ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   الإعراض عن الله تعالى (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=222674)

ابوالوليد المسلم 18-01-2020 06:32 AM

الإعراض عن الله تعالى
 
الإعراض عن الله تعالى (1)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
معناه وأنواعه وأسبابه



الحمد لله رب العالمين؛ هدانا للإيمان والعمل الصالح، فألان له قلوبنا، وشرح به صدورنا، وخفف به همومنا، ورفع به مكانتنا، فالحمد لربنا كل الحمد إذ ﴿ هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ ﴾ [الأعراف:43] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ضل عن دينه من زاغت قلوبهم، وتعلقت بالدنيا نفوسهم؛ فلملذاتها يعيشون، وفيها يتنافسون، ومن أجلها يقتتلون.. لا يرجون داراً غيرها، ولا يصدقون بنعيم بعدها ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الرُّوم:7] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ هداه الله تعالى وهدى به ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشُّورى:52] فأخرج به من أطاعه من ظلمات الجهل والضلال والكفر والنفاق إلى أنوار العلم والهدى الإسلام والإيمان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحمدوه إذ خلقكم ورعاكم، واشكروه إذ اجتباكم فهداكم ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [البقرة:198].

أيها الناس: حين خلق الله تعالى عباده فإنه سبحانه ابتلاهم بدينه، وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وفرض عليهم شرائعه، وامتدح من أطاعه ووعدهم الجنة، وذم من عصاه ووعدهم النار؛ فكان البشر قسمين: ﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ﴾ [الأعراف:30] ومآلهم في الآخرة ﴿ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشُّورى:7].

ومن أعظم أسباب الضلال الذي يورد دار السعير: الإعراض عن الله تعالى، وعما بلغته رسله عليهم السلام من أمره ونهيه عز وجل، سواء كان إعراضاً كلياً، أم كان إعراضا جزئياً عن بعض أحكام الشريعة، ويُسمى الإعراض في القرآن تولياً ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ المُبِينُ ﴾ [النحل:82] ويسمى صدوداً ﴿ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء:61] ويسمى أفوكاً ﴿ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ [الذاريات:9] ويسمى إدباراً ﴿ [ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ﴾ [المدَّثر:23] كما يسمى إعراضاً ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [الشُّورى:48] والقرآن مليء بذكر هذه المفردات في الإخبار عن المعرضين وأحوالهم وأوصافهم وأقوالهم وعاقبتهم.

وأكثر المعرضين أعرضوا عن الله تعالى بعد إيضاح الحجة لهم، وارتفاع الجهل عنهم، فهم يكذبون بآيات الله تعالى ويعرضون عن دينه ﴿ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ﴾ [الأنعام:4-5]

والآية هنا تشمل كل آية كونية تدل على توحيد الله تعالى، كما تشمل كل آية قرآنية تدل على إعجاز القرآن، وأنه من عند الله سبحانه، فلزم العباد أن يعملوا بها ولكن أهل الكفر يعرضون عنها ﴿ وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ [الحجر:81]

ومن إخبار الله تعالى في إعراضهم عن الآيات الكونية قوله تعالى ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [يوسف:105].

ومن إخبار الله تعالى في إعراضهم عن الآيات القرآنية قوله تعالى ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون:71] ويتكرر منهم الإعراض مع كل آية قرآنية يوعظون بها ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾ [الشعراء:5].

ولا عذر لهم عند الله تعالى بعد قيام الحجة عليهم؛ لأن الخلل فيهم وفي أسماعهم وأبصارهم وعقولهم حين لم تبصر أعينهم آيات الله تعالى الكونية، ولم تستمع آذانهم لآياته القرآنية، ولم تذعن قلوبهم له بالعبودية ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال:22-23].

إن الأعراض عن الله تعالى سبب للجهل به سبحانه؛ فإن من أعرض عن التفكر في الآيات الكونية، مع إعراضه عن تدبر الآيات القرآنية، ولم يسع في معرفة ربه عز وجل حرم معرفته تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله، فكان سبب جهله بالله تعالى إعراضه عن آياته سبحانه ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء:24] فأكثر أهل الباطل جهلوا الحق فأعرضوا عنه، وقليل من أهل الباطل عرفوا الحق فجحدوه؛ ولذا فإن المعرضين في تاريخ البشر أكثر من الجاحدين.

