رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 140 الى صــــــــ148 الحلقة (96) [حكم البيع ودليله] حكم البيع من حيث هو الإباحة، وقد تعرض له الوجوب وذلك في حال الاضطرار إلى طعام أو شراب، فإنه يجب شراء ما فيه حفظ النفس من الهلاك، ويحرم عدم بيع ما فيه حفظها. وقد يكون مندوباً كما إذا حلف عليه إنسان أن يبيع سلعة لا ضرر عليه في بيعها، فإنه يندب أن يبر اليمين وقد يكون مكروهاً كبيع ما يكره بيعه، وقد يكون محرماً كبيع ما يحرم بيعه مما سيأتي بيانه.أما كونه مباحاً فهو معلوم من الدين بالضرورة، فلا يحتاج إلى دليل، ولكن الأدلة على ذلك كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله، فأما الكتاب فقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} . وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} وقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} فهذه الآيات صريحة في حل البيع وإن كانت مسوقة لأغراض أخرى غير إفادة الحل، لأنه الآية الأولى مسوقة لتحريم الربا. والثانية مسوقة لنهي الناس عن أكل أموال بعضهم بعضاً بالباطل. والثانية مسوقة للفت الناس إلى ما يرفع الخصومة ويحسم النزاع من الاستشهاد عند التبايع. وأما السنة فكيرة منهما قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" رواه البخاري، وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يجب على الإنسان من العمل في هذه الحياة، فلا يحل له أن يهمل طلب الرزق اعتماداً على سؤال الناس كما لا يحل له أن يستنكف عن العمل، سواء كان جليلاً أو حقيراً، بل عليه أن يعمل بما هو ميسر له، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح سواء بسواء، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم" رواه مسلم، فقوله فبيعوا كيف شئتم صريح في إباحة البيع، وسيأتي بيان الحديث فيما ينهى عنه. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: "أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده" رواه أحمد والطبراني وغيرهما، والبيع المبرور: هو الذي يبر فيه صاحبه فلم يغش ولم يخن ولم يعص الله فيه، وحكمه حله ما يترتب عليه من تبادل المنافع بين الناس، وتحقيق التعاون بينهم، فينتظم بذلك معاشهم، وينبعث كل واحد إلى ما يستطيع الحصول عليه من وسائل العيش، فهذا يغرس الأرض بما منحه الله من قوة بدنية، وألهمه من علم بأحوال الزرع ويبيع ثمرها لمن لا يقدر على الزرع ولكنه يستطيع الحصول على الثمن من طريق أخرىن وهذا يحضر السلعة من الجهات النائية يبيعها لمن ينتفع بها، وهذا يجيد ما يحتاج إليه الناس من صناعة ليبيع عليهم مصنوعاته، فالبيع والشراء من أكبر الوسائل الباعثة على العمل في هذه الحياة الدنيا، وأجل أسباب الحضارة والعمران. [أركان البيع] أركان البيع ستة (1) : صيغة، وعاقد، ومعقود عليه، وكل منها قسمان: لأن العاقد إما أن يكون بائعاً أو مشترياً. والمعقود عليه إما أن يكون ثمناً أو مثمناً، والصيغة إما أن تكون إيجاباً أو قبولاً، فالأركان ستة: والمراد بالركن هنا ما يتوقف عليه وجود الشيء وإن كان غير داخل في حقيقته، وهذا مجرد اصطلاح، لأن ركن الشيء الحقيقي هو أصله الداخل فيه، وأصل البيع هو الصيغة التي لولاها ما اتصف العاقدان بالبائع والمشتري. ولكل ركن من الأركان أحكام وشروط سنذكرها لك على الترتيب الذي يلي: [الركن الأول: الصيغة] الصيغة في البيع هي كل ما يدل على رضاء الجانبين البائع والمشتري وهي أمران (2) : الأول: القول وما يقوم مقامه من رسول أو كتاب؛ فإذا كتب لغائب يقول له: قد بعتك داري بكذا أو أرسل له رسولاً فقبل البيع في المجلس فإنه يصح، ولا يغتفر له الفصل إلا بما يغتفر في القول حال حضور المبيع. الثاني المعاطاة: وهي الأخذ والإعطاء بدون كلام كأن يشتري شيئاً ثمنه معلوم له فأخذه من البائع ويعطيه الثمن وهو يملك بالقبض، ولا فرق بين أن يكون المبيع يسيراً كالخبز والبيض ونحوهما مما جرت العادة بشرائه، متفرقاً أو كثيراً كالثياب القيمة.وأما القول فهو اللفظ الذي يدل على التمليك والتملك، كبعت واشتريت ويسمى ما يقع من البائع إيجاباً (3) ، وما يقع من المشتري قبولاً، وقد يتقدم القبول على الإيجاب كما إذا قال المشتري: بعني هذه السلعة بكذا. وفي بيان الإيجاب والقبول تفصيل المذاهب(4) . ويشترط للإيجاب والقبول شروط منها: أن يكون الإيجاب موافقاً للقبول في القدر، والوصف والنقد، والحلول، والأجل، فإذا قال البائع: بعن هذه الدار بألف فقال المشتري: قبلتها بخمسمائة لم ينعقد البيع، وكذا إذا قال: بعتها بألف جنيه ذهباً فقال الآخر: قبلتها بألف جنيه ورقاً، فإن البيع لا ينعقد، إلا إذا كانت الألف الثانية مثل الأولى في المعنى من جميع الوجوه فإن البيع ينعقد في هذه الحالة. ومنها أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، فإن قال أحدهما: بعتك هذا بألف ثم تفرقا قبل أن يقبل الآخر فإن البيع لا ينعقد. ومنها أن يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض. أما الفاصل اليسير وهو الذي لا يدل على الإعراض بحسب العرف فإنه لا يضر (5) .ومنها سماع المتعاقدين كلام بعضهما، فإذا كانه البيع بحضرة شهود فإنه يكفي سماع الشهود بحيث لو أنكر أحدهما السماع لم يصدق. فإذا قال بعت هذه السلعة بكذا، وقال الآخر: قبلت. ثم تفرقا فادعى البائع أنه لم يسمع القبول، أو ادعى المشتري بأنه لم يسمع الثمن مثلاً فإن دعواهما لا تسمع إلا بالشهود. [الركن الثاني: العاقد] وأما العاقد سواء كان بائعاً أو مشترياً فإنه يشترط له شروط: منها أن يكون مميزاً فلا ينعقد بيع الصبي (6) الذي لا يميز، وكذلك المجنون، أما الصبي (3) المميز والمعتوه اللذان يعرفان البيع وما يترتب عليه من الأثر ويدركان مقاصد العقلاء من الكلام ويحسنان الإجابة عنها، فإن بيعهما وشراءهما ينعقد ولكنه لا ينفذ إلا إذا كان بإذن من الولي في هذا الشيء الذي باعه واشتراه بخصوصه. ولا يكفي الإذن العام، فإذا اشترى الصبي المميز السلعة التي أذنه وليه في شرائها انعقد البيع لازماً، وليس للولي رده. أما إذا لم يأذن وتصرف الصبي المميز من تلقاء نفسه فإن بيعه ينعقد، ولكن لا يلزم إلا إذا أجازه الولي، أما أجازه الصبي بعد البلوغ. ومنها أن يكون رشيداً. وهذا شرط لنفاذ البيع، فلا ينعقد بيع الصبي مميزاً كان أو غيره، ولا بيع المجنون والمعتوه والسفيه إلا إذا أجاز الولي بيع المميز منهم، أما بيع غير المميز فإنه يقع باطلاً، ولا فرق في المميز بين أن يكون أعمى أو مبصراً. ومنها أن يكون العاقد مختاراً فلا ينعقد بيع المكره ولا شراؤه لقوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} . وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما البيع عن تراضٍ" رواه ابن حبان وفي ذلك تفصيل المذاهب (7) .جنسهما وكان فيهما لبن أو بيض، بخلاف ما إذا كانا غير مأكولين وإن كان فيهما ما ذكر. التاسع: بيع بشرط الخيار وسيأتي بيان العقود التي يحص فيها شرط الخيار والتي لا يصح. العاشر: بيع شرط البراءة من العيب، وأما الفاسد فإنه ينقسم إلى أقسام كثيرة سنذكرها في بابه (1) الحنفية - قالوا: للبيع ركن واحد وهو الإيجاب والقبول الدالان على تبادل المكلين بين البائع والمشتري من قول أو فعل، وبعضهم يقول: إن له ركنين الإيجاب والقبول، والأخذ والإعطاء، وعلى كل حال فالحنفية قد نظروا في ذلك إلى الركن الحقيقي، وهو ما كان أصلاً للشيء داخلاً فيه (2) الشافعية - قالوا: لا ينعقد البيع إلا بالصيغة الكلامية أو ما يقوم مقامها من الكتاب والرسول، وإشارة الأخرس المعلومة، أما المعاطاة فإن البيع لا ينعقد بها، وقد مال صاحب الإحياء إلى جواز البيع في الأشياء اليسيرة بالمعاطاة لأن الإيجاب والقبول يشق في مثلها عادة (3) الحنفية - قالوا: الإيجاب هو ما صدر أولاً من أحد المتعاقدين، سواء كان بائعا كأن يقول: بعتك كذا، أو مشترياً كأن يقول: اشتريت منك كذا بألف فيقول: بعتك إياه، والقول هو ما صدر ثانياً (4) الحنفية - قالوا: ينعقد البيع والشراء بكل لفظين يدلان على معنى التمليك والتملك، كبعت، واشتريت، وأعطيت، وبذلت، وأخذت، ورضيت لك هذا الشيء بكذا، وأجزت ونحو ذلك، وينعقد بلفظ السلم والهبة والعوض كما إذا قال: أسلمت لك هذا بكذا ووهبته منك بكذا، أو قال: عوضت فرسي بفرسك، فأجابه بقوله: وأنا أيضاً، ثم إن كان الفعل ماضياً كبعتك هذا الشيء بكذا، أو كان مضارعاً لا يحتمل الحال والاستقبال كقوله: أبيعك الآن، فإن البيع ينعقد بهما بدون حاجة إلى نية، وبعضهم يقول: إن النية لازمة في كل حال، سواء كان الفعل ماضياً أو مستقبلاً. أما إن كان مضارعاً يحتمل الحال والاستقبال، أو كان متحمضاً للاستقبال بأن اقترن بالسين أو سوف كقوله: سأبيعك أو سوف أبيع فإنه لا ينعقد البيع إلا بنية الإيجاب في الحال بلا خلاف سواء كان الإيجاب والقبول كذلك، أو كان أحدهما ماضياً والآخر مستقبلاً، فإذا قال البائع: أبيعك هذا الثوب بكذا، وقال المشتري: أشتريه، فإن البيع لا ينعقد إلا إذا كان كل منهما ناوياً للإيجاب في الحال، وكذا إذا قال أحدهما: أبيع أو سوف أبيع، وقال الآخر: اشتريت، فإن كان الفعل أمراً كما إذا قال: بعني الثوب ونوى الإيجاب في الحال فلا ينعقد البيع إلا إذا قال له البائع: بعت ورد عليه المشتري بقوله: اشتريت فلا بد في نفاذ البيع بالأمر من ثلاثة ألفاظ لأن اللفظ الأول وهو بعني ملغى، لأن البيع لا ينعقد بالأمر أصلاً إلا إذا دل على الحال كقول البائع: خذ مني هذا الثوب بكذا، فيقول المشتري: أخذته، فإن البيع ينعقد بذلكن لأن خذ في معنى بعتك هذا الشيء فخذه، ولا ينعقد البيع إذا اقترن بالفعل استفهام ونحوه كقوله: هل تببعني، أو ليتك تببعني ونحو ذلك، ولكل واحد من البائع والمشتري حق الرجوع قبل قبول الآخر ما داما في المجلس، فإذا قال البائع: بعتك كذا ولم يجبه الآخر بالقبول فإن له أن يرجع، وكذا إذا قال له: اشتريت منك السلعة بكذا ولم يقل له: بعتك فإن له أن يرجع، وهذا يسمى خيار القبول في المجلس. يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
المالكية - قالوا: ينعقد البيع بكل قول يدل على الرضا كبعت واشتريت وغيرهما من الأقوال، ثم إن كان الفعل ماضياً كأن يقول البائع: بعت هذه السلعة، والمشتري: اشتريت، فإن البيع ينعقد به ويكون لازماً، فليس لواحد منهما حق الرجوع فيه لا قبل رضاء الآخر ولا بعده، حتى ولو حلف أنه لا يقصد البيع أو الشراء. أما إن كان الفعل أمراً كقول المشتري: بعني هذا السلعة بكذا فيقول له البائع: بعت فإنه ينعقد به البيع، ولكن في لزومه خلاف، فبعضهم يقول: إن له حق الرجوع وعليه اليمين بأنه لم يقصد الشراء، وبعضهم يقول: إن يلزم بهذا كلزومه بالماضي وليس له حق الرجوع على المعتمد. فإن كان الفعل مضارعاً كأن يقول البائع: أبيع هذه السلعة بكذا فرضي المشتري بذلك، فإن البيع لا يلزم البائع إذا رجع وقال: إنني لم أرد البيع، وإنما أردت المساومة أو المزاح ولكن عليه اليمين، وإذا رجع بعد رضاء المشتري فإذا حلف فذاك وإلا فيلزمه البيع، وإذا قامت قرينة على أنه يقصد البيع فإنه يلزمه ولو حلف. وذلك كأن يقول له المشتري: يا فلان بعني سلعتك بعشرة فيقول: لا، فيقول بأحد عشر فيقول: لا، ثم يقول البائع: أبيعها باثني عشر فيقول المشتري: قبلت. فإن البيع يلزم في هذه الحالة وليس له حق الرجوع، ولا ينفعه اليمين لأن تردد الكلام بينهما قرينة على عدم المزاح واللعب. وكذا لو قال المشتري: أشتري هذه السلعة بكذا فرضي البائع ثم رجع المشتري فإن له حق الرجوع، وعليه اليمين ما لم تقم قرينة على ا، هـ جاد في شرائه فإنه يلزمه الشراء، والحاصل أن البادئ بالماضارع سواء أكان بائعاً أم مشترياً فإنه لا يلزمه البيع، وله حق الرجوع وعليه اليمين إن رجع بعد رضاء الآخر، أما إذا رجع قبل رضائه فإن له ذلك الحق ولا يمين عليه، ومحل ذلك كله ما لم تقم قرينة على البيع والشراء أو عدمها وإلا عمل بها. وإذا قال شخص لآخر: بكم تبيع هذه السلعة: فقال له: بعشرة، فقال السائل: أخذتها بذلك، فأبى البائع أن يبيعها وقال: إنني أريد أن أعرف قيمتها أو أريد المزاح فالمعتمد في ذلك أن يرجع إلى القرائن، فإن قامت قرينة بأن حصل تماكس وتردد في الكلام كما ذكر في الصورة المتقدمة فإن البائع يلزم بالبيع، وإن قامت قرينة على عدمة فإنه لا يلزمه ولا يمين على البائع، وإن لم تقم قرينة على أحدهما فللبائع حق الرجوع وعليه اليمين إن رجع بعد رضاء الآخر. الشافعية - قالوا: ينعقد البيع والشراء بكل لفظ يدل على التمليك مفهم للمقصود، وهو قسمان: صريح. وكناية. فالصريح ما لا يحتمل غير البيع مما يدل على البيع والشراء كبعتك هذه السلعة بكذا، واشتريتها منك بكذا. وأما الكناية فهي اللفظ المحتمل لمعنى آخر غير البيع كقول البائع: أعطيتك هذا الثوب بذلك الثوب، أو أعطيتك تلك الدابة بتلك، فإن ذلك يحتمل البيع ويحتمل الإعارة. فإذا نوى بذلك البيع والشراء صح، فإن قرن اللفظ المحتمل بذكر الثمن يكون صريحاً كوهبتك هذه الدار بمائة دينار، فإن لفظ الهبة إن لم تكن مقترنة بذكر الثمن تكون هبة، فإن اقترنت بالثمن تكون بيعاً. وكذا كل لفظ يدل على التمليك إذا قرن بذكر الثمن كجعلت لك هذه الدار بثمن كذا، أو عوضتك هذا بكذا، أو صارفتك ذا بكذا، فكل هذا ظاهر الدلالة في البيع لذكر الثمن، ومثل ذلك ما إذا قال المشتري: اشتريت وقبلت فإن في ذلك دلالة ظاهرة على الشراء، بخلاف ما إذا قال: تملكت فقط، فإن ذلك كناية تحتمل التملك بالشراء وتحتمل التملك بالهبة وغيرهما. وكما ينعقد البيع بالصريح ويحل فكذلك ينعقد بالكناية ويحل، إلا أن الصريح أقطع للنزاع وأحسن في رفع الخصومات. ومن الكناية أن يأتي البائع بالمضارع في الإيجاب كأن يقول: أبيعك أو يأتي المشتري بالمضارع في القبول، كأن يقول: أقبل فإن البيع يصح فيهما بالنية، وإن كانت النية لازمة في كل صيغة كما يأتي في الشروط. وللشافعية فرق بين النية وقصد اللفظ لمعناه. ويصح أن يتقدم القول على الإيجاب كأن يقول المشتري: بعني كذا بكذا، فلفظ بعني معناه طلب الإيجاب وهو قائم مقام القبول، فيصح جعله من أفراده إذا كان بصيغة الأمر أما إذا كان بصيغة الاستفهام كقوله: هل تببعني كذا؟ فإنه لا يصح ولا يضر تقييد اللفظ بالمشيئة كقوله: اشتر مني كذا إن شئت ولكن بشروط أربعة: الأول أن يذكرها المبتدي سواء كان بائعاً أو مشترياً. الثاني أن يخاطب بها مفرداً، فإن خاطب بها جماعة فإنها لا تنفع. الثالث أن يفتح تاء المخاطب إن كان نحوياً. الرابع أن يؤخرها عن الصيغة سواء كانت إيجاباً أو قبولاً، فإن فقد شرط من هذه الشروط بطل العقد. أما إذا علق الصيغة بقول إن شاء الله، أو بأي تعليق لا يقتضيه العقد كقوله: إن شاء فلان؛ فإن ذلك يبطل العقد. الحنابلة - قالوا: كل لفظ يؤدي معنى البيع والشراء ينعقد به، فلا تنحصر الصيغة القولية في لفظ معين، فينعقد بالإيجاب من البائع بقول: بعتك، أو ملكتك، أو وليتك، أو أشركتك في كذا، أو وهبتكه بكذا، أو أعطيتك كذا بكذا ونحو ذلك. ومن المشتري بقول قبلت، أو رضيت، أو اشتريت، أو تملكت، أو أخذت، أو استبدلت ونحو ذلك، وهل يصح البيع بلفظ السلم والسلف أو لا؟ كأن يقول: سلفتك أو أسلمت لك كذا بكذا: خلاف، فقيل يصح، وقيل لا. ويجوز أن يتقدم القبول على الإيجاب ولكن يلمزم أن يكون بلفظ الأمر كأن يقول: بعني كذا بكذا، فإن كان بلفظ الماضي أو المضارع فإنه يجب أن يكون مجرداً عن الاستفهام والتمني والترجي فيقول: تببعني كذا، أو تببعني كذا بكذا، فإن قال: بعت صح. أما إن قال: هل بعتني أو هل تببعني؟ أو ليتك بعتني، أو لعلك بعتني فإنه لا يصح. ولا يضر تقييد البيع والشراء بالمشيئة، فلو قال البائع: بعت إن شاء الله، أو قال المشتري: اشتريت إن شاء الله صح البيع، ولكل من البائع والمشتري حق الرجوع ما داما في المجلس ولو بعد تمام العقد، لأن لهما خيار المجلس كما يأتي بيانه ولا ينعقد بيع الصبي ولو أذن له الولي. أما العبد فإن أذن له سيده فإن بيعه يصح وكذا شراؤه وإذا كان مكلفاً عاقلاً (1) الحنابلة - قالوا: يشترط في البيع أن يكون العاقدان مختارين ظاهراً أو باطناً، فإذا كانا مختارين في الظاهر فقط، كأن اتفقا على بيع عين لأحدهما فوراً من ظالم يريد اغتصابه، أو اتقاء شرجار حتى إذا ما أمن ذلك رد إليه ما باعه ورد هو ما أخذ من ثمن، فإن هذا البيع يقع باطلاً ولا ينعقد، لأنهما وإن تعاقدا باختيارهما ظاهراً ولكنهما في الباطن لا يريدان هذا البيع ويسمى هذا بيع التلجئة والأمان. ولا يشترط أن يقولا في العقد: إن هذا بيع تلجئة، فإذا سلمه العين على أن ينتفع بها من سكنى وإجارة وركوب وحلب في نظير ما أخذه من الثمن كان ذلك ربا، لأنه يكون عبارة عن إعطاء دراهم إلى أجل في نظير منفعة وهي الريح فهو في المعنى فرض بعوض، وعلى هذا يكون باطلاً من جميع الوجوه. ومثل بيع التلجئة بيع الهازل فإنه لم يرد حقيقته فهو غير مختار في المعنى. وتقبل دعوى بيع التلجئة والهزل بالقرينة الدالة عليهما مع اليمين لاحتمال كذبه، فإن لم توجد قرينة لم تقبل دعواه إلا ببينة. أما إذا باع شيئاً فراراً من ظالم ونحوه من غير أن يتفق مع المشتري على أن هذا بيع تلجئة وأمانة؛ فإن البيع يقع صحيحاً لأنه صدر من غير إكراه في هذه الحالة. وكذا لو أكره على أن يستحضر مالاً فباع ملكه في ذلك صح البيع، لأنه لم يكره على البيع، وإنما أكره على سبب البيع، إنما يكره الشراء منه لأنه بيع بدون ثمن مثله. ومن استولى على ملك رجل بلا حق فطلبه فجحده وقال: إنه لا يعترف له به إلا إذا باعه فاضطر لبيعه وقع البيع باطلاً لأنه مكره في هذه الحالة. وليس من الإكراه أن يلزمه الحاكم بالبيع وفاء لدين ونحوه، لأن هذا إكراه بحق، والذي يبطل البيع هو الإكراه بالباطل. الحنفية - قالوا: إن كل عقد يكره عليه الشخص ينعقد لأن القاعدة عندهم في المكره: أن كل ما يكره على النطق به ينعقد، ولكن أقواله التي يكره عليه منها ما يحتمل فسخ، ومنها ما لا يحتمل. فالذي يحتمل الفسخ كالبيع والإجارة، والذي لا يحتمل الفسخ كالطلاق والعتاق والنكاح والنذر. فإذا أكرهه ظالم على بيع ملكه فإن البيع ينعقد فاسداً ويملكه المشتري ملكاً فاسداً وللمكره أن يجيز البيع بعد زوال إكراهه، وله أن يسترد العين حيث وجدها، أما إذا أكرهه على طلاق ونكاح ونذر ونحوها، ثم تصرف فيما يترتب على ذلك كأن تزوج مطلقة فليس له أن ينقض تصرفه. وإذا أكرهه القاضي على بيع ماله لوفاء دينه بغبن فاحش كان البيع فاسداً. ويشترط لتحقيق الإكراه في البيع أن يكون مكرهاً على البيع، وعلى تسليم العين، وعلى قبض الثمن، فإن أكره على البيع فقط ثم سلم العين باختياره فإنه لا يكون مكرهاً لأن تسليم العين بالاختيار إجازة للبيع. وكذا إذا قبض الثمن باختياره فإنه لا يكون مكرها، وكذلك إذا اضطره إلى أمر يكون سبباً في إكراهه على البيع، كأن يلزمه بمال لا يقدر عليه فاضطر إلى بيع ملكه ليعطيه ذلك المال فإنه في هذه الحالة لا يكون مكرهاً على البيع فيقع العقد نافذاً، وإذا استرد العين التي أكره على بيعها فإن عليه رد الثمن إن كان باقياً في يده لأن العقد فاسد، أما إن هلك الثمن فلا يؤخذ منه شيء. ومثل عقد المكره في الفساد عقد الهازل وعقد التلجئة. فالهازل وإن كان يتكلم بصيغة العقد باختياره، ولكنه لا يرضى ثبوت الحكم ولا يستحسنه ولا يلزم من الاختيار الرضا، فإن الاختيار وهو قصد الشيء وإرادته وأما الرضا فهو استحسانه. فالهازل مكره في الحقيقة، لأن المكره على شيء يختاره ولكنه لا يرضاه. وأما عقد التلجئة فهو أن يأتي أمراً باطنه خلاف ظاهره وصورته أن يقول البائع: ألجئ إليك داري مثلاً لأتمكن بجاهك من صيانتها؛ ومعناه: ألتجئ إليك فراراً من ظلم، فإذا اتفقا على ذلك ثم تبايعا على ذلك الاتفاق فإن البيع فاسد. المالكية - قالوا: الإكراه الذي يمنع نفاذ البيع هو الإكراه بغير حق، وهو ينقسم إلى قسمين، الأول: إكراه على نفس البيع. وذلك كأن يكرهه ظالم على بيع كل ملكه أو بعضه. والثاني إكراه على شيء يجبره على البيع كأن يكرهه ذلك الظالم على أن يعطيه مالاً غير قادر عليه، فيضطر لبيع ملكه ليحصل له ذلك المال فهو لم يكرهه على نفس البيع وإنما أكرهه على سبب البيع، وحكم الأول أنه بيع غير لازم، فللبائع أن يرد ما باعه متى أمكنه، وعليه أن يرد الثمن الذي أخذه ما لم يكن قد تلف منه بدون أن يفرط في حفظه فإذا أقام البينة على أنه تلف منه على هذا الوجه فإنه لا يلزم برده، بل يسترد سلعته بدون أن يرد ثمنها. وأما الإكراه على سبب البيع ففيه خلاف: فبعضهم يقول: إنه بيع غير لازم أيضاً، وبعضهم يقول: إنه بيع لازم. والأول هو المشهور في المذهب، ولكن الثاني هو الذي عليه العمل، وذلك لأن فيه مصلحة البائع، إذ لو فرض أن ظالماً طلب من شخص مالاً لم يكن قادراً عليه فسجنه لذلك وعنده عين إذا باعها يحصل على ذلك المال ويخلص من عذاب السجن، فإذا قلنا إن بيعها غير لازم لم يقدم أحد على شرائها وفي ذلك ضرر بالمسجون فلذا أفتى كثير من أئمة المالكية بلزوم البيع للمصلحة. وعلى القول بعدم لزومه، فإذا استرده البائع فعليه أن يرد ما أخذه من الثمن على المعتمد. أما الإكراه بحق فإنه لا يمنع نفاذ البيع. بل قد يكون واجباً وذلك كما إذا أجبر السلطان عاملاً من عماله على بيع ما في يده ليعطي للناس ما أخذه من أموالهم ظلماً، فإن هذا الإكراه مطلوب إلا إذا كان ذلك العامل قد اغتصب منهم عيناً باقية في يده فإنه يردها لهم بدون أن يجبر على بيع ما عنده. وكذلك إذا حكم القاضي ببيع ملك المدين لإيفاء الغرماء حقوقهم، فإنه إكراه بحق لا يمنع نفاذ البيع. الشافعية - قالوا: بيع المره لا ينعقد رأساً إلا إذا قصد إيقاع العقد ونواه حال الإكراه، فإنه في هذه الحالة لا يكون مكرهاً، وينقسم الإكراه إلى قسمين: إكراه بغير حق وهو الذي لا ينعقد معه البيع، سواء أكرهه على التسليم وقبض الثمن أو لم يكرهه، لأنه إذا سلم باختياره أو قبض الثمن باختياره مع بطلان صيغة العقد فإنه لا يعتبر هذا بيعاً، إذ لا ينعقد البيع إلا بصيغة صحيحة. وإذا أكرهه على أمر يضطره إلى البيع كما إذا طلب منه ظالم مالاً غير موجود معه فجبره ذلك على بيع ملكه فإن البيع في هذه الحالة صحيح على الصحيح، لأنه لم يكره على البيع، وإنما أكره على سببه. وعلى المكره أن يرد ما أخذه من ثمن إلا إذا هلك في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه. أما الإكراه بحق فهو كأن يكرهه الحاكم أو من له شوكة على بيع ملكه وفاء لدين عليه وهذا الإكراه لا يضر العقد فيقع معه صحيحاً نافذاً. وبيع الهازل فيه وجهان: أصحهما انعقاد البيع نظراً للفظ |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
|
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
وأما شروط النفاذ فهي شيئان: الأول: أن يكون المبيع مملوكا للبائع، أو له عليه ولاية، فنفذ بيع غير المملوك كما لا ينعقد. الثاني: أن لا يكون في المبيع حق لغير البائع، فلا ينفذ بيع المرهون والمستأجر، لأنه وإن كان محبوسا في يده ولكن للغير حق فيه فلا ينفذ بيعه. وأما شرائط صحة البيع فتنقسم إلى قسمين: عامة تتعلق بجميع أفراد البيع. وخاصة تتعلق أيضا ولا ينعكس، فإن الفاسد ينعقد وينفذ إذا اتصل به القبض، ويزاد عليها أمور: منها أن لا يكون البيع مؤقتا، فإن أقته بوقت فإنه لا يصح. ومنها أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة، فإن باع شيئا مجهولا جهالة يترتب عليها النزاع فإن البيع لا يصح وذلك كأن يبيع شاة من قطيع غنم أو يبيع شيئا بقيمته من غير أن يعين الثمن. ومنها أن يكون البيع فيه فائدة. فلا يصح بيع الدرهم بالدرهم المساوي له من كل الوجوه كما تقدم. ومنها الخلو عن الشرط الفاسد، كأن يشتري الناقة بشرط أن تكون حاملا. وأما الخاصة: فمنها القبض في الصرف قبل الافتراق: ومنها أن يكون الثمن الأول معلوما في بيع المرابحة والتولية والوضعية. وأما شرط اللزوم فهو خلو البيع عن الخيار، فإن البيع بشرط الخيار لا يلزم. المالكية - قالوا: شروط البيع منها ما يتعلق بالصيغة، ومنها ما يتعلق بالعاقد بائعا كان أو مشتريا، ومنها ما يتعلق بالمعقود عليه ثمنا كان أو مثمنا. فيشترط في الصيغة أمران: الأول أن يكون القبول في المجلس. فلو قال البائع: بعتك الدار بكذا فلم يجبه ثم تفرقا من المجلس فليس للمشتري أن يقبل بعد ذلك. الثاني: أن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض عن البيع عرفا. فإن وجد فاصل يدل على الإعراض عرفا لم يلزم البيع ولو لم يتفرق المجلس. ومتى تحقق الشرطان فليس للبائع أن يرجع عن البيع إذا قال للمشتري: بعتك قبل قبوله على المذهب. أما شروط العاقد فهي نوعان: شروط انعقاد، وشروط لزوم، فيشترط لانعقاد البيع شروط واحد وهو العقل بائعا كان أو مشتريا، فلا ينعقد البيع إذا كان العاقد صبيا غير مميز، أو مجنونا أو مغمى عليه، أو سكران إذا كان على حالة لا يميز معها شيئا، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السكر بحلال أو حرام. ويشترط للزومه اربعة شروط. الثاني: أن يكون غير محجور عليه، فلا يلزم المحجور عليه لسفه ونحوه وينفذ بيع الصبي المميز والمحجور عليه بإذن وليهما كما تقدم. الثالث: أن يكون غير مكره، فلا يلزم بيع المكره على التفصيل المتقدم. الرابع: أن يكون العاقد مالكا أو وكيلا عن مالك فلا يلزم بيع الفضولي. ويشترط في المعقود عليه خمسة شروط: أحدهما أن يكون طاهرا، فلا يصح بيع نجس ولا متنجس لا يمكن تطهيره. ثانيهما أن يكون منتفعا به شرعا، فلا يصح بيع آلة اللهو. ثالثها أن يكون غير منهي عن بيعه، فلا يصح بيع كلب الصيد ونحوه. الرابع أن يكون مقدورا على تسليمه، فلا يصح بيع الطير في الهواء، ولا الوحش في الفلاة. الخامس أن يكون المبيع والثمن معلومين للمتعاقد، فلا يصح بيع المجهول سواء جهلت ذاته أو صفته، أو جهل قدره. فجملة شروط البيع اثنا عشر. ومن هذا تعلم أن كل عقد لازم فهو صحيح وليس كل صحيح لازما كما في بيع الصبي فإنه صحيح غير لازم، وكل صحيح منعقد وبالعكس. الحنابلة - قالوا: يشترط للبيع شروط بعضها يتعلق بالصيغة، وبعضها يتعلق بالعاقد، وبعضها يعلق بالمعقود عليه. فيشترط في الصيغة أمران: أن يكون القبول في المجلس، فإذا قال البائع: بعتك ثم تفرقا قبل القبول من المجلس لم ينعقد البيع. وأن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض عن البيع عرفا. ويشترط في العاقد سواء كان بائعا أو مشتريا أن يكون مختارا، فلا يصح بيع المكره على التفصيل المتقدم. وأن يكون بالغا رشيدا، فلا يصح بيع الصبي المجنون والسكران والسفيه إلا في الصبي المميز والسفيه المميز على التفصيل المتقدم. ويشترط في المعقود عليه سواء كان مبيعا أو ثمنا أن يكون فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة، فلا يصح بيع ما لا نفع فيه أصلا كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة كالخمر وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب، وما فيه منفعة مباحة للضرورة كالميتة حال الاضطرار. ويشترط في المعقود عليه أن يكون المبيع مملوكا لبائعه وقت العقد ملكا تاما، وأن يكون مقدورا على تسليمه حال العقد، فلا يصح بيع جمل شارد، ولا بيع نحل، ولا طير في الهواء، سواء كان الطير مما يألف الرجوع أو لا. وكذا لا يصح بيع سمك في لجة ماء إلا إذا كان في بركة ماؤها صاف يشاهد فيه السمك، وكان غير متصل بنهر، ويمكن أخذ السمك منه، فإن بيعه يصح في هذه الحالة. وأن يكون المعقود عليه من مبيع وثمن معلوما للمتعاقدين. وكل ما لا يصح أن يكون مبيعا كذلك لا يصح أن يكون ثمنا (4) الشافعية - قالوا: يثبت خيار المجلس بعد تمام العقد بدون شروط الخيار، بل لو اشترط العاقد عدم الخيار بطل البيع لأنه شرط يقتضي العقد عدمه، لأن الخيار في المجلس ثبت بالنص لا بالاجتهاد فأصبح من مقتضى العقد، وكل شرط لا يقتضيه العقد فهو باطل، والخيار إما أن يكون لدفع الضرورة وهو خيار النقض، وإما أن يكون للتروية وله سببان: المجلس والشرط فأقسامه ثلاثة. ويثبت خيار المجلس عندهم في كل عقد توفرت فيه خمسة قيود: الأول: أن يكون عقد معاوضة أي محتو على عوض من المتعاقدين، فخرج بذلك الهبة بدون عوض لأنها ليست عقد معاوضة كما هو ظاهر. فلا خيار فيها بعد. أما قبله فللواهب الرجوع وكذا بعده، أو كان أصلا فيما وهببه لفرعه. وكذلك خرج صلح الحطيطة وهو الصلح من الشيء على بعضه، كأن يصطلح معه على أن يحط له شيئا مما عليه فإنه لا معاوضة فيه فلا خيار فيه. الثاني: أن يفسد العقد بفساد العوض. وذلك كأن يبيع له عنيا ليست مملوكة له، فإن أحد العوضين وهو المبيع في هذه الحالة فاسد، فالبيع فاسد بفساد العوض فيصح الخيار في كل عقد يفسد بفساد عوضه فإنه لا خيار فيه وذلك كالنكاح والخلع فلو تزوجها على مال مملوك للغير لم يفسد العقد وعليه مهر المثل، وكذا لو خالعته على مال ليس مملوكا لها فإن الخلع لا يفسد وعليها القيمة. الثالث: أن تكون المعاوضة واقعة على عين لازمة من الجانبين أو على منفعة مؤبدة بلفظ البيع والأول كالثمن والمثمن من البائع والمشتري. والثاني كأن يبيع لجاره حق وضع الخشب على حائطه، فإنه بيع منفعة