ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأمومة والطفل (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=16)
-   -   رسالتي إلى الزوج المعدّد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=244160)

ابوالوليد المسلم 29-10-2020 05:21 AM

رسالتي إلى الزوج المعدّد
 
رسالتي إلى الزوج المعدّد


*للأستاذة هناء الحكيم*
------


تداعب خيالك فكرة الزواج الثاني (أو الثالث أو الرابع)؟ تراود ذهنك فرحة العرس وما يتبع ذلك من متع غامضة؟ أستطيع أن أفهم بعض مشاعرك وإن لم أكن ذكراً ..


لن أسألك لماذا تعدد في الحقيقة .. لن أسألك هل أنت تعدد ترفاً، أو لحاجتك الفعلية للزواج. ربما لا تكفيك زوجة واحدة مثلاً إما بسبب طاقتك الجنسية القوية، أو لأنها ضعيفة البنية، أو لأن أعمالك كثيرة وسكرتيرة واحدة لا تكفي إضافة إلى كونها زوجة ومربية أطفال وطاهية وعشيقة وقد تكون موظفة أيضًا .. لن أسألك عن أسباب زواجك فليس من الحكمة السؤال عن كل شيء ، ومادمت قد حصلت على هذا الحق بموجب الشرع ابتلاءً لك ولزوجتك فلن نقول إلا ما يرضي الرب.

تعلم أنك بإقدامك على هذه الخطوة -التي أسأل الله أن يبارك لك فيها ويهبك خيرها ويكفيك شرها- ستفتح على نفسك أبواباً من النكد كنتَ غنياً عنه، ولكن الفكرة مسيطرة، و “أولاد الحلال” مشجعون، والنفس تواقة، ولابد من الإقدام، متمثلاً بقول الأول : “إذا هممت فبادر وإذا عزمت فثابر ، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر”، والكل لا يزال يتقدم للصفوف الأولى بتعدده، فلماذا ترضى أنت بالصف الآخر، فصبراً في مجال النكد صبراً, فما نيل كامل السعادة بمستطاع.

ولما كان العيش في نكد قطعة من عذاب كانت هذه الرسالة في نقاط، من أخت شفيقة، ولا يبعد أن تكون مجربة، تريد بها لك حياة أفضل وسعادة أقرب.. ليس هدفي إقناعك بصرف النظر عن التعدد فهذا أمر لا يخصني وقد يكون عندك هدف حقيقي ومقبول، وقد تكون ممن يحب تطبيق “السنّة”.. أقصد “بعض” أنواع السنة، ولكن هدفي – مادام أن هذا الأمر الجلل سيقع- أن أساعدك في تخطي هذه المرحلة بسلام ، فالسلام النفسي والحياة الطيبة هي ما ننشد .

1- رسالتي موجهة إلى نوع معين من الأزواج ، وهو الذي أحب زوجته الأولى بصدق، أو على الأقل يكنّ لها وداداً فلا يريد أن يكسر لها خاطراً أو يجرح لها شعوراً .. أما ذاك الجلف القاسي، الذي يعتبر المرأة خادماً أو رقيقاً أو دابة يقضي بها حوائجه فليس هنا مكانه ولا كرامة.

2- استصحب في رحلتك مع الزوجات فكرة أن الرجل والمرأة جنسان مختلفان، كالبر والشعير، كالتفاح والبرتقال.. هل ترى أن التفاح والبرتقال متماثلين؟ لن تستطيع أن تحكم على تفكير المرأة بنفس تفكيرك. فما تراه أنت منطقياً تراه هي سفهاً وغباء، وكلاكما محق. هذه القاعدة أساسية جداً في تبرير بعض رود أفعالها تجاه أفعالك، واستيعاب هذه القاعدة تجعلك أكثر تفهماً وبالتالي أكثر صبراً واحتواء، إذ من الأمور المهمة التي يجب أن تعرفها عن المرأة أنها إنسانة رقيقة ومحبة ومخلصة في العاطفة، وإذا آذاها من تحب فإنها تصفح وتغفر مراراً وتكراراً أملاً في صلاحه، حتى تصل إلى نقطة لا يمكنها بعد ذلك أن تصفح، وعندها يمكنها أن تنقلب تماماً لتكره وتحقد وتكيد، لو لم يردعها دين.

3- قبل أن تقدم على هذه الخطوة الفاصلة في حياتكما فإنه من الوجوب العيني عليك أن تتعلم أحكام التعدد لئلا تقع في أخطاء فادحة. وأعجب جداً من البعض الذين لا يرون في الزواج الثاني فرقاً عن الزواج الأول إلا في التسبيع للأبكار والتثليث للثيبات، فيقدمون عليه كالأغرار ليفاجؤوا بعد فترة أن الأمر أكبر من ذلك، ولو فقهوا حدث الرسول ﷺ “من كان له امرأتان فما إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل” لعلموا أن الأمر جلل ..

