ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   رمضانيات (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=23)
-   -   مجالس رمضان (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=229326)

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:03 AM

مجالس رمضان
 
المجلس الأول : أهلاً رمضان



ما ألذه من شعور يكتنف قلوبنا ونحن في أول أيام شهر الخير والبركات . فها قد أظلنا شهر الكنوز العظيمة ، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار . سيد الشهور ، وميدان السباق والتنافس . يشمر فيه المشمرون ، ويغتنمه العاقلون ، ويفرح بقدومه المؤمنون ، { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} البقرة 185.
رمضان حديقة وارفة الظلال ، دانية الثمار ، يدخلها المؤمنون منذ أول ليلة منه ، فيقبلون بشوق وحماس ونشاط على كل ألوان العبادة والطاعات ، لأنهم يعلمون ما فيه من المزايا والرحمات.
كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يهنئ أصحابه بقدوم رمضان فيقول ( أتاكم رمضان شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبوا ب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين . لله فيه ليلة خير من ألف شهر . من حرم خيرها فقد حرم ) [ رواه النسائي ، وصححه الألباني ، صحيح الجامع 55 ]
وفي صحيح البخاري (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ) زاد مسلم ( وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) وفي رواية عند مسلم ( فتحت أبواب الرحمة )
وفي الحديث أيضاً (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين و مردة الجن و غلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب و فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب و ينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر و لله عتقاء من النار و ذلك كل ليلة ) رواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة وحسنه الألباني [ صحيح الجامع 759 ]
فيالها من بشارات عظيمة . بشارات للطائعين أن يستزيدوا فأبواب الجنة مفتوحة ، وبشرى للعاصين أن يرجعوا ويتوبوا فأبواب النار موصدة ، والرحمات متنزلة . وبشرى للعقلاء أن يغتنموا هذا الموسم فمردة الشياطين مغلولة مصفدة .
رمضان أيها الأحباب ؛ مدرسة للتعلم والتعليم ، والتوبة والإنابة ، ومحطة للتزود بالطاعات والنوافل . رمضان خلوة العابدين مع خالقهم في لياليه وأيامه ، وإخلاص لله وحده في الطاعات والصيام ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، الصوم لي وأنا أجزي به ) ، ودِربة للنفس على المجاهدة والصبر على الطاعات وترك العصيان .
رمضان فرصة للمغفرة ، فرصة للتوبة ، وغسل الأوزار والخطايا .
فيا فوز الطائعين ، ويا فوز الصائمين ، ويا فوز القائمين ، ويا فوز التالين الذاكرين .
دموع الفرحة تغمرني بقدومك يا رمضان ، لأن الله قد مدّ في عمري حتى بلغني إياك ، فأعلن توبتي ، وأعود إلى ربي ، فأستزيد من الطاعات ، في حين شهدت بعيني رحيل كثير ممن فاجأهم الموت وقد كانوا يؤملون قدومك يا رمضان .
دموع الفرحة تغمرني يا رمضان ، وأنا أتأمل في تلك العافية التي من الله بها عليّ لأتقوى بها على الطاعة ، وأستغلها في الصيام والقيام وتلاوة القرآن والاستزادة من النوافل والقربات . في حين أن البعض قد أقعدهم المرض فأذهب عنهم لذة هذه الفرحة .
دموع الفرحة تغمرني يا رمضان ، لأنني لازلت أشعر بألم تجاه رمضان الفائت ، الذي مرت أيامه متسارعة ولم أحصل فيها ما أردت من الخيرات ، وقد تثاقلت عن كثير من الحسنات ، وفرطت في القيام والطاعات ، فجئت يا رمضان لتعطيني فرصة وشحنة إيمانية لاستدراك ما فات.
فلماذا لا تدمع عيني وأنا في مثل هذا النعيم . لماذا لا تدمع عيني فرحاً وأنا أستقبل شهر الصيام والقيام والقرآن .
( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )
( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) هكذا قال عليه الصلاة والسلام .
فيا من أدرك هذا الشهر ، ها هو رمضان يناديك ، أقبل ، عد إلى ربك ، فمتى ستفيق من غفلتك ، ومتى ستنتبه من رقادك ، ومتى ستقبل على الله إن لم تقبل الان .
ألا ترى تهجد المتهجدين ، وتسمع تلاوة التالين ، وبكاء الخاشعين ، وأنين العائدين التائبين ، واستغفار المستغفرين .
اعقد العزم أخي ، واعقدي العزم أخيتي ، على الصيام والقيام والتوبة والاستكثار من الطاعات عسى أن نكون من المقبولين المعتقين .
وفقني الله وإياك للصيام والقيام وصالح الأعمال ، وبلغني وإياكم تمام الشهر ، وتقبل مني ومنكم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
منقول


ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:04 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثاني : رمضان.. أسرار وأثار


الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأكرمنا بفريضة الصيام، والصلاة على خير الأنام، نبينا محمد وعلى آله وصحبه السادة الكرام،...أما بعد:
فإن الإسلامَ دينُ تربيةٍ للملكات، والفضائل والكمالات، فهو يَعُد المسلم تلميذاً ملازماً في مدرسة الحياة، دائماً فيها، دائباً عليها، يتلقى فيها ما تقتضيه طبيعتُه من نقصٍ وكمال، وما تقضيه طبيعتُه من خيرٍ وشر,ومن ثَمَّ فهو يأخذهُ أخذَ المربي في مزيج من الرفق والعنف بامتحانات دورية متكررة، لا يخرج من امتحان إلا ليدخل في امتحان آخر، وفي هذه الامتحانات من الفوائد للمسلم ما لا يوجد عشرُه ولا مِعْشاره في الامتحانات المدرسية المعروفة.
وامتحاناتُ الإسلام تتجلى في هذه الشعائر المفروضةِ على المسلم، تلك الشعائر التي شرعت للتربية والتزكية والتعليم، لا ليضيَّق بها على المسلم، ولا لِيُجْعل عليه في الدين من حرج، ولكنَّ الإسلامَ يريد ليطهرَه بها، وينميَ ملكاتِ الخيرِ والرحمةِ فيه، وليقويَ إرادتَه وعزيمتَه في الإقدام على الخير، والإقلاع عن الشر، ويروضَه على الفضائل الشاقة كالصبر والثبات، والحزم والعزم والنظام، وليحرِرَه من تعبُّد الشهوات له ومَلكِها لعنانه.
وفي كل فريضةٍ من فرائض الإسلام امتحانٌ لإيمان المسلم وعقله وإرادته، غيرَ أن الصيامَ أعسرُها امتحاناً؛ لأنه مقاومة عنيفة لسلطان الشهوات الجسمية، فعليه تروَّض النفوس المطمئنة، وبه تروض النفوس الجامحة، فمدتُه شهرٌ قمريٌّ متتابعٌ، وصورتُهُ الكاملةُ فطمٌ عن شهوات البطن والفرج، واللسان والأذن والعين, وكلُّ ما نقص من أجزاء ذلك الفطام فهو نقصٌ في حقيقة الصيام، كما جاءت بذلك الآثار عن صاحب الشريعة، وكما تقتضيه الحكمةُ الجامعةُ من معنى الصوم.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» رواه البخاري -1761- (6/457), ومسلم -1943- (6/16).. أي وقاية.
ففي الصومِ وقايةٌ من المأثم، ووقايةٌ من الوقوع في عذاب الآخرة، ووقاية من العلل والأدواء الناشئة عن الإفراط في تناول الملذات.
إذا المرء لم يتركْ طعاماً يُحِبُّـهُ ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيث يمما
فيوشك أن تلقى له الدهر سُبَّةً إذا ذُكِرَتْ أمثالها تملأ الفما
لا يتوهم المسلمُ أن حقيقةَ الصومِ إمساكٌ عن بعض الشهوات في النهار ثم يعقبه انهماكٌ في جميع الشهوات في الليل؛ فإن الذي نشاهده من آثار هذا الصوم إجاعةُ البطنِ، وإظماءُ الكبدِ، وفتورُ الأعضاءِ وانقباضُ الأساريرِ، وبذاءة ُ اللسانِ، وسرعةُ الانفعالِ، واتخاذُ الصومِ شفيعاً فيما لا يُحَبُّ من الجهر بالسيئ من القول، وعذراً فيما تَبْدُرُ به البوادرُ من اللّجاج والخصام، والأيمان الفاجرة.
كَلا إن الصومَ لا يَكْمُل ولا تَتِمُّ حقيقتُه، ولا تظهر حِكَمُهُ، ولا آثاره إلا بالفطام عن جميع الشهوات الموزعةِ على الجوارح؛ فللأذن شهواتٌ في الاستماع، وللعين شهوات من مدِّ النظر وتسريحه، وللِّسان شهواتٌ في الغيبة والنميمة ولذاتٌ في الكذب واللغو.
وإن شهواتِ اللسانِ لَتربو على شهوات الجوارح كلها، وإن له لضراوةً بتلك الشهوات لا يستطيع حَبْسَهُ عنها إلا الموفقون من أهل العزائم القوية.

أيها الصائم:
صومُ رمضان محكٌّ للإرادات النفسية، وقمعٌ للشهوات الجسمية، ورمزٌ للتعبد من صورته العليا، ورياضةٌ شاقةٌ على هجر اللذائذ والطيبات، وتدريبٌ منظمٌ على تحملِ المكروه من جوع وعطش، ونطقٍ بحقٍّ، وسكوتٍ عن باطل.
والصومُ درسٌ مفيدٌ في سياسة المرء لنفسه، وَتَحكُّمِهُ في أهوائه، وضبطِه بالجد لنوازع الهزل واللغو والعبث.
وهو تربيةٌ عمليةٌ لخلُقِ الرحمةِ بالعاجز المعدم؛ فلولا الصيامُ لما ذاق الأغنياء الواجدون ألمَ الجوع، ولما تصوروا ما يفعله الجوعُ بالجائعين.
وفي الإدراكاتِ النفسيةِ جوانبُ لا يغني فيها السماعُ عن الوجدان؛ فلو أن جائعاً ظل وبات على الطّوى خمس ليال، ووقف خمساً أخرى يصور للأغنياء البِطَانِ ما فعله الجوعُ بأمعائه وأعصابه، وكان حالُه أبلغَ في التعبير من مقاله, لما بلغ في التأثير فيهم ما تبلغه جوعةٌ واحدةٌ في نفس غنيٍّ مترف, ولذلك كان نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يدارسه جبريل القرآن، فرسولُ الله أجودُ بالخير من الريح المرسلة.

أيها الصائم
رمضان نفحاتٌ إلهيةٌ تَهُبُّ على العالم الأرضي في كل عام قمريٍّ مرةً، وصفحةٌ سماويةٌ تتجلى على أهل الأرض فتجلو لهم من صفات الله عطفَه وبرَّه، ومن لطائف الإسلام حِكمتَه وسرَّه؛ فلينظرِ المسلمون أين حظهم من تلك النفحة، وأين مكانُهم من تلك الصفحة. ورمضانُ مستشفى زمانيّ يجد فيه كل مريض دواءَ دائه، حيث يستشفي فيه مرضى البخلِ بالإحسان، ومرضى البِطْنةِ بالجوع والعطش، ومرضى الخصاصةِ والجوع بالكفاية والشِّبَع.
شهرُ رمضانَ عند الأَيْقاظ المُتَذَكِّرين شهرُ التجلياتِ الرحمانية على القلوب المؤمنة ينضحها بالرحمة، ويفيض عليها بالرَّوح ويأخذها بالمواعظ، فإذا هي كأعواد الربيع جِدَّةً ونُضْرَةً، وطراوةً وخُضْرةً.
وإنها لحكمةٍ أن كان شهراً قمريّاً لا شمسيّاً، ليكون ربيعاً للنفوس، متنقلاً على الفصول، فيروِّض النفوس على الشدة في الاعتدال، وعلى الاعتدال في الشدة, ثم إن رمضانَ يحرك النفوسَ إلى الخير، ويسكِّنها عن الشر، فتكون أجود بالخير من الريح المرسلة، وأبعد عن الشر من الطفولة البريئة.
ورمضانُ يطلق النفوسَ من أسر العادات، ويحررُها من رق الشهوات، ويجتث منها فسادَ الطباع، ورعونةَ الغرائز، ويطوفُ عليها في أيامه بمحكمات الصبر، وَمُثبِّتات العزيمة، وفي لياليه بأسباب الاتصال بالله، والقرب منه.

عبد الله:
إن الصومَ ينمِّي في النفوس رعايةَ الأمانة، والإخلاصَ في العمل، وألا يراعى فيه غيرُ وجهِ الله -تعالى- وهذه فضيلةٌ عظمى تقضي على رذائل المداهنة والرياء والنفاق. والصومُ من أكبر الحوافز لتحقيق التقوى، وأحسنِ الطرق الموصلة إليها؛ ولهذا السر خُتِمتْ آياتُ الصومِ بقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة (183) .
شهرُ الصيام يربي في النفوس مكارمَ الأخلاقِ، ومحاسنَ الأعمالِ، فيبعثها إلى بر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الأهل والجيران.
ومن أثر الصيام على النفوس حصولُ الصحة العامة بجميع معانيها، ففيه صحةٌ بدنيةٌ حسيةٌ، وفيه صحةٌ روحيةٌ معنويةٌ، وفيه صحةٌ فكريةٌ ذهنية, فالصحة البدنية تأتي من كون الصيام يقضي على المواد المترسبة في البدن، ولا سيما أبدان أولي النَّعمة والنَّهْمة والتُّخمة وقليلي العمل والحركة؛ فقد قال الأطباء: إن الصيام يحفظ الرطوباتِ الطارئةَ، ويطهر الأمعاءَ من فساد السموم التي تحدثها البِطْنة، ويحول دون كثرةِ الشحوم التي لها خطرها على القلب، فهو كتضمير الخيل الذي يزيدها قوةً على الكر والفر.
وأما الصحةُ المعنويةُ فكما تقدم من أن الصوم من أعظم ما تصح به القلوب، وتزكو به الأرواح.
وأما الصحة الفكرية فتأتي من أثر الصيام الصحيح، حيث يحصل به حسنُ التفكير، وسلامةُ النظرةِ، والتدبرُ في أمر الله ونهيه وحكمته.
وبذلك يصح للصائم تفكيرُه، ويستنير بنور ربه، ويستجيب لنداءاته، ويحقق طاعته، فيخرج من صيامه بنفس جديدة، وفكر نيِّر، يسلم به من وصْف البهيمية، ويصعد في مراتب السعادة والسيادة درجات.
عباد الله:
إن لكل عبادة في الإسلام حِكمةً أو حِكَماً يظهر بعضها بالنص عليه، أو بأدنى عملٍ عقلي، وقد يخفى بعضُها إلا على المتأملين المتعمقين في التفكر والتدبر، والموفقين في الاستجلاء، والاستنباط.
والحكمةُ الجامعةُ في العباداتِ كلِّها هي تزكيةُ النفوسِ، وتطهيرُها من النقائص، وتصفيتُها من الكُدُراتِ وإعدادُها للكمال الإنساني، وتقريبُها للملأ الأعلى، وتلطيفُ كثافَتِها الحيوانيةِ اللازمةِ لها من أصل الجِبِلَّة، وتغذيتُها بالمعاني السماوية الطاهرة؛ فالإسلام ينظر للإنسان على أنه كائنٌ وسطٌ ذو قابليةٍ للصفاء الملكي، والكدرِ الحيواني، وذو تركيبٍ يَجْمَعُ حَمَأ الأرضِ، وإشراقَ السماء، وقد أوتي العقل والإرادة والتمييز؛ ليسعد في الحياتين المنظورة والمذخورة، أو يشقى بهما.
ولكل عبادة في الإسلام تُؤدَّى على وجهِها المشروعِ، أو بمعناها الحقيقي آثارٌ في النفوس، تختلف باختلاف العابدين في صدق التوجه، واستجماع الخواطر، واستحضار العلاقة بالمعبود.
والعباداتُ إذا لم تعطِ آثارَها في أعمالِ الإنسان الظاهرة فهي عبادة مدخولة أو جسم بلا روح.

أيها الصائم:
لقد بين الله سبحانه وتعالى لنا بعضاً من أسرار التشريع وحكم التكليف في آيات كثيرة من كتابه المبين ؛ شحذًا للأذهان أن تفكر وتعمل، وإيماء إلى أن هذا التشريعَ الإلهيَّ الخالدَ لم يقم إلا على ما يحقق للناس مصلحة، أو يدفع عنهم ضرراً، وليزداد إقبال النفوس على الدين قوة إلى قوة.
وحين أمرنا بالصيام ذَكَرَ حكمتَهُ وفائدتَه الجامعةَ بكلمة واحدة من كلامه المعجز، فقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة (183) .
فالتقوى هي الحكمة الجامعة من تشريع الصيام, بل انظر إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن آداب الصائم –كما في الصحيحين-: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ-أي وقاية- وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ» رواه البخاري -1771- (6/474), ومسلم -1944- (ج 6 / ص 17). فقد قدم الحكمة من الصيام ثم بين آدابه؛ ليكون أوقع في النفس، وأعمق أثراً.
وما دام الإسلام لا يتنكَّر للعقل، ولا يخاطب الناس إلا بما يتفق مع التفكير السليم، والمنطق القويم ولا يأمر من التشريع بشيء إلا إذا كانت المصلحة تحتِّم العمل به أو تركه-لم يكن علينا من حرجٍ حين ننظرُ في أسرار التشريع وبيان فوائده. وما برح الناسُ في كل عصر يرون من فوائد التشريع ما يتفق مع تفكيرهم، ومصالحهم, وهذا دليل على أن هذا التشريع من لدن حكيم خبير، أحسن كل شيء خَلْقَهُ ثم هدى.
أخي الصائم:
ينفرد الصوم من بين العبادات بأنه قمعٌ للغرائز عن الاسترسال في الشهوات، التي هي أصل البلاء على الروح والبدن، وفطمٌ لأمهات الجوارح عن أمهات الملذات ، ولا مؤدِّبَ للإنسان كالكبح لضراوة الغرائز فيه، والحدِّ من سلطان الشهوات عليه.
بل هو في الحقيقة نصرٌ له على هذه العوامل التي تُدَسِّي نفسه، وتبعده عن الكمال.
وكما يحسن في عُرْف التربية أن يؤخذ الصغيرُ بالشدة في بعض الأحيان، وأن يعاقب بالحرمان من بعض ما تمليه عليه نفسه-فإنه يجب في التربية الدينية للكبار المكلفين أن يؤخذوا بالشدة في أحيان متقاربة كمواقيت الصلاة {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} سورة البقرة (45) .
أو متباعدة كشهر رمضان، إن في الصوم جوعاً للبطن، وشبعاً للروح، وإضواءً للجسم، وتقوية للقلب، وهبوطاً باللذة، وسموًّا بالنَّفْس.
في الصوم يجِدُ المؤمنُ فراغًا لمناجاة ربه والاتصال به، والإقبال عليه والأنس بذكره وتلاوة كتابه.
هذه بعضُ أسرارِ الصومِ وآثارِه، وهذا هو ما كان يفهمه السلفُ الصالحُ من معاني الصوم، وبذلك كانوا معجزة الإسلام في الثبات على الحق والدعوة إليه والتخلق به، فلم تر الإنسانية من يضاهيهم بسمو أنفسهم ونبل غاياتهم وبعد هممهم وإشراقةِ أرواحهم وهدايةِ قلوبهم وحسنِ أخلاقهم.
إنه لجدير بالصائم أن يستحضر هذه المعاني، وأن يكون له من صيامه أوفر الحظ والنصيب، وألا يفعل بعد إفطاره، أو نهاية شهره ما يُخِلُّ بهذه القوة أو يوهِنُها، فَيهدِم في ليله ما بناه في نهاره، وفي نهاية شهره ما بناه في شهره؛ فما أسعد الصائم، وما أحزمه لو اغتنم شهر الصيام، وجعله مدرسةً يتدرب فيها على هجر مألوفاته التي اعتاد عليها.
وإنْ هو عكس الأمرَ، فصار يتأفف على ما حَرَمَهُ منه الصيامُ، ويتلهف لساعة الإفطار؛ ليسارع إلى تناول مألوفاته، المضرَّةِ به، فقد ضيع الحزمَ والعزمَ، وبرهن على خوره، وضعف نفسه، وقلةِ فائدته من صيامه.
اللهم أفِضْ علينا من جودك وكرمك، ولا تحرمنا بركاتِ هذا الشهرِ الكريم، واجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب، واجعلنا ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين .
دروس رمضان –للشيخ/ محمد إبراهيم الحمد (1/96-100).



ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:04 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثالث : الصيام ـ تعريفه، زمنه، فضله


الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة، كما في حديث جبريل لما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أخبرني عن الإسلام، فقال: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان))1 الحديث.
وكما في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بني الإسلام على خمس .. - وذكر منها - وصوم رمضان..)2 الحديث.
إذاً فالصوم من أعظم أركان الدين وأوثق قوانين الشرع المتين، به قهر النفس الأمارة بالسوء، وهو مركب من أعمال القلب, ومن المنع عن المآكل والمشارب والمناكح عامة يومه ، وهو أجمل الخصال، غير أنه أشق التكاليف على النفوس فاقتضت الحكمة الإلهية أن يبدأ في التكاليف بالأخف, وهو الصلاة تمريناً للمكلف ورياضة له ثم يثني بالوسط وهو الزكاة، ويثلث بالأشق وهو الصوم وإليه وقعت الإشارة في مقام المدح والترتيب { وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} (35) سورة الأحزاب.
وها نحن في شهر رمضان المبارك الذي فرض الله صومه على كل مسلم مكلف ، فالصيام فيه شعيرة ظاهرة ، وعبادة واجبة ، لذا كان من المناسب الحديث عن هذه العبادة العظيمة ، وما فيها من فضائل وحكم وأسرار .
تعريف الصيام:
الصيام في اللغة: هو الإمساك والامتناع، ومنه قول مريم عليها السلام: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} سورة مريم 26.
ويستعمل في كل إمساك, يقال: صام: إذا سكت, وصامت الخيل: وقفت، ومنه قول الشاعر:
خـيل صيـام وخـيل غـير صائمـة *** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
فهذا هو معناه، يعني مثل إمساك الخيل عن علك اللجام، هو تركها له، وكذلك الإمساك في اللغة: هو الترك. والإمساك عن كل شيء من الكلام والطعام، وجاء به الشرع في أشياء مخصوصة.
والصيام في الشرع: هو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات - (حقيقة أو حكماً) كمن أكل ناسياً فإنه ممسك حكماً - من طلوع الفجر الثاني إلي غروب الشمس.
فالصوم الشرعي: إمساك وامتناع إرادي عن الطعام والشراب ومباشرة النساء، وما في حكمهم خلال يوم كامل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى.
قال تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتّى يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللَيْلِ} (سورة البقرة- آية187).
وهو كما سبق ركن من أركان الإسلام، كما ثبت في ذلك أخبار عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأجمع العلماء على وجوبه بشروط بينوها، كغيره من واجبات الشرع.
وتجري علية الأحكام الخمسة من الوجوب والإباحة والمسنون والمحرم والصيام المحرم كصيام العيدين.
والمقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية، فالجوع يكسر من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة، وهو كذلك يضيق مجاري الشيطان، وهو سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه سواه، وقبل ذلك كله هو عبادة لله، فالصائم يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله، وذلك حقيقة الصيام.
زمن فرضية الصيام:
وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد صام تسع رمضانات، وفرض أولاً على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم، وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا الصيام، فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً، ورخص للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا، وللحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك، فإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، فإن فطرهما لم يكن لخوف مرض، وإنما كان مع الصحة فجبر بإطعام ثلاثين مسكيناً، كفطر الصحيح في أول الإسلام.
ووقت الصوم من حين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لقوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (187) سورة البقرة، والخيطان: بياض النهار وسواد الليل.

