولا يتوقف على إذن الولي، فإن كان قوله يحتمل النفع والضرر كبعت واشتريت ونحوهما، فإن كان يعقل معنى البيع والشراء بحيث يدرك أن السلعة يقابلها الثمن، فلا يمكن أن يأخذ السلعة ولا يدفع ثمنها انعقد بيعه وشراؤه موقوفا على إجازة الولي فللولي أن يجيزه بشرك أن لا يكون فيه غبن فاحش وقد تقدم بيانه. أما إن كان الصبي لا يعقل أصلا فإن تصرفه في ذلك لا ينعقد من أصله.
أما الحجر في الأفعال فإن الصغر والجنون لا يوجبه، فإذا كان الطفل نائما فانقلب على زجاجة وكسرها فعليه ضمانها، فإن كان له مال يؤخذ ثمنها من ماله.
وكذلك المجنون إذا أتلف شيئا فإنه يكون مسؤولا عنه، إذا كان الفعل متعلقا بحكم يدرأ بالشبهة كالحدود والقصاص، فإن عدم القصد في الصبي والمجنون يرفع عنهما العقوبة، فإذا زنى الصبي أو قتل فإنه لا يحد، لأن النية مفقودة كما سيأتي، وقد يفسر الحجر بمعنى عدم ثبوت حكم التصرف، وعلى هذا فيكون الصبي والمجنون محجورا عليهما بالنسبة لذلك، فليس محجورا عليهما بالنسبة لفعل الزنا والقتل ونحوهما من كل ما يوجب الحد. لأن الفعل لا يمكن منعهما منه خصوصا بعد وقوعه وإنما هما محجور عليهما بمعنى أن حكم عملهما هذا معدوم فلا يترتب على عملهما حد وعقوبة.
المالكية - قالوا: الحجر: صفة حكمية "يحكم بها الشرع" توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه فيما زاد على قوته، كما يوجب منعه من نفوذ تصرفه في تبرعه بزائد على ثلث ماله. فدخل بالأول:الحجر على الصبي والمجنون والسفيه والمفلس ونحوهم، فإن هؤلاء يمنعون عن التصرف فيما زاد على قوتهم، فإذا باع أحد منهم شيئا أو اشتراه أو تبرع به وقع تصرفه هذا موقوفا، ولا ينفذ إلا بإذن الولي كما تقدم في البيع.
ودخل بالثاني وهو قولنا: كما يوجب منعه في نفوذ تصرفه في تبرعه بزائد على ثلث ماله": الحجر على المريض والزوجه، فإنهما لا يمنعان من التصرف في البيع والشراء، وإنما يمنعان من التبرع بشرط أن يكون زائدا على ثلث مالهما، فيصح للمريض أن يتبرع بثلث ماله لغيره. كما يصح للزوجة ذلك. أما ما زاد على ثلث مالهما فإنه لا يصح لهما التبرع به.
الشافعية - قالوا: الحرج شرعا: منع التصرف في المال لأسباب مخصوصة، فخرج بقوله منع التصرف في المال: التصرف في غيره فلا حجر فيه. فيصح للسفيه والمفلس والمريض أن يتصرفوا في الأمور الأخرى كالخلع والطلاق والظهار والإقرار بما يوجب العقوبة. وكالعبادة البدنية سواء كانت واجبة أو مندوبة. أما العبادة المالية فإنه لا ينفذ منها إلا الواجبة كالحج. بخلاف المندوبة كصدقة التطوع فإنها لا تنفذ منهم. أما الصبي والمجنون فإنهما لا يصح تصرفهما في شيء مطلقا.
الحنابلة - قالوا: الحجر هو: منع مالك من تصرفه في ماله، سواء كان المنع من قبل الشرع كمنع الصغير والمجنون والسفيه. أو كان من قبل الحاكم كمنع الحاكم المشتري من التصرف في ماله حتى يقضي الثمن الحال عليه
(2) الحنفية - قالوا: الذي قال إن السفه ليس سببا من أسباب الحجر هو الإمام أبو حنيفة وحده، أما صاحباه فقد قالا كما قال جمهور الأئمة وهو أن السفيه يحجر عليه كالصغير والمجنون ويظهر أن الإمام يميل إلى عدم حبس الأموال، فمن كان أهلا للتصرف فأحسن استثمار ماله فذاك، ومن لم يكن أهلا وبذر فيه فجزاؤه أن ينتقل المال من يده إلى أيد متصرفة تنتفع به وتنفع الناس.
ومن أجل ذلك يقول الإمام: إن الوقف لا يلزم إلا بحكم الحاكم كما سيأتي في بابه.
فالحر العاقل لا يحجر عليه، سواء كان فاسقا أو مبذرا على أنه يقول: إن من أسباب الحجر على العاقل أن يعمل عملا يتعدى ضرره إلى غيره، كالطبيب الجاهل الذي لا يحسن الطب فيضر الناس.
ومثله المفتي الجاهل الذي يضلل الناس، أو الماجن الذي يفتيهم بالحيل الباطلة. وكذلك الرجل يحتال على الناس فيأخذ أموالهم، ومثله له بالمكاري المفلس، وهو الذي يكري للناس جمالا ونحوها ويجحذ أجرتها وليس عنده شيء منها، حتى إذا جاؤوا ليأخذوها هرب منهم وأضاع عليهم أموالهم.
وقد يقال: كيف يقول الإمام بالحجر على هؤلاء الثلاثة مع أنه قرر أنه لا يصح الحجر على الحر العاقل؟ والجواب: أنه لا يريد الحجر عليهم بمعناه الشرعي المتقدم وهو عدم نفاذ تصرفهم، وإنما يريد منعهم بالفعل، فالحاكم لا يبيح للطبيب الجاهل أن يزاول مهنة الطب، ولا يبيح للمفتي الماجن أن يفتي بين الناس وهكذا. أما إذا وقع منهم تصرف صحيح كما إذا أتفى الماجن بحكم صحيح فإنه ينفذ
(3) الحنفية - قالوا: يعرف البلوغ في الذكر: بالاحتلام وإنزال المني وإحبال المرأة، وفي الأنثى: بالحيض والحبل. فإذا لم يعلم شيء من ذلك عنهما فإن بلوغهما يعرف بالسن، فمتى بلغ سنهما خمس عشرة سنة فقد بلغا على الحلم على المفتى به، وقال أبو حنيفة: إنما يبلغان بالسن إذا أتم الذكر ثماني عشرة سنة، والأنثى سبع عشرة سنة.
ويستمر الحجر على الصغير إلى أن يبلغ إما بالسن، أو بعلامة من العلامات المذكورة، ثم ينظر في أمره بعد البلوغ، فإن ثبت رشده بعد اختباره فإنه يسلم إليه ماله، وإن لم يظهر رشده فإنه لا يسلم غليه. وحد الرشد هو: أن يثبت أنه صالح لإدارة ماله فلا يضيعه إذا سلم إليه. فلو كان فاسقا بترك الصلاة ونحوها فإنه لا يمنع من تسليم ماله، أما إذا كان فاسقا بالشهوات التي تذهب بالأموال كالزنا والقمار ونحو ذلك فإنه يحجر عليه لذلك، لأنه لم يكن صالحا لإدارة ماله في هذه الحالة، ولكن الصاحبين اللذين يقولان بالحجر على السفيه، يحكمان باستمرار الحجر عليه ما دام سفيها. وحتى ولو قضى طول حياته وهو على هذه الحالة. أما الإمام أبو حنيفة الذي يقول بعدم الحجر على السفيه فإنه يقول: إنه لا يسلم إليه ماله أيضا إلا بعد خمس وعشرين سنة. وذلك لأنه وإن كان حرا عاقلا وهو ما لا يصح الحجر عليه، إلا أنه لما بلغ هذا السن الذي يكون الإنسان فيه كالجد الذي له أحفاد ولم يتأدب فلا أمل في تأديبه بعد ذلك، ولا معنى لحبس ماله عنه، فليعط ماله يفعل فيه كيف شاء.