مؤبدة. وخرج بقوله: عين لازمة من الجانبين الشركة والقراض. لأن كلا منهما جائز من الجانبين. وكذلك خرج الرهن لأن العين فيه وإن كانت لازمة ولكن من جانب واحد، أما الجانب الآخر فله أن يسترد العين المرهونة بسداد ما عليه، وكذا خرج به ما كانت لمعاوضة فيه واقعة على منفعة غير لازمة كالإجارة والمساقاة. فكل هذه لا خيار فيها. الرابع: أن لا يكون في المعاوضة تملك قهري خرج به الشفعة، لأن التملك فيها بالقهر والإجبار فلا معنى للخيار فيها، وبعضهم يقول: إن الخيار ثابت في الشفعة للشفيع، بمعنى أن له الخيار في رد العين التي ملكها بالشفعة أو إمساكها. الخامس: أن تكون المعاوضة غير جارية مجرى الرخص كالحوالة والقسمة لعدم ظهور البيع فيهما. وبهذا الضابط يتيسر عد العقود التي يقبت فيها خيار المجلس كالآتي: عقد البيع المطلق، والسلم، والهبة بشرط العوض، وبيع الطعام يسمى بيعا ربويا. والتولية: أو صلح المعاوضة على غير منفعة كأن يصطلحا على أن كلا منهما يدفع لصاحبه مالا بدون أن يشترط منفعة مقابلة. أما إذا اشترط منفعة فإن العقد يكون إجارة لا بيعا، وذلك كأن يقول له: صالحتك من الدراهم التي لي عليك على أن أسكن في دارك سنة مثلا فمثل هذا إجارة لا خيار فيه على الصحيح، وهكذا كل عقد معاوضة توفرت فيه القيود التي ذكرت فإنه يثبت فيه خيار المجلس، أما العقود التي لم تتوفر فيها الشروط فيمكن عدها كالآتي أيضا: النكاح، والخلع، والإجارة، والهبة بلا عوض، صلح الحطيطة، الشفعة، المساقاة، الشركة، القراض، الرهن، الإجارة. وهكذا كل عقد لم تتوفر فيه القيود التي ذكرت. ويسقط خيار المجلس بأمرين: الأول: ذكر ما يدل صريحا على أنهما قد التزما عقد البيع كأن يقولا: اخترنا لزوم العقد، أو أمضيناه، أو أجزناه، أو أبطلنا الخيار. أو أفسدنا الخيار اختيارا لا كرها. أما إذا لم تكن صيغة إبطال الخيار صريحة كما إذا قالا: تخايرنا ولم يذكرا عقد البيع فإن ذلك يحتمل الفسخ والإمضاء فيصدق من ادعى أنه أراد تخايرنا فسخه على أن يحلف اليمين. وكما أن الخيار يسقط بذكر الصيغة التي تدل على نفاذ العقد يسقط كذلك بالتصرف في البيع في المجلس، فلو باع المشتري السلعة التي اشتراها للبائع بغير ثمنها كان ذلك إجارة تسقط الخيار. وإذا قال أحد المتعاقدين: اخترت لزم العقد ولم يقل الآخر، بطل خيار القائل فقط، وإذا اختار أحدهما لزوم العقد واختار الآخر فسخه قدم الفسخ. الأمر الثاني: أن يتفرقا عن المجلس بأبدانهما، فمتى ترك المجلس واحد منهما وانصرف بطل الخيار، والمراد بالتفرق ما يعده الناس فرقة في عرفهم. ويشترط في التفرق أن يكون بالاختيار، فإذا فرق بينهما كرها بسبب من الأسباب يبقى الخيار. ومدة خيار المجلس غير محددة، فلو مكثا مكانهما أياما كثيرة لم ينقطع الخيار، وإذا مات أحدهما أو جن انتقل الخيار لوراثة. الحنابلة - قالوا: يثبت خيار المجلس للمتعاقدين، ولو لم يشترطاه ولو بعد تمام العقد، فلكل واحد منهما إمضاء العقد وفسخه ما داما في المجلس، ولو أقام شهرا أو أكثر إلا إذا تفرقا كرها. كما إذا حملهما على التفرق سبع ونحوه، أو ظالم طلع عليهما، ونحو ذلك، فإن التفرق في هذه الحالة لا يسقط الخيار، ومتى تم العقد وتفرقا لزم البيع. فليس لواحد منهما الفسخ إلا بعيب أو خيار شرط. ويثبت خيار المجلس في أمور: الأول الشركة في ملكه في نظير أن يدفع له قسطا من ثمنه المعلوم لأنها صورة من صور البيع، أما الشركة في غير ذلك فلا خيار فيها. الثاني الصلح على مال سواء كان عينا أو نقدا لأنه بيع أيضا. الثالث الإجارة على عين كدار أو حيوان. أو الإجارة على نفع في الذمة بأن استأجره لبناء حائط أو خياطة ثوب، لأن الإجارة نوع من البيع. الرابع الهبة بشرط العوض. الخامس كل عقد بيع قبضه شرط في صحته، فيثبت في الصرف لأنه يشترط في صحته القبض، والسلم، وبيع المكيل والموزون بمثلهما. ولا خيار في قسمة الإجبار لأنهما إفراز حق لا بيع، كما لا خيار في المجلس في بقية العقود كالمساقاة، والمزارعة، والحوالة، والإقالة، والشفعة، والجعالة، والشركة، والوكالة، والمضاربة، والعارية، والهبة بغير عوض، والوصية قبل الموت، والوديعة، والنكاح، والخلع، والرهن، والضمان، والكفالة، فلا يثبت خيار المجلس في شيء من ذلك، وشرط عدم الخيار لا يبطل العقد وإنما يسقط الخيار فقط. ويسقط الخيار المجلس بأربعة أمور: الأول أن يشترطا عدم الخيار قبل تمام العقد كأن يقولا: تبايعنا على أن لا خيار بيننا، أو يقول أحدهما: بعتك على أن لا خيار بيننا فيقول الآخر: قبلت ولو لم يزد على ذلك فإنه في هذه الحالة يسقط الخيار. والثاني: أن يسقطا الخيار بعد تمام العقد كأن يقول كل منهما: اخترت إمضاء العقد أو التزامه، وإذا أسقطه أحدهما أو قال لصاحبه: اختر، سقط خياره وبقي خيار صاحبه. الثالث: أن يتفرقا عن المجلس بأبدانهما عرفا، فإذا فارق احدهما صاحبه لزم، سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع أو قصد حاجة أخرى، ولكن تحرم الفرقة بغير إذن صاحبه بقصد لزوم البيع وعدم فسخه، لما في الحديث من أنه: "لا يحل لأحد المتبايعين أن يفارق صاحبه خشية أن يستقبله" رواه النسائي. والرابع: موت أحد المتعاقدين فإنه يبطل خيارهما لأنه أعظم فرقة. وكذا يبطل خيارهما إذا هرب أحدهما من صاحبه، أما إذا جن إحدهما أو أغمي عليه فلا يسقط خياره. الحنفية - قالوا: خيار المجلس لا يثبت للعاقد إلا بالشروط، فإذا تم العقد بينهما من غير شرط الخيار أصبح لازما سواء أقاما بالمجلس أو تفرقا، وإنما الذي للعاقد في المجلس بدون شرط هو خيار القول، فإذا قال للبائع: بعتك، فله أن يرجع قبل أن يجيبه المشتري كما تقدم. ويحملون الحديث على هذا فيقولون: إن معنى الحديث أن لهما خيار المجلس بالشرط. المالكية - قالوا: لا خيار في المجلس أصلا بل الخيار ينقسم إلى قسمين: الأول: خيار الشرط ويسمى الخيار الشرطي، وخيار التروي "النظر والتفكر في إمضاء العقد ورده" وهذا القسم هو الذي ينصرف إليه الخيار عند الإطلاق في عرف الفقهاء. الثاني: خيار النقيصة ويسمى الخيار الحكمي، وسببه ظهور عيب في المبيع أو استحقاق للغير فيه. أما حديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فهو وإن كانت روايته صحيحة إلا أن عمل أهل المدينة كان على خلافه، وعمل أهل المدينة مقدم على الحديث وإن كان صحيحا، لأنه في حكم المتواتر الموجب للقطع، بخلاف الحديث فإنه وإن كان صحيحا لكنه خبر آحاد يفيد الظن، فالأول مقدم عليه. وإذا شرط العاقد خيار المجلس في البيع فسد العقد، ومن هذا تعلم أن الحنفية والمالكية متفقون على أن لا خيار في المجلس: إلا أن الحنفية يقولون: إنه يثبت بالشرط والمالكية يقولون: إن شرطه يفسد البيع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
|
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الثالث: الدواب وفيها تفصيل: لأنها إما أن تكون من الدواب التي ليس من شأنها أن تركب كالبقر والغنم والطيور، والخيار في هذه من ثلاثة أيام إلى خمسة كالخيار في عروض التجارة، أما الدواب التي من شأنها أن تركب فإن كان الخيار فيها لمعرفة رخصها وغلائها وسمنها مع معرفة ركوبها أيضا ونحو ذلك فهو من ثلاثة أيام إلى خمسة أيضا، وإن كان الخيار فيها لمعرفة حال ركوبها فلا يخلو: إما أن يكون ذلك في البلد أو خارج البلد، فإن كان في البلد فالخيار فيها يومان لا أكير. وإن كان خارج البلد فالخيار فيها مسافة بريدين لا أكثر، وبعضهم يقول: إن الخيار في الدواب ثلاثة أيام وما يقرب من الثلاثة مطلقا، سواء كان الخيار للركوب أو لغيره. أما اليوم والبريد فهو مخصوص بالركوب. الرابع: الخيار في الرقيق وهو من ثمانية أيام إلى عشرة. وكما يفسد البيع بشرط الخيار أكثر من المدة المقررة في كل ما ذكر. فإنه يفسد أيضا بشرط مدة مجهولة كما إذا قال: أبيعك على أن لي الخيار إلى أن تمطر السماء، أو إلى أن يقدم زيد المسافر ولم يعلم أمد قدومه. ويصح شرط الخيار بعد تمام عقد البيع "بتة" كما يصح ابتداء قبل البت، فإذا باع شخص لآخر سلعة وبعد تمام البيع جعل البائع الخيار للمشتري في هذا البيع أو جعل المشتري الخيار للبائع كأن قال له: أنت بالخيار في إمضاء هذا البيع ورده، فإن ذلك يصح ويكون بيعا جديدا مستأنفا، فكأن البائع قال للمشتري: بعتك هذه السلعة على أن يكون الخيار لك إذا كان الخيار من قبل البائع وكأن المشتري قال للبائع: اشتر مني هذه السلعة على أنك بالخيار إذا كان الخيار من قبل المشتري، ولكن يشترط في صحة بيع الخيار بعت بت العقد أن يكون المشتري قد دفع الثمن للبائع على المعتمد، أما إذا لم يكن قد دفع له الثمن فإنه لا يصح، لأن الثمن يكون حينئذ دينا في ذمة المشتري فأخذ في نظيره سلعة بخيار، وهذه السلعة يحتمل ردها إذا فسخ العقد، فيكون البائع حينئذ قد فسخ ما وجب له في نظير مؤخر غير ثابت وهو غير جائز، ويكون ضمان المبيع في حالة الخيار بعد تمام العقد على المشتري، لأنه بيع جديد كما علمت، فمال يوجد في المبيع يكون المشتري مسؤولا عنه، سواء جعل المشتري الخيار للبائع أو العكس. الشافعية - قالوا: مدة الخيار ثلاثة أيام فأقل بشرط أن تكون متصلة بشرط الخيار، وأن تكون متوالية، فإذا اشترط مدة مجهولة كأن قال: لي الخيار أياما أو أبدا بطل العقد، وكذا إذا لم تتصل المدة بالشرط كأن قال: بعتك الآن على أن يكون لي الخيار من الغد مثلا بطل العقد، وكذلك إذا اتصل يوم من الثلاثة بالعقد كيوم الخميس مثلا ثم اشترط اليومان من يوم السبت فإن العقد يبطل، ولا تدخل الليالي في الأيام، فإذا قال: لي الخيار ثلاثة أيام تنتهي المدة في نهاية اليوم الثالث ولا تدخل ليلته، وإنما احتسبت ليلتا اليوم الأول والثاني لضرورة الحساب إذ لا يمكن الوصول إلى اليوم الثاني إلا بعد أن تمضي ليلة اليوم الأول، فلو اشترط دخول الليلة الثالثة في الحساب بطل العقد. الحنابلة - قالوا: يشترط في مدة الخيار أن تكون معلومة ولا حد لها، فلهما أن يشترطاه شهرا وسنة وغير ذلك، إنما الذي لا يصح هو أن يشترطاه مدة مجهولة كبعتك بالخيار متى شئت، أو شاء فلان، أو نزل المطر، أو هبت الريح: أو قال أحدهما: لي الخيار ولم يذكر مدة، أو شرطاه إلى الحصاد ونحو ذلك، وفي هذه الحالة يلغو الشرط ويصح البيع مع فساد الشرط، وإن شرطاه مدة غير متوالية كأن شرطاه عشرة أيام على أن يثبت يوما ولا يثبت يوما صح في اليوم الأول فقط، وابتداء المدة في شرط الخيار من حيث العقد، فإن شرطاه على أن يكون من حين التفرق لم يصح الشرط لجهالته لأن وقت تفرقهما مجهول (3) الحنابلة - قالوا: ينتقل الملك في زمن الخيارين: خيار الشرط، وخيار المجلس إلى المشتري ويخرج عن ملك البائع، سواء كان الخيار للمتعاقدين أو لأحدهما بائعا أو مشتريا، فإذا تلف المبيع في زمن الخيارين أو نقصت قيمته بعيب فلا يخلو: إما أن يكون قد بيع بكيل أو وزن أو عدد أو ذرع أو لا، فإن كان الأول فإن ضمانه يكون على المشتري إذا قبضه واستلمه، لأنه ملكه وقد وضع عليه يده فيكون مسؤولا عنه، أما إذا لم يقبضه فإن ضمانه يكون على البائع. وإن كان الثاني فإن ضمانه يكون على المشتري في حالتين: الأولى أن يستلمه ويقبضه بالفعل. الثاني: أن لا يستلمه ولكن لم يمنعه البيع من استلامه وقبضه، وأما إذا أراد استلامه فمنعه البائع فإن البائع يكون مسؤولا عنه. وإذا تلف المبيع في يد المشتري بطل خياره واستقر الثمن في ذمته. ويترتب على انتقال الملك إلى المشتري آثار الملك الأخرى، فيكون مكلفا بمؤونة الحيوان الذي اشتراه ونحوه. وإذا حلف لا يبيع أو لا يشتري فباع أو اشترى بشرط الخيار فإنه يحنث لوجود صفة البيع والشراء. وكما ينتقل ملك المبيع للمشتري، فكذلك ينتقل الملك في الثمن للبائع وليس للشفيع الأخذ بالشفعة في مدة الخيار وإن كان الملك قد انتقل للمشتري لأن شرط الخيار منعه من التصرف فيه باختياره، فأصبح بذلك ملكه قاصرا. فإذا اشترى شخص دارا من آخر أن يكون له الخيار، فليس للشفيع أن يأخذها بالشفعة حتى تمضي مدة الخيار. وما ينتج عن المبيع فيه تفصيل: لأنه إما أن يكون منفصلا عنه أو متصلا به، فإن كان منفصلا عنه كثمرة وولد ولبن فإنه يكون للمشتري ولو كان في يد البائع، وإذا تلف عند البائع بدون تعد ولا تفريط لا يضمنه للمشتري، لأنه أمانة عند البائع لا يضمنها إلا إذا فرط فيها أو تعدى عليها. الشافعية - قالوا: يخرج المبيع من ملك البائع إذا انفرد أحد المتبايعين بالخيار، فإن كان الخيار للبائع لم يخرج المبيع عن ملكه، وإن كان للمشتري خرج المبيع عن ملكه للمشتري وإن كان الخيار لهما معا كان الملك موقوفا، فإن تم البيع ظهر أن الملك للمشتري، من حين العقدن وإن فسخ اعتبر كأنه لم يخرج عن ملك البائع، لا فرق في ذلك بين خيار الشرط وخيار المجلس. ثم إن الفوائد المتحصلة من المبيع سواء كانت منفصلة كاللبن، أو متصلة كالحمل الحادث في زمن الخيار تكون لمن انفرد بالخيار من بائع أو مشتر، وتكون موقوفة إذا كان الخيار لهما معا يستحقها من يظهر له الملك. أما الحمل الموجود قبل الخيار فهو مبيع مع أمه فحكمه حكمها، والفوائد المتحصلة غير الحمل تتبع الأصل في رد المبيع وإمضائه. وإذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار فلا يخلو: إما أن يكون التلف قبل القبض أو بعده فإن كان قبل القبض انفسخ البيع على أي حال، سواء كان الخيار لهما أو لواحد منهما، وإن كان القبض فلا يخلو: إما أن يكون الخيار للبائع، أو للمشتري أو لهما، فإن كان الخيار للبائع انفسخ البيع أيضا ويسترد المشتري الثمن، ويرجع عليه البائع بالقيمة بأن يأخذ منه فرق الثمن إذا كان الثمن زائدا على القيمة، وإن كان للمشتري أو لهما يبقى الخيار، فإن تم العقد بأن أجازه المشتري الثمن، وإن لم يجزه لزمته القيمة. الحنفية - قالوا: الخيار إما أن يكون للبائع، أو للمشتري، أو لهما. فالأول وهو ما إذا كان الخيار للبائع، فإن المبيع لا يخرج ملك البائع باتفاق. أما الثمن فإنه يخرج عن ملك المشتري باتفاق، وهل يدخل في ملك البائع خلاف: وفي هذه الحالة إما أن يقبضه المشتري أو يتركه في يد البائع، فإن قبضه وهلك في يده فإنه يكون ملزما بقيمته للبائع، وتعتبر قيمته من يوم قبضه لا من يوم هلاكه، فعلى المشتري في هذه الحالة أن يدفع المبيع للبائع سواء زادت عنه أو نقصت. ولا فرق في ذلك بين أن يهلك من بقاء البيع أو فسخه، فلو فسخ البائع البيع في مدة الخيار وبقي المبيع في يد المشتري ثم هلك، كان المشتري ملزما بقيمته أيا كانت. أما إذا مضت مدة الخيار ولم يفسخ البيع ثم هلك المبيع فيكون ملزما بثمنه لا قيمته لسقوط الخيار بانتهاء المدة واستقرار البيع وإذا طرأ على المبيع عيب وهو في يد البائع فنقصت قيمته فإن خياره لا يفسد، لأن ذلك العيب لم يكن بفعله فلا يكون مسؤولا عنه. وللمشتري الخيار في هذه الحالة، فإن شاء أخذ المبيع بثمنه، وإن شاء فسخ البيع. أما إذا كان النقص بفعل البائع فإنه يكون مسؤولا عنه، فيقبض من ثمنه بقدر ما أصابه من النقص. وإذا هلك المبيع في يد البائع من كون الخيار له انفسخ البيع، ولا شيء على البائع ولا على المشتري. الثاني: وهو ما كان الخيار فيه للمشتري أو لأجنبي، وحكمه أن الثمن لا يخرج عن ملك المشتري باتفاق. والمبيع يخرج عن ملك البائع باتفاق ولكن هل يدخل المبيع في ملك المشتري بعد خروجه من ملك البائع أو لا؟ خلاف. فأبو حنيفة يقول: إنه لا يدخل في ملك المشتري، لأنه لو دخل في ملكه من كون الثمن مملوكا له أيضا للزم عليه اجتماع البدلين في ملك أحد المتعاقدين، وذلك لا أصل له في الشرع في المعاوضة، لأنها تقتضي المساواة بين المتعاقدين في تبادل ملك المبيع والثمن. والصاحبان يقولان: إنه يدخل في ملك المشتري، لأنه لو لم يدخل لكان سائبة غير مملوك لحد، وأجيب بأنها ليست سائبة لأنه ملك البائع لا يزال متعلقا به. على أن عدم دخوله في ملك المشتري لا يمنع ترتب بعض آثار الملك عليه، فإن نفقته تجب على المشتري بالإجماع، وإذا تصرف المشتري فيه مدة الخيار جاز تصرفه ويكون ذلك إجازة منه. وسواء دخل في ملك المشتري أو لم يدخل، فإنه إذا قبضه وهلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزما بثمنه لا بقيمته عكس ما لو كان الخيار للبائع، لأنه إذا هلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزما بالقيمة كما ذكر آنفا، والفرق بين الحالتين: أنه هلك في يد المشتري فإنه لا بد أن يتقدم هلاكه عيب من مرض ونحوه، وهذا العيب يمنع رده في هذه الحالة فينفذ ويهلك بعد أن يتقرر الثمن فيذمة المشتري. بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع، فإن العيب الذي يتقدم هلاكه عادة لا يمنع البائع أن يسترده في زمن الخيار، فيبطل العقد بهلاكه فلم يتقرر الثمن فتثبت القيمة والفرق بين الثمن والقيمة: أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان، سواء كان أكثر من قيمته أو أقل. أما القيمة فهي ما قوم به الشيء من غير زيادة ونقصان. وكذلك إذا طرأ عليه عيب، فإن كان مما يمكن زواله كالمرض ونحوه فإن زال في مدة الخيار فهو على خياره وإن لم يزل لزوم العقد، وإن كان مما لا يمكن زواله وكان في يد المشتري وكان له الخيار فإنه يلزم بثمنه لا بقيمته، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع فإنه يلزم بقيمته كما تقدم، ولا فرق بين أن يكون العيب حاصلا بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو بفعل أجنبي. واختلف فيما إذا كان بفعل البائع وكان الخيار للمشتري. فقال محمد: إن خيار المشتري يبقى على حاله، إن شاء أجاز البيع ويأخذ قيمة ما نقص وإن شاء رده. وقالا: إن البيع يلزم ويرجع المشتري على البائع بالقيمة إذا كان المبيع قيميا كالحيوان والمتاع والأرض ونحو ذلك، فإن كان مثليا كالفضة مثلا وأحدث به البائع أو المشتري عيبا فإنه لا يحل له أخذ قيمة ما نقص منه لأنه يكون ربا، مثلا إذا كان المبيع أسورة من فضة قبضها المشتري الذي له الخيار ثم كسرها البائع فإنه في هذه الحالة لا يحل للمشتري أن يأخذ قيمة ما نقص من ثمنها نقودا، ولكن له الخيار في أن يمسك العين بلا مطالبة بالنقصان، أو يسلمها ويطالب بمثلها أو قيمتها كلها. الثالث: وهو ما كان الخيار فيه لهما، وحكمه أنه لا يخرج شيء من المبيع والثمن عن ملك البائع والمشتري باتفاق، فإذا فسخ البيع واحد منهما في المدة انفسخ، وإذا أجازه أحدهما أصبح العقد لازما بالنسبة له مع بقاء الآخر على خياره، وإذا لم يوجد إجازة ولا فسخ بل سكتا حتى انقضت مدة الخيار لزم البيع. وإذا أجاز أحدهما وفسخ الآخر البيع بينهما، سواء كان السابق الفسخأو الإجازة، وإذا هلك المبيع قبل أن يقبضه المشتري بطل البيع. وكذلك إذا هلك الثمن قبل أن يقبضه البائع إذا كان عينا، ويبطل البيع أيضا إذا هلك المبيع أو الثمن بعد القبض، ولكن يكون على من قبضه قيمته. ثم إن الزيادة الناشئة عن المبيع تكون موقوفة في مدة الخيار، فإن تم البيع كانت للمشتري، وإن لم يتم كانت للبائع. وسيأتي بيان ما يفسخ البيع فيها ولا يفسخ في مباحث خيار العيب. المالكية - قالوا: لا يخرج المبيع عن ملك البائع في زمن الخيار على المعتمد، سواء كان الخيار للبائع، أو للمشتري، أو لهما معا، أو لأجنبي. فإمضاء العقد ينقل المبيع من ملك البائع لملك المشتري، ثم لا يخلو: إما أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما، فإن كان الخيار للبائع وقبض المشتري المبيع وادعى أي مما يمكن إخفاءه مع وجوده سالما كالثياب والحلي، فإنه يمكن إخفاؤها مع بقائها سالمة، وفي هذه الحالة إذا ادعى المشتري ضياع المبيع المقبوض له ولم يقم بينة على صدقة فإنه يكون ملزما به. أما إذا أقام البينة على صدق دعواه فإنه لا ضمان عليه بل على البائع. الحالة الثانية: أن يكون المبيع مما لا يعاب عليه أي مما لا يمكن إخفاءه مع بقائه سالما كالحيوان فإنه لا يمكن إخفاؤه عن الأعين إلا بإتلافه أو أكله، فإذا ادعى المشتري ضياعه في هذه الحالة ولكن قامت البينة على كذبه كأن ادعى بأنه ضاع في يوم كذا فشهدت الشهود بأنهم رأوه عنده بعد ذلك اليوم، أو شهدت بأنه أكله أو أتلفه فإنه في هذه الحالة يكون عليه الضمان لا على البائع. الحالة الثالثة: أن يكون مما لا يمكن إخفاءه أيضا وادعى المشتري ضياعه بعد قبضه بدون بينة تصدقه أو تكذبه فإن عليه اليمين للبائع، سواء كان متهما بالكذب أو لا، إلا أنه إن كان متهما يحلف بأن المبيع قد ضاع وما فرط، وإن كان غير متهم يحلف بأنه ما فرط، فإن أبى أن يحلف كان عليه الضمان. ومن هذا يتضح أن الضمان على المشتري البينة على ضياعه، فإن الضمان حينئذ يكون على البائع. الثانية إذا كان مما لا يمكن إخفاءه ولم تقم بينة على كذب المشتري وحلف اليمين، فإن الضمان يكون في هذه الحالة على البائع. ويعتبر في الضمان ما هو الأكثر، فإن كان الثمن أكثر من القيمة يلزم به من عليه الضمان، وإذا كانت القيمة أكثر يلزم بها إلا في الحالة الأولى، وهي ما إذا ادعى ضياع ما يمكن إخفاءه ولم تقم بينة على صدقه، ولكنه حلف اليمين بأنه ما فرط فإنه يكون ملزما بالثمن فقط إذا كان أقل من القيمة، لأنه إذا كان أكثر أو مساو فلا يتوجه عليه يمين إذ لا فائدة. أما إذا كان الخيار للمشتري وادعى ضياع المبيع، فإنه يلزم بالثمن الذي وقع عليه البيع على كل حال، سواء كان الثمن أقل من القيمة أو أكثر، وقال بعضهم: إذا حلف أنه لم يكن يقصد الشراء فإنه يلزم بالقيمة إن كانت أقل. وإذا كان الخيار لهما معا فإنه يكون حكمه كحكم ما إذا كان الخيار للبائع تغليبا له لأنه المالك. وإذا لم يقبض المشتري المبيع فادعى البائع أنه ضاع فإنه يلزم برد الثمن إن كان قد قبضه، وإلا فلا شيء له. وفوائد المبيع في زمن الخيار إن كانت منفصلة عنه كالغلة والبيض واللبن للبائع، أما إن كانت متصلة به كالصوف والولد، فإنها للمشتري لأنها كالجزء من المبيع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 167 الى صــــــــ177 الحلقة (99) [مبحث هل للبائع المطالبة بالثمن في زمن الخيار؟] إذا باع شخص سلعة على أن يكون له أو للمشتري الخيار والعكس مدة معينة فهل للبائع أن يطلب الثمن من المشتري؟ وهي للمشتري أن يطلب قبض المبيع من البائع أو لا؟ في ذلك اختلاف المذاهب (1) . [مبحث إذا اشترى شخص غير معين من أشياء متعددة] إذا اشترى شخص شيئا غير معين من أمرين كثوبين ثم قبضهما معا ليختار منهما ما يعجبه ففي ذلك تفصيل المذاهب (2) . [مباحث خيار العيب] للمشتري الخيار في إلغاء عقد البيع وفسخه إذا وجد في المبيع عيبا ولو لم يشترط ذلك، وهذا يسمى خيار العيب. ثم هو ينقسم أولا إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بفعل البائع كخلط اللبن بالماء والسمن بالزيت، وصر ضرع الحيوان ليحبس اللبن فيه فيكبر ضرعه فيغتر المشتري. ثانيهما: أن يكون عيبا طبيعيا وينقسم إلى قسمين: ظاهر كجموع الدابة وعرجها وعجزها عن حمل ما يحمله مثلها عادة. وباطن كفساد الجوز واللوز من داخل غلافه وفساد البطيخ ونحوه. [تعريف العيب الذي يرد به المبيع] العيب الذي يجعل للمشتري الحق في رد المبيع: هو الذي (3) تنقص به قيمة المبيع، أو يفوت به على المشتري غرض صحيح، فمثال ما تنقص به قيمة المبيع جماح الدابة عند ركوبها وعدم انقيادها لصاحبها، وكذا إذا كانت تعض أو ترفس فإن ذلك عيب ينقص قيمتها، بخلاف ما إذا كان لا ينقص القيمة كقطع صغير في فخذها أو رجلها فإن ذلك لا يضرها فلا ترد به. ومثال ما يفوت به غرض صحيح على المشتري: أن يشتري شاة ليضحي بها فيجد في أذنها قطعا يمنع صحة الأضحية بها، فإن ذلك القطع وإن لم ينقص قيمة الشاة ولكن يفوت على المشتري غرضا صحيحا فله ردها، وكذا إذا اشترى خفا أو ثوبا ليلبسه فوجده ضيقا لا يكفيه، فإن ذلك عيب ينافي استعماله فيفوت على المشتري غرضه من شرائه فيرد به. [شروط رد المبيع بالعيب] يشترط لرد المبيع بالعيب شروط: منها أن يكون الغالب (4) في مثله أن يكون سليما من ذلك العيب. فخرج ما إذا كان الغالب في مثله وجود ذلك العيب، ومثال الأول ما إذا اشترى حمارا أو حصانا فوجده مخصيا فإن الخصاء يكون عيبا فيه، لأن الغالب في الحمير والخيل سلامتها من الخصاء وهو عب قد يفوت به غرض المشتري من شرائها، فإنه قد يشتري ليستولد به أنثى من جنسه فله رده بذلك العيب. ومثال الثاني: ما إذا اشترى حيوانا مأكول اللحم يغلب خصاؤه كالغنم والمعز فإن الخصاء فيها ليس عيبا يوجب الرد. لأن الغالب فيها الخصاء إذ هو يزيدها سمنا، ومنها أن لا يمكن زوال ذلك العيب إلا بمشقة، فإذا أمكن إزالته بغير مشقة فإن المبيع لا يرد به. وذلك كما إذا اشترى ثوبا متنجسا لا تنقص قيمته بالغسل فإن النحاسة حينئذ لا تكون عيبا (5) يرد به الثوب لأنه يمكن إزالتها بلا مشقة، وكذا إذا اشترى سيفا معوجا يمكن إزالة اعوجاجه بسهولة. فإن العوج لا يكون عيبا يرد به حينئذ.ومنها أن يكون العيب موجودا في المبيع وهو عند البائع على تفصيل المذاهب(6) . (1) المالكية - قالوا: ليس للبائع أن يطلب الثمن من المشتري في مدة الخيار. وإذا اشترط البائع على المشتري أن ينقده الثمن كأن يقول له: أبيعك هذه السلعة بشرط أن تنقدني ثمنها فسد البيع ولو لم ينقده الثمن بالفعل؛ لأنه شرط النقد ينزل منزلة النقد بالفعل، لأن المشروط يتحقق بالشرط عادة. وكذا إذا اتفقا على ذلك قبل العقد ولو لم يذكراه في العقد وذلك لأن الثمن لا يعرف حينئذ إن كان ثمنا للسلعة أو سلفا، لأنه في حالة فسخ البيع يرد للمشتري فيكون سلفا مردودا، وقد أخذه في نظير سلعة فيكون ربا غيرجائز، نعم إن لم يشترط البائع ذلك ولم يتكلم فيه مع المشتري قبل العقد ثم تطوع المشتري بدفع الثمن فإنه يجوز لانتفاء التهمة حينئذ. ومثل ذلك ما إذا باع له سلعة بشرط أن يقرضه كذا، فإن ذلك الشرط يفسد البيع، فإذا تنازل البائع عن شرط نقد الثمن في بيع الخيار وقال: أسقطت هذا الشرط ليتم البيع فإنه لا ينفعه ذلك لأن الشرط واقع في حقيقة العقد وماهيته وهو شرط فاسد فأفسد العقد رأسا، بخلاف ما إذا تنازل عن اشتراط القرض ولم يقبضه فإنه يصح البيع؛ لأن القرض خارج عن ماهية العقد. أما طلب المشتري لقبض المبيع في زمن الخيار ففيه تفصيل. وذلك لأن الخيار يكون لثلاثة أمور:أحدها: أن يكون الثمن غير معلوم للمشتري، فيشتري بشرط الخيار ليتروى في الثمن حتى يتبين غلاءه ورخصه، ثانيها أن يكون الثمن معلوما عنده ولكنه يشتري بشرط الخيار ليتدبر في المبيع ويعيد نظره فيه، ثالثها اختيار المبيع وتجربته، فإذا كان الخيار للتروي في الثمن فليس له قبض المبيع لأنه يمكنه معرفة ذلك والمبيع في يد صاحبه، أما إذا كان الخيار من أجل أن يعيد النظر فيه أو يختبره فله قبضه، ولكن لا يجبر البائع بتسليمه إلا إذا اشترط المشتري ذلك. الحنفية - قالوا: إذا اشترى سلعة بشرط الخيار فليس للبائع المطالبة بالثمن إلا بعد انقضاء مدة الخيار، كما أنه ليس للمشتري أن يطالب بالمبيع في هذه المدة، فلا جبر لأحدهما على الآخر في ذلك. فإذا دفع المشتري الثمن فإن البائع يجبر على تسليم المبيع، فإذا كان الخيار للبائع وقبض الثمن ولم يرض أن يسلم المبيع فإن له ذلك، ولكنه يجبر على رد الثمن. وإذا قبض المشتري المبيع فلا يصح له أن يتصرف فيه، فإذا تصرف فيه في زمن الخيار كان تصرفه باطلا. وكذلك إذا قبض البائع الثمن وكان عينا فإنه لا يصح له أن يتصرف فيه في زمن الخيار، وإن تصرف فيقع تصرفه باطلا. أما إذا تصرف البائع في المبيع قبل أن يقبضه المشتري، أو تصرف المشتري في الثمن قبل أن يقبضه البائع، فإنه يجوز ويكون فسخا للعقد. وسيأتي حكم التصرف في المبيع فيغير زمن الخيار في المذاهب. الشافعية - قالوا: الثمن في مدة الخيار يتبع الملك، فإذا حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، مثلا إذا كان الخيار للبائع كان المبيع مملوكا له أي لم يخرج عن ملكه في مدة الخيار، فيكون الثمن في هذه الحالة ملكا للمشتري، فليس للبائع المطالبة بالثمن، كما أنه ليس للمشتري المطالبة بالمبيع. أما إذا كان الخيار للمشتري فإن المبيع يكون مملوكا له، فيكون الثمن حينئذ ملكا للبائع، فيكون للبائع الحق في طلب الثمن، وللمشتري الحق في طلب المبيع. الحنابلة - قالوا: إن كان الثمن معينا فللبائع قبضه في زمن الخيار إن كان له الخيار. سواء كان خيار مجلس أو خيار شرط. أما إن كان في الذمة سواء كان نقدا أو عروض تجارة فإن البائع ليس له حق في المطالبة، وكذلك لا يملك المشتري قبض المبيع في مدة الخيار إن كان الخيار له إلا بإذن صريح من البائع، فإذا كان الثمن معينا ولم يقبضه البائع فإنه يحرم على المشتري أن يتصرف فيه، لأنه ليس ملكا له، كما يحرم على البائع أن يتصرف فيه أيضا إذا قبضه لأن علاقة المشتري لم تنقطع عنه. أما إذا قبض المشتري المبيع وكان له الخيار فإنه يحل له التصرف فيه ويكون تصرفه مبطلا الخيار كما تقدم بيانه (2) المالكية - قالوا: إذا اشترى شخص من آخرواحدا غير معين من شيئين كثوبين مثلا ثم قبضهما معا ليختار منهما ما يعجبه. فإن هذا البيع على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: بيع خيار فقط وهو البيع الذي جعل فيه الخيار "التروي" لأحد المتبايعين في أخذ المبيع ورده كأن يقول البائع: بعتك أحد هذين الثوبين بكذا على الخيار