4- إياك أن تطلب من زوجتك أن تبحث لك عن زوجة ثانية أو تخطبها لك .. أفهم أنك تحب زوجتك حباً قوياً وأنكما متفاهمان ومتوادان لدرجة قد تنسيك أنها زوجتك. ربما شعرتَ للحظات أنها أمك أو أختك الكبرى، أو صديقك النصوح ففضفضت وطلبت منها أن تساعدك في مساعيك.. المشكلة أنها ليست أمك ولا أختك لا صديقك المخلص بالفعل ، وطلبك يطعنها في مشاعرها بشدة، في أنوثتها، في حبها وإخلاصها. قد لا تُظهر لك انزعاجها، قد لا تظهر لك إحساسها بالإهانة والاحتقار.. كونها من جنس مختلف لن يجعلها تشعر بحسن نواياك أبداً. قد تسكت، وتستمع لفضفضتك، بل وتساعدك في بحثك، ولكنها ستختزن ذلك للمستقبل وتذلك بهذه الورقة أبد الدهر!

5- ستمر زوجتك الأولى بآلام نفسية عظيمة منذ أن تعلم بخبر زواجك وسيؤدي ذلك إلى تغيرات كبيرة لم تكن تتخيلها. ستشعر بأنك طعنتها من الخلف، وهي التي لطالما أحسنت إليك. هل يحتاج أن أخبرك عن فضلها وإن قصّرَت؟ صبرت على ضيق أخلاقك وعلى قلة ذات اليد. لعلك كنت لازلت طالباً, لعلك كنت ذا مرتب ضعيف, لعلك كنت تسكن وإياها في حجرة عند أهلك، لطالما امتنعت عن أشياء كثيرة بسببك أو بسبب أولادك (هذا شيء لن يفهمه كثير من الأزواج الذين لا يثنيهم مرض أحد الأولاد أو الزوجة عن الخروج مع “العيال” للاستراحات أو حضور المباريات)، كفتك مؤنة النظر لأطفالك؛ تدريسهم والعناية بمتطلباتهم اليومية، و البحث عن تبريرات مقنعة تواجه بها اتهاماتهم لك بالتقصير، دافعت عن تقصيرك أمام أهلها – بل وربما أهلك أيضاً – وكافحت لتفي بجميع متطلباتك ، فلا يكوننّ حظها منك إذ ألحقتَ بها الأخرى الجحود والنكران. ستشعر بالخيانة والغدر وستنهار الدنيا أمامها. قد تغشاها سحابة كثيفة من الهم، قد تكثر من البكاء، قد تفضل العزلة والإنطواء، وكيف لا وقد أصيبت في مقتل في حبيبها وعشيقها، ويتأكد هذا الأمر لو كانت الأولى ذات عشرة طويلة.. كن رجلاً وتحمل؛ ضاعف لها جرعة الحنان، خذها في إجازة خاصة قبل زواجك -أو بعده- لتشعرها أنها لازالت عروساً بنظرك، أفِض عليها بعضاً مما رزقك الله واختزنته لزواجك الثاني، اترك لها مزيداً من الحرية في الخروج والدخول مادمت تثق بعقلها وأخلاقها، أشعِرها أنها الأولى والأخيرة وأن زواجك الثاني لن يغيرك عليها، وكن عند قولك! اصبر واغمرها بالحنان، ثم اصبر واغمرها بالحنان ثم اصبر واغمرها بالحنان حتى تتمكن من التكيف مع الأمر، ولتعلمَ أنك أيضاً تحاول التوازن مع الوضع الجديد، وستجدها –إن كنت حكيماً- قد رجعت زوجتك الحبيبة التي كنت تعرفها، إلا من شطحة هنا وهناك بين الحين والآخر.

بعض الأزواج تلتبس عليه الأمور ويعتقد أنه لابد أن “يذبح بِسَّهُ” في البيتين سواء، والذي يحصل أنه يلين الطرف “للجديدة” ليكسب ودها ويغلظ “للقديمة” لتقف عند حدها، وبذلك يكون هدم بخراقته وسوء تقديره صرحاً كبيراً شيدته هي بعرق جبينها ودموع لياليها. وكان الأجدر والأولى به أن يزيد من إكرام الأولى التي لطالما أكرمته ورعت وداده، فليست الثانية التي لم يَخبِرها بعد بأوْلى من الأولى بالهدايا والنزول في الفنادق الفاخرة وتناول العشاء في المطاعم الراقية، ولا يتحجج بأولادها الذين ترعاهم ويعيقونه عن “الاستمتاع” بها، فهم أولاده ويحملون اسمه، ولا يدري لعل مرده إليها في يوم من الأيام، وإليها فقط!