يتبع

ابوالوليد المسلم 17-03-2021 01:13 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
المالكية - قالوا: يعرف البلوغ بعلامات:
إحداها: إنزال المني مطلقا، في اليقظة أو في الحلم.
ثانيها: الحيض والحبل وهو خاص بالمرأة.
ثالثها: إنبات شعر العانة الخشن. أما الشعر الرقيق "الزغب" فإنه ليس بعلامة، وكذلك شعر اللحية والشارب فإنه ليس بعلامة، فقد يبلغ الإنسان قبل أن ينبت له شيء من ذلك بزمن طويل، ومتى نبت شعر العانة الخشن، كان ذلك علامة على التكليف بالنسبة لحقوق الله من صلاة وصوم ونحوهما، وحقوق عباد الله على التحقيق.
رابعا: نتن الإبط.
خامسها: فرق أرنبة الأنف.
سادسها: غلظ الصوت، فإن لم يظهر شيء من ذلك كان بلوغ الصغير السن وهو أن يتم ثماني عشرة سنة، وقيل: يبلغ بمجرد الدخول في السنة الثامنة عشرة.
وإذا ادعى الصغير البلوغ أو عدمه فإن له حالتين:
الحالة الأولى:
أن يشك في صدقه، وفي هذه الحالة ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن يدعي البلوغ ليأخذ مالا أو ليثبت عليه مالا للغير، فالأول: كأن يدعي البلوغ ليأخذ سهمه في الجهاد. والثاني:
كأن يدعي عليه شخص بأنه أتلف مالا اؤتمن عليه وأنه بالغ، فأقر بذلك وخالفه الولي. وفي هذه الصورة لا تسمع دعواه مع الشك فيها.
الصورة الثانية:
أن يدعي البلوغ ليثبت طلاقه من امرأته، أو يدعي عدم البلوغ ليفر من إثبات طلاقها؛ وفي هذه الصورة تقبل دعواه إثباتا ونفيا.
الصورة الثالثة:
أن يدعي البلوغ ليفر من عقاب جناية ارتكبها؛ وفي هذه الصورة تقبل دعواه مع الشك في صدقه، لأن الحدود تدرأ بالشبهات. أما إذا ادعى البلوغ ليثبت على نفسه جناية فإنه لا يصدق مع الشك لهذه العلة.
الحالة الثانية:
أن لا يشك في صدقه. وفي هذه الحالة تقبل دعواه في الأموال أيضا إثباتا ونفيا، فإذا أدعى أنه بلغ ليأخذ سهمه في الجهاد. أو ليأخذ مالا مشروطا ببلوغه أو نحو ذلك فإن دعواه تقبل حيث لم يشك في صدقه. وكذلك تقبل في الأمور الدينية المتوقفة على البلوغ كالإمامة وتكملة عدد جماعة الجمعة.
الشافعية - قالوا: يعرف بلوغ الذكر والأنثى بتمام خمس عشرة سنة بالتحديد، ويعرف بعلامات غير ذلك:
منها: الإمناء، ولا يكون علامة على البلوغ إلا إذا أتم الصبي تسع سنين؛ فإذا أمنى قبل ذلك يكون المني ناشئا عن مرض لا عن بلوغ فلا يعتبر.
ومنها: الحيض في الأنثى، وهو يمكن إذا بلغت تسع سنين تقريبا.
الحنابلة - قالوا: يحصل بلوغ الصغير ذكرا كان أو أنثى بثلاثة أشياء:
أحدها: إنزال المني يقظة أو مناما، سواء كان باحتلام أو جماع أو غير ذلك.
الثاني: نبات شعر العانة الخشن الذي يحتاج في إزالته إلى الموسى. أما الشعر الرقاق "الزغب" فإنه ليس بعلامة.
الثالث:
بلوغ سنهما خمس عشرة سنة كاملة وتزيد الأنثى على الذكر بشيئين:
أحدهما: الحيض.
ثانيهما: الحمل، ويقد وقت بلوغها بما قبل وضعها بستة أشهر. ويعرف بلوغ الخنثى "المشكل" بأمور: منها: تمام خمس عشرة سنة أيضا.
ومنها: إنبات شعر العانة. ومنها غير ذلك
(4) الحنفية - قالوا: اتفق الإمام وصاحباه على أنه لا يسلم إليه ماله بمجرد البلوغ، بل لا بد من ثبوت الرشد بعد الاختبار، إلا أن الإمام قال: ينتظر إلى أن يبلغ خمسا وعشرين سنة ثم يسلم له ماله ولو لم يرشد. وإذا تصرف يقع تصرفه صحيحا ما دام حرا عاقلا لأنه لا يحجر عليه بالسفه. أما صاحباه فقالا: لا يسلم إليه ماله ولو بقي على ذلك مائة سنة وقد تقدم، وسيأتي تفصيله في مبحث الحجر على السفيه.
الحنابلة - قالوا: إذا بلغ الصبي غير رشيد "والرشد هو: الصلاح في ماله ودينه، وقيل هو الصلاح في ماله فقط" فإن الحجر يستمر عليه ويكون النظر في ماله لوليه قبل البلوغ من أب أو وصي أو الحاكم، وإذا فك عنه الحجر فعاوده السفه أعيد الحجر عليه، وإن فسق في دينه ولكنه لم يبذر في ماله فإنه لا يحجر عليه، خصوصا على القول الرشد هو الصلاح في المال. ولكن لا يحجر عليهما في هذه الحالة إلا الحاكم، لأن التبذير الذي حصل ثانيا يتفاوت فيحتاج إلى نظر واجتهاد فلا بد في الحاكم حينئذ كالحجر على المفلس، فإنه لا يكون إلا بحكم حاكم ولا ينظر في أموالهما إلا الحاكم، ولا يفك الحجر عنهما ثانيا إلا الحاكم.
وإذا بلغ الصبي وصار رشيدا، أو عقل المجنون رشيدا انفك الحجر عنهما بلا حكم قاض ودفع إليهما مالهما، ويستحب أن يكون الدفع فإذن قاض كما يستحب أن يكون ثبوت الرشد ببينة وأن يكون الدفع ببينة، ولا ينفك الحجر عنهما قبل البلوغ وثبوت الرشد والعقل ولو بقيا على ذلك حتى هرما.
الشافعية - قالوا: فإنه يكون بعدم ارتكابه وإصراره على صغيرة: وأما صلاح المال: فإنه يكون بعدم تبذيره وإنفاقه في الشهوات المحرمة، أو تضييعه بغبن فاحش لا يحتمل في المعاملة كأن يبيع أو يشتري بالغبن.
أما إذا أنفقه في الصدقة ووجوه الخير، والمأكل والملبس اللذين يليقان به فقيل: إنه تبذير وقيل إنه ليس بتبذير وهو الراجح.
ويعرف رشد الصغير قبل بلوغه بالاختيار، وهو يختلف باختلاف مهنة أهل الصغير، فإذا كان أبوه تاجرا فإنه يختبر بالبيع والشراء، وإذا كان أبوه زارعا فإنه يختبر بما يناسب حال الزراعة فيكلف الإنفاق على المزارعين الذين يقومون بخدمة أرضه ومراقبة الحصادين ونحو ذلك.
وإن كانت صغيرة فإنها تختبر بتدبير المنزل من حفظ طعام وترتيب معيشة وغير ذلك وقيل الاختبار يكون بعد البلوغ، والراجح أنه قبله. فعلى القول الأول تكون تصرفات القاصر التي بها الاختبار تمهيدية، وعندما يتم الانفاق بينه وبين من يريد التعاقد معهم يتولى العقد وليه لأنه ليس بالغا فلا يصح عقده على الراجح.
وأما على القول الثاني:
فإنه هو الذي يتولى العقد لكونه بالغا، هذا ولا بد من تكرار الاختبار مرتين أو أكثر حتى يغلب على الظن أنه صار رشيدا.
ويثبت الحجر عليه ومنعه من التصرف، سواء كان ذكرا أو أنثى بدون قضاء قاض وينفك ببلوغه بلا فك قاض، لأن ما ثبت بلا قاض لا يتوقف زواله على قاض، فينفك الحجر بالأب والجد أما فكه بالقيم والوصي ففيه قولان: وقيل: يتوقف الفك على القضاء، لأن الرشد يحتاج إلى نظر واجتهاد، فإذا بلغ الصبي رشيدا، والرشيد: هو المصلح لماله ودينه، فلا حجر أصلا. وإن بلغ غير رشيد دام الحجر عليه، لأنه وإن زال الحجر بسبب الصغر لكن خلفه الحجر بسبب السفه والفسق، ويتصرف في ماله من كان يتصرف فيه قبل البلوغ.
وإذا فك حجره بعد رشده وسلم إليه ماله ثم بذر فيه فإنه يحجر عليه ثانيا، وهل يعود عليه بدون أحد أو لا؟ خلاف: فبعضهم يقول: لا يعود الحجر عليه إلا بالقاضي. وبعضهم يقول، يعود الحجر عليه بالأب والجد والوصي كما يعود بالقاضي. وبعضهم يقول: يعود الحجر عليه ولو لم يحجر عليه أحد، فإذا لم يبذر في ماله ولكن فسق في دينه فسقا لا يضيع المال كالشح وعدم إخراج الزكاة وترك الصلاة ونحو ذلك فإنه لا يحجر عليه بسبب ذلك على المعتمد.
أما الفسق الذي يترتب عليه تبذير كالزنا، والمقامرة، والتورط في الشهوات المضيعة للمال، فإنه يوجب الحجر عليه لأنه تبذير للمال.
المالكية - قالوا: إذا بلغ الصبي غير رشيد بأن جن. أو كان غير صالح لحفظ ماله فإنه يستمر الحجر عليه.
أما إذا ثبت أنه قادر على حفظ ماله فإن حجره ينفك بمجرد بلوغه وإن لم يفكه الأب، أما إذا كان الولي قد أوصى به الأب فإن الحجر لا ينفك إلا إذا فكه الوصي، وسيأتي بيان صفة الفك في الحجر على السفيه، والفرق بين الحالتين: أن الولاية تثبت للأب بدون واسطة أحد فخروجه لا يحتاج إلى شيء زائد من تحقق صفة الرشد، أما الولي الذي أوصى به الأب فإن الولاية تثبت له بواسطة الأب، فإخراجه يحتاج إلى أمر زائد على رشدها وهو زوجها والدخول بها، فإذا لم تتزوج ولم يبن بها زوجها فإنها لا تستحق أن يسلم إليها مالها، وسيأتي للكلام بقية في مبحث الحجر على السفيه
(5) الحنفية - قالوا: ولي الصغير في باب الأموال أبوه، ثم من بعد موته يكون الولي من أوصى به الأب، ثم من بعد موت وصي الأب يكون الولي من أوصى به وصي الأب. ثم من بعد هؤلاء الثلاثة يكون الولي الجد لأب وإن علا. ثم وصي الجد، ثم وصي وصي الجد، ثم الوالي وهو الذي يليه تقليد القضاء، ثم القاضي أو وصيه الذي يقيمه، فأيهما يتصرف تصح تصرفاته. وحاصل ذلك: أنه لا ولاية للجد مع وجود وصي الأب، ولا ولاية للوالي أو القاضي مع وجود الجد أو وصيه. وبعدذلك لا ترتيب. فيصح أن يكون الولي: الوالي أو القاضي أو الوصي الذي يقيمه القاضي.
ولا ولاية للأم في باب المال. فإذا أوصت الأم على ولدها الصغير قبل موتها ثم ماتت لا يكون لذلك الولي حق التصرف في تركه الأم مع وجود الأب أو وصيه، أو وصي وصيه، أو الجد، أو وصيه بأي حال، نعم إذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين، فإن لوصي الأم أن يحفظ تركة الأم ويبيع المنقولات، لأن في بيعها حفظا لها. ولا يصح أن يتصرف في شيء من مال الصبي غير ذلك، سواء كان وارثا له عن أمه أو غيرها.
وكذلك لا يكون لأحد من باقي العصبات في باب الأموال ولاية على الصغير، فليس للأخ والعم أو غيرهم أن يتصرفوا في مال الصغير مع وجود أحد الأولياء المذكورين على الترتيب المذكور.
أما الولاية في النكاح فإنها تثبت بأربعة أمور:
القرابة، والولاء، والإمامة، والملك، وترتيب الأولياء هكذا: الابن ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب وإن سفلوا، ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم لأب وأم، ثم ابن العم لأب وإن سفلوا، ثم عم الأرب لأب وأم، ثم عم الأب لأب، ثم بنوهما على هذا الترتيب، ثم عم الجد لأب وأم، ثم عم الجد لأب، ثم بنوهما على هذا الترتيب، ثم من يكون أبعد العصبات إلى المرأة وهو ابن عم بعيد، فكل هؤلاء لهم ولاية النكاح على الترتيب المذكور، ولهم إجبار البنت والذكر على الزواج في حال صغرهما لا في حال كبرهما، وعند فقد العصبات تكون الولاية لمن يرث من ذوي الأرحام. وأقرب العصبات: الأم، ثم البنت، ثم بنت الابن، ثم بنت البنت، ثم بنت ابن الابن، ثم بنت بنت البنت، ثم الأخت لأب وأم، ثم الأخت لأب، ثم الأخ والأخت لأم، ثم أولادهم. وبعد أولاد الأخوات: العمات، ثم الأخوال، ثم الخالات، ثم بنات الأعمام، ثم بنات العمات، وأبو الأم أولى من الأخت عند أبي حنيفة، ثم مولى الموالاة، ثم السلطان، ثم القاضي، ومن يقيمه القاضي.
وولاية الأب والجد على الصغير في نفسهما ومالهما ثابتة لا تزول إلا بثبوت رشد الصبي بعد بلوغه، فإذا بلغ الصبي ثم تبين أنه مجنون أو معتوه استمرت ولاية الأب والجد بدون انقطاع.
الشافعية - قالوا: ولي الصبي أبوه، ثم أبو أبيه وإن علا، فإن اجتمع الأب والجد كان الأب مقدما على الجد طبعا إلا إذا لم يكن أهلا للولاية على الصبي" كأن كان محجورا عليه، أو كان مجاهرا بالفسق. ويكفي في الأب والجد أن تكون عدالتهما ظاهرة فإذا مات الأب أو لم يكن أهلا للولاية انتقلت الولاية إلى الجد، ثم من بعد الجد تنتقل الولاية لوصي من يتأخر موته من الأب أو الجد، فإذا مات الجد بعد الأب وكان وليا انتقلت الولاية لوصي الجد، وإذا مات الأب بعد الجد انتقلت الولاية لمن يوصي به الأب.
ويصح أن يوصي الأب في حال حياة الجد. فإذا أوصى الأب في حال حياة الجد ثم مات الجد قبل الأب ومات الأب بعد انتقلت الولاية لمن أوصى به الأب في حال حياة الجد، إذ لا يلزم أن تكون الوصاية بعد موت الجد ويشترط في الوصي أن يكون عدلا ظاهرا وباطنا على المعتمد، ثم من بعد الوصي الذي أوصى به الأب أو الجد تنتقل الولاية للقاضي، وهو إما أن يتولى بنفسه أو يقيم أمينا، فإذا كان الصبي مقيم في بلد لها قاض وماله في بلد لها قاض كان القيم على المال قاضي البلد الذي فيها المال فعليه حفظه وبيعه وإجارته، أما بالنظر لاستثماره فيكون لقاضي بلد الصغير.
وهل للأم ولاية أو لا؟ المعتمد أنها لا ولاية لها إلا إذا أقامها الأب أو الجد أو القاضي، والأولى تقديمها على الأجنبي إذا كانت صالحة، ومثل الأم غيرها من باقي الأقارب والعصبات ولكن العصبة الإنفاق من مال الصبي في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن عليه ولاية، لأن مثل ذلك يتسامح فيه عادة.
المالكية - قالوا: الولي الذي له حق الحجر عليه هو الأب، ومن بعده تكون الولاية لمن أوصى به الأب، ثم لمن أوصى به وصي الأب وهكذا، فإن لم تكن الولاية للحاكم، وإن لم يكن حاكم. فالولاية لجماعة المسلمين.
ثم إن الحجر على الصبي مما ذكروا ينقسم إلى قسمين:
الأول: حجر بالنسبة لنفسه.
والثاني: حجر بالنسبة لماله.