في الأخذ والرد مدة ثلاث أيام، وفي هذا الوجه ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يدعي ضياعهما معا. الثانية: أن يدعي ضياع أحدهما، الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر أحدهما. وحكم هذا: أن المشتري إذا قبضهما كان عليه ضمانهما، فإذا ضاعا معا أو ضاع واحد منهما كان عليه دفع الثمن الذي اشتراهما به للبائع. وإذا مضت مدة الخيار ولم يختر لزماه معا. الوجه الثاني: بيع اختيار فقط، وبيع الاختيار: هو البيع البات الذي لا خيار فيه، ولكن البائع يجعل للمشتري التعيين لما اشتراه كأن يقول له: أبيعك أحد هذين الثوبين بيعا باتا بعشرة على أن تختار واحدا منهما في يوم أو يومين. وفي ذلك الوجه ثلاث صور كالوجه الأول: الصورة الأولى: أن يدعي ضياعهما معا. الثانية: أن يدعي ضياع أحدهما. الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر. وفي كل صورة من الصور الثلاث يكون المشتري ملزما بدفع نصف كل الثمن بأن يضم ثمن الثوبين إلى بعضه ويدفع المشتري نصفه، فإذا ضاع أحد الثوبين وكان يساوي عشرة وكان الثوب الباقي يساوي خمسة كان مجموع الثمن خمسة عشر، فيلزم بدفع نصفها. الوجه الثالث: بيع خيار واختيار وهو البيع الذي جعل فيه البائع للمشتري الخيار في التعيين، وبعد أن يعين واحدا يكون له الخيار في أخذه ورده ثلاثة أيام. وفي ذلك الوجه ثلاث صور أيضا: الصورة الأولى: أن يكون الخيار للمشتري، ويدعي ضياع الثوبين معا ولا بينة له على ضياعهما، وفي هذه الحالة يكو المشتري ملزما بثمن واحد منهما، أما الثوب الثاني فيضيع على البائع. الصورة الثانية: أن يكون الخيار للمشتري أيضا ويدعي ضياع ثوب واحد ولا بينة على ذلك. وفي هذه الحالة يكون المشتري ملزما بنصف ثمن الثوب الضائع، وله أن يختار الثوب الثاني إذا كانت مدة الخيار باقية. الصورة الثالثة: أن تمضي مدة الخيار ولم يختر شيئا منهما وفي هذه الحالة لا يلزمه شيء، هذا إذا كان الخيار للمشتري كما ذكرنا، فإن كان الخيار للبائع كأن يبيعه واحدا غير معين من ثوبين على أن يكون للبائع الخيار في إمضاء البيع وفسخه، فإن المشتري إن ادعى ضياعهما معا فإن عليه أن يدفع للبائع الأكثر من الثمن والقيمة في واحد. وكذا إن ادعى ضياع واحد فإن عليه أن يدفع للبائع الأكثر من الثمن والقيمة في نصف ثمن واحد، إلا أن يحلف بأنه قد ضاع وما فرط فإنه حينئذ يضمن الثمن لا القيمة. ومحل ذلك إذا لم تكن للمشتري بينة، فإن شهدت له بينة بضياع الثوبين أو أحدهما فلا شيء عليه للبائع. الحنفية - قالوا: إذا طلب المشتري من البائع ثوبا فأعطاه ثلاثة وبين له ثمن كل واحد منهما كأن قال له: هذا بعشرة، وهذا بعشرين، وهذا بثلاثين. ثم قال له: الثوب الذي يعجبك منها بعته لك، فاستلمها المشتري على ذلك فضاعت عنده فإن في ذلك أربع صور: الصورة الأولى: أن تضيع كلها دفعة واحدة، أو تضيع كلها متعاقبة ولكنه لا يعلم في الحالتين أي الأثواب ضاع أولا، وحكم هذه الصورة: أن المشتري يلزم بدفع قيمة ثلث الجميع. الصورة الثانية: أن تضيع كلها دفعة أو متعاقبة ولكن المشتري يعرف الثوب الذي ضاع أولا، وحكم هذه الصورة: أن المشتري يلزم بقيمة الثوب الذي ضاع أولا، والثوبان الآخران يكونان أمانة لا شيء عليه في ضياعهما. الصورة الثالثة: أن يهلك اثنان فقط ويبقى الثالث، وفي هذه الحالة يلزم المشتري بنصف ثمن كل من الاثنين الضائعين، ورد الثالث لأنه يكون أمانة يجب ردها. وإذا حصل نقص في الثوب الثالث لا يلزم المشتري به. الصرة الرابعة: أن يضيع ثوب واحد فقط ويبقى اثنان، وفي هذه الحالة يلزم المشتري بدفع قيمة الثوب الضائع ورد الثوبين الباقيين. ويسمى مثل هذه المسألة بالمقبوض على سوم الشراء، وحاصله أن كل مبيع قبضه المشتري ليشتريه على أن يكون له الخيار فيه بعد أن عرف ثمنه ولم يعارض فيه، فإنه يضمنه إذا هلك في يده بقيمته. أما إذا استهلكه هو فإنه يضمنه بثمنه على التحقيق وتعتبر القيمة من يوم قبضه. أما إذاقبضه لا على وجه الشراء بل على وجه النظر كأن قال البائع: هذا الثوب بعشرة فقال له: هاته حتى أنظر فيه، أو حتى ينظر فيه رفيقي ثم ضاع الثوب فإنه يضيع على البائع، ولا شيء على المشتري لأنه أخذه على سوم النظر لا على سوم الشراء، أما إذا قال له: هاته فإن أعجبني أخذته ثم ضاع منه فإنه يلزم بقيمته، لأنه أخذه على سوم الشراء في هذه الحالة (3) الحنابلة - قالوا: شرط الخيار لا يصح في واحد غيرمعين مطلقا، فإذا اشترى ثوبين معا، أو اشترى جملا وحمارا وشرط الخيار في واحد معين صح، أما إذا اشتراهما على أن يكون له الخيار في أحدهما فإن شرط الخيار لا يصح، ويكون البيع صحيحا إذاعين المبيعين وعين ثمن كل منهما، كما إذا بين أن هذا الثوب ثمنه كذا وذلك الثوب ثمنه كذا. أما إذا لم يبين فإن البيع يكون فاسدا لجهالة الثمن. الشافعية - قالوا: إذا قال له بعتك هذا الثوب بعشرة وذلك بعشرين وهكذا، فإنه يكون عقودا متعددة لا عقدا واحدا، لأن العقد يتعدد بتفصيل الثمن، ويشترط في صحة البيع بذلك أن يقبل المشتري الثوبين جميعا، فإذا قبل واحدا منهما لا يصح البيع، وإنما يتعدد العقد بتفصيل الثمن إذا فصل البادئ من المتعاقدين، سواء كان البادئ أو المشتري. أما إذا أجمل البادئ وفصل القابل فإن العقد يكون واحدا لا متعددا. فإذا كان متعددا فللمشتري أن يشترط الخيار في واحد منهما ويرد أحدهما بالعيب ويأخذ أحكام الخيار المتقدمة. المالكية - قالوا: ضابط العيب الذي يرد بن المبيع هو ما كان منقصا للثمن كجماح الدابة وعدم انقيادها، أو منقصا لذات المبيع كخصاء الحيوان إذا كان الخصاء ينقصه عرفا. أو يكون منقصا للتصرف كما إذا كانت يده اليمنى ضعيفة ويسمى أعسر أو "أشول" أو كان مخوف العاقبة كما إذا كان مصابا بمرض معد. ولا يخرج هذا عما ذكر في أعلى الصحيفة السابقة وهو ما عليه الحنفية والشافعية (4) الحنابلة - قالوا: ضابط العيب الذي يرد به البيع هو نقص عينه كخصاء الحيوان ولو نقصت به القيمة أو نقصت قيمته عادة في عرف التجار. وبعضهم عرفه بأنه نقيصة يقتضي العرف سلامة المبيع عنها غالبا فلا فرق بين أن يكون النقص في عين المبيع أو قيمته، فخصاء الحيوان على هذا لا يكون عيبا إلا إذا عده العرف عيبا. المالكية - قالوا: الشرط أن يكون المبيع سليما من ذلك العيب في العادة والعرف، فالخصاء يكون عينا يرد به الحيوان ولو زادت قيمته في الثمن إلا إذا كان فحل بقر معد للعمل. فإن العادة أنه لا يستعمل منه إلا الخصي، وكذا فحل الغنم فإن الخصاء ليس عيبا يرد به. وبعضهم يقول: يرد به لأن لحم الفحل أطيب من لحم الخصي، والحق الرجوع في ذلك إلى العرف. الحنابلة - قالوا: الشرط أن يكون ذات المبيع سليمة من النقص، فالخصاء نقص فيه مطلقا، وأن تكون قيمته سليمة من النقص في عرف التجار كما يؤخذ من الضابط الأول للعيب، أما الضابط الثاني فإن الخصاء لا يكون عيبا إلا إذا عده العرف عيبا (5) الحنابلة - قالوا: المعول في ذلك على قوة العيب وضعفه، فإن كان يسيرا كصداع وحمى يسيرة فإنه لا يرد المبيع، بخلاف ما إذا كان شديدا فإنه يرد به، وعلى هذا فالثوب المتنجس الذي لا يمكن إزالة نجاسته بدون مشقة وبدون نقص في قيمة الثوب لا تكون نجاسته عيبا يرد به لأنها يسيرة في هذه الحالة. المالكية - قالوا: نجاسة الثوب عيب تجعل للمشتري الحق في الرد، سواء كان الثوب يضره الغسل أو لا إن لم يتبينه البائع (6) المالكية - قالوا: إذا اشترى فوجد به عيبا تنقص به قيمته ولم يعلم به وقت الشراء أو قبله فلا يخلو: إما يكون ذلك العيب قد حصل وهو في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري، أو حصل بعد أن قبضه المشتري: فأما الأول فهو على خمسة أوجه: أحدها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بعد العقد بفعل البائع وهو في يده: وفي هذه الحالة يكون المشتري بالخيار في تركه أو أخذه مع طرح حصة من الثمن تعادل النقص الذي حصل بسبب ذلك العيب، سواء وجد فيه عيبا آخر قديما حدث قبل العقد أو لا. ثانيها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بفعل المشتري، وفي هذه الحالة يكون المشتري ملزما بدفع كل الثمن، ولو كان البائع هو الذي منعه من استلامه بسبب عدم دفع الثمن، فإذا وجد فيه عيبا قديما حدث عند البائع بغير فعل المشتري في هذه الحالة فللمشتري رده بالعيب القديم ويسقط عنه الثمن، ولكن عليه أن يدفع تعويض ما أحدثه بفعله من العيب. ثالثها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بفعل أجنبي عن البائع والمشتري والمبيع، وفي هذه الحالة يكون المشتري بالخيار: إن شار رضي به بجميع الثمن وله على الأجنبي تعويض ما أحدثه من النقص في المبيع، وإن شاء رد المبيع وسقط عنه الثمن. رابعها: أن يكون العيب قد حصل بآفة طبيعية فللمشتري أن يرده ويأخذ كل الثمن، وإن شاء أن يأخذه ويطرح من الثمن بقدر ما حدث فيه من العيب، فإن اطلع مع ذلك على عيب قديم حدث فيه وهو عند البائع ففي هذه الحالة لا يصح رده بالعيب القديم، لأنه يرده حينئذ وهو معيب بعيبين وهو لا يصح رده إلا بالعيب القديم فقط. خامسها: أن يكون العيب قد حدث بفعل المبيع، كما إذا اشترى عبدا ففعل في نفسه ما يعيبه، وحكمه كحكم الوجه الرابع. وأما الثاني وهو أن يحدث فيه العيب بعد أن يقبضه المشتري فهو على خمسة أوجه أيضا: -1 - أن يكون العيب بفعل المشتري. -2 - أن يكون بآفة سماوية. -3 - أن يكون بفعل المعقود عليه. -4 - أن يكون بفعل البائع. -5 - أن يكون بفعل أجنبي، وحكم الأول والثاني والثالث: أنه إذا كان في المبيع عيب قديم سوى ذلك العيب الذي حدث عند المشتري فإنه لا يرد به، لأن العيب الجديد تعارض مع العيب القديم، وللمشتري أن يطالب بتعويض ما نقص من المبيع بسبب العيب القديم، إلا إذا رضي أن يأخذ المبيع مع نقصه بالعيب الجديد. وحكم الرابع والخامس وهما ما إذا كان العيب بفعل البائع أو بفعل أجنبي بعد أن يقبضه المشتري: أن المبيع إذا كان به عيب قديم سوى ذلك العيب الذي حدث بفعل البائع أو الأجنبي فإنه لا يرد به، وعلى كل واحد منهما تعويض ما أحدثه في المبيع من النقص بجنايته عليه. ثم إن حصة النقص التي يلزم دفعها بسبب العيب هي الفرق بين قيمة المبيع صحيحا ومعيبا منسوبا إلى ثمنه. مثلا: إذا اشترى سلعة بأربعين جنيها وقيمتها في الواقع مائة ثم حدث فيها عيب فأنقص قيمتها عشرة، ففي هذه الحالة تكون قيمتها قد نقصت العشر، فينقص بقدره من الثمن وهو عشر الأربعين وهو أربعة، وعلى هذا القياس. ويشترط فيمن يقوم السلعة أن يكونا اثنان يخبران بلفظ الشهادة بحضرة البائع والمشتري. وأن يكون كل واحد منهما له خبرة بما يقومه. ويتضح لك مما تقدم أن المشتري إذا وجد عيبا بالمبيع يرد به فليس له أن يمسكه ويطالب بالعوض عن النقص الحاصل بسبب العيب، وإنما له أن يرده كله ويأخذ الثمن كاملا. إلا إذا تعذر الرد بحدوثعيب جديد ثان حدث على التفصيل المتقدم. ومن ذلك ما إذا اشترى ثوبا ثم قطعه "فصله" ليخيطه ثم اطلع على عيب ينقص قيمته بعد ذلك، فله في هذه الحالة أن يأخذ العوض عن العيب لتعذر رد الثوب بعد تقطيعه، وكذا إذا اشترى وارث من مورثه شيئا ثم مات المشتري وورثه البائع فيما اشتراه فوجد به عيبا فإنه ليس له رده لوارث آخر إن وجد، فإن لم يوجد وارث آخر فإن رده يتعذر وتسقط قيمة النقص في هذه الحالة أيضا. وكذلك إذا اشترى جملا فنحره فوجد أمعاءه فاسدة فإنه يتعذر رده بعد نحره، وللمشتري أن يرجع بعوض العيب الذي به، ومنه إذا اشترى ثوبا من الحرير فبله بالماء ثم وجد به عيبا فإنه ليس له رده، بل له أخذ العوض، لأن البل أنقص قيمة النوب، وهكذا كل ما تنقص قيمته بحدوث عيب جديد زيادة على العيب القديم فإنه يمتنع رده، وفيه العوض عن العيب بحسب التفصيل الذي تقدم. المالكية - قالوا: إذا اشترى شيئا فوجد به عيبا فإن له رده إذا علم بذلك العيب، ويمتنع الرد بأمور: الأمر الأول تلف المبيع بعد العقدن سواء كان تحت يد البائع أو تحت يد المشتري قبل أن يعلم بالعيب، وسواء كان التلف باختيار المشتري كما إذا اشترى حيوانا فذبحه، أو بغير اختياره كما إذا أماته غيره، أو مات حتف أنفه، فإنه إذا اطلع على عيب فيه بعد ذلك لا يصح له رده لتعذر الرد حينئذ، ومثل ذلك ما إذا كان في حكم التالف، كما إذا اشترى شيئا ثم تصدق بهواطلع على عيب فيه بعد ذلك فإنه ليس له أن يرده بذلك العيب، لأنه وإن لم يتلف بالفعل ولكنه في حكم التالف وكذا إذا وهبه. وفي هذه الحالة يكون للمشتري تعويض ما أحدثه العيب في المبيع من النقص. وذلك بأن يقوم المبيع سالما ومعيبا ويؤخذ من الثمن نسبة نقص قيمته معيبا إلى قيمته سليما، فإذا اشترى عينا سليمة من العيون بمائة ثم ظهر بها عيب أنقص قيمته إلى ثمانين، استحق المشتري الرجوع على البائع بعشرين وهو خمس المائة وهكذا. الأمر الثاني: أن يظهر من المشتري ما يدل على رضائه بالمبيع بعد الاطلاع على العيب. وينقسم ما يدل على الرضا إلى قسمين: أحدهما: ما يدل على الرضا مطلقا، سواء كان في زمن مخاصمة البائع والمشتري وتنازعهما في الرد وعدمه أو لا، وذلك كاستعمال الثوب وإجارة الدابة ونحو ذلك من كل ما ينقص استعماله المبيع، فإذا اشترى شيئا من ذلك واطلع على عيب فيه يرد به ثم استعمله على هذا الوجه، فإنه لا يصح له الرد بعد ذلك. ثانيهما: ما يدل على الرضا قبل زمن المخاصمة فقط، أما بعدها فلا. وذلك كسكنى الدار والحانوت أو إسكانهما لغيره في زمن الخصام، إذا اشترى دارا سكن فيها ثم وجد بها عيبا كصدع جدار ينقص قيمتها. أو سببا يقلل منافعها فإن له ردها، ولو سكن فيها بعد علمه بالعيب، لأن هذا السكنى لا تنقص قيمتها، وكذا كل ما لا ينقص القيمة. أما إذا علم بالعيب ولم يعلن المشتري به ولم يخاصمه في ردها ثم سكن فيها فإن هذه السكنى تكون دليلا على رضائه، فلا يكون له الحق في ردها ذلك. وهناك قسم ثالث لا يدل على الرضا مطلقا وهو أن ينتفع المشتري بالثمرة الناشئة عن البيع بدون استخدامه كالانتفاع باللبن والصوف، وسواء كان ذلك في زمن الخصام أو غيره. ويستثنى من ذلك مسألتان: إحداهما: ما إذا اشترى دابة وهو في سفر فاطلع على عيب فيها فإنه إذا ركبها بعد ذلك وسافر عليها فله ردها بعد ذلك، ولا فرق في ذلك بين أن يكون مضطرا لركوبها أو لا على المعتمد، فإذا وصلت على حالها بدون هزال ونحوه بسبب استعمالها فلا شيء على المشتري وإن هزلت فعليه أن يردها ويدفع قيمة ما أصابها من الهزال، أو يمسكها ويأخذ عوض العيب الذي بها، ولا يلزم بردها حال السفر لبائعها إلا إذا كان قريبا منه ولا يكلفه ردها مؤونة ثقيلة. ثانيهما: أن يشتريها وهو حاضر ببلده من بائع حاضر كذلك ثم اطلع على عيب فيها ثم ركبها ليردها. فإن ذلك الركوب لا يمنع الرد، وكذا إذا ركبها ليذهب بها إلى محله إذا كان من ذوي الهيئات. الأمر الثالث: أن يكون المبيع رقيقا فقط وأن يكون البائع حاكما أو وارثا، فإذا باع القاضي رقيقا مملوكا لشخص عليه دين ليقضي به دينه، أو باع رقيقا غائبا به عيب علم به القاضي وبينه للمشتري، أو علم به المشتري وإن لم يعلم به القاضي فإنه في هذه الحالة لا يحق للمشتري فلا يحق له الرد بعد ذلك. أما بيع غير الرقيق فإنه لا ينفع فيه البراءة من العيب، فإذا باع شخص حيوانا أو عرض تجارة على شرط أنه بريء من العيوب ثم اطلع المشتري على عيب قديم فيه فإن له رده ولا ينفعه شرط البراءة، سواء كان عاما أو خاصا فهو شرط باطل، ولكنه لا يبطل عقد البيع. الأمر الرابع: أن يزول العيب قبل الرد إلا أن يكون محتمل العود إذا قال أهل الكب: إنه يحتمل عوده فإن له رده بذلك العيب. الحنابلة - قالوا: إذا اشترى شيئا فوجد به عيبا فإن له حالتين: الحالة الأولى: أن يكون ذلك العيب قد حدث قبل القبض، فإذا كان قد حدث قبل القبض فللمشتري رده بذلك العيب، سواء كان العيب قبل عقد البيع أو بعده، علمه المشتري أو جهله، إلا إذا كان ضمانه على المشتري وهو ما إذا كان قد بيع بغير كيل ولا وزن ولا ذرع ولم يقبضه المشتري ولكن لم يمنعه البائع من استلامه كما تقدم قريبا، فإن العيب إذا حدث بعد البيع في هذه الحالة يكون قد حدث وهو في ملك المشتري فلا يكون البائع مسؤولا عنه. وإذا رد المشتري المبيع بعيب كان عليه نفقة الرد، وعلى البائع أن يرد الثمن كاملا، فإذا وهب البائع الثمن للمشتري كله أو بعضه أو أبرأه بالعيب منه ثم رد المبيع كان البائع مطالبا بجميع الثمن ولم يحسب له ما وهبه أو أبرأه منه، وللمشتري أن يمسك المبيع بعد اطلاعه على العيب ويأخذ قيمة النقص الحاصل في المبيع بسبب العيب ولو لم يتعذر رد المبيع بإتلافه أو بأكله أو غير ذلك، فإذا اشترى ثوبا وقطعه ليخيطه "فصله" ثم وجد فيه عيبا فإن له أن يأخذ قيمة النقص الذي وجد في الثوب بسبب ذلك العيب. وإن كان تعذر في هذه الحالة رد الثوب لأن المشتري والبائع قد اتفقا أن يكون المبيع في مقابلة الثمن، فكل جزء من المبيع يقابله جزء من الثمن، فإذا نقص المبيع جزءا بسبب العيب نقص ما يقابله من الثمن، فللمشتري الحق في ذلك سواء رضي البائع أو سخط، إلا إذا ترتب على أخذ ذلك الجزء من ربا فإنه لا يصح له أخذه. وذلك كما إذا اشترى فضة مصنوعة حليا بزنتها من الدراهم ثم وجد بها عيبا. فإنه في هذه الحالة لا يحل له أخذ قيمة النقص الحاصل بسبب ذلك العيب، لأنه يؤدي إلى ربا الفضل، وإنما يكون له الحق في رد المبيع جميعه وأخذ الثمن جميعه. أو يمسكه بدون أن يأخذ قيمة ما أحدثه العيب من النقص. الحالة الثانية: أن يحدث العيب عند المشتري بعد أن يقبضه بالفعل، أو لم يقبضه ولم يمنعه البائع من قبضه ولم يكن مكيلا إلخ، وفي هذه الحالة يكون البائع مسؤولا عنه ولا يصح رده له بعد ذلك، فإن كان بالمبيع عيب وهو عند البائع ثم حدث به عيب آخر وهو عند المشتري، فإن رضي المشتري بإمساكه فذاك، وإن لم يرض بذلك رفع الأمر إلى الحاكم وهو يفسخ البيع ويكون على البائع أن يرد الثمن للمشتري، وعلى المشتري أن يرد قيمة المبيع المعيب بعيبه الأول الذي حدث عند البائع، ثم إن قيمة النقص الذي يحصل بسبب عيب المبيع هي الفرق بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا منسوبا إلى ثمنه، ولك بأن يقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا وينسب الفرق بينهما إلى أصل الثمن فيأخذه من له الحق فيه، مثال ذلك أن يشتري عينا بمائة وخمسين ولكن نزلت قيمتها إلى مائة ثم حدث بها عيب فنزلت قيمتها إلى تسعين. فيكون الفرق بين قيمتها صحيحة وقيمتها معيبة عشرة وهي عشر المائة، فإذا نسبت إلى الثمن الذي اشتريت به كانت خمس عشرة وهي عشر الثمن. الشافعية - قالوا: إذا اشترى شيئا فوجده معيبا فإن له الحق في رده إذا حدث العيب قبل أن يقبض المشتري المبيع، سواء حدث قبل عقد البيع أو حدث بعده وقبل أن يقبضه المشتري. أما إذا حدث بعد القبض: فإن كان سبب العيب قديما كان له الحق في رده أيضا وإلا فلا يرد، وذلك كما إذا اشترى عبدا واستلمه ولكنه كان قد ارتكب جناية سرقة قبل أن يشتريه وثبتت عليه بعد أن استلمه فقطعت يده، فإن ذلك العيب يكون مسؤولا عنه البائع. وإذا حدث في المبيع عيب وهو عند المشتري ثم وجد فيه عيبا قديما حدث وهو عند البائع، وكان ذلك العيب الجديد لم يكن سببه قديما ولم يزل من المبيع قبل علم المشتري بالقديم ولم تتوقف عليه معرفة العيب القديم، فإنه يسقط به حق المشتري في رده بدون رضا البائع، حتى ولو كان هذا العيب قد حصل بفعل البائع. ثم تكون المسألة بعد ذلك على ثلاثة أوجه: أحدها أن يرضى البائع بالفسخ بدون عوض يأخذه من المشتري، ويرضى المشتري بإمساك المبيع بدون المطالبة بعوض يأخذه عن العيب القديم. ثانيها: أن يتفقا على فسخ العقد أو إجازته مع دفع التعويض، فإن فسخ العقد كان على المشتري دفع تعويض العيب الذي حدث عنده. وإن لم يفسخ كان على البائع دفع تعويض العيب الذي حدث عنده. ثالثها: أن لا يتفقا كأن يطلب أحدهما الفسخ، ففي حالتي الاتفاق الأمر ظاهر، لأن لهما ذلك الاتفاق، وفي حالة عدم الاتفاق ينفذ رأي من طلب إجازة العقد، سواء كان الطالب المشتري أو البائع، وعلى البائع أن يدفع للمشتري تعويض العيب. وإذا كان المبيع قد بيع بجنسه كالحنطة بالحنطة، فإنه يتعين فيه فسخ العقد وإلزام المشتري بدفع العوض عن العيب الحادث على كل حال |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 178 الى صــــــــ185 الحلقة (100) ومنها أن يشترط البائع البراءة من العيب على تفصيل المذاهب. (1)ومنها أن لا يزول ذلك العيب قبل الفسخ، فإذا اشترى حيوانا مريضا ولم يفسخ البيع ثم زال المرض فليس له الفسخ بسبب ذلك المرض، لأنه قد زال قبل أن يرده. [مبحث هل يرد المبيع بالعيوب على الفور أو لا] هل يرد المبيع بعد العلم بالعيب فورا أو على التراخي، في ذلك اختلاف في المذاهب (2) . [مبحث في حكم صر لبن الحيوان قبل بيعه "المصراة"] مسألة المصراة هي التي أشرنا إليها في أول مبحث الرد بالعيب، وهي مأخوذة من التصرية. ومعناها: جمع اللبن وحبسه في ضرع الحيوان بفعل البائع ليكبر الضرع، فيغتر المشتري بذلك ويشتريها ظنا منه أن عظم الضرع لسبب كثرة اللبن طبيعية، ويسمى هذا وهو منهي عنه شرعا. فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تصروا الإبل والغنم. فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن تحليها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر" متفق عليه.وتصروا - بضم التاء وفتح الصاد - على وزان تركوا معناه: لا تجمعوا اللبن وتحبسوه في ضرع الناقة أو الشاة. وقوله ابتاعها معناه: اشتراها وقوله: فهو بخير النظرين معناه: أنه مخير بين إمساكها وردها.وفي حكم المصراة من حيث الرد وعدمه اختلاف المذاهب (3) . [مبحث إذا كان في المبيع عيب باطني] إذا اشترى شخص سلعة فوجدها معيبة بعيب باطني لا يظهر للمشتري إلا بإحداث نقص في ذات المبيع من كسر أو شق، وذلك كالبطيخ والجوز واللوز والبيض ونحو ذلك، فإن كان باطنه فاسدا بحيث لا ينتفع به أصلا فإن البيع في هذه الحالة يكون باطلا، فعلى البائع أن يرد الثمن (4) كله إن كان قد قبضه، وليس على المشتري شيء لأن المبيع لا قيمة له. أما إن كان ينتفع به فإن فيه تفصيل المذاهب (5) .(1) الحنفية - قالوا: تصح البراءة مما يظهر في المبيع من العيوب على أي حال، سواء كان الشرط عاما أو خاصا. وسواء شرط براءة نفسه "أي شرط كونه غير مسؤول عن العيوب التي تظهر في المبيع" أو شرط براءة المبيع "سلامته عن العيوب". ومثال الأول أن يقول: بعتك هذه الدار على أني بريء من كل عيب، أو على أنها كوم تراب، أو بعتك هذه الدابة على أنها محكمة مكسرة ونحو ذلك فإن الشرط صحيح، فلو اشتراها على ذلك وظهر فيها عيب لا يصح له ردها، لأنه قبلها بكل عيب يظهر فيها فلا خيار له، وكذا لو شرط البراءة من عيب خاص من باب أولى كأن قال له: بعتك هذه الفرس على أنها جموح وقبلها على ذلك، فإنه ليس له ردها بهذا العيب ومثال الثاني أن يقول: بعتك هذا الحيوان على أنه لا عيب فيه، ولم يبين عيبا خاصا واشتراه منه على ذلك، فإن له أن يرده بظهور عيب قديم فيه، وإذا قال: بعتك هذا الحيوان على أنه بريء من كل داء ينظر في ذلك العرف والعادة في استعمال الداء، فإن كان العرف يخصه بالأدواء الباطنة عمل به، فلو ظهر به داء باطن كان للمشتري رده، وإن كان العرف يعمم الداء كان له رده بأي مرض قديم فيه، وعرف زماننا يعمم الداء فيطلقه على الظاهر منه والباطن، وهو موافق للغة أيضا، ثم إن اشتراط البراءة من العيوب يشمل العيوب الموجودة قبل عقد البيع. والعيوب الحادثة بعده قبل أن يقبضه المشتري. فلو باع له حيوانا بشرط أن لا يكون مسؤولا عن أي عيب فيه، أو عيب معين ولم يكن به عيب حال العقد ثم حدث فيه عيب بعد العقد وقبل أن يستلمه المشتري فإنه لا يرد بذلك العيب الحادث، كما لا يرد بذلك العيب القديم لأن شرط البراءعة يشمله، وبعضهم يقول: ان اشتراط السلامة لا يشمل سوى العيوب الموجودة حال العقد، فله رده بالعيب الحادث بعد العقد وقبل القبض كما يقول الشافعية. أما إذا اشترط البراءة من كل عيب موجود فيه فإنه لا يتناول العيب الحادث بالإجماع. وإذا قال: بعتك هذا بشرط أنني بريء من كل عيب موجود، ومن كل عيب يحدث بعد العقد قبل القبض فإنه يكون شرطا فاسدا يفسد البيع على المعتمد، وبعضهم يقول: إنه فاسد بالإجماع. المالكية - قالوا: شرط البراءة من العيب الذي يوجد في المبيع لا يفيد، فلو باع حيوانا أو عرض تجارة بشرط أنه بريء من أي عيب يظهر في المبيع، أو بريء من عيب خاص بحيث لا يكون مسؤولا إذا ظهر فيه ذلك العيب فإن هذا لا ينفعه، وللمشتري رده بظهور عيب فيه وهو عند البائع، نعم ينفع شرط البراءة في بيع الرقيق فقط إذا باعه بشرط البراءة من عيب لم يعلم به ومكث عنده زمنا لم يتمكن فيه من اختباره بحيث يستطيع أن يعرف ما به من العيوب، فإنه إذا باعه بشرط أنه لا يكون مسؤولا عن عيب يظهر فيه بعد بيعه ثم ظهر فيه عيب فإنه لا يرد حينئذ. وكذا إذا باع الرقيق حاكم أو وارث كما تقدم فينا يمنع الرد. الشافعية - قالوا: إذا باع شيئا بشرط البراءة من العيوب الموجودة فيه حال العقد فلا يخلو إما أن يشترط البراءة لنفسه، أو يشترط براءة المبيع وسلامته من كل العيوب، ومثال الأول: أن يقول: بعتك كذا على أنني بريء من كل عيب يظهر فيه بحيث لا أكون مسؤولا عنه، وحكم هذا أنه لا يبرأ إلا إذا كان المبيع حيوانا وظهر فيه عيب باطن موجود حال العقد يجهله البائع، وقيل يبرأ عن كل عيب، أما إذا تبين أن به عيبا ظاهرا أو كان المبيع غير حيوان فإن شرط براءته لا ينفع في هذه الحالة. ويكون البائع مسؤولا عما يظهر من العيوب، ومثال الثاني أن يقول: بعتك هذا بشرط براءته "سلامته" من العيوب. وحكمه كحكم الأول، فإنه يكون مسؤولا، لأنه شرط على نفسه سلامة المبيع من كل العيوب، فيعامل بشرطه في هذه الحالة دفعا للنزاع. أما اشتراط البراءة من عيوب تحدث بعد العقد قبل القبض فإنه شرط فاسد لأنه إسقاط لشيء لم يوجد. ولكنه لا يفسد البيع على المعتمد، ويتضح من هذا أن شرط البراءة إذا كان عاما فإنه لا يفيد لا في حالة واحدة وهي أن يكون المبيع حيوانا والعيب باطن والبائع يجهله كما ذكر آنفا. أما إذا كان الشرط خاصا بأن عين العيب فإن فيه تفصيلا، وهو إذا كان العيب مما يرى كالأمراض الجلدية التي توجد في الحيوان فإنه يشترط أن يطلع المشتري عليها بعد تعيينها ويريه إياها. أما إذا كان من العيوب التي لا ترى. فإنه يكفي فيها التعيين ولا يلزم رؤيتها. وذلك كما إذا باع ثورا بشرط أن ينام في المحراث، أو فرسا بشرط أنه جموح وتبين أنه كذلك، فليس للمشتري رده وإن لم يشاهد ذلك العيب عند الشراء. الحنابلة - قالوا: إذا باع سلعة وشرط على المشتري أنه يبرأ من جميع العيوب التي بها، أو التي تحدث فيها قبل قبضها بعد العقد فإن الشرط يكون فاسدا، ومتى ظهر للمشتري عيب كان له رده المبيع سواء كان ذلك العيب ظاهرا أو باطنا، في حيوان أو غيره. علمه المشتري أو جهله، وكذلك إذا اشترط البراءة من شرط خاص كأن قال له: بعتك هذه الدابة على أنني بريء من جموحها، أو بعتك هذه الناقة على أنني بريء من عصيانها فإن الشرط فاسد. وللمشتري ردها بذلك العيب. وإذا سمى البائع العيب ووافق المشتري عليه وأبرأه منه. فليس للمشتري رده بعد ذلك. لأنه قد علم العيب ورضي به. هذا ويحرم على البائع أن يكتم عيبا يعلمه بالمبيع لقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم أخو المسلم. ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له". رواه أحمد وأبو داود (2) الشافعية - قالوا: يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم على الفور. فلو علم بالعيب ثم أخر رده بلا عذر سقط حقه في الرد. والمراد بالفور مالا يعد تراخيا في العادة، فلو اشتغل بصلاة دخل وقتها أو بأكل أو نحو ذلك لا يكون تراخيا في العادة فلا يمنع الرد. وكذا لو علم بالعيب ثم تراخى لعذر كمرض أو خوف لص أو حيوان مفترس أو نحو ذلك فإن حقه لا يسقط. فإن كان البائع غائبا فعلى المشتري أن يرفع أمره إلى الحاكم وجوبا. وعلى المشتري أيضا أن يشهد وهو سائر في طريقه لرد المبيع بأنه فسخ البيع، سواء كان ذاهبا ليرده للبائع أو للحاكم وإنما يكون له حق الرد بعد العلم بالعيب وإذا لم يفعل ما يدل على الرضا. كاستعمال الحيوان ولبس الثوب والإجارة والرهن ونحو ذلك. الحنفية - قالوا: لا يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم على الفور. فلو أعلن البائع بالعيب وخاصمه في رده المبيع ثم ترك المخاصمة وبعد ذلك رجع إليها وطلب الرد فإن له ذلك، ويمتنع الرد بعد العلم بالعيب إذا فعل ما يدل على الرضا كلبس الثوب وركوب الدابة، وإجارة المبيع ورهنه، وبيعه كله أو بعضه، وهبته ولو بلا تسليم، ودفع باقي ثمنه وعرضه على البيع ولو بأمر البائع بأن قال له: اعرضه على البيع فإن لم يشتره منك أحد رده علي. وكذا إذا عرضه على التأجير أو طالب بغلته ويدل على الرضا أيضا حلب اللبن وشربه، وكذلك سكنى الدار ابتداء بأن علم بالعيب وهو غير ساكن ثم سكن بعد ذلك، فإن ذلك يسقط حقه في الرد، أما إذا كان ساكنا قبل العلم بالعيب ثم استمر بعد العلم فإن ذلك لا يسقط حقه. ويدل على الرضا أيضا سقي الأرض وزراعتها وجمع غلة الزرع، أما الأكل من ثمر الشجرة فإنه لا يدل على الرضا، وكذا عرض الثوب على الخياط لينظر أيكفيه أم لا. وعرضه على المقومين ليعلم حاله. وكذا لا يدل على الرضا ركوب الدابة لردها على البائع، أو لشراء العلف لها لا لدابة أخرى، وإنما يصح له ركوبها لذلك بشرط أن لا يكون قادرا على المشي إلا بصعوبة. وإذا كان البائع غائبا فلم يجده ليرد إليه المبيع فإنه يمسك المبيع عنده حتى يحضر البائع فيرده له. وإذا هلك وهو في يد المشتري قبل حضور البائع لم يكن مسؤولا عن ثمنه، وإنما يكون مسؤولا عن النقصان الحاصل بسبب العيب. يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