فضل الصيام:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((..ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه))3
وعن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -عز وجل-: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزى به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)).4
وقال أيضاً: ((إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، فلا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد))5
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان))6
وعن أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يصوم عبد يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفًا))7
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لما حضر رمضان: ((قد جاءكم شهر مبارك افترض عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم))8
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).9
والصيام باب من أبواب الخير: فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (( ألا أدلك على أبواب الخير؟!)) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((الصوم جنة، والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار ))10
والصيام لا مثل له: فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، مرني بأمر ينفعني الله به. قال: (( عليك بالصيام، فإنه لا مثل له))11
والصوم باب يؤدي إلى التقوى: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة
وكلما أكثر المرء من الصيام باعد الله بينه وبين النار: فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً)).
فهذا في صيام يوم واحد، فكيف بمن صام يوماً وأفطر يوماً، أو صام الاثنين والخميس ، وثلاثة أيام من كل شهر؟!
ومن فضائل الصيام أن دعاء الصائم مستجاب، ولكل مسلم في كل يوم من رمضان دعوة مستجابة: فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة- يعني في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة))12.
وقد قال تعالى: في أثناء آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة، ليرغب الصائم بكثرة الدعاء.
وهذه من فضائل الصيام مطلقاً وهي في شهر رمضان آكد ؛ لأن صيام رمضان هو أشرف أنواع الصيام وأفضلها. قال الحافظ ابن رجب: ( فلما كان الصيام في نفسه مضاعفاً أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال، كان صيام شهر رمضان مضاعفاً على سائر الصيام، لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني عليها).
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا من فضله ، ويسبغ علينا نعمه ، ويجعلنا ممن يصوم ويقوم إيماناً واحتساباً ، ويغفر لنا ويعتقنا من النار إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 - صحيح مسلم - (ج 1 / ص 87 - 9 )

2 - صحيح البخاري - (ج 1 / ص 11 - 7 ) و صحيح مسلم - (ج 1 / ص 102 – 20)

3 - صحيح البخاري - (ج 1 / ص 67 - 37) وفي (ج 6 / ص 468 - 1768) وفي (ج 7 / ص 140 - 1875) وصحيح مسلم - (ج 4 / ص 146 - 1268)

4 - صحيح البخاري - (ج 6 / ص 474 – 1771) وصحيح مسلم - (ج 6 / ص 17 - 1944)

5 - صحيح البخاري - (ج 6 / ص 461 - 1763) وصحيح مسلم - (ج 6 / ص 20 – 1947)

6 - مسند أحمد - (ج 13 / ص 375 - 6337) وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 238 - 984)( حسن صحيح )

7 - سنن الترمذي - (ج 6 / ص 166 - 1548) و سنن النسائي - (ج 7 / ص 436 - 2219) ومسند أحمد - (ج 22 / ص 323 – 10778) وقال الألباني: صحيح ، انظر ابن ماجة ( 1717 )

8 - سنن النسائي - (ج 7 / ص 256 - 2079) ومسند أحمد - (ج 14 / ص 392 - 6851) وتحقيق الألباني:
صحيح ، التعليق الرغيب ( 2 / 69 ) ، المشكاة ( 1962 ) ، صحيح الجامع ( 55 )

9 - صحيح مسلم - (ج 2 / ص 23 – 344)

10- سنن الترمذي - (ج 9 / ص 202 - 2541) وسنن ابن ماجه - (ج 11 / ص 469 – 3963) تحقيق الألباني: صحيح ، ابن ماجة (3973 )

11 - - سنن النسائي - (ج 7 / ص 406 - 2191) وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح وضعيف سنن النسائي - (ج 5 / ص 365) ( 2220 )

12 - مسند أحمد - (ج 15 / ص 179 - 7138 ) وقال الألباني ( صحيح لغيره ) انظر صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 242)
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:06 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الرابع : الإخلاص سر الصيام


ما أروع الصيام وأحلى معانيه ، تتجلى فيه عبادة من أعظم عبادات القلب ، ألا وهي إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى . ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) البينة 5 .
الصيام خصه الله تعالى لنفسه ( الصوم لي وأنا أجزي به ) إذ هو عبادة لا يطلع على حقيقتها وصحتها إلا الله سبحانه وتعالى . من ذا الذي يطلع على الصائم إذا خلا بنفسه أأكمل صومه أم لا إلا الله عز وجل . والإخلاص هو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك.
وقيل: هو أن يخلص قلبه لله فلا يبقى فيه شرك لغير الله، فيكون الله محبوب قلبه، ومعبود قلبه، ومقصود قلبه فقط
وقيل: الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء أن يكون ظاهره خيراً من باطنه.
وقيل: الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
ومن هُنا تأتي أهمية الصوم ومعناه الكبير ! إذ كُل عبادةٍ سواه قد يدخلها الرياء حتى الصلاة خير الأعمال قد يدخلها الرياء .
فما أحوجنا إلى الصيام نتعلم فيه الإخلاص . قال الإمام أحمد رحمه الله : لا رياء في الصوم.
فلا يدخله الرياء في فعله، من صفى صفى له، ومن كدّر كدّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفي في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفي في ليله، وإنما يكال للعبد كما كال.
الإخلاص مطلب ملح ، وعمل قلبي واجب ، لا منزلة لأعمال العبد بدونه ، كيف لا ؛ ومدار قبول الأعمال وردها عليه ، بالإخلاص والمتابعة تقبل الأعمال ، وبضده يحبط العمل .
قال تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} سورة الزمرَ ( 2 ـ 3 ) . وقال تعالى:{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي فاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ} سورة الزمر (15- 14 )
وقد جمع الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في سلم الوصول شرطي قبول العمل ، فقال:
شرط قبول السعي أن يجتمعا*** فيه إصابة وإخلاص معـاً
لله رب العـرش لا سـواه***موافق الشرع الذي ارتضاه
وكـل ما خـالف للوحيـين *** فإنـه رد بغـير مـين
قال تعالى :{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} سورة الملك(2). قال الفضيل بن عياض - رحمه الله- أخلصه وأصوبه. قالو: ما أخلصته وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة؛ ثم قرأ قوله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} سورة الكهف(110).
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} سورة النساء (125) . وإسلام الوجه هو: إخلاص القصد والعمل لله، والإحسان فيه متابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وسننه.
الإخلاص فيه زكاء للنفس ، وانشراح للصدر ، وطهارة للقلب ، وتعلق بمالك الملك ، المطلع على السرائر والضمائر.
الإخلاص مسك القلب، وماء حياته، ومدار الفلاح كله عليه.
إذا اطلع الخبير البصير على الضمير فلم يجد في الضمير غير الخبير، جعل فيه سراجاً منيراً.
سئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله- عن الصدق والإخلاص؟ فقال: بهذا ارتفع القوم.
نعم بضاعة الآخرة لا يرتفع فيها إلا مخلص صادق! .
إنما تحفظ هذه الأمة وتنصر بإخلاص رجالها!
أيها الأحبة:
إن العمل وإن كان يسيراً إذا صاحبه إخلاص فإنه يثمر ويزداد ويستمر، وإذا كان كثيراً ولم يصاحبه إخلاص فإنه لا يثمر ولا يستمر، وقد قيل: ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله زال وانفصل..
قال ابن القيم - رحمه الله – في الفوائد : "العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه".
الإخلاص ثمرته عظيمة ، وفوائده جليلة ، والأعمال المقترنة به مباركة:
الإخلاص هو الأساس في قبول الأعمال والأقوال.
الإخلاص هو الأساس في قبول الدعاء.
الإخلاص يرفع منزلة الإنسان في الدنيا والآخرة.
الإخلاص يبعد عن الإنسان الوساوس والأوهام.
الإخلاص يحرر العبد من عبودية غير الله..
الإخلاص يقوي العلاقات الاجتماعية وينصر الله به الأمة.
الإخلاص يفرج شدائد الإنسان في الدنيا والآخرة.
الإخلاص يحقق طمأنينة القلب وانشراح الصدر
الإخلاص يقوي إيمان الإنسان ويُكرِّه إليه الفسوق والعصيان..
الإخلاص تعظم به بركة الأعمال الصغيرة ، وبفواته تَحقُر الأعمال العظيمة .
لقد عرف السائرون إلى الله تعالى أهمية الإخلاص فجاهدوا أنفسهم في تحقيقه ، وعالجوا نياتهم في سبيله .
يقول سفيان الثوري رحمه الله : " ما عالجتُ شيئاً عليّ أشد من نيتي ، إنها تتقلب عليّ " .
وقال عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين فغسلوه؛ جعلوا ينظرن إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.
وعن محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل.
وهذا إمام أهل السنة أحمد بن حنبل يقول عنه تلميذه أبوبكر المروزي: كنت مع أبي عبد الله نحواً من أربعة أشهر، بالعسكر، وكان لا يدع قيام الليل، وقراءات النهار، فما علمت بختمة ختمها، وكان يُسر بذلك.
وقال محمد بن واسع: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة، قد بل ما تحت خده من دموعه، لا تشعر به امرأته، ولقد أدركت رجالاً، يقوم أحدهم في الصف، فتسيل دموعه على خده، ولا يشعر به الذي جنبه.
وقال الشافعي رحمه الله: وددت أن الخلق تعلموا هذا – يقصد علمه- على أن لا ينسب إلى حرف منه.
أخي الصائم :
ما أحوجنا للتدرب على الإخلاص في هذا الشهر الكريم ، ومجاهدة النفس على طرد العجب والتخلص من أي تعلق للقلب بغير المولى جل وعلا.
من استحضر عظمة الخالق هان عليه نظر المخلوقين وثناؤهم ، ومن تعلق قلبه بالدار الآخرة هانت عليه الدنيا وملذاتها .
مساكين من أبطلوا أعمالهم بالشرك الخفي .. مساكين من أذهبوا ثوابهم بالرياء وإرادة الثواب العاجل . { من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } النساء 134 .
{ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون } [ هود 15 – 16 ]
((قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه)) رواه مسلم
شجرةُ الإخلاص أصلُها ثابت وفرعها في السماء . ثمرتها رضوان الله ومحبته وقبول العمل ورفعة الدرجات .
وأما شجرة الرياء فاجتُثت لخبثها فأصبحت هباء منثورا، لا ينتفع بها صاحبها ولا يرتفع ، يناديه مناد يوم يجمع الله الأولين والآخرين : من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك.
لريح المخلصين عطرية القبول، وللمرائي سموم النسيم.
نفاقُ المنافقين صير موضع المسجد كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار والقمامات. ( لا تقم فيه أبداً )
وإخلاصُ المُخلصين رفع المساكين منازل فأبر الله قسمهم ( رُبَّ أشعث أغبر ) .
كم بذل نفسَه مُراءٍ لتمدَحَهُ الخلائق فذهبت والمدح ، ولو بذلها للحق لبقيت والذِكر .
المُرائي يحشو جراب العمل رملاً فيُثقلُه ولا ينفعه .. ريح الرياء جيفة تتحامى مسها القلوب.
لما أخذ دُود القزّ ينسُجُ أقبلت العنكبوت تتشبه وقالت : لك نسجٌ ولي نسج ، فقالت دُودةُ القز : ولكن نسجي أرديَةُ بناتِ المُلوك ونسجُكِ شبكة الذباب ، وعند مسّ النسيجين يبين الفرق .
الإخلاص أخي الصائم .. فيه الخلاص من ذل العبودية للخلق إلى عز العبودية للخالق
الإخلاص أخي الصائم .. فيه الخلاص من نار تلظى .. ورقي في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
الإخلاص أخي الصائم .. شجرة مورقة .. وثمرة يانعة .. بها تنال النفس أعلى المراتب .. وتتبوأ أسنى المطالب
رزقنا الله وإياك صلاح العمل .. وإخلاص النية .. وكتبنا جميعاً من المقبولين والمعتقين من النيران.

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:08 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الخامس : من أحوال السلف في رمضان


لقد خص الله عز وجل شهر رمضان بالكثير من الخصائص والفضائل ، فهو شهر نزول القرآن ، وهو شهر التوبة والمغفرة وتكفير الذنوب والسيئات وفيه العتق من النار ، وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، وهو شهر الجود والإحسان وهو شهر الدعاء المستجاب.
لذا فقد عرف السلف الصالح قيمة هذا الموسم المبارك فشمروا فيه عن ساعد الجد واجتهدوا في العمل الصالح طمعا في مرضاة الله ورجاء في تحصيل ثوابه.
فتعال أخي الكريم نستعرض بعض أحوال السلف في رمضان وكيف كانت همّتهم وعزيمتهم وجدّهم في العبادة لنلحق بذلك الركب ونكون من عرف حقّ هذا الشهر فعمل له وشمّر
وقبل أن نشير إلى حال السلف مع رمضان نشير إلى حال قدوة السلف، بل إلى قدوة الناس أجمعين، محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل -عليه الصلاة والسلام- يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجـود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيـه الصدقة، والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر، والاعتكاف. وكان يخص رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة" زاد المعاد في هدي خير العباد(2/30)..
لقد كان السلف الصالح يهتمون برمضان اهتماماً بالغاً، ويحرصون على استغلاله في الطاعات والقربات، كانوا سباقين إلى الخير، تائبين إلى الله من الخطايا في كل حين، فما من مجال من مجالات البر إلا ولهم فيه اليد الطولى، وخاصة في مواسم الخيرات، ومضاعفة الحسنات، لقد ثبت أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
وقال عبدالعزيز بن أبي داود : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم : أيقبل منهم أم لا ؟
السلف والقرآن في رمضان :
نجد أن حال السلف مع القرآن في رمضان حال المستنفر نفسه لارتقاء المعالي؛ فهذا الإمام البخاري -رحمه الله- كان إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن. وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند الإفطار كل ليلة ويقول: عند كل الختم؛ دعوة مستجابة. صفة الصفوة(4/170).
وروي عن الشافعي أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة، قال الربيع: "كان الشافعي يختم كل شهر ثلاثين ختمة، وفي رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة". صفة الصفوة(2/255)
وقد يتبادر إلى ذهن أحدنا إشكال فيقول قد جاء النهي عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في ذم من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، فكيف هؤلاء العلماء يخالفون ذلك؟، يقول ابن رجب -رحمه الله-: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم". يعني من السلف الذين كانوا يقرؤون القرآن في أقل من ثلاث ليال وذلك في رمضان وخاصة في العشر الأواخر.
السلف والقيام في رمضان :
قيام الليل هو دأب الصالحين وتجارة المؤمنين وعمل الفائزين ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم فيشكون إليه أحوالهم ويسألونه من فضله فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها عاكفة على مناجاة بارئهاتتنسم من تلك النفحات وتقتبس من أنوار تلك القربات وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
وقد أدرك سلفنا الصالح هذه المعاني العظام ، فنصبوا أقدامهم في محراب الإيمان ، يمضون نهارهم بالصيام ، ويحيون ليلهم بالقيام ،
ذكر الحافظ الذهبي عن أبي محمد اللبان أنه: "أدرك رمضان سنة سبع وعشرين وأربعمائة ببغداد فصلّى بالناس التراويح في جميع الشهر فكان إذا فرغها لا يزال يصلي في المسجد إلى الفجر، فإذا صلى درّس أصحابه. وكان يقول: لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلاً ولا نهاراً. وكان ورده لنفسه سبعا مرتلاً"
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام فيقوم إلى مصلاه.
وكان طاوس يثب من على فراشه ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول : طيّر ذكر جهنم نوم العابدين
عن السائب بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان فكان القاريء يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلاّ في فروع الفجر . أخرجه البيهقي
وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر . أخرجه مالك في الموطأ.
وعن أبي عثمان النهدي قال: أمر عمر بثلاثة قراء يقرؤون في رمضان فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس وعشرين وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين . أخرجه عبد الرزاق في المصنف
وعن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هرمز قال: كان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف عنهم . أخرجه البيهقي
وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوة من ماء ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح. أخرجه البيهقي
وعن نافع بن عمر بن عبد الله قال: سمعت ابن أبي ملكية يقول: كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها وما يبلغني أنّ أحدا يسثقل ذلك . أخرجه ابن أبي شيبة
وعن عبد الصمد قال حدثنا أبو الأشهب قال: كان أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان لكل عشرة أيام
وعن يزيد بن خصفة عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة قال: وكانوا يقرؤون بالمائتين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام . أخرجه البيهقي
السلف والجود في رمضان
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة » متفق عليه
قال المهلب: وفيه بركة أعمال الخير وأن بعضها يفتح بعضا ويعين على بعض ألا ترى أن بركة الصيام ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي صلى الله عليه وسلم وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسلة
وقال ابن رجب: قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصّوم والصلاة عن مكاسبهم .
وكان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلاّ مع المساكين . وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل .

السلف وتنوع القربات
وقد كان للسلف في كل باب من أبواب القربات أوفر الحظ، وكانوا يحفظون صيامهم من الضياع في القيل والقال وكثرة السؤال . لذا تجد ;كثيراً منهم قد لازم المسجد ليحفظ صيامه وينقطع عن الناس ويتفرغ للعبادة.
عن طلق بن قيس قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: إذا صمت فتحفظ ما استطعت .وكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلاّ لصلاة . أخرجه ابن أبي شيبة
وكانوا حريصين على استثمار أوقاتهم ، واغتنام ساعات الليل والنهار كما مر معنا . وكان أحدهم أشح على وقته من صاحب المال على ماله . قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي.
وقال ابن القيم رحمه الله : إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها
وخلاصة رمضان السلف: الإمساك عن تعاطي جميع المفطرات الحسية والمعنوية، وفعل ما يرضي الله، يحتسبون نومتهم كما يحتسبون قومتهم، يتنافسون في الطاعات والقربات، ويفرون من مقاربة المعاصي والسيئات، يحفظون صيامهم من جميع المفطرات، يعملون بكتاب الله وسنة رسوله، ويوصي بعضهم بعضاً بألا يكون يوم صوم أحدهم كيوم فطره، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء".فلا بد أن نذكر أنفسنا بشيء من حياتهم، حتى يزداد إيماننا، وتقوى صلتنا بخالقنا، وحتى تقوى عزائمنا، وتشحذ هممنا، فنقتدي بهم -نرجو من الله ذلك-.
نسأل الله أن يجعلنا متأسين بسنة نبه صلى الله عليه وسلم ، مهتدين بهديه ، نسير على ما سار عليه صالحوا سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان . وأن يستعملنا في طاعته، ويجنبنا معصيته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يوفقنا لقيام رمضان وصيامه إيماناً واحتساباً ويتقبله منا، ويجعلنا ممن وفق لقيام ليلة القدر، وأن يعلي هممنا، ويقينا شرور أنفسنا. آمين اللهم آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:09 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس السادس : رمضان شهر الدعاء

( الدعاء هو العبادة) ، هكذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح .
شأن الدعاء عظيم، ونفعه عميم، ومكانته عالية في الدين، فما استجلبت النعم بمثله ولا استدفعت النقم بمثله، ذلك أنه يتضمن توحيد الله، وإفراده بالعبادة، وهذا رأس الأمر، وأصل الدين.
وإن شهرَ رمضانَ لفرصةٌ سانحة، ومناسبة كريمة مباركة يتقرب فيها العبد إلى ربه بسائر القربات، وعلى رأسها الدعاء؛ ذلكم أن مواطن الدعاء، ومظانَّ الإجابة تكثر في هذا الشهر؛ فلا غَرْوَ أن يُكْثِر المسلمون فيه من الدعاء.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة- يعني في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة)) رواه أحمد وقال الألباني: صحيح لغيره
ولعل هذا هو السر في ذكره تعالى للأية الكريمة الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام :{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة 186 إرشاداً إلى الاجتهاد في الدعاء وسؤال الله من فضله العظيم في كل وقت وعند كل إفطار وفي السحر وعلى كل حال.
الدعاء: هو أن يطلبَ الداعي ما ينفعُه وما يكشف ضُرَّه؛ وحقيقته إظهار الافتقار إلى الله، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمةُ العبوديةِ، واستشعارُ الذلةِ البشرية، وفيه معنى الثناءِ على الله -عز وجل- وإضافةِ الجود والكرم إليه. لذا أمر الله عباده به ، ولفت أنظارهم إليه ، ورغبهم فيه ، وحثهم عليه . قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}1. وقال تعالى: {ادعوا بكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين} الأعراف 55-56. أي ترغيب وأي نداء علوي كهذا ، يدعوك ويقول لك رحمتي قريبة منك ، ادعوني أستجب لك ، اسألني أعطك ، خف مني واطمع في ثوابي وإحساني ، فأي خسارة يخسرها من اسكبر عن الدعاء أو زهد فيه ؟!
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الدعاء هو العبادة قال ربكم : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ))2، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن ربكم -تبارك وتعالى- حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا)3(، وعن عبادة بن الصامت قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم))، فقال رجل من القوم: إذا نكثر؟ قال: ((الله أكثر))4.
وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل)). قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أرَ يستجاب لي! فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء))5 وقال صلى الله عليه وسلم: ((القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله -أيها الناس- فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل))6.

إن للدعاء أهمية عظيمة، إذ إنه هو العبادة، وقمة الإيمان، ولذة المناجاة بين العبد وربه، والدعاء سهم صائب، إذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها، راغبة فيما عنده، لم يكن لها دون عرش الله مكان.
جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية، والنظر في مصالح المسلمين، ثم اتجه إلى الله وقال:"اللهم قد كبرت سني، ووهنت قوتي، وفشت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون، واكتب لي الشهادة في سبيلك، والموت في بلد رسولك".9
انظروا إلى هذا الدعاء، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء، إنها الهمم العالية، والنفوس الكبيرة، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب، ويخطب وده الجميع، حتى قال فيه القائل:
يا من يرى عمرًا تكسوه بردته

والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقًا

من بأسه وملوك الروم تخشاه
ماذا يرجو عمر من الله في دعائه؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته، وثقل الواجبات والأعباء، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن، والتقصير في حق الأمة، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله، والموت في بلد رسوله، فما أجمل هذه الغاية، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون مثواه بجواره. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه
يقول معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا، فات نصيبك من الآخرة، وأنت من الدنيا على خطر".
وصدق الله : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} 10.
فهلم نكثر من الدعاء ، ولا نفتر عنه ، وندعوا الله ونحن موقنون بالإجابة ،ونحرص على الأخذ بآداب الدعاء التي تزيد في أجره، وتغلب إجابته، فإن للدعاء آداباً واجبة ومستحبة، لها أثر بالغ في تحصيل المطلوب والأمن من المرهوب.
وأول آداب الدعاء وأوجبها أن يخلص العبد في دعائه لله -تعالى- فلا يدعو معه أحداً بل يدعوه وحده لا شريك له كما أمر الله بذلك: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} 11. فدعاء غير الله وسؤاله كدعاء الأموات مثلاً أو الأحياء، شرك تحبط به الأعمال ويجنى به غضب الله الواحد القهار، : {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} 12.
ومن آداب الدعاء دعاء الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى والثناء عليه وحمده كما قال -تعالى-: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 13. ثم بعد ذلك الصلاة على خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم .
ومن آداب الدعاء أخي الصائم: الدعاء بالخير والبعد عن الإثم وقطيعة الرحم والاستعجال، ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي))14 ويقول: ((قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)) 15.
ومن آداب الدعاء: حسن الظن بالله -تعالى- فإن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة))16 قال عمر رضي الله عنه: أنا لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فمن ألهم الدعاء فإن الإجابة معه.
ومن الأسباب المهمة التي تحصل بها إجابة الدعاء إطابة المأكل والمشرب والملبس. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً،ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك))17.
ومن الأسباب أيضاً: تحري أوقات إجابة الدعاء، وذلك نحو الدعاء في شهر رمضان عامة وفي ليلة القدر خاصة، وجوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات، وبين الأذان والإقامة، وساعة من كل ليلة، وعند النداء للصلوات المكتوبة، وعند نزول الغيث، وعند زحف الصفوف في سبيل الله، وساعة من يوم الجمعة، وأرجح الأقوال فيها أنها آخر ساعة من ساعات العصر يوم الجمعة وقد تكون ساعة الخطبة والصلاة، وعند شرب ماء زمزم مع النية الصادقة، وفي السجود، وعند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور في ذلك، وإذا نام على طهارة ثم استيقظ من الليل ودعا، و عند الدعاء بـ"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، والدعاء بعد الثناء على الله والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير، وعند دعاء الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ودعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، ودعا يوم عرفة في عرفة، وعند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر، وعند الدعاء في المصيبة بـ إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها"، والدعاء حالة إقبال القلب على الله واشتداد الإخلاص، ودعاء المظلوم على من ظلمه، ودعاء الوالد لولده وعلى ولده، ودعاء المسافر، ودعاء الصائم حتى يفطر، ودعاء الصائم عند فطره، ودعاء المضطر، ودعاء الإمام العادل، ودعاء الولد البار بوالديه، والدعاء عقب الوضوء إذا دعا بالمأثور في ذلك، وغير ذلك من الأوقات. والمؤمن يدعو ربه دائما أينما كان {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}ولكن هذه الأوقات والأحوال، والأماكن تخص بمزيد عناية.
اللهم اجعل هذا الشهر شاهداً علينا بالحسنات لا شاهداً علينا بالسيئات، اللهم ما سألناك من خير فأعطنا ، وما لم نسألك فابتدئنا ، وما قصرت عنه مسألتنا من خيري الدنيا والآخرة فبلغنا . اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ، ونسألك الهدى والسداد ، والتقى والغنى والعفاف.
والحمد لله رب العالمين.

1 سورة غافر (60).

2 رواه أبو داود (1479) والترمذي (2969) وغيرهما، قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: (3407) في صحيح الجامع.

3 رواه أبو داود (1488)، قال الشيخ الألباني: صحيح.انظر صحيح أبي داود (1320).

4 رواه الترمذي (2827)قال الألباني:صحيح، انظر صحيح الترمذي (2827).

5 رواه مسلم (2735).

6 رواه الإمام أحمد برقم (6655) قال الألباني: حسن لغيره، انظر: صحيح الترغيب والترهيب (1652).

9 رواه مالك في الموطأ برقم (1506).

10 سورة البقرة (186).

11 سورة الجن (18).

12 سورة الرعد (14).

13 سورة الأعراف (180).

14 رواه البخاري (5981).

15 سبق تخريجه.

16 رواه الترمذي(3479) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

17 رواه مسلم (1015).
منقول


ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:10 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس السابع : للصائم فرحتان



ولم لا يفرح الصائم بطاعة ربه ..
لم لا يفرح الصائم وهو يتقرب إلى الله بركن من أركان الإسلام .. وقد أعانه الله عليه حين حرم منه آخرون إما لعذر أو ضلال.
لم لا يفرح الصائم وثواب الصوم لا يعلمه إلا الله ..
جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به". والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)).رواه البخاري ومسلم.
غريب الحديث:
قوله : (جُنَّة) أي وقاية وستر يقي الصائم من اللغو والرفث. ويحتمل أنه وقاية أيضاً لصاحبه من النار
قوله: (فلا يرفُث) المراد بالرفث هنا الكلام الفاحش. وقد يطلق على الجماع ومقدماته. وفي رواية: (ولا يجهل) أي لا يفعل شيئا من أفعال الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك.
قوله: (ولا يصخب) الصخب هو الرجة واضطراب الأصوات للخصام.
قوله: (لخلُوف) الخلوف تغير رائحة الفم.
قوله: (الزور والعمل به) المراد بالزور الكذب. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار(4/584). للشوكاني. الناشر: إدارة الطباعة المنيرية.
فضائل الصيام المستفادة من الحديث مع بعض الفوائد الأخرى:
1. أن الله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال؛ وذلك لشرفه عنده، ومحبته له، وظهور الإخلاص له سبحانه فيه؛ لأنه سر بين العبد وبين ربه، لا يطَّلع عليه إلا الله, فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس متمكِّنا من تناول ما حرم الله عليه بالصيام فلا يتناوله؛ لأنه يعلم أن له ربا يطَّلِع عليه في خلوته, وقد حرم عليه ذلك فيتركه لله خوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر الله له هذا الإخلاص، واختص صيامه لنفسه من بين سائر أعماله؛ ولهذا قال: ((يدع شهوته وطعامه من أجلي))، وتظهر فائدة هذا الاختصاص يوم القيامة كما قال سفيان بن عُيَيْنة -رحمه الله-: "إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى إذا لم يبقَ إلا الصوم يتحمل الله عنه ما بقي من المظالم، ويدخله الجنة بالصوم".

2. أن الله قال في الصوم: ((وأنا أجزي به)), فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة؛ لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد, الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد, وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين. والعطيَّة بقدر معطيها فيكون أجر الصائم عظيما كثيرا بلا حساب, والصيام صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله, وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس, فقد اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة، وتحقَّقَ أن يكون الصائم من الصابرين, وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. سورة الزمر (10)

3. أن الصوم جُنَّة، أي: وقاية وستر يقي الصائم من اللغو والرفث, ولذلك قال: ((فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب))، ويقيه أيضا من النار, ولذلك رُوي عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصيام جنة يَسْتَجِنُّ بها العبد من النار)). رواه أحمد، وقال الألباني "حسن لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (981).

4. أن خَلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ لأنها من آثار الصيام فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له, وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله حتى إن الشيء المكروه المستخْبَث عند الناس يكون محبوبا عند الله وطيبا لكونه نشأ عن طاعته بالصيام.

5. أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه, أما فرحه عند فطره فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال الصالحة, وكم من أناس حرموه فلم يصوموا, ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان مُحَرَّما عليه حال الصوم. وأما فرحه عند لقاء ربه فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله -تعالى- مُوَفَّرا كاملا في وقت هو أحوج ما يكون إليه حين يقال: أين الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريَّان الذي لا يدخله أحد غيرهم؟

6. في هذا الحديث إرشاد للصائم إذا سابَّه أحد أو قاتله أن لا يقابله بالمثل لئلا يزداد السباب والقتال, وأن لا يضعف أمامه بالسكوت، بل يخبره بأنه صائم إشارة ليعلمه أنه لن يقابله بالمثل احتراما للصوم لا عجزا عن الأخذ بالثأر, وحينئذ ينقطع السباب والقتال: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.. سورة فصلت (34 – 35).

7. ومن فضائل الصوم في رمضان أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات؛ فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[http://www.forsanhaq.com/images/smil...lapse_tcat.gifor=******text]))[/http://www.forsanhaq.com/images/smil...lapse_tcat.gifor] رواه البخاري ومسلم.

8. أن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة؛ فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه))قال:(فيشفعان). رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن صحيح"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(984).

9. أن على الصائم إذا أراد حيازة هذه الفضائل أن يتأدب بآداب الصيام، ومنها: فعل المأمورات، وترك المنهيات، ومن تلك المنهيات ما جاء في الحديث: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم)). وقد سبق بيان معنى ذلك في غريب الحديث.