فأما الحجر بالنسبة لنفسه فمعناه: تدبير نفس الصبي وصيانته من موارد الهلكة وحفظه من سلوك سبل الضياع، فلا يترك وشأنه فيرتكب ما يقضي على حياته. وأما الحجر بالنسبة إلى ماله فهو: منعه من التصرف على الوجه الذي سيأتي.
وليس لحاضن اليتيم من جد وعم وأم ونحوهم أن يتصرف في ماله بدون إيصاء، فإذا لم يوص أب اليتيم بأحد منهم، أو يوص القاضي فلا يكون لهم الحق في الولاية على أمواله، وإذا كان العرف جاريا على أن يكون الكافل من هؤلاء بمنزلة الوصي وإن لم يقم وصيا عمل به، فيصح أن يتصرف تصرف الوصي. ونقل بعضهم عن الإمام مالك: أن كافل اليتيم كالوصي وإن لم يكن العرف على ذلك، فإذا مات الشخص عن أطفال صغار وكان لهم جد أو عم حاضنا فله أن يتصرف تصرف الولي.
الحنابلة - قالوا: الولاية على الصبي والمجنون سواء كان ذكرا أو أنثى تكون للأب الحر الرشيد العدل ولو كانت عدالته ظاهرا فقط. ويصح أن يكون الكافر وليا على ولده بشرط أن يكون عدلا في دينه، ثم من بعد الأب تكون الولاية لمن يوصي به الأب، ويشترط أن يكون عدلا وتنتقل غليه الولاية ولو كانت بأجر مع وجود من يقوم بها مجانا، لأنه نائب عن الأب فأشبه وكيله في حال الحياة فإذا لم يكن الأب موجودا ولم يوص أحدا، أو كان موجودا ولكن فقد أهلية الولاية كانت الولاية عليهما للحاكم. والجد أبو الأب لا ولاية له، وكذلك الأم لا ولاية لها، ومثلهما سائر العصبات:ولا يجوز للولي أن يتصرف في مالهما إلا بما فيه مصلحتهما، فإن تبرع من مالهما بهبة أو صدقة أو غيرهما فإنه يلزم به إذا باع لهما بنقص



ابوالوليد المسلم 17-03-2021 01:15 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث الحجر]
صـــــ 320 الى صــــــــ
328
الحلقة (116)

[هل للولي أن يبيع عقار الصبي أو لا؟]
في جواز بيع الولي أو وصيه عقار الصبي من دور وأرض زراعية وغيرها خلاف في المذاهب(1) .
[مبحث تصرفات الصبي]
في جواز تصرف الصبي في بعض الأمور تفصيل المذاهب(2) .
[مبحث الحجر على المجنون]
المجنون كالصبي في أحكام الحجر المتقدمة، ولكن يتعلق به بعض أحكام مفصلة في المذاهب(3) .


(1) الحنفية - قالوا: يجوز للأب أن يبيع ماله لابنه الصغير ويشتري منه لنفسه. فإذا باع الأب لابنه الصغير أو اشترى منه فإنه لا يشترط لتمام ذلك العقد الإيجاب والقبول على الصحيح فلو قال: بعت هذا العقار ونحوه من ولدي صح وإن لم يقل قبلت شراءه، وإنما يصح هذا البيع والشراء إذا كان بمثل قيمته، أو بغبن يسير يقع عادة بين الناس، فإن كان بغبن فاحش فإنه لا يصح. وينفذ البيع إذا أجازه القاضي. فإن رأى القاضي أن نقض البيع خير للصبي كان له نقضه. والثمن الذي اشترى منه الأب لا يبرأ منه حتى ينصب القاضي وكيلا عن الصغير فيقبضه من أبيه ثميرده إليه، فيكون وديعة من ابنه في يده.
إذا باع الأب لابنه الصغير دارا وهو فيها ساكن لا يصير الابن قابضا حتى يخليها الأب ويستلمها أمين القاضي، فإن عاد الأب إليها ثانيا فسكنها هو أو أهله فإنه يكون غاصبا إذا كان موسرا.
وكذلك يجوز للأب أن يبيع مال الصغير للأجنبي، فإذا كان المال عقارا ثابتا كالدور والأراضي الزراعية وغيرها فإنه يجوز بشرطين:
الأول: أن يكون بمثل القيمة فأكثر.
الثاني: أن يكون الأب محمود السيرة بين الناس أو مستور الحال، أما إذا كان سيء السيرة فإن البيع لا يجوز ولو كان بمثل القيمة على الصحيح. أما إذا كان المال منقولا وكان الأب سيء السيرة فإنه يجوز بيعه إذا كان في مصلحة الصغير على الأصح، وإذا باع الأب مال الصغير وقبض بعض الثمن، فإن له الحق في استرداد المبيع وحبسه تحت يده حتى يقبض كل الثمن.
أما الوصي فإنه يجوز أن يبيع ماله للصغير القائم عليه ويشتري من الصغير لنفسه على قول الإمام. وقال صاحباه: لا يجوز. وعلى القول بجوازه فإنه يشترط له أمران:
الشرط الأول: أن يكون فيه خير للصغير؛ وفسرت الخيرية بأن تزيد السلعة التي يشتريها الوصي من الصغير الثلث عن مثلها إذا اشتراها من غيره، فلو كان يشتريها بعشرة من غير الصغير، فإنه يلزم أن يشتريها من الصغير بخمسة عشر، فإذا نقص عن ذلك لا يكون في شرائه خيلا فلا يجوز. وكذلك إذا باع للصغير سلعة من ماله، فإذا كان يمكنه أن يبيعها بخمسة عشر فلا يصح بيعها للصغير إلا بعشرة فقط.
الشرط الثاني: أن يشتمل العقد على الإيجاب والقبول بأن يقول: بعت للصغير وقبلت الشراء، بخلاف الأب فإنه لا يشترط فيه القبول كما تقدم.
وأما بيع الوصي مال الصغير من أجنبي فإنه يصح إذا تحقق واحد من أمور ثلاثة:
الأول: أن يبيع بضعف قيمته.
الثاني: أن يكون للصغير حاجة إلى ثمنه.
الثالث: أن يكون على الميت دين لا وفاء له إلا بهذا المبيع.
وهذا هو الذي عليه الفتوى، وينفذ بيعه إذا أجازه القاضي، وله رده إن كان الرد خيرا كما تقدم في الأب.
وإذا باع الوصي مال اليتيم وأجل قبض الثمن، فإذا كان التأجيل طويلا بأن لا يباع مثل هذه السلعة بهذا الأجل فإن البيع لا يجوز، وكذلك إذا باعه بأجل قصير يمكنه حصوله في مثل ذلك ولكن يخشى أن ينكر المشتري الثمن أو يضيع عليه فإنه لا يجوز. أما إذا كان الأجل قصيرا والثمن مضمونا فإنه يجوز.
وإذا أراد شخص أن يشتري مال الصغير بألف مثلا إلى أجل، فجاء آخر وزاد على الأف مائة، فإن كان الأول ذا مال أكثر من الثاني، فإن على الوصي أن يبيع للأول لزيادة الضمان ولا يبالي بزيادة المائة.
وإذا أقام شخص وصيا ثم مات عن أولاد كبار فماذا يكون عمل الوصي في هذه الحالة؟ والجواب أن ذلك يشمل صورا:
الصورة الأولى: أن تكون تركه الميت خالية من الدين. وأن يكون الأولاد الكبار المذكورين حاضرين، وفي هذه الصورة لا يكون للولي عمل في التركة أصلا، وإنما يكون له عمل إذا كان للميت دين على الغير، فإن للوصي أن يحصل ذلك الدين ويعطيه لأولاد الميت الوارثين.
الصورة الثانية: أن يكون على الميت دين مستغرقا لجميع تركته، وفي هذه الصورة يكون للوصي عمل في التركة وهو بيعها جميعها لتسديد ذلك الدين، وكذلك إذا كان الدين مستغرقا لبعض التركة فإن الوصي يبيع من التركة بقدر الدين إلا إذا قدر الورثة على قضاء الدين فإن الوصي لا يكون له عمل.
الصورة الثالثة: أن يكون الميت قد أوصى بثلث ماله أو أقل، فإن عمل الوصي بيع ما ينفذ به الوصية إلا إذا نفذها الورثة فإنه لا يكون له عمل.
الصورة الرابعة: أن يكون الورثة غائبين في جهة تبعد ثلاثة أيام، فإذا كانت التركة خالية من الديون والوصية، فإن للوصي أن يبيع المنقولات وليس له أن يبيع العقار الثابت ولو خيف عليه الهلاك على الأصح. وكذلك إذا كانت التركة مشغولة بالدين فإن له أن يبيع المنقولات فقط، سواء كانت قدر الدين أو أكثر.
ومثل وصي الأب وصي وصيه. ووصي الجد، ووصي القاضي، ووصي وصيه، ووصي القاضي كوصي الأب إلا في شيء واحد وهو: أن القاضي إذا جعل أحدا وصيا في نوع فإنه لا يصح له أن يتعداه، أما الأب فإنه إذا جعل أحدا وصيا في نوع كان وصيا في الأنواع كلها. هذا وليس للقاضي أن يبيع ماله من اليتيم، أو يشتري لنفسه.
المالكية - قالوا: يجوز للأب أن يبيع ماله لولده الصغير ويشتري منه بشرط أن يكون ذلك في مصلحة الصغير، فإن كان لمصلحة الأب فإن البيع يفسخ ويرد المبيع إن كان باقيا على حاله. أما إذا ضاع أو تغير حاله فإن الأب يغرم قيمته، لا فرق في ذلك بين أن يكون الأب موسرا أو معسرا.