المالكية - قالوا: يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم بالعيب على الفور، ويقدر الفور عندهم بمدة يومين وما زاد عليها يكون تراخيا يسقط حق الخيار في الرد بالعيب، إلا إذا كان معذورا بعذر يمنعه من الرد بعد العلم، كمرض أو سجن أو خوف من ظالم أو نحو ذلك. ثم إن له الرد في أقل من يوم بدون أن يطالب بيمين. أما اليوم واليومان فإن له الرد فيهما مع الحلف بأنه لم يرض بالعيب وأنه رد المبيع. ويمتنع الرد إذا فعل ما يدل على الرضا مما تقدم بيانه. وإذا كان البائع غائبا فيستحب أن يشهد على عدم الرضا، ثم إن كانت غيبته قريبة فإنه يرده على وكيله إن كان له وكيل، فإن لم يكن له وكيل، فإن شاء انتظر حضوره ليرد عليه وإن شاء رفع الأمر للقاضي. والقاضي يعلنه بالحضور أو الحكم عليه بالرد وهو غائب، وإن كانت غيبته بعيدة وعجز المشتري عن رده فإما أن ينتظره أو يرفع الأمر للقاضي، والقاضي إن كان يعلم محله أو يرجو عودته ينتظره مدة عشرة أيام في حال الأمن، ويومين في حال الخوف. ثم يحكم بالرد وإلا حكم بالرد ابتداء من غير انتظار. الحنابلة - قالوا: لا يشترط الفور في رد المبيع بالعيب، بل يصح أن يكون على التراخي لأنه شرع له لدفع ضرر متحقق، فلم يبطل بالتأخير إلا إذا كان مقترنا بما يدل على الرضا. كما إذا اتسعمل الثوب بعد العلم بعيبه، أو أجر العين، أو ركب الدابة ونحو ذلك، إلا إذا كان قد ركبها ليختبرها أو ركبها ليقطع بها الطريق ليردها إلى البائع، فإن هذا لا يدل على الرضا. ولا يفتقر الرد إلى رضا البائع، ولا إلى حضوره، ولا إلى حكم حاكم سواء كان الرد قبل القبض أو بعده، فمتى أعلن فسخ العقد أصبح غير مسؤول عن البيع خيار التغرير الفعلي (3) الشافعية - قالوا: إذا اشترى المصراة فحلبها فإن له ردها مع رد صاع من تمر معها. وكذا إذا استهلك لبنها بغير الحلب كأن ترك ولدها يرضعها. وإذا علم أنها مصراة قبل أن يتلف لبنها فإن له ردها بدون أن يكون ملزما برد شيء معها: كما لا يلزم برد صاع التمر بخصوصه إذا اتفق المتعاقدان على غيره فيصح أن يرد بدل اللبن نقودا أو برا أو غيرهما مع الاتفاق. واللبن الذي يجب معه الرد هو لبن مأكول اللحم، أما لبن غيره كالأتان فإنه لا يرد بدله. وإن كانت التصرية عيبا فيه يرد به. وكذا لا يرد بدل القليل التافه، وإذا كرر حلبها فإنه لا يلزم إلا برد صاع واحد، نعم إذا كانت الناقة أو الشاة ملكا لشركاء متعددين، أو اشتراها شركاء فإن لكل واحد من البائعين صاعا، وعلى كل واحد من الشارين صاعا. المالكية - قالوا: إذا اشترى المصراة فحلبها فإن له ردها بشرك أن يرد معها صاعا من غالب قوت بلده، ولا يشترط رد صاع التمر بخصوصه، ويحرم أن يرد اللبن فقط، إنما له رده مع رد الصاع. وكذا يحرم رد بدل الصاع من نفوذ أو غيرها. وإذا لم يحلبها ثم علم بأنها مصراة فله ردها بدون أن يلزم بالصاع. واللبن الذي يجب معه الرد هو لبن مأكول اللحم، أما غير مأكول اللحم فإنه لا يجب معه رد الصاع وإن كان يرد نفس الحيوان بالتصرية لأنها عيب فيه. وإذا كرر حلبها فلا يرد إلا صاعا واحدا ما لم يدل تكرار الحلب على الرضا، وذلك كأن يحلبها لينتفع بلبنها. أما إذا حلبها لاختبارها مرة أخرى فإنه لا يدل على الرضا، وإذا حلبها مرة ثالثة فإنها تدل على الرضا إلا إذا ادعى أنه حلبها الثالثة ليختبرها، لأنه الحلبة الثانية لم تكف في اختبارها ولكن عليه اليمين. فإذا حلبها بعد الثالثة كان ذلك رضا قولا واحدا. وإنما يعتبر تكرر الحلبات ثلاثة أو أقل إذا حلبها في مواعيد حلبها، فإذا حلبها في يوم واحد ثلاث مرات وكانت عادتها حلبتين حسب له اثنان فقط. وإذا اشترى من بائع واحد شياها متعددة في عقد فوجدها مصراة كلها فإن له ردها، وعليه أن يدفع على كل واحدة حلبها صاعا على الأرجح. الحنفية - قالوا: إذا اشترى المصراة فليس له ردها بذلك العيب مطلقا، وإنما له المطالبة بالتعويض عما نقص من قيمتها بذلك العيب. ويقولون: إن الحديث الوارد في ذلك وإن كان صحيحا في ذاته ولكن يعارضه شيء واحد آخر، وهو أن القياس الثابت بالكتاب والسنة والإجماع قد دل على أن ضمان العدوان يكون بالمثل أو القيمة، وفي مسألة المصراة قد تعدى البائع بالتصرية تغريرا بالمشتري فعليه أن يضمن قيمة النقص الحاصل بالعيب. أما المشتري فلم يتعد بالحلب، وعلى فرض أنه تعدى فإنه يلزم بقيمة اللبن أو مثله، والتمر ليس واحدا منهما، فكان الحديث مخالفا للقياس فلم يعمل به. وقال أبو يوسف: إنها ترد ويرد معها قيمة اللبن. الحنابلة - قالوا: إذا اشترى المصراة فإن له ردها بذلك العيب وعليه أن يرد معها صاعا من تمر عملا بالحديث المذكور، ويسمون هذا خيار التدليس (4) المالكية - لهم تفصيل في ذلك مذكور فيما سيأتي قريبا (5) الشافعية - قالوا: إن كان بعض المبيع فاسدا لا ينتفع به وبعضه غير فاسد ينتفع به، كان للمشتري الحق في رده وأخذ ثمنه كاملا بدون أن يلزم بشيء عما أحدثه فيه من التغير، لأن له العذر في ذلك حيث لا يمكنه معرفته إلا بكسره. وكذا إذا اشترى حيوانا فذبحه فوجد لحمه منتنا فإن له الحق في رده إذ كان لا يمكنه معرفته قبل ذبحه. أما إذا كان يمكنه ذلك بأن كان الحيوان مما يأكل النجاسة ويسمى "جلالا" فإنه يسقط في الرد حينئذ. وإذا كانت معرفة ما في باطن المبيع لا تتوقف على كسره فكسره، أو كانت تتوقف على كسر يسير فكسره كسر كبيرا فإنه في هذه الحالة لا يكون له حق في الرد، لأنه أحدث فيه عيبا ممكن اختيار المبيع بدونه. وإذا اشترى شيئا لبه فاسد وقشره ينتفع به كبيض النعام، فإن على المشتري أن يرده على بائعه ويأخذ ثمنه، بخلاف ما إذا اشترى شيئا لا ينتفع بقشره فوجده فاسدا جميعه كبيض الدجاج والبطيخ، فإنه لا يلزم برده لكونه لا قيمة له، وعلى البائع أن يدفع له كل الثمن كما تقدم. المالكية - قالوا: إذا اشترى شيئا لا يعرف عيبه إلا بإحداث تغيير في ذات المبيع كالبطيخ والجوز والخشب المسوس إذا كان السوس غير ظاهر فإنه لا يعرف إلا بشقه أو كسره، فليس للمشتري أن يرده بعد أن يحدث فيه التغيير إلا إذا اشترط رده بذلك. أو جرى العرف على رد المبيع بمثل هذا العيب، لأن العرف كالشرط في هذا، وكما أن المشتري ليس له الحق في رده، كذلك ليس له الحق في المطالبة بتعويض عما نقص بسبب العيب. وإذا كان في المبيع عيب باطني ولكن يمكن معرفته بدون إحداث تغيير في ذاته كالبيض "فإنه يمكن معرفته بعلامات خاصة بدون حاجة إلى كسره"، فإن له أحوالا يختلف الحكم فيه باختلافها، وذلك لأنه إما أن يتبين أنه منتن ويسمى مذرا، وإما أن يتبين أن صفاره مخلوط ببياضه ولكنه لم ينتن ويسمى "ممروقا" وعلى كل من الحالتين: إما أن يكون البائع مدلسا أي كتم العيب والذي به أو غير مدلس، فإن تبين أنه مذر فإن البيع يكون فاسدا، سواء كان البائع مدلسا أو غير مدلس، وسواء شواه المشتري بعد شرائه أو كسره ولم يشوه، أو عرفه قبل أن يفعل به شيئا، وفي هذه الحالة يرد المشتري المبيع ويلزم البائع برد الثمن جميعه. أما إن تبين إنه ممروق والبائع غير مدلس، فإن كان المشتري قد عرفه قبل أن يكسره أو يشويه، فإنه يكون مخيرا بين أن يمسكه وبين أن يرده من غير أن يكون له أو عليه شيء، أو الشق، وبين إمساكه وأخذ العوض عن العيب القديم من البائع بأن يقوم وهو سالم ويقوم وهو معيب، فإن كان يساوي وهو سالم عشرة ويساوي وهو معيب ثمانية، فيرجع بنسبة ذلك من الثمن وهو اثنان أعني خمس الثمن. وإذا تبين أنه ممروق والبائع مدلس، فإن كان المشتري قد كسره أو لم يفعل به شيئا فإنه يكون مخيرا بين أن يمسكه ولا شيء له، أو يرده ويأخذ جميع الثمن ولا شيء عليه. أما إذا كان قد شواه فإنه لا يكون له الحق في رده، بل له الحق في أخذ العوض عن النقص بالطريق التي ذكرت. ويشترط في ذلك كله أن يكسره في زمن قريب لا يتصور أن يتغير فيه البيض. أما إذا كسره بعد أيام يصح أن يتغير فيها فلا يكون له الحق في شيء. لأنه في هذه الحالة لا يعلم إن كان العيب قد حدث عند البائع أم عند المشتري. الحنفية - قالوا: المبيع الذي لا يعرف عيبه إلا بإحداث تغيير في ذاته من كسر أو شق أو غيرهما كالبيض والبطيخ والجوز واللوز لا يخلو حاله: إما أن يكون جميعه فاسدا لا ينتفع به أصلا كما إذا اشترى بيضا فوجده منتنا، أو قثاء فوجده مرا، أو جوزا فوجده خاويا، ففي هذه الحالة يقع بيعه باطلا، ويلزم البائع برد جميع ثمنه ولا شيء على المشتري. وكذلك إذا اشترى جوزا فوجده خاويا لا لب فيه فإن بيعه على هذه الحالة يكون باطلا، ولا اعتبار بالانتفاع بقشره لأنه لا يعد مالا مقدما إلا باعتبار لبه على الراجح، بخلاف بيض النعام فإن لقشره قيمة، فإذا وجد باطنه فاسدا لم يكن بيعه باطلا للانتفاع بقشره، فليس للمشتري رده، وإنما الرجوع بنقصان العيب. أما إذا كان يمكن الانتفاع به من بعض الوجوه ولو بجعله علفا للدواب، فإنه لا يكون للمشتري في هذه الحالة الحق في رده، ولن يكون له الحق في الرجوع على البائع بعوض النقصان بحيث يقوم صحيحه وفاسده ويأخذ فرق ثمنه كما تقدم، الحق في العوض. وكذا إذا علم بالعيب قبل كسره ثم كسره سقط حقه في الرد وفي العوض لأن كسره بعد العلم بالعيب دليل على رضاه به. وإذا اشترى شيئا فوجد بعضه صحيحا وبعضه فاسدا كان له الحق في الرجوع على البائع بحصة الفاسد من الثمن، إلا إذا كان الفاسد قليلا لا يمكن الاحتراز عنه، أو لا يخلو المبيع عنه في العادة كالجوز واللوز فإنه يغتفر فيه إلى ستة فاسدة من كل مائة، وكذلك التراب القليل الذي لا يخلو عنه القمح في العادة فإنه يغتفر فيه ذلك. الحنابلة - قالوا: إذا كان بعض المبيع فاسدا وبعضه صحيحا فإن للمشتري الحق في أخذ قسط الفاسد من الثمن، فإن كان نصفه فاسدا رجع بنصف الثمن وهكذا، وإذا اشترى شيئا فوجد باطنه جميعه فاسدا ولكن له قيمة بعد الكسر كبيض النعام والجوز ونحو ذلك، فإن المشتري يكون مخيرا بين رده للبائع ودفع تعويض ما أحدثه من الكسر فيه، وبين إمساكه وأخذ تعويض فساده من البائع، فإن كان قد كسره كسرا لا يبقى معه له قيمة أصلا كان للمشتري الحق في أخذ تعويض فساده من البائع. فإن كان قد كسره كسرا لا يبقى معه له قيمة أصلا كان للمشتري الحق في أخذ التعويض عن الفساد فقط |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 185 الى صــــــــ193 الحلقة (101) [مبحث إذا عرضت زيادة على المبيع الذي به عيب] إذا عرضت زيادة على المبيع الذي يظهر فيه عيب، فتارة تكون هذه الزيادة متصلة به كجزء منه، وتارة تكون منفصلة عنه، وفي أحكامها تفصيل المذاهب (1) . [مبحث إذا اختلف المتبايعان في شأن المبيع] إذا اختلف المتبايعان في شأن المبيع المردود بالعيب، ففي حكمه تفصيل في المذاهب (2) . (1) الشافعية - قالوا: الزيادة التي تعرض للمبيع أو للثمن إذا كان قابلا للزيادة كالحيوان والزرع ونحو ذلك، تارة تكون متصلة وتارة تكون منفصلة، وضابط المتصلة هي التي لا يمكن فصلها عن محلها وإفرادها بالبيع على حدة، وذلك كما إذا اشترى حيوانا فسمن بعد أن كان هزيلا، أو كبر بعد أن كان صغيرا، فإن السمن والكبر متصل بالحيوان وجزء منه لا يمكن فصله عنه. وكذا إذا اشترى شجرة صغيرة فكبرت. أما الزيادة المنفصلة فهي التي يمكن فصلها عن محلها وبيعها على حدة كثمرة الشجرة واللبن والبيض. وحكم الزيادة المتصلة: أنها تتبع الأصل في الرد، فإذا اشترى حيوانا فسمن أو كبر بعد العقد ثم وجد فيه عيبا يرد به فإن زيادته هذه تكون تابعة له في الرد. فلا يكون للمشتري الحق في أخذ تعويض عنها من البائع. وحكم الزيادة المنفصل. أنها تكون لمن حدثت في ملكه، فإن كان المبيع قد دخل في ملك المشتري بالعقد فله ما ينفصل عنه من ثمرة كلبن وبيض وصوف وإن رد المبيع قبل قبضه، لأن هذه الزيادة فرع الملك، والفسخ يبطل العقد من حين الفسخ لا من حين العقد. ومثل المبيع في ذلك الثمن إذا ملكه البائع فإن له ما ينفصل عنه من ثمره. وإذا اشترى دابة حاملا فلا يخلو: إما أن يكون ذلك الحمل قد حدث وهو في ملك البائع بأن كان قبل العقد، أو مقارنا له، أو حدث في ملك المشتري، وحكم الأول أنه يتبع أمه في الرد ولو بعد الولادة، فإذا رد أمه بالعيب لزمه أن يرد ولدها معها، وإذا نقصت بسبب الولادة لا يعتبر ذلك النقصان عيبا يمنع المشتري من الرد على المعتمد. ومثل الحمل المقارن الحمل الذي حدث قبل العقد. أما إذا حدث الحمل في ملك المشتري فلا يتبع الولد أمه في الرد بل يأخذه المشتري بعد ولادته. الحنفية - قالوا: الزيادة التي تعرض للمبيع قسمان: متصلة به، ومنفصلة عنه، وكل منهما قسمان: متولدة من المبيع وغير متولدة منه. فالأقسام أربعة. الأول: زيادة متصلة بالمبيع متولدة عنه ككبر الحيوان وسمنه، وحكمها أنها لا تمنع رد المبيع الذي يظهر به عيب قديم على الصحيح، سواء عرضت له هذه الزيادة بعد أن قبضه المشتري، أو عرضت له بعد عقد البيع وقبل أن يقبضه، فإذا حيوانا هزيلا فسمن عنده بعد قبضه، أو اشتراه فسمن عند البائع قبل قبضه ثم تبين له أن به عيبا يرد به، فإن له الحق في رده ولا يمنعه السمن من الرد. وكذلك إذا اشتراه صغيرا فكبر، كما أن له الحق في أن يمسك المبيع ويرجع على البائع بالعوض عن نقص المبيع بسبب العيب وليس للبائع أن يمنع عن دفع العوض عن النقص ويطلب رد المبيع بأن يقول للمشتري: إما أن ترد لي المبيع وتأخذ ثمنه كاملا، وإما أن تمسكه بدون عوض. الثاني: زيادة متصلة بالمبيع غير متولدة منه، كصبغ الثوب والبناء الحادث على الأرض، فإنه متصل بالمبيع ولكنه غير متولد منه، وحكمها: أنها تمنع رد المبيع باتفاق، فإذا اشترى أرضا ثم بنى عليها، أو اشترى ثوبا فصبغه ثم وجد به عيبا فليس له رده به، حتى ولو قال البائع: أنا أقبله كذلك، وإنما له الحق في المطالبة بالتعويض عن النقص. سواء حدثت الزيادة قبل أو بعد قبضه لأنها قبل قبضه تكون تصرفا في المبيع يكون به قابضا. الثالث: زيادة منفصلة متولدة من المبيع، كالولد واللبن والصوف إذا كان المبيع حيوانا، والتمر إذا كان المبيع شجرا، وحكمها: أنها تمنع الرد بالعيب بعد القبض لا قبله، فإذا اشترى دابة حبلى فولدت له ثم وجد بها عيبا قديما ترد، فإن كان ذلك بعد قبضها فليس له ردها بالعيب، وإنما له المطالبة بالعوض عن العيب. أما إذا كان ذلك قبل قبضها فإن الولادة لا تمنع الرد، فإن شاء رد الولد مع أمه وأخذ الثمن، وإن شاء رضي بهما بجميع الثمن. وكذا إذا اشترى شجرة فأثمرت، فإن كان بعد قبضها فليس له ردها بالعيب، وإن كان قبل قبضها فله ردها بثمرها ومثل ذلك ما إذا اشترى حيوانا لا يحلب لبنا فحلب بعد شرائه، أو ليس له صوف فنبت له فإن حكمه كذلك. الرابع: زيادة منفصلة غير متولدة من المبيع كالزيادة الحاصلة من غلة المبيع وكسبه كما إذا اشترى عبدا فكسب مالا بتجارة، أو وهبه أحد مالا، أو تصدق عليه بمال وحكمها أنها قبل القبض لا يمنع رد المبيع، فللمشتري أن يرده دون هذه الزيادة، فإنها للمشتري بدون ثمن ولكن لا تطيب له، وقيل: هي للبائع ولكن لا تطيب له أيضا، أما بعد القبض فإن الزيادة المذكورة لا تمنع الرد أيضا، ولكن المشتري يرد المبيع فقط وتكون الزيادة له طيبة. المالكية - قالوا: الزيادة التي تحدث في المبيع عند المشتري قبل أن يطلع عيب قديم فيه تنقسم إلى خمسة أقسام: القسم الأول: زيادة في عين المبيع من غير إحداث شيء فيه كسمن الدابة وكبر الصغير فإذا اشترى دابة هزيلة فسمنت عنده سمنا زائدا ثم اطلع على عيب قديم ترد به ففي ذلك خلاف، فقيل: إن سمنها يمنع ردها للبائع، وللمشتري الحق في المطالبة بالتعويض عن نقص العيب وقيل: إن سمنها يمنع ردها، فالمشتري مخير بين أن يردها ويأخذ كل الثمن ولا شيء له من الزيادة كما أنه لا شيء عليه من العوض عن السمن الكثير، وبين أن يمسكها ويأخذ عوض العيب القديم أما إذا كان السمن يسيرا يصلح به البدن فإنه لغو لا يترتب عليه شيء. القسم الثاني: زيادة من جنس المبيع تنسب إليه كالولد، فإذا اشترى دابة فولدت عنده سواء اشتراها حاملا أو حملت عنده ثم اطلع على عيب قديم ترد بعد ولادتها، فللمشتري الحق في رد هذه الدابة ومعها ولدها ويأخذ الثمن، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ولد أمه. أو ولد بقر، أو إبل، أو غنم، أو نحوها، وإذا أنقصت الولادة قيمة الدابة فلا يخلو: إما أن يكون الولد يجبر ذلك النقص أو لا فإن كان الولد يجبر النقص فلا شيء على المشتري، وإن كان لا يجبره فعلى المشتري أن يرد معها ما نقص من قيمتها. القسم الثالث: زيادة تنسب للمبيع وتتعلق به ولكن ليست من جنسه، كثمر النخلة والشجرة فإن الثمر ليس من جنس الشجر وهو منسوب إليه ومتعلق به. وحكم هذا أنه لا يخلو: إما أن يكون البائع قد لقح النخلة حين الشراء واشترط على المشتري أن تكون ثمرتها له أو لا. فإذا كان الأول ثم تبين أن بها عيبا ترد به فإن للمشتري أن يرد المبيع وأن يرد معه ثمره ولو كان الثمر قد طاب أو قطع، فإن تصرف فيه المشتري بأكل أو إهداء أو هلك بآفة فعلى المشتري أن يرد مثله إن علم قدر كيله، فإن لم يعلم كيله فعليه أن يرد قيمته، وإن تصرف فيه بالبيع فعليه رد الثمن إن علمه، وعليه رد القيمة إن جهل الثمن. أما إذا لم يكن البائع قد لقح الشجرة فإن ثمرتها للمشتري إذا قطعها قبل أن يردها فلا يردها للبائع حينئذ. أما إذا رد المبيع قبل قطع الثمرة فإن الثمرة ترد من البيع للبائع، إلا إذا تلونت بأن احمرت أو اصفرت فإنها تكون للمشتري. وإذا لم يشترط البائع أن تكون الثمرة له فإنها لا تدخل في المبيع وتكون من حق البائع على أي حال، بخلاف الصوف فإنه يدخل في الغنم بدون شرط شرائه فيرد مع الغنم المعيبة، وإذا استهلكه ببيع ونحوه فعليه أن يرد وزنه إن علمه، وإلا فعليه أن يرد الغنم ويأخذ الثمن ناقصا ثمن الصوف، إلا إذا نبت لها بعد جزء مثله فإنه لا شيء عليه، لأن الصوف الجديد حل محل المستهلك. ومن الزيادة المتعلقة بالمبيع وليست من جنسه ككسب العبد، فإنه إذا اشترى عبدا فكسب العبد مالا بسبب تجارة، أو وهبه أحد مالا أو تصدق عليه بمال ثم وجد به عيبا قديما يرد به بعد هذه الزيادة، كان المشتري بالخيار بين أن يرد بماله الذي كسبه، وبين أن يمسكه بزيادته ولا شيء له في الحالتي، إلا أن له الحق في المطالبة بثمن الدواء إن كان قد أنفقه، وكذا له الحق في المطالبة بسقي الزرع الذي رده مع ثمره. القسم الرابع: زيادة أحدثها المشتري كصبغ الثوب وخياطته، فإذا اشترى ثوبا فصبغه ثم اطلع بعد الصبغ على عيب قديم في الثوب يرد، فهو بالخيار بين أن يمسك المبيع ويأخذ التعويض عما أحدثه العيب القديم من النقص، وله أن يرد الثوب كله ويأخذ الثمن كله زائدا نصف ثمن الصبغ بأن يقوم الثوب وهو معيب غير مصبوغ، أو يقوم وهو معيب مصبوغ، فإذا كانت قيمته وهو غير مصبوغ تساوي عشرين، وتساوي وهو مصبوغ خمسة وعشرين، كان الفرق الذي زاده بالصبغ خمسة، فيكون للمشتري الحق في المشاركة فيها. القسم الخامس: زيادة لا تأثير لها في المبيع، وهي الزيادة التي بها تترقى حالة المبيع، كما إذا اشترى عبدا فعلمه صنعة أو أدبه تأديبا حسنا فإن مثل هذه الزيادة لا تعتبر وإن زادت بها قيمته فإذا اشترى عبدا فأدبه ثم وجد به عيبا يرد به، كان على الخيار بين أن يرده ويأخذ ثمنه، أو يمسكه ولا يطالب بتعويض عن نقص العيب. الحنابلة - قالوا: الزيادة التي تعرض للمبيع تنقسم إلى قسمين: متصلة بالمبيع، ومنفصلة عنه فأما المتصلة فهي كسمن الحيوان بعد الهزال وكبره بعد الصغر، وحكمها: أن المشتري إذا اطلع على عيب يرد به المبيع بعد حدوث تلك الزيادة فإنه يرده بزيادته المتصلة به طبعا، إذا لا يمكن انفصالها منه فنتبعه بحكم الضرورة. ومن الزيادة المتصلة تعلم الأدب والصنعة، فإذا اشترى عبدا فعلمه صنعة ثم رده بعيب تبعته صنعته طبعا، ومنها ثمرة الشجرة قبل ظهورها فإنها ترد تبعا للمبيع أما بعد ظهورها فإنها تكون زيادة منفصلة وسيأتي حكمها عقب هذا، ومن الزيادة المتصلة أيضا إذا اشترى حبا فبذره في الرض فأصبح زرعا ثم أراد رده بالعيب القديم فإن له رده زرعا لا حبا، وكذا إذا اشترى بيضا فصار فراخا ثم أرد رده فإنه يرد الفراخ. ومن الزيادة المتصلة أيضا الحمل، فإذا اشترى بهيمة أو أمة فحملت بعد الشراء ثم أراد ردها فإنه يردها بحملها، أما إذا اشتراها فحملت بعد الشراء بهيمة أو أمة فحملت بعد الشراء ثم أراد ردها فإنه يردها بحملها، أما إذا اشتراها فحملت بعد الشراء وولدت فإن الولد يكون زيادة منفصلة لا ترد على البائع، بل يأخذه المشتري إلا بعذر كما إذا كان ولد أمة فإنه يرد معها لحرمة التفريق بينهما. وأما الزيادة المنفصلة فهي كالثمرة بعد ظهورها، والحمل بعد ولادته، وكسب المبيع مالا بتجارة ونحوها، واللبن، وحكمها: أنها تكون للمشتري ما دام المبيع في ضمانه كما قدم، فإذا رد المبيع بعيب فإن زيادة المنفصلة تكون ملكا للمشتري (2) الحنفية - قالوا: اختلاف المتبايعين في شأن المبيع المردود بالعيب يشمل خمسة أمور: الأول: أن يختلفا في عدد المبيع كما إذا اشترى شخص من آخر دابة فقبضها بعد شرائها ودفع ثمنها ثم اطلع على عيب ترد به فجاء ليردها واعترف البائع بذلك العيب إلا أنه قال له: أنا بعتك هذه الدابة ومعها دابة أخرى، فلك رد حصة هذه فقط من الثمن لا رد الثمن كله، وقال المشتري: لم أشتر منك سوى هذه فاردد كل الثمن ولا بينة لهما، ففي هذه الحالة يكون القول للمشتري لأنه قابض منكر، إذ هو قبض الدابة وأنكر زيادة الدابة الأخرى التي ادعاها البائع، والقول للمنكر بيمينه. وأيضا فإن البيع انفسخ في الدابة التي ردها بالرد فأسقط ثمنها عن المشتري، والبائع يدعي بعض الثمن بعد ظهور سبب سقوط الثمن وهو الرد، والمشتري ينكر، والقول للمنكر كما علمت. الثاني: أن يختلفا في عدد المقبوض لا في عدد المبيع بأن اتفقا على أن المبيع دابتان وأن البائع قبض ثمنهما ثم جاء المشتري ليرد إحداهما فقال البائع: إنك قد قبضت الاثنتين فلا تستحق إلا حصة هذه من الثمن، وقال المشتري: إنني لم أقبض سوى هذه التي أطلب ردها، وحكم هذا كالذي قبله يكون القول فيه للمشتري. الثالث: أن يختلفا في صفة المبيع كما إذا اشترى "قطنية" مصرية بلدية فوجدها شامية فجاء ليردها لبائعها فقال البائع: إنني ذكرت لك أنها شامية، وقال المشري: بل ذكرت لي أنها بلدية، وحكم هذا: أن القول فيه للبائع بيمينه لأنه ينكر حق الفسخ، والبينة للمشتري لأنه مدع. الرابع: أن يختلفا في قدر المبيع كما إذا اشترى سلعة موزونة ثم جاء ليردها بنقص وزنها فقال البائع: إنني وزنتها لك كاملة، فالقول للمشتري ما لم يسبق منه إقرار بقبض مقدار معين. الخامس: أن يختلفا في تعيين المبيع كما إذا اشترى حيوانا واحدا ثم جاء ليرده فقال البائع: إنه ليس هو الحيوان الذي بعته لك، وقال المشتري: يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
إنه هو. وهذا له حالتان: إحداهما: أن يكون الرد بخيار شرط أو رؤية. ثانيهما: أن يكون الرد بعيب قديم في المبيع. فإن كان الأول، فالقول للمشتري بيمينه، وإن كان الثاني، فالقول للبائع كذلك. والفرق بين الحالتين: أن المردود بخيار أو رؤية ينفسخ فيه العقد بلا توقف على رضا الآخر بل على علمه على الخلاف، ومتى انفسخ العقد يكون الخلاف بعد ذلك في العين المقبوضة وهي المبيع، وقد عرفت أن القول للقابض وهو المشتري في هده الحالة. أما المردود بالعيب فإن المشتري لا ينفرد بفسخ العقد فيه، ولكنه يدعي حق الفسخ في المبيع الذي أحضره، والبائع ينكر هذا الحق فالقول حينئذ يكون للمنكر. الحنابلة - قالوا: اختلاف المتبايعين في شأن المبيع يشمل ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن يختلفا فيمن حدث عنده العيب في المبيع فيقول البائع: إنه حدث وهو عند المشتري، ويقول المشتري: إنه حدث فيه وهو عند البائع، وهذا يتناول ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يكون حدوث العيب محتمل الوقوع عند البائع وعند المشتري كخرق الثوب ورفوه فإذا قال البائع للمشتري: إنك استلمت هذا الثوب سليما وهذه الخروق حدثت عندك، وقال المشتري عكس ذلك ولا بينة لأحدهما، فإن القول في هذه الحالة يكون للمشتري. وعليه أن يحلف بالله جزما أنه اشتراه وبه هذا العيب، أو أن هذا العيب ما حدث عنده. وللمشتري بعد اليمين رد المبيع إن لم يكن قد خرج من تحت يده إلى يد غيره بحيث لم يشاهده. أما إذا خرج من تحت يده كذلك فليس له الحلف ولا الرد، لأنه إذا غاب عنه احتمل حدوث العيب عند من انتقل إليه المبيع، فلم يجز للمشتري أن يحلف وهو جازم مع وجود ذلك الاحتمال. الصورة الثانية: أن تدل العيب على أنه حادث عند البائع قطعا فلا يحتمل حدوثه عند المشتري. كما إذا اشترى حيوانا فيه شجة تعيبه ولكنها مندملة ثم اطلع عليها بعد يوم أو يومين فإن اندمالها دليل على أنها قديمة لا يحتمل حدوثها عنه المشتري، وفي هذه الحالة يكون القول للمشتري بلا يمين. الصورة الثالثة: أن تدل حالة العيب على أنه واقع عند المشتري قطعا عكس الحالة الثانية كأن اشترى حيوانا وبعد مدة وجد فيه جرح جديد لا يتصور حدوثه وهو عند البائع بعد مضي هذه المدة. وفي هذه الحالة يكون القول للبائع بلا يمين. الأمر الثاني: أن يختلفا في نفس المبيع المعين كأن يبيع حيوانا معينا ليس دينا في الذمة، ثم يرده المشتري فيقول البائع: إنه غير الحيوان الذي بعته، ويقول المشتري إنه هو، ويتناول هذا صورتين: الصورة الأول: أن يكون الرد بسبب العيب القديم وفي هذه الصورة يكون القول للبائع بيمينه. الصورة الثانية بأن يكون الرد بسبب خيار الشرط كما إذا اشترى حيوانا بشرط الخيار ثم جاء ليرده للبائع. وفي هذه الصورة يكون القول للمشتري بيمينه، والفرق بين الصورتين: أن الرد بالعيب ينكر فيه البائع حق الفسخ للمشتري، وينكر كون هذه السلعة هي التي باعها، والقول للمنكر بيمينه، أما الرد بشرط الخيار فإنه يعترف بحق الفسخ فيكون للمشتري القول لا له. الأمر الثالث: أن يختلفا في الثمن المعين كما إذا اشترى السلعة المعينة بمثلها ثم ردها بعيب فردت له سلعته التي دفعها ثمنا فادعى أنها ليست هي، وقال البائع: إنها هي ولا بينة لأحدهما فالقول في هذه الحالة يكون للمشتري مع يمنه، ومثل ذلك ما إذا كان المبيع غير معين كما إذا اشترى دينا في الذمة لأجل - وهو السلم - فإن المبيع فيه غير معين، فإذا قبضه المشتري ثم رده بعيب فقال البائع: إنه ليس هو وقال المشتري: إنه هو، فالقول للمشتري. المالكية - قالوا: اختلاف المتبايعين في شأن المبيع يشمل أمورا أربعة. الأول: أن يختلفا في رؤية العيب حين البيع، فيقول البائع للمشتري: إنك رأيت العيب وعلمت به قبل العقد، ويقل المشتري: لم أره ولم أعلم به، والقول في هذه الحالة يكون للمشتري. فله رد به قبل العقد، ويقلو المشتري: لم اره ولم أعلم بهن والقول في هذه الحالة يكون للمشتريز فله رد المبيع بدون يمين عليه إلا إذا ادعى البائع أنه أطلعه على العيب وبينه له. فإنه في هذه الحالة يكون على المشتري اليمين، فإن حلف كان له الحق في رد المبيع، وإن امتنع عن الحلف حلف البائع أن المشتري اطلع على العيب حين البيع، ولا يكون للمشتري الحق في الرد بعد حلف البائع، ومثل ذلك ما إذا أشهد المشتري على نفسه أنه عاين المبيع وبحثه قبل العقد ولكنه لم يطلع على العيب الذي يريد رده به. وقال له البائع: بل اطلعت عليه ورأيته حين العقد، فعلى المشتري أن يحلف بأنه ما رآه وله رده بعد الحلف، فإن لم يرض بالحلف حلف البائع بذلك ولزم المشتري المبيع. الأمر الثاني: أن يختلفا في الرضا بالعيب الخفي بأن يعترف البائع بأن المشتري لم ير العيب حين البيع ولكنه رآه بعد ذلك ورضي به، وأنكر المشتري الرضا وقال: إنني لم أرض به، وهذا يشمل ثلاث صور: الصورة الأولى: أن تكون دعوى البائع غير مؤكدة بشيء، وحكمها: أن المشتري له رد المبيع بدون يمين. الصورة الثانية: أن تكون دعواه مؤكدة بدعوى أخرى بأن يدعي أن شخصا أخبره بأن المشتري رضي بالعيب بعد أن اطلع عليه ولم يسم ذلك الشخص وحكمها: أن للبائع تحليف المشتري بأنه ما رضي بالعيب بعد الاطلاع عليه. وهل للمشتري أن يحلف البائع بأن شخصا أخبره قبل أن يحلف أو لا؟ خلاف. الصورة الثالثة: أن يدعي البائع بأن فلانا أخبره بأن المشتري رضي بالعيب ويسمي من أخبره، وفي هذه الحالة لا يخلو: إما أن يكون من سماه البائع أهلا لأداء الشهادة، أو فاسقا ليس أهلا لها، ويسميه المالكية "مسخوطا" لأن الله تعالى سخط عليه لفسقه. فإن كان أهلا لأداء الشهادة وأثبت البائع رضا المشتري بالعيب بشهادته، حلف البائع معه وتم البيع، فلا يفيد المشتري حينئذ دعوى عدم الرضا، وإن لم يكن أهلا للشهادة، أو كان أهلا لها ولكن البائع لم يثبت رضا المشتري بشهادته، حلف المشتري بأنه ما رضي ورد المبيع وإنما وجبت اليمين على المشتري في حال فسق الشاهد، لأن تصديقه للبائع يرجح دعواه في الجملة، فإن كذب المخبر البائع فلا يمين على المشتري، سواء كان المخبر عدلا أو فاسقا على الظاهر. الأمر الثالث: أن يختلفا في قدم العيب وعدمه إذا كان العيب خفيفا غير ظاهر، أو كان ظاهرا ولكن من شأنه أنه يخفى على غير المتأمل، فيدعي المشتري أنه قديم موجود في المبيع قبل العقد، ويدعي البائع أنه حدث وهو عند المشتري ويشمل هذا خمس صور: الصورة الأولى: أن لا يكون لأحد المتبايعين بينة تشهد بدعواه، وفي هذه الصورة يكون القول للبائع بلا يمين، فيتم البيع ما لم يكن في المبيع عيب قديم آخر ثابت مع العيب المشكوك فيه، فإنه في هذه الحالة يكون القول للمشتري بأن العيب المشكوك فيه ما حدث عنده وعليه اليمين. الصورة الثانية: أن تقوم بينة من أهل الخبرة تشهد للبائع بأن العيب حادث عند المشتري قطعا، وفي هذه الصورة يكون القول بلا يمين. الصورة الثالثة: أن تقوم البينة المذكورة للبائع فتشهد بما يفيد الظن أو الشك في حدوث العيب عند المشتري، وفي هذه الصورة يكون القول للبائع بيمينه. الصورة الرابعة: أن تقوم البينة للمشتري فتشهد بأن العيب قديم قطعا، وفي هذه الصورة يكون القول للمشتري بلا يمين فله رد المبيع. الصورة الخامسة: أن تقوم البينة للمشتري فتشهد بما يفيد الظن أو الشك في قدم العيب، وفي هذه الصورة يكون القول للمشتري بيمينه فله الرد. فإذا كان العيب ظاهرا يمكن معرفته بمجرد النظر فإنه لا يرجع فيه لبينة ولا غيرها، بل يحمل على أن المشتري علمه ورضي به، فلو شهدت البينة بقدمه قطعا لا تنفعه حينئذ. الأمر الرابع: أن يختلفا في نفي العيب الخفي فيقول البائع: إنه غير موجود أصلا، ويقول المشتري: إنه موجود، وفي هذه الحالة يكون القول للبائع بلا يمين، لأن الأصل عدم العيب، فيعمل به ما لم توجد أمارة تضعف قول البائع، فإنه في هذه الحالة يكون القول قوله بيمين. مثال ذلك: أن يشتري حيوانا به عيب لا يعرف بالحس حين البيع ثم ظهر للمشتري ذلك العيب بعد البيع أثناء الاستعمال فأنكر البائع وجود ذلك العيب، وقال المشتري: إنه موجود، فالقول للبائع بلا يمين إلا إذا أودع الحيوان عند أمين يستعمله ليعرف إن كان هذا العيب موجودا أو لا، فقال الأمين إنه موجود، ففي هذه الحالة يكون القول للبائع ولكن عليه اليمين، لأن قول الأمين أضعف دعواه وهي إنكار العيب رأسا. ولا يشترط في شهود قدم العيب أو حدوثه الإسلام ولا العدالة، ويكفي في الشهادة بهما شاهد واحد لأنها خبر لا شهادة، إنما يشترط فيها عدم التجريح بالكذب. الشافعية - قالوا: إذا اختلف المتبايعان في قدم العيب وحدوثه فإن ذلك يشمل خمس صور: الصورة الأولى: أن يختلفا في عيب واحد بال حاله على أنه يمكن حدوثه وقدمه، ولا قرينة ترجح صدق أحدهما على الآخر، بل يكون صدق كل واحد منهما محتملا، فإذا ادعى البائع في هذه الحالة أن العيب حادث وهو عند المشتري فإنه يصدق بيمينه؛ لأن الأصل استمرار العقد لا فسخه، وإنما قالوا إن عليه اليمين لاحتمال صدق المشتري. الصورة الثانية: أن يبيع شيئا بشرط البراءة عن العيوب كأن يقول: أبيعك هذا الحيوان مثلا بشرط أنني لا أكون مسؤولا عن عيب فيه، وقد عرفت مما تقدم أن هذا الشرط لا يتناول سوى العيوب الباطنية التي تكون موجودة في الحيوان بالفعل وقت البيع، فلو كان سليما من العيوب ثم حدث فيه عيب بعد العقد قبل أن يقبضه المشتري فإنه يرد به، ففي هذه الحالة لو ادعى المشتري أن العيب حدث بعد البيع وقبل القبض فيرد به المبيع وقال البائع: إنه عيب قديم قد شرطت البراءة منه فأنا غير مسؤول عنه، فإن القول يكون للبائع بيمينه. الصورة الثالثة: أن يختلفا في عيبين فيقول المشتري: إنهما قديمان، ويقول البائع: إن أحدهما قديم والآخر حادث، وفي هذه الحالة يكون القول للمشتري بيمينه، فإن امتنع المشتري عن اليمين فلا يحلف البائع في هذه الحالة بأن ترد اليمين عليه لأنه لا فائدة في حلفه، فإن امتناع المشتري عن الحلف لا يثبت له حقا قبل المشتري، وإنما يسقط حق المشتري في الرد القهري، ويكون الحكم كما تقدم فيما إذا حدث عيب جديد في المبيع وهو عند المشتري ثم تبين أن به عيبا قديما فإنه في هذه الحالة لا يكون للمشتري الرد قهرا، ويكون في المسألة ثلاثة أوجه: أحدها: أن يرضى البائع بأخذ المبيع بدون تعويض عن العيب الحادث. ثانيها: أن يرضى المشتري بإمساكه بدون تعويض عن العيب القديم، فإن اتفقا على ذلك فهو جائز. ثالثها: أن يختلفا فيطلب أحدهما فسخ العقد والآخر إجازته، وفي هذه الحالة ينفذ رأي من طلب الإجازة، ويكون على البائع دفع التعويض عن العيب القديم. الصورة الرابعة: أن يدل حال العيب على أنه قديم كما إذا كان بالمبيع أثر شجة مندملة ولم يمض على المبيع سوى يوم واحد مثلا، فإنه لا يتصور أن تكون قد وجدت الشجة واندملت على المشتري، وفي هذه الحالة يكون القول للمشتري بلا يمين. الصورة الخامسة: أن يدل حال العيب على أنه حادث كجرح جديد لم يجف، والبيع والقبض قد مضى عليه زمن طويل، وفي هذه الحالة يكون القول للبائع بلا يمين |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 193 الى صــــــــ201 الحلقة (102) [مبحث خيار الرؤية وبيع الغائب] قد علمت مما تقدم أنه يشترط لصحة البيع أن يكون المبيع والثمن معلومين للبائع والمشتري، فلا يصح بيع المجهول جهالة تفضي إلى التنازع بين المتبايعين، وغرض الشريعة السمحة من ذلك حسن جميل، لأنها إنما تريد القضاء على تفشي الخصومات ما بين الناس، وقطع التنازع والشقاق من بينهم. فلهذا قضت بفساد عقود البيع التي من شأنها إثارة التنازع والخصومات، وهذا القدر متفق عليه بين أئمة المذاهب الأربعة كما تقدم في شرائط البيع، ولكنهم قد اختلفوا في بعض الصور التي لم يكن المبيع فيها واضحا من جميع جهاته، والتي يكون فيها المبيع مجهولا ولكن يمكن القضاء على التنازع بسبب آخر، ومن ذلك بيع الغائب المقترن بخيار الرؤية، فإن معظمهم على صحته على تفصيل موضح في أسفل الصحيفة(1) . (1) الشافعية - قالوا: لا يصح بيع الغائب عند رؤية العائدين أو أحدهما، سواء كان المبيع غائبا عن مجلس العقد رأسا، أو موجودا به ولكنه مستتر لم يظهر لهما، ولا فرق في ذلك بين أن يوصف بصفة نبين جنسه كأن يقول: بعتك إردبا من القمح الهندي، أو القمح البلدي، أو لا، كأن يقول: بعتك إردبا من القمح ولم يذكر أنه هندي أو بلدي، فإنه ما دام غائبا عن ريتهما فإن بيعه لا يصح عل أي حال، وهذا القول هو الأظهر عندهم. وهناك قول آخر خلاف الأظهر، وهو أن يصح بيع الغائب إن علم جنسه بوصف يبينه كما في المثال الأول، والقول الثاني موافق لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من صحة بيع الغائب المعلوم جنسه بالوصف على أن يكون للمشتري الخيار في رده عند رؤيته كما ستعرفه من التفصيل الآتي. ورؤية المبيع عند الشافعية تكفي عن شمه وذوقه فيما يذاق ويشم، كالعسل والسمن والفاكهة ونحو ذلك، فإن بيعها يصح من غير ذوق وشم اكتفاء برؤيتها، فإذا ما وجد بها عيبا كان له الخيار في ردها. وكذلك يكتفي برؤية المبيع عن معرفة عدده أو وزنه أو كيله أو ذرعه، فلو قال: بعتك هذه الصبرة "الكومة" من القمح مثلا وهو يجهل كيلها فإن بيعها يصح متى عاينها، لأنه يمكنه بمعاينتها أن يعرف قدرها بالحدس والتخمين وهذا كاف في صحة البيع، على أنه إذا كان يعتقد اعتقادا جازما بأنها موضوعة على أرض مستوية فظهر أنها موضوعة على أرض بعضها مرتفع وبعضها منخفض فاغترفي ذلك في تقديرها فإن البيع يكون فاسدا، أما إن كان لا يعتقد ذلك ولكنه يظن فإن البيع يصح ويكون له الخيار في ردها. على أن بيع الصبرة بدون كيل مكروه، لأن الحدس والتخمين فيها لا يكون صحيحا غالبا، فقد يقدر أنها عشرة "كيلات" فيظهر أنها ستة لتراكم بعضها على بعض. أما المذروع والموزون والمعدود فإنه يصح شراؤه بالرؤية وإن لم يعرف عدده ووزنه بدون كراهة. ولا يشترط في رؤية المبيع أن تكون حاصلة عند العقد، بل تكفي رؤيته قبل العقد بشرط أن يكون مما يبقى على حاله فلا يتغير عند العقد، وذلك كبيع الأرض والآنية والحديد والنحاس ونحو ذلك مما لا يتغير، فإذا رآه ثم اشتراه بعد زمن من غير أن يراه مرة أخرى فإنه يصخ، أما إذا كان مما لا يبقى على حاله كالفاكهة والطعام الذي يسرع فساده، فإنه إذا رآه شراءه بعد مضي زمن يتغير فيه مثله غالبا فإنه لا يصح. وكذلك لا يشترط رؤية جميع المبيع إن كانت رؤية بعضه تدل على الباقي، فإذا أراد أن يشتري عشرين إردبا من القمح من جرن واحد ورأى بعضها صح؛ لأن رؤية بعضها يدل على باقيها. وهذا معروف بالشراء على العينة إذا يقول المشتري للبائع: أرني عينة القمح الذي عندك أو الشعير أو الذرة، فيأتي له ببعض منها فيشتري على رؤيته ويسميه الفقهاء بالنموذج - بتشديد النون وفتحها - ويشترط في صحة البيع على العينة أن يكون البيع متساوي الأجزاء، وأن يقول البائع للمشتري: بعتك القمح الذي عندي مثلا مع العينة، فلو أعطى له العينة من غير بيع وباعه ما عنده دونها لم يصح، لأ المشتري في هذه الحالة لم ير شيئا من المبيع. وكذلك إذا باعه العينة وحدها وباعه ما عنده وحده فإنه لا يصح، لأن المشتري في هذه الحالة يكون قد اشترى ما لم يره لا هو ولا بعضه، وإذا كان المبيع مغطى بقشرة تستر ما ينتفع به منه فإن له أحوالا: الحالة الأولى: أن يكون له قشرتان طبيعيتان قشرة تلاصق جسمه الذي يؤكل أو ينتفع به وقشرة فوقها، وذلك كالبندق واللوز والقصب، وفي هذه الحالة إن كانت القشرة التي من فوق تستر القشرة التي تليها كلها فإن المبيع حينئذ لا يكون مرئيا، أما إن كانت القشرة التي من فوق لا تستر القشرة التي تليها كلها كالقصب فإنه قشرته العليا لا تستر كعوبه كلها فإنه يكون مرئيا، لأن رؤية البعض تدل على رؤية الباقي، ويكتفي برؤية القشرة التي تلاصق الجسم كلها أو بعضها بشرط أن تكون القشرة حافظة لبقائه بحيث لو نزعت لم يمكن ادخاره، وإذا كان له قشرتان كذلك ولكن القشرة التي تلاصق الجسم لم تنعقد كالفول الأخضر فإنه يكتفي برؤية القشرة العليا في هذه الحالة، لأن القشرة التي لم تنعقد تؤكل مع الجسم فكأن له قشرة واحدة. الحالة الثانية: أن يكون له قشرة طبيعية ولكن لا يتوقف عليها صيانته وبقاؤه كالدر في صدفه، فإن ادخاره وحفظه لا يتوقف على وجوده في الصدف، ومثله المسك في فأرته فإنه لا يتوقف بقاؤه على وجوده فيها. فإن مثل ذلك لا يصح بيعه إلا إذا أخرج من قشره. ولا يرد على هذا القطن في قشره، فإن قشره حافظ له من الفساد ومع ذلك لا يصح بيعه قبل تفتحه، فإن عدم صحته أتى من كونه لم يبد صلاحه. الحالة الثالثة: أن تكون له قشرة صناعية وتحت هذه صورتان: الصورة الأولى: أن يكون ما في داخل القشرة مقصود لذاته كالقطن في اللحاف والمرتبة، فإنه قد يقصد شراءه بدون قشرته، وحكم هذه الصورة: أنه لا بد من رؤيته كله أو بعضه على الراجح. الصورة الثانية: أن لا يكون ما في داخل القشرة مقصودا كالجبه المبطنة بالقطن ونحوه، وفي هذه الصورة لا يلزم رؤية حشوها لأنه ليس مقصودا بالشراء، ويجوز شراء الفقاع بدون رؤيته وهو شراب يؤخذ من الزبيب ويوضع في كيزان "علب" تسامحا، لأن وجوده في العلب مسدودا عليه لمصلحته ومثله "المربة" ونحوها. وإذ قد علمت أن رؤية بعض المبيع الدالة على الباقي كافية، فإنك تعلم أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المبيع، فإذا اشترى دارا فإنه لا يكفي أن يرى ظاهرها أو ساحتها، لأن رؤية ذلك لا يدل على باقيها. فلا بد له أن يرى جميع مرافقها من حجر ودورة مياه وسقوف وسطوح وجدران الخ. وإذا اشترى بستانا فإنه لا يكفي في رؤيته معرفة حدوده ومساحته، بل لا بد من أن يرى أشجاره وجدرانه ومجاري المياه التي يسقى منها، وإذا اشترى دابة فإنه لا يكفي رؤية بعضها بل لا بد من رؤيتها كلها. نعم لا يشترط أن يرى أسنانها ولسانها. وإذا اشترى ثوبا فإنه لا يكون مرئيا له إلا إذا نشره حتى ينظر إلى جميع مافيه، وإذا كان منقوضا فإنه لا يكون مرئيا إلا إذا قلبه، وهكذا في كل شيء مختلف الأجزاء، فإن رؤية بعضه لا تدل على رؤية الباقي، فإذا بيع في هذه الحالة لا يصح لعدم رؤيته. الحنفية - قالوا: لا يصح بيع الغائب الذي لم يره العاقدان، سواء كان موجودا بمجلس العقد أو لا، وإنما يصح بشرطين: الأول: أن يكون المبيع مملوكا للبائع. الثاني: أن يبينه بما يرفع الجهالة الفاحشة عنه، فإن كان حاضرا بالمجلس ولكنه مستتر عن نظر المشتري فينبغي بيانه بالإشارة إليه كأن يقول له: بعتك الحيوان الموجود في كمي، أو بعتك ما في هذا الصندوق، وإن كان غائبا عن المجلس فينبغي أنه يبينه إما بالإشارة إلى مكانه، أو بوصفه، أو بإضافته، أو بذكر حدوده، مثال الأول أن يقول: بعتك الحيوان الموجود في الدار الفلاني وليس في الدار سوى هذا الحيوان والدار معروفة للمشتري. ومثال الثاني: بعتك اردبا من القمح الهندي أو المصري بكذا، وهذا يجب فيه ذكر القدر كالاردب والكيلة، ومثله كل مكيل أو موزون أو معدود أو مذروع فإنه ينبغي أن يبين قدره، ويصفه بوصف يبين جنسه. ومثال الثالث أن يضيفه إلى نفسه كأن يقول: بعتك جملي وليس له جمل سواه. ومثال الرابع أن يقول: بعتك الأرض المحدودة بحدود كذا. فيصح بيع الغائب المملوك إذا بين ما يرفع الجهالة الفاحشة كما ذكرنا، ولا تضر جهالته اليسيرة لأنها ترتفع بخيار الرؤية، لأنه إذا اشتراه على هذه الصفة كان له الخيار في إمضاء العقد ورده عند رؤيته، بدون أن يشترط ذلك، لأن خيار الرؤية يثبت بغير شرط. أما إذا باع شيئا ولم يصفه ولم يكن مرئيا للمشتري كأن كان حاضرا في المجلس ولكنه مستتر كالحنطة الموجودة في الكيس "الزكيبة" ولم يشر البائع إليها فإنه يكون فاسدا على الصحيح، وصحح بعضهم جوازه ولكن المعتمد الأول. وإذا ورث شخص عينا فباعها قبل رؤيتها فإنه لا خيار له، لأن البائع لا خيار له في بيع ما لم يره بالإجماع السكوتي، لأنه وقع الحكم به في محضر من الصحابة، ولم يرو عن واحد منهم خلافه. ويثبت خيار الرؤية في أربعة مواضع: الأول: الأعيان اللازم تعيينها بحيث لا تكون دينا في الذمة كما إذا اشترى مقدارا معينا من الحنطة غائبا عنه على أن يستلمه. أما إذا اشتراه على أن يكون دينا في ذمة البائع فإنه لا يقبت فيه خيار الرؤية، لأنه يكون مسلما، وليس في المسلم فيه خيار رؤية. نعم إذا كان رأس مال المسلم "الثمن" عينا فإنه يثبت فيه خيار الرؤية للمسلم إليه "البائع"، أما الأثمان الخالصة "الدراهم والدنانير" فإنه لا يثبت فيها خيار الرؤية، وإذا كان المبيع إناء من أحد النقدين فإنه يثبت فيه خيار الرؤية. الثاني: يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الإجارة: فإذا استأجر أرضا محدودة لم يرها كان له الخيار في ردها عند رؤيتها. الثالث: القسمة: فإذا كان شريكا لآخر في عين فاقتسمها معه ولم يرها كان له خيار الرد عند رؤيتها، ولكن لا يثبت خيار الرؤية في قسمة ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات، فلو اقتسما حنطة موصوفة بدون رؤية في ما عدا ذلك من الأجناس المختلفة والأشياء التي من نوع واحد غير مثلي كالثياب المتحد نوعها، والبقر فقط. الرابع: الصلح عن دعوى المال على شيء معين، فإذا ادعى شخص أن له عند آخر مالا فاصطلح معه على أن يعطيه عينا لم يرها كان له الخيار في ردها عند رؤيتها. ويسقط خيار الرؤية بأمور: أن يحدث في المبيع وهو في يد المشتري فإنه لا يكون له حينئذ الحق في رده بخيار الرؤية. ثانيا أن يتعذر رده بإحداث تغيير فيه "المبيع" كما إذا مزق ثوبا ليخيطه، ثالثا: أن يتصرف فيه تصرفا غير قابل للفسخ كالإعتاق، رابعا: أن يتصرف فيه تصرفا يوجب حقا للغير كأن يرهنه، فإذا اشترى شيئا لم يره ثم رهنه سقط حقه في الخيار، سواء كان ذلك التصرف قبل رؤية المبيع أو بعده، وكذلك إذا باعه بيعا باتا بدون أن يشترط لنفسه "البائع" الخيار أو أجره كذلك، فإن ذلك يسقط حقه في الرد قبل رؤية المبيع أو بعدها. خامسا: أن يتصرف فيه تصرفا لا يوجب حقا للغير، ولكن بشرط أن يكون ذلك التصرف بعد رؤية المبيع لا قبلها، مثال ذلك: أن يشترط سلعة لم يرها ثم يبيعها على أن يكون له "البائع" الخيار فإن كان ذلك بعد رؤيتها سقط حقه في خيار الرؤية، وإن كان قبل رؤيتها لم يسقط حقه ومثل ذلك ما إذا عرض تلك السلعة على البيع، أو وهبها لأحد ولم يسلمها له، فإن كان ذلك قبل رؤيتها فإن حقه في الرد بخيار الرؤية لا يسقط، أما إذا كان بعد رؤيته فإنه يسقط بذلك إذا اشترى أرضا لم يرها وكان بجوارها أرض للغير فأخذها بالشفعة، فإن خياره يسقط بذلك بعد الرؤية لا قبلها، سادسا: أن يقبض المبيع بعد رؤيته. سابعا: أن يدفع الثمن بعد رؤيته أيضا، ثامنا: أن يرسل رسوله ليحمله إلى داره فإن خياره يبطل ما دام في داره، فإذا أعاده إلى دار المشتري عاد حقه في الخيار. تاسعا إذا اشترى أرضا لم يرها ثم أعارها لآخر فزرعها المستعير، أو اشترى أثوابا فلبس واحدا منها فإن خياره يبطل في الجميع. وبالجملة فكل ما يبطل خيار الشرط، يبطل خيار الرؤية إلا الأشياء التي لا تبطل خيار الرؤية قبل رؤية المبيع بالخيار، وعرض المبيع على البيع، والهبة بلا تسليم، فإنها تبطل شرط الخيار ولا تبطل خيار الرؤية. هذا ولا يتأفت خيار الرؤية بوقت، فإذا رآه ثم مضت مدة بعد رؤيته يتمكن فيها من فسخ العقد ولم يفسخه فإن خياره لا يسقط على الأصح. وينفسخ البيع بخيار الرؤية بقول المشتري: ردت، ولكن يشترط لصحة الرد أن يعلم البائع بذلك، سواء رضي أو لم يرض، ولا يتوقف الرد على القضاء، ولا يمنع الخيار الملك للمشتري، فإذا تصرف فيه على الوجه المتقدم جاز تصرفه وبطل خياره ولزمه الثمن، وكذا إذا هلك في يده أو تعذر عليه رده كما تقدم. ورؤية البعض الدالة على الباقي كافية، فإذا رأى بعض المبيع قبل العقد فحصل له بتلك الرؤية العلم بباقي المبيع لا يكون له حق خيار الرؤية، لأنه يكون قد اشترى ما قد رآه في هذه الحالة. وإنما تكفي رؤية البعض إذا كان المبيع متساوي الأجزاء كأن كان مكيلا أو موزونا. فإذا رأى المشتري نموذج القمح "عينته" أو الزبيب أو التمر أو البندق أو الزبد أو اللبن ونحو ذلك واشترى على تلك العينة لم يكن له خيار الرؤية، إلا إذا كان الباقي أردأ من العينة، فإنه في هذه الحالة إن كانت الرداءة قد وصلت إلى حد العيب كان له الرد بخيار الرؤية معا. وإن كانت لا تصل إلى ذلك بأن كان الباقي أقل جودة من العينة فقط كان له حق الرد بخيار الرؤية، ومن هذا تعلم أنه تكفي رؤية وجه الصبرة "الكومة" من القمح والشعير واللبن والتمر والعدس وكل مكيل متساوي الأجزاء. أما إذا كانت أجزاؤه مختلفة "كالخلطة" وهي خليط من اللوز والجوز والبندق والخروب ونحو ذلك فإن رؤية ظاهرها لا تكفي. ويكفي جس الشاة التي تشتري لأكلها لحما، فلو جسها أعمى كفى ذلك عن رؤيتها. أما الشاة التي تشتري للقنية "للنسل لا للتجارة" فإن رؤيتها تكون بالنظر إلى جسدها، ورؤية البقرة الحلوب تكون بالنظر إلى ضرعها. أما الدور فإنه لا بد من رؤية داخلها ورؤية حجرها ومرافقها إذا كانت مشتملة على ذلك، لأن رؤية خارجها لا يدل على رؤية باقيها. لا تكفي رؤية الدهن ونحوه من خارج الزجاج، كما لا تكفي رؤية المبيع في المرآة لأنه لم ير عينه: وإذا رأى سمكا في ماء يمكن تناوله بدون اصطياده فقيل: تكفي هذه الرؤية، وقيل لا تكفي. وإن اختلف البائع والمشتري في صفة المبيع بأن قال المشتري: لم أجد المبيع على الصفة التي رأيت بها العينة، وقال البائع: هو على تلك الصفة فلا يخلو: إما أن تكون العينة موجودة أو تكون قد ضاعت، فإن كانت موجودة فإنها تعرض على أهل الخبرة فيتضح الحال. أما إن كانت قد ضاعت فإن كان المبيع حاضرا ولكنه مستور في كيس "زكيبة". كان القول للبائع والبينة للمشتري، لأنهما في هذه الحالة يكونان متفقين على أن عين المبيع هي الحاضرة المستترة، ومختلفين على الصفة، فالمشتري لم ينكر العين حتى يكون له القول، بخلاف ما إذا كان المبيع غائبا فإن المشتري ينكر كون هذا هو المبيع فيكون القول له. المالكية - قالوا: إذا باع سلعة غائبة لم يرها المشتري فإن ذلك له حالتان: الحالة الأولى: أن تكون غائبة عن رؤية المشتري ولكنها حاضرة في مجلس العقد، كالحنطة في الكيس، والسكر في الصندوق، وفي هذه الحالة لا يصح البيع إلا برؤية السلعة ما لم يكن في فتحها ضرر وفساد. الحالة الثانية: أن تكون غائبة عن مجلس العقد، سواء كانت خارج البلد، أو كانت بالبلد، وسواء أمكن حضورها بسهولة أو لا، وفي هذه الحالة يصح بيعها بدون رؤية. وعلى كلتا الحالتين فإنه يصح البيع بدون رؤية إلا إذا تحقق واحد من أمرين: أحدهما: وصف السلعة بما يعين نوعها أو جنسها. ثانيهما: أن يشترط الخيار برؤية المبيع، فإن باع سلعة بيعا باتا بدون أن يراها المشتري وبدون أن توصف له من غير البائع، "أو من البائع على المعتمد" فإن البيع يقع فاسدا، وأما إذا وصف له فإنه يقع صحيحا، ولا يكون له الخيار عند رؤيتها إلا إذا كانت معينة. أو كانت على غير الصفة التي اشتراها عليها كما يأتي بعد هذا. أما إذا باع سلعة بشرط أن يكون للمشتري الخيار ولم يصفها صح البيع وكان للمشتري الخيار عند رؤيتها. ويعتبر المبيع مرتبا برؤية بعضه إن كان مثليا أو مكيلا كالقمح، أو موزونا كالقطن، أو معدودا كالبيض. أما غير المثلي وهو الذي يقوم بلا كيل أو وزن أو عد فإن رؤية بعضه لا تكفي على ظاهر المذهب، فإذا باع قمحا رأى المشتري بعضه "عينته" فإن البيع يصح، ومثل رؤية العينة سماع ما كتب من وصفها في البرنامج "دفتر التاجر". وإذا كان للمبيع قشرة كالرمان والجوز واللوز والبيض والبطيخ، فإنه يكفي برؤية بعضه أيضا وإن لم يكسره ويعرف ما في داخله، فإذا وجد الباقي مخالفا لما رآه مخالفة يسيرة فلا كلام له، وإن وجده مخالفا مخالفة شديدة كان له الخيار في إمساكه ورده، وإذا كان بالبعض الذي رآه عيب علمه ولكنه تسامح فيه، فإن كان ذلك العيب مما يغلب وجوده في جميع المبيع كالسوس فإنه لا كلام للمشتري لأنه علمه ورضي به وإن كان مما يوجد في البعض الذي رآه ويظن أن الباقي سليم كأعلى الكيس الذي أصابه بلل فغيره فإنه له رده إذا رآه كله متغيرا، وإذا رأى المبيع قبل العقد بزمن لا يتغير فيه عادة فإنه يصح شراؤه بلا شرط، أما إذا رآه قبل ذلك بزمن يتغير فيه عادة فإنه لا يصح البيع بدون شرط الخيار عند رؤيته. وإن اختلف البائع والمشتري في ذلك فقال المشتري: إن صفته التي اشتريته عليها تغيرت، وقال البائع: لم تتغير، فإنه يسأل في ذلك أهل الخبرة، هل المدة التي بين رؤيته قبل البيع ورؤيته بعده يتغير فيها المبيع عادة أو لا؟ فإن جزم بأنه يتغير كان القول للمشتري، وإن جزم بأنه لا يتغير كان القول للبائع، ولا يمين على واحد منهما، ومثل ذلك ما إذا رجح التغيير أو عدمه فإنه يكون القول للمشتري إذا قال أهل الخبرة: إنه يظن أن يتغير، ويكون القول للبائع إذا قال أهل الخبرة: إنه يظن أنه لا يتغير، ولكن يحلف من رجح له في هذه الحالة. أما إذا شك أهل الخبرة فلم يجزم بشيء ولم يرجح شيئا كان على البائع أن يحلف بأن المبيع باق على الصفة التي رآه بها المشتري ويتم البيع. وإن اختلفا فيما اشتراه على وصفه بالبرنامج "الدفتر" فقال المشتري: إنه وجده على غير المكتوب في الدفتر. وقال البائع: إن المبيع موافق لما كتبه في الدفتر وإن المشتري جاءه بغير المبيع، كان القول للبائع بيمينه، فيحلف بأن الذي باعه موافق للمكتوب، فإن حلف فلا شيء وإن نكل حلف المشتري أنه لم يغير ما وجده، فإن حلف فله رده على البائع، وإن أبى لزمه ما أتى به ولا شيء له على البائع. وهل يصح للبائع أن يبيع الغائب مع اشتراط تعجيل دفع الثمن أو لا؟ وأيضا هل يصح للمشتري أن يتطوع بدفع الثمن معجلا من غير شرط أو لا؟ والجواب أن في ذلك أحوالا: أحدها: أن يكون المبيع الغائب عقارا والبيع بات لا خيار فيه، وفي هذه الحالة يجوز للبائع أن يشترط تعجيل دفع الثمن بشرط أن يكون المشتري قد اشترى ذلك المبيع على وصف غير البائع، أما إذا اشتراه على وصف البائع فإنه لا يصح اشتراطا تعجيل الثمن، ولكن يصح للمشتري أن يتطوع بدفع الثمن. الحالة الثانية: أن يكون المبيع عقارا ولكنه اشتراه بشرط الخيار أو الاختيار، وفي هذه الحالة لا يصح اشتراط تعجيل دفع الثمن ولا التطوع بدفعه. الحالثة الثالثة: أن يكون المبيع الغائب غير عقار، وفي هذه الحالة يصح اشتراط تعجيل دفع الثمن بأربعة شروط: أحدها: أن يكون البيع باتا لا خيار فيه. ثانيها أن يكون قد اشتراه بناء على رؤية سابقة على العقد أو وصف غير البائع. ثالثها: أن لا يكون المبيع بعيدا عن محل العقد مسافة تزيد على يومين. الحنابلة - قالوا: يصح بيع الغائب بشرطين: الأول: أن يكون المبيع من الأشياء التي يصح فيها السلم، وهي الأشياء التي يمكن تعيينها بالوصف كالمكيلات والموزونات، فإنه يمكن ضبطها بالكيل والوزن، فيصح في الحنطة المتساوية والأرض، بخلاف المعدود المختلفة أفراده كالرمان والتفاح فإن بعضه كبير وبعضه صغير. وكالجواهر المختلفة وغير ذلك مما سيأتي في السلم. الثاني: أن يصفه بالصفات التي تضبطه، وهي الأوصاف التي يترتب على ذكرها وعدمه اختلاف في الثمن غالبا وهي التي تكفي في السلم، فإذا باع سلعة غائبة فإنه يجب أن يذكر جنسها كأن يقول مثلا: أبيعك تمرا ثم يذكر نوعها فيقول: تمر أسيوطي، أو زغلولي، أو واحي، ثم يذكر حبه فيقول: صغير، أو كبير، ثم يذكر لونه فيقول: أحمر أو أصفر وهكذا كل مبيع غائب كما سيأتي في السلم، فإذا اشترى شخص شيئا لم يره ولم يوصف له أصلا، أو وصف له وصفا ناقصا لا يضبطه فإن العقد لا يصح. ومثل المشتري في ذلك البائع، فإذا ورث شخص شيئا في بلد بعيدة عنه ولم يوصف له بوصف يضبطه فإنه لا يصح بيعه. ثم إن المبيع بالصفة ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون عينا معينة بإضافة أو إشارة أو نحوهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المبيع غائبا عن مجلس العقد كأن يقول: بعتك جملي "الغائب"، أو يكون حاضرا فيه ولكنه مغطى كالقمح في الكيس، والتين في الكيس أيضا، والسكر في الصندوق ونحو ذلك. ويتعلق بهذا القسم أحكام؛ أولا: إن للمشتري الحق في رده إذا وجد فيه عيبا، أو وجده غير مطابق للصفة التي اشتراه عليها وينفسخ العقد بذلك. ثانيا: إذا تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري فسخ العقد وضاع المبيع على البائع، وليس للمشتري الحق في طلب بدله، لأن الحق وقع على عين المبيع، فمتى تلف فسخ العقد كبيع الحاضر، فإذا شرط البائع على نفسه ذلك بأن قال: أبيعك هذه السلعة الغائبة الموصوفة بكذا بشرط أنها إن لم تكن على هذه الصفة أعطيتك سلعة بدلها موصوفة بتلك الصفة بطل العقد. ثالثا يجوز للمتعاقدين أن يتفرقا قبل قبض المبيع وقبل قبض الثمن متى تم الإيجاب والقبول كبيع الحاضر بالمجلس بدون فرق. القسم الثاني: بيع موصوف غير معين بإضافة أو إشارة ونحوهما بشرط أن يذكر جميع صفاته التي تضبطه كما في السلم، وذلك كأن يقول: بعتك جملا أبيض سمينا قادرا على حمل كذا إلى آخر صفاته، وهذا النوع في حكم السلم وليس سلما حقيقيا لأنه غير مؤجل ويتعلق به حكمان: أحدهما: أن للمشتري أن يرده إذا وجده على غير الصفة التي ذكرت له ولا ينفسخ العقد بذلك فللبائع أن يعطيه جملا بدله متصفا بتلك الصفة، لأن العقد لم يقع على عينه بل على عين موصوفه بتلك الصفة. ثانيهما: لا يجوز للمتعاقدين أن يتفرقا من المجلس قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه، فإن تفرقا قبل ذلك بطل العقد لأنه في معنى السلم، وكذلك لا يصح أن يكون البيع في هذا القسم بلفظ سلم أو سلف، لأنه يكون حينئذ سلما وهو لا يصح إلا إذا كان المبيع مؤجلا غير حال ومن هذا النوع ما يقع كثيرا بين التجار في البلدان المختلفة فإنهم يشترون الأشياء غير المعينة الموصوفة بالصفات التي تضبطها وقد عرفت أنه جائز. أما النموذج "العينة" بفتح العين وتشديد الياء كأن يريد قدحا من القمح فيشتري إردبا على أنه من جنسه فإنه باطل، لأنه لم يرد المبيع في هذه الحالة. بخلاف رؤية البعض الدالة على الباقي كما إذا رأى ظاهر ثوب غير منقوش فإن رؤية ظاهره تدل على باقيه، أما إذا كان منقوشا نقوشا مختلفة رؤية بعضها لا يدل على رؤية الباقي فإنها لا تكفي. وكذلك إذا رأى ظاهر صبرة "كومة" من القمح مثلا فإنه يكفي في رؤية الجميع لأن أجزاءها متساوية فتدل رؤية بعضها على الباقي، أما إذا رأى ظاهر كومة مركبة من أجزاء مختلفة "كالخلطة" البندق واللوز والبلح والجوز والخروب فإن رؤية ظاهرها لا يكفي، بل لا بد من أن يقبلها حتى يصح بيعها. ويصح البيع بالرؤية السابقة على العقد بزمن كما إذا رأى شيئا ثم اشتراه بعد رؤيته، ويشتمل هذا على ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يكون المبيع مما لا يطرأ عليه التغيير في المدة التي رآه فيها قبل العقد يقينا. الصورة الثانية: أن يكون مما لا يطرأ عليه التغيير في تلك المدة ظاهرا، وتقدر المدة بالنسبة إلى كل شيء بحسب حاله، فالفاكهة تتغير في مدة قريبة، والحيوان يتغير إذا مضى عليه زمن كثير، والعقار يتغير إذا مضى عليه زمن أكثر. وحكم هذا: أن البيع يقع صحيحا في الصورتين، سواء كان المبيع في مكان قريب أو بعيد ولو كان البائع غير قادر على تسليمه في الحال، ولكن يشترط أن يقدر على استحضاره، ثم إن وجده المشتري لم يتغير عن حاله فلا خيار، وإن وجده متغيرا فله فسخ البيع على التراخي كخيار العيب، ما لم يحصل منه ما يدل على الرضا مما تقدم في مبحث خيار الشرط. الصورة الثالثة: أن يكون المبيع مما يطرأ عليه التغيير في المدة التي رآه فيها قبل العقد يقينا أو ظنا أو شكا فإن العقد لا يصح، لأن المشتري يعلم به في هذه الحالة. وإذا اختلف المتعاقدان في الصفة فقال المشتري: بعت لي الثوب على أنه مصري وقال البائع: بل على أنه شامي، أو قال المشتري: إن المبيع الذي رأيته قبل العقد تغيرت صفته، وقال البائع: بل هو باق على حاله، فإن القول في الحالتين يكون للمشتري بيمينه |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 202 الى صــــــــ208 الحلقة (103) [مبحث البيع الفاسد وما يتعلق به] الفاسد (1) والباطل بمعنى واحد في عقود البيع، فكل فاسد باطل وبالعكس وهو ما اختل فيه شيء من الشروط والأركان التي سبق ذكرها، والبيوع الفاسدة كلها محرمة فيجب على الناس اجتابها. وهي كثيرة:منها (1) : بيع الجنين وهو في بطن أمه، كما إذا كانت عنده ناقة حامل فباع جنينها قبل أن تلده فإن ذلك بيع فاسد لا يحل، ويسمى ذلك بيع الملاقيح جمع ملقوحة: وهي ما في البطون من الأجنة. ومنها: نتاج النتاج إذا كانت عنده نعجة حامل فباع ما يتناسل من حملها، ويسمى هذا حبل الحبلة، وهو أظهر فسادا من الأول.