ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   حقيقة الدنيا (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=216285)

ابوالوليد المسلم 09-11-2019 09:27 AM

حقيقة الدنيا
 
حقيقة الدنيا

مراد باخريصة






يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الحشر: 18 - 20].

إن الأيام تمر مر السحاب وأعمارنا آخذة في الذهاب والملائكة تكتب أعمالنا في كتاب والموعد يوم الحساب فماذا أعددنا ليوم الحساب قال تعالى ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].

عباد الله:
كيف نغفل عن يوم الحساب والأيام تسير بنا إلى قبرنا وكيف نلهو وأعمارنا تقودنا إلى حتفنا وكيف نأنس بالدنيا ونحن سنفارقها وكيف نأمن النار وكل واحد منا واردها. يا بن آدم صحتك تقودك إلى سقمك وحياتك تقودك إلى موتك ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 5، 6].

يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا).

جاء في صحيح البخاري من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك). يقول الحسن البصري - رحمه الله -: (لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه).

ويقول أحد الزهاد (لو كانت الدنيا ذهبًا يفنى والآخرة خزفًا يبقى لآثر العاقل خزفًا يبقى على ذهب يفنى فكيف والدنيا أقل من خزف والآخرة أكثر من ذهب) يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ ﴾ _ أي الدنيا _ ﴿ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 18، 19] ويقول سبحانه وتعالى ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ﴾[النجم: 29، 30] ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41].

لقد بيّن الله جل جلاله في كثير من الآيات دناءة الدنيا وخستها ووضح حقارتها وقلتها وكشف شأنها وقيمتها ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].

هذه هي حقيقة الدنيا حياتها عناء ونعيمها ابتلاء وعيشها نكد وصفوها كدر إما نعمة زائلة أو بلية نازلة أو منية قاضية حلالها حساب وحرامها عقاب من أخذ مالها من حل حوسب عليه ومن أخذه من حرام عذب به ومن أحبها أذلته ومن تبعها أعمته.

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).

دخل ابن السماك الزاهد العابد على أمير المؤمنين وخليفة المسلمين هارون الرشيد فقال له هارون عظني يا ابن السماك فقال له يا أمير المؤمنين هب أنك تسير في صحراء فنفذ ما معك من الزاد والماء فاشتد بك الظمأ حتى احترق جوفك فظللت تبحث عن الماء فلم تجد ماء فجاء لك رجل بكأس من الماء وقال لك يا أمير المؤمنين أستطيع أن أسقيك من هذا الكأس على أن تعطيني نصف ملكك فماذا تفعل؟ قال أعطيه نصف ملكي، قال هب أنك بعد أن شربت هذا الماء احتبس في جوفك فظل يؤرقك ويتعبك تريد أن تبول فلا تستطيع فجاء لك رجل فقال أنا أستطيع أن أخرج البول منك على أن تعطيني نصف ملكك الآخر فماذا تفعل قال أعطيه، قال فانظر يا أمير المؤمنين إلى هذا الملك الطويل العريض لا يساوي شربة وبولة.

هذه هي الدنيا التي نتهاوش عليها تهاوش الذئاب ونتهافت عليها تهافت الذباب ليس لها عند الله قيمة لو كان لها عند الله قيمة لما ترك أنبيائه وأوليائه يعذبون فيها ويعانون البلاء بعد البلاء يقول - صلى الله عليه وسلم - "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء".

قال بعض الصالحين: زهدت في الدنيا لقلة غنائها وكثرة عنائها وسرعة فنائها وخسة شركائها.

في الحديث الصحيح أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنه مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

الخطبة الثانية
علينا الاستعداد للرحيل والتهيؤ للقاء الملك الجليل فإن الله جل جلاله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها.

يجب علينا أن نبادر إلى الأعمال الصالحة قبل أن لا نقدر عليها ويحال بيننا وبينها وإذا حيل بين الإنسان وبين العمل الصالح فلن يبقى معه إلا الحسرة والندم وعندها لن ينفع الندم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11].

عباد الله:
إن نصيب الإنسان من الدنيا عمره فإن أحسن اغتنامه فقد ربحت تجارته وإن أساء اغتنامه فهو في الآخرة من الخاسرين والعاقل من حاسب نفسه وخاف من ذنوبه واعترف بخطيئته قبل أن تكون سببًا في هلاكه يقول أنس بن مالك رضي الله عنه (خط النبي صلى الله خطوطًا فقال هذا الإنسان وهذا أجله فبينما هو كذلك إذ جاء الخط الأقرب) يعني الموت وانتهاء الأجل رواه مسلم.

وليس المقصود أن نترك الدنيا أو نخشوشن في الملبس والمأكل فإن الخطر ليس هو ملك الدنيا وإنما الخطر هو حب الدنيا فإن الإنسان قد يملك الدنيا ولكنها لا تملكه ويستخدمها ولكنها لا تستخدمه يضعها في يده ولا يسكنها في قلبه يجعل الدنيا وسيلة لعمل الصالحات واستباق الخيرات ولا يجعلها غاية يركض ورائها ويعيش من أجلها ويضيع العبادة بسببها ويغفل عن لقاء الله بالانشغال بها كما هو حالنا والله المستعان قال تعالى ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ ﴾ [القيامة: 20، 21] ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: 16، 17].

يقول عبدالله بن الشخير - رضي الله عنه - وأرضاه أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر: 1] قال يقول ابنُ آدم مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)؛ رواه مسلم.



الساعة الآن : 01:45 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.98 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.72%)]