وكذلك يجوز للأب أن يبيع مال ولده الصغير "ومثله السفيه" للأجنبي بدون سبب من الأسباب التي سيأتي ذكرها في الوصي، لا فرق أن يكون مال الصغير عقارا للأجنبي بدون سبب من الأسباب التي سيأتي ذكرها في الوصي، لا فرق أن يكون مال الصغير عقارا ثابتا أو غيره بشرط أن يكون ذلك البيع لمنفعة الصغير، وليس له اعتراض عليه بعد رشده إذا كان ذلك. أما إذا باعه لمنفعة نفسه فإنه يفسخ كما تقدم.
ولا يجوز للوصي أن يبيع مال الصغير الذي له عليه ولاية إلا إذا تحقق واحد من أمور:
الأول: أن يكون البيع لحاجة كنفقة أو وفاء دين لا قضاء له إلا من ثمن المبيع.
الثاني: أن يبيعه بزيادة الثلث على ثمن المثل فأكثر، ويشترط أن لا يكون الثمن مالا حراما معروفا أنه حرام. أما المال المجهول أصله فهو في حكم الحلال.
الثالث: أن تكون العين المباعة بدل حكر فأراد الوصي أن يبيعها ليشتري بدلها عينا خالصة من الحكر، إلا إذا كان ريعها أكثر من غيرها فإنه لا يصح له بيعها في هذه الحالة.
الرابع: أن تكون حصة في دار أو أرض أو نحوهما، فيصح له أن يبيعها ويستدل بها غيرها تخلصا من ضرر الشركة.
الخامس: أن يكون ريعها قليلا أو لا ريع لها أصلا. فتباع ويستبدل بها عينا فائدتها أكثر.
السادس: أن يكون له منزل يسكنه بين جيران سوء يخشى ضررهم في الدين أو الدنيا، فيباع ويستبدل به منزل بين جيران صالحين.
السابع: أن يكون له شريط في عين ويريد شريكه أن يبيع العين ولا مال له يشتري به حصة الشريك، ولا يمكن قسمة العين فيصح بيعها وإن لم يستبدل بها غيرها.
الثامن: أن يخالف خراب داره ونحوه ولا مال له يعمره به إذا خرب فيبيعه ونحو ذلك.
التاسع: أن يكون له دار يخاف خرابها وله مال يمكن تعميرها به، ولكن بيعه أولى من تعميرها.
العاشر: أن يخشى على العين من ظالم كما إذا كان له أرض بين قوم يقبضونها أو يعتدون على ريعها ولم يستطع ردهم، فلا يجوز للوصي الذي أقامه الأب أن يبيع عقار الصغير القائم عليه إلا لسبب من هذه الأسباب. وهل يصدق بمجرد ذكر السبب بلسانه أو لا يصدق بل لا بد من إقامة البينة على ذلك؟
خلاف. بخلاف الأب فإنه لا يلزم ببيان السبب بل يحمل فعله على السداد كما تقدم. وليس للوصي أن يهب مال اليتيم بعوض "هبة الثواب". أما الحاكم أو وصيه الذي أقامه فإن له أن يبيع مال اليتيم الذي لم يجعل له أبوه وصيا عنه إذا دعت الضرورة إلى بيعه. بشروط:
أحدها: أن يثبت يقتمه.
ثانيها: أن يكون مهملا أي لم يعين له أبوه وصيا حال حياته.
ثالثها: أن يثبت ملك اليتيم لما يراد بيعه بأن يشهد شاهدان فكثر بأن هذا العقار مملوك للصغير.
رابعها: أن يرسل القاضي جماعة يعاينون هذا العقار ويبحثونه من الداخل والخارج، ثم يشهدون أمام القاضي أو أمام من يرسله القاضي من طرفه بأن هذا العقار الذي عاينوه هو ما شهد به أمام القاضي أنه مملوك للصغير. وإذا أبانت البينة الأولى حدود العقار ووصفته وصفا كاملا يستغنى بها عن بينة المعاينة وتسمى بينة "الحيازة".
خامسها: أن يشهر المبيع وينادي عليه ويعلن عنه.
سادسها: أن لا يوجد مشتر يرغبه بزيادة على الثمن الذي أعطي فيه.
سابعها: أن يكون الثمن المثل فأكثر.
ثامنها: أن يكون عينا فلا يصح أن يكون عرض تجارة لجواز أن يطرأ عليه رخص فيضر بمصلحة الصغير.
تاسعها: أن يكون حالا لا مؤجلا خوفا من أن يفلس صاحبه فيضيع على الصغير.
عاشرها: على القاضي أن يذكر في السجل الذي فيه الوقائع التي حكم فيها أسماء الشهود بأن يذكر في السجل؛ ثبت عندي بشهادة فلان وفلان يتم هذا الصغير، وبشهادة فلان وفلان أنه مهمل فلم يقم له أبوه وصيا وبشهادة فلان وفلان أنه مالك لمحل كذا الخ.
ومن هذا تعلم أن الحاكم لا يجوز له أن يبيع مال الصغير إلا إذا كان يتيما لا أب له ويقيم له أبوه وصيا ويعبرون عنه بالمهمل. ويشترط لصحة البيع أن يكون لسبب الحاجة لا غير. أما الأسباب الأخرى التي يبيع من أجلها الوصي فإنه لا يصح للقاضي ولا لوصيه أن يبيع من أجلها.
فيتحصل من ذلك كله أن الأب يبيع بشرط مصلحة الصغير بلا شرط ولا قيد بعد ذلك، والوصي الذي أقامه الأب يبيع لسبب من الأسباب التي ذكرت آنفا، والحاكم ووصيه لا يبيعان إلا لسبب واحد وهو الحاجة من نفقة أو سداد ولا وفاء له إلا من ثمنه بالشروط التي ذكرت.
هذا وللولي أن يأخذ بالشفعة للقاصر، وله أن يترك ذلك حسب المصلحة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 17-03-2021 01:15 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الشافعية - قالوا: ويجوز للولي أن يبيع العقار المملوك لمن له عليه ولاية كالدور والأراضي الزراعية ونحوها إذا احقق أحد أمرين:الأول: أن تدعو الحاجة إلى بيعه كنفقة وكسوة لم تف غلة ملكه بهما.
الثاني: أن تكون في بيعه مصلحة ظاهرة للمحجور عليه، وذلك بأن تكون صفقة البيع رابحة بأن يبيع بأكثر من ثمن مثله، ويمكن الحصول على مثله ببعض الثمن الذي بيع به فإذا لم يوجد واحد من هذين فلا يجوز للولي أن يبيع العقار المملوك للمحجور عليه، ومتى تحقق ما ذكر فإنه يصح له أن يبيعه بالنقد، وأن يبيعه لأجل ولكن بشرط أن يكون الثمن في حالة البيع لأجل أكثر مما إذا كان البيع نقدا. وعلى الولي أن يعمل ما يحفظ الدين من التوثق فيشهد على البيع ويرتهن به رهنا وافيا، فإذا أهمل ذلك كان عليه ضمان الثمن.
وعلى كل حال فيجب على الولي أن يتصرف بما فيه مصلحة المحجور عليه.
الحنابلة - قالوا: ليس للولي أن يشتري من مال الصغير والمجنون شيئا لنفسه ولا أن يرهن شيئا إلا إن كان أبا فإن له أن يفعل ذلك، لأن الأب بطبعه يسعى في مصلحة ابنه، فهو لا يفعل إلا ما فيه حظه بخلاف غيره. ويجوز للولي سواء كان أبا أو غيره أن يبيع عقار المحجور عليه لمصلحة ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله، وأنواع المصلحة كثيرة:
ومنها: الحاجة إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين ونحو ذلك مما لا بد للصغير أو المجنون، بشرط أن لا يكون عند المحجور عليه ما تندفع به الحاجة سوى المبيع.
ومنها: أن يخاف على العقار الهلاك بغرق أو خراب أو نحو ذلك.
ومنها: أن يكون في بيع العقار صفقة رابحة للقاصر كأن يباع بزيادة كثيرة على ثمن مثله ولا تتقيد بالثلث.
ومنها: أن يكون العقار في مكان لا ينتفع به، كأن يكون في حي غير عامر أو قذر فيبيعه ليشتري عينا في جهة آهلة بالسكان، أو جهة ترتفع فيها الأجرة.
ومنها: أن يرى الولي عينا تباع بسعررخيص لا يمكن شراؤها إلا ببيع العقار.
ومنها: أن يكون ساكنا في دار بين جيران سوء فيصح بيعها وشراء دار غيرها
(2) الحنفية - قالوا: عرفت مما تقدم في شرح تعريف الحجر أن الصبي إذا كان غير مميز لا ينعقد شيء من تصرفه. أما إذا كان مميزا فتصرفه على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يتصرف تصرفا ضارا بماله ضررا بينا كالطلاق والعتاق والقرض والصدقة، وهذا لا ينعقد أصلا فلا ينفذ ولو أجازه الولي.
الثاني: أن يتصرف تصرفا نافعا كقبول الهبة والدخول في الإسلام، وهذا ينعقد وينفذ ولو لم يجزه الولي.