ومنها بيع ما في أصلاب ذكور الحيوانات من المني، ويسمى بيع المضامين: أي ما تضمنته أصلاب الحيوانات من المني، فمن كان عنده جمل أو حمارا أو ثور ونحوها وطلبه منه أحد ليستولد به أنثى من جنسه، فإنه لا يحل له أن يبيعه ماء ذلك الفحل، لأن ماء الفحل ليس مالا متقوما حتى يباع فضلا عن كونه غير مقدور على تسليمة، لأنه قد يمتنع عن طريق الأنثى فلا يستطيع أحد إجباره. وكما لا يصح بيع مني الفحل، فكذلك لا تصح (2) .إجارته لمن يطلبه ليطرق الأنثى، وينبغي له يملكه أن يعيره خصوصا إذا توقف عليه التناسل في جهته، فإذا أبى أن يعيه فإنه يصح أن يستأجره منه مدة لعمل مطلق بحيث لا يذكر إنزاءه على الأنثى ولا غيره، وله بعد ذلك أن يستعمله في هذا الغرض. [مبحث البيع بشرط] ومن البيوع الفاسدة البيع بشرط فاسد لا يقتضيه العقد، وفي بيانه تفصيل في المذاهب(1) . (1) الحنفية - قالوا: إن الباطل والفاسد في البيع مختلفان، فلكل واحد منهما معن يغاير معنى الآخر، فالباطل هو ما اختل ركنه أو محله، وركن العقد هو بالإيجاب والقبول كما تقدم. فإذا اختل ذلك الركن كأن صدر من مجنون أو صبي لا يعقل، كان البيع باطلا غير منعقد. وكذلك إذا اختل المحل وهو المبيع كأن كان ميتة أو دما أو خنزيرا فإن اليع يكون باطلا. وأما الفاسد فهو ما اختل فيه غير الركن والمحل كما إذا وقع خلل في الثمن بأن كان خمرا. فإذا اشترى سلعة يصح بيعها وجعل ثمنها خمرا انعقد البيع فاسدا ينفذ بقبض المبيع ولكن على المشتري أن يدفع قيمته غير الخمر، لأن الخمر لا يصلح ثمنا كما تقدم. وكذلك إذا وقع الخلل فيه من جهة كونه غير مقدور التسليم، كما إذا باع شيئا مغصوبا منه ولا يقدر على تسليمه، أو وقع الخلل فيه من جهة اشتراط شرط لا يقتضيه العقد كما سيأتي، فإن البيع في هذه الأحوال فاسدا لا باطلا. ويعبرون عن الباطل بما لم يكن مشروعا بأصله ووصفه، ويريدون بأصله ركنه ومحله كما عرفت، ومعنى كون الركن مشروعا. أن لا يعرض له خلل، ومعنى كون المحل مشروعا: أن يكون مالا متقوما. وقد تقدم تعريف المال المتقوم في تعريف البيع، ويريدن بوصفه ما كان خارجا عن الركن والمحل كالشرط المخالف لمقتضى العقد، وكالثمنية فهي صفة تابعة له وإن كان البيع يتوقف على الثمن أيضا ولكن الأصل فيه المبيع، ولذا ينفسخ البيع بهلاك المبيع دون هلاك الثمن لأن الثمن ليس مقصودا وإنما هو وسيلة للانتفاع بالأعيان، فاعتبر من هذه الناحية وصفا خارجا عن البيع، وحكم البيع الفاسد: أنه يفيد الملك بالقبض، بخلاف البيع الباطل فإنه لا يفيد الملك أصلا وسيأتي. وأما البيع الموقوف وهو بيع ما تعلق به حق للغير فإنه من أقسام الصحيح، لأنه ينعقد بدون أن يتوقف على القبض (1) الحنفية - قالوا: بيع الملاقيح، وبيع حبل الحبلة، وبيع المضامين باطل لا فاسد للعلة المذكورة، فالخلل في المبيع يوجب بطلان العقد كما عرفت (2) المالكية - قالوا: يصح استئجار الفحل ليطرق الأنثى من جنسه لتحمل زمانا معينا، كيوم أو يومين، أو ليطرقها مرة أو مرتين، أو مرات متعددة، فإن حملت - ويعرف حملها بإعراضها عن قبول الفحل - كان لصاحبها الحق في أجرة المدة التي قضاها عنده، أو المرات التي طرق بها الأنثى فيحاسب بنسبة ذلك من أصل الأجرة، أما تأجيره بدون تعيين زمان أو مرات حتى تحمل الأنثى فإنها إجارة فاسدة لجهالة ذلك، وربما لا تحمل الأنثى مطلقا فيقع النزاع بينهما، ومن ذلك ما إذا باع شخص لآخر بشرط أن ينفق عليه مدة حياته كأن قال له: بعتك داري بشرط أن تنفق علي نفقة المثل ما دمت حيا، فإن البيع يفسد في هذه الحالة لجهالة مدة الحياة، نعم إذا عين مدة معلومة كأن قال له: بعتك داري عى أن تنفق علي عشر سنين مثلا فإنه يصح. وإذا مات البائع أثناء المدة انتقل حقه لورثته أو لبيت المال، أما إذا قال له: وهبتك داري لتنفق علي مدة الحياة. أو مدة معينة فإنه لا يصح (1) الحنفية - قالوا: إنما يفسد البيع بالشرط إذا كان الشرط مقارنا للعقد كما إذا قال له: بعتك هذه الدار بشرط أن تقرضني مائة جنيه فهذا الشرط فاسد يفسد العقد، بحيث إذا قبض المشتري الدار ينفذ العقد ويلزم بقيمة المبيع كما هو حكم المبيع الفاسد في كل أمثلته، فإذا تم البيع ولم يكن الشرط مقارنا له، بل جاء بعده فلا يلتحق به على الأصح. وضابط الشرط الفاسد ما اجتمع فيه أمور: أحدها: أن يكون الشرط لا يقتضيه العقد، ومعنى كون العقد لا يقتضيه أنه لا يفهم من صيغته بدون ذكره. فمثال ما يقتضيه العقد: تسليم المبيع على البائع، وتسليم الثمن على المشتري فإن العقد يقتضي ذلك بصيغته. فإذا شرط في العقد تسليم المبيع أو تسليم الثمن كان شرطا يقتضيه العقد ومثال ما لا يقتضيه العقد ما إذا باع بشرط قرضه كما مثل أو لا فإن القرض لا يفهم من صيغة العقد بدون ذكره. ثانيا: أن يكون الشرط غير ملائم للعقد، فإن كان ملائما للعقد وإن لم يكن مقتضاه فإن البيع يكون صحيحا، ومعنى كونه يلائم العقد. أنه يؤكد ما يوجبه العقد، ومثاله أن يبيع شيئا بشرط أن يحضر له المشتري كفيلا بالثمن. فإن الكفيل يؤكد ما يوجبه العقد من دفع الثمن. ويشترط في الكفيل أن يكون معلوما بالإشارة أو التسمية، وأن يقبل الكفالة في مجلس العقد، سواء كان حاضرا أو كان غائبا عن مجلس العقد ثم حضر قبل أن يتفرق العاقدان. فإذا لم يكن الكفيل معينا ولا مسمى فالعقد فاسد. وإذا كان الكفيل حاضرا في مجلس العقد وأبى أن يقبل الكفالة حتى افترقا. أو اشتغلا بعمل آخر كان العقد فاسدا ولو قبل بعد ذلك. ومثل ما إذا باع شيئا بشرط أن يرهن المشتري عنده بالثمن رهنا فإن ذلك الشرط يؤكد معنى البيع، ويشترط في الرهن أن يكون معلوما بالإشارة أو التسمية، فإن لم يكن الرهن معلوما ولكن سماه المشتري فقط، فإن كان عرضا لم يجز، أما إن كان مكيلا أو موزونا موصوفا فالبيع جائز، وإن لم يكن الرهن معينا ولا مسمى كأن شرط البائع أن يرهنه المشتري رهنا بدون أن يسمي شيئا فإن البيع يكون فاسدا. إلا إذا تراضيا على تعيين الرهن في المجلس ودفعه المشتري إليه قبل أن يتفرقا، أو دفع المشتري الثمن معجلا فإن البيع يجوز في الحالتين. ثالثا: أن يكون الشرط قد ورد الشرع بجوازه وإن كان لا يقتضيه العقد ولا يلائمه كشرط الخيار والأجل. ومثل ورود الشرع في ذلك الشرط المتعارف، وذلك كما إذا اشترى "جزمة" بشرط أن يخيط البائع أزرارها، فإن الشرط في ذلك متعارف فيصح البيع، وكذا إذا اشترى حذاء جديدا "جزمة أو مداسا" بشرط أن يخيط البائع له المداس القديم، أو اشترى قبقابا بشرط أن يسمره البائع أو يسمر له قبقابه القديم، فإن هذا البيع صحيح لأن العرف جرى على هذا. رابعا: أن يكون لأحد المتعاقدين فيه منفعة، فإن لم يكن فيه لأحد المتعاقدين منفعة فإنه لا يفسد العقد ولو كان لا يقتضيه ولا يلائمه ولم يرد به الشرع ولا العرف. ويتضح من هذا أن الشرط الفاسد: هو ما كان شرطا لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولم يرد به الشرع ولا العرف، وكان لأحد المتعاقدين فيه منفعة. وقد علمت مما تقدم أن حكم البيع الفاسد: هو ثبوت الملك بعد قبضه، فإذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع سواء كان الإذن صريحا كأن قال له: خذ السلعة التي اشتريتها، أو كان ضمنا بأن قبضه في مجلس العقد بحضرة البائع ولم ينهه البائع عنه ولم يكن فيه خيار شرط. ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور: الأول: بيع الهازل فإن المبيع لا يملك بقبضه. الثاني: أن يشتري الأب من مال طفله سلعة لنفسه فإن يقع فاسدا، ولا يملكه الأب بالقبض وإنما يملكه بالاستعمال. الثالث: أن يبيع الأب من ماله لطفله، ويكون المبيع في الأمور الثلاثة أمانة في يد المشتري، وإذا ملك المشتري في البيع الفاسد المبيع بقبضه كان له حق التصرف فيه تصرف المالك، ولا شفعة لجاره فيه، ولو كان عقارا إلا في أمور: منها: أنه لا يحل له أكله ولا لبسه. ويتضح لك مما تقدم أن البيع لا يبطل بالشرط في مواضع أهمها ما يلي: -1 - إذا باع شيئا بشرط رهن معلوم بإشارة أو تسمية. -2 - إذا باع بشرط كفيل حاضر أو غائب ولكنه حضر قبل أن يتفرقا من المجلس وكفل، أما إذا لم يحضر ثم كفل بعد أن علم فإن البيع يفسد. -3 - إذا اشترى شيئا بشرط أن يحيل البائع بالثمن على غيره. -4 - إذا باع بشرط إشهاد على البيع. -5 - إذا باع بشرط خيار الشرط المدة الجائزة "ثلاثة أيام". -6 - إذا باع بشرط أن ينقد الثمن. فإذا لم ينقده إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما. -7 - إذا اشترى بشرط تأجيل الثمن إلى أجل معلوم. -8 - إذا باع بشرط البراءة من العيوب. -9 - إذا باع بشرط أن تكون الثمار المبيعة على المشتري. وكذا إذا اشترى بشرط تركها على النخل بعد إدراكها فإنه صحيح على المفتى به. -10 - إذا اشترى بشرط وصف مرغوب فيه، كما إذا اشترى دابة بشرط كونها سريعة. -11 - إذا باع أرضا بشرط كونه الطريق لغير المشتري. -12 - شرط حذو النعل. -13 - شرط خرز الخف. الشافعية - قالوا: للشروط في عقد البيع خمسة أحوال: الحالة الأولى: أن يكون الشرط مقتضى العقد "ومقتضى العقد هو ما رتبه الشارع عليه" فعقد البيع رتب عليه الشارع ملك المبيع والثمر بقبضه، فإذا اشترط المشتري قبض المبيع والبائع قبض الثمن، كان ذلك الشرط مقتضى العقد فيصح. وكذلك إذا اشترى شيئا بشرط أن يرده إذا وجد فيه عيبا فإن ذلك الشرط صحيح، لأن الشارع قد رتب على عقد المنفعة بالمبيع، والعيب ينافي ذلك فهو شرط يقتضيه العقد. الحالة الثانية: أن يكون الشرط لصحة العقد كأن يشترط قطع الثمرة. فإنه لا يصح شراء الثمرة قبل ظهور صلاحها بدون أن يشترط قطعها كما يأتي، فالشرط في هذه الحالة ضروري لصحة العقد. الحالة الثالثة: أن يكون الشرط فيه مصلحة كما إذا اشترى دابة بشرط كونها حاملا، فإن هذا الشرط فيه مصلحة زائدة. ومثل ذلك ما إذا اشترط أن يكون المبيع غير مرهون، فإنه شرط لمصلحة العقد. الحالة الرابعة: أن يكون الشرط لغوا كأن يشتري حيوانا بشرط أن يأكل الربيع اليابس، فإن مثل هذا الشرط لا يضر. الحالة الخامسة: "أن يكون الشرط مما لا يقتضيه العقد ولم يكن لمصلحته وليس شرطا لصحته،أو كان لغوا" وذلك هو الشرط الفاسد الذي يضر بالعقد، كما إذا قال له بعتك بستاني هذا بشرط أن تبيعني دارك، أو تقرضني كذا، أو تعطيني فائدة مالية. وإنما يبطل العقد بشرط ذلك إذا كان الشرط في صلب العقد، أما إذا كان قبله ولو كتابه فإنه يصح. أو يقول: بعتك زرعا بشرط أن تحصده، أو ثوبا بشرط أن تخيطه، أو بطيخا أو حبطا بشرط أن تحمله. وغير ذلك ما لا يقتضيه العقد وليس في مصلحته ولا شرطا في صحته. وإذا باع له شيئا بثمن مؤجل إلى أجل معلوم بشرط أن يدفع له رهنا معلوما كأن يقول له : بعتك هذه الدار بثمن في ذمتك بشرط أن ترهنني به الفدان الفلاني، أو الأرض الفلانية المعينة فإنه يصح. أما إذا لم يعين بأن قال له: ترهنني به شيئا أو أرضا فإن البيع يكون فاسدا. ومثل ذلك ما إذا باع له شيئا بشرط أن يحضر له كفيلا. فإن كان الكفيل معلوما صح، وإن كان مجهولا فإنه لا يصح. ويشترط في المرهون أن يكون غير المبيع وغير الثمن. فإذا قال له بعتك هذا الجمل بكذا على أنه يكون تحت يدي مرهونا حتى تعطيني ثمنه فإنه لا يصح. وكذا إذا قال له المشتري: اشتريت منك جملا موصوفا بكذا في ذمتك على أن يكون ثمنه مرهونا عندي حتى أقبضه فإنه لا يصح. ويشترط في بطلان البيع بذلك أن يكون الشرط في صلب العقد كما ذكر في المثالين، فإن كان بعد تمام العقد بعد قبض المبيع فإن العقد لا يبطل بشرط الرهن. ويكون المرهون معلوما بالمشاهدة أو الوصف بصفات السلم. أما الكفيل فيكون معلوما بالمشاهدة أو الاسم والنسب. فلا يكفي في معرفته الوصف كأن يقول: بعتك بشرط. كفيل غني موسر ونحو ذلك. المالكية - قالوا: الشرط الذي يحصل عند البيع له أربعة أحوال: الحالة الأولى: أن يشترط شرطا لا يقتضيه العقد وهو ينافي المقصود منه، وذلك كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع أو لا يهب أو لا يركب الدابة أو لا يلبس الثوب، أو على أنه إذا باعها فهو أحق بها بالثمن، بخلاف ما إذا باع له شيئا ثم طلب أن يقبله منه فقال له المشتري: أقيلك بشرط إن بعتها لغيري فأنا أحق بالثمن فيجوز، لأنه يغتفر في الإقالة مالا يغتفر في غيرها، وهذا الشرط مفسد للبيع. الحالة الثانية: أن يشترط شرطا يخل بالثمن، كما إذا باع له شيئا بشرط أن يقرضه مالا فإن شرط القرض يخل بالثمن. لأنه إن كان من البائع فإنه يبيع السلعة بنقص. وإن كان من المشتري فإنه يشتريها بزيادة. وأما إذا باعه دارا ثم سلفه مالا بدون شرط فإنه لا يضر على المعتمد. وهذا الشرط يفسد البيع، فالبيع فاسد بالشرط في هاتين الحالتين. الحالة الثالثة: أن يشترط شرطا يقتضيه العقد، فشرطه تأكيد لا يضر. الحالة الرابعة: أن يشترط شرطا لا يقتضيه العقد ولا ينافيه، كما إذا باعه بشرط الأجل، أو الخيار، أو الرهن، أو الضمان، أو الأجل المعين. فإن البيع في كل هذا صحيح. وكذلك الشرط. الحنابلة - قالوا: تنقسم الشروط عند البيع إلى قسمين: القسم الأول: صحيح لازم يجب على من شرط عليه أن يوفي به، وهو ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن يشترط ما يقتضيه العقد - أي يطلبه البيع بحكم الشرع، وذلك كالتقابض. وحلول الثمن، وتصرف كل واحد من العاقدين فيما يصير إليه من مبيع وثمن، ورد المبيع بعيب قديم ونحو ذلك مما يترتب على العقد شرعا وإن يم يذكر. فإذا شرط أحد المتعاقدين شيئا من ذلك فإنه لا يضر العقد شيئا. فوجده كعدمه. النوع الثاني: أن يشترط شرطا من مصلحة العقد كأن يشترط صفة في الثمن كتأجيله، أو تأجيل بعضه إلى وقت معلوم، فإن في ذلك مصلحة تعود على المشتري. أو يشترط البائع أن يرهن شيئا معينا بالثمن أو ببعضه، فإن في ذلك مصلحة تعود على البائع، وللبائع أن يرهن المبيع نفسه على ثمنه كما إذا قال له: بعتك هذا على أن يكون رهنا عندي على ثمنه فإنه يصح. وكذا إذا اشترط البائع ضمانة شخص معين بالثمن أو بعضه فإنه يصح، لأن فيه مصلحة تعود على البائع. وإنما يصح للبائع أن يطلب الرهن والضمانة قبل تمام العقد، فإذا طلب ذلك بعده فإنه لا يجاب لطلبه. وكأن يشترط في نفس المبيع كاشتراط ركوب الدابة سريعة مشيتها سهلة، أو تحلب لبنا أو غزيرة اللبن، أو كون الفهد صيودا، أو الطير مصوتا، أو يبيض. أو كون الأرض خراجها كذا. فإن كل هذه الشروط صحيحة يلزم الوفاء بها. فإن وفى بها من شرطت عليه لزم البيع؛ وغلا فإن لمن اشترطها الحق في فسخ البيع لفوات الشرط، أو له عوض ما فاته من الشرط. وإذا تعذر على المشتري رد البيع تعين له العوض. النوع الثالث: أن يشترط البائع منفعة مباحة معلومة في المبيع، كما إذا باع دارا واشترط أن يسكنها مدة معلومة كشهر ونحوه، أو باع جملا واشترط أن ييحمله أو يحمل متاعه إلى موضع معين فإن ذلك يصح: كما يصح حبس المبيع على ثمنه. وللبائع أن يؤجر ما اشترطه من المنفعة وأن يعيره لغيره. ومثل ذلك ما إذا اشترط المشتري منفعة خاصة يقوم له بها البائع، إذا اشترط عليه أن يحمل المبيع إلى داره أو يخيط له الثوب، أو يحصد له الزرعن أو يقطع له الثمرة، أو يصنع له الحديد سكينا أو نحو ذلك، فكل هذه الشروط صحيحة يلزم البائع فعلها إلا إذا كانت مجهولة، كما إذا اشترط أن يحمل له المبيع إلى داره وكانت داره مجهولة، فإن الشرط يكون فاسدا ولكن البيع يكون صحيحا. القسم الثاني: من الشروط التي تشترط عند البيع: الشروط الفاسدة التي يحرم اشتراطها وهي ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن يشترط أحد العاقدين على صاحبه عقد آخر، كأن يبيعه داره بشرط قرض. أو يشترط أن يبيعه جمله، أو يؤجر له أرضه، أو يشاركه في تجارة أو زراعة أو غير ذلك من العقود، فهذا الشرط يفسد البيع. ومثل ذلك ما إذا قال: بعتك داري بكذا على أن تزوجني ابنتك، أو على أن تنفق على خادمي أو نحو ذلك. النوع الثاني: أن يشترط في العقد ما ينافي مقتضاه، كما إذا اشترى سلعة بشرط أن تروج فإذا كسدت فإنه يردها، أو يشترط أن يبيعها بدون خسارة فإذا خسرت كانت الخسارة على البائع، أو باع شيئا بشرط أن المشتري لا يبيعه، أو باع شيئا بشرط أن يجعله المشتري وقفا ونحو ذلك. ومثل هذه الشروط فاسدة لا يعمل بمقتضاها، ولكن البيع صحيح فلا يبطل باشتراطها. النوع الثالث: أن يشترط البائع شرطا يعلق البيع عليه كقوله: بعتك إن جئتني بكذا. أو بعتك إن رضي فلان ونحو ذلك، وهذا الشرط يفسد البيع إلا إذا قال: بعت إن شاء الله، وقبلت إن شاء الله فإنه يصح |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 209 الى صــــــــ220 الحلقة (104) [مبحث بيع النجس والمتنجس] ومن البيوع الباطلة بيع النجس أو المتنجس على تفصيل في المذاهب (1) . [مبحث بيع الطير في الهواء] ومن البيوع الفاسدة بيع الطير في الهواء لعدم القدرة على تسليمه على تفصيل في المذاهب(2) . وللبيوع الفاسدة أمثلة كثيرة غير ذلك مفصلة في المذاهب(3) وللبيوع الفاسدة أمثلة كثيرة غير ذلك مفصلة في المذاهب(4) (1) المالكية - قالوا: لا يصح بيع النجس كعظم الميتة وجلدها ولو دبغ لأنه لا يطهر بالدبغ، وكالخمر والخنزير وزبل مالا يؤكل لحمه، سواء كان أكله محرما كالخيل والبغال والحمير، أو مكروها كالسبع والضبع والثعلب والذئب والهر، فإن فضلات هذه الحيوانات ونحوها لا يصح بيعها. وكذلك لا يصح بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كزيت وعسل وسمن وقعت فيه نجاسة على المشهور، فإن الزيت لا يطهر بالغسل. وبعضهم يقول: إن بيع الزيت المتنجس ونحوه صحيح لأن نجاسته لا توجب إتلافه، وأيضا فإن بعضهم يقول إن الزيت يمكن تطهيره بالغسل، أما المتنجس الذي يمكن تطهيره كالثوب فإنه يجوز بيعه، ويجب على البائع أن يبين ما فيه من النجاسة فإن لم يبين كان للمشتري حق الخيار. ولا يصح بيع الكلب مع كونه طاهرا سواء كان كلب صيد أو كلب حراسة أو غيرهما لورود النهي عن بيعه شرعا، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. وبعض المالكية يقول: إن بيع كلب الصيد وكلب الحراسة صحيح. ويباح اقتناء كلب الصيد والحراسة. الحنابلة - قالوا: لا يصح بيع النجس كالخمر والخنزير والدم والزبل النجس، أما الطاهر فإنه يصح كروث الحمام وبهيمة الأنعام. ولا يصح بيع دهن نجس العين كدهن الميتة، كما لا يصح الانتفاع به في أي شيء من الأشياء، أما الدهن الذي سقطت فيه نجاسة فإنه لا يحل بيعه، ولكن يحل الانتفاع به في الاستضاءه في غير المسجد. أما النجس الذي يمكن تطهيره كالثوب والإناء فإن بيعه يصح. ولا يصح بيع الكلب، سواء كان كلب صيد ونحوه أو لا. ويحرم اقتناء الكلب إلا للصيد وحراسة الماشية والحرث. فإن اقتناءه لذلك جائز إلا الكلب الأسود. وهل يصح بيع المهر؟ خلاف. والمختار أنه لا يجوز. ويجوز بيع سباع البهائم كالفيل والسبع ونحوهما، كما يجوز بيع جوارح الطير كالصقر والباز. ولا يصح بيع الحشرات كالعقرب والحية إلا دود القز والدود الذي يصاد به. الشافعية - قالوا: لا يصح بيع كل نجس كالخنزير والخمر والزبل والكلب ولو كان كلب صيد. وإذا باع شيئا طاهرا مخلوطا بنجس بأن كان يتعذر فصل النجس منه فإن بيعه يصح. كما إذا باع دارا مبنية بآجر نجس، أو أرضا مسمدة بزبل، أو آنية مخلوطة برماد نجس كالأزيار والموجير والقلل وغير ذلك فإن بيعها صحيح، وهل البيع يقع على الطاهر فقط ويدخل النجس تبعا، أو البيع واقع على مجموعها؟ خلاف: ويعفى عن المائعات التي توضع في الآنية المصنوعة من المخلوط بالنجس، أما إذا لم يتعذر فصل النجس من الطاهر كنبل عليه ريش فإنه لا يصح بيعه قبل نزع النجس عنه. الحنفية - قالوا: لا يصح بيع الخمر والخنزير والدم، فإذا باع خمرا أو خنزيرا كان البيع باطلا أما إذا اشترى عينا طاهرة بخمر أو خنزير فجعلها ثمنا لا مبيعا كان البيع فاسدا يملكه المشتري بالقبض، وعليه قيمته ثمنا مشروعا كما تقدم. وكذلك لا ينعقد بيع الميتة كالمنخنقة والموقوذة والمتردية ونحوها، كما لا يحل بيع جلدها قبل الدبغ. أما بعد الدبغ فإنه يصح لأنه يطهر بالدبغ ما عدا جلد الخنزير فإنه لا يطهر بالدبغ وجلد الحية ونحوه لتعذر دبغه كما تقدم في مبحث الطهارة. وإذا جعل ذلك ثمنا لسلعة طاهرة كان البيع فاسدا كما عرفت في الخمر ونحوه وسيأتي قريبا. ويصح بيع المتنجس والانتفاع به في غير الأكل، فيجوز أن يبيع دهنا متنجسا ليستعمله في الدبغ ودهن عدد الآلات "الماكينات" ونحوها. والاستضاءة به في غير المسجد ما عدا دهن الميتة فإنه لا يحل الانتفاع به، لأنه جزء منها وقد حرمها الشرع فلا تكون مالا. وقد تقدم في باب الطهارة أن الزيت ونحوه يمكن تطهيره. ولا ينعقد بيع العذرة، فإذا باعها كان البيع باطلا إلا إذا خلطها بالتراب فإنه يجوز بيعها إذا كانت لها قيمة مالية كأن صارت "سباخا". ويصخ بيع الزبل ويسمى "سرجين أو شرقين" وكذا بيع البعر. ويصح الانتفاع به وجعله وقودا، ويصح بيع كلب الصيد والحراسة ونحوه من الجوارح كالأسد والذئب والفيل وسائر الحيوانات سوى الخنزير إذا كان ينتفع بها أو بجلودها على المختار وكذلك يصح بيع الحشرات والهوام كالحيات والعقارب إذا كان ينتفع بها. والضابط في ذلك: أن كل ما فيه منفعة تحل شرعا فإن بيعه يجوز (2) الشافعية - قالوا: لا يصح بيع الطير في الهواء، ويسمى بيعه في الهواء بيع الغرر: وهو عبارة عن أن يكون المبيع مجهول العاقبة بأن يكون مترددا بين القدرة على إمساكه وعدمها، ولكن الغالب عدم القدرة عليه، كبيع الطير في الهواء المذكور، فإن الطير متردد بين عودته إلى مكانه وعدمها، والغالب عدمها، فلا يصح بيعه بخلاف بيع النحل فإنه يجوز. الحنفية - قالوا: إذا اصطاد طيرا فكان في يده ثم أرسله في الهواء فإن بيعه في هذه الحالة يكون فاسدا لعدم القدرة على تسليمه، فإذا سلمه بعد البيع فقيل: يعود الجواز، وقيل: لا، أما إذا باع الطير في الهواء قبل أن يصطاده فالبيع باطل لا ينعقد أصلا لعدم الملك، فإن كان يطير ويرجع كالحمام فإنه يصح بيعه وهو في الهواء، لأن العادة أنه يرجع، وظاهر الرواية أنه لا يصح ويصح بيع أبراج الحمام في الليل لا في النهار لأنها تجتمع في أبراجها ليلا للمبيت وتتفرق نهارا في طلب القوت. أما النحل فإنه يصح بيعه إذا كان مجتمعا. المالكية - قالوا: لا يصح بيع الطير في الهواء، ولا بيع الطير الكثير المجتمع إذا كان صغيرا يدخل بعضه تحت بعض كالعصافير والدجاج والحمام بحيث لا يكون معرفة عدده بالتقدير، أما إذا كان يمكن للمشتري أن يعرف قدره ويحيط به في وقت هدوئه أو نومه فإنه يجوز، ولا يصح بيع حمام البرج وحده لأنه لا يمكن معرفة قدره، فإذا عرفه قبل الشراء فإنه يصح، كما يصح بيع البرج بما فيه وإن لم ي عرف قدره لأن ما فيه يكون تابعا له. الحنابلة - قالوا: لا يصح بيع الطير في الهواء سواء كان يألف الرجوع أو لا، كما لا يصح بيع النحل في الهواء لأنه غير مقدور على تسليمه، فإذا كان في مكان مغلق عليه كالبرج ويمكن أخذه منه فإنه يصح بيعه إذا كان في خلاياه بأن شاهده المشترى داخلا إليها (3) الشافعية - قالوا: لا يصح للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل قبضه، ولو قبض البائع الثمن وأذن في قبض المبيع، فإذا اشترى شيئا منقولا كان أو غيره ولم يستلمه ثم باعه وقع البيع باطلا، حتى ولو باعه لمن اشتراه منه لضعف الملك قبل القبض، فلا يصح التصرف في المبيع بالبيع ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور: الأول: أن يبيعه قبل قبضه لمن اشتراه منه بنفس الثمن الذي اشتراه به بدون زيادة. الثاني: أن يتلف المبيع عند البائع، فإن للمشتري أن يبيعه له بمثله بأن يعطي البائع للمشتري ثمنا مثل التآلف. الثالث: أن يشتري شيئا لم يقبضه وكان ثمنه دينا في ذمته كأن اشترى جملا بعشرة ولم يقبضه ولم يدفع ثمنه، فإنه يصح في هذه الحالة أن يبيعه لمن اشتراه منه بعشرة في ذمة البائع الأول، أو ليشتري الجمل بعشرة ويدفعها للبائع ولم يقبض الجمل فإنه يصح أن يبيعه بعشرة في ذمة البائع، والبيع في الأحوال الثلاثة يكون إقالة بلفظ البيع فليس بيعا حقيقة، ولهذا صح مع فقد شرط نقل المبيع من ملك البائع إلى المشتري إذا كان يمكن نقله، والتخلية بين المشتري وبين المبيع ليضع عليه يده إذا كان لا يمكن نقله كالأرض والنخل ونحو ذلك. ومن هذا تعلم حكم بيع "الكنتراتات" المعروفة في زماننا. ومثل المبيع إذا كان عينا فإنه لا يصح للبائع أن يتصرف فيه قبل قبضه على الوجه المتقدم. وكما لا يصح التصرف فيهما قبل قبضهما بالبيع، فكذلك لا يصح التصرف فيهما بالرهن والإجارة لا للبائع ولا لغيره، سواء رهن المبيع في مقابل الثمن، أو رهن الثمن في مقابل المبيع أو في غير المقابل على المعتمد. وله أن يتصرف فيهما قبل النقل بالوقف والقسمة. وإذا اشترى طعاما جزافا كأن اشترى صبرة من القمح بدون كيل فإن له أن يتصرف فيها قبل القبض، أما إذا اشتراها بالكيل فإنه لا بد من قبضهما قبل التصرف. الحنفية - قالوا: من البيع الفاسد بيع الأعيان المنقولة قبل قبضها، سواء باعها لمن اشتراها منه أو لغيره، فإذا اشترى حيوانا أو قطنا أو ثيابا أو نحو ذلك ثم باعها لمن اشتراها منه أو لغيره، كان البيع الثاني فاسدا فيملكها المشتري بقبضها وعليه قيمتها. أما البيع الأول فإنه يبقى على حاله، ومن ذلك بيع "الكنتراتات" المعروف في زماننا إذا وقع في الأعيان المنقولة، كأن يشتري القطن ثم يبيعه قبل قبضه لمن اشتراه منه أو لغيره سواء كان بثمنه أو بأقل منه فإنه فاسد، أما بيع الأعيان غير المنقولة قبل قبضها كبيع الأرض والضياع والنخيل والدور ونحو ذلك من الأشياء الثابتة التي لا يخشى هلاكها فإنه يصح، وقال محمد: لا يصح، فإذا كانت مهددة بالزوال كالأرض التي على شاطئ البحر ويخشى أن يطغى عليها كان حكمها كالمنقول، فلا يجوز بيعها قبل قبضها ويجوز هبة الأعيان المنقولة قبل قبضها لغير من اشتراها منه، كما يجوز له التصدق بها ورهنها لغير من اشتراها منه على الأصح. فإذا وهبها لمن اشتراها منه وقبل الهبة انتقض البيع وإذا باع عينا منقولة كثوب ثم قبضها المشتري ولم يقبض البائع الثمن فإنه يصح بيعها لغير من اشتراها منه بلا نزاع. أما بيعها لمن اشتراها منه فإنه يصح إذا كانت بثمنها أو بأكثر. أما بيعها بأقل من ثمنها فإنه يكون فاسدا إذا اجتمعت فيه أمور: الأول: أن يبيعها لنفس من اشتراها منه أو لوكيله أو لمن لا يجوز له شهادته كابنه وأبيه، فإذا باعها المشتري لرجل آخر غير من اشتراها منه، أو وهبها له، أو أوصى له بها ثم اشتراها البائع الأول منه بأقل من ثمنها الذي باعها به فإنه يصح، مثلا: باع محمد ثوبا لعلي بعشرة فأخذ علي الثوب ولم يدفع ثمنه، ثم اشتراه محمد من علي بثمانية فإنه يصح. أما إذا باعه علي لخالد، أو وهبه له. أو أوصى له به ثم اشتراه محمد من خالد بثمانية فإنه يصح. الثاني: أن يتحد جنس الثمن بأن يشتريها بنقود ثم يعود فيبيعها له بنقود أقل منها، أما إذا اشتراها بنقود ثم باعها له بعين غير النقود فإنه يصح ولو كانت قيمة العين أقل من الثمن. الثالث: أن يبقى المبيع على حاله بحيث لم يطرأ عليه نقص، أما إذا طرأ عليه عيب أنقص قيمته فإنه يصح أن يبيعه لمن اشتراه منه بأقل من ثمنه قبل أن يقبضه الثمن. المالكية - قالوا: يصح للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل قبضه بالبيع، سواء كان المبيع أعيانا منقولة أو عينا ثابتة كالأرض والنخيل ونحوهما، إلا الطعام كالقمح والفاكهة فإنه لا يصح بيعه قبل قبضه، إلا إذا اشتراه جزافا بدون كيل أو وزن أو عد، فإذا اشترى صبرة من القمح بدون كيل ثم باعها قبل أن يقبضها صح البيع. وكذا إذا اشترى فاكهة من غير وزن فإنه يصح بيعها قبل أن يقبضها. لأنها بمجرد العقد تكون في ضمان المشتري فهي في حكم المقبوضة. أما إذا اشترى الطعام بكيل أو بوزن فإنه لا يصح له أن يبيعه قبل القبض لورود النهي في الحديث عن بيع الطعام قبل أن يكتاله، وقد قيل في علة النهي: إن في قبضه منفعة للعمال، إذ ينتفعون بكيله وحمله ووزنه وغير ذلك، بخلاف ما إذا بيع وهو عند صاحبه فإن ذلك يضيع تلك المنفعة، وقيل. إنه أمر تعبدي. وإذا تصدق رجل على آخر بقمح من جرنه أو بفاكهة من حديقته، فإن للمتصدق عليه أن يبيع ما تصدق به عليه قبل أن يقبضه ومثل ذلك ما إذا وهبه له أو أقرضه إياه. أما إذا كان المتصدق أو الواهب أو المقرض قد اشترى طعاما ولم يقبضه ثم تصدق به أو وهبه أو أقرضه فإنه لا يصح للمقترض أو الموهوب له أو المتصدق عليه أن يبيعه قبل. ومن ذلك تعلم أنه يجوز لمن اشترى طعاما أن يقرضه لغيره قبل أن يقبضه، كما يجوز له أن يشتري طعاما لم يقبضه ثم يحيل على البائع شخصا اقترض منه طعاما ليأخذ من البائع ما اشتراه من ذلك الطعام وفاء لقرضه. أما إذا كان قد باع طعاما لرجل ولم يعطه ذلك الطعام واقترض طعاما من آخر فإنه لا يصح له أن يحيل من باع له على من اقترض منه: مثال ذلك: أن يشتري محمد من علي إردبا من القمح لم يقبضه، وعلى محمد إردب من القمح اقترضه من خالد، فيصح لمحمد أن يحيل خالدا على علي ليأخذ الاردب الذي اشتراه من علي وفاء للاردب الذي اقترضه من خالد. أما إذا كان محمد قد باع خالدا إردبا من القمح ولم يقبضه خالد، فإنه لا يصح لمحمد أن يحيل خالدا ليأخذ الاردب الذي اقترضه من علي وفاء للاردب الذي باعه إياه، لأنه في هذه الحالة يكون خالد قد باع الاردب الذي اشتراه من محمد لمحمد بالاردب الذي اقترضه محمد من علي قبل قبضه وهذا لا يجوز. الحنابلة - قالوا: يصح التصرف في المبيع بالبيع قبل قبضه إذا كان غير مكيل أو موزون أن معدود أو مذروع، أما إذا كان كذلك فإنه لا يصح التصرف فيه بالبيع قبل قبضه، فإذا اشترى إردبا من القمح، أو قنطارا من الحديد، أو عددا من البرتقال، أو ثوبا عشرين ذراعا ونحو ذلك فإنه لا يصح أن يبيعه قبل أن يقبضه من المشتري وكما لا يصح بيعه فإنه لا يصح إجارته ولا هبته ولو بلا عوض، وكذلك لا يصح رهنه ولا الحوالة عليه ولا الحولة به وغير ذلك من باقي التصرفات، غلا أنه يصح جعله مهرا كما يصح الخلع عليه والوصية به. أما إذا اشترى مكيلا ونحوه جزافا بلا كيل ولا وزن ونحوهما، كما إذا اشترى صبرة من القمح معينة فإن له أن يبيعها قبل قبضها، كما يصح له إجارتها وهبتها ورهنها وغير ذلك. وإذا باع سلعة بثمن مؤجل أو بثمن حال ولكن لم يقبضه فإنه يحرم على البائع أن يشتريها من الذي باعها له، وإذا فعل يقع البيع باطلا بشروط: الأول: أن يشتريها بنفسه أو بوكيله من نفس الذي باعها له. فإذا اشتراها ابنه أو أبوه أو خادمه أو زوجه فإنه يصح إذا لم يكن ذلك حيلة يتوصل بها إلى الشراء وكذلك يصح إذا اشتراها بائعها من غير الذي باعها له. الثاني: أن يشتريها بثمن أقل من الثمن الذي باعها به، فإن اشتراها بمثل ثمنها أو أكثر فإنه يصح. الثالث: أن يشتريها بثمن من جنس الثمن الأول: أما إذا لم يكن من جنسه كما إذا باعها بنقد ثم اشتراها بعروض تجارة فإنه يصحن وإذا كان غرضه من البيع الأول والتوصل إلى البيع الثاني بطل العقدان، وتسمى هذه المسألة العينة وسيأتي بيانها (4) الحنفية - قالوا: إنك قد عرفت أن هناك فرقا بين البيع الفاسد والباطل، فلكل منهما أمثلة نذكر منها ما يأتي: فأما البيع الباطل: فمن أمثلته بيع ما ليس بمال في نظر الشرع، وقد عرفت من تعريف البيع أن المال لا يكون مالا في نظر الشرع إلا إذا اجتمع فيه أمران: أحدهما: أن يكون من شأنه أن ينتفع به عند الحاجة. يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