10. أن الأجر يضاعف بأسباب جاء الشرع ببيانها، قد تكون هذه الأسباب مكانية وقد تكون زمانية، وقد تكون بحسب الأشخاص، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن رجب: "اعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها: شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم، ولذلك تضاعف الصلاة في مسجدي مكة والمدينة؛ فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام)). أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة. ومنها: شرف الزمان كشهر رمضان، وعشر ذي الحجة؛ فعمرة في رمضان تعدل حجة، أو حجة مع الرسول. وقد يضاعف الثواب بأسباب أخر؛ منها: شرف العامل عند الله، وقربه منه، وكثرة تقواه، كما يضاعف أجر هذه الأمة على أجور من قبلهم من الأمم، وأعطوا كفلين من الأجر.

11. أن الصائمين على طبقتين: إحداهما: من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله -تعالى- يرجو عنده عوض ذلك في الجنة، فهذا قد تاجر مع الله وعامله، والله تعالى يقول : { إنا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} سورة الكهف(30). ولا يخيب معه من عامله بل يربح عليه أعظم الربح.. فهذا الصائم يعطى في الجنة ما شاء الله من نعيم دائم لا يحول ولا يزول، قال الله -تعالى-: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} سورة الحاقة(24). قال مجاهد وغيره: "نزلت في الصائمين".
وفي الصحيحين عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون لا يدخل منه غيرهم)). وفي رواية: ((فإذا دخلوا أغلق)). وفي رواية: ((من دخل منه شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا)). الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عما سوى الله، فيحفظ الرأس وما حوى، ويحفظ البطن وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا، فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه، وفرحه برؤيته:
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب
والعارفون وأهل الإنس صومهـم صون القلوب عن الأغيار والحجب
من صام عن شهواته في الدنيا أدركها غدا في الجنة، ومن صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه، من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت.
وقد صمت عن لذات دهـري كلها ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي
نسأل الله العلي القدير أن يتقبل توبتنا، وأن يتولى أمرنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يلهمنا رشدنا.
اللهم أفرحنا بإتمام الصيام والقيام، ومحو الذنوب والآثام، ودخول جنتك دار السلام، والنظر إلى وجهك يا ذا الجلال والإكرام.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

منقول


ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:11 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثامن : كيف نستثمر رمضان

لقد امتن الله على عباده بمواسم الخيرات، فيها تضاعف الحسنات، وتُمحى السيئات، وتُرفع الدرجات، تتوجه فيها نفوس المؤمنين إلى مولاها، فقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. وإنما خلق الله الخلق لعبادته فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}،1 ومن أعظم هذه المواسم المباركة في هذه الأيام شهر الصيام فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وتضاعف فيه الحسنات.

وشهر كهذا لا بد أن تستغل أوقاته، وتستثمر أنفاسه، وتعمر لياليه. لكن كيف يكون ذلك؟
إن أعظم ما يعمر به المسلم أوقات هذا الشهر الكريم، وأعظم ما تستغل به أوقاته، صيام هذا الشهر الكريم، فالصيام وحدة للمسلمين، فهم يصومون في زمن ويفطرون في زمن، جاعوا معا، وأكلوا معا، ألفة وإخاء، وحب ووفاء، وهو كفارة للخطايا ومذهب للسيئات، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).2

والصيام راحة للنفس؛ لأنه يستفرغ المواد الفاسدة، ويريح المعدة، ويصفي الدم، ويطلق عمل القلب، فتشرق به الروح، وتصفو به النفس، وتهذب به الأخلاق، وإذا صام الصائم ذلت نفسه، وانكسر قلبه وخفت مطامعه، وذهبت شهواته، لذلك تكون دعوته مستجابة لقربه من الله عز وجل.
وفي الصيام سر عظيم، وهو امتثال عبودية لله عز وجل، والإذعان لأمره والتسليم لشرعه، وترك شهوة الطعام والشراب والجماع لمرضاته. وفيه انتصار للمسلم على هواه، وتفوق للمؤمن على نفسه، فهو نصف الصبر، ومن لم يستطع الصيام بلا عذر فلن يقهر نفسه ولن يغلب هواه.

قراءة القرآن:
ومما يحيى به شهر الصيام قراءة القرآن الكريم وتلاوته، وتدبر معانيه، والتفكر في أحكامه. فالقرآن الكريم يحب رمضان، ورمضان يحب القرآن الكريم، فهما صديقان حميمان. قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} 3.
وشهر رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته، وقد كان حال السلف العناية بكتاب الله، فكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمه، يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان، وسفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن .

سمعتك يا قرآن والليل غافل


سريت تهز القلب سبحان من أسرى

فتحنا بك الدنيا فاشـرق صبحـها


وطفـنا ربوع الكـون نملـؤها أجـرا


قال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان.4
قيام رمضان (صلاة التراويح):
رمضان شهر الصيام والقيام، وأحلى الليالي وأغلى الساعات يوم يقوم الصوام في جنح الظلام.
قلت لليل هل بجوفك سر


عامر بالحديث والأسرار

قـال لم ألـق في حـياتي حـديثاً


كحـديث الأحـباب في الأسحـار


جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))5. وقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا*وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامً}6.
وقد كان قيام الليل دأب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً".
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يصلي من الليل ما شاء حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة ثم يقول لهم: الصلاة، الصلاة .. ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}7.
وكان ابن عمر يقرأ هذه الآية: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}8. قال: ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ابن حاتم: وإنما قال ابن عمر ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل، وقراءته حتى أنه ربما قرأ القرآن في ركعة.
ومما يعين على قيام الليل تذكر ظلمة القبر، ووحشة القبر، وهم القبر، فقيام الليل نور لظلمة القبور، ومما يعين على قيام الليل تذكر الأجر والمثوبة والعفو عن الخطيئة والذنب.
وقد تفنن السلف في قيام الليل، فمنهم من أمضى الليل راكعاً، ومنهم من قطعه ساجداً، ومنهم من أذهبه قائماً، منهم التالي الباكي، ومنهم الذاكر المتأمل، ومنهم الشاكر المعتبر.
لماذا أقفرت بيوتنا من قيام الليل؟ ولماذا خوت من التلاوة؟ لماذا شكت منازلنا من قلة المتهجدين:
الصدقة:
ومما يستغل به شهر رمضان كثر الإنفاق فيه من التصدق على المساكين والأرامل واليتامى، وتفطير الصائمين، وغير ذلك من وجوه الخير، وفضل الصدقة عظيم، وثوابها عند الله جزيل، فينبغي للصائم أن يحرص على الإكثار منها دائمًا، وفي رمضان خاصةً ينبغي أن يضاعف العبد إنفاقه في وجوه الخير؛ اقتداءً بنبي الهدى صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
وإنما كان جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان خاصة مضاعفًا؛ لأسباب ثلاثة:
الأول: لمناسبة رمضان، فإنه شهر تضاعف فيه الحسنات، وترفع الدرجات، فيتقرب العباد إلى مولاهم بكثرة الأعمال الصالحات.
الثاني: لكثرة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان، والقرآن فيه آيات كثيرة تحثُّ على الإنفاق في سبيل الله، والتقلل من الدنيا، والزهد فيها، والإقبال على الآخرة، فيكون في ذلك تحريك لقلب القارئ نحو الإنفاق في سبيل الله تعالى. وحريٌّ بكل من يقرأ القرآن أن يكثر من الصدقة في سبيل الله.
الثالث: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يلقى جبريل في كل ليلة من رمضان، ولقاؤه إياه هو من مجالسة الصالحين، ومجالسة الصالحين تزيد في الإيمان، وتحث الإنسان على الطاعات، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصدقة في رمضان.9

ورمضان مزرعة مثمرة للأجر والثواب، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى تفطير الصائمين في رمضان فقال صلى الله عليه وسلم: ((من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء))10.
والحديث عن جوده صلى الله عليه وسلم يطول، فهو أجود الناس، وأنواع جوده لا تنحصر؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً إِلاّ أَلاّ يجد، حتى إنه ربما سأله رجل ثوبه الذي عليه؛ فيدخل بيته ويخرج وقد خلع الثوب، فيعطيه السائل.11

العمرة في رمضان:
ومما يستغل به شهر رمضان المبارك الذهاب إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لامرأة من الأنصار: ((ما منعك أن تحجي معنا)) قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه -لزوجها وابنها- وترك ناضحا ننضح عليه، قال: ((فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة)).12
وفي رواية للبخاري: ((فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي)).13
فهنيئاً لك أخي زيارة تلك المشاعر المقدسة، وهنيئاً لك بحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

الاعتكاف:
ومما تستثمر به أوقات رمضان ويحيى به رمضان اعتكاف العشر الأواخر منه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى كان في آخر رمضان صامه قد اعتكف العشرين الأخيرة من رمضان.
والاعتكاف ليس البقاء في المسجد على أي وجه، إنما هو بقاء مخصوص، وهو بقاء يلزم فيه الإنسان المسجد تعبداً لله عز وجل وطاعةً وطلباً لرفعة الدرجات والرفعة في الدار الآخرة، وهذا يعني أن لا يشتغل الإنسان بأي شيء يفوّت عليه هذه الفضائل، فاشتغال الناس بكثرة الكلام والمخالطة والذهاب والمجيء في المساجد، هذا مما ينافي مقصود الاعتكاف، ومما لا يحصل به الفضل المرتب عليه، فاحرصوا على أن يكون اعتكافكم اعتكافاً يحصل به المقصود، وهو زكاء الأخلاق والاجتهاد في الطاعة، والتقرب والاستزادة من زاد التقوى.

تحري ليلة القدر:
ويستحب تحريها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه خاصةً، وفي الأوتار منها بالذات، أي ليالي: إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان))14. وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى))15. فهي في الأوتار أحرى وأرجى إذن.

وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى16 رجلان من المسلمين، فقال: ((خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة))17. أي في الأوتار.
وفي هذا الحديث دليل على شؤم الخصام والتنازع، وبخاصة في الدين، وأنه سبب في رفع الخير وخفائه.
وليلة القدر في السبع الأواخر أرجى؛ ولذلك جاء في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر)).18

وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ليلة القدر ليلة سبع وعشرين))19 وكونها ليلة سبع وعشرين هو مذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء.20
ومما يستغل به شهر الصيام كثرة الدعاء وحسن الخلق مع الناس وكذلك صلة الأرحام وغيرها من أعمال البر والخير. فالثواب فيه مضاعف ، وأبواب الجنان مفتحة لا يغلق منها باب.
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة من ليالي هذا الشهر، نسأل الله أن نكون منهم.
1 سورة الذاريات. (56)

2 رواه مسلم (233).

3 سورة البقرة. (185)

4 لطائف المعارف لابن رجب(1/183).

5 رواه البخاري (37) ومسلم (759).

6 سورة الفرقان (63-64) .

7 سورة طـه (132).

8 سورة الزمر (9).

9 دروس رمضانية لسلمان بن فهد العودة. ص54بتصرف.

10 رواه الترمذي (807) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

11 أخرجه مسلم (2312).

12 أخرجه البخاري (1690)و مسلم(1256) واللفظ للبخاري.

13 رواه البخاري (1764).

14 أخرجه البخاري (2017)، ومسلم (1169)

15 أخرجه البخاري (2021).

16 تلاحى: تخاصم وتنازع. لسان العرب (15/242)، والنهاية (4/243).

17 البخاري (49).

18 رواه البخاري (1911) ومسلم (1165).

19 رواه أبو داود (1386) وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1236)ورواه أحمد (21248).

20 دروس رمضانية، للشيخ: سلمان بن فهد العودة.ص83.
منقول


ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:12 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس التاسع : مفسدات الصوم ـ المفطرات

أخي الصائم :
إن من المفطّرات ما يكون من نوع الاستفراغ كالجماع والاستقاءة والحيض والاحتجام، فخروج هذه الأشياء من البدن يضعفه، ولذلك جعلها الله تعالى من مفسدات الصيام، حتى لا يجتمع على الصائم الضعف الناتج من الصيام مع الضعف الناتج من خروج هذه الأشياء فيتضرر بالصوم، ويخرج صومه عن حد الاعتدال.
ومن المفطرات ما يكون من نوع الامتلاء
كالأكل والشرب، فإن الصائم لو أكل أو شرب لم تحصل له الحكمة المقصودة من الصيام.1

وقد جمع الله تعالى أصول المفطرات في قوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (187) سورة البقرة. فذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أصول المفطرات، وهي الأكل والشرب والجماع، وسائر المفطرات بينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته.

ومفسدات الصيام (المفطرات) سبعة، وهي:
1- الجماع . 2- الاستمناء . 3- الأكل والشرب . 4- ما كان بمعنى الأكل والشرب . 5- إخراج الدم بالحجامة ونحوها . 6- القيء عمداً . 7- خروج دم الحيض أو النفاس من المرأة .
أيها الصائم: إن هناك أموراً تنافي الصيامَ أو تُنقِّصه، فقد أجمع المسلمون على أن من تعمَّد في رمضان جماعَ امرأته أو تعمَّد أكلَ الطعام أو الشراب، فإنَّ هذا مفسدٌ لصيامه بإجماع المسلمين.

1 ـ فأول هذه المفطرات: الجماع:-
أعظَم مُفسد للصيام جماعُ المرأة في نهار رمضان، فهذا من كبائر الذنوب، ومن استحلّه بعد علمه فذاك ضالّ كافر والعياذ بالله، وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثما، فمن جامع في نهار رمضان عامداً مختاراً بأن يلتقي الختانان، وتغيب الحشفة في أحد السبيلين، فقد أفسد صومه، أنزل أو لم يُنزل، وعليه التوبة، وإتمام ذلك اليوم، والقضاء والكفارة المغلظة: وهي عتقُ رقبة، فإن عجز عنها أو لم يجِدها صام لله شهرين كاملين متتابعين، وإن عجز لمرض أو كبر أطعمَ ستين مسكيناً، ودليل ذلك حديث أَبِي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النـبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله! قال: ((وما أهلكك؟)) قال: وقعت على امرأتي في رمضان . قال: ((هل تجد ما تعتق رقبة؟)) قال: لا . قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)) قال: لا . قال: ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟)) قال: لا... الحديث.3
ولا تجب الكفارة بشيء من المفطرات إلا الجماع.

2 ـ وثاني تلك المفطرات: الاستمناء: وهو إنزال المني باليد أو نحوها، أو ما يسمى بالعادة السرية، والدليل على أن الاستمناء من المفطرات: قول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))4.
وإنزال المني من الشهوة التي يجب على الصائم أن يتركها، فإن من تعمَّد ذلك فسد صومه، ووجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأصبح بذلك عاصياً لله، فعليه التوبة مما اقترف من هذا الخطأ العظيم، وأما خروجُ المني بطريق الاحتلام في النوم أو تفكير مجرَّد فإنَّ هذا معفوٌّ عنه؛ لأنّ الاحتلامَ لا قدرة له عليه، خارجٌ عن اختياره، والنبي يقول: ((تجاوز الله لي عن أمتي الخطأ والنسيانَ وما استُكرهوا عليه)).5

وإن شرع في الاستمناء ثمّ كفّ ولم يُنزل فعليه التوبة، وصيامه صحيح، وليس عليه قضاء لعدم الإنزال، وينبغي أن يبتعد الصائم عن كلّ ما هو مثير للشهوة، وأن يطرد عن نفسه الخواطر الرديئة.
وأما خروج المذي فالراجح أنه لا يُفطّر.

3 ـ الثالث من المفطرات: الأكل أو الشرب
أيها الصائم: ومما يحظر على الصائم تعمَّد الأأكلِ أو الشرب في نهار رمضان، وهذا لا شكّ أنه لا يقع من مسلمٍ يخاف الله ويرجوه، لا يقع من مسلم يخاف الله ويعرف لقاءه، فإنَّ من تعمَّد فطرَ يومٍ من رمضان لم يكفِه الدهر كلُّه ولو صامه، لعظيم الإثم والوزر، أعاذنا الله وإياكم.
ولو أدخل إلى معدته شيئاً عن طريق الأنف فهو كالأكل والشرب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)).6
فلولا أن دخول الماء إلى المعدة عن طريق الأنف يؤثر في الصوم لم يَنْهَ النبيُ صلى الله عليه وسلم الصائمَ عن المبالغة في الاستنشاق.

فمن تعمَّد تناوُل الطعام والشراب فسد صيامُه، فإن كان بعذرٍ عذره الله به كمريض حلَّ به مرضٌ لا يستطيع مواصلةَ اليوم، أو اضطرّ إلى علاج في ذلك اليوم ضرورةً فأفطر فإنه لا إثم عليه، لكنه يقضي هذا اليوم، وأما وقوع الأكل أو الشرب من المسلم عن طريق النسيان فإن هذا لا يؤثِّر على صيامه، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه))7، فجعله خارجاً عن إرادته، ونسبَ الطعامَ والشراب إلى الله، بمعنى أن الله هو الذي قدّر له ذلك، وأن الأمرَ لم يكن باختياره.
4 ـ ومن مفطرات الصائم تناول ما كان بمعنى الأكل والشرب.
وذلك يشمل أمرين:

الأول: حقن الدم في الصائم، كما لو أصيب بنزيف فحقن بالدم، فإنه يفطر؛ لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب.
الثاني : الإبر (الحقن) المغذية التي يُستغنى بها عن الطعام والشراب؛ لأنها بمنزلة الأكل والشرب.8
وأما الإبر التي لا يُستعاض بها عن الأكل والشرب ولكنها للمعالجة كالبنسلين، والأنسولين، أو تنشيط الجسم، أو إبر التطعيم فلا تضرّ الصيام سواء عن طريق العضلات أو الوريد.9
والأفضل أن يحتاط الصائم لصيامه، وأن يجعل هذه الإبر بالليل.
ومن المفطرات أيضاً ما يعرف بعملية غسيل الكلى الذي يتطلب خروج الدم لتنقيته، ثم رجوعه مرة أخرى مع إضافة مواد كيماوية وغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم يعتبر مفطّراً.10

5 ـ ومما يحظر على الصائم فعله إخراج الدم بالحجامة؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). 11وفي معنى إخراج الدم بالحجامة التبرع بالدم؛ لأنه يؤثر على البدن كتأثير الحجامة.
وعلى هذا لا يجوز للصائم أن يتبرع بالدم إلا أن يوجد مضطر فيجوز التبرع له، ويفطر المتبرع، ويقضي ذلك اليوم. 12ومن أصابه نزيف فصيامه صحيح؛ لأنه بغير اختياره.13

وأما خروج الدم بقلع السن أو شق الجرح أو تحليل الدم ونحو ذلك فلا يفطر؛ لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها إذ لا يؤثر في البدن تأثير الحجامة.

6 ـ ومما يفسد على الصائم صيامه إخراج القيء من المعدة عمداً ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض)). 14ومعنى ذرعه أي غلبه.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدا.15

فمن تقيأ عمداً بوضع أصبعه في فمه، أو عصر بطنه، أو تعمد شمّ رائحة كريهة، أو داوم النظر إلى ما يتقيأ منه، فإنّ هذا منافٍ للصيام، فعليه قضاءُ ذلك اليوم، وإذا راجت معدته لم يلزمه منع القيء؛ لأن ذلك يضره.16
وأما إذا خرج القيء من غير سبب، بل أمرٌ خارج عن إرادته، فإنّ هذا لا شيء عليه، بل لا يلزمه منعُ القيء إذا تهيّأ للخروج؛ لأن خروجَه يكون راحةً له، وهو لم يتعمّد ذلك ولم يقصده.
7 ـ ومما يفسد الصيام: خروج دم الحيض والنفاس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)). 17فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها ولو كان قبل غروب الشمس بلحظة، وإذا أحست المرأة بانتقال دم الحيض ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس صح صومها، وأجزأها يومها.
والحائض أو النفساء إذا انقطع دمها ليلاً فَنَوَت الصيام ثم طلع الفجر قبل اغتسالها فمذهب العلماء كافة صحة صومها. 18والأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها، وترضى بما كتب الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الدم، وتقبل ما قَبِل الله منها من الفطر في الحيض والقضاء بعد ذلك، وهكذا كانت أمهات المؤمنين، ونساء السلف.19
بالإضافة إلى أنه قد ثبت بالطبّ ضرر كثير من هذه الموانع وابتليت كثير من النساء باضطراب الدورة بسبب ذلك، فإن فعلت المرأة وتعاطت ما تقطع به الدم فارتفع وصارت نظيفة وصامت أجزأها ذلك.
فهذه هي مفسدات الصيام . وكلها -ماعدا الحيض والنفاس- لا يفطر بها الصائم إلا بشروط ثلاثة:
أن يكون عالما غير جاهل. وذاكراً غير ناس. مختارا غير مُكْرَه.

أيها الصائم: إن المسلمَ يحفظ صيامَه، ويصونه عن كلّ مفسد، ويبتعد عن كل وسيلة من شأنها أن تخدَش صيامَه، ولمَّا أخبرت أم المؤمنين عائشة أن النبي ربما قبَّل بعض نسائه وهو صائم قالت لهم: وأيّكم كان أملك لإربه؟! أو قالت: إن محمداً أملك الناس لإربه20، بمعنى أنه مسيطرٌ على شهوته، لا تغلبه شهوته ولا تقهره، فالمسلم يبتعد عن كلّ وسيلة يمكن أن تفسدَ صومَه، فإن صومَه أمانة في عنقه، فليتق الله في المحافظة عليه وصيانته من كل مفسد قولياً أو فعلياً، من كلّ مفسد ومن كل منقّص، من كل مفسد من الأفعال أو منقّص للثواب من الأقوال، ليكون صومُه مصاناً حتى يكمل الثوابُ إن شاء الله.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا، واجعلها خالصة لوجهك وابتغاء مرضاتك.

1 مجموع الفتاوى 25/248.

3 رواه البخاري (1936) ومسلم (1111).

4 رواه البخاري (1894) ومسلم (1151).

5 رواه ابن حبان في صحيحه (7219) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح.

6 رواه الترمذي (788). وصححه الألباني في صحيح الترمذي (631).

7 رواه البخاري (6292) ومسلم (1155) واللفظ للبخاري.

8 مجالس شهر رمضان للشيخ ابن عثيمين ص(70).

9 فتاوى محمد بن إبراهيم (4/189).

10 فتاوى اللجنة الدائمة (10/19).

11 رواه أبو داود (2367) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2047).

12 مجالس شهر رمضان ص (71).

13 فتاوى اللجنة الدائمة (10/264).

14 رواه الترمذي (720) صححه الألباني في صحيح الترمذي (577).

15 المغني لابن قدامة (4/368).

16 مجالس شهر رمضان ص 71 .

17 رواه البخاري (304).

18 فتح الباري (4/148).

19 فتاوى اللجنة الدائمة (10/151).

20 أخرجه البخاري (1927، 1928)، ومسلم (1106) بنحوه.
منقول


ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:13 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس العاشر : حياة القلوب