الثالث: أن يتردد بين النفع والضرر كالبيع والشراء فإن الأصل فيه احتمال كون الصفقة رابحة أو خاسرة، فلا ينافي أنه قد تكون الصفقة بينة الربح، فتكون من القسم الثاني، لأن البيع والشراء في ذاته محتمل للأمرين. وهذا القسم ينعقد موقوفا على إجازة الولي وليس للولي أن يجيزه إذا كان فيه غبن فاحش، وقد تقدم بيان الغبن الفاحش في مبحثه.
والولي الذي تنفع إجازته هو الولي في باب المال وهو الذي تقدم بيانه. فإذا فقد فالقاضي أو من يقيمه القاضي، فإذا كان الأب موجودا أو وصيه فامتنع عن الإجازه القاضي نفذ أمر القاضي ويكون هذا حكما يرفع الحجر عن القاصر فلا يحجر عليه إلا بأمر قاض آخر.
ولا يلزم من ذلك أن يكون القاضي مقدما في الرتبة على الأب، لأن الأب في حالة امتناعه عن الإذن بما فيه المصلحة كان في حكم العاضل الذي يمنع بنته الزواج، فإن من حق القاضي أن يأذن بزواجها في هذه الحالة، فكذلك ما هنا.
وللقاضي أن يأخذ مال القاصر من الأب المبذر ويضعه في جهة مأمونة، كما أن له أن يستغل ماله بما فيه ربح له، وله أن يقرض ماله من رجل مالي مأمون إذا تعذر استغلاله بما فيه ربح أما الأب فليس له أن يقرض مال ابنه الصغير، وله أن يرهنه في دينه كما تقدم في مباحث الرهن.
وما يقع من الصبي والمجنون والمعتوه من الأعمال الضارة المتعلقة بالغير يكونون مؤاخذين بها مسؤولين عنها، فإذا أتلف واحد منهم مال غيره كان عليه ضمانه في الحال، ويستثنى من هذه القاعدة أمور أربعة:
-1 - إذا أقرض شخص مالا لواحد من هؤلاء فأكله لا يكون عليه ضمانه.
-2 - إذا أودع شخص عند واحد من هؤلاء شيئا فاضاعه أو أتلفه فقد ضاع على صاحبه ولا ضمان على المودع عنده، بخلاف ما إذا أودعها عند الأب أو الوصي فأتلفها واحد من هؤلاء المحجور عليهم فإنه يكون ملزما بها.
-3 - إذا أعار شخص أحد هؤلاء شيئا فأضاعه فإنه يضيع على صاحبه ولا يكون مسؤولا عنه.
-4 - إذا باع شخص لواحد من هؤلاء شيئا فأضاعه فقد ضاع على صاحبه، ولا يكون المحجور عليه مسؤولا عنه. ومحل كون المحجور عليه لا يضمن في المسائل الأربعة إذا لم يأذن الولي، أما إذا حصلت الوديعة أو القرض أو الإعارة أو البيع بإذن الولي فأهلكه المحجور عليه فإنه يكون ملزما به وعليه ضمانه.
وإذا أودع هؤلاء شيئا لا يملكه عند محجور عليه مثله فأهلكه المودع عنده، كان مالكه مخيرا بين أن يلزم به من أودعه أو من أودع عنده مثلا: إذا أخذ صبي مال زيد بدون علمه وأودعه عند صبي مثله فأهلكه الصبي الثاني، فإن زيدا مخير بين أخذه من الصبي الأول أو من الصبي الثاني. والفرق بين هذه المسألة وبين المسائل الأربع المتقدمة: أن المالك في المسائل الأولى سلط المحجور على ماله باختياره فكان مفرطا، أما في المسألة الثانية فإنه لم يسلطه إذ لم يودع عنده، فكان المحجور عليه مضيعا لمال الرجل بدون علمه.
وإذا جنى المجنون فإن جنايته لا توجب الحد، وكذلك الصبي والمعتوه. فإذا قتل واحد منهم فإنه لا يقتل ولكن تجب الدية على عاقلته، وعاقلته "هم الذين يتناصرون معه، سواء كانوا أهله وعشيرته، أو كانوا من أهل حرفته، أو أهل قبيلته، أو نحو ذلك مما هو مبين في محله".
المالكية - قالوا: إذا تصرف الصبي المميز ببيع وشراء ونحوهما من كل عقد فيه معارضة فإن تصرفه يقع موقوفا؛ ثم إن كانت المصلحة في إجازته تعين على الولي أن يجيزه؛ وإن كانت المصلحة في رده تعين على الولي أن يرجه، ويلزم القاضي برد الثمن إن كان باقيا، فإن كان قد أنفقه فإنه يؤخذ من ماله الموجود، فإن كان ماله الموجود قد نفذ ثم تجدد له مال فإنه لا يؤخذ منه شيء ويكون الثمن قد ضاع على المشتري، وهناك قولان آخران:
أحدهما: أن البيع يرد على أي حال والثمن يضيع على المشتري لأنه أهمل في أمر الشراء من القاصر وهو ضعيف.
ثانيهما: أن البيع ينفذ على أي حال وهو يعادل القول الأول، وعلى كل حال فيشترط في انعقاد بيع المميز وشرائه وشروط:
الأول: أن يكون البيع والشراء بالقيمة، فإن باع أو اشترى بغبن فإنه يرد بلا خلاف.
الثاني: أن يكون ذلك من أجل نفقته التي لا بد منها، فإذا باع واشترى من أجل شهواته التي يستغني عنها فإنه يرد بلا خلاف ويضيع الثمن على المشتري.
الثالث: أن تكون السلعة التي باعها هي أحق السلع بالبيع من ماله، فإن باع سلعة ينتفع باستغلالها مع وجود سلعة لا تستغل فإن البيع يرد بلا خلاف.
فإذا كان الصبي غير مميز فإن تصرفه لا ينعقد على أي حال. وكذلك لا ينعقد تصرف المميز في العقود التي لا عوض فيها، كما إذا وهب من ماله شيئا أو تصدق أو نحو ذلك، فإن تصرفه في ذلك يرد على أي حال.
وإذا تصرف الصبي سواء كان مميزا أو غيره في مال الغير فأضاعه بأن أنفقه على نفسه أو أتلفه، فإنه يكون عليه ضمانه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال كان عليه دينا في ذمته، حتى إذا وجد له مال أخذ منه. مثلا: إذا أودع شخص عند آخر وديعة فاستهلكها ابنه الصغير كان ذلك الابن ملزما بها، فيدفعها من ماله إن كان له مال، وإلا بقيت دينا في ذمته، وإلا إذا كان الصبي ابن شهر فأقل فإنه لا يضمن شيئا. لأنه يكون كالعجماء.
أما إذا أمن صاحب المال الصغير فأودع عنده وديعة أو أقرضه مالا فأتلفه الصغير فإنه لا يضمن، ويضيع على المالك أو المقرض، لأنه هو الذي أهمل في ماله فسلط عليه الصغير إلا إذا صرف الصغير ذلك فيما لا بد له منه، فإن في هذه الحالة يؤخذ من ماله بالقدر الذي ينفقه منه، مثلا: إذا كان من عادته أن يأكل كل يوم بقرش من ماله، فصار ينفق كل يوم قرشين من المال الذي اقترضه في أكله، فإنه يحاسب صاحب القرض على قرش واحد في اليوم ويرد له على ذلك الحساب. أما إذا أنفق من القرش أقل من ذلك فإن صاحبه يحاسبه على ذلك على الأقل.
وتصح وصية الصبي المميز في حال صحته وفي حال مرضه.
الشافعية - قالوا: لا يصح تصرف الصبي سواء كان مميزا أو غير مميز، فلا تنعقد منه عبارة ولا تصح له ولاية لأنه مسلوب العبارة والولاية. فإذا نطق الصبي الذي أبواه كافران بالإسلام لا ينفع إسلامه، ولو تولى نكاحا لا ينعقد، إلا أن الصبي المميز تصح عبادته كما يصح إذنه للغير بدخول الدار، بخلاف المجنون فإنه لا تصح منه عبادة ولا غيرها على أنه يصح تملك الصبي والمجنون بالاحتطاب ونحوه، فإذا احتطب فقد ملك الحطب الذي جمعه، فليس لغيره أن يأخذه منه، وكذلك إذا اصطاد فإنه يملك الصيد الذي يظفر به.
إذا أتلف الصبي أو المجنون مال غيره فإن ضمانه في ماله. وإذا وطئ المجنون امرأة فأحبلها ثبت نسب الولد منه بذلك الوطء الذي هو زنا في الصورة.
الحنابلة - قالوا: تصرف الصبي الذي لا يميز باطل مطلقا. أما الصبي المميز فإنه يصح إذا أذنه الولي، فينفك عنه الحجر فيما أذن له فيه من تجارة وغيرها، ويصح إقراره فيما أذن له فيه.
وللولي أن يدفع مال القاصر إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح، كما أن له أن يبيعه بأجل لرجل مليء وله هبته بعوض، ورهنه عند ثقة لحاجة، وله تعميره بما جرت به عادة أهل البلد
(3) الحنفية - قالوا: المجنون: هو الذي سلب عقله، فلا يعقل شيئا أصلا ولا يفيق بحال. أما الذي يعقل بعض الأشياء دون بعض ويكون قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يشتم ولا يضرب يعقل بعض الأشياء دون بعض ويكون قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يشتم ولا يضرب، فإنه يسمى معتوها، أما المجنون الذي يفيق أحيانا بحيث يزول ما به بالكلية فإنه في حال إفاقته يكون كالبالغ العاقل فلا يحجر عليه وينفذ تصرفه في هذه الحالة.
حكم المجنون الذي لا يعقل أصلا هو كحكم الصبي الذي لا يميز في جميع ما تقدم، فكل تصرفاته تقع باطلة، سواء كانت نافعة أو ضارة أو غيرهما، أما المعتوه فإنه كالصبي المميز في تصرفاته، وقد عرفت أنه إن تصرف تصرفا نافعا محضا كقبول هبة من الغير نفذ تصرفه بدون توقف على إجازة الولي، وإن تصرف تصرفا ضارا محضا كطلاقه لامرأته، وإقراضه ماله، أو هبته لغيره لا ينفذ ولو أجازه الولي، وإن تصرف في شيء يحتمل النفع والضرر عادة كالبيع والشراء فإنه ينعقد موقوفا على إجازة الولي، فللولي أن يجيزه وله أن يرده.
المالكية - قالوا: المجنون في أحكام الحجر كالصبي، سواء كان مسلوب العقل أصلا بحيث لا يفيق غالبا، أو كان مجنونا بالصرع أو كان مجنونا بالوسواس وهو الذي يخيل إليه أنه فعل ولم يفعل، ولا فرق بين أن يكون الجنون في الأحوال الثلاثة مطبقا أو متقطعا.
ويمتد الحجر على المجنون من حين جنونه إلى أن يفيق رشيدا، ثم إن كان جنونه قبل البلوغ كان الحجر عليه من حقوق أبيه أو وصيه إن كان له أي أو وصي، فإن لم يكن له أب ولا وصي أو كان ولكن طرأ عليه الجنون بعد البلوغ، فإن الحجر عليه حينئذ يكون من حق الحاكم وحده فإن كان جنونه قبل البلوغ ثم أفاق منه قبل البلوغ حجر عليه بسبب الصغر وقد عرفت أن الحجر بسبب الصغر من حقوق الأب والوصي. أما إذا أفاق بعد البلوغ ثم طرأ عليه السفه فإن الحجر عليه يكون من حق الحاكم كما عرفت، لأن السفه الذي يطرأ بعد البلوغ فإن الحجر به يكون للحاكم لا للأب والوصي وما أتلفه المجنون من مال الغير فإنه يكون مضمونا عليه. فيؤخذ من ماله إن كان له مال أو يبقى دينا في ذمته، فإن اعتدى على أحد في نفسه أو عضو من أعضائه فإن كانت جنايته توجب دية كاملة أو توجب أكثر من ثلث الدية حكم بها على عاقلته، وإن كانت أقل من ثلث الدية فإنها تؤخذ من ماله، فهو كالمميز في ذلك على الراجح، لأن الضمان لا يشترط فيه التكليف.
الشافعية - قالوا: متى جن شخص حجر عليه فلا تنفذ تصرفاته في شيء مطلقا، ووليه هو ولي الصغير الذي تقدم، وقيل: وليه الحاكم فقط. وإذا أتلف شيئا كان ضمانه عليه، كما إذا وطئ أجنبية فأحبلها فإن ولدها يثبت نفسه منه، ولا يرفع عنه الحجر إلا إذا زال جنونه تماما بحيث لم يبق فيه شائبة.
الحنابلة - قالوا: المجنون كالصغير في أحكام الحجر المتقدمة، إلا أن الصبي إذا بلغ وهو مجنون أو سفيه لا يحجر عليه إلا بحكم الحاكم، ولا ينظر في ماله إلا الحاكم وسيأتي بيان ذلك السفيه