وفي القرآن إنذار من الله تعالى لهم بالعذاب في الدنيا، وبالحساب في الآخرة، ولكنهم يعرضون عن هذا الإنذار، والأمم التي عذبت قبلنا كان سبب عذابها إعراضها عن إنذار الله تعالى لها بواسطة رسله عليهم السلام قال الله تعالى فيهم ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف:3] والله تعالى قد أنذر الناس عقوبته في الدنيا إن هم تمادوا في عصيانه، كما أنذرهم حسابه وعذابه في الآخرة على معاصيهم.

وتتمادى الغفلة بالناس حتى تقترب القيامة منهم وهم عن التفكر فيها معرضون، كما يدنو منهم الموت وهم عن تذكره أيضاً معرضون ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء:1].

وقد يقع الإعراض من العبد بعد الإيمان والإذعان والعلم بالله تعالى، وهذا أشد ما يكون قبحاً، وأعظم ما يكون كفراً؛ إذ كيف يستبين الحق للعبد، ويذوق حلاوة الإيمان، ثم يفارقه إلى ظلمات الباطل والكفر والنفاق، وسبب هذا الإعراض حظ من الدنيا يسيطر على العبد فيرديه؛ كما ذكر الله تعالى خبر المنسلخ عن آياته ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف:176].

ويكون الإعراض في بعض الأحيان عن أجزاء من الشريعة لا توافق هوى جماعة أو أفراد، فيعرضون عن حكم لا يريدونه، ويردون ما فيه من الأدلة إما ردا مباشرا، وإما بتأويلها وتحريف معانيها، وإما بضرب محكمها بمتشابهها، وهذا سبب للخذلان والانتكاس والردى، وقد يؤدي بصاحبه إلى الانسلاخ من أحكام الشريعة فلا يقبل منها إلا ما وافق هواه، ويعرض عما لا يوافق هواه. كما حصل لعبد أعرض عن فريضة الزكاة؛ لأنها لم توافق خلق البخل والشح عنده، فكان ذلك سبب نفاقه ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة:75-77].

ومن الناس من يقبل حكم الشريعة إن كان له، ويعرض عن حكمها إن كان عليه، وهذا أيضاً باب إلى النفاق ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ ﴾ [النور:48-50].

وتوافر النعم على العباد سبب للإعراض عن عزائم الشريعة، وتتبع رخصها؛ لأن الأوامر والنواهي مع توافر النعم ثقيلة على العباد؛ فهي تحد كثيراً من شهواتهم، وتضبط تمتعهم بما أنعم الله تعالى عليهم؛ ولأن كثيراً من العباد يلجئون إلى الله تعالى في الشدائد، لكنهم ينسونه في الرخاء، وفي هذا النوع من الإعراض يقول الله تعالى ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ﴾ [الإسراء:83] وفي آية أخرى ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾ [فصِّلت:51].

وأشد جرما من هؤلاء وأعظم إثماً من يعرضون عن الله تعالى حتى في الشدائد، والعذاب حري بأن ينزل بهم كما أصاب من قبلهم ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ [الأنعام:43-45] .

نعوذ بالله تعالى من الاستدراك على دينه، أو الاعتراض على شيء من شريعته، ونسأله سبحانه أن يرزقنا الإذعان والقبول والامتثال لأمره ونهيه ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ ﴾ [آل عمران:8].



الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى –عباد الله- وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران:131-132].

أيها المسلمون: المتأمل لأحوال المعرضين عن الله تعالى يجدهم على أنواع:
فمنهم من يعرض بلسانه وقلبه عن معرفة الله تعالى، والنظر في آياته الكونية أو سماع آياته الشرعية، وهو حال أغلب الكفار من شتى الملل. وقليل منهم من يعلم آيات الله تعالى فيعرض مع علمه بها، وهذا هو الجحود الذي وقع فيه فرعون فأخبر الله تعالى عنه بقوله ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل:14].

ومنهم يظهر القبول لشرع الله تعالى بلسانه لكنه يعترض عليه بقلبه، ويعرف ذلك في تصرفاته ولحن قوله، وهذا حال المنافقين قديماً وحديثاً، وكلما كثر اعتراض الشخص على أحكام الشريعة وردها وتأويلها كان ذلك دليلاً على مرض قلبه بالنفاق؛ كما أخبر الله تعالى عن المنافقين في العهد النبوي وميزهم بكثرة اعتراضاتهم على أحكامه سبحانه وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ سورة التوبة عرف ذلك.

ومن الناس من يذعن بقلبه ولسانه لكل الشريعة؛ لكنه يعترض على بعضها إما جهلاً بأنه من الشريعة، أو لهوى في نفسه أو تقليداً لأهل الجهل والهوى، وهذا على خطر عظيم أن يصاب بفتنة أو عذاب عاجل؛ لقول الله تعالى ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور:63].

