ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   حديث الثلاثين (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235545)

ابوالوليد المسلم 03-07-2020 01:52 AM

حديث الثلاثين
 
حديث الثلاثين


منير بن هادي



الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله، وعلى آله وصحْبِه وسلَّم.


تحدَّث أصحابي وقد تجاوزوا الثَّلاثين من أعْمارهم، فقالوا:
كنَّا - لمَّا كنَّا مراهقين - نشعُر بأنَّنا أقْوياء في كلِّ أحْوالنا، أقوياء في الالتِزام، في التديُّن، في البُكاء من خشْية الله، في غضِّ البصَر، رغْم أنَّ أبصارَنا الغضَّة، وأطْرافنا الطريَّة لَم ترتكِب جرمًا كبيرًا.

كنَّا نشعر حين ينظر إليْنا النَّاس أنَّهم يذكرون الله، بل شهِد بعضُهم لنا بالجنَّة، فكنَّا نعاقب أنفُسَنا ظنًّا منَّا أنَّها طيِّبات عُجِّلت لنا، أو أجرٌ فوّت علينا، فنستغْفِر ونخرُّ رُكَّعًا وسجودًا.

كنَّا ننظُر للمرآة، بل ننظُر لوجوهِنا في المرآة، بل ننظُر لمنابت الشَّعر في الذقَن واللِّحية والأصداغ، نبحَث عن شعرة تُشْعِرنا بالوقار، وتَمنحنا الهيبة، وتكون حرزًا لنا، وعلامة "ممنوع الاقتراب للفتن والمغريات".

كنَّا نتسابق على الصَّفّ الأوَّل، وربَّما حاولنا مرارًا الفوز بالسَّاعة الأولى من الجمُعة، كيف يكون المسجد فيها؟ كيف نفوِّت الأجر العظيم الَّذي في الحديث الصَّحيح: (( ... ثمَّ راح في السَّاعة الأولى فكأنَّما قرَّب بدنة، ومَن راح في السَّاعة الثَّانية فكأنَّما قرَّب بقرة، ومَن راح في السَّاعة الثَّالثة فكأنَّما قرَّب كبشًا أقرن، ومَن راح في السَّاعة الرَّابعة فكأنَّما قرَّب دجاجة، ومَن راح في السَّاعة الخامسة فكأنَّما قرَّب بيضة)).
سئِمْنا البيض، نُريد ما هو أعظم، وما عند الله خيرٌ وأبقى.

كنَّا نتقطَّع ألمًا لأحْوال الأمَّة الإسلاميَّة، نثقل كواهِلَنا بِهمومِها، ونُطيل لياليَنا بظُلمة ليلِها، وربَّما بكيْنا كثيرًا ودمعتْ عيونُنا على الفرش، حيث لا يرانا أحد، نبكي لعدم نُصْرة أخواتِنا المسلمات، وعدم إغاثة المستنجِدات، نحترِق دون أن نحرق، ونلتهب دون أن نصْلي أحدًا بلهب.

كنَّا نردِّد: "مَن تركَ السُّنن أوشك على ترْك الفرائض"، والسنن هي سور البيت، فإذا هوى السور لم يَجد البيتُ ما يَحميه فلقيه الضرر، وتآكل جدران البيت هو تآكُل الدِّين؛ لذا فالتشدُّد مطلوب "على أنفسنا" في السُّنن.

كنَّا نتمنَّى هداية كلِّ النَّاس، نغضب - وربَّما أحيانًا بطيشٍ - دافعُنا الغيرة والحُرقة، إن رأيْنا منكرًا، ورغْم أنَّ صورَنا لا تُوحي بتديُّن؛ بل هي للفِتْنة أكثر منها للأمر والنَّهي، ومع ذلك تجرَّأنا على هيْئاتِنا وأشْكالِنا؛ نصرةً للمعروف وحربًا على المنكرات في أيّ مكان.

كنَّا نرتعد حين نقَع في منكرٍ من المنكرات، نبكي طوال اللَّيل، ولم يرنا أحد، لا حين عملنا المنكَر ولا حين استغفرنا منْه.

كنَّا عطشى لفهْم كلِّ معالم الدين وتعاليمه، ومتيَّمون بحبِّ الله، لا نعشَق غيرَه، لَم تُخالط قلوبَنا رِيَب الغناء، ولم تَقْذ عيونَنا صورُ الحرام.

أمَّا الحور العين، فهي منتهى شهواتِنا وغاية رغباتِنا، لا نفكِّر حين تتحرَّك غرائزُنا إلاَّ فيها، ولا نَحلم بالوصال إلاَّ معها، بل مع اثْنتَين وسبعين لا واحدة.

لمَّا كنَّا أقرب من الحرام كنَّا بعيدين منه، ولمَّا كنَّا أقدر على المعصية تَجنَّبناها، ولمَّا كنَّا أعذر للوقوع في الفِتْنة هربْنا منها، ولمَّا كنَّا أقْوى على فِعْل المنكَر تظاهرْنا بالضَّعف عنْه.

فما بالُنا اليوم؟!





الساعة الآن : 08:41 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.38 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.11%)]