ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   اجلس إليهم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=241123)

ابوالوليد المسلم 23-09-2020 03:21 AM

اجلس إليهم
 
اجلس إليهم


ماجد محمد الوبيران



لا زلت أذكر تلك القصةَ التي وقعت لأحد الرجال الكبار - رحمه الله - والتي سمعتها منه وهو يرويها في مجلس حضرته وأنا صغير.



حيث ذكر أنه - وبعد خروجِه ذات مرة من مقر عمله في محكمة أبها، وفي طريق عودته إلى منزله في إحدى قرى عسير - رأى رجلاً مُسنًّا يقف على جانب الطريق، فما كان منه إلا أن توقَّف بسيارته عند ذلك الرجل، وبسؤاله عما يريد، أخبره بأنه يريد الذهاب إلى الفرعاء[1]، فما كان من راوي القصة إلا أن وافَق، كما هي عادة الرَّجل الشهم، بل وعرض عليه الذهاب معه إلى منزله؛ لتناول طعام الغداء، ومن ثم سيقوم بإيصاله إلى مبتغاه، وافق الشيخ، لكن بعد أن قال له: سأركب معك، وسأذهب معك إلى بيتك لأتناول من طعام غدائك، لكن بشروط ثلاثة!



فما كان من صاحب القصة إلا أن قال له: أنقلك بسيارتي إلى منزلي، وأطعمك من غدائي، وأوصلك بعدها إلى وجهتك، وتُملي عليَّ شروطك؟! ولأنه رجل شهم فقد وافق مباشرة بعد أن طلَب سماع الشروط.. فقال الرجل: الشروط هي: ألا تغدرَ بي، وألا تدعو معي على الطعام من يضايقني، وألا (تُلقمني)؛ أي: تُطعمني!



وافق صاحبنا ونقله إلى منزله البسيط، وأشار إلى أهل بيته أن يخصصوا للضيف جزءًا من غدائهم المُعد مسبقًا!



تناول الرجل الغداء مع مضيفه، وحين حان وقت العصر طلب الضيف من مضيفه أن يوصله إلى وجهته، وحين همَّا بالمضي قال المضيف صاحب القصة للضيف: حدثني عن شروطك الثلاثة ومعانيها؟!



فقال الرجل: طلبتُ إليك ألا تغدر بي؛ أي: لا تبالغ في إكرامي، كأن تقوم بذبح ذبيحة لا أستطيع إكرامَك بمثلها، وأنا لا أعرفك.. وطلبتُ ألا تدعو معي من يضايقني، وذلك بألا تُجلس أطفالك الصغار يأكلون معي ممَّن تخفى عليهم كثير من آداب الأكل.. وطلبتُ ألا تُلقمني، أي: لا تُشير عليَّ بالأكل من هذا، أو عليك بهذه، واترك هذه، وهكذا، بل اتركني آكلُ مما يطيب لي!



عرف راوي القصة تلك المعاني الجميلة لتلك الشروط الثلاثة، ومضى بالرجل إلى وجهته حيث أراد، ثم عاد إلى منزله وهو يفكِّر في كلام ذلك الشيخ الحكيم!



كان الناس فيما مضى لا يضعون حواجزَ في علاقاتهم بعضهم ببعض؛ فحياتهم كانت كريمة على الرغم من شدتها، وكانت ذات قِيمة على الرغم من بساطتها!



كبار السِّن يحملون كمًّا كبيرًا من الحكمة والقصص الهادفة؛ فهم أصحاب خبرة طويلة في الحياة عاشوها في فترات متباينة، وعاشوا انتقالات المجتمع، وتغيُّر أجياله، وأنماط حياته، وتداخل قبائله؛ لذا فهم جديرون بالاحترام والتقدير، والإحسان الدائم في معاملتهم، والإفادة مما لديهم من خبرات، وشبابُنا وفتياتنا هم أولى الفئات بهذا الدور، عليهم أن يهتبلوا كل فرصة في الجلوس إليهم بإبداء مشاعر الاحترام والتقدير والإفادة!





[1] الفرعاء: إحدى قرى منطقة عسير، تسكنها قبيلة شهران، كانت تُسمى القرعاء، جوها بديع، ومشهدها بهيج.




الساعة الآن : 08:18 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.85 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.18%)]