ومن الناس من يعرض عن المواعظ والتذكير، ويشمئز منها، ولا يحب الاستماع إليها، وهذا في قلبه نوع من الاعتراض على ذكر الله تعالى، وفيه شبه بالمشركين والمنافقين، ويخشى عليه من سوء العاقبة، وشؤم الخاتمة، وقد وصف الله تعالى المشركين بقوله سبحانه ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزُّمر:45] وأخبر سبحانه أنهم يفرون من المواعظ فرار الحمر الوحشية من رماتها أو من الأسد لئلا تفترسها ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدَّثر:49-51].

قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: فيجب على المذكِر والمذكَر أن يعملا بمقتضى التذكرة وأن يتحفظا عن عدم المبالاة بها؛ لئلا يكونا حمارين من حمر جهنم.

والإعراض عن المواعظ والتذكير بكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم سبب لإعراض الله تعالى عن العبد؛ كما في حديث أبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هو جَالِسٌ في الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ معه إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ وَاحِدٌ قال فَوَقَفَا على رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فيها وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فلما فَرَغَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ألا أُخْبِرُكُمْ عن النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إلى الله فَآوَاهُ الله وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا الله منه وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ الله عنه رواه الشيخان.







ابوالوليد المسلم 18-01-2020 06:32 AM

رد: الإعراض عن الله تعالى
 
الإعراض عن الله تعالى (2)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



عقوبته في الدنيا والآخرة





الحمد لله العليم الحكيم؛ خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، وأوضح لهم دينه، وفصل لهم شريعته، وبين لهم حدوده، ووعد الطائعين أجرا عظيما، وفوزا كبيرا، وتوعد العاصين بعذاب أليم، وخسران مبين، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تعالى في مجده وملكه، وقهر الخلق بقدرته وأمره، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو القوي العزيز ï´؟ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ï´¾ [البقرة: 117] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، فمن تبعه فقد أفلح وأنجح، ومن أعرض عنه فقد خاب وخسر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباه إلى يوم الدين.



أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأقبلوا عليه، وتقربوا إليه؛ فإن من أعرض عنه شقي في الدنيا والآخرة، ومن تقرب إليه شبرا تقرب الله تعالى إليه ذراعا، ومن تقرب إليه ذراعا تقرب الله تعالى إليه باعا، ومن أتاه يمشي أتاه الله تعالى هرولة، وهو سبحانه قريب من عبده ما كان العبد قريبا منه ï´؟ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ï´¾ [البقرة: 186].



أيها الناس: أعظم سبب للسعادة في الدنيا والآخرة يكمن في الإقبال على الله تعالى، والاستسلام له سبحانه، والانقياد لشريعته، والقبول بأحكامه، والإذعان لأوامره. وأعظم سبب للشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة الإعراض عن الله تعالى، والاستنكاف عن عبادته، ورفض الخضوع لشريعته، والاعتراض على أحكامه وأوامره..



ومن قرأ القرآن وجده مليئا بالآيات المحذرة من الإعراض عن دين الله تعالى، والصدود عن سبيله، والاستكبار عن عبادته، والاعتراض على شيء من شريعته، وما يترتب على ذلك من عقوبات شديدة في الدنيا والآخرة على الأفراد والأمم.



فالإعراض عن الله تعالى وعن شريعته سبب لنزول العذاب في الدنيا، ورفع العافية، وإبدال النعم نقما، كما أخبر الله تعالى عن قوم سبأ وما هم فيه من نعيم الدنيا، ثم تحولت العافية عنهم، وأُبدل حالهم من النعمة إلى النقمة بسبب إعراضهم ï´؟ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ï´¾ [سبأ: 16].



وأُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينذر كفار مكة بسبب إعراضهم عن الله تعالى وعن دينه ما أصاب الأمم التي قبلهم من العذاب العاجل ï´؟ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ï´¾ [فصِّلت: 13]. وفي آية أخرى ï´؟ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ï´¾ [هود: 3] وقال تعالى ï´؟ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ï´¾ [الفتح: 16].



وأعظم عقوبة دنيوية تصيب أهل الإعراض عن الله تعالى أن يطمس على قلوبهم فلا تعي الذكر، ولا تبصر الحق، ولا يسير أصحابها فيما ينفعهم، بل يرتكسون في الكفر، ويرتمسون في النفاق والاستكبار، ويجادلون بالباطل، وفي هذا يقول الله تعالى ï´؟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ï´¾ [الكهف: 57].