ابوالوليد المسلم 17-03-2021 01:16 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث الحجر]
صـــــ 328 الى صــــــــ
337
الحلقة (117)

[مبحث الحجر على السفيه]
يحجر على السفيه كما يحجر على الصبي والمجنون، وفي تعريفه وما يتعلق به تفصيل في المذاهب(1) .
[الحجر بسبب الدين]
ويحجر على المدين في تصرفاته المالية حتى لا تضيع على الناس حقوقهم وأموالهم التي استدانها منهم، وفي ذلك تفصيل مبين في المذاهب (2) .
تم الجزء الثاني - ويليه الجزء الثالث وأوله مباحث المزارعة


(1) الحنفية - قالوا: الحجر على السفيه هو المفتى به في المذاهب وهو المختار كما تقدم، وتعريف السفيه: هو الذي لا يحسن إدارة ماله، فينفقه فيما لا يحل وفي البطالة، ويعمل فيه بالتبذير والإسراف، ومن الإسراف الموجب للحجر: دفع المال إلى المغنين واللعابين وشراء الحمام والديكة ونحوهما بثمن غال "غية" وصرف الأموال في المقامرة وغير ذلك من الأنفاق في غير ما يقتضيه العقل والشرع وكذلك إذا أنفق ماله في عمل من أعمال الخير، كبناء مدرسة أو مسجد أو مصح فإنه يعد سفيها ويحجر عليه، لأن الله تعالى إنما كلف الإنسان بعمل الخير إذا كانت حالته المالية تسمح بذلك، بحيث لا ينفق ماله ويفلس من أجل عمل الخير.
ولا يحجر على السفيه إلا بحكم الحاكم على الراجح، فإذا تصرف قبله فإن تصرفه ينفذ ويقع صحيحا، فإن رشد فإن رشده لا يثبت إلا بحكم الحاكم، وقال محمد: إن إفساده في ماله يوجب الحجر عليه، وإصلاحه يوجب فكه بقطع النظر عن الحاكم.
وقد عرفت أن الإمام يقول: إنه لا يحجر على الحر العاقل وإن كان سفيها، إلا أنه إذا لم يثبت رشده بعد بلوغه فإنه لا يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإذا تصرف في ماله بعد البلوغ قبل أن يبلغ ذلك السن فإن تصرفه ينفذ، لأنه ليس محجورا عليه، وإنما هو ممنوع عن ماله تأديبا وزجرا، ولكن هذا غير المفتى به.
وحكم السفيه المحجور عليه كحكم الصبي المميز في التصرفات التي تحتمل الفسخ ويبطلها الهزل كالبيع والشراء، أما التصرفات التي لا تحتمل الفسخ ولا يبطلها الهزل كالنكاح والطلاق والعتق فإنه لا خلاف في أن السفيه البالغ تنفذ تصرفاته فيه.
فإذا تزوج فإن زواجه ينعقد، ثم إذا سمى مهرا كثيرا فإنه لا يلزم إلا بمهر المثل ويبطل ما زاد عليه، وإن طلقها قبل الدخول وجب نصف المسمى، وإذا طلق ينفذ طلاقه، وإذا أعتق ينفذ عتقه، ولكن يلزم العبد بالسعي في قيمته، وكذلك تجب عليه العبادات المالية كالزكاة، وعلى القاضي أن يدفعها إليه ليفرقها، لأنها عبادة لا بد فيها من نية، ولكن يبعث معه أمينا كي لا ينفقها في غير وجهها.
وكذلك الحج فإنه يجب عليه ويصح منه، وكذلك سائر العبادات، أما الصبي فإن العبادات وإن كانت تصح منه ولكنها لا تجب عليه.
ويصح أن يوصي السفيه من ماله بالثلث إن كان له وارث، بشرط أن يوصي بالإنفاق على عمل خيري كالإنفاق على الفقراء والمساكين، أو بناء مصح أو قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك؛ أما إذا أوصى بملعب أو ناد أو نحو ذلك فإن وصيته تكون باطلة ولا تنفذ، أما الصبي فإن وصيته لا تنفذ.
وكذلك يعامل بإقراره إذا كسب مالا جديدا بعد الحجر عليه ولو لم يفك عنه الحجر، فإذا أقر لشخص بدين بعد الحجر عليه ثم كسب مالا أثناء الحجر. فإن للشخص أن يأخذ دينه من المال الجديد ولو لم يفك حجره.
أما السفيه الذي حجر عليه بسبب السفه فإن إقراره حال الحجر لا يعتبر لا بعد الحجر ولا في أثنائه، في المال الحاضر وقت الحجر أو المال المكتسب بعده.
المالكية - قالوا: السفه هو التبذير وعدم حسن التصرف في المال، فمتى اتصف الشخص بذلك سواء كان ذكرا أو أنثى فإنه يكون مستحقا للحجر عليه، فإذا عرض له السفه بعد بلوغه بزمن قليل كعام فإن الحجر عليه يكون من حقوق أبيه، لأن ذلك الزمن قريب البلوغ فكان في حكم الصبي، والحجر على الصبي من حقوق الأب كما تقدم. أما إذا عرض له السفه بعد البلوغ بزمن أكثر من عام فإن الحجر عليه لا يكون إلا بحكم لحاكم.
فإذا تصرف السفيه الذكر قبل الحجر عليه فإن ذلك يشمل أمورا:
أحدها: أن يكون السفه قد عرض له قبل البلوغ ثم استمر بعده وله أب أو وصي، حكم هذه الصورة قد عرفت مما تقدم، وهو أنه يستمر الحجر عليه من غير احتياج إلى فك وحجر جديدين، ويكون المرجع في تصرفه للولي كما تقدم.
ثانيها: أن يعرض له السفه وهو صغير ثم يبلغ سفيها وكان يتيما لا أب له ولا وصي ولم يقم الحاكم له قيما ويسمى بالسفيه المهمل. وحكم هذا: أن تصرفه قبل الحجر عليه بعد البلوغ يقع نافذا على الراجح، لأن العلة في عدم نفاذ التصرف إنما هي الحجر فمتى انتفى الحجر نفذ التصرف، فإذا وضع الحجر عليه فلا يرفع إلا بالحكم بفكه ولو صار رشيدا.
ثالثها: أن يعرض له السفه بعد البلوغ وتصرفه قبل الحجر عليه، وفي هذه الصورة ينفذ تصرفه أيضا.
أما إذا تصرف وهو صبي يتيم لا أب له ولا وصي قبل أن يقيم الحاكم له وصيا فإن تصرفه يكون باطلا بلا خلاف.
وإذا تصرفت الأنثى البالغة السفيهة التي لا ولي لها "وتسمى بالمهملة" فقال بعضهم: إن أفعالها تنفذ كالذكر. وقال بعضهم: لا تنفذ ما لم تتزوج ويدخل بها زوجها وتقيم معه مدة يحمل أمرها فيها على الرشد، واختلف في تقدير هذه المدة، وقد نقل بعضهم أن الذي كان عليه العمل في تقديرها هو أن يمضي عليها في بيت زوجها نحو السنتين أو الثلاث، فإذا تصرفت قبل هذه المدة فلا ينفذ تصرفها، فإذا لم تتزوج فإن أفعالها لا تنفذ إلا إذا بلغت سنا لم تعد صالحة فيه للزواج واختلف فيه، فقيل: هو حد الأربعين سنة، وقيل: من خمسين إلى ستين.
أما الصغيرة التي لها أب أو وصي فقد عرفت أنها محجورة بهما، ولا ينفك حجرها إلا إذا توفرت فيها الشروط المتقدمة وهي: البلوغ، والرشد - بمعنى حفظ مالها من الضياع - ويزاد على ذلك أن تتزوج ويدخل بها زوجها، ويشهد عدلان فأكثر على حسن تصرفها، فإن لم يدخل بها الزوج فإن الحجر يستمر عليها ولو شهد عدلان برشدها، ومتى تحققت هذه الشروط فإن الحجر يرفع عنها وتنفذ أفعالها على المعتمد. وبعضهم يقول: إن الحجر لا يرفع عنها إلا إذا مضى عليها عام بعد دخولها على زوجها وشهد الشهود بعد العام بصلاحها. وبعضهم يقول غير ذلك.
ولا تحتاج في رفع الحجر عنها بعد تحققه إلى أن يفك الحجر أبوها إذا كان وليها، وإنما تحتاج إلى ذلك إذا كان الولي غير الأب كما تقدم.
وصورة الفك أن يقول الوصي لعدلين أو أكثر: أشهدوا أني فككت الحجر عن فلان ومحجوري وأطلفت له التصرف وملكت له أمره، لما قام عندي من رشده وحفظه لماله.
وللأب أن يفك الحجر عن بنته بعد البلوغ مطلقا قبل الدخول أو بعده ولو لم يعلم رشدها من الشهود. أما الوصي فإن له أن يفك الحجر بعد الدخول بها ولو لم يعرف رشدها من الشهود وأما الذي أقامه القاضي ويقال له "مقدم القاضي" فالراجح أنه ليس له أن يفك حجرها قبل الدخول مطلقا، أما بعد الدخول فإن له أن يفكه إذا عرف رشدها من الشهود.
وتصح وصية السفيه كما تصح وصية الصبي المميز. وحكم تصرفه كحكم تصرف الصبي المميز المتقدم.
الشافعية - قالوا: السفيه هو المبذر في ماله، وهو الذي ينفقه فيما لا يعود عليه بمنفعة عاجلة أو آجلة، كأن يقامر به أو ينفقه في اللذات المحرمة الضارة بالبدن والعرض والدين كالزنا وشرب الخمر، أو ينفقه في المكروهات كأن يشرب به الدخان أو يضيعه بسوء تصرفه كأن يبيع ويشتري بالغبن الفاحس إذا كان لا يعلم به، أما إذا تساهل في بيعه وشرائه وهو عالم فإن ذلك لا يعد سفيها لأنه يكون من باب الصدقة. وكذلك إذا أنفق ماله في وجوده البر والخير كبناء المساجد والمدارس والمصحات والتصدق على الفقراء والمساكين فإنه لا يكون بذلك سفيها. بل لو أنفق ماله في اللذات المباحة كالملبس والمأكل والمشرب ولو توسع في ذلك بما لا يناسب حاله فإنه لا يعد سفيها. ومثل ذلك ما إذا أنفقه في التزوج ونحوه من كل متاع حلال فإنه يكون قد أنفقه في مصرفه، لأن المال إنما خلق لينفق في الخير وفي الاستمتاع بما أحله الله.
أما السفيه المبذر فإنه لا يخلو: إما أن يكون السفه قد عرض له وهو صغير ثم بلغ سفيها. وفي هذه الحالة يستمر الحجر عليه بدون حكم قاض وتكون تصرفاته غير نافذذة فإذا صار رشيدا فإن الحجر يزول بدون قاض أيضا. وأما إذا بلغ رشيدا ثم عرض له السفه فإن الحجر عليه يكون من حق القاضي، وإذا تصرف قبل الحجر يكون تصرفه نافذا لأنه في هذه الحالة يكون مهملا. فإذا تصرف السفيه المحجور عليه ببيع أو شراء أو إعتاق أو نكاح أو هبة فإن تصرفه يقع باطلا ولكن يصح طلاقه ومراجعته كما يصح خلعه، ويجب دفع عوض الخلع إلى وليه وغلا فلا يبرأ الدافع إلا إذا خالع بشرط أن يأخذ المال هو لا وليه، فإنه في هذه الحالة يبرأ الدافع إليه لأنه علق الخلع على أخذ المال، فلا يصح إلا إذا نفذ ذلك. وحكمه في العبادات المالية كالزكاة والحج وغيرهما من العبادات كالرشيد، إلا أنه لا يفرق أمثال الزكاة بنفسه ويصح منه النكاح إذا أذنه وليه، فإذا تزوج امرأة بإذن وليه وأمهرها مهر المثل فإن العقد يصح، أما إذا زاد على مهر المثل فالمشهور أن النكاح يصح أيضا وتلغو الزيادة. وإذا عين الولي له امرأة خاصة فتزوج غيرها فإن العقد لا يصح إلا إذا كانت خيرا منها جمالا وحسبا ولم تزد عليها مهرا ونفقة، فإن كانت كذلك فإن العقد يصح على المعتمد.
وإذا قال له الولي: إنني أدفع لك مهرا قدره كذا ولم يعين له المرأة التي يتزوجها فإن الإذن يصح، وله أن يتزوج بذلك المهر ما يشاء.
وإذا تزوج السفيه بلا إذن وليه فإن نكاحه يكون باطلا، ويفرق بينهما ولم يلزمه شيء وإن لم تعلم الزوجة أنه سفيه لأنها فرطت في عدم السؤال عنه.
وإذا اقترض السفيه شيئا أو اشتراه وقبضه وأتلفه فلا ضمان عليه لا في أثناء الحجر ولا بعد فكه عنه، لأن مالكه أهمل ماله وسلطه عليه وجزاء المهمل الخسارة ولا فرق في ذلك بين أن يكون عالما بأنه سفيه أو لا، لأنه في حالة عدم العلم يكون مقصرا.
إذا أقر السفيه بأنه استدان من شخص مالا قبل الحجر عليه أو بعده فإن إقراره لا يقبل وكذلك إذا أقر بأنه أتلف مال شخص، أو قتل دابة ونحو ذلك مما يوجب عوضا ماليا فإنه لا يقبل على الأظهر، ولا يعمل بإقراره بعد فك الحجر عنه. أما إذا أقر بما يوجب الحد والقصاص فإنه يعمل بإقراره.
ولا يصح إذن الولي في المعاملات سوى النكاح، فإذا أذنه في بيع أو شراء أو تجارة فإنه لا ينفعه إذنه ولا يفيده شيئا على الراجح. وقيل: ينفع بشرط أن يقدر الولي العوض كأن يقول له: اشتر السلعة بعشرة جنيهات. أما ما لا عوض له كالهبة فإنه لا ينفع فيه إذن بالاتفاق.
الحنابلة - قالوا: السفيه هو الذي لا يحسن التصرف في ماله، فإذا كان الشخص البالغ سفيها لا يحسن التصرف فإن الحجر عليه يكون من حق الحاكم، فإذا كان السفه صفة له وهو صغير ثم بلغ رشيدا ولكن عاوده السفه بعد البلوغ أعيد الحجر عليه بمعرفة الحاكم. ومثله المجنون كما تقدم ولا يفك الحجر عنه إلا بحكم، لأنه حجر ثبت بحكمه فلا يزال إلا به.
وإذا حجر على السفيه فإن تصرفاته تكون باطلة، وللولي أن يأذنه في بعض التصرفات فتنفذ ومن ذلك الزواج؛ فإن الولي إذا أنذه بأن يتزوج فباشر بنفسه فإنه ينفذ إلا إذا كان السفيه في حاجة إلى الزواج لمتعة أو خدمة فإن له أن يفعل وإن لم يأذنه وليه، وسواء طلب منه ومنعه أو لم يمنعه، ولكن لا ينفذ زواجه إلا بمهر المثل.
ويصح أن يطلق زوجه ويخلعها بمال يأخذه، ويلزم السفيه بحكمه في الحال بدون إذن وليه إلا أن مال الخلع لا يصح دفعه إليه، فإن دفعته المرأة إليه لا تبرأ منه، وإذا أضاعه فقد ضاع عليها.
وكذلك يصح منه الظهار واللعان كما يصح إقراره بنسب كأن يقول: إن هذا الغلام ابني ولدته أمه على فراشي، تلزمه أحكامه من النفقة وغيرها. وكذلك تصح وصيته كما تصح من الرشيد.
وتجب عليه الفرائض الدينية المتعلقة بالأموال كالزكاة، ولكنه لا يباشر صرفها بنفسه بل يفرقها وليه سائر تصرفاته المالية، ويصح منه نذر كل عبادة بدنية كالحج والصيام والصلاة، ولا تصح هبته ولا وقفه، لأن ذلك تبرع بمال وهو ليس أهلا للتبرع، ولا تصح شركته ولا حوالته ولا الحوالة عليه ولا ضمانه لغيره ولا كفالته.
وإذا أقر لغيره فمال فإن إقراره يصح، ولكن لا يلزمه ما أقر به في حال حجره، بل يلزمه بعد فك الحجر عنه، إذا علم الولي صحة إقراره بذلك الدين فإنه يلزمه أن يدفعه.
وعلى الولي أن ينفق عليه من مال بما هو متعارف بين الناس، وكذلك على من تلزمه مؤونته من زوج ونحوها وحكم ولي السفيه كحكم ولي المجنون المتقدم

يتبع

ابوالوليد المسلم 17-03-2021 01:17 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