إن القلوب إذا صلحتْ صلحت أعمالنا، وصلحت أحوالنا، وارتفعت كثير من مشكلاتنا. وإذا فسدت هذه القلوب التي هي القائدة للأبدان والجوارح فسدت أعمال العبد، واضطربت عليه أحواله، ولم يعد يتصرف التصرف اللائق الذي يرضي ربه ومولاه؛ فخسر الدنيا والآخرة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)). أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه 1/ 28- 52 ومسلم في كتاب المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات 3/ 1219- 1599
والله - عز وجل - يقول: }فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور{ سورة الحج 46.
والقلب ما سمي قلباً إلا لكثرة تقلبه، فهو كثير التقلب بالخواطر والواردات والأفكار والعقائد، ويتقلب كثيراً على صاحبه في النيات والإرادات، كما أنه كثير التقلب من حالٍ إلى حال، يتقلب من هدى إلى ضلال، ومن إيمان إلى كفر أو نفاق، ولهذا كَانَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) أخرجه الترمذي 4/ 448- 2140 وأحمد 3/ 112- 12128 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/ 171- 2792.
وكذا يقال له: الفؤاد لكثرة تفؤده، أي كثرة توقده بالخواطر والإرادات والأفكار، والإنسان قد يستطيع أن يُصِّم أذنه فلا يسمع، وقد يستطيع أن يغمض عينه فلا يبصر، ولكنه لا يستطيع أن يمنع قلبه من الفكر والنظر في الواردات والخواطر، فهي تعرض له شاء صاحبها أم أبى، ولهذا قيل له فؤاد: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا { سورة الإسراء 36.
مـا سمي القـلب إلا مـن تقلبه *** والرأي يصرف بالإنسان أطواراً
والنبي - صلى الله عليه وسلم- حينما ذكر التقوى أشار بيده - صلى الله عليه وسلم- إلى صدره كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَا تَحَاسَدُوا - إلى أن قال-: التَّقْوَى هَاهُنَا- وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ..)) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله 4/ 1986- 2564
و'المرء بأصغريه'، وهما: قلبه ولسانه.
ولما كانت حياة الإنسان الظاهرة متعلقةً بحياة القلب فإن الإنسان لا يمكن أن يعيش على نحو سوي إلا بسلامة قلبه، فحياة القلب لها تعلقٌ وثيق مؤثر على أفعاله وتصرفاته المعنوية، وكذا ما نسميه بالأمراض القلبية، والإحساسات والمشاعر الداخلية. فالقلب محل الإيمان والتقوى، أو الكفر والنفاق والشرك وما إلى ذلك.
لذا كان لا بد من الاهتمام بهذا القلب الذي عليه مدار السعادة والفلاح ، أو التعاسة والشقاء ، وتبدو لنا أهمية الحديث عن القلب حين نعلم :
1. أن الله قد أمر بتطهير القلب، فقال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} سورة المدثر (4) والمقصود بالثياب القلب كما هو قول جمهور العلماء.
2. غفلة كثير من المسلمين عن قلوبهم؛ مع الاهتمام الزائد بالأعمال الظاهرة مع أن القلب هو الأساس والمنطلق.
3. أن سلامة القلب وخلوصه سبب للسعادة في الدنيا والآخرة.
4. أن كثيراً من المشاكل بين الناس سببها من القلوب وليس لها أي اعتبار شرعي ظاهر.
5. مكانة القلب في الدنيا والآخرة، قال عز وجل: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} سورة الشعراء} (88- 89). وقال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} سورة ق(33).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قوله - صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)) وأشار إلى صدره. يقول الحسن البصري - رحمه الله - : "داو قلبك، فإن حاجة الله إلى عباده صلاح قلوبهم"
وحديث النعمان بن بشير السابق : ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد كله ألا وهي القلب)).
6. أن من تعريف الإيمان :وتصديق بالجنان. وفي تعريف آخر: عمل الجوارح وعمل القلب.
فلا إيمان إلا بتصديق القلب وعمله، والمنافقون لم تصدق قلوبهم وعملوا بجوارحهم، ولكنهم لم تنفعهم أعمالهم، بل إنهم في الدرك الأسفل من النار، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} سورة النساء(145) .
كلنا يعلم أن القلب ملك الجوارح، وهو كما يقول العز بن عبد السلام: "مبدأ التكاليف كلها، وهو مصدرها، وصلاح الأجساد موقوف على صلاحه، وفساد الأجساد موقوف على فساده" . ولكن قليلاً منا من يقف أمام قلبه فهو يقضي جل وقته في عمله الظاهر.
القلب عالم مستقل، فهوكالبحر يحتوي على أسرار عجيبة ، وأحوال متقلبة، سواءً كانت منكرة؛ كالغفلة – الزيغ – الأقفال- القسوة – الرياء – الحسد – النفاق- العجب- الكبر ... والنتيجة الطبع والختم والموت... وصفته أسود.
أو كانت تلك الأحوال والأعمال محمودة؛ كاللين – الإخبات – الخشوع – الإخلاص – المتابعة – الحب – التقوى – الثبات – الخوف – الرجاء- الخشية – التوكل- الرضا - الصبر ... والنتيجة السلامة والحياة والإيمان... وصفته أبيض.
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا . فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء . وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء . حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا . فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض . والآخر أسود مربادا ، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا . إلا ما أشرب من مراه)) رواه مسلم.
يقول ابن رجب - رحمه الله - في شرح حديث: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً) يقول: "إن فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه للمحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليماً ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله وخشية الله، وخشية الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات، وإذا كان القلب فاسداً قد استولى عليه إتباع هواه، وطلب ما يحبه ولو كرهه الله؛ فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات، بحسب إتباع الهوى هوى القلب".
ومحل نظر الله - عز وجل - هو قلب العبد كما جاء في الحديث، فإذا صلح قلبه صلحت أعماله، وكان مقبولاً عند الله - عز وجل - وإذا كان القلب فاسداً، فلربما ركع صاحبه وسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو في الدرك الأسفل من النار كعبد الله بن أبي سلول ومن معه من المنافقين، يخرجون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الغزوات، ولربما قدموا شيئاً من أموالهم دفعاً للتهمة عنهم أو حياءً من الناس، ومع ذلك لم تزكُ نفوسهم، ولم تصلح قلوبهم، ولا أحوالهم ولا أعمالهم؛ لأن هذه القلوب قد انطوت على معنى سيء أفسدها، على نجاسةٍ كبرى لا تطهرها مياه البحار، وهي الشرك بالله - عز وجل - والنفاق.
كان الحسن البصري - رحمه الله - يجلس في مجلس خاصٍ في منزله لا يتكلم فيه عن شيء إلا في معاني الزهد والنسك والرقاق والقضايا المتعلقة بالأعمال القلبية، فإن سئل سؤالاً يتعلق بغيرها في ذلك المجلس تبرم، وقال: "إنما خلونا مع إخواننا نتذاكر".
وهذا يدل على أن الإنسان ينبغي ألا يغفل وألا يكون شارداً في زحمة الأعمال – حتى الأعمال الدعوية - ينبغي أن يكون له مجالس يتذاكر فيها مع إخوانه، ترقق قلبه، وتصلح ما فسد من هذا القلب في زحمة الأشغال كزيارة القبور وذكر الموت، وما إلى ذلك من الأمور.
أخي الحبيب: هناك أمور يتم بها صلاح القلب، وهي كثيرة جداً ومن أعظم الأمور التي تصلح القلب وتحييه:
المجاهدة: يحتاج الإنسان إلى مجاهدة دائمة ومستمرة وإلى مكابدة، يقول ابن المنكدر - رحمه الله - وهو من علماء التابعين: "كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي".
يقول أبو حفص النيسابوري - رحمه الله - : "حرست قلبي عشرين سنة - كان في مجاهدة ومكابدة مع هذا القلب يحرسه من كل كافر - ثم حرسني عشرين سنة". إذا استقام قلب العبد؛ استقامت أعماله وجوارحه، فإذا جاءه الشيطان بخاطرة من الخواطر قبل أن يستقيم قلبه ويثبت على الطاعة؛ فإن القلب يحتاج إلى مدافعة عظيمة لهذه الخواطر، فإذا صار في القلب قوة وصلابة في الإيمان، واستقام القلب لصاحبه وروّضه على طاعة الله - عز وجل - والإقبال عليه؛ فإنه يحرس صاحبه، فإذا رأى شيئاً تلتفت إليه كثير من النفوس الضعيفة، ويتطلع إليه أصحاب القلوب المريضة، فيطمع الذي في قلبه مرض؛ فإن هذا الإنسان ينصرف قلبه عن هذه الأمور المشينة، ولا يلتفت إليها، ويتذكر مباشرة عظمة الله وجلال الله ورقابة الله، فلا تتحرك نفسه للمعصية، أو الوقوع في الريبة والدخول في أمور وطرائق ليس له أن يدخل فيها "حرست قلبي عشرين سنة فحرسني عشرين سنة، ثم وردت عليّ وعليه حالة صرنا محروسين جميعاً"
ومما يصلح القلب: كثرة ذكر الموت وزيارة القبور ورؤية المحتضرين: فإنها اللحظات التي يخرج الإنسان فيها من الدنيا ويفارق سائر الشهوات واللذات، ويفارق الأهل والمال الذي أتعب نفسه في جمعه في لحظة ينكسر فيها الجبارون ويخضع فيها الكبراء ولا يحصل فيها للعبد تعلق بالدنيا، ولهذا يكثر من الناس التصدق في تلك الأحوال ولربما كتب الواحد منهم في حال صحته وعافيته وصية يوصي بها أنه إذا مات وانقطعت علائقه من الدنيا أن يخرج من ماله كذا وكذا.
ومما يحيي القلب: مجالسة الصالحين الذين يذكرون الله - عز وجل - ويذكرون بالله بالنظر إلى وجوههم: من الناس من إذا نظرت إلى وجهه انشرح صدرك وذهبت عنك كثير من الأوهام والهموم والغموم والمخاوف.
قال ابن القيم - رحمه الله - : "كنا إذا حدق بنا الخصوم وأرجفوا بنا وألبوا علينا، واعترتنا المخاوف من كل جانب؛ أتينا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : فو الله ما إن نرى وجهه حتى يذهب ذلك عنا جميعاً لما يرون في وجهه من الإنارة، وما يرون فيه من المعاني الدالة على انشراح الصدر وثبات القلب ومن المعاني الدالة على الخوف من الله - عز وجل - والتقى والرجاء وما إلى ذلك من الأمور التي تنعكس في وجه العبد، فإن الوجه مرآة لهذا لقلب ولهذا قيل: "ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحة وجهه وفلتات لسانه".
ودخل رجل على عثمان - رضي الله عنه - ، فقال: "أيعصي أحدكم ربه ثم يدخل علي؟ فقال الرجل: أَوَحْيٌ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! يعني كيف علمت؟ فأخبره أنها فراسة المؤمن، فالوجه تنعكس فيه أحوال القلب فيكون الوجه مظلماً لما في القلب من الظلمة، ويكون الوجه مشرقاً لما في القلب من الإشراق.
وأمرٌ رابع يصلح به القلب: وهو أن يكون تعلقه بربه ومعبوده وخالقه جل جلاله: إذا تعلق القلب بالمخلوق عذب بهذا المخلوق أياً كان سواء كان رجلاً أو امرأة أو سيارة أو عقاراً أو مالاً أو غير ذلك.
ولهذا كان ابن القيم - رحمه الله - يقول: "إن في القلب وحشة لا يذهبها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وفيه فاقه - يعني: فقر - لا يذهبه إلا صدق اللجوء إليه، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تذهب تلك الفاقة أبداً ".
ومما يصلح القلب: الأعمال الصالحة بجميع أنواعها، كما قال ابن عباس - رضي الله عنه-: "إن للحسنة نوراً في القلب وضياء في الوجه وقوة في البدن وزيادة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق".
ومما يصلح القلب: أن نستعمله فيما خلق له، هذا القلب خلق ليكون عبداً لله، خلق ليعمل أعمالاً جليلة هي الأعمال القلبية الصالحة، فإذا أشغل القلب بغيرها تكدر وفسد.
ومن أعظم الأعمال الصالحة التي تصلح القلب: ذكر الله - عز وجل - وقراءة القرآن: والحديث عن هذا يطول، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ولقد قال سليمان الخواص - رحمه الله - : "الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسم، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم، فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا- أو كما قال- ".
وقد أحسن من قال:
دواء قلبك خمسٌ عنـد قسوتـه *** فأذهب عليها تفز بالخير والظفرِ
خـلاء بطـنٍ وقـرآنٌ تدبـره ***كذا تضـرع باكٍ ساعة السحـرِ
ثـم التهجد جنـح الليل أوسطه *** وأن تجالس أهـل الخير والخبـرِ
اللهم ارزقنا قلوباً سليمة نقية تقية ، وأصلح سرائرنا وعلانيتنا ، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
منقول


ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:13 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الحادي عشر : ومضى ثلث رمضان


ما أسرع أيامك يا رمضان .. تأتي على شوق ولهف .. وتمضي على عجل ..
ها قد مضى الثلث الأول منك يا رمضان ، والثلث كثير
يا شهر الصيام ترفق .. ويا شهر القيام تمهل ..
نفوس العابدين .. وقلوب الراكعين ساجدين .. تحنّ وتئنّ
سبحان الله..
منذ أيام، كنا ندعو : "اللهم بلغنا رمضان".
و منذ أيام قليلة، هنأ بعضُنا بعضاً ببلوغ رمضان
فقد هل الهلال، مع النداء الشهير :
"يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر .."
و اليوم، فاجأتنا هذه الحقيقة : انقضىالثلث الأول من رمضان !!
سبحان الله.. أبهذه السرعة
رمضان.. هذا الضيف ؛ خفيف الظل، عظيم الأجر..
مضى ثلثه.. "و الثلثكثير"..
*******
وهنا لا بد ان نقف مع أنفسنا وقفات أيها الأحباب
ماذا أودعنا هذه الأيام العشر ؟
كيف نحن والقرآن ؟
كيف نحن وصيام الجوارح والسمع والبصر ؟
كيف نحن والقيام ؟
كيف نحن وتفطير الصائمين ؟
كيف نحن والصدقة والصلة والبر ؟
كيف حالنا مع الخشوع والخضوع والدموع ؟
هل اجتهدنا في طلب العتق، أم رضي البعض أن يكونوا معالخوالف..؟
*******
أخي أختي
هذه أيام وليالي العتق تنقضي يوماً بعد يوم
وسرعان ما سيقال : وداعاً رمضان
فهلا كانت همتنا عالية ، ولسان كل منا يقول : لن يسبقني إلى الرحمن أحد
هلا جاهدنا أنفسنا وأتعبناها بالطاعة ، حتى ترتاح في مستقر رحمة الله في جنة الخلد
فالعبد لن يجد طعم الراحة إلا عند أول قدم يضعها في الجنة
ها نحن في الثلث الثاني من رمضان ..

وبعد أيام قلائل ،سنستقبل العشر الأواخر ـ لمن كتب الله له عمراً ـ أفضل ليالي العام ، فيها ليلة من خير شهر ، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم.
فيا لسعادة من عرف فضل زمانه ، ومحا بدموعه وخضوعه صحائف عصيانه ، وعظم خوفه ورجاؤه ، فأقبل طائعاً تائبا يرجو عتق رقبته وفك رهانه.
أحبتي .. الأيام تمضي متسارعة ، والأعمار تنقضي بانقضاء الأنفاس ، وكل مخلوق سيفنى ، وكل قادم مغادر ، وهذا شهر الرحمة والغفران ، يوشك أن يقول وداعاً ، ولعلك لا تلقاه بعد عامك هذا .
فصم صيام مودع ، وصل صلاة مودع ، وقم قيام مودع ، وتب توبة مودع ، وقم بالأسحار باكياً ، مخبتاً ، منيباً ،
وقل يارب : هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك ، إلهي حرم وجهي ولحمي وعظمي وعصبي وبشرتي على النار . إلهي لا أهلك وأنت رجائي . اقبل توبتي ، واغسل حوبتي ، وسل سخيمة قلبي ، وارفع درجتي ، وكفّر سيئتي . وأعتق رقبتي ، يا ذا الجلال والإكرام
أخي ... أختي
غداً يقال : انقضى رمضان ، وأقبل عيد أهل الإيمان
و لكن شتان.. !!
شتان .. بين من يهل عليه هلال شوال و هومعتق من النيران ، قد كتب من أهل الجنان..
و بين من يهل عليه، وهو أسير الشهوات و المعاصي ، قد حرم من الخيرات ، وباء بالخسران..
اللهم وفقنا للصالحات قبل الممات ، وأخذ العدة للوفاة قبل الموافاة ، وثبت قلوبنا على دينك ، واختم لنا بالصالحات ، واغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا وإخواننا وأحبابنا والمسلمين ، واكتبنا جميعاً من عتقائك من النار
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:14 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثاني عشر : أطفالنا ورمضان

الأبناء هبة ونعمة من الله-سبحانه وتعالى-، يُسَر الفؤاد برؤيتهم، وتقر العين بمشاهدتهم, ويسعد الروح بفرحهم، ولكن كيف نربي أبناءنا التربية الصالحة، ليكونوا لبنة خير في المجتمع المسلم؟.
ها هو شهر التوبة والغفران، وشهر التربية، والمجاهدة ، إنه شهر رمضان، فيه تتجلى التربية الصادقة، والتوجيه الحكيم في رعاية الأطفال.
إن الأطفال أمانة ووديعة عند الأبوين, فكيف يمكن لهما أن يربيا أبناءهما في هذا الشهر الكريم؟!
إن هناك عدة أمور يمكن من خلالها تربية الأبناء على مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، ومعالي الأمور.. من ذلك:
1- تعويدهم على الصيام: إذ رمضان أفضل موسم ومحطة يمكن أن نعود فيه أبناءنا على هذه العبادة العظيمة، فقد كان السلف الصالح-رضوان الله عليهم- يدربون أطفالهم على الصيام، ويحثونهم على ذلك. فقد جاء عن الربيع بنت مُعّوذ-رضي الله عنها-قالت: (أرسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم-غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: ((من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه)) فكُنَّا بعد ذلك نصومه، ونصوَّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار ) رواه البخاري ومسلم. والعهن: هو الصوف.
فلماذا لا نعود أطفالنا على الصيام؟ ولماذا لا نعودهم على طاعة الله؟ ونأخذ بأيديهم ليعرفوا معنى هذه العبادة العظيمة، فيستقيموا منذ الصغر؟! حتى إذا بلغ سهل عليه الصيام ولم يجد مشقة، فالإسلام أمر بتعويد الطفل على طاعة الله، قبل البلوغ في غير الصيام، كالصلاة مثلاً فقد قال-عليه الصلاة والسلام-: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر)) رواه أبو داود. وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم(466)
فعندما نعود الطفل على الطاعات، كالصيام، والصلاة، وغيرهما من أنواع الطاعات فإنه ينشأ طفلاً صالحاً طائعاً لله-سبحانه وتعالى-؛ لأنه تعود على ذلك.
ولهذا قيل:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
2- ربط الطفل بكتاب الله-عز وجل-حفظاً وتجويداً وتلاوةً، فهذا سن الحفظ، وزمن التلقي, فإذا فات الطفل هذا السن الذهبي وقضاه في الضياع والترفيه ندم بعد كبره أعظم ندامة، وتأسف كل الأسف ولات ساعة مندم، فرمضان شهر القرآن, والمسلمون يقبلون فيه على قراءة القرآن، والطفل عندما يشعر بذلك من حوله فإنه يقرأ معهم و لا يجد مشقة ولا تعباً في قراءة القرآن وحفظه وتجويده. فعلينا أن نستغل هذا الشهر الكريم في تحفيظ أبنائنا كتاب الله -عزوجل-، وعلينا كذلك أن نرغبهم فيه, ونذكر لهم فضل قراءة القرآن، وأنه أنزل إلى سماء الدنيا في رمضان، وأن السلف الصالح-رضوان الله عليهم-كانوا يتفرغون لقراءة القرآن في رمضان وذلك لما فيه من شحذ هممهم، وتطلعهم نحو الأجر والمثوبة من الله-سبحانه وتعالى-.
3- حثهم على المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها جماعة مع المسلمين، وخاصة في رمضان عند إقبال المسلمين إلى بيوت الله-تعالى-فتكون محطة انطلاق للأطفال ليتعودوا على الصلوات الخمس في وقتها مع المسلمين، وكذلك حثهم وتشجيعهم على الإكثار من صلاة النوافل، وتعليمهم أن الأجر في رمضان يتضاعف. ومن ثم اصطحابهم إلى المسجد ليشهدوا الصلاة المكتوبة وصلاة التراويح والقيام.
4- تعويدهم على الصدقة والإحسان إلى الفقراء في أيام رمضان، وذلك من خلال إعطائهم بعض الأموال التي يمكن أن يقدموها للفقراء والمساكين، مع تعليمهم أن الصدقة تتضاعف في رمضان، وأن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-كان أجود ما يكون في رمضان وكان أجود من الريح المرسلة، وأن علينا أن نقتدي ونتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- اصطحابهم في زيارة الأقارب والأرحام، وتعليمهم أن صلة الأرحام من الواجبات. فيتعود الأبناء على زيارة الأرحام، والصلة في رمضان وغير رمضان، فيكون هذا الشهر مدرسة لأطفالنا لكي نعودهم على الخير، فإن الطفل إذا عودته على شيء نشأ عليه.
6- تفطير الصائمين، وذلك من خلال توزيع بعض الأطعمة، ويكون التوزيع على الأطفال، لكي يتعودوا على الكرم, وعلى حب تفطير الصائمين، ونيل الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى, فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: ((من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)) رواه الترمذي، وابن ماجه. وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(6415).
7- أخذ الأطفال إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة إن أمكن، لما له من أثر كبير على نفوس الأطفال، وذلك من خلال ما يشاهدون من إقبال المسلمين في هذا الشهر على بيت الله الحرام، ولما يشهدون من الصلاة، وقراءة القرآن، والصدقة وغيرها من أنواع الطاعات التي يتقرب بها المسلمون في أيام رمضان. مع تعلميهم أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: ((عمرة في رمضان تقضي حجة معي)) رواه البخاري ومسلم. فالطفل إذا عرف هذا الفضل، فإنه يغرس في قلبه حب بيت الله، وحب العمرة في رمضان، وهذا شيء عظيم أن نعود أبناءنا عليه.
ومحطات رمضان ، وأبواب الخير المشرعة فيه ، كلها مدارس لتربية الأطفال وتعويدهم الخير وحب الطاعة ، والأسرة المسلمة في رمضان ، لها حياتها الخاصة ، وبرنامجها الخاص ، الذي يتربى فيه أبناؤها على معرفة قدر الزمان ، ويتعودون فيه التنافس في الطاعات والقربات.
اللهم أصلح أبناءنا وأبناء المسلمين، واجعلنا هداة مهتدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:15 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثالث عشر : سلوكيات صائم

لقد فرض الله العبادات وجعلها سببا للارتقاء بالأخلاق وتهذيب السلوك، فقال سبحانه وتعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (45) سورة البقرة. وقال تعالى عن الصلاة: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت. وقال تعالى في شأن الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(103) سورة التوبة.. وقال في شأن الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)) صحيح البخاري -1770- (6/472).. وقال تعالى في شأن الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}(197) سورة البقرة..
ومن هذا يتبين أن الغاية العظمى من تشريع العبادات هو تحقيق كمال العبودية لله -عز وجل- ولا بد أن يظهر هذا في أخلاق المسلم.
أخي الصائم:
إذا أقبل شهر رمضان تشوف الناس لهـلاله، وتقلبت وجوههم في السماء، وشنفوا آذانهم أيهم يسبق بمعرفة هذا النبأ السعيد، والحدث العظيم، وعدوا الساعات عداً، حتى تأتي البشرى بانتهاء شهر شعبان وبداية شهر رمضان، وهم لا يفعلون ذلك في سائر الشهور، بل ربما جهل كثير من المسلمين بداية الشهور أو نهايتها.
إنها فرصة في هذا الشهر الكريم أن يتنفس المسلم الصعداء، وهو يردد مع الذاكرين عند رؤية هلال رمضان "ربي وربك الله, هلال خير وبركة".
ولا يرتبط المسلمون خلال شهر رمضان ببداية الشهر ونهايته فحسب، فهم يترقبون الفجر حتى يمسكوا ويترقبون مغيب الشمس حتى يفطروا، ويعدون أيامه عداً لا يكاد يخطئ فيه أحد فيرتبطون بحركة هذا الكون العابد المسبح لله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.(الإسراء:44).
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} (الحج: 18)..
وهذا الترقب والانتظار يتساوى فيه المسلمون جميعاً عرباً وعجماً، فقراء وأغنياء، حكاماً ومحكومين، فلا مجال للحظوة والوساطة، فمن أكل أو شرب متعمداً بعد أذان الفجر أو قبل أذان المغرب فصيامه باطل، فلا مجال للتسلق على أكتاف الآخرين وليس هناك صيام للسادة وصيام للعبيد، وليس هناك صيام للصفوة وصيام للعامة، فالكل هنا سواء.
إن سلوكيات الصائم في رمضان تظهر في استغلال هذا الشهر؛ حيث خص الله هذا الشهر الكريم بالصيام، والصيام جنة (أي وقاية)، وكل عمل ابن آدم فهو له إلا الصوم فهو لله وهو يجزي به، وأنعم بجزاء الله تعالى من جزاء، وأجمل بكرمه وعطائه من عطاء، فالصوم يهذب النفس، ويسمو بالروح والخلق، ومن هنا يتعلم المسلم أنه ما خلق ليأكل ويشرب ويعاشر النساء، فكل هذا تشاركه فيه جميع دواب الأرض، لكنه خلق لغاية أسمى وهدف أعلى وهو عبادة الله تعالى وتقواه بإتيان ما أمر واجتناب ما نهى، فهي ثورة على شهوات الأرض وجواذبها، فنحن نملكها وهي لا تملكنا فلسنا عبيدا لشهوة ولا أسرى لعادة، حيث إننا أعلنا العبودية لله، وهذا يتضمن نبذ عبودية ما دون الله.
وهذا الشهر تصفد فيه الشياطين، ويترك المسلم لنفسه والنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(يوسف: 53)..
فيستطيع أن يميز المسلم بين ما يأمره بالشيطان وما تأمره به النفس، ومعرفة الداء طريق لمعرفة الدواء فيضع من التدابير الواقية والأسباب المعينة على الارتقاء بالنفس، وتهذيبها وتزكيتها, قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} الشمس: (7-10)..
فيحاسب المسلم نفسه فيراقبها ويحاسبها ثم يعاتبها ويؤدبها حتى تسلس له وتخضع لأمر الله فتصبح نفساً لوامة تستحق أن يقسم بها الله, ثم ترقى حتى تصير مطمئنة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر: 27 -30)..
والصائم في هذا الشهر يهتم بحراسة مدخل الطعام والشراب، حتى إذا نسي أو أخطأ فإذا به ينزعج انزعاجاً شديداً ويحاول أن يخرج ما دخل في فمه من الطعام والشراب حتى يكاد يخرج ما في معدته، على الرغم من رفع الحرج في الشرع عن الناسي والمخطئ، وقد طمأن النبي -صلى الله عليه وسلم- الناسي فقال: ((مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ)) رواه البخاري -6176- (20/360) ومسلم -1952-(6/28).
وعلى الرغم من ذلك يحرص هذا الحرص كله، ولذلك لم يقف الشيطان له في هذا الطريق لعلمه بحرصه عليه، ويقظته وتنبهه من أن يؤتى من قبله، فوقف له في طريق آخر، فأغواه وأغراه بالغيبة والنميمة، وأغراه بإطلاق اللسان في الآخرين يشتم هذا، ويقذف هذا دون أدنى حرج، وهو لا يعلم أن طعامه وشرابه ناسياً لا يقارن بما يقترفه من الكبائر الموبقة التي تذهب بأجر الصيام.
وفي أواخر الشهر يسن الاعتكاف حيث يترك الناس الدنيا وزخرفها وضجيجها وضوضائها، ولهوها وزينتها وينقطعون للعبادة والذكر والقيام والقرآن، وفي هذه الخلوة تتسامى أرواحهم، وتصفو نفسهم وتعلو هممهم، ويستمدون الطاقة من الله حتى يستعينوا بهذا الخير وبهذا الزاد طوال عامهم -كما كان حال السلف حيث كانوا يتشوقون ويستعدون لرمضان ستة أشهر وينتفعون به ستة شهر- وبهذا تتحقق التقوى في أتم صورها كما أمر الله تعالى المسلمين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران: 102).. ومن أراد أن يموت على الإسلام فليعش دائماً على الإسلام، وليكن جل دعائه، اللهم أحينا على الإسلام وتوفنا على الإيمان.
وفي هذا الشهر فرضت زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وإغناء لهم عن ذل الحاجة والسؤال في يوم العيد, وبإعطائها للفقراء يتدرب المرء على البذل والعطاء حتى ولو كان معسراً ويصدق فيه قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} (آل عمران: 134).. وفي هذا البذل والعطاء الذي يأخذ هذه الطريقة المنظمة الشاملة العامة لأثر طيب في خُلق الغني وخُلق الفقير فيطهر نفس الغني من الشح والبخل، ويطهر نفس الفقير من الحقد والحسد، يعلم الغني أن المال مال الله وهو مستخلف فيه، ينفق حيث أمر الله ويمسك حيث نهى الله، ويعلم الفقير أن الله لم يتركه هملا ولن يضيع في وسط مجتمع مسلم يعرف حق الله في ماله.
عبادة الصيام تكسب صاحبها خلق المراقبة لله تعالى، فهو يستطيع أن يأكل ويشرب لكنه لا يفعل طاعة لله تعالى ولذلك لا يدخله الرياء، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)) رواه البخاري -5472- (18/293) ومسلم -1945- (6/18).. وإذا صحت المراقبة لله تعالى فسيصلح بصلاحها الشيء الكثير وسينعكس ذلك على سلوك المسلم، وسيتضح ذلك في أخلاقه، وإذا راقب الإنسان الله في عباداته ومعاملاته، وأخذه وعطائه، وعلم أن الله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (الأنعام: 59)..
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(المجادلة: 7).. إذا علم هذا كله واستشعر التوجيه النبوي القائل: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)) رواه البخاري -4404- (14/452) ومسلم -9- (1/87). فقد حاز خيراً كثيراً، وارتقى في سلم الأخلاق والسلوك إلى مدى بعيد.
عبادة الصيام تكسب صاحبها خلق الصبر، فيصبر على الجوع والعطش والشهوات طاعة لله، والصبر نوعان: صبر على الطاعة حتى يفعلها، فإن العبد لا يكاد يفعل المأمور به إلا بعد صبر ومصابرة ومجاهدة لعدوه الباطن والظاهر، فبحسب هذا الصبر يكون أداؤه للمأمورات وفعله للمستحبات, وصبر عن المنهي عنه حتى لا يفعله، فإن النفس ودواعيها وتزيين الشيطان، وقرناء السوء تأمره بالمعصية وتجرئه عليها، فبحسب قوة صبره يكون تركه لها. ويكفي أن الله جعل الصبر طريقاً لنيل الإمامة في الدنيا والدين يقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24).
والصوم يقوي في نفس المسلم الارتباط بالجماعة، ويرسخ في نفسه معنى الاتحاد للتعاون والتناصر؛ فالمسلمون يصومون عند رؤية الهلال، ويفطرون عن رؤيته، ويمسكون عند أذان الفجر ويفطرون عند أذان المغرب، ولسان حاله يردد مع قول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92)..
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: 103)..
والصوم يعود المسلم على احترام الوقت والنظام؛ فتأخير الإفطار بعد الأذان بفترة طويلة مكروه، والإفطار قبل المغرب يبطل الصيام، كما أن تأخير ر السحور من السنة ولكن إذا أكل أو شرب الصائم بعد الأذان ولو بوقت يسير فصيامه باطل، فللوقت أهميته، والناس يفطرون في وقت واحد ويمسكون في وقت واحد، ولو أخذ المسلمون من هذه الدروس وعاشوا بها في حياتهم ومعاملاتهم لفاقوا أمما كثيرة من الغرب أو الشرق ننبهر عندما نرى احترامهم للوقت وتقديسهم للنظام، ونحن أولى بهذه الأخلاق منهم لكننا صدق فينا قول الشاعر:
وأصدق منه قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} (الصف: 2- 3)..
وفي شهر رمضان بدأ نزول القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185).. {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر: 1)..
فلا عجب أن يلتف الناس طوال شهر رمضان حول حلق القرآن وأن ترتفع أصواتهم به في البيوت ووسائل المواصلات؛ فهو شهر القرآن، ولا عجب أن يعيشوا معه قراءة في النهار وأن يطيلوا القيام به في الليل، وحبذا لو قرءوا فتدبروا ففهموا وعملوا ولا يكونون كمن يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، يقرأ: ألا لعنة الله على الظالمين، وهو من الظالمين!.
وفي شهر رمضان يكون الدعاء مستجاباً بإذن الله، وللصائم دعوة مستجابة، فليدع بالخير لنفسه وأهله وإخوانه، وليدع بالنصر لهذه الأمة المنكوبة المكلومة، عسى الله أن يقيلها من عثرتها، ويبدل ذلها عزا، وخوفها أمناً. ولا عجب أن يرشد الله عباده إلى دعائه وسؤاله أثناء الحديث عن أحكام الصيام بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186)..
وفي نهاية هذا الشهر جعل الله عيداً يفرح الناس فيه لأداء هذه الطاعة ولتوفيق الله وهدايته لهم ليعلموا كيف يفرحون ومتى يفرحون، يعرف المسلم أنه يفرح يوم أن يوفق لأداء عبادة من عبادات الله تعالى، ويحزن يوم أن يقترف إثماً مما نهى الله عنه، وإذا فرح فرح على مراد الله لا على مراد نفسه: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: 58).
وهكذا أضحى العيد وكأنه تتويج لهؤلاء الذين نجحوا في الاختبار فحصلوا على الجائزة عند نهاية هذا الشهرشهر
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:16 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الرابع عشر : رمضان ووحدة الأمة