فتأملوا -عباد الله- كيف جعل الله تعالى أهل الإعراض أظلم عباده، فلا أحد أشد ظلما منهم، وأخبر سبحانه أن قلوبهم مغطاة فلا تفقه التذكير، وأن آذانهم صم عن سماعه، فلا يهتدون بالقرآن مهما دعوا إليه، ومهما ذكروا به؛ وما ذاك إلا عقوبة من الله تعالى لهم على إعراضهم عنه سبحانه وتعالى. فيا لله العظيم كم في هذه الآية من عبرة عظيمة، وحجة قاطعة على قدرة الله تعالى؛ فكم يرى الناس من صدود المعرضين عن التذكير، ونفورهم من مواعظ القرآن الكريم، وضيق صدورهم حين يٌذكرون بآياته، فلا يطيقون ذلك ولا يتحملونه، ولا يعون ما فيه ولا يفقهونه، ويعترضون عليه بكلام الخلق، ولولا الأكنة على قلوبهم لتأثروا به واعتبروا واتعظوا.



كم من صاحب منكر يجادل عن منكره بالباطل، ويسوغه بحجج يعلم أنها متهافتة، وإذا ذكر بآيات الله تعالى التي تثبت أن ما يدعو إليه منكر لا يرضاه الله تعالى؛ ضاق صدره بآيات الله تعالى، ولم يحتمل سماعها، وأعرض عما فيها، وركب هواه، ووالله ما ذاك إلا إعراض عن الله تعالى وعن أحكامه، عوقب صاحبه بالخذلان والطغيان.



ومن عجيب أمر المعرضين أنهم قد يعلمون ذلك، ويدركون أنهم مصروفون عن الحق إلى الباطل، وعن الهدى إلى الضلال، ولكنهم لا يستطيعون اتباع الحق من الخذلان الذي حاق بهم؛ عقوبة لهم على إعراضهم ï´؟ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ï´¾ [فصِّلت: 4-5]



ومن عقوبة الله تعالى للمعرضين عنه سبحانه أنه يعرض عنهم، ويكلهم إلى أنفسهم الأمارة بالسوء، فتزين لهم سوء أعمالهم فتظنه حسنا وهو سيء، فتزداد ضلالا وإعراضا ï´؟ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ï´¾ [النساء: 115] ومعنى نوله ما تولى، أي: نتركه وشأنه لقلة الاكتراث به، وفي قصة الرجل الذي مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يذكر الناس فأعرض عن التذكير، وولى مدبرا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ((وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ الله عنه)) رواه الشيخان.



وأما عذاب الآخرة لأهل الإعراض عن الله تعالى وعن شريعته فشديد أليم، قد بينته آيات كثيرة في الكتاب العزيز ï´؟ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ حِمْلًا ï´¾ [طه: 99-101] والذكر هنا هو القرآن، ومن أعرض عنه فقد أعرض عن الله تعالى.. فحذار -عباد الله- من الإعراض عن القرآن تلاوة وحفظا، وتدبرا لآياته، وعملا بأحكامه؛ فإن المعرض عنه يحمل يوم القيامة وزرا، ومن يطيق ذلك؟!



وأهل الإعراض متوعدون بانتقام الله تعالى منهم، وأتعس الناس من انتقم الله تعالى منه ï´؟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ï´¾ [السجدة: 22].



وانتقامه سبحانه منهم يكون في الدنيا بما يصيبهم في أنفسهم وأهلهم وأموالهم، ويكون في الآخرة بالعذاب الشديد ï´؟ وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ï´¾ [فصِّلت: 16] قال قتادة رحمه الله تعالى: ((إياكم والإعراض عن ذكر الله فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة وأعوز أشد العوز...)).



وقال أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى: ((الاستقامة على الطريقة تقتضي إكمالَ النعمةِ وإكثارَ الراحةِ، والإعراضُ عن الله يُوجِب تَنَغُّصَ العَيْشِ ودوامَ العقوبة)).



نعوذ بالله تعالى من حال المعرضين عنه سبحانه، ونسأله تعالى دوام الإقبال عليه، والإنس به، والفرح بطاعته، إنه سميع مجيب.. وأقول قولي هذا.



الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.



أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ï´؟ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ï´¾ [البقرة: 123].