(2) الحنفية - قالوا: كما أن السفه بالمعنى المتقدم سبب من أسباب الحجر. فكذلك الدين والغفلة، فأما الدين الذي يحجر به فهو: أن يستدين الشخص ديونا تستغرق أمواله "وتزيد عنها" فيطلب الدائنون الذين لهم هذه الديون من القاضي أنيحجر عليه، كي لا يتصرف في ماله الذي تحت يده فتضيع على الدائنين أموالهم، والحجر لا يكون إلا للقاضي، فمتى وضع عليه الحجر فلا يصح له أن يتصرف في ماله بصدقة أو هبة أو إقرار بمال لمن له عليه دين غير من حجر عليه بطلبهم. ولكنه يعامل بإقراره هذا بعد فك الحجر عنه. ويصح الحجر على المديون ولو كان غائبا ولكن يشترط لعدم نفاذ تصرفه علمه بالحجر "إعلانه" فإذا لم يعلم به وتصرف فإن تصرفه يقع صحيحا.
وللقاضي أن يبيع مال المحجور عليه بالدين لسداد الدائنين إذا امتنع من بيعه ويقسم بينهم بحسب حصة كل واحد في الدين.
وإذا تزوج المحجور عليه بسبب الدين صح تزوجه، وللمرأة أن تشترك مع الدائنين في مهر المثل، أما ما زاد على المثل فإنه يكون دينا في ذمته.
وللدائنين أن يلازموا المدين فيذهبوا معه حيث ذهب، ولكن ليس لهم منعه من السفر ولا حبسه بمكان خاص وللقاضي أن يحبس المدين بدينه في كل دين التزمه بعقد كالمهر والكفالة فإذا حبسه شهرين أو ثلاثة أشهر ولم يظهر له مال في خلال ذلك فإنه يطلق سراحه، وإن أقام البينة على أن لا مال له خلى سبيله لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} وتقبل البينة على الإعسار بعد الحبس فيطلق القاضي سراحه إذا شهد الشهود بأنه معسر.
ولا يضرب المحبوس بالدين، ولا يغل بقيد، ولا يخوف، ولا يجرد؛ ولا يكلف بالوقوف بين يدين صاحب الدين إهانة له، ولا يؤجر، ولكن يقيد إذا خيف هربه، ولا يخرج المدين لجمعة، ولا عيد، ولا حج، ولا لصلاة مكتوبة، ولا لصلاة الجنازة، ولا عيادة مريض ويحبس في موضع وحش لا يبسط له فرش ولا يدخل عليه أخذ ليستأنس به، وكفى بذلك زجرا للناس عن الديون والتورط فيها، لأن شريعتنا السمحة تجعل لصاحب الدين سلطانا على المدين في هذا الموقف الحرج. وقد عرفت أن هذا هو المختار المفتى به من مذهب الحنفية، أما الإمام فإنه يقول: لا يحجر على الحر البالغ بسبب الدين وإن استغرق كل ماله وطلب الغرماء الحجر عليه، ويعمل الحجر فيه شيئا فيصح أن يتصرف في ماله بجميع أنواع التصرف.
ومثل الحجر بسبب الدين: الحجر بسبب الغفلة، والغفلة هي: كون الشخص لا يتهدي إلى التصرفات الرائجة في بيعه وشرائه فيغير فيهما لسلامة قلبه وهي غير السفه، لأن السفيه هو المفسد لماله بالقصد والاختيار لتغلب الشهوات الفاسدة عليه واتباعه الغي والهوى أما ذو الغفلة "المغفل" فهو لا يفسد ماله قصدا ولا ينقاد لشهواته، ولكنه يخدع بسهولة فيستطيع الناس أن يغبنوه في ماله وليس هو المعتوه؛ لأن المعتوه يخلط في كلامه. وقد عرفت أن الإمام لا يرى الحجر على مثل هذا أيضا.
الشافعية - قالوا: يحجر على المدين بسبب الدين إن كان الدين أكثر من ماله، أما إن كان ماله أكثر أو مساو فإنه لا يصح الحجر عليه، ولا يحجر إلا إذا طلب الغرماء الحجر كلهم أو بعضهم، أو طلب هو الحجر على نفسه "كالمفلس الذي يشهر إفلاسه" ولا يصح الحجر إلا إذا حل الدين، أما إذا كان باقيا عليه مدة فإنه لا يصح.
ومتى طلب الغرماء الحجر فإنه يجب على القاضي أن يحجر على المفلس حالا. ومتى حجر عليه تعلق حق الغرماء بماله وصار ممنوعا من التصرف فيه، فيبطل تصرفه من بيع وهبة ونحوهما حتى يقبض دينه.
ويصح للمفلس المحجور عليه أن يتزوج ويبقى المهر دينا في ذمته لا في المال الذي تحت يده وكذلك يصح خلعه وطلاقه ونحو ذلك، وإذا أقر بدين عليه قبل الحجر فالأظهر أنه يقبل إقراره ويكون صاحب الدين شريكا لباقي الدائنين، أما إذا قال: إنه استدان بعد الحجر فإن إقراره لا يقبل، وإذا أقر بجناية لها عوض مالي بعد الحجر فإنه يقبل منه ويشارك المجني عليه الدائنين.
وإذا كان المحجور عليه بسبب الدين قد اشترى سلعة قبل الحجر ثم ظهر بها عيب فله أن يردها إن كانت المصلحة في ردها أما إذا كان العيب لا ينقص قيمتها وتساوؤ أكثر من الثمن الذي اشتراها به مع ذلك العيب فلا يجوز ردها.
ويستحب أن يبادر القاضي ببيع مال المفلس، ولا يشترط أن يكون المدين حاضرا وكذلك الدائنون وإنما يسن ذلك، ويجب أن يكون البيع بثمن المثل، وأن يكون الثمن حالا لا مؤجلا فإذا لم يكن كذلك، فإنه لا يصح البيع إلا برضاء المدين والدائنين، وإذا لم يوجد مشتر بثمن المثل حالا فإنه يجب الصبر إذا كان فيه أمل بأن يوجد له مشتر بثمن الحال، وما يتحصل من الثمن بعد البيع يقسم على الدائنين بنسبة ديونهم.
وإذا قسم ماله على الدائنين ثم ظهر غيرهم فإنه يشاركهم فيما أخذوه بنسبة دينه، فيأخذ من كل واحد منهم نصيبا بنسبة ذلك.
المالكية - قالوا: الدين سبب من أسباب الحجر، بشرط أن يستغرق الدين مال المدين ويزيد عليه، واختلف فيما إذا كان مساويا له فقيل: إنه يكون سببا في الحجر، وقيل: لا، واستظهر أنه يكون سببا لأن الغرض حفظ حق الدائن، فله منع كل ما ينقص دينه فإذا استغرق الدين كل مال المدين فإن لذلك أحوالا ثلاثة:
الحالة الأولى: أ، الدائنين لم يطلبوا من الحاكم تفليسه "نزع ماله منه وإعطائه للدائنين" وفي هذه الحالة يكون لهم الحق في منعه من التصرف فيما ينقص أموالهم، سواء كان دينهم حالا أو مؤجلا، فيمنعونه من التبرع والهبة والصدقة والوقف، ويمنعونه من أن يضمن شخصا أو يقرض شخصا معدما ونحو ذلك مما فيه ضياع أموالهم ولا يحل لأحد أن يقبل من المدين المستغرق هبة أو هدية أو نحو ذلك، وإذا كان لم يعلم ثم علم فإنه يجب عليه أن يرد ما أخذ لأن ذلك مال الغير، وكذلك لهم الحق في منعه من الإقرار بدين لشخص يتهم بأنه إنما أقر له فرارا من الدين كولده وزوجه، أما من لا يتهم معه فإن إقراره يعتبر.
وليس لهم الحق في منعه مما جرت به العادة كالصدقة القليلة للسائل وكنفقة العيدين والأضحية ونفقة ابنه وأبيه بدون إسراف، وكذلك ليس لهم الحق في منعه من البيع والشراء والهبة بعوض ونحو ذلك مما لا يترتب عليه نقص في المال عادة إنما يكون لهم الحق في تفليسه.
الحالة الثانية: أن يحكم الحاكم بتفليسه، أي بنزع ماله منه وإعطائه للدائنين، وهذا لا يكون إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أنيطلب الدائن التفليس، فلا يصح بدون طلبه، فلو طلب المدين تفليس نفس لا يصح، وإذا تعدد الدائنون فإنه يكفي تفليسه أن يطلبه بعضهم، ومتى فلسه الحاكم فإن الجميع يشتركون في ماله، سواء من طلب ومن لم يطلب.
الشرط الثاني: أن يكون الدين حالا، فلا يصح تفليسه بدين مؤجل.
الشرط الثالث: أن يكون الدين زائدا على ماله، فإن كان مساويا فإنه لا يصح تفليسه ويترتب على هذه الحال أربعة أمور:
أحدها: منعه من التصرفات المذكورة في الحالة الأولى.
ثانيها: منعه من البيع والشراء والتصرفات المالية.
ثالثها: قسمة ماله بين الدائنين.
رابعها: حلول الدين المؤجل إن كان عليه دين مؤجل. لا يلزم في الحكم بتفليسه أن يكون حاضرا، بل يحكم عليه وإن كان غائبا.
الحالة الثالثة: أن لا يرفع الغرماء الأمر إلى الحاكم، ولكنهم يقومون عليه فيستتر منهم فلا يجدونه فإن لهم أن يحولوا بينه وبين ماله ويمنعوه من التبرعات والتصرفات المالية بالبيع والشراء ونحوهما.
ويقسم مال المفلس المتحصل بالنسبة لمجموع الديون، فيأخذ كل واحد من دينه بتلك النسبة ولا تتوقف قسمة ماله على معرفة أنه ليس له دائنون غائبون، ولا يكلف الدائنون الحاضرون إثبات أنه ليس غيرهم.
ويحلف المدين بأنه لم يكتم من ماله شيئا، فإذا حلف وانتزع الدائنون أمواله من تحت يده على الوجه المذكور فإن الحجر ينفك عنه ولو بقي عليه دين، فإذا اكتسب مالا جديدا بميراث أو ربح تجارة أو هبة أو غير ذلك، فإنه يكون مطلق التصرف فيه إلا إذا حجر الحاكم عليه ثانيا. وللدائن أن يمنع المدين من سفره حتى يقتضيه دينه ولو كان الدين غير مستغرق للمال بشروط:
أحدها: أن يكون السفر طويلا بحيث يحل أجل الدين في غيبة المدين: أما إذا كان أمد الدين بعيدا عن المدين، فليس للدائن منعه من السفر.
الشرط الثاني: أن يكون المدين موسرا، أما إذا ثبت إعساره فإنه ليس له منعه من السفر.
الشرط الثالث: أن لا يوكل المدين عنه من يقوم بسداد الدين، فإذا كان موسرا ووكل عنه من يسدد دينه عند حلوله، أو ضمنه موسر فليس له منعه من السفر.
ويجوز حبس المدين الذي ثبت عليه الدين إلا إذا ثبت أنه معسر، أما إذا ثبت أنه موسر فإنه يحبس حتى يسدد دينه، أو يأتي بكفيل مالي. وإذا جهل حال المدين فإنه يحبس حتى يثبت أنه معسر.
الحنابلة - قالوا: الدين من أسباب الحجر، ولكن بشرط أن يكون الدين أكثر من ماله الموجود، ويسمى المدين الذي يستغرق الدين ماله ويزيد عليه مفلسا، لأنه ماله الذي تحت يده مستحق للغير فهو معدوم في الواقع، فيحجر على المفلس بواسطة الحاكم. ويشترط أن يطلب الدائنون كلهم أو بعضهم الحجر، فإذا لم يطلبوا لم يحجر عليه.
وجميع تصرفات المدين قبل الحجر عليه من البيع والهبة والإقرار وقضاء بعض الدائنين فافذة أما بعد الحجر فإنه لا ينفذ شيء من تصرفه في ماله ببيع أو غيره. وكل ما يتجدد له من مال بعد الحجر فإنه يكون كالموجود حال الحجر، فلا يصح له أن يتصرف فيه أيضا. وكذلك لا يصح الإقرار بشيء من ماله لغير الدائنين الذين حجروا عليه.
وبعد الحجر يبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الغرماء بحسب ديونهم على الفور. ولا يحتاج الحاكم إلى استئذان المفلس في البيع، ولكن يستحب أن يكون حاضرا كما يستحب أن يكون الدائنون حاضرين.
وإذا أقرضه أحد شيئا بعد الحجر أو باعه شيئا فليس له المطالبة إلا بعد فك الحجر عنه، وللدائن منع المدين من السفر بشروط.
الشرط الأول: أن يكون السفر طويلا يحل الدين قبل فراغه.
الشرط الثاني: أن يكون مخوفا ولو كان قصيرا؛ أما إن كان مأمونا لكنه قصير يحل الدين بعده فليس له منعه.
الشرط الثالث: أن لا يكون للدين رهن يفي به أو كفيل ذو مال، فإن كان ذلك فليس له منعه.
الشرط الرابع: أن لا يكون السفر لجهاد متعين، فإن كان لذلك فليس له منعه. وللحاكم حبس المدين الموسر الذي يمتنع عن الوفاء، والحبس للدين من الأمور المحدثة. وأول من حبس عليه شريح، وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: لي "مطل" الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته! وقد فسر عرضه بشكواه للحاكم، وعقوبته بحبسه




ابوالوليد المسلم 31-05-2021 09:16 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث المزارعة]
صـــــ 1 الى صــــــــ
9
الحلقة (118)


