ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الطبي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=5)
-   -   شاهد عيان على الزهايمر (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=217319)

ابوالوليد المسلم 20-11-2019 09:21 PM

شاهد عيان على الزهايمر
 
شاهد عيان على الزهايمر


د. زهرة وهيب خدرج





"أُصيبَ جدي قبل وفاته بثمانية أعوام بالزهايمر (خرف الشيخوخة)، كنت صغيرة عندما لفت انتباهَنا جميعًا أن جدي أخَذ ينسى بشكل غير طبيعي، فقد أصبح يُمضي نهارَه يبحث عن نظارته؛ لأنه نسي أين وضَعها في اليوم السابق، وبدأ يميل إلى العزلة عن الآخرين، ويسأل دائمًا عن دوائه الذي تناوَلَه بعد وجبة الإفطار، ويعتقد باقيَ النهار أنه لم يتناوله، ما حدا بأبي أن يخبِّئه ويُشرف هو بنفسه على إعطائه إياه في الأوقات التي حدَّدها الطبيب، شخَّصه الأطباء بأنه مصاب بخرف الشيخوخة، الذي قالوا عنه لأبي: إنه عبارة عن تآكُلٍ وتلاشٍ في خلايا الدماغ، وقد وصَفوا له عدة علاجات، إلا أن وضعه أخَذ يتدهور مع الوقت، فقد أصبح مزاجيًّا جدًّا، سريع الغضب، لا يبتسم أبدًا، ملامحه دائمًا حزينة، لا يتذكَّر الأشياء التي تحدُث معه خلال اليوم، بينما يتذكَّر القصص التي حدَثت معه في طفولته وعند زواجه، حتى إن مَن حوله كانوا يستغربون جدًّا ويقولون: يتذكَّرُ أحداثَ ما قبل خمسين عامًا أو يزيد، وينسى ما حدَث معه اليومَ وأمسِ؟!

وكان سؤاله عن ابنه المغترب لا يكاد يُفارِقُ لسانه، وكان عمي يتصل به (من الدولة التي يعيش فيها)، وبعد أن يغلق الخط مباشرةً يعود جدي للسؤال عنه بإلحاح لا يتوقَّف، ولا يستطيع أن يتذكَّر أنه تحدَّث إليه قبل قليل.

وقبل عام ونصف من مفارقته للحياة، أصبح لا يستطيع الاعتناء بنفسه، فلم يعُد قادرًا على حلق ذقنه أو ارتداء ملابسه بشكل صحيح، فكثيرًا ما كان يرتديها مقلوبةً أو معكوسة.

وكان دائمًا يقف على حوض الماء يغسل يدَيْه بالماء والصابون لفترة طويلة، وينسى بعد لحظات أنه فعَل ذلك قبل دقائقَ؛ فيعود لغسلها مرات ومرات، حتى أصبح جلد يديه هشًّا جدًّا، سريع التشقُّق والنزف مع أقل ضربة.

تدهورتْ شهيتُه للطعام مع مرور الوقت حتى أصبح هزيلًا ونحيفًا جدًّا، وفي آخر أيامه ظَلَّ ما يقارب أسبوعًا من دون طعام، فقط القليل من قطرات الماء التي يبتلعها بصعوبة، حتى توفاه الله (رحمه الله)".

ويقول صديق: "تقاعدَتْ أمي من العمل عندما أصبحتْ في الستين من العمر، كانت حياتها قبل التقاعد عملًا دؤوبًا، ونشاطًا مستمرًّا، ونظامًا شديدًا، كانت تنام باكرًا لتصحوَ لصلاة الفجر، وتبقى مستيقظةً لتذهب إلى مدرستها؛ حيث تكون أولَ الحاضرات إليها.

بعد التقاعد تغيَّر كلُّ ذلك، فلم يعد لها عمل تمارسه، وغدَتْ حياتها فراغًا قاتلًا، فحتى الأعمال المنزلية كانت تقوم بها بناتُها أو زوجات أبنائها، فأصبحت تَغرَقُ في الحزن والكآبة وكأن حياتها فقَدَتْ معناها فجأة، كنا جميعًا نطلب منها أن ترتاح بعد هذا المشوارِ الطويل من الشقاء الذي عاشته في حياتها، ولكن بعد مضيِّ ثلاث سنوات من التقاعد، أخذت تُمضي نهارَها كلَّه جالسةً على كرسيها في حديقة المنزل أو أمام التلفاز مكتئبةً دون أن تتواصل مع أحد منا، ولم يعد لها شهيةٌ للطعام، وبدأت تنسى الوجوه بشكل كبير، فكانت ترى الشخص ولا تستطيع أن تتذكر مَن هو، حتى مع أقرب الناس إليها أو من كانت تعرِفهم جيدًا، كنا نتكلَّم إليها عن أشياءَ كثيرةٍ تخُص الأحفاد وبعضَ شؤوننا؛ عساها تُدخِل السرورَ إلى نفسها، فكانت تستمع لحديثنا بصمت، أو ترُد علينا أحيانًا بالقليل جدًّا من الكلمات، فيغلب علينا المَلَلُ، ما كان يحدو بأكثرنا أن ننطلق إلى شؤوننا وندَعها وحدها... كما أصبحت تمضي معظم الليل مستيقظةً، كنا قلقين لما يحدُث معها، حاولْنا كثيرًا أخْذَها إلى الطبيب، ولكنها كانت ترفض رفضًا قاطعًا.

أصبحت العزلةُ وقلة النوم والنسيان من أهم سماتها الشخصية في تلك الفترة، كانت تحاول الخروجَ من البيت لزيارة بعض صديقاتها، ولكنها كانت تضلُّ الطريق، فيُعيدها الناس إلينا وهي غاضبة منهم، ما اضطرنا إلى إغلاق باب البيت بالمفتاح باستمرار؛ حتى لا تخرُج دون علمنا فتُعرِّض نفسها للخطر.

كانت تنتابها نوباتُ غضب لأتفه الأسباب، فتثور علينا وتتَّهمنا بأننا لا نعبأ بها وبمشاعرها، كما لم تعُد تتفاعل معنا في شؤون الحياة.

أما أحفادها، فقد أصبحتْ تكرِّر سؤالها للواحد منهم كلما رأته: مَن أنت؟ ما اسمك؟ ابن من أنت؟ ماذا تفعل هنا؟ ... إلخ، الأمر الذي أصبح يُثير الكثيرَ من الأسئلة لدى هؤلاء الصغار، فيهرُبون من لقائها والحديث إليها.

كان جسمها قويًّا ومعافى، ولكنَّ عقلَها لم يكن كذلك، أخذت تبدو وكأنها عادت طفلةً صغيرة مرة أخرى؛ جسدُ مسنةٍ كبيرة بعقل طفلة صغيرة جدًّا...


ما كان يقض مضاجعَنا أنَّ وضعها لم يثبُت على حال، بل كان يسوء باستمرار، ويتراجع بسرعة للوراء، ماحيًا لقدراتها العقلية والسلوكية والمعرفية، وكأنها لم تكن قبل سنوات خمس فقط مديرةً مميزة لمدرسة ثانوية، تتخرَّج فيها في كل عام إحدى الطالبات اللواتي يتربَّعن على المركز الأول أو الثاني أو الثالث على مستوى القُطر.

كنتُ أسمع عن الزهايمر ولم أكن أعرف عنه الكثير، ولكن بعد معرفتي له عن قرب صرت أمقتُه بشِدة، وأخشى من فتكه بعقول الناس وقدراتهم...".




الساعة الآن : 01:29 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.23 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.13%)]