6- إياك والمقارنة بين الزوجتين سراً أو جهراً، فهذا ظلم للاثنين معاً. فإذا نقمت على الأولى قلة عنايتها بنفسها وانشغالها بأطفالك عن القيام بحقوقك فظلم وما على المحسنين من سبيل، وإذا نقمت على الثانية بطء فهمها وعدم معرفتها بما تحبه وتكرهه فظلم إذ لا زالت “جديدة” تجهلك، وصدقني أنهما تنقمان عليك طواماً ولكنهما ترعيان مشاعرك وتحترمان مقامك فلا يكوننّ هذا جزاءهما منك . انصح وذكّر باللطف وتحمل واصبر واعلم أن هذا من أمور القوامة، فالقائد الذي له النصيب الأكبر من الكعكة والذِكر الحسن عليه أن يتحمل أيضاً النصيب الأكبر من العمل وحمل الأعباء والسياسة الصائبة.

7- قدّر للغيرة قدرها عند الزوجتين. بعض الرجال يطلب من الزوجتين الالتقاء ببعضهما والمخالطة، بل والسكن في بيت واحد أحياناً. أعجز أن أفهم مايدور في ذهن الرجل وهو يطلب من زوجتيه هذا الطلب. هل يقصد أنهما سيتحابان بذلك ويعتادان على بعضيهما؟ هل يريد أن يريح نفسه من تغيير مكان مبيته وحمامه يومياً؟ أين تطبيق السنّة الذي رفع رايته عندما أظهر نيته في التعدد؟ هل أسكن النبي ﷺ زوجاته في بيت واحد وهم الذين كانوا في مجتمعٍ أَكَل وشرب وهضم فكرة التعدد؟ حينما تطلب من زوجتيك المخالطة فأنت تعيش في عالم من الأحلام السعيدة نسجته القصص التي انتشرت عن الزوجة الصالحة التي كانت تؤوي إليها أطفالها وأطفال “جارتها” لينعم “شهريارها” بالراحة في يومه عند الثانية، ثم تفعل الثانية الصالحة الشيء ذاته في يوم الأولى. ماذا عن الغيرة ؟ هل حسبت لها حساباً في أحلامك؟ الأولى تغار من الثانية و”تفترض” أن فيها كل المواصفات التي تفتقدها في نفسها : القد الحسن، خلوها من الأطفال المزعجين، الوقت الكافي لتتزين وتتثقف وتمارس هواياتها الشخصية، بل وربما تسافر مع الزوج لأنها “خالية”، والثانية تغار من الأولى التي تحفظ زوجها عن ظهر قلب، وتكفيها الإشارة لتفهم ما يريد. التي لا يزال زوجها يحبها ويقدمها علي الجميع، بل وربما أخطأ ونادى الثانية باسم الأولى، والأدهى أن يناديها باسم الأولى مرخمًا (اسم الدلع).

8- لا تحكِ لزوجتك عما يحدث بينك وبين الأخرى. أكرر، هي ليست أمك ولا أختك ولا صديقك الصدوق، وقد تصدر منك كلمة تجرحها أو تضايقها دون أن تلقي لذلك كبير بال. فضلاً تذكر النقطة الثانية عن اختلاف الجنسين. قد تظن أنك تريد مشورتها، لكن دعني أخبرك، مهما بلغت ديانة المرأة فإنه ليس من الحكمة أن تستشيرها في أمر الزوجة الأخرى، إذ هي خصم، والغيرة جبلّة قتّالة، والموفق من يعصمه الله، وأنت لا تعلم هل ستكون زوجتك من أولئك الموفقين أو لا.. أنصحك ألا تقامر!

9- لا تستمع إلى الكلام السيء الذي قد تصدره إحداهما عن الأخرى فهذا كلام أقران وكلام الأقران لا يُلتفت إليه ، والشيطان ينفث والغيرة تعصف .. كن رجلاً، واترك عنك ما تتكلمان به عن بعضهما البعض، بل كن رجلاً وتصدَّ بحزم لفعلهما وفي الوقت ذاته انظر في نفسك ما الذي دعاهما لهذا الكلام، لعلها كلمة ألقيتَها أشعلتَ بها نار الغيرة، ربما هدية خصصتَ بها إحداهما وعلمت بها الأخرى، ربما قرينات سوء، ربما ضعف تدين .. المهم ألا يترتب على هذا الكلام السيء تبعات في نفسك إلا البحث و التقصي عن السبب، ثم اتخاذ العلاج اللازم الحاسم .

10- أخيراً، لا تحمل في نفسك عليّ إن كنت أغلظت لك القول، ولكنك الطرف الأقوى في هذه المعادلة، وما خصك الله به من فضل لابد أن يُحمل على محمل التكليف لا التشريف، فالشريف شريف بفعله لا بمنصبه.



الساعة الآن : 09:20 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.54 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.69%)]