ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   الحث على تعاطي أسباب الرزق المشروعة والمباحة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=214416)

ابوالوليد المسلم 15-10-2019 01:31 AM

الحث على تعاطي أسباب الرزق المشروعة والمباحة
 
الحث على تعاطي أسباب الرزق المشروعة والمباحة





الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر





إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه.

أمَّا بعدُ:
فيا أيها الناس، اتَّقوا الله ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، فإن التقوى وصية الله للأوَّلين والآخرين، وأُسس دعوة المرسلين والنبيِّين، وزُبدة هداية الكتاب المبين، ألا وإن حقيقة التقوى فِعْلُ ما أمر الله به قدرَ الاستطاعة، واجتناب ما نهى الله عنه حال الانفراد أو في الجماعة، والتوبة إلى الله تعالى من كل خطيئة قبل الغَرغرة وقبل قيام الساعة، إلا وإنه مَن يتقي الله يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يَحتسب، ويعلِّمه الله ويجعل له من أمره يُسرًا، ويُكفِّر عنه سيِّئاته ويُعظِم له أجرًا، ويُنجيه من النار، ويُورثه الجنة مع الأخيار.

فاتقوا الله - عباد الله - فإنكم عما قليلٍ إلى ربِّكم منقلبون، وبين يديه مَوقفون، وبأعمالكم مَجزيون، وعلى تفريطكم نادمون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون.

عباد الله:
إن من أعظم خِصال التقوى، وموجبات الكرامة والعزة في الدنيا والأخرى - أن يتعاطى المرء سببًا من أسباب المعيشة؛ من صَنعة أو حِرفة يُتقنها، أو تجارة يُحسنها، أو فكرة ومُخترَع يَنفع بها مجتمعَه، ويَنتفع من ورائها، فتكون له وظيفة يُعِفُّ بها نفسه، ويَعول بها ذَوِيه، ويُفيد بها غيره ويُحسن بها إلى مَن يَليه، ويكون بها حرًّا غير مستعبد إلا لله وحْده خالقِه وباريه؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 267]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 32]، وقال - سبحانه -: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]، ولقد قرَن - سبحانه وتعالى - الذين يَضربون في الأرض يبتغون من فضْل الله بالمرضى أو المجاهدين في سبيل الله في العذر والفضل والأجر؛ قال - سبحانه -: ﴿ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20].

وكم صَحَّ فيها مِن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الحاثَّة على تعاطي أسباب الرزق بأنواع الكسْب وشريف الصناعات والمهن؛ مما يُغري العقلاء أن يجعلوا طلب الرزق مع التقوى من جليل العمل الصالح، وعظيم أسباب تحصيل المتجر الرابح.

وفي البخاري - رحمه الله - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لأَنْ يأخذَ أحدكم أحْبُلَه، ثم يأتي الجبل، فيأتي بحُزْمة من حطبٍ على ظهره، فيَبيعها، فيكُف الله بها وجهه - يعني عن الحاجة إلى الناس - خيرٌ له من أن يسأل الناس؛ أعْطَوه، أو منعوه)).

وفيه أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده)).

وفي صحيح مسلم - رحمه الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كان زكريا - عليه السلام - نجَّارًا)).

أيها المسلمون:
ولقد كان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يتعاطى أسباب الرزق، يَستغني بها عن مِنة الخلْق، ففي أول أمره قبل البعثة كان - صلى الله عليه وسلم - يرعى الغنم على قراريطَ لأهل مكة؛ أي: يرعى الغنم بأُجرة، ثم تعاطى - صلوات الله وسلامه عليه - التجارة بأموال خديجة - رضي الله عنها - عن طريق الرحلة إلى الشام، فاشتهر فيها - صلى الله عليه وسلم - بعظيم أمانته وحُسن تصريفه، ويُمْن تجارته، ورَجاحة عقله، وكرم سفارته، ثم لَمَّا بعَثه الله برسالته، وشرَع له الجهاد لتبليغ رسالته، ونشْر دعوته، جعَل الله رزقه تحت ظلِّ رُمحه، فأحلَّ له ولأُمته الغنائم، وجعَل له نصيبًا من الخُمس من سائر المغانم.


أيها المؤمنون:
فهذا نَزْرٌ يسير من كثير من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، توضِّح لكم وللعالم أجمعَ أن دين الإسلام دينُ بناءٍ وعمل، وأنه حرب على البطالة والكسل، دين يحمل أهلَه على الكسْب والجد في عمارة الأرض، ويجعل ذلك من قبيل المُستحب أو الفرض.

معشر المؤمنين:
ولقد كان لأهل الغنى واليسار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأثر العظيم في إظهار دين الله، عن طريق إعتاق العبيد على الإسلام وابتغاء ما عند الله، وتجهيز المقاتلين والجيوش لإعلاء كلمة الله، وإيواء المهاجرين والمستضعفين من عباد الله، حتى بُشِّروا بالمغفرة والجنة ورفيع الدرجات وجزيل المثوبة على هذا الإنفاق لله، وهم يمشون على الأرض قبل أن يَلْقَوا الله، وحسْبُكم تقرير النبي الكريم - عليه وعلى آله وأصحابه أكمل الصلاة وأزكى التسليم - للذين قالوا: ذهب أهل الدثور - أي: الأموال العظيمة - بالأجور والدرجات العلا والنعيم المُقيم، بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 4])).

أمة الإسلام:
وإنه لمن المُحزن جدًّا أن يظلَّ المجتمع عالة على أبناء غيره، في تجاراته وصناعاته، وفي بناء مساكنه وصيانة مُعداته، وفي خِدماته ومتنوّع حاجاته؛ من صيانة الأجهزة والمراكب، إلى ما يتعلق بالملابس والأثاث، وأمور المأكل والمشرب، وأبناؤه في غاية من قوة الشباب، ووجود الحاجة وتوفُّر الأسباب، لكنَّ كثيرًا منهم قد آثَر الكسل على العمل، ورضُوا بالاتكاليَّة والدونيَّة، والشكوى إلى الله - عز وجل - تجعل أول المطر.

فاتَّقوا الله أيها المؤمنون، واكْلفوا ما تُطيقون من العمل، واجعلوا طلب الرزق بالأعمال الشريفة والمِهن والأسباب المباحة - من صالح ما تتقرَّبون به إلى الله - عز وجل - فإن نبيَّكم - صلى الله عليه وسلم - قد صافَح رجلاً، فوجد في يده خشونة من العمل، فقال: ((إن هذه يمينٌ يحبُّها الله - عز وجل))، ورُوِي عنه أنه قال: ((مَن أمسى كالاًّ - أي: مُجهَدًا - من عمل يده، أمسى مغفورًا له)).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].

بارَك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهدى والبيان، آمين!




الساعة الآن : 12:45 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.32 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.82%)]