ها نحن نعيش أحلى الأيام في شهر الصيام، شهر الذكر والقرآن، شهر البر والإحسان، شهر الإرادة والصبر، شهر الإفادة والأجر، شهر الطاعة والتعبد، شهر القيام والتهجد، شهر صحة الأبدان، شهر زيادة الإيمان.. أتانا رمضان والنفوس إليه متشوقة، والقلوب إليه متلهفة، نعيش في أرجائه صوراً عظيمة، مساجد ممتلئة بالمصلين، وذاكرين ومرتلين، ومنفقين ومتصدقين، نسمع ترتيل القرآن في المحاريب، وبكاء المبتهلين في الدعاء، فيزداد بذلك التنافس ويعظم العزم، وتقبل النفس.
وفي ظل ما تعيشه الأمة الإسلامية من نكبات وويلات ، وفرقة وشتات ، وتسلط للأعداء في بقاع كثيرة منها، لا شيء يوحدها مثل شهر رمضان الكريم، المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتفقون على تعظيم شهر رمضان يجتمعون فيه على العبادة والطاعة كما أمرهم المولى عز وجل وان اختلفت مظاهر الاحتفاء.
فرمضان يدعو إلى وحدة الصف: وتتجلى فيه تربية الصائمين على الخشونة والصبر وقوة الإرادة، واحتمال المتاعب، فلا مجال للترف والإسراف، بل سبيل الصائم التقشف وضبط النفس، والحسم والعزم؛ فتكتمل الوحدة على أساس متين من الدين.
لذا؛ نجد وحدة الصف تنبع من ساحة الصوم، ومن أبرز مظاهرها ما يلي:
أولاً: فرض الصوم بنداء الله للمؤمنين عامة: كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ...} الآية (183) سورة البقرة. فنداء الله للمؤمنين تكريم لهم وتشريف، ودعوة لهم إلى وحدة صفهم، وتآلف قلوبهم، لعزتهم ورفعة مكانتهم، وفي ذلك من المساواة بينهم ما لا يخفى: فلا فرق بين غني وفقير، ولا بين أبيض وأسود.
ثانيًا: اجتماع المسلمين على بداية رمضان ونهايته دليل على وحدتهم وقوتهم فالبلد الذي يشترك في مطلع الشمس مع غيره من بلاد العالم ، أو كان مطلعه قريبًا من بعضها يلزمه الاتحاد معها في بداية شهر رمضان؛ لأن ذلك يُعدّ مظهرًا لوحدة المسلمين، وقوة لرباطهم الإيماني، حيث يتّحدون في وقت الإفطار والإمساك، ومناجاة الله عند فطرهم وإمساكهم.
كذلك مظهر المسلمين في وحدة صفهم يبرز واضحا في نهاية رمضان وبداية أول ليلة من شوال؛ فالمسلمون يتحدون في التكبير والتهليل، وفي اجتماعهم لصلاة عيد الفطر في الخلاء، أو في مساجدهم على قلب رجل واحد، وفي ذلك من وحدة الصف ما لا يخفى.
ثالثاً : ومن مظاهر الوحدة في رمضان: صلاة القيام في جماعة: فقد اختص رمضان باجتماع المسلمين بعد العشاء في كل ليلة منه؛ لأداء صلاة التراويح في جماعة، يتجهون لقبلة واحدة ، يناجون إلهاً واحداً، وكذلك دعاء بعضهم لبعض في أدعية القنوت وفي الأسحار وعند الإفطار وساعات الإجابة.
رابعًا: اعتكاف صفوة من المسلمين في المساجد تربية على وحدة الصف: فسنة الاعتكاف اختصت بها العشر الأواخر من رمضان؛ تدريبًا لصفوة من أبناء الأمة المسلمة على الرجولة والاتحاد في المظهر والجوهر؛ لتؤصل في المسلمين وحدة الصف.
وهناك مظاهر أخرى كثيرة للوحدة يطول المقام بذكرها، ولكنها لا تخفى على ذي لُبٍّ.
فالله الله أن تكون هذا الوحدة في رمضان ثم كل ينكص على عقبيه! بل تكون باستمرار، فهو دعوة إلى التوحد والاجتماع، ونبذ التفرق والاختلاف.
نسأل الله العظيم أن يوحد صفوف المسلمين، ويؤلف قلوبهم، ويصلح ذات بينهم، ويغفر لنا أجمعين ويعتقنا من النيران.
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:17 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الخامس عشر : رمضان شهر البر

ها هي أيام رمضان تتوالى ، والإحسان فيها يزيد . وأولى الناس بالإحسان من كانا سبباً في وجودنا في هذه الحياة الدنيا بتقدير الله سبحانه وتعالى . من قرن الله حقهما بحقه ، وأمر بطاعتهما والإحسان إليهما في مواضع كثيرة من كتابه وعلى لسان نبيه الذي لا ينطق عن الهوى صلوات ربي وسلامه عليه.
إنهما الأب والأم ، نبع الحنان والشفقة ، يمرضان لمرضك ، ويتألمان لألمك ، ويسعدان لسعادتك ، تكبر أمالهما بقدومك. يشقيان لتسعد أنت ، ويتعبان لترتاح أنت .. أفلا يكون حقاً لهما برك بهما وإحسانك إليهما!
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ}1، وقال ربنا تبارك وتعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}2.
وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}3, وقال تبارك وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}4، وقال الله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}5، وقال الله تبارك وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}6.
فأي وصية بالوالدين أعظم من ذلك . آيات كثيرة جاءت تأمر بالإحسان إليهما ورعاية حقهما ، وعدم الإساءة إليهما أو رفع الصوت عليهما ، وعدم إيذاء مشاعرهما ولو بكلمة ( أف ) . والسعي عليهما ، وخفض الجناح لهما.
فهل يبقى بعد ذلك عاق على عقوقه ، أو مقصر على تقصيره؟!
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو أحفظه))7، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان، فقال لها(أي لعائشة رضي الله عنها ) رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كذاك البر، كذاك البر، وكان أبر الناس بأمه))8.
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن البر من أفضل الأعمال وأحبها عند الله تعالى؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم : "أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها)) قال: ثم أي؟ قال: ((ثم بر الوالدين)) قال: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني"9.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من ؟ قال: ((ثم أبوك))10.

عليك ببر الوالدين كليهما وبرِّ ذوي القربى وبرِّ الأباعدِ
ولا تصحبن إلا تقياً مهذباً عفيفاً ذكياً منجزاً للمواعدِ11
وبر الوالدين ممتد طوال عمر الإنسان حتى وإن مات والداه ، فعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما ؟ قال : ((نعم؛ الصلاة عليهما و الاستغفار لهما و إنفاذ عهودهما و إكرام صديقهما و صلة الرحم الذي لا رحم لك إلا من قبلهما )) أخرجه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي.
وهاك أخي بعض فوائد بر الوالدين:
1. بر الوالدين سبب في دخول الجنة كما تقدم.
2. وبر الوالدين سبب في إطالة العمر لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه))12. وليس صلة أعظم من بر الوالدين.
3. ومنها: أن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله كما تقدم.
4. ومنها: إجابة الدعاء، فقد بوب الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه: "باب إجابة دعاء من بر والديه"، ثم ذكر حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة: قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأة، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم حلبت لهما، فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل صبيتي، وإنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آتِ حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحِلال، وقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي - يصيحون ويبكون من الجوع - فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة، فرأينا منها السماء)) رواه البخاري ومسلم

وكما أن البر من أفضل الأعمال وأزكاها ، فإن العقوق من كبائر الذنوب وأوجبها للعقوبة.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: ((الإشراك بالله)) قال ثم ماذا؟ ((ثم عقوق الوالدين)) قال ثم ماذا؟ قال: ((اليمين الغموس)) قلت وما اليمين الغموس؟ قال: ((الذي يقتطع مال امرئٍ مسلم هو فيها كاذب)) أخرجه البخاري .
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟! )) ثلاثا ، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ))، وجلس وكان متكئا فقال: (( ألا وقول الزور ))، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت". أخرجه البخاري ومسلم
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه )) قيل : وكيف يسب الرجل والديه ؟ قال : (( يساب الرجل فيسب أباه ويسب أمه)) رواه مسلم.

نعوذ بالله من العقوق والخذلان ، ونسأله تبارك وتعالى أن يمنَّ علينا بطاعة والدينا والإحسان إليهما وبرهما أحياءً وأمواتاً، وأن يغفر لنا ولهم إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين..

1 سورة البقرة (83).

2 سورة الأنعام (151).

3 سورة الإسراء (23).

4 سورة العنكبوت (8).

5 سورة لقمان (14-15).

6 سورة الأحقاف (15).

7 رواه الترمذي في سننه برقم (1900)، وقال: وهذا حديث صحيح؛ وابن ماجة برقم (2089) وبرقم (3663)؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (1699)، وبرقم (2955)؛ وفي السلسة الصحيحة برقم (914).

8 رواه أحمد في المسند برقم (25223)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين؛ والحاكم في المستدرك برقم (7247)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (913).

9 رواه البخاري في صحيحه برقم (504)؛ ورقم (5625)؛ ومسلم برقم (85).

10 رواه البخاري في سننه برقم (5626)؛ ومسلم برقم (2548).

11 انظر الترغيب والترهيب للمنذري (331).

12 رواه البخاري في صحيحه برقم (5640)؛ ومسلم برقم (2557).
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:18 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس السادس عشر : رمضان وصلة الأرحام

رمضان شهر البركات والخيرات ، فيه تتآلف القلوب ،وتزول الشحناء ، وتزداد أعمال البر..
وذلك لما فيه من إقبال النفوس على بارئها ، واستشعارها معاني الصيام والقيام ، وتعرضها لنفحات رمضان ، ورحمات الملك العلام.
والبر والصلة أمر واجب على المسلم ، والعقوق والقطيعة من كبائر الذنوب ، وشهر رمضان فرصة لإصلاح ذات البين ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام.
ولابد من استغلال مناسبات الخير ومواسم الطاعات التي ترق لها القلوب، وتلين فيها المشاعر لكي نصل ما انقطع من حبال الوصال، ونكون من العاملين بقوله - تعالى-: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} سورة الرعد 21.
فصلة الأرحام برهان على صلاح الباطن بالتقوى، والخوف من الله، وصلاح الظاهر بحسن الخلق مع عباد الله. وهي برهان من براهين الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)) رواه البخاري
والتعبد بصلة الأرحام من أجلِّ أعمال البر
المقربة إلى الله عز وجل، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل يدنيني من الجنة، ويباعدني من النار؟، فقال له: ((تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ)) فلما أدبر الرجل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ)) رواه مسلم
صلة الرحم سبب لمغفرة الذنوب
واسمع رحمك الله إلى هذا الحديث فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي رجل فقال: إني أذنبت ذنباً عظيماً، فهل لي توبة؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هل لك من أم؟)) قال: لا. قال: ((فهل لك من خالة؟)) قال: نعم. قال: ((فبرّها)) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في الترغيب والترهيبب
والرحم تشهد لمن وصلها يوم القيامة،
فعن ابن عباس قال: قال -صلى الله عليه وسلم- : ((وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها)) أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني..
والصلة تعجل الثواب والقطيعة تعجل العقاب, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ليس شيء أُطِيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم)) أخرجه البيهقي وصححه الألباني. وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أحرى أن يعجل اللهُ لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدِّخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي)) أخرجه الحاكم في المستدرك.
وصلة الرحم سبب لمحبة الأهل للواصل
: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:((إن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر)) رواه الترمذي وصححه الألباني
ومع أن صلة الأرحام من أوسع سبل السلام الموصلة إلى دار الخلود فإن قطعها من أسرع الطرق الموصلة للهلاك في الدنيا والآخرة، ولهذا اقترن قطع الأرحام بالإفساد في الأرض قال - تعالى-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (22-23) سورة محمد، وقد توعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاطع الرحم فقال: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ)) رواه البخاري ومسلم.
إن كثيراً من الناس يستسهلون قطيعة الأرحام، وربما تمر عليهم الأسابيع والشهور بل و السنون الطوال وهم مقيمون على تلك المعصية، ذاهلون عن حقيقة أن خصومتهم مع ذوي أرحامهم ستتحول إلى خصومة بين يدي الملك الجبار - جل وعلا -.
ففي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِه قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ))قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} سورة محمد 22-23. رواه البخاري ومسلمم
إن الله - تعالى- يصل من وصل رحمه، ويجعل راحة نفسه في تلك الصلة، ولكن هذه الصلة تحتاج إلى جهد كبير للإبقاء عليها صافية دون نزغات أو نزاعات، وتحتاج إلى جهد أكبر لإعادتها إلى ما كانت عليه إذا طغت تلك النزغات والنزاعات حيث تبرز الحاجة إلى إصلاح ذات البين، ومن هنا اكتسب إصلاح ذات البين منزلة عالية من منازل الطاعة والإحسان، حتى قال سبحانه: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة النساء 1144، ولكن للأسف هناك من يتعللون في قطيعة أرحامهم بأن أرحامهم بدؤوهم بالقطعية، وهؤلاء أخطأوا أولاً في أنهم قابلوا الإساءة بالإساءة ولم يقابلوا الإساءة بالإحسان، وأخطأوا ثانياً في أنهم ساووهم في معصية قطيعة الرحم، وأخطئوا ثالثاً في أنهم ظنوا أن الوصال لا يصلح أن يكافأ به من يقاطع، مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)) رواه البخاري
وإلى جانب تعلل بعض الناس في قطع الأرحام باستحقاق أهليهم للقطيعة فإن هناك من يتخوفون من إراقة ماء وجوههم إذا ردهم أهلون جاحدون، لا يقبلون منهم صلحاً، ولا يلينون لهم جانباً، ولمثل هؤلاء نقص خبر الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ((لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ)) رواه مسلم.
وأبواب الصلة كثيرة ، ولا تقتصر على زيارة أو مكالمة ، فالناس يتفاوتون فيما يدخل عليهم السرور ، ويتفاوتون في أحوالهم ومعيشتهم ، لذا فإن الصلة تكون بالمال أو بالهدية أو الزيارة أو الاتصال أو السؤال عنهم وتفقد أحوالهم، والتصدق على فقيرهم، والتلطف مع غنيهم، واحترام كبيرهم، وتكون كذلك باستضافتهم وحسن استقبالهم، ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أحزانهم، كما تكون بالدعاء لهم، وسلامة الصدر نحوهم، وإجابة دعوتهم، وعيادة مرضاهم، كما تكون بدعوتهم إلى الهدى، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، أو بأي شيء تيسر، يقول ابن أبي حمزة: "تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء". وقال النووي: "صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة والسلام وغير ذلك" ( شرح النووي لمسلم 1/287 ) والصدقة إلى ذي الرحم أولى لقوله عليه السلام: ((وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)) رواه البخاري ومسلم..
قال ابن عابدين: "صلة الرحم واجبة ولو كانت بسلام، وتحية، وهدية، ومعاونة، ومجالسة، ومكالمة، وتلطف، وإحسان، وإن كان غائباً يصلهم بالمكتوب إليهم، فإن قدر على السير كان أفضل".
فها هو شهر البر والخيرات ، وها هي أيام الرحمات ، فهلم نصل أرحامنا ، نصل من قطعنا ، ونعطي من حرمنا ، ونعفو عمن ظلمنا .
نسألك اللهم قلوباً سليمة ، ونفوساً زكية ، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:19 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس السابع عشر : غزوة بدر الكبرى


رمضان شهر البطولات والفتوحات ، شهر التضحيات والتجليات ، وفي هذا الشهر المبارك نصر الله المسلمين في غزوة بدر الكبرى على أعدائهم المشركين، وسَمَّى ذلك اليوم يوم الفرقان؛ لأنه سبحانه فرق فيه بين الحق والباطل بنصر رسوله والمؤمنين, وخذل الكفار المشركين, كان ذلك في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة.سبب الغزوة.
كان سبب هذه الغزوة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلغه أن أبا سفيان قد توجه من الشام إلى مكة بِعِيرِ قريش, فدعا أصحابه إلى الخروج إليه لأخذ العير؛ لأن قريشاً حَرْبٌ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ليس بينه وبينهم عهد, وقد أخرجوهم من ديارهم وأموالهم وقاموا ضد دعوتهم -دعوة الحق- فكانوا مستحقين لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بعيرهم, فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً على فرسين, وسبعين بعيراً يعتقبونها, منهم سبعون رجلاً من المهاجرين, والباقون من الأنصار, يقصدون العير لا يريدون الحرب، ولكن الله جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ويتم ما أراد، فإن أبا سفيان علم بهم فبعث صارخاً إلى قريش يستنجدهم ليحموا عيرهم وترك الطريق المعتادة, وسلك ساحل البحر فنجا.
أما قريش فإنهم لما جاءهم الصارخ خرجوا بأشرافهم عن بكرة أبيهم في نحو ألف رجل معهم مائة فرس وسبعمائة بعير؛ {بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}1. ومعهم القيان يغنين بهجاء المسلمين، فلما علم أبو سفيان بخروجهم بعث إليهم يخبرهم بنجاته ويشير عليهم بالرجوع وعدم الحرب، فأبوا ذلك, وقال أبو جهل: "والله لا نرجع حتى نبلغ بدراً ونقيم فيه ثلاثاً؛ ننحر الْجَزور، ونطعم الطعام ونسقي الخمر, وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً.
أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه لما علم بخروج قريش جمع من معه من الصحابة فاستشارهم , فقام المقداد بن الأسود -وكان من المهاجرين- وقال: يا رسول الله, امض لما أمرك الله -عز وجل- فوالله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}2، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك, وقام سعد بن معاذ الأنصاري -سيد الأوس- فقال: "يا رسول الله, لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم, وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت، وصِلْ حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالهم ما شئت، وأعطنا منها ما شئت, وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت, وما أمرت فيه من أمر فأمرنا فيه تبعاً لأمرك, فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البِرَك من غَمدان لنسيرن معك, ولئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك, وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غداً, إننا لصبر عند الحرب، صُدْقٌ عند اللقاء، ولعل الله يُرِيكَ منا ما تقر به عينك".

فَسُرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمع من كلام المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم-, وقال: «سيروا وأبشروا, فوالله لَكَأَنِّي أنظر إلى مصارع القوم»3.
فسار النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزل بالعدوة الدنيا مما يلي المدينة, وقريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة، وأنزل الله تلك الليلة مطراً, كان على المشركين وابلاً شديداً ووحلاً زلقاً يمنعهم من التقدم، وكان على المسلمين طَلّاً طهرهم ووطَّأ لهم الأرض, وشد الرمل ومهد المنزل, وثبت الأقدام.

وبنى المسلمون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عريشاً على تل مُشْرِف على ميدان الحرب، ثم نزل -صلى الله عليه وسلم- من العريش فسوَّى صفوف أصحابه، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده إلى مصارع المشركين ومحلات قتلهم، يقول: «هذا مصرع فلان إن شاء الله، هذا مصرع فلان». فما جاوز أحد منهم موضع إشارته4.

ثم نظر -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه وإلى قريش فقال: «اللهم هذه قريش جاءت بفخرها وخيلائها وخيلها تُحَادُّك وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تُعْبَد، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعْبَد»5.
واستنصر المسلمون ربهم واستغاثوه فاستجاب لهم: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}6.

ثم تقابل الجمعان, وحَمِيَ الوطيس واستدارت رَحَى الحرب, ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العريش، ومعه أبو بكر وسعد بن معاذ يحرسانه، فما زال -صلى الله عليه وسلم- يناشد ربه ويستنصره ويستغيثه، فأغفى إغفاءة ثم خرج يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}7. وحَرَّضَ أصحابه على القتال, وقال: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقْتَل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر, إلا أدخله الله الجنة»", فقام عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن فقال: يا رسول الله, جنةً عرضها السماوات والأرض ؟

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نعم». قال: بَخٍ بَخٍ يا رسول الله, ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟! لئن حَيِيتُ حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم ألقى التمرات, وقاتل حتى قُتِلَ -رضي الله عنه8.
وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفاً من تراب أو حصا فرمى بها القوم فأصابت أعينهم، فما منهم واحد إلا ملأت عينه, وشُغِلوا بالتراب في أعينهم, إنها آيةً من آيات الله -عز وجل-. فهُزِمَ جمعُ المشركين وولوا الأدبار, واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون فقتلوا سبعين رجلاً وأسروا سبعين، أما القتلى فأُلْقِيَ منهم أربعة وعشرون رجلاً من صناديدهم في قليب من قلبان بدر, منهم أبو جهل وشيبة بن ربيعة وأخوه عتبة وابنه الوليد بن عتبة.

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استقبل الكعبة فدعا على هؤلاء الأربعة, قال: "فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا"9.
وعن أبي طلحة -رضي الله عنه- أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ, وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ, فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: «يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ: أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»10.

مشاركة الملائكة:
وكانت الملائكة يومئذ تبادر المسلمين إلى قتل أعدائهم, قال ابن عباس –رضي الله عنهما- بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ, فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «صَدَقْتَ, ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ»11.

وقال أبو داود المازني: إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري.
وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً ، على فرس أبلق ما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنـا أسرته يا رسول الله. فقال: «اسكت, فقد أيدك الله بملك كريم»12.

شهداء المسلمين:
واستشهد من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين, وستة من الخزرج، واثنان من الأوس، وفرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم من شأن بدر والأسارى في شوال.

مع الأسرى:
وأما الأسرى فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- استشار الصحابة فيهم, وكان سعد بن معــاذ –رضي الله عنه- قد ساءه أمرهم, وقال: كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين وكان الإثخان في الحرب أحب إلي من استبقاء الرجال.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه, وتمكنني من فلان -يعني قريباً له- فأضرب عنقه, فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها", وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: هم بنو العم والعشيرة, وأرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار, فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الفدية، فكان أكثرهم يفتدي بالمال من أربعة آلاف درهم إلى ألف درهم، ومنهم من افتدى بتعليم صبيان أهل المدينة الكتابة والقراءة، ومنهم من كان فداؤه إطلاق مأسور عند قريش من المسلمين, ومنهم من قتله النبي -صلى الله عليه وسلم- صبراً لشدة أذيته, ومنهم مَنْ مَنَّ عليه بدون فداء للمصلحة.
هذه هي غزوة بدر, انتصرت فيها فئة قليلة على فئة كثيرة: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ}13.

انتصرت الفئة القليلة؛ لأنها قائمة بدين الله تقاتل لإعلاء كلمته والدفاع عن دينه فنصرها الله -عز وجل-، فقوموا بدينكم أيها المسلمون لِتُنْصَروا على أعدائكم, واصبروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

آية محمدية
:
لقد ظهرت آيات النبوة المحمدية في ذلك اليوم في عدد من المواقف العجيبة لا يتسع المقام لذكرها, لكن نذكر واحدة منها هنا, وهي: أنه لما كانت المعركة دائرة والقتال مستمراً كان سيف عكَّاشة بن محصن –رضي الله عنه- ينقطع من الضرب في يده, فاحتار كيف يقاتل! فأتى النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو في العريش –مركز القيادة- وشكا إليه انقطاع سيفه, فأعطاه النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- عوداً من حطب, وقال: "قاتل بهذا يا عكاشة".

فلما أخذه من يد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-هزَّه في يده فعاد سيفاً في يده طويل القامة, شديد المتن, أبيض الحديدة, فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين, وكان ذلك السيف يسمى: "العون", وما زال مع عكاشة يقاتل به حتى قتل –رضي الله عنه- في حرب الردة على عهد أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-, فكان هذا السيف آية من آيات النبوة المحمدية القوية.

دروس وعبر من معركة بدر
:
من النتائج والعبر التي استفيدت من هذه الغزوة ما يلي:
1- بيان تاريخ غزوة بدر, وأنها كانت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة, مما يدل على أن رمضان شهر العبادة والجهاد لا شهر الكسل والنوم.
2- العمل بمشروعية جزاء السيئة سيئة مثلها,إذ قريش طردت المؤمنين وصادرت أموالهم, فاعتراض عيرها لأخذ ما معها من أموال كان عدلاً لا ظلم فيه.
3- مشروعية الشورى وأنها من الواجبات الضرورية في كل ما يهم أمر المسلمين؛ لاستشارة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أصحابه في أمر قتال المشركين في بدر.
4- ضرورة استعمال الرأي والمكيدة في الحرب.
5- ظهور الآيات النبوية المحمدية المتمثلة في عدة مواقف كانقلاب العصا سيفاً لعكاشة, وحفنة الحصا التي رمى به النبي –صلى الله عليه وسلم- القوم فأصابت جيشاً فخبَّلته, وأصابته بالتمزق والهزيمة.
6- تقرير مبدأ لا موالاة بين الكافر والمؤمن؛ إذ قاتل الرجل ولده وقاتل أباه وقاتل ابن عمه في معركة بدر.

اللهم انصرنا بالإسلام واجعلنا من أنصاره والدعاة إليه، وثبتنا عليه إلى أن نلقاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.

1 سورة الأنفال (47).