أيها المسلمون: قد يكون الإنسان من أهل الإعراض عن الله تعالى وهو لا يشعر بذلك؛ وذلك بأن يعرض عن شيء من الشريعة يخالف هواه، ويجادل فيه بالباطل ليدحض الحق، فيعاقب على ذلك بفساد قلبه، وارتكاسه في الإثم، ولربما انغمس في النفاق وهو لا يشعر، وقد حذر الله تعالى نبيه من ذلك فقال سبحانه ï´؟ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ï´¾ [المائدة: 49].



فحذر سبحانه من اتباع أهل الهوى في ترك شيء من الشريعة، أو تسويغ باطلهم، وبين تعالى أن من أعرض عن حكم من أحكام الشريعة عوقب على ذلك.. ومن العقوبة التي تصيبهم بهذا الذنب الخذلان الذي يكون سببا في الصدود عن الحق ورفضه، وتسويغ الباطل وتزيينه للناس، والدعوة إليه؛ ليكون جرم صاحبه مضاعفا، وعذابه أشد، نسأل الله تعالى العافية والسلامة.



وكم من شخص أعرض عن شيء من أحكام الله تعالى موافقة لهواه أو هوى من يرى مصلحته الدنيوية عنده، فعوقب على ذلك بالنفاق، أو الردة عن الإسلام، حتى قاد ذلك بعضهم إلى القدح في الله تعالى، والإلحاد في أسمائه وصفاته، ومعاداة أوليائه، ومولاة أعدائه، والطعن في دينه، والاستهزاء بشريعته.



والمتتبع لأحوال هؤلاء المناكفين للشريعة يجد أن بدايات هذا الزيغ الذي أصابهم كان إعراضا عن بعض أحكام الله تعالى، تطور إلى اعتراض عليها، ومن ثم استماتة في ردها، مع اتباع المتشابه من النصوص إلى أن وصل بهم إعراضهم إلى الزيغ والضلال، والاستهانة بالله تعالى، ورفض شريعته ï´؟ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا ï´¾ [البقرة: 10] ï´؟ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ ï´¾ [الصَّف: 5].



قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: ((ومبدأ البعد من الله هو المعاصي والإعراض عن الله بالإقبال على الحظوظ العاجلة والشهوات الحاضرة لا على الوجه المشروع)).



وقال الرازي رحمه الله تعالى: ((مطلع الخيرات وعنوان السعادات هو الإقبال على الله تعالى، ومطلع الآفات ورأس المخافات هو الإعراض عن الله تعالى، والبعد عن طاعته، والاجتناب عن خدمته)).



ومن احتسب على أهل الإعراض في إعراضهم عن الله تعالى، ورفضهم لشريعته أو لبعض أحكامها، وأمرهم بتعظيمها والتزامها؛ سلقوه بألسنتهم، وبارزوه بأقلامهم، وأكثروا الطعن فيه، والافتراء عليه؛ وذلك أن الله تعالى يسلطهم على أوليائه جزاء اعتراضهم على شريعته، ومن عادى لله تعالى وليا فقد آذنه بالمحاربة.



قال أبو تراب النخشبي رحمه الله تعالى: ((إذا ألف القلب الإعراض عن الله صحبه الوقيعة في أولياء الله)).



ولكن إلى أين يفرون من حساب الله تعالى وعذابه؟ وهل يغني عنهم شيئا من كانوا سببا في إعراضهم عن شريعة الله تعالى، واعتراضهم على أحكامه.. كلا والله، سيتبرأ بعضهم من بعض: سيتبرأ التابع من المتبوع.. وسيتبرأ المعرض عن أحكام الله تعالى من المزين له ذلك، والمسوغ له بالمتشابه..



ï´؟ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ الله وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ï´¾ [الأنعام: 157] ومن العذاب العاجل ما يجدونه في صدورهم من ضيق بالشريعة وأحكامها، ومن ضنك يجعل عيشهم مرّا ولو كانوا في الظاهر منعمين ï´؟ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ï´¾ [طه: 124].



قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ((رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله عز وجل، والإقبال على الدنيا)).



وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ الْإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَمَحَبَّةُ سِوَاهُ؛ فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ الله عُذِّبَ بِهِ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ، وَلَا أَكْسَفُ بَالًا، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا)).



فالحذر الحذر من الإعراض عن الله تعالى، أو الاعتراض على شيء من أحكامه؛ فإن تبعة ذلك كبيرة.. قد تصل بالإنسان إلى شقاء أبدي في الدنيا والآخرة.




الساعة الآن : 05:52 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 32.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.11 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.42%)]