ثانيهما: أن يكون الانتفاع به مباحا شرعا، فإذا لم يكن من شأنه الانتفاع به كحبة من حنطة، أو لم يكن الانتفاع به مباحا شرعا كالخمر والخنزير والمنخنقة والموقوذة ونحو ذلك مما يعتبر ميته في نظر الشرع فإنه لا يعتبر مالا، فغذا باع مالا ينتفع به أصلا كالتراب، والدم المسفوح، والقليل التافه كحبة من حنطة، فإن بيعه يقع باطلا. وكذلك إذا باع ما ينتفع به ولكن لم يكن الانتفاع به مباحا في نظر الشرع، كالخمر والخنزير والمنخنقة والموقوذة لأنه وإن كان مالا ينتفع به في ذاته، ولكن الشرع نهى عن الانتفاع به فلم يكن مالا عنده. أما إذا اشترى بالخمر والمنخنقة ونحوهما سلعة وجعله ثمنا كان البيع فاسدا يفيد المبيع بالقبض، ويلزم المشتري بدفع قيمته ولا يباح الانتفاع به. ومن هذا الضابط تعلم أن المعول عليه في انعقاد البيع: هو أن يكون للشيء قيمة مالية شرعية، فإذا لم تكن له قيمة في بعض الأزمنة، ثم عرض له ما يجعل له قيمة كان بيعه صحيحا متى كان يباح الانتفاع به شرعا كالتراب إذا كان يستعمل سمادا للزرع، أو ينتفع به في شيء آخر. وكالرمل إذا كان يستعمل في الأبنية ونحوها. أما إذا عرض له ما يجعل له قيمته ولكن لم يكن مباحا في نظر الشرع كالدم المسفوح إذا صنع به ما يجعله صالحا للأكل فإنه لا يحل، لأن الشارع نهى عنه، فجواز البيع يدور مع حل الانتفاع بما له قيمة. ومنها: بيع ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها. ومنها: بيع ما يعمله في الأرض حرثا ويسمى كرابا. يقال: كرب الارض من باب فعل، إذا قلبها. فإذا استأجر أرضا من شخص ثم حرثها وأعادها له فلا يجوز أن يبيعه ذلك الحرث، ومثل ذلك ما إذا حفر حفرة "قناة" متصلة بالنهر ويسمى كري النهر "يقال: كرى النهر كرمي، إذا حفر فيه حفرة جديدة، أما إذا أحدث فيها بناء أو شجرا فإنه يجوز بيعه ما لم يشترط تركه له. ومنها: بيع المعدوم كبيع علو سقط بناؤه، كما إذا كان لرجلين بناء أحدهما له السفل والآخر له العلو فسقطا معا، أو سقط العلو وحده فإن بيع العلو لا يجوز بعد ذلك، لأن المبيع في هذه الحالة يكون عبارة عن حق التعلي، وحق التعلي ليس بمال لأن المال عين يمكن إحرازها وإمساكها وليس هو حق متعلق بالمال أيضا بل هو حق متعلق بالهواء وليس الهواء مالا يباع والمبيع لا بد أن يكون أحدهما. أما إذا باع العلو قبل سقوطه فإنه يصح، وكذا يصح بيع العلو الساقط إذا كان لصاحب السفل على أن يكون سطح السفل لصاحب السفل، وللمشتري حق القرار فوقه. حتى لو انهدم العلو كان له أن يبني عليه علوا آخر مثل الأول. ومن بيع المعدوم بيع ما ينبت في باطن الأرض إذا لم ينبت أصلا، أو كان قد نبت ولكن لم يعلم وجوده وقت البيع كالجزر والفجل والبصل. أما إذا كان قد نبت وعلم وجوده وقت البيع فإن بيعه يصح ولا يكون معدوما على أن للمشتري خيار الرؤية بعد قلعه ثم كان المبيع في الأرض مما يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والجزر والبصل فقلع المشتري شيئا بإذن البائع أو قلع البائع شيئا فرآه المشتري فلا يخلو: إما أن يكون المقلوع له قيمة بحيث يدخل تحت الوزن أو الكيل، وإما أن يكون شيئا يسيرا. فالأول: إذا رآه المشتري ورضي به سقط خياره ولزمه البيع في الكل إذا وجد الباقي كذلك، لأن رؤية البعض تكون كرؤية الكل. والثاني: إذا رآه المشتري فإن رؤيته لا تكون كرؤية الكل لكونه يسيرا، أما إذا كان المقلوع مما يباع بعد القلع بالعدد كالفجل فإن رؤيته بعد القلع لا تسقط الخيار وإن كان لها قيمة، لأنه يتفاوت في الكبر والصغر فلا تساوي بين أفراده. فإذا قلع المشتري شيئا بدون إذن البائع لزمه البيع وسقط خياره إلا أن يكون المقلوع يسيرا. وأما بيع ما ينبت بالتدريج فيظهر بعضه ويخفى بعضه كالورد والياسمين ففيه اختلاف: فقد أفتى بعضهم بجواز بيعه لتعامل الناس به استحسانا. وقال بعضهم كالمعدوم فلا يصح بيعه. ومنها: بيع الصوف على ظهر الغنم قبل جزه، لأنه قبل الجز ليس مالا متقوما بل هو جزء من الحيوان لقيامه به كسائر أطرافه، ولو سلمه قبل العقد لم ينقلب صحيحا لأنه وقع باطلا. ومثله كل ما له اتصال بحسب خلقته بالمبيع كجلد الحيوان، ونوى التمر، وبذر البطيخ، فإن بيع ذلك باطل لكونه كالمعدوم. ومنها: بيع السمك قبل صيده بالنقود من قروش ونحوها، وإنما كان باطلا لأن المبيع معدوم غير مقدور على تسليمه. وكذلك بيعه بالعرض "المتاع القيمي" إذا كان السمك غير معين كما إذا قال له: بعتك ما اصطاده من سمك بهذا البطيخ، ومثله ما إذا جعل العرض مبيعا والسمك ثمنا. كما إذا قال له: بعني هذا البطيخ بما اصطاده من سمك، أما إذا كان السمك معينا وجعل العرض مبيعا كأن قال له: بعني هذه البطيخة بحوت أصطاده لك فإن البيع يكون فاسدا. والفرق بين الأمرين: أن السمك المطلق لا يعقل جعله ثمنا ولو ملكه بعد صيده. أما السمك المعين فإنه يمكن أن يكون ثمنا، فإنما لو اصطاد غيره لم يكن هو الذي جعله ثمنا، وإذا اقتطع من النهر أو الترعة قطعة بجسر ونحوه ثم أدخل فيها السمك، فإن كان قد أعدها للصيد فإن السمك يصبح مملوكا له، ثم إن كان يمكن إمساكه بدون حيلة صح بيعه لأنه يكون مملوكا مقدور التسليم. أما إذا لم يمكن فإنه لا يصح بيعه. وإذا لم يكن قد أعدها للصيد كأن حفر مصرفا لسقي ثم دخل فيه السمك فإن سده عليه ملكه، وإلا فلا يملكه فلا يصح له بيعه. وإن اصطاده من الترعة أو النهر ثم أرسله في المصرف أو القناة فإنه يكون مملوكا له، ويصح بيعه وهو في الماء إن قدر على إمساكه بدون حيلة. وفي تأجير برك الماء التي يجتمع فيها السمك خلاف: فبعضهم يقول بجوازه، وبعضهم يقول لأنه، لا يصح تأجير المراعي. ومنها: بيع اللبن في الضرع على التحقيق، وإنما كان باطلا لأنه لا يعلم إن كان لبنا أو دما أو غير ذلك فهو مشكوك في وجوده. ومنها بيع اللؤلؤ في صدفه فإنه باطل لا فاسد على التحقيق؛ لأن وجوده غير معلوم. بخلاف الحب في سنبلة، والفول في قشره، وجوز الهند ونحو ذلك فإن بيعها صحيح لأنها معلومة يمكن تجربتها بالبعض. ومنها: بيع الوقف لأن الوقف لا يقبل التمليك والتملك، فبيعه باطل لا فاسد على المعتمد. وإذا ضم إلى الوقف ملك كأن كان لديه بستان نصفه مملوك ونصفه موقوف صح بيع النصف المملوك وبطل بيع الموقوف إلا إذا كان مسجدا عامرا فإنه إذا بثي مضموما إلى ملك آخر فإن بيع الجميع يكون باطلا. أما المسجد الخرب فإنه إذا باع مضموما إلى ملك صح بيع الملك وبطل بيع المسجد. وإذا كان يملك ضيعة "عزبة" بها مسجد ومقبرة ثم باعها بدون أن يستثني المسجد العامر والمقبرة فقال بعضهم: إن البيع يكون باطلا لأنه باع مسجدا عامرا مضموما إلى ملك. وقال بعضهم: إن البيع صحيح، لأن المسجد أو المقبرة مستثنى عادة فلم يوجد ضم الملك إلى المسجد، بل البيع واقع على الملك وحده. ومنها بيع صبي لا يعقل ومجنون. أما الصبي المميز والمعتوه الذي يدرك معنى البيع فإن بيعهما ينعقد ولكن لا ينفذ إلا بإجازة الولي بشرط أن لا يكون فيه غبن فاحش. وإلا لم يصح لا من الصبي ولا من الولي. ومنها: شعر الإنسان لأنه لا يجوز الانتفاع به لحديث: "لعن الله الواصلة والمستوصلة"، وقد رخص في الشعر المأخوذ من الوبر ليزيد في ضفائر النساء وقرونهن. ومنها: بيع ما سيملكه قبل ملكه. كما إذا كان ينتظر ميراثا بوفاة والد أو أحد من يرثهم ثم باعه قبل أن يؤول إليه ذلك، لأنه إنما يبيع شيئا معدوما لا يقدر على تسليمه وهو باطل. ومثله بيع ما كان على خطر العدم كبيع اللبن في الضرع فإنه على احتمال عدم الوجود. وإنما يصح بيع المعدوم إذا كان دينا موصوفا في الذمة وهو السلم الآتي بيانه. أما بيع ملك الغير بوكالة منه فإنه صحيح نافذ. وبيعه بدون وكالة فهو صحيح موقوف على إجازة المالك وهذا هو بيع الفضولي. ومن الباطل بيع الأعشاب التي تنبت بنفسها في الأرض وترعاها الدواب وتسمى الكلأ والمراعي، ولو نبتت في ملكه. لحديث: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار" وكما لا يصح بيعها فكذلك لا تصح إجازتها. وهل إجارتها باطلة أو فاسدة؟ خلاف: أما إذا أنبتها أحد بسقي وخدمة فإنه يملكها حينئذ فله بيعها. واختار بعضهم أنه لا يملكها فليس له بيعها. ومنها: بيع رمية الشبكة في الماء كأن يقول له: أبيعك ما يخرج بهذه الرمية في الشبكة بكذا، أو ما أصطاده بضربة هذا السهم من الطير ويسمى بيع ضربة القانص، لأنه بيع ما ليس بمملوكومثل ذلك غوصة الغائص، وهو الذي يغوص في الماء لإخراج اللآليء ونحوها. ومنها: بيع صرح بنفي الثمن فيه كأن يقول له: بعني جملك مجانا أو بلا ثمن فيقول له: بعتك إياه فهذا البيع باطل لانعدام المال من أحد الجانبين وبعضهم يقول: ينعقد البيع لأن نفيه نفي للعقد فيكون كأنه سكت عن ذكر الثمن، وحكم السكوت عن ذكر الثمن في البيع: أن البيع ينعقد معه ويثبت الملك بالقبض فهو فاسد كما يأتي. هذه بعض أمثلة البيع الباطل. أما حكمه فهو أنه لا يفيد الملك كما تقدم. فإذا قبض المشتري المبيع فإنه لا يملكه بقبضه، وإذا هلك المبيع عنده بعد قبضه إياه ففيه خلاف: فقيل: يضمنه لأنه يكون كالمقبوض على سوم الشراء المتقدم ورجحه بعضهم. وقيل: لا يضمنه لأنه أمانة عنده فإنه بعد بطلان العقد لم يبق سوى القبض بإذن البائع وهو لا يوجب الضمان بدون نقد. وأما البيع الفاسد فله أمثلة: منها: بيع الوصي مال اليتيم بغبن فاحش فإنه فاسد على الراجح. ومنها: بيع المضطر وشراؤه. فالأول: كما إذا ألزمه القاضي ببيع ماله لإيفاء دينه فاضطر إلى بيعه بدون ثمن المثل بغبن فاحش، البيع في هذه الحالة يكون فاسدا، والثاني كما إذا اضطر إلى طعام أو شراب أو لباس فلم يرض البائع إلا بيعها بثمن كثير يزيد عن قيمتها. ومنها: البيع مع السكوت عن ذكر الثمن فإنه فاسد كما تقدم قريبا، ومنها: بيع متاع قيمي بخمر بأن يجعل الخمر ثمنا فإنه فاسد كما تقدم. الشافعية - قالوا: من أمثلة البيع الفاسد أو الباطل بيع الأعمى وشراؤه، فلا يصح أن يبيع الأعمى عينا أو يشتري كما لا تصح إجارته ورهنه ولكن يصح أن يوكل عنه غير. فيما لا يصح منه من العقود للضرورة، وكذلك يصح له أن يشتري شيئا موصوفا في الذمة فيصح أن يسلم ويسلم إليه. ومنها: بيع خيار الرؤية كما إذا اشترى شيئا لم يره على أن له الخيار إذا رآه. ومنها: بيع الأشياء الموقوفة ولو أشرفت على الخراب، أو لم ينتفع بها أصلا على المعتمد، ويستثنى من ذلك الحصر القديمة البالية، والقناديل والجذوع الموقوفة التي لا نفع فيها، فإن بيعها يجوز لينتفع بثمنها في مصالح الوقف. ومنها: بيع المرهون بعد قبضه، فإذا رهن شيئا من شخص واستلمه فإنه لا يصح بيعه إلا بإذن منه، فإذا باعه بدون إذن كان البيع فاسدا. أما إذا باعه قبل قبضه فإنه يصح بدون إذن المرتهن. كذا إذا باعه بعد قبضه للمرتهن فإنه يصح. ومنها: الأضحية ولكن إن كانت منذورة فإن بيعها لا يصح قبل الذبح وبعده. أما إن كانت متطوعا بها فإن بيعها لا يصح بعد الذبح. ومنها: بيع ما عجز المشتري عن استلامه إذا لم يكن البائع قادرا على تسليمه، سواء كان العجز حسيا كالمغصوب، أو شرعيا كالمرهون. ومنها: بيع القمح في سنبله "سبله": سواء باعه بقمح مثله، أو باعه بشعير أو باعه بدراهم. ومثل البر كل ما كان مستترا بسنبله كالذرة الشامي فإنها تكون مستترة بالورق الذي "على قناديلها"، أما الذرة الصيفي فإنه يصح بيعها قبل قطعها لأن حبها غير مستتر والعلة في ذلك عدم رؤيتها كما تقدم، ومثل ذلك ما كان مستترا بالأرض كالجزر والفجل والبصل: ومنها: بيع ما لم يملكه البائع فإذا باع شيئا لا ولاية له عليه بوجه من الوجوه كان بيعه باطلا، كما إذا باع بستان أخيه أو أحد أصدقائه، ويسمى بيع الفضولي وهو باطل ولو أجازه المالك. ومنها: بيع اللحم بالحيوان، سواء كان من جنسه أو غير جنسه، مأكولا أو غير مأكول، فإذا اشترى لحما من عند الجزار بخروف حي أو سمك أو حمار فإن البيع يقع باطلا كما سيأتي. ومنها: بيع الماء الجاري في قناة أو مصرف ونحوهما، وكذلك الماء النابع في عين أو بئر فلا يصح بيعه وحده، فإن كان يملك أرضا يجري الماء فيها فليس له أن يبيع الماء وحده دون الأرض، وإذا فعل وقع البيع باطلا، أما إذا باعه مع الأرض فإنه يصح، وكذا لو باع الأرض دون الماء، وإذا لم ينص على الماء لا يدخل فيها بل يدخل على ملك البائع، سواء الموجود منه حال البيع والحادث بعده، وخرج بالجاري والنابع الماء الراكد فإنه يصح بيعه وحده. ومنها: بيع الثمرة قبل أن يظهر صلاحها بدون شرط القطع، فإذا اشترى ثمرة النخلة قبل أن يبدو صلاحها من غير أن يشترط قطعة بأن اشتراه بشرط بقائه عليها، أو بدون شرط أصلا وقع البيع باطلا. المالكية - قالوا: إن كل شيء نهى الشارع عن تعاطيه كان فاسدا، سواء كان من العبادات كالصلاة والصيام، أو كان من العقود كالبيع والنكاح، ولكن بشرط أن يكون النهي راجعا لذات الشيء، أو لوصفه، أو لأمر خارج عنه لازم له. أما إذا كان نهي راجعا لأمر خارج غير لازم له فإنه لا يكون فاسدا وإن كان حراما. مثال الأول: الميتة، والدم، والخنزير ونحوها فإن الشارع قد نهى عنها لذاتها،فإذا بيعت كان بيعها حراما باطلا. ومثال الثاني: الخمر، فإن الشارع قد نهى عنها لوصفها وهو الإسكار، فإذا بيعت كان بيعها باطلا. ومثال الثالث: صوم يوم العيد، فإن صوم يوم العيد ليس منهيا عنه لذاته ولا لوصفه، ولكنه منهي عنه لأمر خارج عنه لازم له وهو الاعراض عن ضيافة الله تعالى، وهذا المعنى ملازم له لا ينفك عنه دائما، فصيامه حرام باطل، ومثال الرابع: الصلاة في الدار المغصوبة، فإن الصلاة لا ينهي عنها لا لذاتها ولا لوصفها، ولا لأمر خارج لازم لها بحيث لا ينفك عنها. وإنما نهى عنها لأمر عرضي غير لازم لها وهو كونها في الدار المغصوبة، فهي صحيحة وإن كان فاعلها آثما. وكذلك الوضوء بالماء المغصوب، لأن غصب الماء وإتلافه غير ملازم للوضوء بل يوجد بدونه. وكذلك غصب أرض الغير فإنها توجد بدون صلاة، ولكن يستثنى من هذه القاعدة بيع النجش "وهو إغراء الغير على الشراء بالزيادة الكاذبة" كما سيأتي وبيع المصراة المتقدم، وتلقي الركبان، فإن هذه الأمور منهي عنها مع كونها غير فاسدة، لأن السنة وردت بصحتها فتكون مخصصة لتلك القاعدة. فمن أمثلة البيع الفاسد: بيع الحيوان المأكول اللحم وهو حي بلحم من جنسه، كما إذا كان عنده خروف حي فأعطاه للجزار وأخذ به لحما، لأن هذا البيع معلوم وهو اللحم بمجهول وهو الحيوان، إذ لا يعرف إن كان لحم الحيوان الحي جيدا أو رديئا، بخلاف لحم المذبوح بعد سلخه فإنه يكون مريئا معلوما ما لم يطبخ اللحم، فإنه يصح أن يباع بالحيوان، أما بيعه بلحم من غير جنسه كما إذا اشترى سمكا بخروف فإنه جائز، وإلا أنه يشترط لصحة البيع في مثل هذا أن يكون منجزا لأنه مما لا تطول حياته، فيشترط فيه ذلك وسيأتي بيانه في مبحثه. ومنها بيع الغرر وهو التردد بين أمرين: أحدهما يوافق الغرض والآخر يخالفه، كما إذا قال له: بعتك هذه الدابة بقيمتها التي تظهر في السوق، أو التي يقولها أهل الخبرة، فإنه يحتمل أن تظهر قيمتها موافقة لغرض البائع والمشتري، وأن تظهر مخالفة، فلا يصح البيع ما دام العوض مجهولا. وكذلك إذا قال له: بعتك هذه السلعة بما تحكم به، أو بما يحكم به فلان، أو بما ترضى به، أو بما يرضى به فلان فإن كل ذلك لا يصح، ويغتفر الغرر اليسير للضرورة كأساس الدار، فإنها تشتري مع عدم معرفة عمقه وعرضه، وكإجارتها مشاهرة مع احتمال نقصان الشهور وزيادتها، وكشراء جبة محشوة، أو لحاف محشو من غير معرفة حشوه، فإن ذلك يتسامح فيه الناس عادة، بخلاف ما إذا كان الغرر كثيرا كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء فإنه لا يصح. ومنها أن يبيع السلعة بيعا باتا بعشرة نقدا وبخمسة عشر مثلا لأجل، فيرضى المشتري ذلك ويأخذ السلعة من سكوت ثم يختار بعد تمام العقد، فإن البيع يقع فاسدا ويسمى ذلك البيع "بيعتين في بيعة" أما إذا باع ذلك بالخيار كأن قال له: بعتك هذه السلعة بعشرة حالة وبخمسة عشر مؤجلة على أن يكون لك الخيار فإنه يصح، وإنما منع الأول للجهل بالثمن حال البيع، وجاز في الثاني لأن له فرصة التأمل. ومثل ذلك ما إذا باع واحدة من سلعتين مختلفين في الجنس أو الوصف. مثال مختلفي الجنس أن يقول: بعتك أحد هذين الأمرين "الثوب أو الدابة" بعشرين ثم يختار المشتري منهما بعد تمام البيع ما يحب، وهذا البيع فاسد بدون شرط الخيار، أما إذا شرط الخيار فإنه يصح. ومثال مختلفي الوصف: أن يبيعه وادحا غير معين من رداء وكساء فإنه لا يصح، لأن المبيع في الأمرين غير معين ولا يصح بيع المجهول، وإذا اشتراه بثمن مختلف كان الفساد أظهر، لأن الجهالة تكون في المبيع وفي الثمن. أما إذا كانا مختلفين جودة ورداءة فقط كما إذا باعه إحدى صبرتين من قمح إحداهما جيدة والأخرى رديئة بثمن واحد على أن يختار منهما ما يعجبه فإنه يصح، لأن المعتاد في مثل ذلك شراء الجيد لا الرديء. وإذا كان عند شخص نخلات مثمرات فباع واحدة منها بدون أن يعينها فإنه لا يصح، أما إذا كان عنده حديقة فباعها واستثنى منها شجرة مثمرة أو أكثر على أن يختارها هو فإنه يصح، لأنه أدرى بحديقته فيختار منها ما يلائمه. ويصح بيع الهواء وهو بيع العلو كأن يقول لشخص: بعني عشرة أذرع مثلا فوق ما تبينه بأرضك، ويشترط لصحته وصف البناء الأعلى والأسفل من العظم والخفة والطول والقصر ووصف ما يبنى به من آجر أو حجر أو نحوهما، ولا ريب في أن الوصف ضروري حتى لا يقع نزاع بين المتعاقدين من جراء ارتفاع البناء الأعلى، ما يحدثه فيه من المنافع التي قد لا تلائم الأسفل، فإذا وصف كل منهما بناءه ارتفع النزاع، وليس للأعلى أن يزيد شيئا غير ما اتفقا عليه إلا برضا الأسفل، وهو يملك جميع الهواء الذي فوق بناء الأسفل، وهذا البيع لازم مضمون فلا ينفسخ بهدم الأسفل، فإذا انهدم الأسفل يلزم البائع بإعادته، وكذلم من حل محله من مشتر أو وارث إذا هدم الأعلى كان لصاحبه أو لمن حل محله من وارث أو مشتر إعادته. ويصح بيع كل ما يتوصل إلى معرفته بمعرفة بعضه كالحنطة في سنبلها، فإنه يتيسر للمشتري أن يفرك بعضها فتظهر التي فيه، ورؤية البعض تدل على الباقي، إنما يشترط لصحة البيع أن لا يتأخر حصدها ودرسها وتذريتها أكثر من نصف شهر. على أنه إذا كان المبيع الحب وحده فإنه لا يصح بيعه جزافا إلا إذا خلص من تبنه، أما بيعه مكيلا فإنه يصح على أي حال. وإذا كان المبيع الحب مع السنبل فإنه يصح بيعه جزافا إذا كان قائما أقتا "القتة الحزمة" من قمح ونحوه بعد حصاده، أما إذا كان مكدسا على بعضه فإنه لا يصح بيعه جزافا. الحنابلة - قالوا: من أمثلة البيع الفاسد أيضا: بيع المزروع المستور في الأرض كلفت وفجل وجزر وقلقاس وبصل وثوم ونحوه، فإنه لا يصح بيعه قبل قلعه ومشاهدته، أما بيع ورقة الظاهر فإنه يصح. ومنها: بيع ثوب مطوي ولو كان نسجه تاما، كما لا يصح بيع ثوب نسج بعضه على أن يأخذه بعد أن يكمل نسجه ولو كان منشورا غير مطوي، فإن بين البائع ما نسج من الثوب ثم ضم إليه ما بقي من السد أو اللحمة وباع الجميع بشرط أن يكمل نسيجها فإنه يصح، لأن هذا الشرط فيه منفعة البائع. ومنها: الصوف على ظهر الغنم. ومنها: اللبن في الضرع ومنها: بيع ما قد تحمل هذه الشجرة أو ما تحمل هذه الشاة. ومنها: بيع الطلع. ومنها: بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فإنه فاسد. أما بيعها بعد بدو صلاحها فهو جائز، فيصح بيع الحب في سنبله، سواء كان مقطوعا أو في شجره، كما يصح بيع الجوز واللوز والحمص في قشره سواء مقطوعا أو باقيا على شجره، ومنها غير ذلك مما خالف ركنا أو شرطا مما تقدم) . |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 221 الى صــــــــ227 الحلقة (105) [مباحث الربا] [تعريفه وأقسامه] ومن البيوع الفاسدة المنهي عنها نهيا مغلظا "الربا" ومعناه في اللغة: الزيادة. قال الله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} أي علت وارتفعت، وذلك معنى الزيادة فإن العلو والارتفاع زيادة على الأرض. وقال تعالى: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} أي أكثر عددا. أما في اصطلاح الفقهاء: فهو زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض، وينقسم إلى قسمين: (1) الأول: ربا النسيئة، وهو أن تكون الزيادة المذكورة في مقابلة "تأخير الدفع" ومثال ذلك: ما إذا اشترى إردبا من القمح في زمن الشتاء بإردب ونصف يدفعها في زمن الصيف. فإن نصف الإردب الذي زاد في الثمن لم يقابله شيء من المبيع، وإنما هو في مقابل الأجل فقط، ولذا سمي ربا النسيئة أي التأخير. الثاني: ربا الفضل، وهو أن تكون الزيادة المذكورة مجردة عن التأخير فلم يقابلها شيء، وذلك كما إذا اشترى إردبا من القمح بإردب وكيلة من جنسه مقايضة بأن استلم كل من البائع والمشتري ماله. وكما إذا اشترى ذهبا مصنوعا زنته عشرة مثاقيل بذهب مثله قدره مثقالا. [حكم ربا النسيئة ودليله] لا خلاف بين أئمة المسلمين في تحريم ربا النسيئة، فهو كبيرة من الكبائر بلا نزاع، وقد ثبت ذلك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع المسلمين، فقد قال تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} .فهذا كتاب الله تعالى قد حرم الربا تحريما شديدا، وزجر عليه زجرا تقشعر له أبدان الذين يؤمنون بربهم ويخافون عقابه، وأي زجر أشد من أن يجعل الله المرابين خارجين عليه محاربين له ولرسوله؟ فماذا يكون حال ذلك الإنسان الضعيف إذا كان محاربا للإله القادر القاهر الذي لا يعجزه في الأرض ولا في السماء؟ لا ريب في أنه بذلك قد عرض نفسه للهلاك والخسران.أما معنى الربا الذي يؤخذ من هذه الآية الكريمة، فالظاهر أنه هو الربا المعروف عند العرب في الجاهلية، وقد بينه المفسرون فقد ذكر غير واحد منهم: أن الواحد من العرب كان إذا داين شخصا لأجل وحل موعده فإنه يقول لمدينة: أعط الدين أو أرب ومعنى هذا أنه يقول له: إما أن تعطي الدين أو تؤخره بالزيادة المتعارفة بيننا، وهذه الزيادة تكون في العد كأن يؤجل له دفع الناقة على أن يأخذها ناقتين، وتارة تكون بالسن كأن يؤجل له دفع ناقة سن سنة على أن يأخذها منه سن سنتين أو ثلاث وهكذا ومثل ذلك أيضا ما كان متعارفا عندهم من أن يدفع أحدهم للآخر مالا لمدة ويأخذ كل شهر قدرا معينا، فإذا حل موعد الدين ولم يستطع المدين أن يدفع رأس المال أجل له مدة أخرى بالفائدة الذي يأخذها منه، وهذا هو الربا الغالب في المصارف وغيرها ببلادنا، وقد حرمه الله تعالى على المسلمين وعلى غيرهم من الأمم الأخرى، ونهى عنه اليهود والنصارى لما فيه من إرهاق المضطرين، والقضاء على عوامل الرفق والرحمة بالإنسان، ونزع التعاون والتناصر في هذه الحياة، فإن الإنسان من حيث هو لا يصح أن يكون ماديا من جميع جهاته ليس فيه عاطفة خير لأخيه، فيستغل فرصة احتياجه ويوقعه في شرك الربا فيقضى على ما بقي فيه من حياة، مع أن الله تعالى قد أوصى الأغنياء بالفقراء وجعل لهم حقا معلوما في أموالهم وشرع القرض لإغاثة الملهوفين وإعانة المضطرين، فضلا عما في الربا من حصر الأموال في فئة المرابين، وفتح أبواب الشهوات لضعاف الإرادة والقضاء على ما عندهم من ثروة إلى غير ذلك من المضار الكثيرة التي يضيق المقام عن ذكرها، وقد بيناها أتم بيان في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق الدينية في حكمة تشريع البيع.فالآيات الكريمة تدل دلالة قاطعة على تحريم ربا النسيئة، منه ما هو معروف في زماننا من إعطاء ما يأجل بفائدة سنوية أو شهرية على حساب المائة، وما يحتمل به بعضهم من التحكك بالدين في جواز هذا النوع، فإنه بعيد كل البعد عن الدين ومناف لحكمه تشريعة في صورتها ومعناها فقد زعم بعضهم أن المحرم من ذلك هو أكل الربا أضعافا مضاعفة كما ورد في آية آل عمران: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة. واتقوا الله لعلكم تفلحون} . وهذا خطأ صريح لأن الغرض من الآية الكريمة إنما هو التنفير من أكل الربا، ولفت نظر المرابين لما عساه أن يؤول إليه أمر الربا من التضعيف الذي قد يستغرق مال المدين، فيصبح لمرور الزمن وتراكم فوائد الربا فقيرا بائسا عاطلا في هذه الحياة بسبب هذا النوع الفاسد من المعاملة، وفي ذلك من الضرر على نظام العمران ما لا يخفى، ولا يكاد يتصور عاقل أن الله تعالى ينهى عن ثلاثة أضعاف، ولا ينهى عن الضعفين أو الضعف، على أنه لا يمكن لعاقل أن يفهم هذا المعنى بعد قول الله تعالى: {فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} .وأغرب من هذا ما يزعم بعضهم من أن القرض بفائدة ليس من باب الربا، لأن الربا عقد بيع لا بد له من صيغة أو ما يقوم مقامها، وما يتعامل به الناس الآن من أخذ المال قرضا بفائدة ليس بيعا وقد صرح الشافعية بذلك، ولكن قد فات هذا أن الفقهاء الذين قالوا: إن مثل ذلك ليس بعقد قالوا أيضا: إنه من باب أكل أموال الناس بالباطل، وإن مضار الربا الذي حرم من أجلها متحققة فيه فحرمته كحرمة الربا، وإثمه كإثمه فالمسألة شكلية لا غير وأما تحريم ربا النساء من السنة فقد وردت فيه أحاديث كثيرة صحيحة. ومنها في الذهب والفضة قوله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء ومعنى ها: خذ وهات يدا بيد فهي اسم فعل. فلا يصح تأجيل البدلة فيه، على أنه حديث الذهب بالذهب والفضة الخ، يدل على حرمة ربا النساء. والفضل في الذهب والفضة والطعام.وسيأتي بيانه في مبحث ربا الفضل.