2 سورة المائدة (24).

3 دلائل النبوة للبيهقي -874- (3/4). وصححه الألباني في فقه السيرة ص (223).

4 رواه مسلم -5120- (ج 14 / ص 36).

5 رواه البخاري -2699- (10/ 56).

6 سورة الأنفال (12-14).

7 سورة القمر (45).

8 رواه مسلم (1901).

9 رواه البخاري -3665- (12/357) ومسلم -3351- (9/277).

10 رواه البخاري -3679- (12/372).

11 رواه مسلم -3309- (9/214).

12 مسند أحمد (948)، ومصنف ابن أبي شيبة - (8/473), والسيرة النبوية لابن كثير - (2/424). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (9953): رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح غير حارثة بن مضرب وهو ثقة.

13 سورة آل عمران (13).
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:19 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثامن عشر : الصائمون الأوائل

حتى نحصل على الثمرة المرجوة من الصيام لابد أن يكون صيامنا كما كان عليه حال سلفنا الصالح, تنافساً في الطاعات, وتزوداً من النوافل والقربات, ومن أهمها أداء الفرائض مع جماعة المسلمين, والحرص على أداء صلاة التراويح والقيام, وبذل الصدقات للمحتاجين, وتجنب كل ما يخدش ويفسد الصيام من الأقوال والأفعال.
لقد كان السلف –رحمهم الله- مثالاً رائعاً في الحرص على أنواع الطاعات والقربات خاصة في رمضان, وروي عنهم قي ذلك قصصاً عجيبة من ذلك:
باع قوم جارية لهم لأحد الناس, فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان –كما يصنع كثير من الناس اليوم- فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: لماذا تصنعون ذلك؟ فقالوا: لاستقبال شهر رمضان. فقالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟!! والله, لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كلها رمضان, لا حاجة لي فيكم, ردوني إليهم, ورجعت إلى سيدها الأول!!

من صور قيام الليل عند الأوائل خلال السنة -ناهيك عن رمضان- ما يروى عن الحسن بن صالح –وهو من الزهاد العباد الورعين- أنه كان يقوم الليل هو وأخوه وأمه أثلاثاً, فلما ماتت أمه تناصفا هو وأخوه الليل, فيقوم هو نصف الليل ويقوم أخوه النصف الآخر, فلما مات أخوه صار يقوم الليل كله!!. ومن الصور عنهم –رحمهم الله- ما ذكر السائب بن يزيد أن القارئ كان يقرأ بمئات الآيات حتى كان الواحد منهم يعتمد على العصي من طول القيام.
ولقد كان من حال أسلافنا أنهم كانوا يعتنون بكتاب الله تعالى –خاصة في هذا الشهر الكريم- فقد كان جبريل –عليه السلام- يدارس رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان, وكان بعض السلف يختم القران في قيام رمضان في كل ثلاث ليال, وبعضهم في سبع, وبعضهم في كل عشر, فكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها, وكان قتادة –رحمه الله- يختم في كل سبع دائماً, وفي رمضان في كل ثلاث, وفي العشر الأواخر في كل ليلة.
وكان الزهري -رحمه الله- إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم, ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف, وعن الإمام مالك مثله. وكان سفيان الثوري –رحمه الله- إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة من النوافل وأقبل على قراءة القرآن. وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة وعن أبي حنيفة نحوه.
ولما كان للصدقة في رمضان مزية وخصوصية فقد كان السلف يتسابقون في ذلك ابتغاء رضوان الله, وذلك في صور متعددة منها إطعام الطعام سواء كان بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح -حيث لا يشترط في المطعم الفقر- قال –صلى الله عليه وسلم- ((أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ))1.
ومما يبين حرصهم ذلك قول زيد بن أسلم: "سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي, فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟)) قُلْتُ مِثْلَه,ُ قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟)) قَالَ: "أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" قُلْتُ لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا"2. هكذا كان حرصهم في إرضاء ربهم وحبهم الخير للآخرين عموماً وفي رمضان خاصة.
ومن صور تقربهم إلى الله في رمضان أن كثيراً منهم كان يؤثر بفطوره وهو صائم, منهم عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- وداود الطائي, ومالك بن دينار, وأحمد ابن حنبل, وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين, وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر في تلك الليلة!!
وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ويروحهم, منهم الحسن وابن المبارك. وقال أبو السوار العدوي –رحمه الله-: "كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده, إن وجد من يأكل معه أكل, وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه. يا لها من نفوس طاهرة محبة للخير والإحسان خاصة في أيام النفحات.
إن عبادة إطعام الطعام ينشأ عنها عبادات كثيرة منها التودد والتحبب إلى إخوانك الذين أطعمتهم فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة: ((لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ))3. هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم.
كما ينشأ عنها: مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك الذي أطعمتهم إياه.
أخي الكريم: انظر كيف كان هؤلاء النخبة ممن اصطفاهم الله كيف كانوا يشمرون في مرضات الله واسلك سبيلهم, واجعل من رمضان شهر عبادة ودليل سعادة وخير وسعادة, وتذكر أن إدراكك لهذا الشهر المبارك نعمة عظيمة, فها أنت ذا تحيا صحيحاً سليماً, وها قد أتاك رمضان وأنت ضارب عنه بالنسيان, تذكر يوم توضع في القبر:
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة فعند اللقاء ذا الكد يصبح زائلاً
فما هي إلا ساعة ثم تنقضــي ويصبح ذا الأحزان فرحان جاذلاً
تذكر أخي الصائم أن فلاح الدارين متعلق بتحقق التقوى في نفسك, ثم تذكر أن رمضان سبيل التقوى, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}4. فكيف يعبد المسلم ربه في رمضان وكيف يقضي لحظاته ليلحق بذلكم الركب الصالح فيكون من المتقين الفائزين بفضله وثوابه؟
بادر -رحمك الله- بالتفرغ للعبادة والتوبة والاستغفار, وبالصدقة والمحافظة على الأذكار, والتبتل والدعاء بالأسحار قبل فوات الأوان.
واللهَ أسأل أن يجعل شهر رمضان شاهداً لنا بالخيرات, لا شاهداً علينا بالذنوب والسيئات, وأعتق يا ربنا رقابنا من النار في هذا الشهر الكريم, وألحقنا بسلف الأمة المهتدين, برحمتك يا أرحم الراحمين.

1 رواه ابن ماجه -3242- (9/458) وأحمد -22668- (48/302), وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(7865).

2 رواه أبو داود -1429- (4/494) والترمذي -3608-(12/134) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم:(3675).

3 رواه مسلم -81- (1/180).

4 سورة البقرة (183).
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:20 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس التاسع عشر : غزوة فتح مكة


كما كان في شهر رمضان المبارك غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها الإسلام وعلا مناره، كان فيه أيضاً غزوة فتح مكة البلد الأمين في السنة الثامنة من الهجرة، فأنقذه الله بهذا الفتح العظيم من الشرك الأثيم، وصار بلداً إسلامياً حل فيه التوحيد عن الشرك، والإيمان عن الكفر، والإسلام عن الاستكبار، أُعْلِنَت فيه عبادة الواحد القهار، وكُسِرَت فيه أوثان الشرك فما لها بعد ذلك انجبار.

سبب الغزوة:
كان سبب الفتح ما كان في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد –صلى الله عليه وسلم- وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل, فتواثبت خزاعة وقالوا: نحن ندخل في عقد محمد وعهده, وتواثبت بنو بكر وقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم.

فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهراً، ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلاً بماء يقال له الوتير -وهو قريب من مكة- وقالت قريش: ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا من أحد, فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فركب عمرو بن سالم عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبر الخبر وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنشدها إياه:
يا رب إني ناشـــد محمداً

حلـف أبيـه وأبينـا الأتلدا
قد كنتم ولداً وكنا والــداً

ثمت أسلمنا فلـم ننزع يـدا
فانصر رسول الله نصراً أبـداً

وادع عبـاد الله يأتـوا مددا
فيهم رسول الله قد تـجردا

إنْ سيم خسفاً وجـهه تربدا
في فيلق كالبحر يجرى مزبـداً

إنَّ قريشـاً أخلفوك الموعـدا
ونقضـوا ميثاقك المؤكـدا

وجعلوا لي في كداء رصـدا
وزعموا أن لست أدعو أحداً

فهـم أذلّ وأقـلّ عــددا
هـم بيتـونا بالوتير هجـداً

وقتلونا ركـــعاً وسجـدا

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نصرت يا عمرو بن سالم)) فما برح حتى مرت بنا سحابة في السماء, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب".
وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم.
أما قريش فسقط في أيديهم ورأوا أنهم بفعلهم هذا نقضوا عهدهم, فأرسلوا زعيمهم أبا سفيان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشد العقد ويزيد في المدة، فكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك فلم يَرُدَّ عليه، ثم كلم أبا بكر وعمر ليشفعا له إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يُفلح، ثم كلم علي بن أبي طالب فلم يفلح أيضاً، فقال له: ما ترى يا أبا الحسن؟ قال: ما أرى شيئاً يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فقم فأَجِر بين الناس، قال: أترى ذلك مُغْنِيًا عني شيئاً؟ قال: لا والله, ولكن ما أجد لك غيره.

ففعل أبو سفيان ثم رجع إلى مكة فقالت له قريش: ما وراءك؟ قال: أتيت محمداً فكلمته فوالله ما رَدَّ علي شيئاً, ثم أتيت ابن أبي قحافة وابن الخطاب فلم أجد خيراً, ثم أتيت علياً فأشار علي بشيء صنعتُه أَجَرْتُ بين الناس, قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويحك, ما زاد الرجل (يعنون علياً) أن لعب بك.

وأما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أمر أصحابه بالتَّجَهُّز للقتال, وأخبرهم بما يريد, واستنفر مَنْ حوله من القبائل وقال: ((اللهم خذ الأخبار والعيون عن قريش حتى نَبْغَتَها في بلادها)), ثم خرج من المدينة بنحو عشرة آلاف مقاتل, وولَّى على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم, ولما كان في أثناء الطريق لقيه في الْجُحْفَة عمه العباس بأهله وعياله مهاجراً مسلماً, وفي مكان يسمى الأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابن عمته عبد الله ابن أبي أمية, وكانا من أشد أعدائه فأسلما فقَبِلَ منهما, وقال في أبي سفيان: ((أرجو أن يكون خَلَفا من حمزة)).

ولما بلغ -صلى الله عليه وسلم- مكاناً يسمى مَرَّ الظَّهْرَان قريباً من مكة أمر الجيش فأوقدوا عشرة آلاف نار, وجعل على الحرس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وركب العباس بغلة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلتمس أحداً يُبَلِّغ قريشاً ليخرجوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيطلبوا الأمان منه ولا يحصل القتال في مكة البلد الأمين، فبينما هو يسير سمع كلام أبي سفيان يقول لبُديل بن ورقاء: ما رأيت كالليلة نيراناً قط، فقال بُديْل: هذه خزاعة، فقال أبو سفيان: خزاعة أقل من ذلك وأذل، فعرف العباس صوت أبي سفيان فناداه فقال: ما لك أبا الفضل؟

قال: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس، قال: فما الحيلة؟ قال العباس: اركب حتى آتي بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأستأمنه لك، فأتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ويحك يا أبا سفيان, أما آن أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟)) فقال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! لقد علمت أن لو كان مع الله غيره لأغنى عني.

قال: ((أما آن لك أن تعلم أني رسول الله؟)), فتَلَكَّأ أبو سفيان، فقال له العباس: ويحك أَسْلِمْ فأَسْلَمَ وشهد شهادة الحق.
ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- العباس أن يوقف أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى يمر به المسلمون، فمر به القبائل على راياتها ما تمر به قبيلة إلا سأل عنها العباس فيخبره فيقول: ما لي ولها؟ حتى أقبلت كتيبة لم يُرَ مثلها فقال: من هذه؟ قال العباس: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عُبَادة معه الراية، فلما حاذاه سعد قال: أبا سفيان, اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحَلُّ الكعبة، ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب وأجَلُّها فيهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ورايته مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي سفيان أخبره بما قال سعد, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كذب سعد ولكن هذا يوم يُعَظِّم اللهُ فيه الكعبة ويوم تُكْسَى فيه الكعبة)), ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تُؤْخَذَ الراية من سعد وتُدْفع إلى ابنه قيس, ورأى أنها لم تخرج عن سعد خروجاً كاملاً إذا صارت على ابنه.

ثم مضى -صلى الله عليه وسلم- وأمر أن تُرْكَز رايته بالحجون، ثم دخل مكة فاتحاً مُؤَزَّراً منصوراً قد طأطأ رأسه تواضعاً لله -عز وجل- حتى إن جبهته تكاد تمس رحله وهو يقرأ قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} سورة الفتح(1). ويُرَجِّعها.

وبعث -صلى الله عليه وسلم- على إحدى الْمُجَنِّبتين خالدَ بن الوليد وعلى الأخرى الزبيرَ بن العوام, وقال: ((من دخل المسجد فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل بيته وأغلق بابه فهو آمن))، ثم مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى المسجد الحرام فطاف به على راحلته، وكان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم، فجعل -صلى الله عليه وسلم- يطعنها بقوس معه ويقول: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} سورة الإسراء(81). {قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} سورة سبأ (49). والأصنام تتساقط على وجوهها، ثم دخل -صلى الله عليه وسلم- الكعبة فإذا فيها صور فأمر بها فمُحِيَت ثم صلى فيها، فلما فرغ دار فيها وكبر في نواحيها ووحد الله -عز وجل- ثم وقف على باب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ما يفعل، فأخذ بعِضادتي الباب وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش, إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وَتَعَظُّمَهَا بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب, {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات(13). يا معشر قريش, ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: ((فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ} سورة يوسف (92). اذهبوا فأنتم الطلقاء"1.

ولما كان اليوم الثاني من الفتح قام النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيباً في الناس فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: ((إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ))2. -وكانت الساعة التي أحلت فيهـا لرسـول الله -صلى الله عليه وسلم- من طلوع الشمس إلى صلاة العصر يوم الفتح-، ثم أقام -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة, ولم يصم بقية الشهر»؛ لأنه لم ينو قطع السفر، أقام ذلك لتوطيد التوحيد ودعائم الإسلام وتثبيت الإيمان ومبايعة الناس. وفي الصحيح: عن مجاشع –رضي الله عنه- قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. قَالَ: «ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا».

فَقُلْتُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: «أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ»3.
وبهذا الفتح المبين تم نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وعاد بلد الله بلداً إسلامياً أعلن فيه بتوحيد الله وتصديق رسوله وتحكيم كتابه, وصارت الدولة فيه للمسلمين واندحر الشرك وتبدد ظلامه ولله الحمد، وذلك من فضل الله على عباده إلى يوم القيامة.

وقفة مع أحداث الغزوة:
لقد حدثت في هذه الغزوة العظيمة وعقيبها أحداث مثيرة لا يتسع المجال لذكرها كاملة, والتي منها قصة حاطب المشهورة, وما كان من أمره مع أهل مكة في إرساله رسالة لهم يخبرهم بعزم الرسول –صلى الله عليه وسلم- على الهجوم عليهم, وعتاب الله له والعفو عنه.

ومنها إسلام أبي قحافة والد أبي بكر الصديق –رضي الله عنهما- وغيرها لكن أقتصر على ذكر هذا الموقف الذي يبين مكانة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند ربه وحفظه إياه, تلكم قصة فضالة حيث كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يطوف بالبيت يوم الفتح وكان فضالة بن عمير ابن الملوح فكّر في قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف, فلما دنا من الرسول-صلى الله عليه وسلم- قال الرسول –عليه الصلاة والسلام-: "أفضالة؟" قـال: نعم, فضالة يا رسول الله. قال: "ماذا كنت تحدث به نفسك"؟ قال: لا شيء, كنت أذكر الله. فضحك النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "استغفر الله", ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه, فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه. قال فضالة: فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها, فقالت: هلمَّ إلى الحديث, فقلت: لا, وانبعثت أقول:

قالت هلمَّ إلى الحديث فقلت لا

يأبى عليـك الله والإســلام
لو ما رأيت محمّـداً وقبيــلَه

بالفتح يوم تكسر الأصنــام
لرأيت دين الله أضحــى بيننا

والشرك يغشى وجههه الإظلام

ومن الأحداث يوم الفتح: سرايا بعثها –عليه الصلاة والسلام-حول مكة, ولم يأمرهم بالقتال؛ منها: سرية خالد بني جذيمة , وقصة إسلام عباس بن مرداس, وهدم خالد بن الوليد للعُزَّى بنخلة الذي كانت تعظمه قريش وكنانة ومضر.

دروس وعبر من الفتح:
إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نذكر منها ما يلي:
1-بيان عاقبة نكث العهود وأنها وخيمة للغاية, إذ قريش نكثت عهدها فحلت بها الهزيمة وخسرت كيانها الذي كانت تدافع عنه وتحميه.
2-مشروعية السفر في رمضان وجواز الفطر والصيام فيه على حد سواء.
3-مشروعية التعمية على العدو حتى يباغت قبل أن يكون قد جمع قواه فتسرع إليه الهزيمة وتقل الضحايا والأموات من الجانبين حقناً للدماء البشرية.
4-فضيلة إقالة عثرة الكرام, وفضل أهل بدر تجلى في العفو عن حاطب بعد عتابه.
5-بيان الكمال المحمدي في قيادة الجيوش وتحقيق الانتصارات الباهرة.
6-مشروعية إنزال الناس منازلهم,حيث تجلى هذا في إعطاء الرسول –صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان كلمات يقولهن فيكون ذلك فخراً واعتزازاً, وهو قوله: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)).
7-بيان تواضع الرسول –صلى الله عليه وسلم- لربه شكراً له على آلائه وإنعامه عليه إذ دخل مكة مطأطئاً رأسه حتى أن لحيته تمس رحل ناقته تواضعاً لله وخشوعاً.
8-بيان العفو المحمدي الكبير إذ عفا عن قريش -العدو الألد- ولم يقتل منهم سوى أربعة رجال وامرأتين إذ رفضوا الإسلام.
9-مشروعية كسر الأصنام والصور والتماثيل وإبعادها من بيوت الله تعالى.
اللهم ارزقنا شكر هذه النعمة العظيمة، وحَقِّق النصر للأمة الإسلامية كل وقت وفي كل مكان، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين

1 السيرة النبوية لابن كثير - (3/570), وضعف الألباني هذه الرواية في السلسلة الضعيفة برقم0:(1163)..

2رواه البخاري -1701- (6/363) ومسلم -2413- (7/84).

3 رواه البخاري -3966- (13/202).

منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:21 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس العشرون ـ وأقبلت نفحات العشر

أيها الأخ الحبيب: بأي حروف نتكلم؟ وبأي عبارات نتحدث؟!
قبل أيام قليلة عمَّ الفرح قلوبنا، وتحدث السرور إلى أفئدتنا، وصافح السعد أرواحنا.
قبل أيام قليلة عانقنا شهر الخير والإحسان، شهر الكرم والفضائل، وها نحن اليوم نلتقي على أعتاب العشر الأخيرة من شهر الخير والإحسان، نلتقي لنتذكر ذلك الفرح الذي غمر قلوبنا بقدوم هذا الشهر العظيم، ثم نعيش هذا الوداع الذي يعصر قلوبنا، الوداع الذي يسلبنا البسمة من أفواهنا، ويجعلنا نعاني ألم الفراق، وأي فراق؟ إنه فراق الفضائل والخيرات والبركات، فراق فرص عظيمة قد لا تعود على بعضنا مرة أخرى .. آه رمضان..
رمضانُ ما لك تلفظ ُ الأنفـاسا أولمْ تكــنْ في أفقنا نبراسا؟!
لطفاً رويدك بالقلوب فقد سَمَتْ واستأنسـتْ بجلالِك استئناسا
أتغيبُ عن مهجٍ تجلّك بعدمـا أحيـا بـك الله الكريمُ أُناسا
اسمع وداعك في نشيج مُشيّـعٍ ولظى فراقك يلهبُ الإحساسا
لكن رغم هذا فإننا أيضاً نلتقي اليوم على أعتاب هذه العشر نهنئ أنفسنا ببلوغها فنقول: ما زال في الخير بقية، ما زال للفرصة أمد، لقد جاءت خير ليالي العام.
لقد رحلت العشرون من رمضان بما قدمنا فيها، رحلت شاهد صدق على ما عملنا فيها، فمنا المقدم ومنا المؤخر، ومنا المحسن ومنا المسيء، ومنا الظالم لنفسه، ومنا المقتصد، ومنا السابق بالخيرات، فيا كل من قصّر فيما مضى من هذا الشهر، أو بطّأ به عمله، أو أذنب وأساء؛ لا تقنط من رحمة الله.
هاهي العشر الفاضلة قد أظلتك، عشر ليال هي خير عشر الدنيا كلها. لأن فيها ليلة واحدة رفيعة الشأن عظيمة القدر، إنها ليلة القدر {وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر}
فهيا استأنف العمل فيها، وبادر بالطاعة. عجِّل بالمعروف فخير البر عاجله، وسارع بالإحسان وسابق فـ ((التؤدة في كل شيء إلا في أمر الآخرة)) رواه أبو داود وصححه الألباني
شمِّر في هذه العشر الباقية لعلك تدرك ليلة القدر، لعلك تتدارك ما فات، لعلك تمحو ما مضى من إثم أو تقصير.
أقبل على الله عز وجلّ، وجدّ السير فهذا أوان المنافسين والمسابقين والمسارعين في الخيرات.
يا لله ما أعظمها من سعادة ، وما أجلّها من منحة تظفر بها إن فزت بقيام ليلة القدر فخرجت بعدها كيوم ولدتك أمك قد غفر لك ما تقدم من ذنبك.
يا لله كم في هذه الليالي من جباه ساجدة ، وقلوب خاشعة ، وعيون باكية ، وأفئدة ضارعة ، وأقدام منتصبة في محاريبها.
خشوع ودموع .. تضرع ودعاء .. بُكيٌّ تعلقت أفئدتهم بمالك الملك فتجافت جنوبهم عن مضاجعهم يتلذذون بمناجاة مولاهم والخلوة به و الأنس بقربه .. قد أنسَتهم لذة الطاعة كل لذائذ الدنيا .. فجدوا وشدوا المئزر .. وأطار ذكر المرجع والمعاد النوم من عيونهم .. فقاموا خاشعين متبتلين.. يدعون ربهم خوفاً وطمعاً .. يخرون للأذقان سجداً .. حال الواحد منهم أنه : قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه .. لسان الواحد منهم: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني .. أولئك هم الأخيار، قد عرفوا هول المطلع وعظمة الجبار، فأعدوا للموقف عدته، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون..
لقد اقتدوا بإمامهم عليه الصلاة والسلام، الذي عرّفهم فضل هذه العشر، وكان أسبقهم فيها وأتقاهم وأعلمهم. كان عليه الصلاة والسلام يشمر فيها، ويبادر بالطاعة، ويسابق بالخير؛ حتى قالت عنه زوجه عائشة رضي الله عنها : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر" رواه مسلم.
" كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها " رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ، ويقول : ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) " رواه البخاري
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان )) رواه البخاري
" كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان " رواه أحمد والترمذي بإسناد صحيح
كان يقول : ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، ليلة القدر ، في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى )) رواه البخاري
وكان يقول: ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) رواه البخاري
فبادر أيها الموفق في هذه العشر، وليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة، فهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره. وكان يقول: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) رواه البخاري ومسلم.
أخي الصائم القائم
مازالت أبواب الجنة مفتحة، وأبواب النار مغلقة، ومردة الشياطين مصفدة.
مازلنا نعيش أجواء هذا النداء العظيم (يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر).
مازلنا نعيش ليالي العتق من النيران. وها هي خير الليالي أقبلت لتتوج هذا الضيف الذي أوشك على الرحيل.
فالبدار البدار..
بادر بالصدقة والإحسان فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
بادر بالصلاة والقيام فإنه من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.
بادر بقراءة القرآن فإنه قد نزل في رمضان ، وفي ليلة من ليالي العشر، ليلة خير من ألف شهر. وإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه. ويقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها.
بادر بالاعتكاف تفرغاً لعبادة ربك ودعائه ومناجاته، وتحرياً لليلة القدر، فهو سنة حبيبك صلى الله عليه وسلم.
بادر بالذكر والدعاء .. فربك سميع قريب يجيب دعوة الداعِ إذا دعاه، وينزل ربنا - تبارك وتعالى - كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له .
بادرفي كل باب من أبواب الخير والمعروف؛ والبر والصلة، فإن هذه العشر من فرص الزمان التي قد لا تدركها في غير هذا العام، فقد تأتي وأنت تحت أطباق الثرى، قد فاضت روحك، وانتهى عمرك.
اللهم أعنَّا على اغتنام أوقاتنا، ووفقنا لإدراك ليلة القدر وقيامها، ووفقنا فيها للطاعة والخير والمعروف ، واكتب لنا فيها خير ما كتبته لعبادك الصالحين، واختم لنا شهرنا بالعتق من النيران.
والحمد لله رب العالمين.
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:36 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الحادي والعشرون ـ ليلة القدر خير من ألف شهر

من فضائل هذه الأمة أن جعل الله - تعالى - لها مواسم للطاعات والأعمال الصالحات؛ ليتفضل عليهم بالرحمة والغفران والعتق من النيران, ومن هذه المواسم شهر رمضان, ومن أعظم فضائل شهر رمضان اشتماله على ليلة القدر التي باركها الله وشرفها على غيرها من الليالي فقال تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
ليلة القدر: خير من ألف شهر في الخيرات والأجور. عملٌ صالح في ليلة القدر خير من عَمِل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: "ليلة القدر مختصة بهذه الأمة، زادها الله شرفاً، فلم تكن لمن قبلها..."، وقال أيضاً: "ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة، ويستحب طلبها والاجتهاد في إدراكها ".
ما أدركها داع إلا وظفر بتعجيل الإجابة، ولا سأل فيها سائل إلا أعطاه سؤاله وأثابه، ولا استجاره فيها مستجير إلا أجاره الله وكفاه، ولا أناب إليه فيها منيب إلا قبله واجتباه، ولا تعرض لمعروفه طالب إلا جاد عليه وحباه.
قال سفيان الثوري - رحمه الله -: "الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة، قال: وإذا كان يقرأ وهو يدعو ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق"، وقال ابن رجب رحمه الله: "ومراده - أي سفيان - أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمرُّ بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة، والدعاء والتفكر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها، والله أعلم؛ وقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها؛ وقال الشافعي في القديم: "أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها" طلائع السلوان في فضائل رمضان لحمزة بن فايع الفتحي (1/158). .
وما سميت بليلة القدر إلا لأنها ذات قدر وشرف عظيم، ولو لم يكن لها من القدر إلا أن الله أنزل فيها القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا؛ لكفى تعظيماً وشرفاً، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه البخاري. فقوله "إيماناً واحتساباً" يعني إيماناً بالله, وبما أعد الله من الثواب للقائمين فيها, واحتساباً للأجر وطلب الثواب.
وقد أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمة بهم, ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة، والذكر، والدعاء, فيزدادوا قربة من الله وثواباً, واختباراً لهم أيضاً ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها، حريصاً عليها؛ ممن كان ممن كسلان متهاوناً.
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم مقدار خيريتها كما صح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم)) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني
وقد يتساءل كثير من المسلمين: كيف نعرف ليلة القدر؟ وهل لها علامات تعرف بها؟ ما صفاتها؟
فإن من علامات ليلة القدر:
1- أنها ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة: فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء)) أخرجه الطيالسي وصححه الألباني.
2- أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها وتصبح ضعيفة حمراء: فعن زر بن حبيش رضي الله عنه قال: سمعت أبيَّ بن كعب يقول - وقيل له إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر - فقال أُبيّ: "والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني -، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي: هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها: أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها" رواه مسلم. ولا بأس أن يجمع بين هذا الأثر، وبين الحديث السابق ((تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء)) بأن يقال: أتها أول ما تبدو ضعيفة حمراء، ثم تكون بيضاء لا شعاع لها إلى ما شاء الله، ثم تعود على طبيعتها.
3- ليلة لا يُرمى فيها بنجم: فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليلة القدر بلجة، لا حارة ولا باردة، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها)) رواه الطبراني وصحح الألباني هذا الجزء من الحديث.
وذكر بعض العلماء علامات أخرى - منها -:
4- زيادة النور في تلك الليلة وطمأنينة القلب وانشراح الصدر من المؤمن.
5- أنها أرجى في الأوتار من العشر الأواخر: وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة منها حديث أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر)) رواه البخاري ومسلم. قال ابن تيمية رحمه الله : "ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((هي في العشر الأواخر )) رواه البخاري . وتكون في الوتر منها، لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين " الفتاوى الكبرى (2/475).