[الجزء الثالث]
[مقدمة [الجزء الثالث]]
-بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله تعالى حمدا كثيرا، وأصلي وأسلم على نبيه محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين."وبعد": فإنني لما وفقني الله لصوغ الجزأين الأول والثاني من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة "قسمي العبادات والمعاملات" بالعبارة التي ظهرا بها، رأيت من الجمهور إقبالا عليهما لسهولة وقوفهم على ما يريدونه من أحكام الفقه في مذاهبهم، وجمعهما كثيرا من تلك الأحكام المبعثرة التي يستنفذ الوقوف عليها مجهود أهل العلم الأخصائيين، فضلا عن غيرهم من عامة المسلمين فبعثني ذلك الإقبال على النهوض بتكملة سائر أبواب الفقه الإسلامي على المذاهب الأربعة "قسم المعاملات، وقسم الأحوال الشخصية". وصوغه بمثل هذه العبارات أو أوضح منها، كي ينشط الناس إلى معرفة أحكام دينهم الحنيف في بيعهم، وشرائهم، وأقضيتهم، وأنكحتهم، وما يتعلق بذلك، واستبان لهم سماحة الإسلام مع دقته في التشريع، وإحاطته بكل صغير وكبير مما يجري في المعاملات بين جميع طوائف البشر مما يتضاءل بإزائه تشريع المشرعين، وتقنين المقننين، من غربيين وشرقيين، فرنسيين ورومانيين، دعتهم عظمته، وحملتهم دقته وسماحته إلى الأخذ به، والتعويل عليه، فيعيشوا عيشة راضية مرضية، إذ ترتفع من بينهم أسباب الشقاق المفضية إلى ضياع الأموال والأنفس، وتوفر عليهم ما ينفقونه من الأموال في المواضع التي نهاهم الله عن الإنفاق فيها، كالإنفاق في الخصومات الباطلة وما إليها.
قال تعالى:
{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} الآية.ذلك بعض ما ينتجه العلم بأحكام الدين والعمل بها في دار الدنيا، أما في الآخرة فإن الله قد وعد العامل بدينه نعيما خالدا وملكا مقيما علىانني رأيت في أول الأمر أن ذلك العمل خطير بالنسبة لرجل ضعيف مثلي. وقد تطغى عليه مظاهر الحياة وتفتنه شواغلها، ولكن ثقتي بالله الذي هداني إلى إتمام العمل في الجزأين وأعانني عليه، جعلني أقدم على تنفيذ ما فكرت فيه لا أهاب صعوبة ولا أخشى مللا. لأنني لا أريد غير مرضاة ربي الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل شيء، ولا أبتغي إلا أن أكون مقبولا لديه في يوم لا ينفع فيه مال ولابنون، ومن استعان بربه وحده فإن الله كفيل بمعونته، وهو نعم المولى ونعم النصير. فهو وحده المسؤول أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يقيني شر الإفتتان بمظاهر الحياة الدنيا، وأن يحفظني من شر السعي وراء المغانم الدنيوية بوسائل الآخرة، وأن ينفع به المسلمين."وبعد": فقد كنت عزمت على أن أذكر حكمة التشريع بإزاء أحكامها، كما أذكر أدلة الأئمة، ولكني أعرضت عن ذلك لأنني رايت في مناقشة الأدلة دقة لا تتناسب مع ما اردته من تسهيل للعبارات، ورايت في ذكر حكم التشريع تطويلا قد يعوق عن الحصول على الأحكام، فوضعت حكمة التشريع في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
أما الأدلة:
فقد أفردها كثير من كبار علماء المسلمين بالذكر وكتبوا فيها أسفارا مطولة ولكن مما لا أشك فيه أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب فيها يبين فيه اختلاف وجهة نظر كل واحد منهم بعبارة سهلة، وترتيب يقرب إدراك معانيها، فلهذا قد عزمت على وضع كتاب في ذلك مستعينا بالله وحده، وبذلك تتم الفائدة من جميع جهاتها، ويعلم الناس أن أئمة المسلمين قد فهموا الشريعة الإسلامية قد جاءت بما مصلحة الناس جميعا، وأنها لم تترك صغيرة ولاكبيرة من دقائق التشريع وعجائب الأحكام إلا وقد أشارت إليه، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، فهي خالدة قائمة مدى الدهور والأزمان، لأنها من لدن حكيم عليم.
بسم الله الرحمن الرحيموما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله
[مباحث المزارعة والمساقاة ونحوهما]
-المزارعة، والمساقاة، والمخابرة ونحوها ألفاظها معان اصطلح عليها الفقهاء، تتعلق بها أحكام شرعية من حيث الحل والحرمة، والصحة والبطلان ولها معان لغوية أصل للمعاني الاصطلاحية وسنذكرلك بيان كل واحد منها فيما يلي:
[تعريف المزارعة]
-هي في اللغة مفاعلة مشتقة من الزرع،
والزرع له معنيان:
أحدهما: طرح الزرعة - بضم الزاي - وهي البذر، والمراد إلقاء البذر على الأرض. الإنبات، إلا أن المعنى الأول للزرع مجاز، والمعنى الثاني حقيقي، ولهذا ورد النهي عن أن يقول الإنسان زرعت بل يقول حرثت،
فقد روى البزار عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقول أحدكم زرعت وليقل حرثت"،
ومعنى هذا أنه لا يصح أن يقول زرعت ويريد المعنى الحقيقي للزرع وهو الإنبات لأن المنبت هو الله تعالى كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله: {أفرأيتم ماتحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} فقد نسب سبحانه لعباده الحرث وهو إلقاء البذرة، أما الإنبات فإنهم لا يستطيعون إدعاءه، إذ لو كان من عملهم لكان لازما، والواقع غير ذلك فقد يلقون البذر ولا ينبت أصلا،
أو ينبت ثم تجتاحه جائحة كما قال تعالى:
{لو نشاء لجعلناه حطاما} .
أما إذا قال: زرعت، وأراد منه المعنى المجازي، أي ألقيت البذر، فإنه جائز،
ولهذا روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولادابة ولاشيء إلا كانت له صدقة" فهذا صريح في جواز نسبة الزرع إلى الإنسان، إلا أن الواقع أن عمل الإنسان هو شق الأرض والقاء البذر وتعهدها بالوسائل العادية، أما الإنبات فليس لهو فيه عمل ما.
ومثل ذلك المعنى كما قال تعالى: {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} فخلق الجنين وتكوينه ليس من عمل الإنسان بأي حال.ثم إن المشهور أن مصدر المفاعلة لا يقع إلا بين اثنين كالمشاركة والمضاربة، فإن الأشتراك وهو المصدر الذي أخذت منه المضاربة واقع من اثنين.وقد يستعمل مصدر المفاعلة في فعل واحد فيقال إن المفاعلة ليست على بابها فهل الزرع الذي هو مصدر المزارعة مستعمل في فعل العامل الذي يزرع الأرض فقط فتكون المفاعلة ليست على بابها؟والجواب أنه يصح استعماله في الأمرين، وذلك لأنالزرع مسبب عن شيئين،
أحدهما:
فعل العامل وهو الحرث والبذر والسقي ونحو ذلك.
وثانيهما:
فعل المالك وهو تمكين العامل من الأرض والآلات التي يزرع بها فالزرع واقع بسبب الإثنبن، فالمفاعلة على بابها فإذا قطع النظر عن فعل المالك لظهورنسبة الزرع إلى العامل المباشر كانت المفاعلة على غير بابها.وبعضهم يقول إنه لا يصح قطع النظر عن فعل المالك البتة لأن مصدر المفاعلة يجب أن يكون بين اثنين إلا في أمور مقصورة على السماع كسافر وجاوز وواعد فإن مصدر هذه الأفعال مستعمل في فعل الواحد سماعا فلا يجوز قياس غيرها عليها، وحينئذ فلا يصح استعمال ضارب زيد عمرا بمعنى ضربه.
ومن هذا يتضح لك أن المزارعة معناها لغة:
الشركة في الزرع.أما معنى المزارعة في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب (1) .
(1) الحنفية ـ قالوا: المزارعة شرعا هي عقد على الزرع ببعض الخارخ من الأرض، ومعنى هذا أن المزارعة عبارة عن عقد بين مالك أرض وعامل يعمل في الأرض يشتمل على أن العمل يستأجر الأرض ليزرعها ببعض المتحصل من الزرع، أو أن المالك يستأجر العامل على أن يزرع له أرضه ببعض الخارج المتحصل من الأرض.
وهذا النوع من المعاملة مختلف فيه عند الحنفية فأبو حنيفة يقول إنه لا يجوز. وأبو يوسف ومحمد يقولان بجوازه. وقولهم هو المفتى به في المذاهب لأن فيه توسعة على الناس ومصلحة لهم.
وهذا النوع من المعاملة مختلف فيه عند الحنفية فأبو حنيفة يقول إنه لا يجوز. وأبو يوسف ومحمد يقولان بجوازه. وقولهم هو المفتى به في المذاهب لأن فيه توسعة على الناس ومصلحة لهم.
على أن أبا حنيفة قال بجواز المزارعة إذا كانت آلات الزرع والبذر، ويكون له بعض الخارج، بالتراضي لا في نظير الأجرة، وإنما منع أبو حنيفة المزارعة بالمعنى الأولى لورود النهي عن استئجار العامل ببعضض ما يخرج منعمله كما إذا استأجر إنسانا ليطحن له إردبا من القمح علىأن يأخذ كيلة من الدقيق الذي يطحنه وتسمى هذه المسألة (بقفيز الطحان) .
والمزارعة بالصورة الأولى استئجار للعامل ببعض ما يخرج من عمله على أن الممنوع هو أنيشترط الأخذ من دقيق الغلة التي يطحنها بخصوصها، أما إذا شرط له كيلة من الدقيق مطلقا فإنه يصح وله أن يأخذها من الدقيق الذي طحنه، ومثل ذلك ما استأجر ثورا من آخر ليطحن له أو استأجر رجلا ليجني له هذا القطن على أنيأخذ منه نصف قنطار مثلا فإنه لا يجوز أما إذا قال له اجن هذا القطن وأعطيك نصف قنطار من القطن الجيد ولم يشر للقطن الذي يجنيه العامل فإنه يصح. وله أن يعطيه منه بعد ذلك.
على أنه لاخلاف عندهم في جواز استئجار الأرض بالطعام سواء كان مماكان تنبته الأرض كالقمح والقطن أو كالعسل فكل ما يصلح ثمنا يصلح أجرة كما سيأتي في الإجارة.
وأما المخابرة (بفتح الباء) فهي مرادفة للمزارعة في المعنى الشرعي، فهي عقد على الزرع ببعض ما يخرج من الأرض، وأما في اللغة فهي مشتقة منالخبار وهو الأرض اللينة.
الحنابلة - قالوا: المزارعة هي أن يدفع صاحب الأرض الصالحة للزراعة أرضه للعامل الذي يقوم بزرعها ويدفع له الحب الذي يبذره أيضا على أن يكون له جزء مشاع معلوم من المحصول، كالنصف والثلث. فلا يصح أن يعين له إردبا أو إردبين أو نحو ذلك. ومثل ذلك ما إذا دفع له أرضا بها نبت ليقوم بخدمته حتى يتن نموه ويكون له نظير ذلك جزء معين شائع من ثمرته فإن ذلك يسمى مزارعة أيضا.
فالحنابلة يقولون بجواز المزارعة بالصورة التي يقول بها صاحبا أبي حنيفة إلا أنهم يخصون المالك بدفع الحب.
ومنا هذا تعلم أن الحنابلة يقولن بحل تأجير الأرض المعلومة مدة معينة ببعض ما يخرج منها كثلث غلتها ونصفها سواء كانت غلتها طعاما كالقمح والشعير أو غير طعام كالقطن والكتان وحكم الإجازة والمخارة كالمزارعة في المعنى الشرعي.
ثم إن الأصل في جوازها هو السنة الصحيحة، فمنها ما روى ابن عمرقال: عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع. متفق عليه.
المالكية - قالوا: المزارعة شرعا هي الشركة في العقد، وتقع باطلة إذا كانت الأرض منطرف أحد الشريكين وهو المالك والبذر والعمل والآلات من الشريك الثاني كما يقول الحنابلة والصاحبان. فما يفعله ملاك الأراضي الصالحة للزراعة في زماننا من إعطاء أرضهم لمن يزرعها وينفق عليها على أن يأخذوا نصف المتحصل من غلتها أو يأخذوه ويأخذوا معه نقودا كأن يسلموا فدانا للعامل ويأخذوا منه ثلاثة جنيهات مثلا ونصف ما يتحصل من زرع الفدان، فإنه غير جائز عند المالكية؛ لأنه يكون تأجيرا للأرض أو بعضها بما يخرج منها وهو ممنوع عندهم.
فالمزارعة التي تجوز هي أن تجعل للأرض قيمة أجرتها من النقود أو الحيوان أو عروض التجارة، كأن يقال إن أجرة هذا الفدان تساوي أربعة جنيهات: أو تساوي ثلاثة ثيران، أو تساوي ثوبا من القماش. ولا يجوز تقويم الأرض بغلة أو قطن أو عسل إذ لا يصح تأجير الأرض عندهم بالطعام ولا بما تنبته كما يأتي في الإجارة.
فإذا علمت أجرة الأرض فيقوم العمل بأن يجعل له قيمة، وكذلك تقوم آلات الزراعة، فإذا دفع المالك الأرض وكانت قيمة أجرتها خمسة جنيهات فإنه يصح للعامل أن يحسب قيمة عمله وقيمة نفقات الزرع ويجعلها في مقابل أجرة الأرض بما يخرج منها فالبذر يكون على كل واحد من الشريكين أن مناصفة فإذا بينت أجرة الأرض قيمة أجر العمل وآلات الزرع، كان لكل واحد من الشريكين أن يأخذ من الربح بنسبة ما دفعه فإن كانت قيمة الأرض خمسة وقيمة الآلات والعمل خمسة كان لكل واحد منهما نصف الربح، وعلى هذا القياس، فإذا اشترط أحدهما أن يأخذ أكثر مما يخصه فسدت.
هذه صورة المزارعة الجائزة عند المالكية. ومحصل ذلك أن الممنوع عندهم هو أن تشتمل الشركة على أجرة الأرض أو بعضها بما يخرج منها فمتى سلمت من هذا فإنها تحل إذا تساويا في الربح. وهذا هو المشهور عندهم، وبعضهم يقول إنه يجوز تأجير الأرض بما يخرج منها، ولكنه ضعيف في المذهب. على أن المالكية أجازوا تأجير الأرض، تبعا للمساقاة فإذا ساقاه على أرض مغروسة نخلا وصالحة لزراعة غيره فإن له أن يتعاقد معه على زرعها ببعض ما يخرج منها.
الشافعية - قالوا: المزارعة هي معاملة العامل في الأرض ببعض ما يخرج منها على أن يكون البذر من المالك، والمخابرة هي المزارعة إلا أن البذر فيها يكون على العامل، فليس على العامل في المزارعة إلا العمل بخلاف المخابرة، وكلاهما ممنوع عندهم لأنه لا يصح تأجير الأرض بما يخرج منها. وهذا هو المعتمد وأ جازها بعضهم.
وقد قالوا في علة المنع إن العقد فيها على شيء غير معروف لأن العامل يعمل في الأرض بدون أن يدري ما يصيبه ففيه غرر ويمكن تحصيل منفعة الأرض بتأجيرها إن كان مالكها عاجزا عن زرعها. وفي التأجير حسم للنزاع وبيان لحق كل منهما موضحا، فلأي شيء يترك التعاقد الواضح مع إمكانه ويعمل بتعاقد فيه غرر، وقد ورد النهي عن الخابرة والمزارعة في السنة لذلك. على أنهم أجازوا المزارعة تبعا للمساقاة كما يأتي.








الساعة الآن : 02:40 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 1,069.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,067.87 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.16%)]