[حكم ربا الفضل]أما ربا الفضل وهو أن يبيع أحد الجنسين بمثله بدون تأخير في القبض فهو حرام في المذاهب الأربعة، ولكن بعض الصحابة أجازه، ومنهم سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، على أن بعضهم نقل أنه رجع عن رأيه أخيرا وقال بحرمته أيضا، على أن ربا الفضل ليس له كبير الأثر في المعاملة لقلة وقوعه، لأن ليس من مقاصد الناس أن يشتري الواحد شيئا بجنسه أو يبيعه إلا إذا كان في أحد الجنسين معنى زائد يريد كل واحد من المتعاقدين أن ينتفع به. وإنما حرم ذلك لما عساه أن يوجد من التحايل والتلبيس على بعض ضعاف العقول، فيزين لهم بعض الدهاة أن هذا الإردب من القمح مثلا يساوي ثلاثة لجودته، أو هذه القطعة المنقوشة نقشا بديعا من الذهب تساوي زنتها مرتين، وفي ذلك من الغبن بالناس والإضرار بهم مالا يخفى، والأصل في تحريمه قوله عليه الصلاة والسلام: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز بيع شيء من هذه الأصناف المتجانسة بمثله مع زيادة، وأنه لا يجوز تأجيل التقايض فيها، فلا يصح بيع جنيه من الذهب بجنيه وعشرة قروش غلا يدا بيد ولا نسيئة، كما لا يحل بيع قطعة من الذهب زنتها عشرة مثاقيل بقطعة من الذهب زنتها اثنا عشرة مثقالا. ومثل ذلك القمح والشعير الخ ما ذكر في الحديث.وقد ورد النهي عن ذلك في بيع الذهب والفضة بخصوصهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" متفف عليه. وتشفوا بضم التاء وكسر الشين: تزيدوا.فإذا اختلف الجنس فإنه يصح فيه البيع والشراء على قيمته وبنقصها، فيصح أن يشتري الجنية الذي قيمته مائة وعشرين مثلا، كما يصح أن يصرفه بخمسة وتسعين قرشا وهكذا. ويسمى هذا صرفا ولكن يشترط فيه التقابض، فلا يصح صرف جنيه بفضة إلا إذا كان كل واحد يأخذ ماله في المجلس، فإذا أخذ تسعين قرشا وأجل عشرة قروش مثلا حرم. وسيأتي ذلك موضحا في الصرف. وكذلك في العام أعني البر والشعير الخ ما ذكر في الحديث، فإنه يشترط فيه التقابض (2) وإذا كان البدلان طعامين كما إذا باع قمحا بأرز، أما إذا كان أحد البدلين نقدا والآخر طعاما فإنه يصح فيه التأخير، سواء كان الطعام مبيعا كما إذا اشترى قمحا بجنيهات لأجل. أو كان الطعام ثمنا كما إذ اشترى خمسة جنيهات بخمسة "أردب" من القمح يدفعها في وقت كذا، وهذا هو السلم.مبحث الأشياء التي يكون الربا فيها حراماقد عرفت أن ربا النسيئة هو بيع الجنس الواحد ببعضه، أو بجنس آخر مع زيادة في نظير تأخير القبض. كبيع إردب من القمح الآن بإردب ونصف يدفع له بعد شهرين. وكبيع عشرين جنيها الآن بخمسة وعشرين تدفع له بعد سنة. وكبيع إردب من القمح الآن بإردبين من الذرة يدفعان له بعد ستة أشهر، لأنه وإن اختلف الجنس في القمح والذرة ولكن يشترط فيه التقابض وعدم تأجيل الدفع وإلا كان ربا. وإذا كان كذلك: فهل كل جنس في البيع يدخله الربا؟ أو هو مقصور على الأجناس المذكورة في الحديث المتقدم وهي: البر والشعير. والذهب، والفضة، والتمر، والملح؟ لا خلاف بين الأئمة الأربعة على أن الربا يدخل في أجناس أخرى غير التي ذكرت في الحديث قياسا عليها. وإنما اختلفوا في علة تحريم الزيادة في الأشياء المذكورة في الحديث ليقاس عليها غيرها متى وجدت تلك العلة كما هو مفصل في أسفل الصحيفة (3) . على أن الظاهرية اقتصروا على الأشياء المذكورة في الحديث.(1) الشافعية - قالوا: ينقسم الربا إلى ثلاثة أقسام. الأول: ربا الفضل، ومنه ربا الفرض كأن يقرضه عشرين جنيها بشرط أن يكون له منفعة كأن يشتري سلعة أو يزوجه ابنته، أو يأخذ منه فائدة مالية ونحو ذلك كما تقدم في البيع الفاسد. الثاني: ربا النسيئة وهو المذكور. الثالث: ربا اليد ومعناه أنه يبيع المتجانسين كالقمح من غير تقابض (2) الحنفية - قالوا: لا يشترط التقابض في بيع الذهب والفضة، وإنما قال: يشترط فيه التعيين وسيأتي موضحا في الصرف (3) الحنابلة - قالوا: العلة في تحريم الزيادة الكيل والوزن، فكل ما يباع بالكيل أو الوزن فإنه يدخله الربا، سواء كان قليلا لا يتأتى كيله كتمرة بتمرتين. أو لا يتأتى وزنه كقدر الألازة من الذهب، وسواء كان مطعوما كالأرز والذرة والدخن، أو غير مطعوم كبذر القطن والبرسيم والكتان والحديد والرصاص والنحاس، أما ما ليس بمكيل ولا موزون كالمعدود فإنه لا يجري فيه الربا، فيصح بيع البيضة بيضتين، والسكين بسكينين وإن كانا من جنس واحد لاختلاف الصفة. وقيل: بكراهة ذلك. الحنفية - قالوا: العلة في تحريم الزيادة هي الكيل والوزن كما يقول الحنابلة، إلا أنهم قالوا: إن القدر الذي يتحقق فيه الربا من الطعام هو ما كان نصف صاع فأكثر، أما إذا كان أقل من نصف صاع فإنه يصح فيه الزيادة، فيجوز أن يشتري حفنة من القمح بحفنتين يدا بيد أو نسيئة وهكذا إلى أن تبلغ نصف صاع، فيصح بيع التمرتين لأن التمر يباع مكيلا، وكل ما كان أقل من نصف صاع لا يدخله الربا، وهذا هو المشهور، أما القدر الذي يتحقق فيه الربا من الموزون فهو ما دون الحبة من الذهب والفضة، وما كان كتفاحة أو تفاحتين من الطعام، يجوز بيع التفاحة بتفاحتين ولكن يشترط في صحة البيع في مثل ذلك تعيين البدلين كأن يقول: بعتك هذه التفاحة المعينة بهاتين التفاحتين كما سيأتي بيانه، فكل ما تحققت فيه هذه العلة فإنه يدخله الربا، سواء كان مطعوما أو غير مطعوم، فيقاس على القمح والشعير المذكورين في الحديث كل ما يباع بالكيل كالذرة والأرز والدخن والسمسم والحلبة والجص إذا كان لا يباع بالكيل، ويقاس على الذهب والفضة كل ما يباع بالوزن كالرصاص والنحاس. أما الذي لا يباع بالكيل ولا بالوزن كالمعدود والمذروع فإنه لا يدخله ربا الفضل، فيجوز أن يبيع الذراع من الثوب بذراعين بثوب من جنسه بشرط القبض الآتي بيانه، كما يجوز أن يبيع البيضة بيضتين والبطيخة باثنتين وهكذا، والضابط في ذلك أن المبيع إذا كان متحدا مع الثمن في الجنس كقمح بقمح، وشعير بشعير وكان يباع بالكيل والوزن فإنه لا يصح أن يوجد في أحد العوضين زيادة، سواء كانت الزيادة لأجل أو لا، فيحرم ربا الفضل وربا الزيادة، وذلك كالقمح والشعير والذهب ونحوهما مما يباع كيلا أو وزنا،لأنه قد تحقق فيها القدر والكيل والوزن والجنس، أما إذا وجد أحدها فقط فإنه لا يدخله ربا الفضل، وإنما يحرم فيه ربا النسيئة، فمثال ما يتحقق فيه الجنس دون القدر: البيض والبطيخ ونحوهما من كل ما يباع عدا، ومثله الثياب ونحوهما من كل ما يباع بالذراع فإنه قد وجد فيها اتحاد الجنس وانتفى القدر، أعني كونها مبيعة بالكيل أو الوزن، ومثال ما وجد فيه القدر دون اتحاد الجنس: القمح والشعير فإنهما يباعان كيلا مع اختلاف جنسهما، فيحرم في هذا ربا النساء وهو البيع مع زيادة الأجل، ولا يحرم ربا الفضل وهو البيع مع زيادة بشرط القبض أما بيع الطعام بجنسه بدون زيادة فإنه لا يشترط فيه القبض. الشافعية - قالوا: الأشياء المذكورة في الحديث تنقسم إلى قسمين: نقد وهو الذهب والفضة ومطعوم وهو ما قصد ليكون طعاما للآدميين غالبا، أي ما خلقه الله بقصد أن يكون لهم طعاما بأن يلهمهم ذلك ولو شاركهم فيه غيرهم كالفول بالنسبة للبهائم والإنسان، فكل ما وجد فيه النقدية "أي كونه ثمنا" والطعمية - بضم الطاء - "أي كونه مطعوما" فإنه يدخل فيه الربا، ولا فرق في الثمن بين أن يكون مضروبا كالجنيه والريال، أو غير مضروب كالحلي والتبر، فلا يصح أن يشتري جنيهين بثلاثة لأجل أو مقابضة كما لا يصح أن يشتري قطعة مصنوعة من الذهب زنتها عشرة مثاقيل زنتها ثلاثة عشر كما سيأتي في الصرف. أما عروض التجارة فإنه يصح بيعها ببعضها مع زيادة أحد المثلين على الآخر، لأنها ليست أثمانا فلم تتحقق فيها العلة المذكورة. وأما المطعوم فإنه يشمل أمورا ثلاثا ذكرت في الحديث. أحدها: أن يكون للقوت كالبر والشعير، فإن المقصود منهما التقويت، ويلحق بهما ما في معناهما: الأرز، والذرة، والحمص والترمس، وقد اختلف في الماء العذب فقيل: إنه يلحق بالقوت لأنه ضروري للبدن، وقد أطلق الله عليه أنه مطعوم قال تعالى: {ومن لم يطعمه فإنه مني} . وقيل: إنه مصلح للبدن فهو ملحق بالتداوي الآتي. ثانيها: أن يكون للتفكه وقد نص الحديث على التمر فيلحق به ما في معناه كالزبيب والتين. ثالثها: أن يكون لإصلاح الطعام والبدن، وقد نص الحديث على الملح فيلحق به ما في معناه من الأدوية كالسنامكي ونحوها من العقاقير المتجانسة، ومنه الحلبة اليابسة فإنها تستعمل دواء بخلاف الخضراء فإنها ليست بربوية. فخرج بقوله: ما قصد أن يكون طعاما ما كان مطعوما ولكن لم يخلق بقصد أن يكون كذلك. كالجلد والعظم فإنه وإن كان يؤكل ولكنه لم يخلق لذلك. وخرج أيضا ما اختص به البهائم كالحشيشي والتبن والنوى فإنه لا ربا فيه، ومن هذا تعلم أن الشافعية قاسوا كل ما فيه طعم وما يصلح نقدا على الأشياء الستة المذكورة في الحديث، فعلة القياس هي الطعمية والنقدية، فأما ما ليس بطعم كالجبس مثلا فإنه يصح بيعه بجنسه متفاضلا كعوض التجارة. المالكية - قالوا: علة تحريم الزيادة في الذهب والفضة النقدية، أما في الطعام فإن العلة تختلف في ربا النسيئة وربا الفضل. فأما العلة في تحريم النسيئة فهي مجرد المطعومية على غير وجه التداوي، فمتى كان طعاما للآدمي فإنه يحرم ربا النسيئة، سواء كان صالحا للادخار والاقتيات الآتي بيانهما أو لا، وذلك كأنواع الخضر من قثاء وبطيخ وليمون ونارنج رخص وكراث وجزر وقلقاس وكرنب ونحو ذلك. ومثل الخضر أنواع الفاكهة الرطبة كالتفاح والموز، فكل هذه الأصناف يدخلها ربا النسيئة ولا يدخلها ربا الفضل، فيصح بيع كل جنس منها بجنس آخر أو بجنسه مع زيادة بشرط التقابض في المجلس. أما بيعها كذلك لأجل فإنه ممنوع، فيصح أن يبيع رطل من التفاح برطلين مقابضة. وكذلك يصح أن يبيع الجزر بالخس بزيادة أحد الجنسين على الآخر بشرط القبض. وأما العلة في تحريم ربا الفضل فهي أمران: أن يكون الطعام مقتاتا ومعنى كونه مقتاتا: أن الإنسان يقتات به غالبا بحيث تقوم عليه بنيته، بمعنى أنه لو اقتصر عليه يعيش بدون شيء آخر. ثانيهما: أن يكون صالحا للادخار، ومعنى كونه صالحا للادخار: أنه لا يفسد بتأخيره مدة من الزمن لا حد لها على ظاهر المذهب خلافا لمن قال: إن الصالح للادخار هو الذي بقي بدون فساد ستة أشهر. والراجح أن المرجع في ذلك للعرف، فما يعده العرف صالحا للادخار كان كذلك. فكل ما وجدت فيه هذه العلة فإنه يحرم فيه ربا الفضل، كما يحرم فيه ربا النساء من باب أولى. وتفسير العلة بالاقتيات والادخار هو القول المعلول علية في المذهب، وهناك أقوال أخرى في تفسير العلة المذكورة أشهرها أن يزاد على الاقتيات والادخار قيد ثالث، وهو كون الطعام متخذا لعيش الآدمي غالبا، فيخرج بذلك البيض والزيت لأنهما لم يتخذا عيشا للآدمي غالبا فلا يمنع فيهما الربا. وقد عرفت أن المعول عليه في المذهب هو التفسير الأول، فالراجح أن البيض والزيت يدخلهما الربا لأنهما يقتاتان ويصلحان للادخار |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الثانى [كتاب أحكام البيع وما يتعلق به] صـــــ 227 الى صــــــــ233 الحلقة (106) [مبحث بيع الحبوب بأجناسها وبغير أجناسها] من الأصناف الستة المذكورة في الحديث المتقدم بيع البر بالبر، والشعير بالشعير، وقد قاس الأئمة على هذين النوعين غيرهما من أنواع الحبوب على حسب اختلاف وجهة نظرهم في العلة كما علمت، فلا يصح بيع القمح بالقمح إلا مثلا بمثل يدا بيد كما هو منصوص في الحديث، وكذلك الشعير. ولكن يصح (1) بيع الشعير بالقمح متفاضلين يدا بيد، فيصح أن يبيع كيلة من القمح بكيلتين من الشعير بشرط التقابض في المجلس ويقاس على ذلك الذرة والأرز والفول والحمص والترمس والدخن وحب البرسيم (2) والحلبة (3) والجلبان والبسلة وجميع أصناف الحبوب التي تباع بالكيل فإنها لا يصح بيع جنسها ببعضه إلا مثل بمثل، ويصح بيعها بالجنس الآخر مفاضلة يدا بيد.أما بيع الدقيق بالحب أو الخبز وما يتعلق بذلك ففيه تفصيل في المذاهب(4) . ويعرف اختلاف الأجناس واتحادهما بأمور مفصلة في المذاهب(5) . ويعرف ما يباع بالكيل وما يباع بالوزن بما كان عليه المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على تفصيل في المذاهب (6) . (1) المالكية - قالوا: الشعير والقمح جنس واحد وكذلك السلت "الشعير النبوي" فالثلاثة لا تفاوت بينها لأن المعول عليه في اتحاد الجنس واستواء المنفعة أو تقاربها. فأنواع القمح والشعير متقاربة فيها لأن الغرض منها القوت وهو حاصل، وإن كان يتفاوت من حيث الطعم والجودة، فلا يصح بيع الأشياء الثلاثة ببعضها إلا مثلا بمثل يدا بيد. وهذا هو الراجح عندهم. وبعضهم يقول: إن القمح والشعير جنسان مختلفان (2) الشافعية والمالكية - قالوا: البرسيم ليس داخلا في الأصناف التي يدخلها ربا الفضل، لأن العلة عند الشافعية الطعمية وهي كونها طعاما للآدمي غالبا وحب البرسيم ليس كذلك. والعلة عند المالكية كونه صالحا للقوت والادخار والبرسيم ليس كذلك (3) الشافعية - قالوا: الحلبة اليابسة يدخلها ربا الفضل لا بعلة كونها مكيلة كما يقول الحنفية والحنابلة، وإنما يدخلها بعلة كونها تستعمل دواء فهي مقيسة على الملح المصلح لأنها مصلحة للبدن. أما الحلبة الخضراء فليست من الأصناف التي يدخلها الربا كما تقدم. المالكية - قالوا: الحلبة لا يدخلها ربا الفضل، سواء كانت يابسة أو خضراء، واختلف في هل يدخلها ربا النساء أو لا؟ فقال بعضهم: إنها دواء لا يدخلها ربا النساء أيضا، وقال بعضهم: إنها طعام يدخلها ربا النساء (4) المالكية - قالوا: الحب والدقيق جنس واحد لأن الطحن لا يخرج الشيء عن جنسه، لأنه عبارة عن تفرقة أجزائه مع بقاء تلك الأجزاء. وكذلك العجين مع الدقيق والحب فإن العجن لا يخرجه عن جنسه، فلا يصح بيع واحد منهما بالآخر إلا مثلا بمثل بدون زيادة، فلو باع قمحا بدقيق مأخوذ منه فإنه يصح إذا كانا متساويين. ويعرف تساويهما بالوزن، وقيل: يعرف بالوزن والكيل، وكذلك لا يصح أن يبيع دقيقا أو حنطة بعجين مأخوذ منهما إلا مثلا بمثل كما ذكر لأنها جنس واحد، أما إذا اختلف الجنس كأن باع دقيقا من الذرة بحب من القمح فإنه يصح بيعه متفاضلا بشرط التقابض في المجلس. ويعرف التماثل بين الدقيق والعجين بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في العجين ويبدل بمثله، ويعرف التماثل بين العجين والقمح بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في القمح والعجين. أما إذا اختلف الجنس كبيع دقيق من الحنطة بذرة فإنه يصح مع التفاضل إذا كان يدا بيد. أما الخبز فإنه جنس مغاير للدقيق والعجين والحنطة لأن صنعة الخبز جعلته جنسا منفردا، فيصح أن يبيع خبزا بدقيق أو حنطة أو عجين متفاضلا بشرط التقابض. على أن الخبز جميعه جنس واحد ولو كان أصله مختلفا، فلا يصح بيع أقراص الخبز "الأرغفة" المأخوذة من القمح بأقراص الخبز المأخوذة من القمح أيضا، أو من الشعير أو من الذرة وهكذا إلا مثلا بمثل ويدا بيد، لأنها كلها جنس واحد. فلا يصح التفاضل فيها إلا الكعك فإنه جنس على حدة لما خالطه من السمن والسمسم والمحلب واللبن وغير ذلك، فيصح بيعه متفاضلا يدا بيد. ثم إن كان الخبز مأخوذا من صنف واحد كالقمح فإن المثلية تعتبر بالتحري عن قدر الدقيق الموجود في كل منهما، فإذا كان قدر الدقيق فيهما متساويا كان مثلين، وإلا فلا، أما إن كان مأخوذا من صنفين مختلفين من الأصناف التي توجد فيها علة الربا كالقمح والذرة، فإن المثلية تعتبر بوزنهما بدون تحر عن الدقيق. وإنما يشترط في الخبز إذا كان العقد بيعا. أما إذا كان قرضا فإنه لا يشترط فيه ذلك، وإنما المعول في ذلك على العد، فيصح أن يقترض خمسة أرغفة ويردها كذلك وإن كانت أقل وزنا أو أكثر اتباعا للعرف. ولا بأس بما يفعله الجيران من قرض الخبز والخميرة ورد مثلها بدون تحر. وسلق الحبوب "كالبليلة" لا يخرجها عن جنسها أيضا، ولكن لا يصح بيع المسلوق بغير المسلوق مطلقا لا متفاضلا ولا متماثلا، لأنه لا يصح بيع الرطب باليابس لعدم تحقق المماثلة كما لا يصح بيع المسلوق بالمسلوق لهذه العلة. الحنفية - قالوا: لا يصح بيع الدقيق المأخوذ من جنس بجنسه، فلا يصح بيع الدقيق المأخوذ من القمح بالقمح. وكذلك المأخوذ من الذرة بالذرة وهكذا كانا متساويين أو لا، وذلك لأن التساوي في مثل ذلك غير محقق، فإن الدقيق ينكبس في المكيال أكثر من القمح، فلا تزال شبهة الزيادة باقية لأنها إنما تزول في بيع الجنس بمثله إذا كان التساوي محققا، أما بيع الدقيق المأخوذ من جنس بغير جنسه، فإن يصح كالدقيق المأخوذ من القمح إذا بيع بالشعير فإنه يصح لاختلاف الجنس متى كان يدا بيد. وكذلك لا يصح بيع الدقيق الناعم بالمجروش "المدشوش" إذا كان متحد الجنس للعلة المذكورة لا متساويا ولا متفاضلا، أما بيع الدقيق بالدقيق المتحد الجنس فإنه يجوز بشرط التساوي في الكيل. أما بيع الدقيق بالدقيق وزنا فإنه لا يجوز. وكذلك يصح بيع الدقيق المنخول بالدقيق غير المنخول إذا تساويا في الكيل، كما يصح بيع المدشوش مع التساوي في الكيل. ويجوز بيع الخبز بالحنطة وبيع الحنطة بالخبز متساويا ومتفاضلا، لأن الخبز صار بالصفة جنسا مختلفا من الحنطة ولا يشترط في ذلك التقابض؛ وإنما يشترط التعيين الآتي بيانه قريبا، بل يصح أن يبيع عشرين رغيفا من الخبز مقبوضة بكيلة من القمح يأخذها بعد شهر وإن كان الكيلة أكثر من الأرغفة، كما يصح أن يبيع إردبا من القمح بمائة أقة من الخبز يأخذها بعد أيام، وقيل: لا يصح في الحالة الثانية وهو ما إذا كان المؤجل الخبز، ولكن الفتوى على أنه يصح. وكذلك يصح بيع الدقيق بالخبز، والخبز بالدقيق على التفصيل المذكور في الحنطة. ويصح استقراض الخبز كأن يأخذ خمسة أرغفة من جاره على أن يردها، ولكن يشترط لصحة ذلك الوزن على المفتى به. وبعضهم يقول: يجوز بالوزن والعد. ويجوز بيع الحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة، والمبلولة باليابسة، والرطبة بالرطبة، واليابسة باليابسة، وفي بيع الحنطة المقلية "الفشار" بالحنطة غير المقلية خلاف، والأصح أنه لا يجوز وإن تساويا كيلا، وأما بيع المقلية بالمقلية فإنه يجوز بشرط التساوي. الحنابلة - قالوا: لا يصح بيع الدقيق بالحب المأخوذ منه مطلقا فلا يصح أن يبيع برا بدقيق مأخوذ منه، لأنه يشترط التساوي في بيع الجنس الواحد ببعضه، والقمح والدقيق جنس واحد ولكن تساويهما متعذر، لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن. وكذلك لا يصح بيع الخبز بالحب المأخوذ منه، كما لا يصح بيعه بدقيقه ولا وزنا. ولا يصح بيع الحنطة المبلولة باليابسة وكذلك لا يصح بيع الرطبة "الفريك" قبل تجفيفه باليابسة، أما بيع الخبز بالخبز فإنه يصح إذا كانا متساويين، فإن زاد أحدهما على الآخر فإنه لا يصح. الشافعية - قالوا: يشترط في بيع بعض الجنس ببعضه ثلاثة شروط: الحلول فلا يصح بيعه مؤجلا، فلو اشترط التأجيل ولو درجة لا يصح. والتقابض الحقيقي في المجلس بأن يقبض البائع المبيع والمشتري الثمن في المجلس، فلا تنفع فيه الحوالة ولو قبضه في المجلس، والمماثلة يقينا بأن يمكن التأكد من المماثلة، فإذا شك فيها لم يصح البيع. أما بيع الجنس بعضه ببعضه فإنه يشترط فيه الحلول والتقابض فقط، ولا تشترط المماثلة كما يأتي في الصرف. ومن هذا يتضح لك أنه لا يصح بيع دقيق بجنسه، فلا يصح بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة مثلا لانتفاء المماثلة اليقينية لسبب النعومة الطارئة عليه، إذ قد يكون أحد البدلين أنعم من الآخر فلا ينكبس في الكيل، وكذلك لا يصح بيع دقيق الحنطة بيع الخبز المأخوذ من القمح بخبز الشعير مثلا فإنه جائز لاختلاف الجنسين، والمماثلة اليقينية ليست شرطا في بيع خبز القمح بخبز الشعير مثلا فإنه جائز لاختلاف الجنسين، والمماثلة اليقينية ليست شرطا في بيع بعضهما ببعض. ويصح بيع دقيق القمح بدقيق الذرة أو الشعير لاختلاف الجنس، وكذا باقي الأنواع متى اختلف جنسها لعدم اشتراط المماثلة فيه كما علمت، ومثل الدقيق الفول المجروش "المدشوش" فإنه لا يجوز بيعه ببعضه. وكذا العدس المدشوش، ومثل الخبز: الكنافة والشعرية، فإنه لا يصح بيع كل جنس من هذه الأجناس ببعضه لانتفاء المماثلة الحقيقية، أما بيعه بالجنس الآخر فإنه يصح متى تحقق الشرطان الآخران وهما التقابض والحلول (5) الحنفية - قالوا: يعرف اختلاف الجنس بأمور ثلاثة: أحدها: اختلاف الأصل، ومثاله الخل المأخوذ من التمر الرديء ويسمى "دقلا" بفتح الدال والقاف، والخل المأخوذ من نشارة الخشب مثلا فإنهما حنسان مختلفان وإن كان كل منهما خلا لأن أصلهما المأخوذين منه مختلف. وكذلك لحم البقر مع لحم الضأن فإنهما جنسان مختلفان وإن كان كل منهما لحم. ثانيهما: اختلاف الغرض المقصود من المبيع كصوف الغنم وشعر المعز، فإن ما يقصد من شعر المعز من الاستعمال غير ما يقصد من صوف الغنم، فهما جنسان مختلفان. بخلاف لحمهما فإنه جنس واحد، لأنه يصدق عليه اسم واحد وهو الغنم. ومثل لحمهما لبنهما فإنه جنس واحد. ثالثها: زيادة الصنع كالخبز مع الحنطة فهما جنسان مختلفان لتبدل صفتهما بالصفة التي حدثت في عمل الخبز. ومن هذا تعلم أن الشعير والقمح جنسان مختلفان لأن كل منهما أصل قائم بنفسه مغير للآخر، على أن الغرض من استعمالهما مختلف، لأن القمح قد يقصد لعمل الفطير والكنافة والكعك، بخلاف الشعير فإنه لا يصلح لذلك. الحنابلة - قالوا: كل شيئين فأكثر أصلهما واحد قد اجتمعا في اسم واحد فهما جنس واحد سواء اختلف القصد من استعمالهما أو اتحد، فمثال الأول: القمح فإن له أنواعا كالهندس، والصعيدي، والبعلي، والبحيري، والاسترالي، فهذه الأنواع يجمعها اسم قمح فهي كلها جنس متحد وكذلك الملح فإن له أنواعا: الرشيدي، والمنزلاوي، والدمياطي. ولكن كلها يجمعها لفظ ملح فهي جنس واحد، ولا شك أن الغرض من الاستعمال في القمح والملح لا يختلف وإن كان في بعضه ميزة عن الآخر. ومثال الثاني وهو ما يختلف الغرض من استعماله: الزيت السيرج مثلا إذا أضيف إلى بعضه دهن الياسمين، وأضيف إلى بعض آخر منه دهن الورد، وأضيف إلى بعض دهن البنفسح فأصبح عطرا مختلفا يختلف الغرض من استعماله ولكن أصله واحد فهو جنس واحد. وإنما الذي جعله ياسمين وبنفسج وورد هي الرياحين التي أضيفت إليه. فلم تخرجه عن كونه جنسا واحدا وهو الزيت. المالكية - قالوا: يعرف اتحاد الجنس باستواء المنفعة أو تقاربها. فالملح وإن تنوع إلى رشيدي وغيره إلا أن منفعة الجميع وهي إصلاح الطعام واحدة. والقمح وإن تنوع إلى هندي ومصري لكن منفعته واحدة، أما الشعير والقمح فإن منفعتهما متقاربة وهي كونهما يقتات بهما، ويختلف الجنس باختلاف أصله المأخوذ منه إذا لم يكن الغرض منه شيء واحد مثل الخل المستخرج من أصناف مختلفة، فإن الغرض منه شيء واحد وهو الحموضة، وهي موجودة في الخل المستخرج من نشارة الخشب، ومن الخل المستخرج من التمر فيكون الخل جنسا واحدا، أما إذا كان الغرض منه مختلفا فإنه يكون أجناسا يصح أن يباع بعضها ببعض متفاضلة يدا بيد، لأن الزيت وإن كان واحدا لكن الغرض منه مختلف وأصله أيضا مختلف، ومثل الزيت العسل المستخرج من قصب السكر ومن البنجر وعسل النحل فهو أجناس مختلفة: أما السكر والعسل فهما جنسان مختلفان وسيأتي بيانه في مبحثه قريبا. الشافعية - قالوا: اتحاد الجنس بين طعامين هو أن يكون لهما اسم خاص يشتركان فيه اشتراكا حقيقيا، بمعنى أن تكون حقيقتهما واحدة كالقمح الهندي والقمح الاسترالي فإنهما مختصان باسم القمح مشتركان فيه اشتراكا حقيقيا، وأما إذا كان الاسم عاما كالحب بالنسبة للقمح فإنه ليس بجنس واحد، لأن الحب يشمل ايضا الذرة والأصناف الأخرى، وكذلك ما إذا اشتركا فيه اشتراكا لفظيا كالبطيخ إذا أطلق على النوع الأخضر منه والأصفر ويسمى "قاوونا" فإن ذلك الاشتراك لفظي فهما جنسان مختلفان لأن حقيقتهما مختلفة (6) الشافعية - قالوا: المعتبر فيما يباع بالكيل عادة أهل الحجاز: مكة، والمدينة. واليمامة، والقرى التابعة لها كالطائف، وجدة وخيبر، وينبع، فما كان يبيعه أهل الحجاز بالكيل يكون مكيلا ولو باعه الناس بالوزن أو العد بعد ذلك، فمتى كان الشيء يكال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن معياره الكيل ولو كان بغير الآلة التي يكال لها في ذلك العهد. ومتى كان يوزن في ذلك العهد، فإن معياره الوزن ولو غير الناس هذه العادة. أما ما لم يعرف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان مستعملا في غير الحجاز، أو كان مستعملا في الحجاز تارة بالكيل وتارة بالوزن، فإن كان المبيع أكبر جرما من التمر المعتدل فإنه يعتبر فيه بالوزن كالجوز والبيض، فإن الكيل لم يعهد في الحجاز يومئذ لصنف أكبر من التمر، أما إن كان مساويا للتمر، أو دونه كاللوز والبندق والفستق فيعتبر عادة بلد المبيع حالة البيع ومن هذا تعلم أن المكيل لا يباع بعضه ببعض وزنا، وأن الموزون لا يباع بعضه ببعض كيلا، ولا يضر التفاوت في الوزن إذا كان المبيع الذي يباع بالكيل مستويا في الكيل، وكذلك لا يضر التفاوت في الكيل فيما يباع بالوزن إذا كان متساويا فيه, الحنابلة - قالوا: المعتبر فيما يباع بالوزن عرف مكة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فما كانوا يبيعونه موزونا كان كذلك ولو غيره الناس بعد ذلك. والمعتبر فيما يباع بالكيل عرف أهل المدينة لما رواه عبد الملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة" فيحرم أن يبيع ما كان يباع بالكيل في المدينة في ذلك العهد متفاضل الجنس في الكيل، وكذلك ما كان يباع موزونا. وما لا يعرف يعتبر فيه عرف الموضع الذي يباع فيه، وقد بين الحديث أن الذهب والفضة يباعان بالوزن، والشعير والتمر يباعان بالكيل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة وزنا بوزن، والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى" وبه يعلم بعض الأصناف التي تباع بالكيل أو الوزن. فمن الأشياء التي تباع بالكيل: البر، والشعير، والدقيق، وسائر الحبوب. والجص "الجبس" والنورة، وكذلك التمر، والرطب والبسر، وباقي تمر النخل، ومثله الزبيب، والفستق، والبندق، واللوز، والعناب، والمشمش الجاف، والزيتون، والملح، وكذلك المائعات من لبن وزيت، وخل، وسمن. وسائر الأدهان، والعسل "وجعله بعضهم موزونا". فهذه الأشياء كلها مما تباع بالكيل وإن تعارف الناس على بيعها بالوزن أو العد. ومن الأشياء التي تباع بالوزن: الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، والرصاص، والزئبق، والكتان، والقطن، والحرير، والقز، والوبر، والصوف، سواء كانت مغزولة أو غير مغزولة، واللؤلؤ، والزجاج، والطين الأرمني الذي يؤكل دواء، واللحم، والشحم، والشمع والزعفران، والعصفر،والروس، والخبز إلا إذا تفتت وصار ناعما كالحب فإنه يباع مكيلا، والجبن، والعنب، والزبد. وقال بعضهم: يباح في السمن أن يباع موزونا. أما الأصناف التي لا تباع بالكيل ولا بالوزن فمنها الثياب، والحيوان، والجوز، والبيض، والرمان، والقثاء، والخيار، وسائر الخضر، والبقول، والسفرجل، والتفاح، والكمثرى، والخوخ، وكل فاكهة رطبة. الحنفية - قالوا: اختلف في معرفة المكيل والموزون، فقال بعضهم: إن المعول في ذلك على العرف. فمتى تعارف الناس على بيع شيء بالكيل كان مكيلا، ومتى تعارفوا على بيع شيء بالوزن كان موزونا. سواء نص الشارع على كونه مكيلا وموزونا أو لا، لأن الشارع إنما نص على أصناف الطعام المذكورة في الحديث مكيلة لكون الذهب والفضة موزونا تبعا لعرف ذلك الزمان، فلو غير الناس ذلك وباعوا الطعام موزونا والذهب والفضة معدودا اعتبر الشارع ذلك، وعد الطعام موزونا والذهب معدودا. وبعضهم يقول: إن المعول عليه في معرفة المكيل والموزون هو نص الشارع، فما نص على تحريم التفاضل فيه كيلا كان مكيلا دائما وإن باعه الناس بغير الكيل كالحنطة والشعير والتمر والملح. وكل شيء نص على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزون كالذهب والفضة، ومثل نص الرسول ما كان عليه المسلمون في عهده، أما ما لا نص فيه ولم يعرف حاله على عهد الرسول فإنه يعتبر فيه عرف الناس. والمشهور من المذهب الثاني. ورجح بعضهم الأول وهو أقرب في ضبط الموضوع وأسهل في تطبيق الحكم. فيقاس على البر والشعير المذكورين في الحديث كل ما يباع بالكيل: كالذرة، والدخن، والبرسيم، والحلبة، وجميع أصناف الحبوب التي تعارف الناس بيعها بالكيل، فإذا تعارفوا بيعها بالوزن تدخل في الموزون. ويقاس على التمر جميع أنواع الفاكهة التي تباع بالوزن كالعنب، والتفاح، والتين والزبيب، والكمثرى، والجوز، واللوز، وهكذا من كل ما يباع بالوزن. المالكية - قالوا: المماثلة في بيع بعض الجنس الذي يدخله الربا ببعضه لا تعتبر إلا بالكيفية الواردة في الشرع: وهي أن تباع الحبوب بالكيل، وتباع النقود، واللحم، والسمن، والعسل، والزيوت بالوزن. فلا يجوز بيع قمح بقمح وزنا وإن تساويا، كما لا يجوز بيع ذهب بذهب، أو سمن بسمن، أو عسل بعسل كيلا. ولا يشترط في آلة الكيل وآلة الوزن أن تكون مماثلة لما يكال به أو يوزن في الشرع من المد والصاع والوسق. بل يكفي ما اعتاد الناس الكيل والوزن به وإن خالف ما ورد بالشرع بزيادة أو نقص. فإن لم يرد في الشرع ما يدل على أن هذا يباع بالكيل وذاك يباع بالوزن كما في البصل والثوم والملح والتوابل فتعتبر المماثلة فيه بحسب عادة الناس في معرفة قدره، سواء كان بالكيل أو الوزن. |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
|