فالله الله في الاجتهاد في هذه الليلة، وتحريها كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يتحرونها؛ لأنها أفضل الليالي وفيها من الخيرات والبركات والمسرات ما ليس في غيرها.
وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: (( تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )) صحيح ابن ماجه.
شمر أخي عن ساعد الجد، وقم لله حتى تتفطر قدماك كما قام نبيك - صلى الله عليه وسلم -، وأعلن التوبة والرجوع إلى الله في ثلث الليل الآخر رافعاً أكف الضراعة، ودموعك تجري على خديك، وقلبك حاضر منكسر، وقف بباب مولاك ، ولُذ بجنابه. فإذا ما تعلقت الروح بالملكوت الأعلى؛ فحينها ناجه بخضوع وخشوع، وناده منيباً مخبتاً : يا وهاب، يا منان، يا رحمن، يا غافر الذنب، يا كاشف الكرب، أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى "أن تعتقني من النار"، ثم اطرح جبهتك على عتبة باب المحبة، وتلطف في الدعاء، واهتف بذل وانكسار، وخوف واضطرار، ورجاء واستسلام، واسأل وأنت موقن بالإجابة ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ). فحينها يأتيك الجواب ممن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء: "عبدي قد غفرت وسامحت، وسترت وصفحت".
اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً. واغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا، وأعتقنا من النار، وأسعدنا سعادة لا نشقى بعدها أبداً.


منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:39 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثاني والعشرون : الاعتكاف فضائل وأحكام

ها هو شهر رمضان قد مضى ثلثاه، وقد جاءت العشر الأخيرات المباركات ، فيها ترجى ليلة القدر ، لشرفها شمر المشمرون وتنافس المتنافسون ، ولأجل تحرّيها وإدراك فضلها عكف الصالحون في المساجد في هذه العشر ، يصومون نهارهم ، ويحيون ليلهم بالصلاة والقيام والذكر والدعاء . "الاعتكاف"، هو عكوف القلب على الله، والتلذذ بمناجاته، والإنس به، وذلك بلزوم المسجد وعدم الخروج منه إلا لحاجة، والانقطاع عن الدنيا وأهلها، والتفرغ للصلاة والذكر, والدعاء وقراءة القرآن، وغير ذلك من أنواع القربات والطاعات، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "لما كان صلاحُ القلبِ واستقامتُه على طريق سيره إلى اللَّه - عز وجل- متوقِّفاً على جمعيَّته على اللَّه، وَلَمِّ شَعثه بإقباله بالكليَّة على اللَّه - تعالى-؛ فإن شَعَثَ القلب لا يَلُمُّه إلا الإقبالُ على اللَّه - تعالى-، وكان فُضولُ الطعام والشراب، وفُضولُ مخالطة الأنام، وفضولُ الكلام، وفضولُ المنام؛ مما يزيدُه شَعَثاً، ويُشَتِّتُهُ في كُلِّ وادٍ، ويقطعه عن سيره إلى اللَّه - تعالى-، أو يُضعِفُه أو يعوقه ويُوقِفه؛ اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يُذهِبُ فضولَ الطعام والشراب، ويستفرِغُ مِن القلب أخلاطَ الشهواتِ المعوِّقة له عن سيره إلى اللَّه - تعالى-، وشَرَعَهُ بقدر المصلحة بحيث ينتفعُ به العبد في دنياه وأُخراه، ولا يضرُّه ولا يقطعُه عن مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصودُه وروحُه عكوفُ القلبِ على اللَّه - تعالى-، وجمعيَّتُه عليه، والخلوةُ به، والانقطاعُ عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده - سبحانه -، بحيث يصير ذِكره وحبه والإقبالُ عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولى عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كُلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكُر في تحصيل مراضيه وما يُقرِّب منه، فيصيرُ أُنسه باللَّه بدَلاً عن أُنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوَحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرحُ به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم 4.
ويقول العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: والمقصود بالاعتكاف انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده، طلباً لفضله وثوابه، وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة, والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة؛ لحديث صفية أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحثته، ثم قمت لأنقلب - أي لأنصرف إلى بيتي - فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - معي 5.
أيها الصائم: إن الاعتكاف سنة ثابتة، وثبوتها جاء في الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة، قال الله - عز وجل - في نهاية آيات الصيام: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} 6، وقد عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - بتطهير بيته للطائفين والعاكفين، فقال - عزوجل -: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} 7.
والاعتكاف سنة قولية وفعلية، فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها بقوله، وطبقها بفعله، فاعتكف - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه وزوجاته، ولم يزل الحريصون على تطبيق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكفون إلى يومنا هذا؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال: ((إني أعتكف العشر الأول التمس هذه الليلة، ثم أعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف))8، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله - عز وجل - ثم اعتكف أزواجه من بعده9،‏ ‏وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا10..
متى يبتدئ الاعتكاف:
القول الأول: إذا كان المعتكف سيعتكف العشر الأواخر من رمضان فيدخل قبل غروب الشمس من يوم العشرين من الشهر، وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه.
القول الثاني: يدخل فيه قبل طلوع الفجر من يوم الحادي والعشرين ليلة الحادي والعشرين، وهو ظاهر كلام أحمد. [ حلية العلماء: (3/219) ]
شروط صحته : 1- الإسلام، فلا يصح من كافر.
2- العقل، فلا يصح من مجنون ونحوه.
3- التمييز؛ فلا يصح من الصبي غير المميز؛ لأنه ليس من أهل العبادات.
4- النية، فلا يصح الاعتكاف بغير نية؛ لأنه عبادة لله - عزوجل -، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى"11.
5- الطهارة من الحيض والنفاس، فإذا طرأ الحيض على المرأة حال اعتكافها وجب عليها الخروج من المسجد.
6- أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجماعة لئلا يخرج لكل صلاة؛ كما نص على ذلك أهل العلم.

أما مبطلات الاعتكاف فهي :
2- الجماع ومقدماته من التقبيل واللمس لشهوة؛ لقوله - عز وجل -: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} 12.
3- الخروج الكلي من المسجد لغير عذر، أما الخروج ببعض الجسم فلا يبطل الاعتكاف؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض"، وفي رواية أنها كانت ترجل رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه13.
4- الردة عن دين الإسلام - والعياذ بالله -، فإذا ارتد المعتكف بطل اعتكافه لقوله - عز وجل -: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 14.

أما آداب الاعتكاف ومستحباته فهي::
1- الاشتغال بما لأجله شرع الاعتكاف من الطاعات والقربات والصلاة والذكر والدعاء والاستغفار.
2 - اجتناب ما لا يعني المعتكف من الأقوال والأعمال، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه))15.
3-أن لا يتخذ المُعتَكَف فرصة للقاء والاجتماع والتحدث عن الدنيا؛ كحال بعض المعتكفين.
4-عدم التوسع في المباحات كفضول الطعام والكلام، والاختلاط والنظر والنوم، فإن المعتكف لم يترك بيته وأهله وأولاده لينام في المسجد، وإنما جاء ليتفرغ لعبادة الله - عز وجل -.
6- المحافظة على نظافة المسجد، فربما ترك بعض المعتكفين مخلفاتهم دون تنظيف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها))16.
7-عدم التفريط في حقوق الأهل والأولاد؛ فإن بعض الناس ربما يترك أهله وأولاده بدون إعطائهم حقوقهم من المآكل والمشرب ونحوه وهو في معتكفه.
ثم اعلم أيها المعتكف الكريم: أن الاعتكاف فرصة عظيمة لتربية النفس، وجهاد الهوى، والبعد عن الشواغل والصوارف، وكثرة المطاعم والمآكل، والتفرغ لقراءة القرآن، والذكر وقيام الليل.
واحذر أن يكون حولك بعض الفارغين فتضيع ساعات يومك وليلتك في حديث جانبي، وأمور تافهة، بل احرص على إحياء هذه السنة العظيمة، وإحياء قلبك بدوام الطاعة، وفرِّغ من شهور السنة كاملة آياماً معدودة للتزود والتفكر.
جعلنا الله وإياكم ممن يتقبل طاعاتهم، ويتجاوز عن تقصيرهم وزلاتهم.
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

1 1 - آل عمران(102).

2 - النساء(1).

3 - الأحزاب(70 - 71).

4 - زاد المعاد في هذي خير العباد2/86 -87) ط: مؤسسة الرسالة – مكتبة المنار الإسلامية. الطبعة الثالثة. (1402هـ). تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط.

5 - رواه البخاري ومسلم. وانظر مجالس شهر رمضان صـ (102) ط: دار المجتمع للنشر والتوزيع (1409هـ).

6 - البقرة(187).

7 - البقرة(125).

8 - رواه مسلم.

9 - رواه البخاري ومسلم.

10 - رواه البخاري.

11 - رواه البخاري.

12 - البقرة (187).

13 - رواه البخاري.

14 - الزمر (65).

15 - رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة رقم(3211).

16 - رواه البخاري ومسلم.
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:39 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثالث والعشرون : الزكاة .. طهر ونماء

تتجلى عظمة الإسلام في جميع الشعائر والعبادات والفرائض التي افترضها الله على عباده، ومن هذه الفرائض ركن الإسلام الثالث ألا وهو إيتاء الزكاة . وبما أن شهر رمضان المبارك شهر الجود والإحسان والإنفاق والصدقة والإطعام؛ ناسب أن يكون لنا حديث عن الزكاة المفروضة، والتي قرنها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مع الصلاة في 82 موضعاً . ولا يستقيم إسلام المسلم إلا بأدائها، لما لها من دور في التقريب بين أغنياء المسلمين وفقرائهم, وخلق روح التعاطف والمحبة بين أبناء المجتمع ،وتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم وتأمين حاجة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والأيتام والأرامل وكفاية مستحقيها عن الحاجة والسؤال.
وقد أجمع علماء الإسلام سلفاً وخلفاً على انه لا يتم إسلام المرء إلا بأداء الزكاة, فمن أنكر وجوبها فهو كافر، ومن امتنع عن أدائها مع اعتقاده وجوبها تؤخذ منة قهراً وعنوة كما فعل الخليفة الصديق أبو بكر رضي الله تعالى عنه مع الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تعريفها
والزكاة في اللغة: النماء، يقال زكا الزرع إذا نما. وأيضًا بمعنى التطهير،كذلك بمعنى الصلاح.
وشرعًا: تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة.
أدلة وجوبها
فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة . وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله. ‏
أما دليل فرضيتها من الكتاب:
فقد قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وَآتُواْ الزَّكَاةَ} سورة البقرة:110
وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تطهرهم وتزكيهم بها} التوبة:103
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} سورة المعارج:25
وقال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبد الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} سورة البينة 5

وأما السنة فكثيرة:
منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)) رواه البخاري ومسلم. وفي حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)) رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحـق الإسلام، وحسابهم على الله )) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة. قال ((تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان))قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا. فلما ولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا )) متفق عليه.

وأما الإجماع:
فقد ذكره كثير من العلماء، قال ابن قدامة: وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها ( المغني 2/433 )
شروط وجوبها :
أجمع العلماء على أن الزكاة تجب على كل مسلم حرٍّ بالغ عاقل مالكٍ النصابَ ملكاً تاماً حال عليه الحول، فيما عدا الزروع والثمار فإنه يجب فيها من دون حول الحول. واختلفوا في المرتد، والصبي، والمجنون، والعبد، وما خلا المالك ملكاً تامًّا. ( وهذه مسائل مبسوطة في مظانها في كتب الفقه ).

حكمتها وفضلها:
الزكاة فيها تطهير للنفس والمال، ورفعة في الدرجات، وحصول للبركة ، وزيادة في الأجر والمثوبة، ونفي للفقر، ومواساة للمحتاجين ، وترابط للمجتمع المسلم.
وقد حدد الله عز وجل مصارفها فقال: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ، فريضة من الله والله عليم حكيم } التوبة : 60
ومن اسم الزكاة يتضح لنا ما فيها من الزكاء والطهارة والنماء. وقد قال تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } التوبة : 103 ، فهي تعتبر طهراً للمال، وعلاجاً شافياً لأمراض البخل والشح والطمع والأنانية والحقد.
وقد وعد الله أهل الزكاة والإنفاق بالبركة والزيادة والنماء فقال: { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } سبأ: 39 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما نقصت صدقة من مال)) صحيح الترمذي.
وللزكاة دور كبير في تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم ، فالله عز وجل قسم الأرزاق بين عباده حسب مشيئته، وفضل بعضهم على بعض في الرزق، فجعل منهم الغني والفقير، والقوي والضعيف، وفرض على الأغنياء حقاً معلوماً ونصيباً مفروضاً يؤخذ منهم ويرد على الفقراء كيلا يكون المال دولة بين الأغنياء ، وليحصل الفقراء على العيش الكريم، فلا يمنّ غني بنفقته ، فالمال مال الله وهو الذي أوجب فيه حق النفقة والمواساة.وهذا من أروع صور التكافل في المجتمعات. ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد . إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) رواه مسلم.‏
كذلك فان الزكاة تعبير عملي عن أخوة الإسلام، وتطبيق واقعي لأخلاق المسلم من جانب المزكي، كذلك فإن لأداء الزكاة دور كبير في تحقيق الأمن والاستقرار، فحينما يحصل الفقير على حقه ويحصل على ما يؤمن حياته فإنه يبتعد عن إحداث أي اضطرابات في حياة المجتمع الإسلامي ويشعر أنه ضمن جماعة ترعى حقه فيعم الأمن والأمان والسلم والسلام طبقات المجتمع.
كذلك فإنه متى ما أدى الغني حق الفقير اختفت من المجتمع الإسلامي مظاهر الحسد، وسلموا من غوائل الضغينة وعاش الجميع في إخاء ومحبة ومودة وسعادة وهناء.
أيضاً فإن الزكاة تكفر الخطايا وتدفع البلاء، وتجلب رحمة الله، قال تعالى ‎: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ …} الأعراف: 156.‏
موقف الإسلام من مانعي الزكاة
من أشد المصائب التي يبتلى بها الإنسان داء البخل الذي يجعله يظن أن بخله يحفظ أمواله من الضياع، أو أنه يزيده مالاً فوق ماله، مع أنه لو علم ما يصيبه من الخسران في الدنيا وما يحيق به من العذاب في الآخرة، مع ما يفوته على نفسه من الأجر والبركة، فإنه لو أدرك ذلك لكان مسارعاً في إخراجها، بل ويزيد من الصدقات والمعروف.
وقد جاء الوعيد الشديد في كتاب الله تعالى لمن بخل ولم يؤد زكاة ماله.
فقال تعالى :‎‎ ‏{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } آل عمران:180.‏
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34)يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(35) } التوبة
ففي الامتناع عن أداء الزكاة إثم عظيم، وضررٌ كبير على الفقراء والمحتاجين، وتعرض لغضب الله وعاجل عذابه. لذا فمنع الزكاة يهدم بناء المجتمع ويقوض دعائمه. لذا فإن من امتنع من الأغنياء عن أداء الزكاة فإنها تؤخذ منه قهراً ، وإن كانوا جماعة لهم سلطان وقوة قاتلهم الإمام حتى يؤدوا الزكاة كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه مع مانعي الزكاة.
ومن أنكر وجوبها وهو عالم ولم يخفَ عليه حكمها فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين . بخلاف من تركها مع عدم جحدها فهذا تؤخذ منه بقوة السلطان ويعزره الإمام إن لم يكن له عذر. وهو داخل في الوعيد الشديد الذي جاء في مانعي الزكاة.
ومما جاء في تهديد مانعي الزكاة في السنة النبوية ، حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: "ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار". قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: "ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها، رد عيه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"...الحديث)) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من آتاه الله مالا ، فلم يؤدي زكاته ، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع ، له زبيبتان ، يطوقه يوم القيامة ، ثم يأخذ بلهزمتيه ، يعني شدقيه ، ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا : { ولا يحسبن الذين يبخلون } . الآية .. رواه البخاري
وعنه أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا ما رب النعم لم يعط حقها تسلط عليه يوم القيامة ، فتخبط وجهه بأخفافها )) رواه البخاري
وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((و لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، و لولا البهائم لم يمطروا .. الحديث) صحيح ابن ماجه ـ حسنه الألباني
فأي ترهيب بعد هذا الترهيب ، وأي وعيد بعد هذا الوعيد ، فليتقِ الله مانع الزكاة وليتب إلى ربه فإنه يقبل توبة التائبين.
أخي الصائم .. ها نحن في العشر الأخيرة المباركة من شهر رمضان .. عشر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ، فليكن لك من الإنفاق نصيب ، ولا تكن ممن يبخلون فيستحسرون ، أدّ زكاة مالك في وقتها ، وتصدق بفضول مالك فينميه الله لك ويضاعفه لك أضعافاً كثيرة . {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} البقرة: 245
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، وكتبنا جميعاً من عتقائه من النار.
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:40 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الرابع والعشرون : حيّ على جنات عدن

ألا من مشمر إلى الجنة؟ فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطَّرِد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجات حسان جميلات، وحُلل كثيرة فى مقام أبدي، في حبرة ونضرة، ودور عالية سليمة بهية.
فيها: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الجنة دار المتقين ، ومآل المحسنين ، أعدها الله للصالحين الأبرار ..
أرضها وتربتها: المسك والزعفران، وسقفها عرش الرحمن، وبلاطها المسك الأذفر، وحصبائها اللؤلؤ والجوهر، وبناؤها: لبنة من ذهب ولبنة من فضة.
ثمرها أمثال القلال، وألين من الزبد، وأحلى من العسل، وأنهارها: من لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، ومن عسل مصفى، ومن ماء غير آسن.
طعام أهلها فيها: فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور، وآنيتهم الذهب والفضة في صفاء القوارير.
لباسهم: الحرير والذهب، وفرشهم بطائنها من إستبرق.
أما غلمانهم: فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون،
وأما عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب: فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللُّؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت، إذا قابلت حِبَّها فقل ما تشاء في تقابل النيّرَين، وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ونصيفها على رأسها خير من الدينا وما فيها، ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها، لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبةً ووصالاً، مبرأة من الحمل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والبول والغائط، وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يملُّ طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لأحد سواه، وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها بطاعته أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو معها في غاية الأماني والأمان، هذا ولم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً، وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً، وإذا برزت ملأت القصر والغرف نوراً.
فأين المشمرون للجنة؟ وأين المشتاقون لنعيمها؟ المتطلعون إلى لذيذ ثمارها، وأصناف نعيمها وحبورها.
ولا أفضل وأصدق وأجمع من وصف للجنة حتى كأننا نراهما رأي العين، من وصف من خلقها بيده، فقد وصفها لنا سبحانه وتعالى فقال : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَامَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } سورة الرحمن : 49 – 77
وقال جل ذكره: { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} سورة الرعد :35
وقال تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ } سورة محمد : 15
وقال تعالى : { إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ * بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } سورة الصافات : 40 – 49
وقال تعالى { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } سورة الطور : 22 - 25
وقال تعالى : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلامًا سَلامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ } سورة الواقعة : 7 _ 38
وقال : { َكلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } سورة المطففين : 18 – 288
وقال تعالى : { وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا } سورة الإنسان : 12 – 20
وقد تعددت أسماؤها في الكتاب والسنة، فهي الجنة، وهي دار السلام، ودار الخلد، ودار المقامة، وجنة المأوى، وجنات عدن، ودار الحيوان، والفردوس، وجنات النعيم، والمقام الأمين، ومقعد صدق، وقدم صدق.
ووصفها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما علمه ربه، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.
فقال عليه الصلاة والسلام: (((قال الله تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، واقرؤوا إن شئتم : ) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) متفق عليه
ووصف لنا تربتها وطينتها وحصباءها وبناءها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلنا : يا رسول الله! حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: (( لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران؛ من يدخلها ينعم ولا ييأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)) رواه أحمد والترمذي
ووصف لنا غرفها عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام )) رواه أحمد والطبراني
ووصف لنا درجاتها؛ فعن أبي هريرة ر ي الله عنه أن النبي صلى اله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن )) رواه البخاري
ووصف لنا أبوابها، وسعتها، وعَدَدَهَا؛ فقال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ} ص: 50
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون )) متفق عليه
ووصف لنا سعة تلك الأبواب؛ فعن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((توفون سبعون أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ )) [رواه أحمد، والحديث صححه الألباني في الصحيحة رقم (1698) بلفظ: " إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة ". ]]
ووصف لنا أهلها وما هم عليه من الجمال والحُسن؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (((إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل، لا يتغوطون ولا يبولون ولا يمتخطون ولا يبصقون، أمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوَّة، ورشحهم المسك، أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعاً " وفي رواية: " لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً)) رواه البخاري ومسلم
ووُصِفت لنا آنيتهم التي يأكلون بها، فقال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} االزخرف : 71
ووصف لنا لباس أهلها، فقال تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } الإنسان : 21 { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } فاطر: 33
وعدد لنا أنهارها، ووصف لنا ماؤها، فقال تعالى: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} محمد: 15
وووصف لنا أشجارها وبساتينها وحدائقها، فقال تعالى: { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاء مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ } الواقعة: 28-33 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله وسلم قال : (( إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مئة عام ما يقطعها )) رواه البخاري ومسلم.
ووصف لنا سوقها؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :: (( إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم فيقولون لهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً )) رواه مسلم.
ووصف لنا حورها، فقال تعالى: { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ } الواقعة: 35-38 وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لَقابُ قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً ولنصيفها ( يعني الخمار) خير من الدنيا وما فيها )) رواه البخاري ومسلم
وبين لنا أن أعظم لذة فيها على الإطلاق وهي النظر إلى وجه الله الكريم، فقال الله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يونس: 26 . والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما ثبت ذلك، وعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى لله عليه وسلم قال : ((إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثَّقل موازيننا؟ ويبيَّض وجوهنا؟ ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ قال : فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فو الله ما أعطاهم الله شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إليه، ولا أقرَّ لأعينهم منه )) رواه مسلم. اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم..
فيا من أنعم الله عليك ببلوغ رمضان .. ثم ها أنت تدرك العشر الأواخر منه وتوشك أن تودعه.. وهو شاهد عليك بما استودعته فيه.. ها هي الجنان تزينت ازّخرفت، ولاتزال أبوابها مفتّحة..
فأين طلابها؟
ييا من طرقت تباشير التوبة باب قلبك، لكن حال بينك وبينها التكاسل والتشاغل بالدنيا، والتلهف على زينتها.
ويا من شعرت بالذنب، وآثرت اللجوء لربك الرحيم، ثم تثاقلت خطواتك عن طريق المجاهدة، اسمع إلهك وهو يناديك: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (133) سورة آل عمران.
يا من سمعت عن الجنة فتاقت نفسك لدخولها، وحن فؤادك للقائها..
هاك أعمالاً فاضلة توصلك إلى الجنة بفضل الله ورحمته . قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
ققال صلى الله عليه وسلم: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة)). رواه البخاري.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من آمن بالله وبرسوله ، وأقام الصلاة ، وصام رمضان ، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة )). رواه البخاري.
ووقال صلى الله عليه وسلم : ((من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة)). رواه البخاري.

ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى البردين دخل الجنة)). رواه البخاري.

ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من غدا إلى المسجد أو راح أعدَّ الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح)). رواه البخاري.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)). رواه البخاري.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيت في الجنة)). رواه مسلم.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة)) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)). رواه أبو داود، وصححه الألباني.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياًّ، وجبت له الجنة)). رواه أبو داود.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)). رواه أبو داود. وصححه الألباني.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة)) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو بريء من ثلاث: الكبر، والغلول، والدّين دخل الجنة )). رواه الترمذي.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة)). رواه الترمذي، بهذا اللفظ ومسلم.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من أذن اثني عشرة سنة وجبت له الجنة)). رواه ابن ماجه، وقال الألباني: صحيح.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة)) رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً)) رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة)). رواه البخاري.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة)). رواه البخاري.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)). رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)). رواه البخاري.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة)). رواه البخاري.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)). رواه مسلم.
ووقال صلى الله عليه وسلم: ((سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بك من شر ما صنعت". إذا قال حين يمسي فمات دخل الجنة أو كان من أهل الجنة، وإذا قال حين يصبح فمات من يومه، دخل الجنة)). رواه البخاري.
وأعمال البر كثيرة ، وكلها طرق موصلة إلى الجنة لمن أحسن العمل وأخلص النية.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
ننسألك الفردوس الأعلى من الجنة، ومرافقة رسولك صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وارزقنا وأنت خير الرازقين.
منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:41 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الخامس والعشرون -- أعـظـم لـيـلــة..!
يسري صابر فنجر

ليلة مباركة فيها أنزلت المعجزة الخالدة التي لا ريب فيها ولا شك؛ مهما تعاقبت السنون والأجيال، ففيها الهدى والنور للمتقين، فهم المتقدمون لإمامة المسلمين أجمعين، فلهم قدم السبق عمن سواهم، وهم في الأمة باقون كثّر الله سوادهم، فيحمل هذا القرآن الكريم من كل خلف عدوله.
فالمتقون هم الذين فازوا بالهدى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] وقد نزل الكتاب في ليلة من وتر العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وقد قال ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فالصيام غايته ومآله وأثره التقوى، وأُنزل القرآن الكريم هدى للصائمين المتقين لأنهم بصيامهم وتقواهم هيؤوا أنفسهم لفهم القرآن وتدبر معانيه والالتزام به قولاً وعملاً.
ليلة القدر نزل فيها كتاب ذو قدر، على رسول ذي قدر، في أمة ذات قدر.
ليلة ليست كالأيام ولا الشهور ولا سنة أو سنتين ولا ألف شهر؛ بل هي خير من ألف شهر، خير من غالب أعمار بني الإنسان، خير من ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، مَن حرم خيرها فقد حرم، ومن أدركها أدرك الخير كله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" (رواه النسائي 2106 وغيره).
ليلة ساكنة هادئة شمس صبيحتها بيضاء نقية، فيها قلوب خاشعة، ووجوه لربها ساجدة، ما سألت شيئاً إلا أعطيت، تشهدها الملائكة {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4] أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له.
ليلة أوصى فيها النبي صلى الله عليه وسلم من أدركها بطلب العفو، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ قُولِي "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" (رواه الترمذي وغيره).
ليلة ينزل فيها العفو والمغفرة الذي به تتنزل بركات السماء وتفتح به كنوز الأرض، ليلة تهفو إليها كل نفس مؤمنة وتتمنى إدراكها، فتخلص لربها وتحتسب، وتتخلص من شواغل الدنيا وتجتهد في الدعاء وتتبع هدي نبيها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه ُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانً وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَام َرَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ْذَنْبِهِ" (رواه البخاري ومسلم).
وقفة:
أليس مغبوناً من أضاع هذه الليالي وخيرها وبركاتها في الأسواق والمحلات التجارية؟!
أليس محروما من قضاها في القيل والقال والسهر مع الأصحاب؟!
أليس محروماً من قضاها أمام الشاشات والقنوات؟!
إن المساجد في الجزء الأخير من الليل تناديك فأقبل عليها لتعمُرها مع إخوانك بالصلاة والتسبيح والدعاء والتهليل.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:41 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس السادس والعشرون
أعظم ليلة !
يسري صابر فنجر


ليلة مباركة فيها أنزلت المعجزة الخالدة التي لا ريب فيها ولا شك؛ مهما تعاقبت السنون والأجيال، ففيها الهدى والنور للمتقين، فهم المتقدمون لإمامة المسلمين أجمعين، فلهم قدم السبق عمن سواهم، وهم في الأمة باقون كثّر الله سوادهم، فيحمل هذا القرآن الكريم من كل خلف عدوله.

