ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   أمانة الكلمة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=204263)

ابوالوليد المسلم 04-07-2019 03:29 AM

أمانة الكلمة
 
أمانة الكلمة


أ. د. عبدالله بن محمد الطيار


يقول الله - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار* يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 24-27].


ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً من رضوان الله، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً، يهوى بها في جهنم))؛ رواه البخاري، ومسلم.



كم من كلمة أفرحت وأخرى أحزنت، وكم من كلمة انشرح لها الصدر، وأنس بها الفؤاد، وأحس بسببها سعة الدنيا، وأخرى انقبضت لها النفس، واستوحشها القلب، وألقت قائلها أو سامعها في ضيق أو ضنك، فضاقت الدنيا على رحبها، وكم من كلمة آست جروحًا، وأخرى نكأت، وأحدثت حروقًا وآلامًا.



والكلمة في الإسلام ليست حركات يؤديها المرء، دون شعور يتبعها، بل إن الانضباط في الكلمة سمة من سمات المؤمنين الصادقين، وصدق الله - تعالى - إذ يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 1-3].



والمؤمن الحق يشعر بقيمة كلمته؛ حيث يعرف أنها معراج للطهر وسبيل إلى الصلاح، وفي ذلك أجمل عزاء حينما تنازعه نفسه؛ ليحارب أرباب الكلام في كثرته وتفلته، دون حسيب أو رقيب؛ يقول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا} [ الأحزاب: 70-71].



قال ابن كثير - رحمه الله -: "يقول الله - تعالى - آمرًا عباده المؤمنون بتقواه، وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه، وأن يقولوا قولاً سديدًا؛ أي: مستقيمًا لا اعوجاج فيه، ولا انحراف، ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك، أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم؛ أي: يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يغفر لهم ذنوبهم الماضية، وما قد يقع في المستقبل يلهمهم التوبة منه))؛ "تفسير ابن كثير"، (3/521).



ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((.. والكلمة الطيبة صدقة..))؛ رواه مسلم.

فعلى المؤمن أن يتعوَّد اللفظ الإسلامي، ويبتعد عن اللفظ الجاهلي، فبدلاً من أن يقول: لولا الله وفلان ما حدث كذا، فليقل: لولا الله ثم فلان، وبدلاً من بالرفاء والبنين في تهنئة الزواج، فليقل: بارك الله لكما وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير وعلى خير، وبدلاً من الحلف بالنبي والكعبة والأمانة وسيِّدي فلان، ووجه أمي وأبي أو غير ذلك، فليكن الحلف بلفظ الجلالة (الله) أو اسمًا من أسمائه - سبحانه وتعالى - أو صفة من صفاته، وبدلاً من قوله: شاءت الظروف أن يحدث كذا، فليقل: اقتضى قدر الله حدوث كذا، أو قول أحدهم الله: موجود في كل مكان ولا يحيط به مكان، وذلك عندما يُسأل: أين الله؟ والصحيح أن يقول: الله في السماء؛ كما ورد في صحيح مسلم وغيره مما كان سببًا في اعتناق الجارية المؤمنة والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [ البقرة: 83].

وكلمة الناس هنا تشمل المسلم واليهودي والنصراني والكافر وغيره، فإذا كان الله - جل وعلا - يأمرنا أن نحسن القول للناس جميعًا، فأول ما يجب أن نحسن القول له هو أولى بذلك من غيره المسلم؛ حيث نرى العجب من بعض الناس الذين يحسنون معاملة الكفار والهندوس الذين يعملون لديهم في حين أنهم يسيئون معاملة المسلمين، ويكيلون لهم السبائب والشتائم والألفاظ المقززة والاتهامات في الأخلاق، وغير ذلك مما لا ينبغي أن يجري على لسان مسلم، بل ربما وصلت المعاملة إلى الاستعباد وصدق الفروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين أنكر ذلك بقوله: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".

فهل آن الأوان أن يفيق المسلمون؟ وهل آن الأوان أن نفهم سنة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونحسن معاملة من يعملون لدينا، خاصة إذا كانوا ينطقون بكلمة التوحيد؟

وقد قال بعضهم: "إن الظالمين مهما ظلموا والفاسقين مهما فسقوا، ففيهم بذرة الخير ما داموا يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وما علينا نحن المسلمين إلا أن نحافظ على هذه البذرة ونمدها بالحياة والإنبات، فإن فشلنا في ذلك، فلا نلومنَّ إلا أنفسنا.

فأين المسلمون من هذا الفكر الراقي في معاملتهم لإخوانهم المسلمين؟

وإن سلامة الإيمان مرتبطة بنزاهة اللسان؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))؛ رواه البخاري، ومسلم.

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تتبعوا عورات الناس؛ فمن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، وفضحه ولو في بيته))؛ رواه البيهقي بلفظ ونحوه.

فعلى المسلم أن ينزه لسانه من كل قبيح، وما أجمل أن يجري على لسانه الذكر والتسبيح والتحميد والاستغفار وكلمة الحق، وما أقبح أن يجري على لسانه كلمة زور أو كذب أو غيبة أو نميمة، أو استهزاء واستخفاف بالناس، أو لعن أو إفشاء سر أخيه عند الخصومة.

وعلى المسلم أن يضبط لسانه عند الكلام عند الكلام أثناء الغضب أو الجدال، فربَّما طلق زوجته أثناء الغضب، فيكون قد أذى نفسه وأسرته ويندم ولات ساعة مندم.

وعلى المسلم أن يتورع ويتحرى في الفتوى ولا يقول على الله بغير علم؛ لأن في ذلك إثمًا عظيمًا؛ يقول الله - تعالى -: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

وصدق - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ يقول: ((مَن يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة))؛ رواه البخاري.

وصل اللهم وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



الساعة الآن : 11:23 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 9.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.55 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.97%)]