فالمتقون هم الذين فازوا بالهدى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] وقد نزل الكتاب في ليلة من وتر العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وقد قال ربنا - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] فالصيام غايته ومآله وأثره التقوى، وأُنزل القرآن الكريم هدى للصائمين المتقين لأنهم بصيامهم وتقواهم هيؤوا أنفسهم لفهم القرآن وتدبر معانيه والالتزام به قولاً وعملاً.
ليلة القدر نزل فيها كتاب ذو قدر، على رسول ذي قدر، في أمة ذات قدر.

ليلة ليست كالأيام ولا الشهور ولا سنة أو سنتين ولا ألف شهر؛ بل هي خير من ألف شهر، خير من غالب أعمار بني الإنسان، خير من ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، مَن حرم خيرها فقد حرم، ومن أدركها أدرك الخير كله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أن رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ - عز وجل - عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" (رواه النسائي 2106 وغيره).

ليلة ساكنة هادئة شمس صبيحتها بيضاء نقية، فيها قلوب خاشعة، ووجوه لربها ساجدة، ما سألت شيئاً إلا أعطيت، تشهدها الملائكة تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر: 4] أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له.

ليلة أوصى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أدركها بطلب العفو، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ قُولِي "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" (رواه الترمذي وغيره).

ليلة ينزل فيها العفو والمغفرة الذي به تتنزل بركات السماء وتفتح به كنوز الأرض، ليلة تهفو إليها كل نفس مؤمنة وتتمنى إدراكها، فتخلص لربها وتحتسب، وتتخلص من شواغل الدنيا وتجتهد في الدعاء وتتبع هدي نبيها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه ُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانً وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَام َرَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ْذَنْبِهِ" (رواه البخاري ومسلم).

وقفة:
أليس مغبوناً من أضاع هذه الليالي وخيرها وبركاتها في الأسواق والمحلات التجارية؟!
أليس محروما من قضاها في القيل والقال والسهر مع الأصحاب؟!
أليس محروماً من قضاها أمام الشاشات والقنوات؟!

إن المساجد في الجزء الأخير من الليل تناديك فأقبل عليها لتعمُرها مع إخوانك بالصلاة والتسبيح والدعاء والتهليل.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:42 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس السابع والعشرون: زكاة الفطر

عشنا رمضان كأحلى ما يعيش الإنسان لحظات الزمان، نتنفس عبيره، ونستنشق أنفاسه؛ فتكون لنا زاداً وبلغةً تبلغنا إلى الآخرة بإذن الله تعالى؛ ثم ها هو يوشك أن تنقضي أيامه، وتنتهي ساعاته؛ فيشتد الأسف، وتكبر اللوعة؛ حزناً على ما فرطنا فيه من الأوقات، واقترفنا فيه من الأخطاء. وألماً على فراق ضيف تعرضنا فيه لأجمل النفحات.
ولما كان الكمال لله وحده، وكان التقصير طبيعة من طباع النفس البشرية في كل أعمالها؛ شرع الله لنا ما يجبر الخلل، ويكمل النقص؛ في سائر العبادات؛ ومن هذه العبادات عبادة الصيام.
فشرعت لنا زكاة الفطر في ختام شهر رمضان، وهي عبادة من العبادات، وقربة من القربات العظيمة؛ لارتباطها بالصوم الذي أضافه الله إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))
تعريفها وحكمها:
هي الصدقة التي تخرج عند الفطر من رمضان، وسميت بذلك لأن الفطر هو سببها.
وحكمها الوجوب، وقد فرضت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان قبل العيد بيومين.
ودليل وجوبها حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر ، صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، على كل حر أو عبد ، ذكر وأنثى ، من المسلمين)) رواه البخاري ومسلم. ، وأجمعت الأمة على وجوبها .
حكمتها:
1ـ طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وجبراً لصومه كما يجبر سجود السهو خلل الصلاة.
2ـ طعمة للمساكين يوم العيد.
لقول ابن عباس رضي الله عنهما: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) صحيح أبي داود
مقدارها
زكاة الفطر مقدارها صاع من القوت الغالب في البلد ( من غالب طعام الناس ) كالشعير أو الأرز أو الأقط أو غيرها من أقوات العباد،
صحّ عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ، على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير ، من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )) رواه البخاري.
وجاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: ((كنا نخرج زكاة الفطر ، صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من أقط ، أو صاعاً من زبيب)) رواه البخاري ومسلم
وكلما كان من هذه الأصناف أطيب وأنفع للفقراء؛ فهو أفضل وأعظم أجراً.
وكان مقدار صاع النبي صلى الله عليه وسلم أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة، وقد قدَّرها العلامة ابن عثيمين رحمه الله بكيلوين وأربعين غراماً من البر الجيد، ومن الأرز ألفين ومائة جرام "2100" جرام.
ولا يجوز إخراجها نقداً عند جمهور العلماء والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، وهو الراجح. لما جاء في حديث ابن عمر وحديث أبي سعيد الخدري ( صاعاً من طعام ) وهذا نص صحيح صريح، فلا اجتهاد مع النص، والعبادات توقيفية. وهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل صحابته وهم أحرص الناس على اتباع هديه وتطبيق سنته، وقد كانت الدنانير والدراهم موجودة في المدينة في عهد الصحابة ومن بعدهم، وكان الناس أكثر حاجة إليها من اليوم، ومع ذلك لم يخرج الصحابة ومن بعدهم نقوداً.
على من تجب:
تجب على كل مسلم، ومن يعول من المسلمين، غربت عليه شمس آخر يوم من رمضان. ويجد الفضل عن نفقته ونفقة من يعول. لحديث ابن عمر السابق. وليس لزكاة الفطر نصاب: فكل من ملك ما زاد على قوت نفسه، ومن يعول؛ فقد وجبت عليه.
"فيخرجها القادر عن نفسه، ثم عن زوجته وعياله، ومن تلزمه نفقتهم، والزوجة المعقود عليها إذا لم تنتقل إلى بيت زوجها ففطرتها على أهلها؛ لأن فطرتها تتبع نفقتها؛ إلا أن يكون تأخر الانتقال بسبب الزوج فتجب عليه النفقة والفطرة، والمطلقة الرجعية فطرتها على زوجها؛ لأنها لا تزال زوجة ". [ فتاوى الشيخ ابن عثيمين ]
بل "إذا أخذ الفقير الفطرة وجب عليه أن يخرج عن نفسه، ثم عياله إن زاد عن حاجتهم يوم العيد شيء، والحمل يستحب الإخراج عنه ولا يجب" [ فتاوى اللجنة الدائمة 9/346 ]
ولا يجب إخراجها عن الزوجة الناشز.
ومن أخرج عمن لا تلزمه فطرته فلا بد من إذنه، ومن ترك إخراج زكاة الفطر أثم، ووجب عليه القضاء. وتكون صدقة من الصدقات.

وقت وجوبها وإخراجها:
تجب بغروب الشمس ليلة العيد (أي ليل آخر يوم من رمضان)، فمن مات بعده ولو بدقائق وجب إخراج فطرته؛ لأنه كان حياً حينما وجبت، ومن ولد قبل الغروب ولو بدقائق وجب الإخراج عنه؛ لأن وقت الوجوب مرَّ عليه وهو حي موجود،
ومن أسلم أو وُلِد بعد الغروب، وكذلك من مات قبل الغروب. فلا تجب زكاة الفطر في حقهم.
وأما وقت إخراجها المستحب فهو ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، ويجوز تقديمها على العيد بيوم أو يومين.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد بلا عذر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) صحيح أبي داود ، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج زكاة الفطر أن تؤدى ، قبل خروج الناس إلى الصلاة )) رواه مسلم. وأما المعذور فيبادر بإخراجها حين زوال عذره.
المستحقون لزكاة الفطر:
هم الفقراء، والمساكين من المسلمين، ؛ فيعطون منها بقدر حاجتهم, ولا يجوز إعطاؤها للكفار لا من الخدم ولا من غيرهم، كما أنها لا تجب عن الكافر.
والواجب أن تصل إلى مستحقها أو وكيله في وقتها قبل الصلاة، فلو نواها لشخص ولم يصادفه ولا وكيله وقت الإخراج؛ فإنه يدفعها إلى مستحق آخر، ولا يؤخرها عن وقتها.
توزيع الفطرة الواحدة على أكثر من فقير:
يجوز للإنسان أن يوزع الفطرة الواحدة على عدة فقراء، وأن يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّر الفطرة بصاع، ولم يبين قدر من يعطي، فدل على أن الأمر واسع، وعلى هذا لو كال أهل البيت فطرتهم، وجمعوها في كيس واحد، وصاروا يأخذون منها للتوزيع من غير كيل؛ فلا بأس، لكن إذا لم يكيلوها عند التوزيع فليخبروا الفقير بأنهم لا يعلمون عن كيلها خوفاً أن يدفعها عن نفسه وهي أقل من الصاع.
اللهم فقهنا في ديننا، وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً، اللهم اختم لنا شهر رمضان بغفرانك، والعتق من نيرانك، وأدخلنا الجنة، وأجرنا من النار.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:44 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس الثامن والعشرون : وداع رمضان ومداومة الصيام رمضـانُ
ودَّع وهـو في الآمـاق


يا ليته قـد دام دون فـراقِ
ما كـان أقصَـرَه عـلى أُلاَّفِـه

وأحبَّـه في طـاعةِ الخـلاق
زرع النفـوسَ هـدايةً ومـحبـة

فأتى الثمارَ أطايبَ الأخـلاق
«اقرأ» به نزلتْ، ففـاض سناؤُهـا

عطرًا على الهضبات والآفـاق

ولِليـلةِ القـدْر العظيـمةِ فضلُـها

عن ألفِ شهر بالهدى الدفَّـاق
فيها المـلائـكُ والأمـينُ تنـزَّلوا

حتى مطـالعِ فجـرِها الألاق
في العــامِ يـأتي مـرةً . لكنـّه

فاق الشهـورَ به على الإطلاق
شهرُ العبـادةِ والتـلاوةِ والتُّقَـى

شهرُ الزكـاةِ، وطيبِ الإنفاق
ما أسرع تعاقب الأيام ومرور الليالي ، وتصرم الشهور والأعوام ، بالأمس قلنا أهلاً رمضان والفرحة تغمرنا ، والسعادة تملأ قلوب المحبين المخبتين ، واليوم ها هو ضيفنا ، هاهو شهرنا ، ها هو حبيبنا قد آذن بالرحيل، بعد أيام معدودة سيرحل رمضانُ ويذهب ليكون حجة وشاهداً لبعضنا، وحجة وشاهداً على بعضنا، نعم حجة وشاهداً لمن صاموا فأحسنوا الصيام، ولمن قاموا فأحسنوا القيام، ولمن بذلوا فأحسنوا العطاء، ولمن عرفوا قدر رمضان فاستغلوا الأوقات، وحجة وشاهداً على أولئك المفرطين، الذين صامت أجسامهم ولم تصم أرواحهم، أولئك الذين لم يكن حظهم من الصيام إلا الجوع والعطش، أولئك الذين زهدوا في الأجر فلم يكترثوا بأبواب الخير المشرعة في رمضان، غلت أيديهم عن الإنفاق فبخلوا، وأغراهم الشيطان -وهو مسلسل- فسهروا على المحرمات، سماعاً ومشاهدة، فاستحقوا دعاء جبريل عليهم بالرغام والإبعاد. (بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له) ( صحيح الترغيب )
فيا من وفقك الله للاستفادة من رمضان بالاستقامة على أمره ونهيه، إن هذه نعمةٌ عظيمة، والنعم تدوم بالشكر، قال الله سبحانه: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } إبراهيم: 7، والشكر الحقيقي هو الشكر العملي، فأدِّ شكر هذه النعمة بعد رمضان، بالمحافظة على استقامتك، أثبت لربك ثم لنفسك أنك صادق في هذه الاستقامة، وأنك إنما تعبد الله قناعة لا عادة، وأنك تعبد رب رمضان، لا رمضان.
لقد تعودنا الصيام في رمضان ، فهل يستمر معنا هذا الصيام بعد خروج رمضان وانقضائه، أم ينقطع بانقطاع رمضان.
إن رب رمضان هو رب شوال ورب شعبان وغيرهما من الشهور، وكما شرع الله تعالى لنا صيام شهر رمضان فرضاً ، فقد شرع لنا صيام بعض الأيام نفلاً وتطوعاً لتقربنا إلى الله تعالى.
ومن صيام التطوع:
أولاً: صيام الست من شوال: وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى صيام الست من شوال كما جاء في الحديث الشريف: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) رواه مسلم.
ففي هذا الحديث الحث على صيام ست من شهر شوال، وأن من أتبع رمضان بها كتب له أجر من صام الدهر، فالحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة. وما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين عظيم أجر صيامها فحري بكل مسلم أن يعقد العزم على صيامها ويجد ويجتهد في عدم إضاعتها.
أخي المسلم: صيام هذه الست بعد رمضان دليل على شكر الصائم لربه تعالى على توفيقه لصيام رمضان، وزيادة في الخير، كما أن صيامها دليل على حب الطاعات، ورغبة في المواصلة في طريق الصالحات.
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من فعل من بدل نعمة الله كفراً" ( لطائف المعارف 244 )
ثانياً: صيام ثلاثة أيام من كل شهر:
ومن صيام التطوع صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر كما قال: "أوصاني خليلي بثلاث ، لا أدعهن حتى أموت : صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى ، ونوم على وتر" رواه البخاري ، وروي استحباب أن تكون هذه الأيام الثلاثة أيام البيض وهي: اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فمن أمكنه أن يجعل الثلاثة في أيام البيض فهو أفضل وإلا صام في غيرها، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، يعدل صيام سنة؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وصيام الثلاث من كل شهر يعدل صيام الشهر كله.
ثالثاً: صيام يوم عرفة لغير الحاج:
إن فضل يوم عرفة لا يخفى على مسلم؛ ولأجل ذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيامه لغير الحاج، فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) رواه مسلم. وهذا إنما يستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صومه، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
وليوم عرفة فضائل منها أنه يوم أكمل الله فيه دينه، وهو اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم، وهو يوم أقسم الله به في كتابه الكريم، وهو يوم عيد لأهل الموقف بعرفة، وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة من الله تعالى لملائكته بأهل الموقف.
رابعاً: صيام المحرم، وتأكيد صوم عاشوراء ويوماً قبلها، أو يوماً بعدها:
فعن أبي هريرة قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: (صيام شهر الله المحرم) رواه مسلم .وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم ، يوم عاشوراء ، وهذا الشهر ، يعني شهر رمضان ) رواه البخاري .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صام، وأمر الناس بصيامه، فلما فُرض رمضان قال: (من شاء صامه ومن شاء تركه)، متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوما -يعني عاشوراء- فقالوا: هذا يوم عظيم وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون فصام موسى شكراً لله فقال: (أنا أولى بموسى منهم). فصامه وأمر بصيامه. رواه البخاري ومسلم
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال: (إذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع) قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. وفى لفظ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) يعنى مع يوم عاشوراء.
وهو على ثلاث مراتب: الأولى: صوم ثلاثة أيام: التاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثانية: صوم التاسع، والعاشر، والثالثة، صوم العاشر وحده.
خامساً: صيام أكثر شعبان:
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان:كما قالت عائشة رضي الله عنها:ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط، إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه في شعبان. رواه مسلم.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي ، وأنا صائم ) صحيح النسائي . وتخصيص صوم النصف منه ظناً أن له فضيلة على غيرة، مما لم يأت به دليل صحيح.
سادساً: صوم يومي الاثنين، والخميس:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس، قال: فقيل له، قال: (إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس أو كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم أو لكل مؤمن إلا المتهاجرين فيقول: أخرهما ) رواه أحمد وصححه أحمد شاكر والأرناؤوط ، والألباني في تمام المنة.
وفي صحيح مسلم: أنه سئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: (ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل علي فيه).
سابعاً: صيام يوم وإفطار يوم:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار) قلت: بلى: قال: (فلا تفعل، قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإنك عسى أن يطول بك عمر وإن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن بكل حسنة عشر أمثالها فذلك الدهر كله)، قال: فشددت فشدد علي، فقلت: فإني أطيق غير ذلك قال: (فصم من كل جمعة ثلاثة أيام)، قال: فشددت فشدد علي، قلت: أطيق غير ذلك، قال: (فصم صوم نبي الله داود)، قلت: وما صوم نبي الله داود؟ قال: (نصف الدهر) رواه البخاري

هذه بعض نوافل الصيام، والتي يستحب للمؤمن متابعتها بعد صيام رمضان . و ( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ) رواه البخاري ومسلم.
نسأل الله تعالى أن يتقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا للصالحات حتى الممات،إنه سميع مجيب.

منقول

ابوالوليد المسلم 14-03-2020 04:45 AM

رد: مجالس رمضان
 
المجلس التاسع والعشرون : هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في العيدين

هاهي الأيام تمضي سراعاً، وها هو شهر رمضان قد آذن بالرحيل، نستقبل مع وداعه عيد الفطر المبارك، عيد أهل الإيمان والسعادة، عيد من عمروا أيام رمضان ولياليه بالطاعة، فحق لهم أن يفرحوا بنعمة الله عليهم بإتمام العدة، ويكبروا الله على ما هداهم، ويشكروه على ما تفضل به عليهم وأولاهم ووفقهم.
لقد شرع الله سبحانه عيدين للمسلمين في كل عام، كل منهما قد أتى بعد عبادة عظيمة جليلة، فعيد الفطر المبارك جاء بعد عبادة جليلة هي الركن الرابع من أركان الإسلام وهي إكمال عدة رمضان فشرع العيد فرحة للصائمبن لإكمال صيامهم وإتمام الشهر الكريم، وعيد الأضحى جاء بعد عبادة عظيمة أخرى هي الركن الخامس من أركان الإسلام وهي حج بيت الله الحرام..
هذا العيد الذي يفرح به المسلمون في أقطار الأرض كلها قد شرع الله تعالى له سننا وآداباً تمثلها النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد، فكان يحافظ عليها ويؤديها شكراً لله على ما أتم من نعمة وعلى ما أرشد الأمة إلى الصراط المستقيم.
تكبيرات العيد:
ويبدأ التكبير في عيد الفطر من غروب الشمس ليلة العيد إلى خروج الإمام لقوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}، وفي الأضحى من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، وقد ثبت عند الدارقطني بسند صحيح "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ويكبر حتى يأتي الإمام، وقد ورد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ في التكبير، من ذلك ما ثبت في مصنف ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر أيام التشريق (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ). وفي سنن البيهقي بإسناد صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يكبر " الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد".
ويسن الجهر به للرجال في الطرقات والمساجد والبيوت. وأما النساء فيخفضن أصواتهن به.
التجمل في العيد:
كان صلى الله عليه وسلم يلبس في يومي العيد أفضل ما يجده من الثياب وكان يتجمل ويدهن ويضع العطر فكان لا يشم إلا طيبا طاهراً عليه الصلاة والسلام.
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يلبس لهما (أي للعيدين) أجمل ثيابه وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل للعيدين. أخرجه ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة. وابن عمر من أشد الناس تحرياً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأكل صباح العيد:
وكان صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يَطعَم، ولا يطعم يوم النحر حتى يذبح.1
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل أن يخرج إلى المصلى في عيد الفطر تمرات كما قال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً. رواه البخاري.
ويأكلهن وتراً: أي واحدة أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً.. وهكذا.
الخروج لصلاة العيد:
كان صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو للصلاة يوم الفطر.
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته أنه كان يخرج إلى المصلى ليصلي العيد ولم يرد عنه أنه صلى العيد في المسجد، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى" رواه البخاري.
ومن السنة الخروج إلى المصلى ماشياً فإن عاد ندب له أن يسير من طريق آخر غير التي أتى منها فعن جابر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم العيد خالف الطريق" رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا.2
وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد مكبراً مهللاً شاكراً الله على أنعمه، ممتثلاً قول ربه تبارك وتعالى: { وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (185) سورة البقرة. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، فيأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلى، فإذا فرغ رجع على الحذائين حتى يأتي منزله.3
خروج النساء والصبيان::
يشرع خروج الصبيان والنساء في العيدين للمصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض، لحديث أم عطية قالت: "أمرنا أن نخرج العواتق -أي الجارية البالغة- والحُيَّض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيّض المصلى" متفق عليه.
وعن ابن عبَّاس قالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بَنَاتَهُ وَنِسَاءَهُ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ.4
صفة الصلاة والخطبة:
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ بالصلاة قبل الخطبة كما في الصحيحين من حديث ابن عمر. وكان يصليها ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ في الأولى بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية بـ(هل أتاك حديث الغاشية) كما في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير رضى الله عنهما، وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أنه قرأ في الأولى بـ (ق) وفي الثانية (اقتربت الساعة وانشق القمر).
وكان يكبر قبل القراءة في الأولى سبعاً منهن تكبيرة الإحرام، وفي الثانية ستاً منهن تكبيرة الانتقال، يرفع يديه مع كل تكبيرة، كما ثبت في سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو حديث حسن، وفي مصنف ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً: أنه كان يكبر في العيد سبع تكبيرات في الأولى مع تكبيرة الافتتاح وفي الثانية ست تكبيرات مع تكبيرة الركعة".
وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في سنن البيهقي وغيره "أنه يحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين، ونحوه عند الطبراني، واحتج به الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد من غير أذان ولا إقامة، فعن جابر بن سمرة قال:
لم يكن يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقام له في العيدين.5
وعن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. رواه البخاري.
وعن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، فقال: (تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم) فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال: (لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير)6 قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.7

من سنن العيد:
الاغتسال:
فيسن أن يغتسل قبل الخروج إلى الصلاة، وفي الموطأ أن ابن عمر رضي الله عنهما "كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى" وإسناده صحيح.
التهنئة:
يسن التهنئة بلفظ " تقبل الله منا ومنكم" ونحوها، مما تعارف عليه الناس، فقد صح عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض "تقبل الله منا ومنكم" قال الإمام أحمد عنه: إسناده إسناد جيد.
التنفل بعد صلاة العيد:
من السنة أن يصلي ركعتين بعد صلاة العيد في بيته، كما ثبت في سنن ابن ماجه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئاً فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين، قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه أنه صلى قبل صلاة العيد شيئاً لكن إن كان الصلاة في مسجد فيشرع له أن يصلي ركعتين تحية المسجد.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة انصرف فقام مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وينهاهم وإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به. ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه ولم يكن يخرج منبر المدينة وإنما كان يخطبهم قائماً على الأرض. قال جابر: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن. متفق عليه.
وقال أبو سعيد الخدري: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول ما يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم... الحديث. رواه مسلم. وذكر أبو سعيد الخدري: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على راحلته مستقبل الناس وهم صفوف جلوس فيقول "تصدقوا" فأكثر من يتصدق النساء بالقرط والخاتم والشيء. فإن كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثا يذكره لهم وإلا انصرف.. إلى أن قال ابن القيم:
وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير وإنما روى ابن ماجه في " سننه " عن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة ويكثر التكبير في خطبتي العيدين.8 وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به. وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يفتتحان بالتكبير، وقيل: تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يفتتحان بالحمد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم)9، وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله. ورخص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة وأن يذهب، ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة"إ.هـ10
عيد الأضحى:
فإذا عاد من صلاته وخطبته صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته تقرباً إلى الله تعالى، فعن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ.11
وكان يسمي الله عند ذبحه ويكبره كما ثبت عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.12
وكان يذبح أضحيته بالمصلى، كما روى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْحَرُ أَوْ يَذْبَحُ بِالْمُصَلَّى.13
وكان لا يذبح إلا بعد صلاة العيد، ويخبر أصحابه أن من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم وليس أضحية، فعن البراء ابن عازب رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسْكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ) فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ) قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَهَلْ تَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: (نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ).14
وكان صلى الله عليه وسلم يذبح الأضحية بيده الشريفة.. فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي). رواه مسلم.
هذا بعض ما تيسر جمعه في هدي النبي صلى الله عليه وسلم يومي العيدين، فينبغي للمسلم الذي يرجو الله واليوم الآخر التأسي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيده وأيامه كلها,,
نسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب العمل الذي يقرب إليه، وأن يرزقنا حسن العبادة ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم والإخلاص لله رب العالمين..
وأن يتقبل منا أعمالنا ، ويجعل أعيادنا عامرة بالطاعة والمودة، ويتوج فرحتنا بعز الإسلام والمسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 رواه أحمد والترمذي و صححه الألباني.

2 رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الألباني.

3 رواه البيهقي في شعب الإيمان، وهو حديث حسن، كما في صحيح الجامع (4934).

4 رواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2115).

5 رواه أحمد، وروى نحوه البخاري ومسلم.

6 الشكاة أي الشكاوى، وتكفرن العشير، أي تنكرن معروف الزوج، يقال للزوج عشير، من المعاشرة.

7 رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم.

8 - الحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4597) وفي تمام المنة (ص351) وقال: (لا يجوز الاحتجاج به على سنية التكبير في أثناء الخطبة).

9 رواه أبو داود وغيره، وقد ضعفه الألباني في مواضع عدة من كتبه.

10 زاد المعاد (1/ 425).

11 رواه البخاري.

12 رواه البخاري.

13 رواه البخاري.

14 رواه البخاري.
منقول


الساعة الآن : 01:18 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 430.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 428.81 كيلو بايت... تم توفير 1.27 كيلو بايت...بمعدل (0.30%)]